لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-02-09, 05:42 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 13,907
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
(8) المشهد الأول


انقضت ساعة المستشفى في التضميد و الاطمئنان أن كل أعضائها بخير، و الساعة الثانية تنقضي في السيارة بهدوء ذو رهبة، كان صوت الريح خارج السيارة يعزف تلك المقطوعات المثيرة للرهبة. كانت صامتة، بعيدة، مشتتة، و مضطربة. كان حائراً، مشمئزاً، متعباً، و مشتاق لـ عودة فيض الحب! بقيت المسافات تزيد في عداد الكيلومترات بالسيارة بهدوء (بلا حرف) و (بلا صوت) ... كل ذلك الهدوء الذي يأكل الأطراف، يأكل الخلايا و يسمح لعدوى التفكير بأن تطول و تطول

صوت احتكاك الإطارات بالأرض يثير الوحدة، غريب هو هذا العالم، تستطعم أتفهه في لحظات كهذه، كما تفعل هي الآن و ذاكرتها تعود إلى ضجيج تحطم سيارة والدها مع صوت بيانو والدتها قبل أن تنام. الكثير من ذكريات الطفولة مع ذاك المزيج الغريب من صوت التحطم و البيانو. هل بقي جنون لم يقترفه جنوني؟ و رأسها مستند على نافذة السيارة

- طلال؟

انتشلته من كل الخواء الذي كان يطالعه بعيداً

- ماذا؟ (بدون أن ينظر إليها)
- ماذا ستخبر والدك؟

و بقي الصمت رفيق صاحبنا، ماذا يخبر والده؟ هذه ضمادة يدها / هذا قميصه الملطخ بدماء أصابعها /هذا وجهه المخدوش بأظافرها / هذا هو الشعور المحطم في وجهنا كلينا، و بقي سؤالها معلقاً في الهواء، و لم تبحث عن إجابة لأنها أضعف من أن تفكر بما سيظنه العم عبدالله بها و بكل ما فعلت. أجابها بهدوء:

- لا أدري

بقيت صامتة بعض الوقت ثم توجهت أنظارها الزرقاء إلى جانب وجهه المخدوش و بعث إليها ذلك بعض السرور و الألم

- خدشتك بقوة

بقي صامتاً و أضافت بانتصار خبيث:

- أظنك كسبت هذا الخدش بجدارة

تطلع إليها بنظرة أثارت ارتباكها، ربما كانت تأنيباً أو تعاطفاً أو ربما المزيج بين الاثنين، أعاد نظره إلى الطريق

- ماذا؟ لن تقول شيئاً ؟
- لن أسمح لك باستفزازي، هذا كل الأمر

كان أهدأ مما توقعت، ثم بقيت تتساءل، أحقاً هذا طلال؟! أسندت رأسها لمزيد من الذكريات على زجاجة النافذة، و هي تسترجع كلمات و توضيحات العم عبدالله بالحكاية كاملة أمام أبنائه و أمامها، كانت عبير متمسكة بيد جواهر التي لم تعد تشعر بشئ، ربما القليل من الارتياح الفكري عندما عرفت أن والدها كان ثملاً لسبب معين و ليس كهواية مقيتة! تذكر طأطأة رأس طلال و هو ينظر لوالده و لها بندم لكشف الأوراق بهذه الطريقة... و أخيراً تذكر انفجارها أمام كل شي عندما شعرت أن سموم الذكريات تطال كل شبر فيها...

طلالنا يقود و أفكاره تعود إلى فاطمة... من هي فاطمة؟ و كيف بدأت قصتهما؟

طلال (28 سنة بتاريخ اليوم)، ملتحق متأخر بالجامعة و خريج قليل الحيلة من بعد رحيل من كانت سبباً في نجاحه، غامر بالكثير من وقته من بعد مدرسته، أضاع ما يقارب الأربع سنوات و هو يدخل في الكثير من المشاريع التي سرعان ما طارت مع الريح، محدود العلاقات مع الجنس الناعم، يغضب عندما يغضب ما حوله، و يداعب كالأطفال عندما يبتسم ما حوله! كانت فاطمة (25 سنة بتاريخ اليوم) زميلته في الجامعة إنسانة تجمع روح المرح و التحفظ، كانت تدفع الجميع للدراسة و المثابرة و الكفاح. كانت حلقات الدراسة في الجامعة تجمع الكثير من الزملاء، كانت تلك المجموعة الدراسية مختلفة عن غيرها من المجموعات، كانت العلاقات بين الذكور و الإناث محدودة بالالتزام و الاحترام، و كانت لمشاريع تلك المجموعة الصدى المميز في الجامعة بأسرها. كان طلال يشعر بشئ من الانتصار كلما تقدم في بحث أو مشروع أو حتى مساندة زميل أو زميلة بما تمليه العادات. كانت تلك المجموعة من أجمل الأشياء التي تركت الأثر الطيب في قلبه و روحه، و بقي اعجابه بفاطمة يزيد، خصوصاً و أنها مختلفة و مميزة عن غيرها. كانت تملك روح دعابة أشبه بدعابة الصبية، و كانت تزيد حلقات الدراسة حلاوةً بالحلوى التي تحضرها و هم يتأخرون في مكتبة الجامعة و غرف الدراسة. كانت تلك الأيام أشبه بعالم مختلف تماماً عن عالمه الآن... على الرغم من نظرات الجامعيين لتلك المجموعة التي تدرجها تحت مصنفات الشكوك الأخلاقية أو مصنفات النجوم التي سرعان ما تذبل تموت... كانت المجموعة تتميز بخُلق رائع نادر في هذه الأيام. كانت الفتيات و الصبية من غير وسيلة اتصال مباشرة (لا هواتف و لا مسنجرات)، كانت وسيلة الاتصال الوحيدة هي المجموعة البريدية التي أنشئوها حفاظاً على مشاريعهم و بحوثهم و إفادةً لطلبة غيرهم و بالنهاية كوسيلة اتصال في تحديد مواعيد الدراسة أو البحوث. كانت تلك المجموعة البريدية سبّاقة في الجامعة، كان الجميع يشترك باسمه الحقيقي و يودع كل المواقع ذات الفائدة، أو ذات الترويح، أو حتى الفلسفية منها مما أظهر روحاً جميلة في كل شخص بتلك المجموعة و بالتالي أضاء الكثير من الطلبة خارج المجموعة.
كان أساتذة الجامعة من حاملي شهادات الماستر و الـ PHD يضربون المثل في تعاون المجموعة و تفانيها في خدمة طلبة الجامعة. كانت المجموعة أيضاً مسئولة عن حملات الدعايات و التبرعات بالجامعة، الأمر الذي أظهر مواهب طلال الفنية في التصميم و خبرات فاطمة في الإدارة المنظمة. باختصار، ليست كل مجموعة كتلك المجموعة، ربما لأن أفرادها اجتمعوا بنوايا صافية و احترام ! ليت كلمتبادل، و تقدير الشخص المختلف كأخ حقيقي و كأخت حقيقية الجامعات تحمل في قلبها كمثل تلك المجموعة بطيبتها و خُلقها و تفانيها في سبيل العلم!
ما زال يذكر ذلك اليوم الذي خرج فيه من المكتبة و هو يأن عندما ودعت أمه الحياة بغتةً إثر جلطة دماغية. كانت المجموعة متألمة لطلال، خصوصاً و أن والدة طلال كانت تُحمل طلال الكثير من الأطعمة ليؤكلوها و هم يدرسون و يبحثون و يخططون لمشاريع جديدة. كانت الخالة فاطمة محببة لروح فاطمة على الرغم من أنها لم ترها، لكن قلب فاطمة الرقيق تعلق بالخالة فاطمة من أحاديث طلال و هو يعد البحوث أو يقوم بتقديم البحوث و هو يقف أمام البروجكتور (لا أعرف اسمه بالعربية هههههه) بظرافة قائلاً... أمي تسلم عليكم ! أمي تقول تغدوا زين! أمي .. أمي .. أمي ! آه أمي! وصية للجميع... تحملوا بأمهاتكم
انقطع طلال عن الجامعة في موسم الامتحانات، الأمر الذي أقلق الجميع، و كانت فتيات المجموعة يطلبون من صبية المجموعة أن يظلوا مع طلال لمساندته، و يحثوه أن لا يضيع مجهوده في ترك الامتحانات خصوصاً أن لا وسيلة اتصال مباشرة بيد الفتيات سوى رسائل التعزية على المجموعة البريدية. كان صبية المجموعة يلاقون طلال الذي تغير كثيراً من بعد وفاة أمه، ربما كانت وفاتها مؤلمة كفاية لتذكره بوفاة خالته.
فكرت فاطمة في طريقة تحث طلال بالاستمرار و المثابرة و أن لا يضيع ما تبقى من عمره في الجري وراء السرابات التي أضاعت أربع سنوات من حياته، بعثت قرآناً أزرقاً صغيراً مع أحد صبية المجموعة (أحمد) إلى طلال و قالت له:
- أخبر طلال أن الحياة لابد من أن تستمر، احزن ما شئت على أمك، لكن لا تحزنها بأن ترمي كل جهودك بعيداً.
كانت لكلمات فاطمة بالغ الأثر في قلب طلال، خصوصاً عندما أودع أحمد القرآن الصغير في كفه، و أضاف إلى كلام فاطمة:
- لست صغيراً يا طلال، لابد من أن تكمل، و إلا ستعود إلى الصفر مرة أخرى

و كانت لعودة طلال المحمل بشتى العواطف الممتنة لكل المجموعة، بالغ الأثر في المجموعة ذاتها. الأمر الذي حث الجميع على الاجتهاد و المثابرة في تحقيق المستحيل لنيل تقدير الامتياز في المشاريع التخرجية النهائية. انقسمت المجموعة إلى الفتيات و الصبية، لتسهل عملية التجمع في المنازل لكل على حدة، و كان الاجتماع الاسبوعي بالجامعة المحدد من خلال المجموعة البريدية بالغ الأثر في تطوير المشاريع لأفراد المجموعتين، الصبية يطورون بذكائهم مشاريع الفتيات، و الفتيات تضفن لمسات التصميم و الجمال إلى مشاريع الصبية. كان التعاون المشترك بين المجموعتين مبلغ حساد كثيرين بالجامعة، حتى أن البعض أطلق الشائعات على وجود علاقات مشبوهة بين الفتيات و الصبية، و إلا لماذا يقضون أوقاتهم في تطوير مشاريع تخرج غيرهم بلا فائدة؟! هل حقاً تنعدم فكرة وجود علاقة طاهرة بين أشخاص يكنون الاحترام لبعضهم البعض؟ بلغت الشائعات مسامع الفتيات، مما أثار خوفهن و غضبهن، إلى متى تطول هذه الحكايات العديمة الفائدة؟ إلى متى؟!! و كان لفاطمة الكثير من القلق!

وصل موعد التخرج بالامتياز الباهر و الجميع فرح و حزين، لابد من الفرح بانتهاء سهر الدراسة المؤلم، و لابد من الحزن لفراق الزملاء و الأصدقاء. كان طلال يفكر كثيراً، كثيراً في فاطمة... و كان يريد أن يرتبط بها قبل أن تذهب بلا رجعة، فصارحها بذات يوم التخرج أنه يفكر بالارتباط بها، الأمر الذي أدهشها و أخافها و جعلها تنزوي بعيداً خوفاً من طلال، و ظلت تتساءل إن كانت له نوايا من قبل و هم يدرسون و يبحثون، كانت تكن عاطفة أخوية للجميع، لماذا فسرها طلال أكثر من الأخوية إذاً؟!!!! و انتهت أيام الدراسة، و تفرقت دروب طلال و فاطمة، مما جعل طلال يفقد الأمل نهائياً بعودة فاطمة إلى دروب حياته، لكن سخرية القدر جمعت صديقه أحمد و زميلة بالمجموعة (جلنار) ... حلو الاسم صح.. أمها تركية/فارسية و الاسم فارسي و ! أحكيمعناه زهرة (جُل) الرمان (نار)/ زهرة الرمان قبل أن تصبح ثمراً ... بقي أن أخبركم أن جلنار هي توأم روحلكم قصة أحمد و جلنار مرة ثانية فاطمة و من جمعت قدرها مع طلال مرة ثانية بطريقة أقرب إلى الخيال. فاطمة فتاة تخاف وحشية هذا العالم، و القصص الموجودة بين الفتيان و الفتيات، كانت تجنب نفسها كل تلك الترهات حفاظاً على نفسها طاهرة من الداخل لزوجها المستقبلي. أسترجع لكم حوار جلنار و فاطمة بعد زواج جلنار من أحمد:
)- ألف ألف مبروك كُولي (اسم الدلع لجلنار
)- يبارك في حياتكي حبيبتي (لاحظوا تكسر اللغة
- كيف كان شهر العسل؟
)... أحمد رائع.. أحبه كثيراً فاتي...- Awesome فاتي (اسم الدلع لفاطمة
- قولي الحقيقة... تحبينه من أيام الجامعة؟
- بصراحة لم أفكر فيه... كان up tight زيادة عن اللازم و أنا كنت مرحة أكثر منه، لكن تعلمين، لم أعرف أنه ذا روح رائعة فاتي... فكري أنتي، بأخلاق مثل أخلاق أحمد أو طلال من أيام الجامعة، ألا تظنين أنهما سيشكلان أزواجاً رائعين؟
- أتمنى لك التوفيق
- لم تجيبي على سؤالي
- تقصدين طلال؟

أدخل أنا الآن

- نعم طلال!!!
- بسم الله الرحمن الرحيم، إنتي ما تعرفين تسلمين قبل يا راويوووو!
- خخخخخ ... السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يالمينونة- و عليكم السلام
- زين ليش ما تقولين لي و لجلنار ليش رافضة طلال؟!
- رافضته؟! ليش من قال لج إنتي؟
- غبية و الله غبية! أنا اللي أكتب و لا نسيتي؟!
- صح صح
- صح بعينج!
- راويوووووووو!

جلنار تدخل في الموضوع

- خليها رورو، كانّان (مجنونة بالفارسي)
- ها؟
- أقصد فاتي مينونة تخسر انسان بروعة طلال، عيونك آخر أمالي معجبة بطلال، ليش ما تشربكينهم يا الخطّابة!
- جلنارووووو.... !
- خخخخخخخ... زين زين بابا... خليني أقول لفاتو اللي أبي أقوله
- قولي أشوف

و انتبهت فاطمة لجلنار

- طلال يريدك فاطمة، لقد كلم أحمد و أحمد أخبرني
- ..................
- فاتي ... حبيبتي... طلال مثل أحمد... صدقيني... إنسان عاقل و رزين،، متفهم و خلوق و مؤدب،،، لا تركنيه جانباً لظنون كاذبة
- و ماذا يؤكد لي ما تقولينه، ربما كان يفكر في خلود أو ميساء أو أياً من فتيات المجموعة!
- ستقتلني هذه الفتاة!!!!
- لماذا !!!!!!!!
- خلود .. ميساء... بطيخ! لم يتمسك طلال بخلود أو ميساء أو بطيخ... يريدك أنتِ.. و ثانياً الرجل يريدك علناً و أمام أهلك... يعني ليس وراء الظل... خذي... هذا رقمه، حددي موعداً على الأقل مع أهلك
- ماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!! أمجنونة أنت؟؟؟؟؟؟؟؟؟!
- لماذا !!!!!!!
- ماذا أقول.. مرحباً أمي.. هذا رقم زميلي بالجامعة سابقاً... يريد أن يتقدم لي... شكراً أمي!!!
- أخبريني... كم عمرك الآن؟!
- تعرفين ما عمري... و لا تدخلي مسألة العمر في المسألة... أعلم أنني بسن ارتباط!
- و ما دمتي تعرفين ... لماذا كل هذا التهرب؟!
- لأن الموضوع ليس بتلك السهولة... أهلي يأتون بالمرتبة الأولى، تعرفين أنني بمجرد هذا التصرف سوف أخسر ثقة أهلي!
- سأنتحر.. أنتهى الموضوع!
- جلنار!
- حسناً، أتظنين أنني سأرميك إلى هاوية مثلاً، لو لم أكن متأكدة و أحمد لم يكن متأكداً من طلال، لما أخبرتك فاطمة! أنت إنسانة تستحقين كل الخير، و طلال يستحق كل الخير، و كلاكما إنسان رائع... لماذا لا إذاً؟ يريدك على سنة الله و رسوله! لماذا الافتراضات و الضياع و التفكير السلبي؟! أهلك لن يخسروا ثقتهم لأنكِ كنت و لا تزالين فاطمة التي يعرفها الجميع،،، و هذا شخص سيسعدك،،، أنا أعلم... و قلبي و عقلي يؤكدان ذلك.. و إنت كنت خائفة من مسألة الارتباط ، سأخبرك بأن هذا الاحتمال قائم بكل الأحوال! لا يعلم أحد ما يخبأه نصيبك في الدنيا

اضطربت فاطمة من بعد كلام جلنار، و أخذت رقم طلال و ظلت تفكر كيف تخبر والدتها... و والدها؟! استعانت بسمية أختها التي تصغرها بأربع سنوات، فاستجمعت الأختان الشجاعة و أخبرتا والدتهما التي استغربت في بادئ الأمر و ظلت تسأل فاطمة تستشف إن كانت تكن مشاعر لهذا الشخص، فكان رد فعل فاطمة في أن ترمي كل شي و تخبر والدتها أن رضاها قبل كل شي، الأمر الذي شجع الوالدة في أن تكلم والد فاطمة و تبدأ الخطوات الأولية للخطبة التي استعصت بعض الشئ خصوصاً و أن طلال لا زال يبحث عن عمل، فما كان من والد فاطمة إلا أن يطلب من طلال أن يجد عملاً في البداية و يثبت نفسه و يتقدم مرة أخرىـ ! خلال هذه الفترة،بمعنى أن فاطمة ستبقى محجوزة له (ليش سيارة؟ هههههه) بقيت فاطمة تفكر في طلال كثيراً، و ذات مساء، اتصلت به... و هكذا بدأت الاتصالات الشحيحة، و الكثيرة التحفظ... كانت خاطئة أعلم، لكن فاطمة أحست أنها بنهاية المطاف ستنتهي مع هذا الـ طلال... كل ذلك الحب الطاهر الذي يريد أن يتنفس بطهارة في قلبيهما بقي مغلقاً إلى أن يتم الزواج... الأحاديث بقيت ذات طابع أخوي... إلى أن يتم الزواج....
عودة .........

ابتسم طلال بألم، إلى أن يتم الزواج؟ من بعد الوظيفة و التثبيت و اثبات الذات، ابتعدت فاطمة بالوساوس من جديد إلى الأبد!! تبقى للكرامة مكانة بعد كل شي!

>>>>>>>>>>>>> يتبع

(8) المشهد الثاني


- ارفع الستار!!!

صرخ غسان بالطالب الكسول النائم الذي ظلت يده متعلقة بالحبل و هو يصارع النوم من بعد سهر طويل مع فيلم الأكشن البارحة! ارتفع الستار و أطلت الشخصيات أمام اللجنة المدرسية في أول البروفات.

كاميل، ترتدي عباءة المرأة العجوز و صاحبة القصة المسرحية التي تحكي فيها معاناة ابنائها في حربٍ لا طائل لها
راحيل، ذات الإعاقة الحقيقية في قدمها تظهر في الوراء و هي تسحب دمية تشبهها بأخيها الميت
باتريك، الجندي الأجنبي الأشقر المتعاطف مع راحيل و كاميل يغطيهما من طلقات الرصاص من مسدس زميله المجند جايكوب (يعقوب)
عبارات الألم، عبارات الخيانة، و عبارات الإنسانية المتقنة و التي أجاد غسان كتابتها من قلبه قبل عقله، هكذا فكرت عبيرتنا
كانت تتطعم كل ألم يمر بشفاه الطلبة، كل الاندفاع و العروبة التي غرسها في الطلبة على الرغم من بعض الدماء الأجنبية بعروقهم، كان غسان إنساناً رائعاً ... هكذا رائع و عيني تدمع و أنا أخطه على الورق!
كل الحركات كانت تحكي بجدارة ألم هذا العراقي المنبوذ من البعض و المحبوب من البعض الآخر! المشاعر الانسانية تختلف في قوتها و في أسبابها... لكنني أتمنى أن نحب جميعنا غسان، لنحب شقاً صغيراً في قلوبنا اسمه العروبة المندثرة...
كانت المشاهد الأولى تتلقى هزات الرؤوس الموافقة في الترتيب المسرحي و المشاهد الصراعية بين الانسانية بقلوب الأجانب و قلوب العرب، و الوحشية بقلوب الأجانب و قلوب العرب. كل الألم المنتشر في العالم، حتى العالم الغربي، طال شخوص هذه المسرحية، المعارض و المؤيد فوق المسرح يتابعون سطور غسان المكتوبة بحبر من دم و دمع طوال ليالي سهره في بيته وحيداً. كانت الأيام ثقيلة الوطء على غسان حقاً، بعض الأصدقاء يملئون بعض أوقات الفراغ، و الوقت الآخر تملأه الكتب و التأليفات المسرحية. غسان، عيون الشهد، يتحرك برشاقة نمر خلف المسرح و عيونه تراقب من خلف زجاجات النظارة ملامح الحضور، و بالخصوص، تلك العبير التي خرجت غاضبة منذ لحظات لتصرفه الغريب مع مايكل (زفت الطين) !!!! لم تهمه سمنتها، لم يهمه اهمالها لتفاصيل أنوثتها، ما يهمه هو حنانها الغريب مع طلبتها، تعاطفها الواضح، و بذلها المستحيل لتكون رسالة تعليمية حقة... هذه عبير، الرسالة التعليمية الحقيقية و التي يجهلها الطلبة، الكثير من الطلبة الذين يرمون معلميهم بقلة الأدب و بقلة الذوق في نكات سمجة أو تعليقات ساخرة لجلب التقبل من الطلبة الآخرين... المقالب المضحكة و المثيرة للبعض في الضفادع أو الصراصير فوق الكراسي... لم تكن عبير و معلمتي أنا... لكم كل الاحترام و كل التقديرلتوقف عبير... أبداً و كل الحب الذي بقي في دفاتري المدرسية... في كل خط أحمر زين صفحاتي بعلامة مكتملة و كلمة وفقك الله الكبيرة... أحبكِ معلمتي، أحبك عبير... إلهي... ليس وقت البكاء!أحبكم جميعاً

انقطع حبل الأفكار مع دخول مايكل (زفت الطين) ليهمس في أذن المدير التنفيذي للمدرسة ليقول الأخير

Stop the play now ! (أوقفوا المسرحية الآن)!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
الحقير مايكل!!!!!!!!!!!

*************
العم عبد الله في المنزل، يطالع نتائجه، و يتخذ قراره في اخبار الأبناء بروية بمرضه الكروسترولي

دخل طلال مع جواهر ، و كانت الصدمة للعم عبدالله، ماذا حل بهاذين الإثنين؟!

- ماذا جرى؟

صمت الاثنان

- ماذا جرى؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!

أجابت جواهر بخذلان

- I’m sorry عمي، لقد ..
- لقد ماذا؟!

أكمل طلال

- جواهر كانت في...
- منزل والدها أعلم .. ماذا جرى؟

و صمت الاثنان و هما يطالعان بعضهما و العم عبدالله

- ليخبرني أحدكما ما جرى! الآن! الضمادة و الدم و كل هذا... ماذا حدث لوجهك؟!

لمس طلال خده ليخفي ما استطاع من خدوش جواهر التي بدأت تحس بالألم و الخزي

- ماذا جرى؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!

أجابت جواهر و عيونها تطالع الأرض

- حطمت منزل والدي،،، و الخادمات اتصلن بالمنزل هنا
- ........................ و بعد؟

ابتلعت ريقها و أكمل طلال

- ذهبت من فوري إلى منزل العم خالد و ...

أكملت جواهر لتجنبه الاحراج

- كنت ثملة!
- ماااااااااااااااذاااااااااااااااااااا؟؟؟؟!!!!!!!!! !! ثملة يا جواهر؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!! هاذي آخرتها؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!

المعذرة للعم عبدالله، خرج من الفصحة لوقع الخبر، لابد من التدخل الروائي هنا

- عمي لحظة
- أي لحظة يا راوية... أي لحظة... (و عينه تدمع) تكسر بيت أبوها و تشرب؟! هاذي آخرتها يا جواهر؟! يا عيال قولوا لي شنو أسوي فيكم! شسوي؟!!!! (و يشير بيده في الهواء بوجه طلال) و تضاربتوا... صح؟!

حاول طلال أن يوضح

- لا يبه... الموضوع مو مثل ما...
و ساعدته جواهر
- صحيح، ما كان مثل ما تتصور عمي

و قاطعهما العم عبدالله و الغضب و الدموع تملأ عيونه

- شنو أتصور مع هالدم؟ شنو أتصور؟ تبون تذبحوني إنتو؟ تبون تذبحوني أكيد

دخلت عبير معصبة على الآخر من مايكل (زفت الطين) و خباثته

- هواش بعد؟

و تطلعت إلى منظر طلال و جواهر و أصابها الذعر، لكن ليس كالذعر عندما رأت دموع والدها

- خلاص ذبحتوني... ما أدري شسوي فيكم ... حتى الكلام طلع برع الرواية و صارت اللهجة محلية! حسبي الله على ابليسكم من عيال؟! حسبي الله و نعم الوكيل!!! يعني أنا أحاول اكون لكم الأبو و الأم و العم و كل شي... و هاذي آخرتها؟ هاذي آخرتها؟ رفعتوا ضغطي و الكرسترول ارتفع معاي بسبتكم!!!!!!! أقول ما أبي أقول لعيالي شي عشان ما يخافون و يتوترون! أطلع من البيت من غير لا أحد يحس إني رايح المستشفى.... و هاذي آخرتها؟! هاذي آخرتها يا عيال! حسبي الله!!!!!!!

و غادرنا و دموعه تملأ خدوده إلى مكتبته و أغلقها ورائه و نحن جميعاً واقفون نطالع بعضنا بخزي و ألم و انكسار، كيف نعيد نحن الأولاد في قلوب آبائنا المرهقين القليل من رحيق الحياة؟ كيف نجدد الحب في قلوب آبائنا من بعد طيشنا الذي يبدو مبرراً لنا في أحيان كثيرة؟! سامحني أبي... سامحيني و الله أحبكم... و مع هذا ... أترككم الآن... محبتي للجميع هنا...أمي كان جزءاً محملاً بالكثير من عاطفتي...

________________________________________
(9) المشهد الأول

!) و أنا معاهم بقي العم عبدالله (حاقراً الجميعـــ،،، حلوة هاي حاقراً هههههه
موسم الشتاء أقبل في الـ ديسمبر ذاته ، موعد أبطالي مع الشتاء الذي أعشقه جنوناً، عبير و غسان في بروفات المسرح، طلال، عمله و شوقه لفاطمة ، و أخيراً مصير جواهر المعقد!
مع تقديم البحوث الإجبارية التعسفية إلى الأساتذة التُحف و بداية الفصل الجديد مع انتهاء mania الامتحانات، قررت جواهر الالتحاق بجامعة طلال!

و قبل أن تتخذ قرارها، كانت ساعات التأمل في كل صورها بالألبوم المغلق رفيقة مؤلمة و محببة، ربما لتحمي برائتها من تلوث أبيها و أمها.

الصورة الأولى، ليزلي و خالد ممسكان بايدي بعضهما و قبعة القش فوق رأس ليزلي تثير ضحكة على شفاه خالد

الصورة الثانية، ليزلي ترفع جواهر السمينة ذات الأعوام الخمسة و لا نظرة تواجه عدسة الكاميرا، فكلتاهما تضحكان و تنظران لبعضهما

الصورة الثالثة، صورتها مع العم عبدالله و الخالة فاطمة في عيد الفطر و قد أتمت عامها الثالث عشر

الصورة الرابعة ...... ! مؤلمة .... ! قبيح هو ذلك العشيق! قبيح جداً ! مزقت الصورة بهدوء،فقد أصابها القرف لأنه كان ممسكاً بها و هي صغيرة بأعوامها الخمسة و ليزلي ممسكة بيد خالد و نظرتها تائهة بعض الشي، كان هذا التاجر الفرنسي شريك والدها في بعض المشاريع، و لم تتخيل أن زيارته و هي صغيرة هي لوالدتها و ليس لوالدها. ثم تذكر اختفاء الرجل مع تساقط شعر والدتها بالسرطان.

مؤلمٌ أمي كثيراً، لماذا؟ لماذا؟
مؤلم أبي كثيراً، لماذا؟ لماذا؟

تنهدت و سقطت دمعة صغيرة على خدها بدون أن تتحرك ملامحها،،

هدوء غريب يمتزج في صدر جواهر، منظر العم عبدالله و هو يبكي كان مؤلماً جداً... و موقف طلال في محاولة شرح الوضع بهدوء...
هزت رأسها، طلال... طلال... كرهتك طلال كثيراً، و لا أعلم إن كنت ما زلت أكرهك بذات القوة، لكنك حطمتني... حطمتني و كفى!

خرجت من غرفتها و توجهت إلى غرفة العم عبدالله، فطلال في عمله، و عبير في مدرستها و العم عبدالله لا يلقي التحية إلا نادراً، حتى عبير التي لا ذنب لها، أصبحت في دائرة المتهمين.

طرقت الباب، و لم يجبها أحد

طرقته ثانية، و لا رد

أصابها الاحباط ، وذهبت للمطبخ لتعد لها فطوراً متأخراً

خلف طرقات الباب، العم عبدالله يتطلع بصورة الخالة فاطمة القديمة، و يتذكر حكاية قديمة وهو حزين.
- خذ الدراقة!
- دراقة؟ هههههههه
- تحب الدراق ناعماً أو مجعداً؟
- ما همتني التجاعيد في دراقة حياتي

ابتسمت بخجل من بعد سنين الزواج القوية، لا زالت ذكرى نظرتها الخجولة تبعثر شعوره.
يحبها كثيراً، و يفتقدها كثيراً، و يفكر بما سيفعل الأبناء إن ودع الحياة؟! آه فاطمة... الله يرحمك

سقطت دمعة سخية على وجنة العم عبدالله، و دخلت أنا أمسحها بالنيابة عن SCORPIO !
تطلع العم عبدالله إليّ و قال: صغيرتي الغالية، و كل الصغار الذين جلبتي محبتهم لي، ليت أولادي يفهمون القدر البسيط مما تفهمونه أنتم
تحركت رموشي باضطراب، و بقيت أقوي صمام الأمان في عيوني!
- راوية صغيرتي، إن حدث لي شي، هل ستعتنين بالأولاد؟
- أنا عمي؟
- نعم صغيرتي، حاولي أن تجمعي قلوبهم بالحب و طهريها من الحقد و الألم
- لا أدري إن كنت أستطيع
- تستطعين (أمسك يدي) تستطعين بنيتي
- عمي لا تتحدث بهذه الطريقة
- لن أموت اليوم صغيرتي، لكنني أريد أن أرحل مطمئناً بأنني سأجد من يحاول أن يجمع أبنائي جميعهم بالحب و الترابط
- عمي أرجوك لا تقل هذا (و سقطت دمعتي معاندة)
مسحها، و مسح دمعته و احتضنني لأترك القليل من أثر كحلي على ثوبه الأبوي الدافئ

أحبكَ عمي ،،، أحبكَ كثيراً ،،،

****

- ممكن؟

رفعت عبير رأسها من تلك القراءة اللذيذة في الـ best seller التي أشترها الأسبوع الفائت، و تطلعت بعيون الشهد

- طبعاً

و شاركها المقعد إياه في حديقة المدرسة الخلفية

- لا ترافقين الباقيات؟
- الباقيات؟
- أعني المدرسات
- أها، كلا.. آثرت القراءة

و أنزلت رأسها قليلاً تتطلع إلى أوراق الكتاب تتراقص مع ريح ديسمبر

- The First Days Of School: How To Be An Effective Teacher ؟


أحست ببعض الخجل، لعله يظنها مهزوزة الثقة لتقرأ كيف تصبح معلمة ناجحة، لكنه قال


- رائع

اكتفت بابتسامة أشغلت باله قليلاً

- أتعلمين؟
- ماذا؟
- دوماً يتبادر لأذهان البعض أن التدريس مهمة فاشلة لأنها غير قابلة للتجديد، فمثلاً المعلم أو المعلمة في عيون البعض لا زال يقبع في الاطار التقليدي
- الاطار التقليدي (بابتسامة) ؟
- نعم ، نظرية العصاية أو نظرية الوجه العبوس أو نظرية النظارة الطبية المخيفة (و حرك نظارته الطبية قليلاً بمزاح)

ضحكت بهدوء

- نوع نظارتي ليس تقليدياً
- بعض أنواع النظارات التقليدية تتمتع بطابع جيد

استغرب غسان كلامها، هل تقصده، و استطردت توضح قبل أن يسئ فهمها

- نظارة معلمتي بالاعدادية
- أها
- كانت على قدر تعبها، تأتينا بوجه بشوش و ابتسامة عذبة تجعل جميع المعلمة ضياء كانت قدوتي و سببي في أن أصبحالطالبات حيويات و نشيطات معلمة مثلها
و هل لا زلتما على اتصال- جميل

انكسرت ابتسامة عبير

- لقد توفيت قبل ثلاثة أعوام
- آسف، الله يرحمها
- الله يرحمها، و لا داعي للأسف، فذكراها أجمل من أن تجلب لي الحزن
- هذا نادر أتعلمين
- ما هو النادر؟
- أن تتذكر فقيداًُ بحب بدل الحزن
- نعم، ربما
- ربما؟
- لم أتغلب على رحيل والدتي تماماً (بابتسامة حزينة)
- و أنا أيضاً لم أتغلب على رحيل جدتي تماماً (بابتسامة أكثر حزناً)
- أتعلم ما هو المؤلم؟
- ماذا؟
- عندما تبدأ بنسيان الأشياء الصغيرة، حتى تنتهي بنسيانهم في بعض الأماكن ثم تنتبه أن الحياة تستمر (تحية لعلبة الألوان )
- لابد من أن تستمر الحياة
- أعلم، لم أقصد ذلك بشكل سلبي
لا تنسي أن النسيان من الإنسان- أعلم
- و النسيان نعمة
-
-

و استمرت الابتسامات و الأحاديث الرقيقة... ثم دخلت إلى قضايا البروفات المسرحية بسؤال عبير

- ماذا قال المدير بخصوص المسرحية؟
سيدققون في النص حتى لا نثير زوبعةً وطنية في المدرسة-
- لكن النص لا يتطرق إلى هذه المواضيع، بل على العكس، لو أنهم تنبهوا جيداً، ربما تفتحت عينهم الثالثة
لا أعلم عبير، سيبقى مايكل يحوم كالحشرة كما قالت كوكو ليثير الفتن-
- لا أعلم لماذا يفعل ذلك؟!
- أليس واضحاً من بعد لقائنا الأخير

صمتت قليلاً كما صمت أيضاً، ثم غير الحديث إلى...

- ما رأيك في راحيل؟
- هذه الفتاة تملك روعة لا أستطيع وصفها
- بسبب اعاقتها؟
- لا أدري حقاً، إنه ذلك الشئ المشع في وجهها
- أعلم ما تقصدين
- هي و كاميل رائعتان و لا أستطيع سوى الفخر عندما أذكر أنهن طالباتي
رائع-
- حقاً ،، رائع
- أنا معجب بروح يعقوب و باتريك
- له نظريات تثير دهشتي أحياناً
- من؟
- باتريك
- كيف؟
- في حصتي أشرت عليه أن يقرأ ما كتبه في أحد بحوثه
- و ماذا في بحثه
- الكثير أتصدق؟ لم أرَ صبياً في الثامنة عشرة و يتمتع بتلك الطلاقة التعبيرية في اللغة العربية
- والده عربي من أصل غير خليجي
- أعلم، لكنه أشقر بكثير من أن يكون عربياً
- ههههههههههه! أشقر من أن يكون عربياً
- ربما، كما ابنة عمي
- حقاً؟
- شقراء و تملك سحراً غربياً جذاباً و طلاقتها العربية لا توصف
- بحكم الاختلاط ببيئة والدها لابد من ذلك
- ربما

و صمتت عندما تذكرت كل ما جرى في المنزل بالأيام السابقة، بقيت جواهر في منزلهم لمدة ثلاثة أسابيع و قلبت كل الهدوء إلى عواصف و ذكريات مؤلمة، حتى والدها أصبح قليل الكلام و لا يحدثها كالسابق.

<<<< يتبع
(9) المشهد الثاني
- ألم يكونوا على موعد معنا منذ أسبوع؟!
- أعلم أمي
- لماذا تأخر إذاً؟
- لا أعلم
- لا تعلمين؟! اتصلي بجُلنار!
- أمي، دعي الموضوع يمر بسلام، و تعلمين شيئاً؟
- ماذا؟
- لا أريد الزواج بطلال و غيره لأنني أريد أن أكمل دراستي و أعمل بالارشاد الوظيفي بالجامعة!

تطلعت إليها والدتها باستغراب، ثم ابتعدت عنها. قاسية والدتها أحياناً! و والدها قد يقسى أحياناً لكنه أكثر إنشغالاً بزوجته الثانية و أخوتها.
دخلت سمية و التجهم يغلب وجهها الجميل

- ماذا دهاكِ؟
- الدكتور الحقير!
- من؟
- دكتور المادة 243 !
- ما به؟
- قيم تقريري على افتراض أنني و زميلة نسخناه معاً !
- و هل نسخته؟
- ليس كله!
- سمية! لن تفهمي الفائدة من البحوث إلا عندما تكتبينها بضمير واعٍ!
- فلسفة مجموعتك الجامعية؟
ربما، فالحياة الجامعية قد تتخذ أجواءً أجمل عندما تدب فيها الحياة-
- رجاءً فاطمة، أنتم كنتم طفرة!
- ربما، و هذا لا يمنع أن تكوني أنتي و صديقاتك و زملائك مثلنا
- فاطمة؟
- ماذا؟
- أخبرتِ والدتي؟
- ..............
- عيناكِ حمراوان
- Leave it سميتي
- إذاً انتهى؟
- It’s over
- و لم يعاود الاتصال بكِ؟!
- اخفضي صوتك! لا و لا أظنه سيتصل لأنه أجبن من أن يعترف لي بما كان يفعله مع المجهولة في غرفته!
- الحقير!
- لا عليك! تعالي نرى ماذا نفعل بتقريرك هذا
- هيا

*********

- ما هذا يا طلال؟!

تنهد طلال، لأنه يعلم أن انتاجه أصبح رديئاً و لا يقارن بسابقه

- أتسمي هذا إعلاناً؟

و بقي طلال يسمع تأنيب مديره الذي طالما رأى فيه الموظف المبدع و الكفؤ. أحياناً، يفقد الموظف اتصاله بحياته عندما يَهمُ بالعمل، و الجميع يطلب منه المعجزات إذا ما استشفوا أن الموظف قادر على تحمل مسئولية أو اثنتان، حتى ينتهي الموظف بحالة من الركود عند عودته من المنزل و تضيع البقية من حياته بين النوم و الطعام بلا نكهة.

خرج المدير محملاً طلال المزيد من الأعباء، بظنٍ منه أن ذلك سيدفع طلال إلى الانتاج الأكثر إبداعاً و تصميم دعاية الشركة بما يبهر الشركة في الاجتماع القادم.

حسناً، تنهيدة هنا أتنهدها مع طلال، ما أدرى من بالكرسي بما يجري على طاولات الموظفين أو في أجهزتهم؟! بعضهم منهمك في الشات و الآخر في المنتديات و الآخر في بعث الايميلات التي لا طائل من ورائها و بالنهاية البعض يعمل ... مثله و مثلي!

- طلال؟
- What ؟
- قد يتهمني البعض بتشويه منطق العمل
-
- لمَ تبتسم؟
- Life is not fair Raweya
- كيف؟
- تريدين أن أعيش مع انهاك عملك و أنا أريد أن أنهي عملي، لذا هل تتفضلين بالذهاب لأنني أريد أن أعمل!
- أنت لا تطاق!
أعلم-

و بقي يعمل حتى نهاية ساعات الدوام، يمزج الألوان و يعبأ الفراغات في التصميم بأفكار جديدة ... تتوقف أصابعه فوق فأرة الحاسوب (اسمها بالعربية بايخ! Mouse)... تختلط الالوان في الشاشة الكمبيوترية الكئيبة و يظهر طيف شفاف اسمه فاطمة و يعود ذلك الاضطراب في المعدة، و يتدفق الدم بقوة حتى تسمع النبضات في الأذن بسهولة... آه فاطمة؟ ليتني عرفت ما الذي يدفعك عني كل مرة؟ بتخرجنا رحلت، و من بعد تقدمي تهربتي، و بعد وظيفتي أيضاً تهربتِ! بدأ بالتصميم مرة أخرى مع تنهيدة غير مسموعةٍ إلا في آذان أنا و أنتم، كل تلك الأشياء في قلب طلال تتحدث إليّ و إليكم.
أبي؟ لا زال عاتباً عليّ، حتى أنه لم يسألني متى نتقدم لخطبة الفتاة؟ ابتسم بسخرية... بسبب زوابع جواهر!
آه من هذه الجواهر التي أحضرت الكثير معها إلى منزلنا، حتى أنني عشت كل أنواع الدراما! تحركت يده على خده الأيمن يتحسس خدشها، لقد أصبح خطاً رفيعاً من الدم اليابس، بدأ يقشره و إذا بالدم يخرج من جديد! ترك الخدش و تنهد و ابتعد قليلاً عن الشاشة. أسند رأسه إلى الوراء و يداه خلف رأسه يتطلع إلى السقف الكئيب. لا ثريات، و لا ألوان و لا مصابيح... اللون الرمادي ذاته و رائحة الأوراق ذاتها.
و يريدون أن نبدع في جو يثير الكآبة؟ لابد من بعض الحيوية، بعض الأكشن، بعض الألوان! لمَ لا يوظفون مثل جواهر لتحطم هذا المكان الكئيب كما حطمت منزل والدها؟ ابتسم على هذه الفكرة الطائشة و تخيل جواهر تعيد ترتيب هذه المكاتب المقيتة بصراخها و همجيتها.
تحطم تلك الفازة القبيحة بنهاية الرواق، و تمزق المقعد البني الكئيب و تبعثر الأوراق المملة من على المكاتب! ابتسم أكثر، أسعدته فكرة تقليب المكتب كله. ترى، هل كانت جواهر تشعر بهذه الكآبة لتحطم كل شي يتعلق بوالدها؟ لم يمنح لنفسه المزيد من التفكير ! أغلق جهازه و خرج من المكتب.

**********
مر الـ ديسمبر، و بعده الـ يناير ،،، و وصلت إجازة الربيع الباردة. عبير لا تزال تساعد غسان في ردع حركات مايكل الحشرية من بعد إجازة الطلبة، طلال لا زال يحاول أن يبدع بعد غياب فاطمة، جواهر تسجل في الجامعة، وسمية تسقط في أغلب موادها الجامعية لتتأخر سنة دراسية أخرى!

غموض واضح؟ أم هل لي أن أوضح أكثر؟ أم أبقي ما أريد إلى الجزء القادم؟ حسناً، سأخفيه إلى القادم

________________________________________
(10) المشهد الأول

في صوت الناي و الآه العذبة، أرى غسان فارساً بعيون لونها شهدٌ صافي نقي من سموم تشوه الوصف الجسدي، مترفع عن مفاتن رجالٍ ذهبوا و قدموا،،، ببساطة مختلف. الأصوات تختفي عندما يتحدث، و عندما أتحدث أنا نفسي، لا أسمع سوى (لحن هيام الفؤوس)* و غسان يتحرك بخفة بين طالب و آخر، يوجه هذا و يشير بقلم رصاص إلى ذاك، ثم يريح قلم الرصاص على أذنه برقة خشنة! ليتني أعرف قصة غسان... و إن كنت أكتبها، ليتني أستطيع أن أعيشها لبرهة، أن أستنشق كل ألمه و كل كبريائه و كل عنفوانه قبل أن أستنشق عبيره! أفلاطونية لابد منها في عبير، لكنني أريد أن أفهم غسان أولاً! فمشاهد غسان لا زالت صامتةً برأسي إلا من ألحان حزينة أو روحانية تأسر لي المشاهد دموعاً و قيوداً لا أريد أن أتحرر منها...

إليكَ غسان... مشاهد مسرحية هيام الفؤوس// مستوحاة من قطعة موسيقية بذات الاسم، و من مسرحية لفلاح شاكر بعنوان الفلوجة

المشهـد الأول

أصوات القذائف تختلط بموسيقى جارحة، و الجثث الشابة مكتضة على خشبة المسرح، و بينها راحيل الفتاة المعاقة تبحث عن أخيها غسان المضرج بالدماء

راحيل برعب: غســــــــان؟؟ لا! لا ! لا يا غسان!
غسان بأنفاس أخيرة: راحيل، ماذا تفعلين هنا؟ ارحلي
راحيل: دم ! دم! دم كثير يا غسان!
غسان و هو يدفعها: ارحلي

صوت قذيفة يشق الحوار، يتخلله صوت عذب بآه تشبه تلك التي سمعناها في مسلسل الفوارس السوري، تذكرت كيف أن أمها تلف يد غسان عندما تجرح بشالها، و بحيرة نفس مزقت شالها تحاول بلا جدوى أن تضم صدره الكبير الدامي

راحيل بهلع و قلة حيلة: لا تكفي ! لا تكفي! إلهي ... غسان لا تكفي!
غسان بآخر الأنفاس: أر... ــحــ... لي

ضغطت على صدره بكل اليأس تريد أن توقف النزف، لكن دون جدوى، سحبت رجلها و هي تعرج باعاقةٍ حقيقية، بين جثة و أخرى تبحث عن ما يوقف نزيف أخيها، ثم وجدت العلم الذي لا ينتمي إلى وطن عربي (تجنباً لعرقلات مايكل)، مزقته إلى قطعتين و جرت و هي تعرج إلى أخيها لتلف صدره الذي ينزف بغزارة، و عندما وصلت وجدت عيونه مفتوحة و سبابة يده اليمنى نافرة إلى الأعلى

راحيل بهمس مجروح: غسان؟

احتضنته بكل قوة و صرخت كعصفورة موجوعة بدم أخيها الذي يغطي ثيابها

قـطــــــع

المشهـــــد الثانـــــي


أم غسان، العجوز الكبيرة ... تدور في الطرقات بحثاً عن ابنها وسط الجثث و القذائف

أم غسان: غســـــان بنــــــــــــــــي؟؟؟ (صوت قذيفة يتخلل صوتها) ؟! أقسم... أقسم يا ربي أنني سأزوجه لابنة جارنا مريم... لن أؤلمه و أعترض على قراره... غســـــــــــــــــان؟؟؟ هل تسمعني؟؟!!! عُـــد يا غســـــــــــان!!!!!! راحيل أين تسحبين أقدامك صغيرتي! أواااااااه!

يدخل أبوغسان و أحمد (أخ غسان) إلى المشهد حاملين أحد الجرحى إلى نقطة آمنة

أبو غسان: ماذا أنتِ فاعلة يا إمرأة؟؟!!!!!!
أحمد: عودي للبيت يا أماه!
أم غسان: أي بيت هذا و أبنائي خارجه يموتون! راحيل خرجت كالمجنونة تبحث عن غسان! أبنائي! أريد أبنائي! أعيدوا أبنائي يا أوغاد!
يا عالم! أعيدوا غساني إليّ لأزوجه و أرقص في زفافه! لا تكفنوه اليوم! ليس اليوم! راحــــــيل! بنيتي! أين تسحبك أقدامك العليلة؟! أوااااااااااااه! تباً للألم الوغد! (و تضرب بقوة على صدرها) أبنائي يا أهل الكرامة! أبنائي! فلذات كبدي! (و تنخرط في بكاء مؤلم) فلذات كبدي ... هل قطعوهم؟ هل شوهوهم؟ هل ألقوهم في حفرة لا ترى النور؟! أواااااااااه!

اصطحبها أحمد إلى المنزل و أبو غسان يحمل الجريح بصلابة و دموع!

قـطــــــــع

المشـهـــــد الثالث

متمسكة بجثة أخيها تسحبها بكل قوتها إلى البيت، ستعود إلى البيت مع غسان كما وعدت أمها ذات ليلة بكاء. يلحظها جندي أجنبي، و يتساءل عن ما تفعله فتاة صغيرة في هذه المشاهد المريعة

الجندي: اتركيه و اهربي
راحيل: لاااااااا !

غارة تمزق الآذان

الجندي: من هنا

و يساعدها على اجترار جثة أخيها إلى بقعة آمنة من القصف، ثم تبدأ هي بتنظيف وجه أخيها بالطرف النظيف لشالها

راحيل بهمس مجروح: سآخذك لأمي

و استمرت تمسح وجهه الذي بدا كأنما صفحة نور

الجندي: لماذا تخاطرين بحياتك يا فتاة؟

نظرت إليه بحقد

الجندي: هذا جزائي لأنني أنقذتك من الغارة؟
راحيل: أنقذتني مما تفعله أيديكم؟ أي انقاذ هذا أيها الباسل؟
الجندي: سوف أحمله معكِ

تبدلت نظرة راحيل إلى ارتياح، عبرا فيها الطرق الجانبية كي لا تصيبهم رصاصة طائشة أو جندي ثائر. و عندما وصلت إلى منزلها لم تتمكن من شكر الجندي لأنه غاب عن وعيه من بعد ضربة أحمد القوية

قـطــــــــع

المشـهـــــد الرابع


أبوغسان، يحمل الجريح تلو الآخر و لم تبقى بثيابه سوى بقعة صغيرة بيضاء. الأحمر يغطي الأجساد و المسرح، و تلك الآه العذبة تثير الألم في الألحان التي رافقت كل المشاهد. و صوت عذب يقول بينما الحوار صامت و المشاهد تتحرك

كم من الدماء ستشرب أرضي اليوم؟ كم من القلوب ستنزف اليوم؟ روح شبابي تطير للسماء، لخالقها، طفلتي فقدت ذراعها، طفلي فقد ابتسامته، رضيعي يبكي، أمي تتوجع، أبي جُن، جدي همد، جدتي تصرخ، الممرضة تركض بروح تتمزق، الطبيب يداوي و من يداويه؟ آه! آه يا بلادي، لكم من الدم يريدون أكثر؟ ألا يشبعون؟ ألا يكتفون؟ ألا يكفي الألم؟ هل صار لزاماً أن نلد ألمنا بإرادتنا؟ الظلم يلف بلادي! بلادي تموت أمام عيني في أطفالها، في شبابها، في أمها، في أبيها، في شيخها و عجوزها!

قـطــــــــع

المشـهـــــد الخامس


أحمد: سأفقأ عينه و آكل كبده!
راحيل: لقد حماني يا أحمد، و حمل غسان إلى أمي
أحمد: أمي؟ أهذه أمي؟ انظري إليها!


أم غسان تهدهد غسان في حضنها كما الطفل، جُنت الأم!

أم غسان تغني: لولولو لولو... نمـ يا صغيري نمـ.. غداً أشتري لك الحلوى... و بعدها أزوجك بنت الجيران... لولولولو
أحمد: أنظري راحيل! أهذه أمي؟ هذا سبب في قتلها!

و أشار إلى الجندي

راحيل: هو أسير لدينا ،، أهكذا نعامل أسرانا؟

تمزق أحمد باشارتها، ركل الجندي بقهر

أحمد: لقد ربطته إلى الكرسي، إياكِ أن تفلتيه، سأبعث باسل إلى هنا ليحميكما! يجب أن أبحث عن أبي! لا تفتحي الباب لأي كان!
راحيل: لا تتركني وحدي!
أحمد: سوف أبعث باسل! انتبهي لنفسك راحيل

قبلها على رأسها و أحست أنه غادرها للأبد، استفاق الجندي من غيبوبته القصيرة

الجندي: أين أنا؟ ماذا حدث؟
راحيل: أنت في منزلي
الجندي: لماذا ربطتني بالكرسي؟
راحيل: أخي فعل
الجندي: أهذا جزاء معروفي؟
راحيل: ........
الجندي: سيعذبني أخوكِ لا محالة! أرجوك إلا النار!

أم غسان تهذي: بني؟ ((و أمسكت بوجهه تتخيل أن غساناً عاد ببدلته العسكرية)) النار؟ تشعر بالبرد بني؟
الجندي برعب: من هذه المجنونة؟
أم غسان: أنا أمك بني! ((و قبلته على رأسه)) أنت جائع... سوف آتيك بالطعام
راحيل ببكاء: جُنت أمي! جُنت!

أم غسان تعود بصحن به بعض الطعام، و تضع بالملعقة بعض اللقم الصغيرة و تطعمها الأسير الذي دمعت عيناه

الجندي بهمس: توقفي
أم غسان تهز رأسها بجنون: لا يجب أن تتغذى بني، لقد قررت أن أزوجك مريم، هيا افتح فمك (و فتح فمه يأكل تلك اللقمة المليئة بالأمومة)
راحيل بهمس: مريم ابنة الجيران، من كان غسان يريدها زوجة
أم غسان: لماذا أنت مقيد بني؟

((فجأة دخلت الرصاصات الباب لتطرح راحيل و أمها و يبقى الجندي مدهوشاً من الأم التي سقطت على حضنه باسمة، كانت رصاصات زميله))

قـطـــــــع
المشـهــــد السادس و الأخير


الجندي مشنوقاً، و بيت راحيل متضرج بدمائها و دماء أمها، و باسل الذي انطلق يبعثر الرصاص بجنون في كل ما أمامه من جنود، أحمد يبكي فوق جثة أخته الصغيرة و أمه المبتسمة، و أبو غسان لا زال يركض بين الجرحي يبحث عن عائلته

الجندي في رسالته الأخيرة: زوجتي الحبيبة، جوانا صغيرتي، بنيتي .. إنـّهم لم يقتلونني ولم انتحر جبناً أو سوء معاملة .. لقد دافعت عن راحيل و أم راحيل …. لا أريد قتال هؤلاء الأبرياء .. أريد أن أدافع عن هؤلاء الأبرياء .. وهذا ما لـن يستطيع أحد فهمه … أو بالأصحّ لستُ قادراً عليه … قبـّـلي الجميع .. بالمناسبة آخر قتيلة سمعت بها بجوار قبري كان إسمها جنات…

يجد أبو غسان عائلته، و يصرخ صرخة يأس كأنما هي فأس تخترق الآلام... و يتكلم صوت عذب بعد هدوء الأصوات و تجمد المشاهد

بلادي يا ريح البساتين، ذهب الياسمين و أتى الكافور! بلادي يا شقاوة الطفولة، ذهبت الألعاب و أتت القنابل! بلادي يا أحلام المحبين، ذهب فستان الفرح و أتت الأكفان! بلادي يا كف عجوزي الدافئ، ذهب الوقار و أتى الخُزي! بلادي يا صرخة تتوجع في قلبي ترفض من ألمها أن تخرج للألم خارجاً! بلادي يا نبض فؤاد يريدون قتله...
يهيم فأسي في صدري، يقطع أوصالي، يا بلادي... متى أنام؟ متى السلام؟

******* تصفيق حار ********

عيون عبير ممتلئة بالدموع، كما هي حال المشاهدين في هذه البروفة الأخيرة قبل المسرحية الختامية. كان ذلك ألم غسان في سطور بسيطة.

غسان/ إهداء إليك يا جدتي العزيزة، يا آخر من احتضن حضني من ريح أهلي و دمي! و مسح دمعته و أنا أمسح دمعة حائرة أيضاً!

>>>>>>>>> يتبع
(10) المشهد الثاني


أنتهى يا أمي، كله أنتهى! انتهت أحلامي، أنتهت آمالي بالحب. لا زلتُ أنا أنا، أنا عُقدي و اضطراباتي، أنا الطفلة التي حارت بين طلاق مؤلم و زعزعة الشكوك. حتى طلال الذي ظننته دواء روحي، أصبح داءً خبيثاً. أنا المتعثرة بين طلاق والديّ، و شكوك أمراض نتجت عن ذلك لاحقاً، كل الرجال سواسية! سواسية! لا تهمهم تضحيات النساء، و آلام النساء. فتاتان بجمال الزهور لم تكفِ عُقد الرجولة! لزم صبي من زوجة أخرى ليصبح الأب أبو ابراهيم و ليس أبو فاطمة! و أي ابراهيم هو ذاك الابراهيم! أخ كسول بليد مدلل! لم تكن ساعات مخاض أمي الطويلة كافية ليشعر بالعِشرة؟ إذاً ما هي العِشرة؟ حتى سمية تلك الصغيرة التي تضحك، تخبأ في قلبها الكثير، و تتكلم بسخرية عن أنها لو كانت صبياً لاختلفت الأمور. سخرية ورائها الكثير من الحزن، فسمية كانت آخر أمل سيجمع أمها القاسية و أبوها المتحجر.

خرجت سمية بتحية سريعة إلى جامعتها: إلى اللقاء توتة
فاطمة بهمس و حنان: إلى اللقاء

انطلقت تلك الصغيرة التي تحمل الكثير من الحب في قلبها لأختها توتة (فاطمة) إلى الفصل الدراسي الجديد، جلست إلى جانب شقراء جميلة جداً بالمحاضرة المملة، ثم استحدثت حواراً خافتاً

- hi

ابتسمت الشقراء

- hi
- can you understand him in Arabic ؟
- أنا عربية

فغرت فاهها من بعد الكلمات العربية من شفاهها التوت

- حقاً؟
- نعم، اسمي جواهر خالد
- و أنا سمية خليل
- أهلا

استوقفهم المحاضر: في الخلف هناك؟! ماذا لديكما؟

- لا شي
- لا شي

و قضب المحاضر حاجبيه بمزاج متعكر

- لا تعيره اهتماماً، هو رجعي متزمت
- حقاً؟
- نعم، متعسف أيضاً
- خخخــ

للمرة الثانية: انتما؟ اخرجا!

صُدمت جواهر، من أول محاضرة تطرد؟ أي حظ؟! خرجت سمية و جواهر من المحاضرة لتبدأ مشاكسة لطيفة من سمية بأسئلتها الفضولية، لماذا أنتِ شقراء؟ هل نصفك الآخر أجنبي؟ هل تعيشين في البلاد أو خارجها؟
استمرت اسئلة سمية الفضولية و جواهر تجيبها بحذر، لأنها لا تحب أن يعرف عنها الناس الكثير، خصوصاً و أن ماضي والديها مؤلم كفاية لتذكره لنفسها، فاكتفت بالقول أن والدتها توفيت مذ كانت بالثامنة و والدها من قرابة الأربعة أشهر توفي في حادث و هي تعيش مع عمها الآن. تعاطفت سمية مع هذه الشقراء الفاتنة، إذاً هي وحيدة، يتيمة، مثلي قليلاً، فأنا من غير أب عطوف و مع أمِ قاسية. ربما جمعنا القدر لنكون بذات المحاضرة و نطرد منها لنتعرف على بعضنا أكثر. و عندما همت جواهر و سمية بتبادل أرقام الهواتف، تنبهت سمية أن هاتفها ليس بحقيبتها! إلهي! في الفصل الآخر! هرعت الفتاتان إلى ذلك الفصل لتبحث سمية كما المجنونة عن هاتفها.

- إلهي! أين ذهب؟
- لا تقلقي، ربما أحدهم أخذه للأمن
- صحيح

و توجهتا إلى مكتب الأمن الذي أرجع سمية بالدموع خوفاً و توجساً من كل الصور التي تحتفظ بها في هاتفها؟! إلهي! في يد من وقع هاتفي؟! و جواهر تواسيها بصدق.

*********

- طلال؟
- نعم بو عيسى؟
- سأتغاظى عن رداءة هذا الاعلان، فقط لأنني أؤمن بقدراتك
- .............
- ما بك يا طلال؟
- لا شئ بوعيسى
- لست بحيويتك السابقة، قبل أن أكون مسؤولك، تذكر أنك ابن صديقي
- أعلم بوعيسى، ربما أمر بحالة من الجمود الفكري
- إذاً خذ اجازة لترتاح قليلاً

اجازة؟ لأرتاح؟ و هل ستتركني فاطمة لأرتاح؟

- ربما أنت على حق
- بارك الله فيك يا بني، و أتمنى أن ترجع بذات خلاقة كما اعتدتك دوماً

ابتسم طلال، و خرج من مكتب مديره، لا يجدر بي أن أجلب مشاكلي الشخصية إلى العمل! فالعمل عمل! و البيت بيت! و لا منطقة وسطى بينهما! أوف! كل هذا الكلام الوظيفي و التحليلي! كيف يفصل الانسان نفسه عن نفسه؟ قدم طلال اجازته إلى أبوعيسى و توجه مبكراً إلى المنزل ليرى جواهر تغوص بين الكتب

- تدرسين من أول يوم؟ (بابتسامة)
- أريد أن أعرف ما تحتويه الكتب لأعرف ما يجب أن أدرسه بدقة و ما أدرسه بسرعة
- ما هذا المنطق؟
- تعرف الـ scanning ؟
- نعم
- حسناً، أنا في خضم فعل بعض الـ scanning لكتبي الجامعية
جلس بقربها و تناول كتاباً يذكره

- هذه مادة خصبة
- ما رقمها
- 243 ...
- أوف!
- ماذا؟
- المحاضر غليظٌ جداً، طردني اليوم!
- الدكتور رمزي؟
- أهذا اسمه؟
- هههههههه! يبدو أنكِ لم تحضري من المحاضرة حتى ما يكفي لالتقاط اسمه!
- حضرتها متأخرة، ثم طُردت منها بسبب محادثتي لفتاة
هذا هو الدكتور رمزي-
- يطرد من يتحدث؟
- لا يحب أن يقطع جوه سوى تنفس الطلاب لما سيقول
- أتعرفه؟
جمعتنا مشاريع جامعية فذة- تمام المعرفة
- حقاً؟ مثل ماذا؟
- اسمعتي عن المجموعة البريدية (In Sight)؟
- أظن
- أسستها مع مجموعة من زملائي و باشراف الدكتور الغليظ كما تسمينه
- حقاً؟؟؟
- لا يبدو عليَ كذلك؟
- بصراحة كلا، لأنك دخلت الجامعة متأخراً و كنت أظنك تكره الدراسة
- ربما كنت أحلم أنني سأجد نفسي من غير شهادة
- كيف ذلك؟
- كنت أتكل على دورات قصيرة ثم مشاريع تافهة هنا و هناك في تصميم الدعايات و المواقع
- و عندما لم تنجح، قررت أن تدرس
- Better late than never ... لوالديّ الكثير من الفضل في التحاقي بالجامعة
- صحيح (و توجهت أنظارها إلى الكتاب بيده)
- أظنني أستحق هذا
- ماذا؟ (و عادت تنظر إليه و هو شارد قليلاً في غلاف الكتاب)
- سوء ظن الناس، إنتِ مثلاً (و نظر إليها) تظنينني ذئباً أو مخلوق بلا عاطفة
- ............... (أبعدت نظرها بلؤم عنه و هي تنظر إلى الكتب أمامها بينما شرد في الكتاب ثانية و أكمل حديثه)
- و قد كشفت لكِ الكثير من الألم، مما يترتب عليه الكثير من الوقت للشفاء من كل تلك الأشياء
- اصمت (بهمس)
- آسف جواهر (و أودع الكتاب على الطاولة أمامها و رحل، بينما شوكة تنغرس في ضميرها الذي صحي فجأة من بعد أن اقترفت يداها السوء بينه و بين من أحبها)

في الطابق العلوي، طلال يسير إلى غرفته و هو شارد، و أبوه يخرج من غرفته و بيده بعض ثياب طلال المتسخة. كان منظر العم عبدالله المتجهم في وجه الأولاد ظاهراً و المنظم لغرفتهم خفاءً بالغ الأثر في نفس طلال. أمسك طلال ثيابه بلطف من يد والده، و قبل رأس والده.

- أنا سأغسلها

لم يتحمل العم عبدالله أكثر من ذلك، فأمسك يد طلال من على كتفه و احتضنه. ربما، كان احتضان العم عبدالله أو الأب عبدالله في حالة طلال شفاءً من كل الضياع. كم من الشوق سيتحمل صدر طلال إلى أبيه و كل من يحب؟ منظر يسرب برودةً في القلب، و دموعاً في العين! شوقي أنا أيضاً

- عمي؟
- راوية؟
- هل لي بالقليل؟
تنحى طلال، لأرمي أنا نفسي في حضن عمي الذي خاصمني في الجزء السابق و رفض أن أكتبه

- لا تغضب مني عمي
- لست غاضباً صغيرتي
- و لا تغضب من طلال و عبير و جواهر
- لست غاضباً حبيبتي
- و لا من أحد... لا تغضب عمي
- لن أغضب،،، كفي عن البكاء

يتدخل طلال

- أنفها يكبر بسرعة و هي تبكي
- أيها السخيف! (و رميته بالقلم)

تصعد جواهر مع كتبها الكثير لترانا جميعاً مبتسمين ضاحكين.

وقفة!

تنهد!

ليتني أنتمي إليكم يا عائلتي الوحيدة! ليتني أستطيع أن أمتزج معكم! هذا شعري أشقر و هذه عيوني زرقاء، تذكرني بنسب أمي التي خانت، و أبي الذي سكر! و الآن، طلال يتأسف مني، و العم عبدالله يصمت عني، و عبير لا أراها إلا نادراً من بعد انشغالاتها بعملها الذي يمتد من النهار إلى الليل!

ابتلعت غصة صغيرة و توجهت إلى غرفتها، ليلحقها العم عبدالله

- جواهر؟
- نعم عمي؟
- تعالي صغيرتي، أعددت بعض الحلوى
- لا شكراً ... لا أريد

تدخل طلال مازحاً

- سآخذ نصيبها، فهي لا تعلم ما تفوت

اغتاظت

- حسناً، سآكل

ابتسم طلال، يعرف بالضبط أن أي تحدي لا ترفضه عيون السفايار، و إن كان تحدي مزاح. غريبةٌ أنتِ يا جواهر

وصلت عبير و وجهها منتفخ من بعد كل البكاء في البروفة ليسألها العم عبدالله

- ما بكِ عبير؟
- زميلي بالعمل أنهى المسرحية، و تغلبنا على الأستاذ الحقير، و سوف نعرض المسرحية الأسبوع القادم!

فرح الجميع، فها هي جهود عبير تثمر كما التفاح الأخضر في فصل ربيع

- أبي؟
- نعم حبيبتي
- هل تصالحتم؟
نعم-

و دفنت وجهها في حضن أبيها ثم قبلت وجنة أبيها و أخيها و أخيراً وجنة جواهر....

و بقيت الأخيرة تشعر بشئ غريب، شعور غريب، شعور يبعث الدفء في أوصالها و البرد في قلبها

العائلة.....

هل ستمتزج بعائلتها أخيراً ؟

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 21-02-09, 05:46 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 13,907
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
(11)

بهاتفين مشحونين بالكلمات المجنونة، جواهر تقود سيارتها من بعد نجاحها في امتحان السياقة، و سمية في منزلها تنتظر قدوم جواهر من الصالون

- قسماً بالله سوف تندمين!
- سمسم ؟!
- ترهات! من قال لكِ أن شعرك يشكو تقصفاً؟
- عبورتي
- و لماذا تسمعين كلام عبورتك و لا تعيرين كلام العمة سماسم أهمية؟!
- ما بكِ؟ (بابتسامة)
- ......
- سمسم ؟
- ...... (مغتاظة)
- أعلم أنك تحبينني على الرغم من أنفك المسلول! بشعرٍ قصير أو طويل، ستظلين تحبينني و أنا أكيدة !

ياه من الصداقة عندما تزهر وروداً في القلوب، سمية و جواهر و المكالمات الكثيرة و الطويلة! تأتيهم الأيام بعسل ذا مذاق فريد، عسل وردي على قلبهم وردي وردي وردي! و عقبال الوردي في دروب الجميع! خارج نطاقو قلبي التغطية (نقلل الخبط الروائي لعيون دافوديل )

- هل أكملت بحث النحس رمزي؟
- Not yet و الله
- طيب لا تخلطي الإنجلش مع العربي
- يا شيخة لا أقلب الفصحة عامي! خليني على راحتي!
- حاضر يا شقرائة الجامعة
- هههههههههههههههه
- ... ألو ... ألو؟
- ألو؟
طوووووووووووووط! فضت البطارية و لم تتكلما في بحث الرمزي! أخرجت هاتفها القديم و دقت على سمية مرة ثانية

- ألو؟
- نعم؟
(خخخخخ لا تعرف رقمي هذا... راح تاكلي كبسة يا سمسم.. غيرت صوتها)
- أختي، ممكن نتعرف؟
- ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!
طووووووووووووووط!

ضحكت جواهر كما لم تضحك، سمية من النوع الجبان التحفة، اتصلت و لم ترد سمية، ثم بعثت لها رسالة من الهاتف

(you chicken… it’s me JoJo) / (أيتها الجبانة، إنها أنا جواهر)

و لم تكتمل الدقيقة الأولى، إلا و سمية تمطر جواهر بوابل من قذائف الكلمات التي كانت تنعش روح جواهر بصداقة هذه الـ سمية المرحة.
أعظم الأشياء أن تكون صديقاً، و أن تمنح ما يمنحه صديق. تبقى خيوط الصداقة بين هاتين الاثنتين تتشابك بأقدار و بلا أقدار، كلتاهما تعاني من اضطراب أسري، و كلتاهما اتفقتا على النجاح، و كلتاهما قررتا أن تتركا الماضي يمضي. فجواهر لن تستمر بالعيش على مرارة ذكرياتها، و سمية سوف تتقوى على غياب والدها المتكرر. جميل، كم جميل لو بقينا أصدقاء؟! بغض النظر عن صوت ماجدة الرومي الذي يتوجه إلى حبيبها المفتري، كم جميل لو بقينا أصدقاء، ألا تحبون ماجدة الرومي و كلمات سعاد الصباح؟! هل هناك أجمل من الصداقة التي تجتمع في الدببة الصغيرة كهدايا الميلاد؟ هل هناك ألطف من صورة مشط يتشارك تلك الخصل الشقراء و الخصل السوداء، دوماً كرهت جواهر تشاطر الأمشاط، لكنها اليوم تشاطرت مشط سمية! و مشط سمية يقع في منزل سمية، أي .... جواهر دخلت بيت سمية ! و من في بيت سمية؟! عليكم نووووور!

داخل نطاق التغطية لعائلة فاطمة و سمية/ عذراً إن سقطت بعض الحروف المحلية هنا، إنه الشوق إلى اللون الوردي أظن
بيت صغير، يضم فتاتين جميلتين، خلوقتين و طيبتين كما لم تكن للطيبة عنوان. أتراها الاضطرابات الأسرية التي تخلف في القلوب حناناً و شوقاً و فيضاً يحتوي الآخرين؟! أم تراها فطرة و نعمة من رب العالمين لروحين تملكان من الطهر ما يقول للنور (لابد من أن تغار)؟!
فاطمة، الفتاة الكبيرة، و القلب الكبير، احتوت سمية منذ صغرها في دائرة الحب الأخوي الأمومي، تعرفون ذاك الحب؟ الذي تمثله الصغيرات أمومةً لأطفال يصغرونهن؟ لم تكن فاطمة أنانية أبداً، بل كانت قطرة ندى تتعلق بأهداب من أحبها حباً صافياً، كل ذاك الطُهر و كل ذاك الصفاء، لم أكن منصفة في حقك يا فاطمة عندما أبعدتك عن طلال، فهم لا يعرفونك تماماً، ليس كما يعرفون جواهر. ألم أخبرك أن الحب المثلثي مؤلم؟! أتذكرين يا فاطمة؟ كل الأيام التي سكنتها في هاجس قلمي، تريدين أن تفرغي ألمك في ألمي؟ لعيونك أكتب اليوم، و لا تفهموني غلط! فاطمة خيال صديقة يسكن خيالي، معها أتحرر من همزات و لمزات الفتيات الفارغات، معها أتحرر من ألمي و شوقي، معها أكون نفسي بدون أقنعة!
لسخرية الأقدار، احتوت فاطمة الـ جواهر أيضاًـ فهي ترى سمية أختها في عيون السافاير، من بعد قصة جواهر المؤلمة أصبحت الـ جواهر تحتل مكانة خاصة في قلب فاطمة، و هنا قررت فاطمة أن تحتوي جواهر في قلبها كما احتوت سمية، و هكذا أصبحت لفاطمة أختان... أخت دم و محبة... و أخت عطف و محبة ... على الرغم من معرفتها بصلة القرابة بطلال، إلا أنها أخفت حقيقة أن طلال أرادها زوجة كي لا تتهشم صورة ابن عمها في عيونها، كم أنتِ عظيمة يا فاطمة! عندما تسنح الفرص لبني آدم ليؤذوا أو يجرحوا أو حتى ينفروا، لم تقعي هناك! في تلك المنطقة المظلمة من سوء النية، على الرغم من شكوكك و وساوسك، إلا أنكِ في اختيار عاطفة الأخوة لا تترددين، لم ترمي جواهر على هامش الصفحة لأنها ابنة عم طلال، ليس من بعد أن سردت سمية تفاصيلها لكِ ذات ليلة! أيها الحب الطاهر في قلب فاطمتي، لا تتلوث أبداً بسموم الكره، بسموم الأقنعة، بسموم سوء الظنون! كلا، لم تتخلَ فاطمة عن جواهر، و لم تتخلِ سمية عن جواهر، على رغم عدم مصارحتهما بقضية طلال المؤلمة، و بتهرب مستمر من زيارة سمية منزل جواهر! فصلت الأختان الأمور، فـ جواهر = جواهر بدون طلال! و جواهر لا تزال لا تعلم أن فاطمة هي الحبيبة المجهولة!
أي ألم ينتظرنا يا فاطمة و جواهر؟ أي ألم؟ آه!
وصلت جواهر منزل سمية و حملت كتبها الكثيرة و يدها متعلقة بجرس و كتاب و انتثار شعر أشقر طازج من تحت المقص، فتحت أم فاطمة الباب، و قالت بلهجة باردة/ أهلاً. تفضلي. و سارت عنها.
حسناً، لأتكلم عن أم فاطمة، يلزمني بعض الوجع! و لا أريد الوجع اليوم! يكفيني أن أخبركم أن تصرفات أم فاطمة تضايق جواهر التي لا تعبر عن ذلك لسمية، و سمية ذاتها تعرف أن أمها ترفض علاقتها مع جواهر، كونها شقراء و متحررة!

*****
في المدرسة، صوت الطلاب يختلط مع أثير الورود. و عبير الورود يفكر في الأشياء التي تخبأها أعماق غسان؟ كل ذلك الألم و كل تلك الوحدة؟ هل بين تلك المشاهد شئٌ احتفظته ذات ألم و بكاء؟! عميق أنت يا غسان... عميق جداً
قطعت أفكار عبير أصوات طفولية مرحة
- miss miss
ابتسمت لراحيل المعاقة و التي تسحب نفسها إلى حيث تجلس عبير، كان وقت الفسحة وقت تأمل و غرق و صحبة فتيات ورديات بريئات.
- راحيل توقفي!
و ورائها كاميل التي تجري و الكتب تملأ ذراعيها
جلست الفتاتان حول عبير و كلتاهما تكاد تحتضن الدفأ في روحها و قلبها، معلمة غالية و ذات روح لم يسبق لأحد أن تحلى بها، مدت راحيل يدها بوردة وردية لعبير التي أخذتها بابتسامة امتنان و صمت، و قلدتها كاميل في ذات الوردة بلون أبيض. بقيت الابتسامة الممتنة معلقة بصمت على شفاه العبير، و امتدت ذراعاها حول طرف الكرسي لتضم الفتاتين و بكل يد تحتضن وردة صافية بصفاء العلاقة العميقة بين معلمة و طالباتها، ياااااااه ليرحمك الله يا ربمامعلمة ضياء ... و ليرحم معلمتي التي ودعتها بسرطان قبل سبعة أعوام! انتزعت عبير من هنا، من تلك المعلمة التي فارقتني في ذهول من أمري و عمري لم يتعدَ السابعة عشرة، الله يرحمك يا معلمتي العزيزة.
بقيت تلك المشاهد معلقة في عيون الشهد الذي لحظ هذا المنظر و الورود في يد عبير، كم من الأشياء الجميلة تحمل روحك يا عبير؟ كم من البساطة و طهر الحديث تملكين؟ لا أظنه التواضع أو ما يتشكل على شاكلته، إنها هالة من النور حولك عندما تبتسمين، عندما تتكلمين، عندما تهتمين لصغائر الأمور في طلبتك و طالباتك، إنه عبير الورود ... عبير الورود ... فالورود ذات الرائحة تبقى في ذاكرة الحنين، كورود جدتي في الحديقة الخلفية. تشبهين الحنين، الوطن، شئٌ ما، يتعلق في عيونك كبلور أو كألماس، هل فاضت روحك روعة في طهر عيونك؟ إلهي... هل بدأت أغرم بكِ يا عبير؟! و ما سأقدم لكِ سوى شقةٍ صغيرة تحتوي بؤسي من اسم لا مواطن؟! ليتها الظروف كانت أفضل من هكذا، لكنت قدمتُ لكِ بيتاً و قلباً يحتوي طفولتكِ و طُهركِ أيتها النقية من سموم الإناث... فقط لا تتغيري، و إبقي هكذا، نقية من سموم الإناث على شاكلة جولي و غير جولي! فقد سقمت مطاردات الثعالب الإناث، سئمت ريح البلغاري و الأرماني و كل العطور! سئمت ضيق الملابس و ثورة الشعر الملون! سئمت الأنوثة المصطنعة في كل ما تلبسه النساء اليوم! سئمت الجميع يا عبير... و بقيت أتعلق في أطيافكِ، أتراكِ ترين ذلك في عيوني؟ أم لعلك تظنين أن تكلفي مع الجميع يشملكِ؟ قطع شوط الأفكار قدوم جولي! أوف من تلك الـ جولي المصبوغة بالألوان و الأنوثة الصارخة!
على الطرف البعيد، تنظر إلى ذاك المشهد، تستريح يداه في جيب بنطاله و يكلم جولي من عليائه بينما تتودد هي إليه كقطة مدللة خبيثة! استعر شئ في داخلها ثم خبا، تغارين يا عبير من ماذا؟! لا تخلطي ارتباطات العمل مع المشاعر، تفكيركِ هذا محلهُ في بيتكم و ليس هنا! ثم شخص بتلك الوسامة الطاغية سينظر إلى فتاة بوزن التسعين؟!!! التقطتها أصوات كاميل و راحيل إلى العالم المحيط مرة أخرى، ثم تنبهت إنه يسير ناحيتها، حسناً... يسير ناحيتها، ليس بالضرورة أن يسير لأجلها! ناحيتها و ليس لأجلها! أووووووووووه من التحليل السخيف!

- صباح الخير
انطلقت الفتيات برد التحية بروح مرح
- صباح الخير
و بعدهما بهدوء عبير
- صباح الخير
- كيف تسير أمور المسرحية معكن؟
راحيل و كاميل تجيبان بحماس على أسئلة غسان، و عبير تهيم في عالم مظلم من احتقار الذات، و احتقار المظهر، لأول مرة أحست بالخجل الشديد من وزنها المفرط، فلم تتحمل البقاء و استئذنت الجميع حاملةً ورود كاميل و راحيل و استغراب غسان من انصرافها المفاجئ.

*****
في بيت العم عبدالله، طلال مع أبوه في نقاش غير مجدي
- كيف أن الفتاة لا تريد الارتباط؟ لماذا وافقت منذ البداية إذاً؟
- لا أعرف أبي!
- كيف لا تعرف؟! من يعرف إذاً؟ أهل الفتاة رفضوك ثانية؟!
- ليس هذا... لا أدري... ربما
- طلال! ماذا لا تدري و ربما و كل هذا؟! كيف ترفضك الفتاة بعد أن تستقر أمورك المادية؟
- لا أدري بما يجري في رأس فاطمة أبي! ربما طلاق والديها أثر على قرارها!
- ما دخل هذا؟!
- زوجة أحمد حاولت مراراً معها، و فاطمة تقول إنها لا تريد الزواج بي و انتهى!
- أمرٌ غريب
- لا أظن أن هناك نصيباً بيننا.. رفضتني مرات كثيرة، لعلها لا ترتاح لي

و بداخله تألم لتلك الفكرة، أيعقل يا فاطمة أنكِ لا ترتاحين لي؟ أو إنكِ تريين فيّ شيئاً كريهاً ؟ ماذا كان يجب أن أفعل لكي أكسب ودكِ؟

- لا أدري ما أقول
- لا تقل شيئاً أبي (بابتسامة) عسى أن تكرهوا شيئاً و هو خيرٌُ لكم

تنهد العم عبدالله و تكلم طلال بسرعة

- أحمد ينتظرني
- حسناً بني
- إلى اللقاء أبي (و قبل رأس والده بحنان لتتعلق يد العم عبدالله على يد طلال المستريحة على كتفه، ثم مضى طلال)

ليتني أعرف ما يجول في رأسك بني، ربما تستطيع أن تمثل اللامبالاة عليّ، لكنني أعلم أنك حزين... حتى إنتِ يا عبير، حزينة و ضائعة الأفكار، و إنتِ يا جواهر سعيدة بالقيادة و السيارة و خوفي يتعاظم عليكِ من كل تلك السيارات المجنونة!
دخلت المنزل متضايقة من تصرفات والدة سمية، و الدموع تملأ عيونها. لمحها طلال، و تقدم إليها
- ما بكِ؟
- ......
- جواهر؟؟
- لا شئ طلال... لا شئ
- تبكين؟!
نظرت إليه مستغربة كيف يلتقط تعابيرها الجامدة دوماً، كيف تفعل هذا يا طلال؟
- لستُ أبكي
- و هذا الاحمرار، ماذا تسمينه؟ ما بكِ جواهر؟
و توالت أسئلة طلال، جواهر تعي أن طلال أكبر من كل الترهات التي ملأت رأسها في يوم، و الذنب يأكلها في ما اقترفت يداها في يوم، و هو الآن يحن عليها كما يحن على عبير، كفى يا طلال، أظنني لا أستطيع احتمال لطفكَ و لطف سمية و فاطمة و عمي عبدالله! أمثال والدة فاطمة و كل من ينظر إلى اختلاف لون بشرتي و شعري، يحسسوني بداء اللاانتماء!

((( فجـــــــأة )))
يشق حوار طلال و جواهر صوت العم عبدالله باختناق! سقط العم عبدالله و أنفاسه تتقطع! و طلال و جواهر في حالة من الخوف و الهلع!
طلال يمد يده إلى أزرة ثوب العم عبدالله، ذلك الثوب الذي طالما جمع دموع عبير و جواهر، الأنفاس في حالة من الجري، و طلال يطلب من جواهر الاتصال على رقم الاسعاف.
ترتجف يد الأخيرة كما لم ترتجف يوماً، و أنفاسها تتقطع و هي تزود الاسعاف بعنوان المنزل!
ما هي إلا لحظات و سيارة الاسعاف تزعج المنطقة بألوانها الحمراء و الزرقاء و الصوت إياه الذي يثير الرعب في كل من يسمعه! أكره صوت سيارة الاسعاف! أدخلوا العم عبدالله في تلك السيارة و الأجهزة تلفه و هو يفتح عيونه و يغمضها!
بكت جواهر كما لم تبكي على أبيها، ربما كان العم عبدالله أكثر من أبيها... صورة الحنان الأبوي الذي طالما افتقرته مع والدها، و اليوم يسقط هكذا؟!
طلال على الجهة الأخرى شعره ثائر على جبهته، كان متماسكاً و خائفاً، لم يعرف كيف تصرف و كيف جاء الاسعاف و كيف انطلق وراء الاسعاف مع جواهر، كل المشاهد تتكرر في مخيلته، خالته.. أمه... و الآن أبوه! ذات الموعد السقيم مع سيارة الاسعاف! و ذات السقم في اخبار عبير التي تبعد عن البيت الكثير! كانت عبير لا ترد على هاتفها و هي في فصلها، و لكنها استغربت اتصال طلال في هذا الوقت من النهار! أجابت... و كانت لها لحظات من العلقم و هي تتخيل والدها يرحل عنها! تركت المدرسة و طارت من فورها على المستشفى

******
في المستشفى، الخطوات تقطع المسافات بخوف، و طلال لا ينفك عن التحرك، بينما جواهر أصبحت عيونها تغرق في الزرقة و الحمرة. وصلت عبير على هذا المشهد، و بالتفاتة من طلال، غرست نفسها في حضنه الذي التقطتها بقوة و ثبات،،، و بكت عبير كما لم تبكي!
و مع كل شهقة بكاء، كانت جواهر تزيد في الاختناق و البكاء! خرجت من حضن طلال محمرة الوجه، و التفت إلى جواهر التي تبكي كما لم تراها تبكي يوماً، أمسكت بكف جواهر الجالسة على الكرسي... و جواهر تطأطأ رأسها لتستقر في حضن عبير، و ظلت تبكي في حضن عبير حتى اختنق شهيق البكاء.
مرت الساعة الأولى و طلال يسأل الممرضات النزقات عن أية أخبار ترجي، و كان الرد نفسه يقول أن المريض في العناية و لابد من الطبيب أن يأتي بعد لحظات... أي ساعة تحتسب لحظات كهذه؟ تمر كأنها الدهر.. كأنها العمر!
غادرت عبير غرفة الانتظار متوجهة إلى المصلى، و تبعتها جواهر، لتصلي فرض العصر و تدعو لوالدها.
جلست جواهر بينما عبير تلف رأسها بخمار كبير مرمى على زاوية المصلى، و تبدأ بالصلاة و الدموع تجري بطيئة على خدها.
ودت جواهر أن تفعل شيئاً، أن تصلي شيئاً ... لكنها لا تذكر شيئاً! لا شئ البتة؟! كيف أدعو إليك عمي؟ كيف و أنا لا أعرف كيف أصلي؟! أو حتى كيف أقرأ القرآن قراءةً صحيحة؟! غطت وجهها و أحست بندم عميق على كل الأيام التي كانت الخالة فاطمة تحثها على الصلاة و هي تتهرب منها!!! أحست بكل الندم لأنها لم تعر وصايا العم عبدالله أي اهتمام و هي مراهقة غبية! بكت و بكت و بكت... تحس بعجز... بضعف... بذُل! كانت دوماً تراقب سمية و هي تصلي فروضها و تخجل من أن تخبرها كيف هي الصلاة! كل ذلك الخجل و كل ذلك اللاانتماء! فرغت عبير من صلاتها و هي ترى جواهر تبكي بحرقة، فأمسكت بيدها و احتضنتها بذلك الخمار الكبير الذي غُسل بدموعها السوداء.

وصل الطبيب.. و الجميع ينتظر .... كم هي صعبة تلك اللحظة التي تنتظر فيها تلقف الأخبار... و كان خبراً جيداً و سيئاً في آن واحد

- المريض نجا من الجلطة، لكن لابد من اخضاعه للمراقبة، حيث أن حالة الشلل واردة

يااااااااااااااه! العم عبدالله يصاب بالشلل؟! من يملأ أركان البيت حيوية و بهجة يصاب بشلل؟! شلل كلي؟ شلل نصفي؟ كيف هو هذا الشلل؟!!
العم عبدالله الذي يغسل و يطبخ و ينظف.... هل أتى اليوم الذي لا يستطيع فيه أن يغسل و يأكل بنفسه محتفظاً بكرامة ذاته؟!
لمَ لمْ تنتبه إلى طعامك ؟ لمَ أطلت التفكير في الأولاد و شقائهم؟ هل الأدوية تقيك العوارض الجانبية للافراط في الطعام و الارهاق والتفكير؟! لا خادمة تخدم في المنزل! و أنت من يجري من غرفة لأخرى تلتقط ثيابهم و ترتب أغطية أسرتهم كما كانت الخالة فاطمة تفعل..
أي أيام تنتظرنا يا عم عبدالله؟!
أي أيام؟!

________________________________________
(12) المشهد الأول

كان نائماً، اقترب و تأكد أن ثوبه لا يضايقه، ثم غطاه تماماً كي لا يشعر بالبرد في سريره و خرج. عاد إليه صوت الطبيب في ذلك اليوم المؤلم

- هل سيعود إلى ما كان عليه بعد معالجة الجلطة؟
- هذا في الحقيقة يعتمد على حجم الجلطة عند بدايتها ومقدار الضعف الذي أحدثته في الجسم ومقدار التحسن الذي يظهره المريض في الأسابيع ( 3 – 4 ) الأولى ، إن لم يحدث تحسن ملحوظ خلال(3-4) أسابيع فسوف لن يطرأ شفاء كامل لهذه الجلطة وغالباً التحسن المستقبلي يكون ضعيفاً. أما إن ظهر تحسن تدريجي في الأسابيع الأولى فإن هذا يبشر بأن حالة المريض سوف تتحسن أكثر ولكن لا نستطيع أن نحدد تماماً ما إذا كان سيعود المريض كما كان قبل الجلطة أم يبقى هناك ضعفاً جزئياً ولاشك أن العلاج الطبيعي هنا يكون حجر الزاوية لزيادة نسبة التحسن لدى المريض.
- (بقلق) و ماذا نفعل الآن؟
- هناك نقطة هامة يجب الإشارة إليها وهي الحالة النفسية للمريض والمرافقين فلا شك أن الحدوث المفاجىء للجلطة وتحول المريض خلال ساعات من إنسان طبيعي لإنسان عاجز يعتمد على الآخرين في المشي والطعام وقضاء حاجاته يعتبر صدمة نفسية شديدة للمريض و لكم. وهنا يأتي دوري كطبيب مع الجهاز التمريضي في دعم الحالة النفسية للمريض و لكم ، وغرس الأمل الدائم بالله بإعتباره هو الوحيد الشافي والقادر على أن يحسن حالة المريض وذلك بالإضافة لمحاولة إيجاد الظروف المساعدة لتأقلم المريض مع الوضع الجديد
- هل لا وضحت أكثر؟
- أن تساعدوا المريض في الحركة وتأمين كرسي متحرك له يساعده على مغادرة السرير وربما القيام بنزهات خارج المنزل ودعمه نفسياً بشكل دائم ومستمر وتكثيف العلاج الطبيعي في المنزل.

تدحرجت دمعة سريعة على خده، فحالة العم عبدالله من الشلل النصفي هذا و صعوبة نطقه تأكل طلال خصوصاً أنه يلوم نفسه على انفعال والده الأخير بسبب خطبته الفاشلة. صادفته جواهر و هو متوجه إلى غرفته بالطابق العلوي، و تألمت لتلك الدمعة المتعلقة بطرف أهدابه و التي حاول مراراً و تكراراً أن يخفيها عنها و عن عبير. كانت تشعر بالقلق عليه لأنه يخفي ألمه عندما يقوم بكل شئ، يغسله، يبدله و يحمله و يقوم بكل شئ إلا من الطعام التي تحاول فيه هي و عبير أملاً برسم ابتسامات على وجه العم عبدالله و هما تحاولان الطهو الفاشل على أصول طبية. هي تعلم أن طلال يريد أن يجنب والده احراج أن تفعل الفتيات له كل شئ. حمل كل ذلك على كاهله وحده، تعلق بالألم وحيداً و لم يعطي نفسه في هاذين الشهرين من الجحيم أي متسع ليبكي أو يفرغ ألمه.

- طلال؟

انتبه طلال لها

- كـ.. ؟
- هو بخير، لقد نام
- و أنت؟

تجمدت نظراته لوهلة أوقفت اللحظة حولهما، كيف أنا؟ كيف أنا؟ كانت عيونه تتحرك كأنها سهم يخترق الفؤاد، كيف أنا يا جواهر؟ ربما بخير و ربما لست بخير أبداً

- بخير، لا تقلقي
- حقاً؟
- نعم

كانت تريد أن تحاول أكثر، لكنها تعرف أن طلال لا يحب أن يعبر عن نفسه بمثل هذه اللحظات، كانت الأشياء أكبر من أن يتكلمها، غريب كيف تشعر بألمه و كأنه ألمها فهما يتشاركان شيئاً لا يتحملان خسارته (العم عبدالله).
أصبحت الحياة في المنزل مؤلمة، كتب العم عبدالله في المكتبة و اسطواناته تشتاق إلى جلوسه الصباحي الحر من الكرسي المتحرك، صحون المطبخ و الأطعمة التي لا يجيدها أحد سواه تشتاق إلى لمسات أصابعه المتيبسة، البيت يشتاق حركته الصباحية بين غرف الأولاد لجمع الثياب و ترتيب الأسرة و ترك الحلوى بالقرب من فراشي الأسنان كي لا ينسوا أن يغسلوا أسنانهم فيما بعد. كان العم عبدالله روحاً تملأ البيت حيويةً، حياةً و الأهم حباً نقياً صافياً لن يجده الأولاد في أي مكان آخر – لا مكان كحضن أبي – لا مكان كحضن أمي – لا بيت فاخر و لا بيت معدم يستطيع أن يتحرك بدون هاذين الاثنين.
أصبحوا يتقاسمون الطعام حول بعضهم و حول العم عبدالله ليشعروه بأنهم سيبقون معاً كما أراد دوماً، كانوا يضحكون و يمزحون و يحاولون دوماً أن يرسموا ابتسامةً على وجهه الرائع، ذلك الوجه الذي يعرف تماماً ما تخفيه قلوبهم من ألم في الأوقات التي يحاولون فيها أن يعاكسوا شعورهم الداخلي بالضياع من بعده. وجه العم عبدالله الذي أصبح جامداً قليلاً من بعد الجلطة و ابتسامته المتكسرة و روحه التي تتألم لأولاده أكثر من نفسه، هل أصبح مرسوماً أمام الجميع؟ التجاعيد الحبيبة التي تصلبت، و العيون الدافئة التي تضيق بانفعالات عند الحركة و الكلام، و صوته – آه صوته – الذي يخرج متقطعاً و غير مفهوماً. هل أصبح مرسوماً؟ هل ترونه؟ هل أرى أنا أبي؟ أبي الذي أحبه جداً، و الذي لا أريد أن يصيبه أذى من تلك الأمراض في دمه؟ هل ترون صورة الأب التي ألاحقها دوماً؟ كيف لا نشتاق إلى ذاك الحضن الذي تشاجرنا عليه أنا و أنتم، الحضن الذي يضمنا اليوم بيد واحدة فقط بينما الثانية تتشنج و تتصلب من تبعات الجلطة؟ كيف لا تعبر بعض الدموع عيوننا عندما نرى عجزهم في فعل أصغر تلك الأشياء كقضاء حاجاتهم! ياااااااااه كيف؟ كيف لا و قد تشبثت صورهم في عيوننا أقوياء أصحاء نأوي إليهم عندما تظلمنا الدنيا و الظروف؟ كيف ترون العم عبدالله؟ من خلال عيون تريد أن تبكي، أو لعلها بكت؟ كيف ترون العم عبدالله؟ أخبروني، فأنا لا زلت أيضاً في ذهول، و حيرة، و أظنني نقلت هاذين إلى طلال.

كيف سيؤمن مصاريف العلاج الخاصة؟ هو و عبير و المعاش التقاعدي للعم عبدالله؟ كيف سيعيشون؟

- طلال؟
- ماذا؟
- ألا تريد أن تأكل؟
- لا شكراً
- سآكل نصيبك (قالتها و هي تتذكر مضايقاته و صوتها يضيق بغصة)

نظر إليها، كم تغيرت جواهر بالحجاب. منظرها الأشقر يستتر الآن تحت قطعة الحجاب البنفسجية و عباءة منزلية بلون بنفسجي قاتم لتبدو و كأنها قطعة خليجية متناقضة مع السفاير في عيونها التي تمتلأ بالدموع و شئ آخر لا يملك له تفسيراً، ذلك الهدوء الذي أصبح يحوم حولها، في صلاتها المستمرة مع عبير و ساعات الدعاء الطويلة في أواخر الليل الممتزجة بالبكاء المتقطع. كان يقف خلف بابهما و ينصت إلى ذلك الصوت الذي يمتلأ بالخشوع و التضرع والدموع بشفاء العم عبدالله. أما الذي مزق قلبه تماماً عندما سمع صوت جواهر و هي تخبر عبير أن قدومها لمنزلهم سبب الكثير للعم عبدالله... أظن طلال تألم لكل الألم الذي سببه بعجرفته لجواهر و الذي انعكس توتراً على والده... و جواهر لم تقل ألماً عندما حطمت طلال بلا علمٍ منه و بدرايتها أن آخر مشادة بين العم عبدالله و طلال كان سببها رفض الحبيبة المجهولة الخطبة.

- حسناً، هيا نرى ماذا أعددتِ؟
- (بغصة) طبق الفاملي (و صمت هو لأنه سر الطبخة العائلية الذي كان والده يغيظ عبير به و تحتفظ به جواهر فقط)


عبير ... تقف فوق الميزان و تراقب ذلك المؤشر الأحمر الباحث عن رقمٍ يخبرها ما يحتفظ به جسمها من دهون و شحوم و سمنة (80) !! ذابت عشرة كيلوات غرامية من جسدها حزناً و ألماً على حال والدها في مدة شهرين. ظلت تراقب المؤشر الأحمر إلى أن استقر على 77، رفعت رأسها و تنهدت، لم تعلم أن أكثر ما أرادته و هو أن تتخلص من هذه السمنة سيأتي بمرارة هكذا، لم ترده هكذا، لم ترد أن تفقد هذا حزناً على والدها، ليس والدها. جلست على الأرض و هي تغطي فمها تحبس البكاء.

****
- لن أقبل إلا بوجود جميع من شارك بالمسرحية
- لا يمكنني أن أؤجل المسرحية شهراً آخر
- استاذ رمزي، بافتراض أنك تريد أن تكون هذه التجربة مفيدة لطلابك و طلابي، لابد من حضور الاستاذة عبير، ستكون مفيدة لنا جميعاً
- و لكن استاذ غسان، بحكم معرفتي، والد عبير يحتاج الكثير من العناية
- أنا لا أعرف مدى تطور حالته الصحية
- تكلمت مع أخيها طلال منذ فترة
- أتعرف أخاها؟
- كان طالبي، من أفضل طلبتي بالمعنى الأصح
- (بابتسامة) و صدقني الاستاذة عبير من أفضل زملائي في العمل
- (بابتسامة) أنت لا تستلم بسهولة
- أبداً
- و ماذا تقترح؟ مدير الجامعة يريد موعداً لعرض مسرحيتك المدرسية على طلبة الجامعة
- سوف أكلمه و أجد حلاً ما
- أوجودها مهم لهذه الغاية؟
- جداً (بابتسامة متألمة)

وجودها مهم جداً، فبريق راحيل و كاميل لا يكتمل إلا بها، و فطنة باتريك و يعقوب لا تنضج إلا بها، و إن كُنت أنا كاتب هذه المسرحية، فهي من يبث في الطلبة الروح و الحياة. وجودها مهمٌ جداً، مهمٌ بالنسبة لي، جداً.. جداً :’(

*****
- لم تكلمي جواهر؟
- ليس بعد، أفضل أن أتصل بها ليلاً عندما تكون وحدها، تعلمين كيف حالهم
- نعم (تنهدت بألم على أثر شعورها بطلال المتألم و الشعور المختلط من كرهه و الشفقة عليه)

دخلت أم فاطمة بوجه متجهم كالعادة و بدأت بالنزق

- ما هذا يا سمية؟

(و يدها تحمل عطراً ثميناً أهدته جواهر لسمية بمناسبة عيد ميلادها الواحد و العشرين)

- عطر من ..
- تلك اللا محتشمة!!!!
- (تدخلت فاطمة) جواهر محتشمة أمي، رأيت حجابها على رأسها أظن
- هذه الأشكال لا تخدعني!!! حجاب أي كلام!!
- (سمية بألم) لماذا أمي؟!! لماذا تسيئين الظن بها؟ أحبها أمي.. هي صديقتي و أخـتـ...
- (قاطعتها) اخرسي! و لا كلمة أخرى.. فاطمة هي أختك! و هذه الـ***** ليست بمنزلة أختك!

فغرت الفتاتان فمهما من قسوة الشتيمة، و تكورت سمية في حضن فاطمة تبكي بينما فاطمة تحادث والدتها بانفعال

- كفي أمي!

جحدتها والدتها بنظرة قاسية

- تحادثينني هكذا لتلك الـ ******
- (يشتد بكاء سمية في حضن فاطمة) كفي أمي!! ألا يكفينا كل شئ... دعينا بسلام!

توقفت نظرات الأم على منظر ابنتيها المتلاصقتين، سمية وجهها مختفي في حضن فاطمة و أذناها محمرتان، بينما فاطمة تشبه اللبؤة التي تدافع عن طفلتها، أنا أمكما و هذه النظرات المؤلمة لي أنا؟! أنا التي تريد أن تحميكما من الألم.. من الرفقة السيئة.. أنا التي ضحيت بزهرة شبابي لكما و رضيت بضرة ... ثم تكبدت ألم طلاق لا ذنب لي فيه.. أنا يا فتياتي ... أنا أدعكما بسلام؟!!

قذفت زجاجة العطر على الجدار و قالت: إن أخذتِ شيئاً من تلك الفتاة يا سمية، لا تلومي إلا نفسكِ!!

تكورت سمية أكثر في حضن أختها، و رائحة المكان تمتلأ بذلك العطر الذي أحبته سمية من أول أيام صداقتها بجواهر. عطر شانيل ألور الذي أصبح رائحتهما في كل شئ انتشر في المكان لتبكي سمية شوقاً صديقتها التي تتألم بألم عمها المشلول.

<<<<< يتبع
(12) المشهد الثاني

- هيا

نزلت عبير و جواهر بالعباءات لتنضما لطلال و العم عبدالله على الكرسي المتحرك الذي ابتسم لمنظرهما الرائع، و خصوصاً جواهر التي تزداد جمالاً بحجابها الملتف تماماً حول رأسها، مد يده السليمة لها و نظرت إليه

- ماذا عمي؟
- أنـ.. أنتـ...
- (عبير تجلس على الأرض تراقب وجهه لتفهم ما يقول، فهي الوحيدة التي تفهمه) بهدوء أبي
- (هز رأسه ثم تنفس و قال) أنـ..ـــتـ.. جــ..ــم
- يقول أنتِ جميلة

اشتدت قبضة طلال على الكرسي المتحرك من الخلف و هو يراقب عبير التي فقدت الكثير من وزنها توضح لجواهر الملتفة بالسواد تماماً ماذا يقول والده. لسببٍ ما حفرت تلك الصورة في ذاكرته بكل شئ، مشهدهما المقرفص عند طرف الكرسي المتحرك و عيونهما التي تحاول التقاط ما يقول والده. شئٌ ما في عيون جواهر بتلك اللحظة كشفها شفافة و ضائعة، نعم... لعلها دوماً كانت ضائعة بلا عمي خالد، و الآن تتشبث بأبي بكل قوتها، حتى حجابها الذي يلف رأسها يسكن فرحاً بعيون أبي.

- هيا يا جميلات (قالها بمزاح ليخفف من عمق اللحظة)

خرج الجميع للمشي ليلاً تحت النجوم و هواء الربيع يملأ الأنفاس. و عند مسافةٍ معينة لم تتمكن جواهر من حبس دموعها، فتأخرت بالمشي و لحظتها عبير و أخرت مشيها بعدما أشارت لطلال أن يتقدمهما.

كان طلال يجر الكرسي المتحرك و هو ينظر إلى رأس والده الذي يلتفت يميناً و يساراً بحثاً عن الفتيات، وضع يده على كتف والده وقال بهدوء: إنهما تتحدثان أبي

ربت العم عبدالله بيده السليمة على يد طلال و شد عليها و قال بصوت ثقيل: قف

وقف طلال بالقرب من كرسي خشبي، جلس عليه و نظر إلى والده الذي يبتسم على الرغم من كل شئ، قبل جبهة والده ثم عاود الجلوس و يده بيد والده

- جوا... هر
- ما بها؟
- خا...ئف
- خائف على جواهر؟ لا تخف أبي، أنا معها و مع عبير، لا تقلق
- (لمعت عيونه) عند....ما تتـ...زو
- جواهر تتزوج؟
- (هز رأسه) أنا... ميـ...ت
- بعد عمرٍ طويل أبي، أنا و عبير معها... لا تقلق
- عبـ...ـير أيــ..ض
- (بابتسامة) لن أزوجهما و سأبقيمها في المنزل
- (ضحك) عبــ..يـ.. أخـ..ت..
- و أنا لن أظلم جواهر أبي... هي مثل عبير أختي
- (ابتسم) ....

وصلت عبير و جواهر التي تحاول عبثاً أن تخفي وجهها المحمر. طلال يراقبها و هي تطأطأ رأسها في الأرض كي لا يلاحظها العم عبدالله، فجأة صرخت لينظر الجميع إليها، و ظلت تقفز و تصرخ و تنفض عبائتها

- صرصور ... آآآآآآآآه... آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي

لم يضحك طلال من زمن هكذا، و كذلك العم عبدالله، بينما عبير تحاول بجبن أن توقف قفز جواهر و هي تنفض عبائتها إلى أن خرج الصرصور هلعاً و متوجهاً بسرعة نحو عبير التي بالتالي صرخت و وقفت فوق الكرسي الخشبي الذي يجلس عليه طلال، رافقتها جواهر بالوقوف و طلال لا يتوقف عن الضحك بينما الصرصور يجري يميناً و يساراً تحت قدميه. عيون العم عبدالله تلمع بدموع الضحك على منظرهما فوق الكرسي. وقف طلال و رمى الصرصور برمية قدم حرة، كان منظر الصرصور الطائر مثيراً للضحك، ثم التفت إلى الفتيات و قال بهدوء

- يكفي صراخاً الآن، انزلا

نزلت عبير و جواهر و هما تكتمان الضحك و الهلع من جراء ذلك المخلوق العجيب و الذي لم يخطر على بالهما أن يكون المنقذ من وضع مؤلم. استمرت النزهة بضحك، طلال يقلد عبير و جواهر، و عبير تضربه على ذراعه و جواهر تضحك من بعيد، لا أستطيع أن أضربك، لكنني أستطيع أن أجعل عبير تفعل ذلك عني أنا أيضاً
- على الذراع الأخرى عبير.. من أجلي
- حااااااااااااااااضر!

و ضربته بقوة إلى درجة أنه ترنح قليلاً لتخاف عبير من قوة قبضتها

- آلمتك ؟
- (بابتسامة متألمة) ماذا تظنين يا محمد علي كلاي؟
- حقاًَ؟
- ربما لأنها لكمة من جواهر

ابتسمت عبير، و تضايقت جواهر، هل لكمتي مؤلمة يا طلال؟ مع أنني لم استخدم يدي، إلا أنها تؤلمني الآن... ليتني لم أسبب لك هذه الآلام أبداً

- هيا إلى المنزل

عندما وصلوا إلى المنزل، لم تتوقف مضايقات طلال الصرصورية لعبير و جواهر، و كانت قبضات عبير تلكم كتفه اليمنى تارةً و اليسرى تارةً أخرى لجواهر، ثم بعد أن تعبت من لكمه أخذت والدها إلى الغرفة المخصصة في الطابق السفلي.

- أحقاً آلمتك؟

تحولت ضحكة طلال إلى ابتسامة عطوف

- قليلاً
- آسفة
- هههههههههههههههه، هي ضربتني و ليس أنتِ
- أعلم، لكنها ضربتك بالنيابة عني (قالتها باحراج و ضيق)
- Come on now ... لا تصبحي عاطفية هكذا... لا يؤلمني .. انظري (و رفع يده اليسرى للأعلى)
- (ابتسامة شاحبة)
- أنا ممتن لتلك اللكمات يا جواهر
- (نظرت إليه)
- كان ذلك الصرصور أفضل ما حصل لي في هاذين الشهرين المنصرمين، هل رأيت كيف ضحك أبي؟
- نعم (بغصة)
- لذا لا أظن عليك أن تشعري بالاحراج أو الضيق.. حسناً؟
- Ok
- و عندما أريد أن ابتهج.. أعلم تماماً ما يلزم أن أحضر من الحديقة (بابتسامة خبيثة)
- You won’t dare !
- لمَ لا؟ كان منظراً رائعاً رؤيتك أنتِ و عبير في حالة من الهستيريا
- You won’t dare !
- I won’t ؟؟

احتارت عند تلك الجملة المبطنة بالتهديد الطفولي ... I won’t ؟؟ يا ترى ماذا ستفعل يا طلال إن علمت أنني حطمت حبيبتك؟

- تصبح على خير

و تركته حائراً بتلك النظرات ... أكان الصرصور .. أم اللكمة ... أم ماذا؟ ماذا بكِ يا جواهر؟ ماذا؟ ابتسم و خرج إلى الحديقة.

وصلت هي إلى غرفتها التي مقتتها ذات يوم، و التي نفذت فيها أقبح الخطط لتحطم قلب طلال، طلت من النافذة إلى السماء لتبحث عن نجمتها التي تنظر إليها كل ليلة... ها هي... سامحني يا طلال... سامحني... لا أقوى أن أصحح خطأي هذا... فأنا أجبن من أن أخبرك بالحقيقة... آسفة... سامحني.. و بكت ....

و بكت .. و بكت ... إلى أن نامت.... لأيام غريبة قادمة ...

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 21-02-09, 05:47 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 13,907
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
(13)

لأيام غريبة قادمة، غريبة جداً، يتحول فيها الوقت بالساعة إلى تكات غريبة، تكات من نوع آخر، تكات ودودة، نبضٌ صغير يتحول إلى نبتةٍ صغيرة، باسم طلال!!!
لأيام غريبة، أحصد أنا فيها مشاهد جواهر حول طلال، و تشتت طلال، و هالات التعب حول عيون طلال!!
لأيام غريبة، أحتار في جواهر التي تريد التقرب من طلال الكاتم، و النسخة المطابقة حناناً في عمها عبدالله!!
لأيام غريبة، ستنتهي فيها هذه الأنثى كأنثى أحبت شيئاً مستحيلاً و مُعقداً...
لأيام غريبة فقط... أتطعمها كشوك لذيذ... أن تُحب ذاك الذي آذته بيديها... أن تُحب الـ(طالما) ظنته لا شئ في حياتها...
لأيام غريبة فقط... غريبة جداً يا جواهر .. سيأتيك قلمي ليغرس شيئاً في الأشياء التي لا تُدفن في بطن الأيام!
فقط... سأنتظره قلمي ليغرس فيك حقوق القتل المحفوظة، و لربما لا تعيين أنني قاتلتك قبل غيري!

مشاهد ليلة جمعت ما يأتي

في مكان ما، الأيام ذاتها تبدأ و تنتهي غريبة فوق رؤوس الأخوات النقيات/ فاطمة و سمية/ و كل التعقيدات المنزلية و النفسية تغزو الأحداث و الساحات. أحياناً تبدو القرارات السليمة مؤلمة و صعبة التنفيذ، لكنها الأسلم إن تتبعنا الخط البعيد من هذا اليوم. في غرفتها ضوءُ الأبجورة الليلية ينير لها ما تستطيع أن تراه من صورها مع تلك الصديقة الحبيبة/العزيزة جداً... جواهر/ صداقتنا مستحيلة يا جواهر لأن الأشياء أكبر مني و منكِ! لا أستطيع أن أطبق صداقة أنتِ فيها من يعطي و أنا أتعذر بالأعذار لأن أمي لا تريدكِ صديقةً لي. لقد تحملت الكثير من الصراخ و الشتائم، إلى أن انتهت المسألة بين يديّ أبي الذي لا أراه إلا نادراًّ! أتتصورين يا جواهر (و هي تنظر إلى صورتهما معاً) أتتصورين، أمي أنا و التي لا تتصل بأبي أبداً، جعلت من صداقتي و إياك معضلة لا يحلها سوى سوط والدي! (تحسست موضع ذاك الحزام فوق ذراعها) نعم أصبحت الأشياء أكثر تعقيداً بعد أن اكتشفت أمي أنكِ قريبة طلال! حتى فاطمة لم تسلم من سوط والدي! (تدحرجت دمعة مجنونة لتحط على بقعة بين الاثنتين في الصورة) و أصبحنا أنا و فاطمة تحت مراقبة سقيمة لأننا خبئنا هذا الخبر عن أمي و أبي و عن الجميع (احتضنت الصورة) أحبكِ كثيراً يا جواهر، لكنني لا أستطيع التحمل أكثر، ليتك لم تكوني قريبة ذلك الـ(طلال)! ليتك لم تكوني ابنة امرأة أجنبية! ليتك لستِ شقراء! ليتك هنا لأبكي في حضنك الدافئ! ليتك يا جواهر هنا! (بكت باختناق، و تطلعت بهاتفها الذي شحت اتصالاته) آه جواهر، كيف سأتحمل رنين هذا الهاتف؟ كل تلك الرسائل من هاتفيّـكِ مخزنة و محفوظة في ملفات خاصة أقرئها قبل النوم لأضحك وأشعركِ أختاً في روحي و قلبي، كيف يا جواهر (احتضنت الهاتف أيضاً، و استمرت في احتضان الأشياء) رائحتك تلف غطاء سريري، عبثك في علبي و أمشاطي لا يزال يعزف تلك الخشخشة التي تلتها هتافات و قفزات طفولية فوق المقاعد و الأسرّة... آه جواهر... سامحيني إن ظلمتكِ... لا أستطيع أن أحتمل سوط والدي و لا جفاء والدتي.. لابد من برودي معكِ لتبتعدي عني... لا أستطيع أن أرى فاطمة تؤخذ بذنب وراء ذنب بلا ذنب منها (أسقطت الأشياء من حضنها و رفعت صورة تحتضن الثلاثة/ فاطمة/جواهر/سمية) آه جواهر لو أنكِ رأيت ما انطبع على ظهرها من ذاك السوط! و صوت والدي لا يزال يرن في أذني ...

- يا قليلة الحياء... تقولين أنكِ لا تريدين الرجل لأنه لا يعجبك و تتواصلين معه بابنة عمه الـ******** التي تزوركم!!!

(احتضنت مخدتها و بكت) آه جواهر، لا أستطيع أن أخبرك كم ابن عمكِ حقير! لو لم يفعل ما فعل... لكُنا سعداء... لكنا أنا و أنتِ مربوطتين بزواجهما... تباً له ... تباً له!!

تباً لك!
تطالع السقف بهدوء مميت، لقد وصلت إلى مرحلة اللاشعور، حتى الأشياء التي تفرحها و تبكيها أصبحت بلا طعم، فقط هدوء، هدوء، هدوء... راجعت الأحداث الجامعية لتبحث عن النقطة التي غفلت عنها، و لم تفهم، أين أخطأت فيكَ يا طلال؟ و لماذا أشعر أنني أكرهك و أحتاجك؟ أحتاج إلى ما يخرجني من وضعي المميت هذا، من الظنون المسجونة في هذا المنزل، أسفي أنكَ كُنت اللون الوردي في حياتي التي أكلها الرماد! لا أدري، هل عليّ أن أشكر تلك المجهولة بما أخبرتني به؟ أم أمقتها و اختبأ وراء ستارة المغفلين لأكتشفك بعد الزواج كوالدي اللحوح و القاسي! كيف أجعل الأشياء الصغيرة التي جمعتنا تقول لي الحقيقة! لماذا سعيت ورائي إن كنت تلهو مع أخرى؟ كيف أستطيع أن أفهمني و أنا هكذا، فقط خاوية، لا أحتوي من نفسي سوى خواء و ضياع و تفكير هادئ، ماتت كل الحركة في روحي و جسدي من بعد سوط والدي المعنوي، كلا لم تؤلمني ضرباته الفعلية بقدر ما آلمتني ظنونه بي، شتائمه لي، و الأكثر، نظرة الاحتقار التي رماني بها و كأنني خلعت حيائي و عفتي و رميتهما في مستنقع الوحل و اللهو و الأخطاء. كُنت أخفيت هذه الحقيقة فقط لأنني أحببت جواهر، و لم أتحمل أن أنبذها و بعلمي و يقيني أن والدتي سترفض صداقتي بها و صلة القرابة بينكما! خطيب تأخر عند الباب، و ابنة العم دخلت من ذات الباب! آلمتني قصتها، آلمتني و لم أستطع سوى أن أحتويها و أرمي بالباقي خلف ظهري، فهي لا ذنب لها إن كانت قريبتك يا طلال، كلا لا ذنب لها أنها ولدت في ظروف صعبة، كم كَرِهتكَ عندما تحدثت جواهر عن ما فعلته بها، كيف كشفت لها خيانة والدتها، كيف كنت تغيظها، كيف كنت تتهمها بالأشياء السيئة، و هذا يؤكد لي أنك في منطقة ما بداخلك، مظلم، قاسي، لا مبالي، و حقير... تباً لك... تباً لك!!

آه... تباً للأيام ... تباً للأيام!!!

و تباً لمنظره الحزين على الشاطئ المهجور و القذر، الشاطئ الـ (أبعد) ما يكون عن الشاطئ الذي تأتيه الناس بممارسات الحزن أو الفقد أو الرومانسية على ألحان الحب، فقط شاطئ تزوروه القوارض و القليل من السلطعونات الغبية. يهرب إليه بعيداً عن نفسه يذاكر مرارة حيرته، من هذه الدنيا، من الأمل المبتور في قلبه، من الجرح المستكين في كل الفرح المُغتال برئته شوقاً و لهفةً و أسفاً، انتهت فاطمة، انتهت فاطمة و أنا لا زلت أريد أن أتعلم الفرح على يديها، لماذا النبذ يا فاطمة؟ ماذا فعلت؟ ليتك منحتني سبباً، سبباً واحداً فقط لأستمر، لأفهم، لأنهيك من فصولي، فالربيع أنت و الشتاء أنت و الصيف أنت و الخريف أنت، آه... أتذكرين الخريف يا فاطمة، و تلك الأيام التي تقاذفت فيها الريح أوراق الأشجار فوق كتبنا الجامعية و رؤوسنا الخفيفة من هموم الأيام، نضحك و نتهم الريح بالشغب الجامعي؟ أتذكرين تلك الورقة بالذات التي لامست كتابك ثم استقرت على وجهي و بالتحديد في عيني لتحمر و تدمع! طالبني أحمد أن أحتفظ بها إلى أن نتخرج لأنتقم منها و من ما سببته من حساسية لعيوني لتحرمني من الدراسة قبل ذلك الامتحان (أخرج الورقة من محفظته) ها هي ذات الورقة التي لامست كتابك و وجهي، و احتضنت منا ضحكة و احساساً صافياً طاهراً، لم أبحث فيه عن شئ سوى الفرح و النجاح، عندما كانت أحلامي بحجم هذه السماء الليلة، و بعدد هذه النجوم الباكية، أحلامي التي أردتها أن تبدأ معك..... (رمى ورقة الخريف) و بلونها الكئيب تذكر حجاب جواهر بذات اللون، و تقلبت ذكريات هذه أيضاً في شجونه، كم آذيتك برعونتي و غبائي و رفضي! آسف يا ابنة عمي، أسفي أنني لم أكن كوالدي الذي احتواك تماماً في ذلك الوقت الحرج... عادت إلى ذاكرته هذه ....

- أنت لا تطاق طلال! قد خسرت والدي و حياتي انقلبت فوق رأسي و أنت لا زلت نفس الـ (طلال)!
You have no idea what I am going through, and don’t you think for a second that I am happy to be in the same house that rejected my mom and me and everything to do with us!
- done with your lecture ؟
- أنت حقير فعلاً !!!!!!!
- هههههه ! ليس بقدرك JEWEL !

أنا الحقير يا جواهر، أنا و لست آسفاً لأقول ذلك عن نفسي، خصوصاً عندما كان بغضي يحركني، و كل مشاعر الوفاء لخالتي الحبيبة تصرخ في رأسي (لا تقبل شيئاً من ابنة هذه الأجنبية)، و كأن أخطاء ليزلي كانت أخطائك أنتِ لأنكِ تحملين لون عيونها، ذلك البحر الذي يبدو عميقاً أحياناً، كمنظرك حول والدي بالدموع و الرجاء، و كل تلك الأشياء التي تغيرت فيكِ، تغيرت فيكِ تماماً، فأراك فتاةً ضعيفة، حائرة، طائشة و تحتاج إلى التوجيه والرعاية و الاحتواء. أحياناً يا جواهر أرى فيكِ شيئاً لا أستطيع فهمه، شفقةٍ لا أملك تحكماً بها. جرحني أن أبي أخفى الكثير و الكثير عنكِ و عني، فأنتِ لا تعلمين أن ثروة والدكِ ذهبت في ديونه و أعماله الغبية، و بقي لك فُتات قليل! حتى أنكِ لا تعلمين أن ثمن مقعد دراستك يأتي مني أنا، و من عبير، ليتوفر معاش والدي لعلاجه، أخفى الكثير عنا، الكثير يا جواهر، كل ما يملكه هو معاش تقاعدي متواضع لأمور المنزل و أموره البسيطة، من بعد تلك الجلطة، بدأت أرى الأشياء بمنظور آخر، فلولاها لما رأيت ما احتمل والدي من هموم تكفينا جميعاً لسنين و سنين! تباً للحاجة! تباً لأنني لا أستطيع أن أوفر الكثير له و لكِ و لعبير..!

تباً!! هذا أيضاً، لا أستطيع ارتدائه!! تحقق جُل ما أردته، و الآن لا أملك ما يكفيني لأشتري ما يليق بجسدي الذي نحُل و نحُل و نحُل!!! لا زلت أتخيل وجه جولي و هي ترمقني بنظرات العُلو و أنا بذات الملابس الفضفاضة جداً أخفي فيها نحولاً أصابني! لا أستطيع أن أتخيل تلك العيون و ذلك الكحل يرمقني بنظرات شفقة و استهزاء، لا أحبها هذه النظرات! (تذكرت نظرات والدها) و نظرات والدي لنحولي تأكلني، يخشى أنني بدأت أمرض، أو .... (تذكرت غسان) أتألم من كل هذا، فأنا بسيطة جداً، و لا أملك من الغموض ما يلفني كأنثى، و حتى عندما تحققت أشد أمنياتي و بظروف لم أتخيلها، أجدني قبيحة جداً ... قبيحة جداً... و أكره هذا التحول الذي أصابني، و أكره أنني أفكر فيه... فيه... !!!! تباً،، تباً،، تباً لأنني لا أفهم نفسي، و لأنني أعيش على هوامش الصفحات بدل تصدر العناوين (تذكرت ذلك الحديث مع غسان)

- أتعلمين؟
- ماذا؟
- دوماً يتبادر لأذهان البعض أن التدريس مهمة فاشلة لأنها غير قابلة للتجديد، فمثلاً المعلم أو المعلمة في عيون البعض لا زال يقبع في الاطار التقليدي
- الاطار التقليدي (بابتسامة) ؟
- نعم ، نظرية العصاية أو نظرية الوجه العبوس أو نظرية النظارة الطبية المخيفة (و حرك نظارته الطبية قليلاً بمزاح)

من أنا يا غسان لتمنحني صورة العطاء؟! لستُ أحداً ... فقط أردت أن أترك شيئاً في طلبتي... بعضهم يسخرون من حجمي و البعض الآخر يظنني قمة الشفافية من حيث لا أعلم؟!

إنها لا تعلم... فقط لا تعلم... كم تملك من الضوء حول عينيها عندما تتكلم، عندما تنطق بكلمات العلم حول طلبتها (رفع كوب القهوة إلى شفتيه) لا تعلم أنني أراها جدتي .. أنني أراها وطني .. أنني أراها شيئاً مختلفاً ... شئ غريب ... لا أملك له تفسيراً ... فقط قوتها و عزيمتها في أن تُحدث فرقاًُ في طالب أو اثنان... فقط تلك القوة .. لو أنها تتوزع على أساتذة المدرسة، لامتلأت المدرسة نوراً ... و علماً ... و حقاً ...
فقط لو أنها ... تعلم ... أنني أكره وضعي الذي لا يتحرك لصالحها و صالحي... و لأنني أسكن شقة من أربعة جدران و سقف من التأمل المرير... و الكثير الكثير من الصور و الذكريات لأموات .. أموات .. أموات..!!!! لا أهل لي .. لا أخ .. لا أخت .. لا أب و لا أم... كل ما ملكته هو جدة هربتني من حدود إلى حدود أخرى لأعيش بسلام .. بعيداً عن من أراد أن يطالني من أعداء أبي و أمي ... فقط ... بعيداً عن مؤسسات التنظيم و الثورة و الجهاد... أرادتني أن أعيش حياةً طبيعية... و أسفي أنني لم أتمكن من أعيشها... فهذه المسرحية تلعب أنقاض مشاهد مما روته لي جدتي، و القليل من ألم أبي، و الكثير من دم أمي! قتلت نفسي في المسرحية ربما لأنني أجبن من أن أرى الألم الذي مروا به، و لأنني وجدت سلاماً كاذباً في دولة بعيدة عن جذور احتضنتني شقياً و شاباً... فقط لأنني مُغترب يريد أن يعيش بسلام، فيتهمه البعض بالجُبن، و البعض الآخر بالنفاق و المصلحة! فقط لأنني لا أنتمي بجواز سفر إلى هذه الأرض، لن أجد جذوراً تجمعني في شجرة عائلة عبير!

انتهت الليلة

*****
دخلت المنزل بالأوراق و الكتب و بعض التجهم لتغير تلك الصديقة التي تُسمى سمية! ما هذا البُعد الثقيل بيننا؟ ما هذه الصداقة التي تأكل الجانب الواحد بالعطاء و العطاء و العطاء، و الطرف الآخر في بُعد و برود! لماذا تغيرت الأشياء حولنا يا سمية؟ لماذا لم نعد نقضي الساعات الطويلة في هاتف تشحنه النكات و الضحكات و الروح الأخوية؟ لماذا يا سمية خلفنا الصبا و الشقاوة خلفنا و بدأنا نتكلف و نبرُد بالرسميات و الدروس و الـ (لا أستطيع أن أذهب معكِ الآن... أمي تريدني في المنزل)!
توقفت كل تلك الأشياء في رأسها على مشهد سبحة زرقاء في يده السليمة المجعدة، الحبة تلو الأخرى و شفاهه تتحرك ببطء و تردد ((الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله))

...... وجع يا عمي.......!!!

((الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله)) و لا يزال يقولها في ليله و نهاره لأنه عاش بين أبناءه و إن كان مشلولاً، قانعاً بقدر و مصاب يختبر صبره و إيمانه

من بعد إذن رواسي/روشيآ أستعير تلك الكلمات التي تشرح بالضبط كيف هي يد العم عبدالله

يدٌ تمتّد بالنور، بالعطاء، بتعب السنين، بفرحة الانتماء، بابتسامة تتجعّد على أطرافها، يدٌ لا تخذل، لا تضمحّل، لا يُخالِط تعرجاتها ريب، لا ترتّد، لا تضرب، لا تُزهق، ولا تفنى . يدٌ تعرف تماماً، يدٌ تُدرك، يدٌ لا تؤذي رغم المعرفة، يدٌ لا تتلوّث بحرام ولا تُقدِم إلا على حلال، يدُ تبتسم . تخيّلوا فقط كيف يُمكِن لـ يدأن تبتسم ! هي يده وحدها التي تفعل، والتي دائماً قادرة على فعل ما لا تتقِنُه بواقي الأيدي . يدٌ بيضاء، ترتكز على عصا، يدٌ أدمنتُ تقبيلها، يدٌ تُضيء، يدٌ تبكي من أجلي، يدٌ اهتويتُ تقليم أظافرها، وصارت تلك هوايتي في الأيام القريبة، يدٌ ناهزت أربعةٌ وسبعون عاماً من بياض، يدُ أحبها، يدٌ كـ النور، يدٌ أحِسُها مبعوثة من جنّة.

يده وحدها، هي يده وحدها التي أريد أن أقبلها و أمسح بها وجهي، فقط يده، يد عمي...

- مساء الخير عمي (و قبلته على جبهته ليجفل قليلاً ثم قبلت يده التي مسحت خدها و استقرت على رأسها و السبحة متعلقة بأصابعه و تسرب برودة في خدها)
- مســ...ــــاء الـ....ـــــنور

من بين الأحاديث التي حرصت أن لا تجهده فيها، أخبرته أنها تتفوق، و أنها تحرز نجاحاً، و أنها سوف تبهره بنجاحها، استأذنته إلى غرفتها و الدموع تلمع في عيونها و ليصل بعدها طلال بقرار سيفاجئ الجميع.. الجميع ... !
________________________________________
(14)


- هل حزمت كل أغراضك؟

- نعم (بابتسامة)

- و جواز سفرك؟

- إنه معي
- و هل حولت نقودك؟
- نعم (بابتسامة أكبر)
- سأشتاق إليك طلال
- لا تبدئي عبير
- أقسم أنني سأشتاق إليك طلال
- تعالي هنا

(خ خ خ خ >> ! طلال يخيب توقعاتكم،،، بس ... راح تشتاقون له وااااااايد!!)و جان راوية تسويها فيكم

و احتضنها ليزيد الشوق.

طلال سيرحل في رحلة عمل إلى لندن لمدة 4 أشهر لجامعة (The Royal College of Art) و التي تعتبر الجامعة الوحيدة المُسخرة إلى خريجي الفن و التصميم. في كل صيف تُقام في جامعة (RCA) معارض فنية تحتضن كل ابداعات الطلبة من الفن، الرسم، الهندسة المعمارية، الهندسة الداخلية، التصميم، الأزياء و غيرها الكثير.
من هنا ابتسمت الدروب لطلال بالتحضير لشهادة الماجستير في التصميم، حيث أن هذا المعرض الصيفي سيوسع آفاقه و يطور ابداعاته و بهذا تخطيطات طلال على المدى البعيد بفتح شركته الخاصة لتصميم الدعايات و الاعلانات سترى النور. حيث أنه بشهادة حديثة و خبرة عمل لا تزيد عن السنة ليس ممكناً أن يقتحم سوق العمل، فقد تعلم من أخطائه قبل الالتحاق بالجامعة.
كان قرار انتسابه إلى إحدى الجامعات بلندن بالمراسلة مشجعاً من قبل العم عبدالله الذي بدأ يتحسن تدريجياً بفضل الدعاء و التمارين العلاجية. و من بعد هذه الدورة و تحقيق رسالة الماجستير سيكون الوعد من مسئول طلال بأن يمنحه منصباً أعلى و راتباً أقوى، و بهذا تُحل المشاكل المادية التي طالما أرقته و أثقلته.

- طلال؟

انتزعت عبير نفسها من حضن طلال لتنظر إلى جواهر التي ذبلت عندما علمت بسفر طلال، خصوصاً في هذه الأوقات الصعبة! و خصوصاً بعد الامتعاض الذي أبدته جواهر عندما فاجأ الجميع بقراره. فكانت على وشك افتعال مشاجرة معه بحجة أنه لا مسئول و لا ينظر إلى المدى البعيد في هذه الأربعة أشهر! لكنها ترى أنها كانت خائفة من أن تكون هي من لا يملك بُعد النظر!

- أود أن أعتذر لك عن ما بدر مني، it was very selfish of me
- It’s ok
- لا ... أنـ...
- جواهر. أرجوكِ لا تفتعلي من لا شئ شيئاً... it’s ok ... انتهى الموضوع.. يجب أن أمر السوبر ماركت قبل أن أذهب للمطار

حدقت إليه و ودت لو أنها تصفعه! انزعجت من نبرة صوته التي تنهي الحديث قبل أن تخبره إنها كانت ممتعضة لأنها خائفة، لكنها تراجعت في النهاية و ألقت عليه تحية باردة و انصرفت إلى غرفتها ثم إلى دفترها الذي أصبح صديقاً مخلصاً أكثر من سمية.

If I had a horse, I would’ve run away!
Away from what I carry here… in my heart
I hate the way he dresses his hair
I hate the lazy curves on his lips faking mysterious smiles
I hate the way he hugs his sister
I hate his everything!!
I hate me now!
I hate the voids that I keep empty
Those voids that swallows me
In dark places that I have no light for
Were we that much apart and now so close that I can’t see things right anymore?
I wish my honesty comes to fill the void
So I can hate you more and more!
I hate you! And I wish you never come back!!
I hurt (she cries)
I hurt for ….. !!!!

توقفت عن الكلمات التي تنطلق من شرايينها، حدقت بقوة في آخر كلمة... بالضبط الأخيرة!
أتألم؟ أتألم من أجل من؟ طلال؟ منذ متى تحول كرهي الشديد لك إلى محبة خفية! لا لا لا! طبعاً طبعاًَ أنا أحبك كما تحبك عبير... طالعت ما كتبت، و رأت التناقض في ما تقول و في ما تفعل!!! هل آن الوقت لأصارح نفسي بأن أكون ما أنا عليه منذ فترة لا أذكرها؟ أصابني التشويش بعد معاملتك اللطيفة، و أظنني رأيتك كــ.... ! لا لا لا ! أنا أودك و أحبك تماماً كعبير! مزقت الورقة و ألقتها في سلة المهملات، و كأنها تستطيع أن تنهي هذا كله بتمزيق صفحة أو صفحتين! لن تستطيعي أن تمزقي أوراق راوية يا جواهر.. هههه!!! ستظل تلاحقك إلى أن تقتلك تماماً يا ذكية! I will be waiting on the corner JoJo !!! فقط انتظريني لتري الجانب الذي لم تفضحه راوية للآن!
ليسافر طلال قليلاً... ليشتاقه الجميع قليلاً... و لأضع أنا الكثير من النقاط الحمراء السوداء فوق الحروف و الشخصيات التي لا يريدها الكثيرون.... ليرحل طلال إلى أن تتمازج كل الأمور بالتعقيد إياه في رأسي... و سنرى! هه!


12 ؟ 4 ؟ 7 ؟ كم أصبح المجموع؟ أووووف! و عادت إلى العد مرة أخرى، كان السوبرماركت متخماً بالناس، أطفال يبكون في قسم الحلويات، ربات منازل في أقسام أدوات التنظيف، أزواج مخضرمون في أقسام اللحم الطازج، و فاطمة في زاوية المجلات تعد سعر المشتريات قبل أن تتناول مجلتها المفضلة.

~~~~ طلال~~~~~ كما الريح التي هبت على وجنته و هو يراها تقف بدون أن تراه، يبدو أن رغوة الحلاقة التي شتمها كثيراً بسبب نسيانه قد أصبحت من أجمل الأشياء التي جمعته صدفةً مع اغرب مخلوقة!

لغرابة الأمر، عندما نظر إلى وجهها، نسيّ كل شئ، كل شتيمة، كل تردد، كل جرح، كل فقد، كل شئ و فقط... قلبه يهتف من أن يقترب منها و يناديها فاطمة... فاطمة... فاطمة !
//
لأناديكِ يا عزيزتي، تلزمني اجتماع كل ذرة في روحي، لأنني أحتاجها هذه اللحظة، هذه التي قد أذرف لها دمعة و أنا رجل!
\\
- فاطمة؟

//
أروع ما في فاطمة هو تحرك عيونها السوداء بسرعة و هي منفعلة، و كأنها خيل يريد أن يطلق حوافره للريح... و لم تنطق بكلمة مما يجول في خاطرها

(لا! لا!)
لا يا من منحتك قلبي و خذلتني!
لا يا من نحيت ابتسامتي و أفراحي من أجله!
لا يا من سفكت تفكيري ...
لا يا من رميت أحلامي ...
لقد انتهيت من كل شئ
لقد انتهيت من الحب
لم يعد لي شئ من ذاتي لحب لم ينفعني!
ها أنت بكل وقاحة
و كأن شيئاً لم يكن
تقف و تبتسم
و كأن الأشياء لم تتغير
و كأنك أنت و لست أنت!
من بعدك شُللت يا طلال!
شُلت حياتي و لم يعرف هذا أحد!
لم يرد أن يفهمه أحد!
أصبحت شيئاً مهملاً في الزاوية و الرواية القاسية
و كأنني شئ ينتهي بتعقيد كتابي
و كأنني المطيعة المتخاذلة و المغلوب على أمرها!
تباً لكَ و لكل شئ!
\\

ابتعدت بدون أن تلتفت له مرة ثانية، لكنه لحقها هذه المرة، قد تكون المرة الأخيرة التي يراها، و لكنه سيندم إن لم يفعل

- فاطمة! توقفي
- (بكل شموخ نظرت إليه) .......
- فقط أخبريني لماذا
- (نظرت إليه بشموخ أكبر) لماذا؟ تريد أن تعرف لماذا؟؟
- نعم (و أصبحت نظرته توازي نظرتها شموخاً)
- طلال الوسيم الرائع (جحظت عيناه) و لا تأخذ كلمة الوسيم من منطلقها الصحيح... الوسيم الذي لا تكفيه إمرأة واحدة! (و أكملت بقوة من أوجاع سوط والدها على جسدها)
- لا تكفيــ.... ماذا؟؟؟؟؟؟؟
- SHOW YOUR COLORS طلال! أصبحت لعبة البراءة على ملامحك مقيتة جداً! لا يُجدي هذا الحديث!
- لحظة ... لحظة ... لحظة ... !!!!!!!! (قالها بغضب لم يسبق أن شعر به) أنتِ من تعيشين أمراضك في رأسك! و ماذا تحسبينني؟ زير نساء؟ دون جوان؟ بلا أخلاق؟ بلا دين؟ بلا خوف؟ هل من يلزم صامتاً الحب في قلبه لأربع سنوات يدعو الله أن يجمعه بنصفه الآخر دنئ لحد أن يصل إلى منزلة أمراضك الداخلية؟؟ لكم من المرات رفضتني يا فاطمة، أجرح رجولتي و أسامح تخبطك و ترددك كطفلة لا تعرف أي لعبة تختار؟
- أنا لستُ طفلة! ثم أنا علمت أنكَ تقابل إحداهن في وضع شائن!!
- و هل صدقتِ الغريب على كل ما عرفته مني؟ (قالها ببرود)
- .........
- أجيبي! (صرخ بها)
- أياك أن تصرخ في وجهي! أتفهم! و إن يكن! لدي الدليل أنها كانت معك! فقد أخبرتني أنها تأتيك في غرفتك! حتى أنها أخبرتي أنك تحتفظ بقرآن أزرق صغير!
- و هل أنت غبية لأن تصدقي كل من يخبرك أنني أملك قرآناً أزرقاً؟ قرأنك الأزرق كان ملازماً لي في كل مكان! في كل امتحان! في كل مباراة! في كل مستشفى! في كل مرض! أسفي أنه لم يتغلب على مرض الشك في رأسك! و بظني ... حبي كان كثيراً عليك!!

و انصرف لتتجمد من كلماته... أيعقل أنها غبية ؟

********
في جامعة جواهر، و من بعد اتفاق بين الأستاذ رمزي و غسان، سيتم عرض المسرحية على مسرح الجامعة كمادة تجريبية لطلاب المسرح من المدرسة و الجامعة كنوع من التجديد التعليمي ، سيحين وقت عرضها في الجامعة قريباً هل تصبح النساء كالقطط عندما يتعلقلكن إليكم عرضاً نسائياً شيقاً...! الموضوع بقط وسيم! هههه! دوماًَ كانت جولي تحوم حول غسان بحجة أنهما مغتربان، و دوماً كانت عبيرحاضرة لتشهد هذه المشاهد التي تغرس أشواكاً من نوع غيرة طفيفة! ليس أنهما اتفقا على شئ، أو أنهما يحملان نوايا خبيثة في الحب... فقط الأشياء أكبر من عبير و غسان ليلتقيا... و هل سيلتقيان؟؟ أدع الأمر إلى أول قذائف جولي

- جميل، دوماً ارتدي هذا اللون
- .......... (لم تنظر إليها)
- بالذات هذا اللون الوردي لكي تزيدي الفتنة حولكِ
- جولي! أنا لا أرتدي ما أرتدي لأشعل الفتنة! كفاكِ هذا الكلام السخيف! (قالتها و هي لا تزال لا تنظر إليها)
- هههههه! ما هذا أيتها القطة الشرسة!
- إياك و مناداتي بهذه الأسماء السخيفة! (أيضاً لم تنظر إليها)
- ما هذا الآن! هه! قد خرج لسانكِ من جحره؟
- (تنفست بغضب) اسمعي جولي... كُفي.. و اغربي عن وجهي أرجوكِ (أغمضت عينيها و أيضاً لم تنظر إليها)
- لتتمتعي بالأجواء!
- الأجواء؟؟؟ (نظرت إليها نظرة لا تبشر بخير!)
- تلك الأجواء! (و أشارت برأسها إلى غسان البعيد على المسرح)
- أنتِ فعلاً ....!!!!!!
- فعلاً ماذا؟ جميلة؟ محنكة؟ رائعة؟ أبداً لا تجعلي من ذوبان شحومك نداً لي! (ابتعدت قليلاُ عنها و تطلعت إليها من رأسها إلى قدميها باستخفاف) يلزمك الكثير بعد... لا زلت فيلاً يطمح إلى أن يصبح غزالاً كسيحاًَ !
- !!!!!!!!!!!!
- ماذا؟ لا تنظري إليّ هكذا!!!
- لن أسمح لكِ بمعاملتي هكذا بعد اليوم يا جولي! سئمت ملاحظاتك السخيفة! للجحيم بكِ!
- ههههههههه (و ضمت أكتافها بفتنة على صدرها) بليز... دوني هذه الملاحظات السخيفة لأنها ستفتح your third eye !
- !!!!!!
- هو لي!
- غسان؟
- بعينه!
- هههههههههه! و ما الذي يجعلك تظنين أنه يفضل شاكلتك المشوهة! (فرحت لأنها بدأت بأولى القذائف)
- شاكلتي المشوهة؟؟!!! أنا؟؟ يبدو أنكِ لا تنظرين جيداً من بقايا الشحوم بعيونك! مسكينة! (و هزت رأسها باستهزاء)
- !!!!!!! إنتي أحقر بكثير مما سمعت و مما تصورت!!!!!!!
- مما سمعتِ؟ بظني الجميع يريد اشارة مني... لذا لا تمنحي نفسك تبريراً بأنكِ قديسة
- ربما الجميع... إلا هو!
- (جحظت عيونها) بالذات هو!
- إلا هو!!!
- احلمي... فالأحلام مجانية، لكن حاذري من الوقوع على وجهك!
- أنا أترفع عن حركات الأفاعي أمثالك!
- أنا أفعى؟؟؟؟ أيتها الفيلة القبيحة!
- و إن كنت فيلة ... بنظره أنا أفضل من أفعى ملوثة بالعطر الذي يشم على بعد ميل!
- عطر من على بعد ميل أفضل من تمثيل الرسالة التعليمية في الطلاب!
- !!!!!!!!!
- ماذا؟ (بابتسامة خبيثة و كأنها أصابت هدفاً)
- إياك ثم إياك يا جولي الحديث بهذه الطريقة عن عملي! فأنا عندما بدأت هذا العمل، كنت مخلصة في كل شئ به!
- طبعاً واضح اخلاصك في زج أنفك في مسرحيته دوماً!
- بظني اللجنة المدرسية اختارتني معه، و للأسف لا أدري ماذا حل رؤوسهم ليزجوكِ معنا من بعد ترحيل مايكل! و كأنه كان مشاركاً في هذه المسرحية بقدر ما هو يعاكسها!
- كان من حسن حظي أن رحل مايكل... شكراً لكِ! (بابتسامة خبيثة)
- ماذا؟
- .......
- ماذا؟
- نظفي أذنك من الشحوم جيداً لتسمعي، صوتي أعذب من أن يستقر بأذنك الغليظة!

و انصرفت إلى مكان غسان، لتبقى عبير في حيرة، أكان غسان من شكا مايكل؟ من غيره؟ هو الوحيد الذي تدخل عند العرض الأول للمسرحية! غضبت... من جولي و من تصرف غسان، و إن كان يبعث أملاً ضعيفاً في قلبها، لكنه ليس مسئولاً عنها ... توجهت إلى حيث غسان و جولي التي تحوم حوله كذبابة تريد أن تلتهم كل العسل بعيونه الخلابة و التي يبدو عليها الارهاق

- غسان؟؟!!
- نعم (بابتسامة صغيرة)
- هل كان لك دخل بترحيل مايكل؟
- ..............
- سألتك، هل كان لك دخل بترحيل مايكل؟
- هذا شأني وحدي عبير
- !!!!!!!!!!!!!!!!!
- رجاءً عبير
- من منحك الحق بأن تتكلم باسمي؟؟؟؟؟
- ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

تدخلت جولي

- ماذا يا عبير؟ كنتِ تريدين أن يتحرش بكِ مايكل على الدوام؟

اندهش كل من غسان و عبير، و تلازما نظرات الدهشة و الشعور الغريب من كلام جولي الذي يقطر سماً

- لا تنظري إليّ هكذا، الجميع يعلم أنه كان يتودد إليك و أنتِ لم توقفيه!

تدخل غسان

- جولي!!! ما هذا الكلام الدنئ؟

هاجمت عبير و هي تنظر إلى غسان

- أنا لم أطلب من أحد الدفاع عني (ثم نظرت إلى جولي) بامكاني الدفاع عن نفسي! و صدقيني أنا سأتولى هذه المرة الدفاع عن نفسي لكي يرحلوكِ ! فهذا يعتبر سب و قذف في العمل... و بظني اللجنة التأديبية ...
- هههههههه! Go الله يصلحكِ ! (لم تكترث جولي كثيراً بما قالته عبير، و كأن كلامها بلا قيمة)

أوقفها غسان

- يكفي لهذا الحد يا جولي!

و صمتت جولي لتحل الحيرة في نفس عبير، لماذا جولي تتمتع بكل هذه الثقة! غسان شاهد على هذا التصرف، ألا تخاف أن يشهد ضدها؟ أم.... لعله سيتستر عليها لأنه ..... !!!

انقطعت الأشياء بحضور كاميل و 2 من طلبة الجامعة
- استاذ غسان
- نعم كاميل
- صفاء لم تجد المشهد كراحيل، إنها تنسى و تسير بشكل صحيح و تنسى أن تمثل اعاقتها!
- حسناً، سنرى بعد قليل

تنفست عبير بغضب و أردفت أمام الجميع

- جدوا لأنفسكم أحداً !!! I QUIT !!

و انصرفت .... و انصرفت جولي من بعد الاحراج من نظرات غسان الذي بقي واقفاً لا يعرف ماذا يفعل الآن مع طلبته و خصوصاً صفاء الجديدة و التي تحل محل راحيل التي رحلت بصورة مفاجئة من المدرسة..... !

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 21-02-09, 05:48 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 13,907
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
(15)

ماذا عن القطع الصغيرة من الذكريات التي تخدش جدران القلب؟
كانت رحلته في الطائرة - و الجو ممتلأ بالغيوم – مليئة بالأفكار، و لا زالت الأفكار ذاتها تستوطن رأسه و هو يسير في طرقات لندن. كان الجو رمادياً، كما يقولون، لندن هي مدينة الضباب و قد لا تكون أفضل المدن الأروربية على الاطلاق، لكنها تحمل في ذاكرته بعض الصور السعيدة عندما زارها مع والديّه و خالته و عبير الصغيرة بهدف رؤية عقار العم خالد. يداه تستريحان في جيوب معطفه، و اللفافة الصوفية الخفيفة تطوق عنقه بحنان، جلس على كرسي قديم يطالع الوجوه التي تمر و كفاه متلاصقتان تبحثان عن الدفئ.
طلال ...
لم أصفه كرجل، لأنني أريد أن أترفع فيه عن قصص الحب في الرجال المتألمين، و أحاول الغوص في القصص الانسانية لرجل موجود في كل بيت و كل حياة. رجل ربما تريد صفحات قصص الحب التهامه، لكنه أنقى من ذلك، نعم أريده أنقى من ذلك بكثير و ليتكم ترونه أنقى من ذلك. رجلٍ يتنفس هواءً غير ملوث بإثم الحب، و لا سوء النوايا، رجل فقط يعرف أنه ابن، أخ، مسئول. رجلٌ يجاهد على الحفاظ بكرامته و إن انزلقت بهشاشة عاطفة مرةٍ أو اثنتين. رجل غير كامل الأوصاف، له سيئاته و له حسناته. رجلٍ على رغم سنينه التسعة و العشرين، لا يزال يحتاج إلى حضن أمه، ذراع أبيه، عطف خالته، شقاوة أخته. من يحدد أن الرجل عندما يكبر يفقد حاجاته الطفولية، هل أصحبت أحقية الاحتفاظ بالطفولة للنساء و حسب؟! بعض الذكريات تلوح أمام عيونه عندما أعادت إليه مدينة الضباب، صور أمه و أبيه و خالته و عبير التي لا تنفك عن تناول الحلويات.

أمه ... التي لم أكتبها كثيراً من خوف غرس الألم في قلبي ربما، خسارة الأم كبيرة، و قد لا يحتملها قلبي، و لم أرد منها حزناً في قلوبكم، لكن اليوم .. لا بأس ببعض الذكريات عن الخالة فاطمة.. أليس كذلك؟
تلك الحنونة التي تطبخ و تكنس و تغسل و تسهر.. تلك التي كتب عنها المؤلفون الكثير من القصائد و التي درسها طلال في الصفوف الابتدائية .. عندما كانت ينشد ((ماما ماما .. يا أنغاما .. تملأ قلبي .. بندى الحُب)) بالقرب منها و هي تغسل الثياب و تعلقها بابتسامة على ولدها الذي لا ينفك عن سحب طرف ردائها .. كثيراً .. كثيراً .. يتساءل طلال عما فعله لأمه .. و ما لم يستطع أن يفعله عندما خطفها الموت؟ عندما لامس الوتر المنقطع في قلبه عند العيد الخامس عشر، كانت مرحلة التمرد، و الخروج من المنزل إلى نشاطات متفرعة بين كرة قدم، و زيارة المطاعم الصغيرة و سهر مع أصحاب الـ(فريج). كان تأخره الكثير يسبب القلق لوالدته التي لا تنفك عن شغل كرسي الصالة – و الذي يواجه نافذة الحديقة و باب المنزل الخارجي بالتحديد- قلقاً و خوفاً. و عندما يعود يجدها جالسة بعتب على تأخره، يحتدم الصراخ...
- أنا كبير الآن! لماذا لا أفعل مثل باقي رفاقي؟؟!!!
يتركها في منتصف الدهشة، كبر صغيرها، كبر كثيراً و بدأ يفكر باستقلالية قد تضيع مستقبله. دمعة على وجنة أمه لم يعرف ثمنها إلا اليوم. كم يشتاق إلى تلصصها من شق الباب عليه و هو نائم، صوت قدمها على عتبة الدرجة العشرون بالتحديد، و التي تصدر صوتاً مميزاً يعرف أنه قدم أمه. لو عادت الأيام، قطعاً قبّل قدميها التي طالما قادتها إلى غرفته لتسمع صوت تنفسه المميز و الممتزج مع قرقعة صوت المكيف. أبداً لا تعرف مقدار ما لديك، إلا عندما تخسره للأبد! فقدتكِ أماه .. المراهق الطائش و الرجل الـ(ناهز الثلاثين) يحتاجكِ اليوم. ليرحمكِ الله .. و يرحمنا أجمعين برحمته ... رمش بعينيه بسرعة كي لا تسقط الدمعة المتكاسلة، و لم تسقط.
نهض من على الكرسي و بدأ بالمشي، و رأسه للأسفل ينظر إلى خطواته الكبيرة و حذائه المتسخ قليلاً ليعود منظر والده إليه و هو يحمل ملابسه كل صباح إلى الغسيل. رفع رأسه، و تباطأت خطواته ليقف مستنداً على محل مغلق.
أبوه .. سيطر الألم على قلبه و هو يتذكر منظر والده عندما بدأ الوداع و ذراعه السليمة تسبح في الهواء لتمتد إليه بآخر احتضان يبلل القماش على الأكتاف بأنبل الدموع، دموع والده التي ذُرفت كثيراً في الآونة الأخيرة، فيصبح منظر عجزه عاطفياً هكذا كمسمار يدق نفسه في الصدر بألم. إلا دموعهـ .. إلا دموعهـ ! كان منظراً مؤثراً لحد جلب دموع الجميع، بما فيهم الممرضة التي لا تفهم العربية، و التي وظفها طلال قبل رحيله لتراعي والده في غياب عبير و جواهر. التجعيدة الحزينة عند طرف عينه كانت تبتسم بشوق و فخر، الابن الكبير، الذي أضاع الكثير من وقته، يذهب في أولى خطواته لدراسة أكبر .. و إن كانت مجرد دورة يحضرها، كان قراره بأن يستمر بالدراسة شيئاً لا يوصف في قلب العم عبدالله... ذلك الاحساس الذي لا يعرفه إلا الأب.. الذي حمل طفلاً شقياً من مشاجرات عرضية إلى رجل مسئول يصنع مستقبلاً أفضل... لا شئ أغلى عند العم عبدالله من أن يرى أبناءه أصحاء .. أقوياء .. متعلمين .. سعيدين ... هانئين ... و من الهناء .. تأتي ضحكات عبيرية
أخته ... لم تجبره ضحكات أحد على الضحك .. سوى ضحكة واحدة .. من فتاة سمينة لذيذة الطفولة في الملامح... دوماًَ هادئة .. دوماً صامتة .. دوماً خجولة .. دوماً حاضرة .. دوماً معاونة .. دوماً لا تخبر من حولها ما يعتمر قلبها من مشاكل .. دوماً كانت المصلحة .. حتى في أيام جواهر الصغيرة عندما كانت تنعت عبير بالسخافة في لعب الباربي من وراء ظهر عبير و أمام العم عبدالله و الخالة فاطمة، لتبقى عبير محبةً لها على اختلاف الظروف.. كانت تغيظه جواهر لأنه لا يحتمل أن يجرح أخته أحد .. و لكنها كانت دوماً تطفأ الغضب قبل أن يصل إلى قمة الاشتعال، كانت دوماً تدافع عن جواهر لأنها يتيمة الأم، و والدها منشغل بأعماله و سهره و هي تريد أن تلعب دور الأخت الكبيرة الحنونة.
جواهر ... منها تعلم أن الأشياء المستحيلة قد تتغير في يوم... النحلة كما كان يسميها عندما تبدأ المغايضة الطفولية ...
- أنتِ كما النحلة الصفراء التي تلسع و تؤذي!
لتقف حائرة بفم وردي مفتوح مدهوش فيما قاله بعربية تتفوق كثيراً على عربيتها المتكسرة لتقول بطفولة تجرح من يسمعها:
- أنت غبية (في الكلمات الصغيرة التي لم تعرفها لا ذكراً و لا أنثى، كان طلال يبدأ معاركه معها)
- نحلة صفراء تلسع و تؤذي و لا تعرف أن تتحدث مثلنا! (لتبدأ نوبة بكائها التي أسقمته أنذاك)
رأسها الأشقر كان يسلط الأفكار السيئة في رأسه سابقاً ، لكن عندما تجلس عند ركبة والده تدخل الطعام في فمه و تمسح ما ينساب منه مستمتعة بالجلوس أرضاً عند قدميه كعبير تماماً كانت مختلفة عن الرأس الأشقر الشقي، ربما لأنه رأس أشقر تحت قطعة من الحجاب. تتألم من ركبتيها المتيبستان من قسوة الأرض و هي تتوجه إلى المطبخ لغسل الصحون ببسالة قبل قدوم عبير من المدرسة ... حباً في اراحة كاهل عبير من أعباء يوم عملٍ شاق، و إشقاءً للصحون المسكينة و المطبخ الباكي! نعم الأشخاص يتغيرون في لحظات حرجة .. قوية .. أكبر من تفاهة الانتقام و الحقد ..
الحقد .. الحقد و فاطمة؟ ليس اليوم يا طلال .. انتهت فصول فاطمة من حياتكِ و إن أحببتها بصدق .. تبقى مساحات الشك في داخلها لا تنتهي... هل سيحدث ظرفٌ ما يغير فاطمة يا ترى؟ قُلنا ليس اليوم يا طلال ... أتركها للأيام و راوية .. أتركها للأيام ... أتركها...
رن هاتفه ... و ابتسم

- أهلاً عبير
- ... أنـ...
- أهلاً جواهر، و كأنكِ عرفتِ أنكِ على بالي
- أنا؟
- (تدارك سوء الفهم) تذكرت فشلكِ الذريع في غسيل الصحون ليس إلا (و ابتسم بخبث)
- أنا فاشلة في غسيل الصحون؟ حسنا!!! تمتع في غسل صحونك! لن أخبرك بالمستحضر الذي يداوي التشققات و لن أخبرك أيضاً بنوع الصابون الذي ... (قاطعها)
- كفى كفى كفى ... انتهى ... أخبريني .. كيف حال الجميع؟
- لسانك السليط يفقدني التركيز! الجميع بخير
- هل بكم شي؟
- لا لا .. الكل بخير ... اتصلت لأسألك عن بعض الاشياء عن الجامعة التي تقصدها.. RCA
- لماذا؟
- (و هي تمط شفتيها بملل) من غير رمزي ليعذبني في الأرض؟
- ههههه! ما هذا الكلام؟ صدقيني لم تعرفي كيف تكسبين هذا الاستاذ .. إنه رجلٌ رائع. كيف تسير مسرحيته المشتركة مع مدْرسة عبير
- بخير على ما أظن، لا أزور المسرح كثيراً
- لماذا؟

(لأنها هناك، صديقتي الباردة و البعيدة، و التي أهملت عهد تسجيل المواد الدراسية معي على الدوام، لأنها تحضر المسرحية و تجلس و تناقش و تتفوق، و أنا لا أستطيع أن أتواجد معها في ذات المكان لألقي التحيات الباردة. لأن صديقتي التي شاطرتها أسراري هناك ، و أنا لا أستطيع أن أكون قربها بدون أن أشعر بالألم مرة، و بالغثيان مرةً أخرى. اقتنت لها مجموعة جديدة من الصديقات و ابتعدت عني بلا مبرر، و كأن الوقت الذي أمضيناه لا شئ... ربما كان لها لا شئ... و أنا تعلمت الدرس. لن أقترب من أحد، لا أحد بعد اليوم، الصداقات الحقيقية ليست لأمثالي، الذين ينتمون بنصفهم إلى مجتمع شرقي، و بالآخر إلى تحرر غربي. لن أعود للوم والدي، فهو ميت اليوم، و لن أعود إلى شتم أمي، فهي أيضاً ميتة اليوم. أملك في هذه الدنيا الآن، عمي و عبير و ...)

- جواهر؟ أين أنت؟؟
- آسفة لم أركز .. حسناً .. أخبرني عن الجامعة ...
- حسناً، ماذا تريدين أن تعرفي..
- أخبرني عن هذا المعرض الصيفي الذي تزوره ..
- حسناً .. المعرض الصيفي ...........

****
- عبير، لحظة أريد الحديث معكِ!

في لهجته اليوم شئ غريب، ربما لأنها تحاشته طوال الوقت من بعد آخر مسرحية درامية مع الآنسة العتيدة جولي الكوبرا!!

- لدي درس غسان
- ليس لديك درس!

صمتت، كذبتها غبية، لأنه وقت فراغها الذي كانت تعمل فيه مع الطلاب في المسرحية!

- أفهم من كلامك هذا أنكِ لا تريدين الحديث معي؟
- ليس هكذا
- إذاً؟
- لا أريد الحديث في ..
- بالذات هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش.. كيف ترمين كل الجهد عرض الحائط لكلام جولي
- و لماذا أقبل بوضع شاذ بالأساس؟
- وضع شاذ؟ وضحي
- قلت لا أريد الحديث في هذا الموضوع غسان، عن إذنك
اعترض طريقها بأدب
- كلا عبير، لابد من توضيح الأمور
- رجاءً غسان، لست بمزاج للحديث عن المسرحية و ..
- ليس هؤلاء من أريد أن أناقشهم في الموضوع
- ههه! (و تخيلت أن غسان لا يريد بجولي سوءً)
- لماذا ضحكت هكذا؟
- هكذا كيف؟
- هكذا كأنني قلت نكتة؟ تسخرين مني يا عبير؟
- ماذا؟ أنا؟
- لقد تغيرتِ عبير
- .................!!!!!!!
- فعلاً.. قبلاً لم تهمك لا جولي و لا مايكل و لا أحد
- صمتي لم يعني أنني لم أكن أهتم.. ثم ألا تفهم يا غسان.. لا أحب أن يتدخل أحد في أموري
- أعلم أنكِ تقصدينني.. لكن لم تكوني أنتِ سبب رحيل مايكل
- ماذا تعني؟
- عبير.. هل أستطيع أن أئتمنكِ على سر؟
- بالطبع (ابتلعت ريقها و هي تحس بخوف شديد)
- لنذهب لغرفة القهوة، لا أريد أن يسمع ما سأخبركِ به أحد
- حسناً

تبكي كل يوم في الساعة السادسة صباحاً، قبل موعد ذهابها إلى المدرسة. توقف منبه ساعتها عن الصياح المزعج منذ فترة و تحولت الأشياء من حولها مخيفة كأنما هي تريد أن تبتلع كل لحظة كانت لها في المدرسة ... غرفة لا ترى النور بالمسرح الصامت إلا من بكاء خافت خائف . ... ربما لم تملك وسيلة للدفاع عن نفسها، بإعاقتها التي تعرقل مشيها و بتخدر أُدخل في جسدها بخبث و خلسة ؟؟! ماذا بعد الاغتصاب يا (راحيل)؟

________________________________________
(16) المشهد الأول
- و لكن دكتور ...
- من غير لكن! هذا ليس بحثكِ يا جواهر! فقط نسخ و لصق!
- و كيف لك أن تعرف أنه نسخ و لصق! لقد أخذت كل المعلومات من ابن عمي!
- و إن يكن .. بحثك لا يستحق أكثر من هذه الدرجة
- و بهذه الدرجة لن أستطيع أن أضمن درجة النجاح في هذه المادة
- إذاًَ عليك الاجتهاد
- ماذا؟؟؟؟؟؟؟ بحثي هذا اجتهاد.. و أنت ترمي به عرض الحائط
- جواهر.. لا تنسي أنني أستاذك .. و إن كنت قد طولت بالي مثلما تقولون .. يفترض بك أن تحمدي ربك على درجتك
- و لكنني عملت بجهد ... كيف تريدني ...
- و لا كلمة أخرى .. أخرجي من مكتبي الآن!

عيناها مفتوحان، خرجت من مكتبه لتتقابل وجهاً بوجه سمية. تغضنت جبهتها بتجعيدة عتب، و سمية تتحاشى نظراتها لتدخل إلى مكتب الدكتور رمزي و بيدها ورقة تبدو أنها ورقة البحث الأخير. استمعت إلى هتافات الدكتور رمزي المادحة أسلوبها الشيق في البحث و الذي أشاد به جداً. تحركت شوكة صغيرة في قلبها، أتقصده لمزيد من الدرجات بعد هذا المدح؟! تألمت جداً و هي تنظر إلى ورقة بحثها و التي تناثرت عليها الخطوط الحمراء الكبيرة و الصغيرة بخط الدكتور رمزي,, تألمت جداً لفكرة أن سمية أصبحت من أولئك الذين يريدون المزيد من الدرجات و المزيد و المزيد! كلمات سمية خافتة بينما الدكتور يشجعها للمزيد و المزيد من الاجتهاد و التحصيل و يضيف إليها درجةً قد نسي أن يجمعها ,, هكذا إذاً يا سمية .. هكذا إذاً .. خرجت سمية بابتسامة سرعان ما تيبست لمنظر جواهر الحانق.

- كم تغيرتِ يا سمية (همستها بألم)

لم تنبس سمية بأي كلمة، و سارت بطريقها و كأن جواهر لا شئ، تألمت جواهر أكثر لهذه الحركة التي تعتبرها من الـ لا أشياء، فذهبت خلفها و قلبها يدق بغضب و عتب و شئ لا تفهمه، كانت غاضبةً جداً منها، غاضبة جداً و لا تعرف كيف تريح هذا الذي يمزق أوصال قلبها و ينهش روحها و يفقدها صوابها، هذه الالتفافات الصغيرة، و هذه الحركات .. مؤلمة ..

- منافقة!!!

تحولت نظرات سمية إلى جواهر، و الجميع في ذلك الممر ينظرون إلى جواهر الممتلئة بالغضب و الدموع تزيد من زرقة عيونها.

- وصولية و كاذبة!

فغرت سمية فمها بدهشة لكل الغضب المنطلق من جواهر، و تألمت لأنها عانت بما فيه الكفاية من الضرب و الاهانات من أجلها على يد والدها و والدتها، لتأتي الآن جواهر بذاتها و تهينها أمام طلبة الجامعة.

- كيف تقولين هذا يا جواهر .. لي أنا !
- لكِ أنتِ بالذات! أمثالك يستغلون الصداقة! أخبريني.. هل كانت صداقتي لاكسابك لغة ً مثلاً (تدحرجت دمعة على وجنة سمية) أم كانت لممارسة دور الطيبة و الحنونة و المنقذة أمام صديقاتك العتيدات الجُدد؟ (سمية تهز رأسها بالنفي و الدموع) ماذا .. تبكين؟؟ عطف من تستجدين؟ أخبريني .. أهي لمياء (و تشير إلى أحدى صديقاتها الجُدد) أم صفاء (صديقة جديدة أخرى) .. هلـ... (قاطعتها صفاء)
- صوني لسانكِ .. أفهمت؟!
- نطق محامي الدفاع!
- ايتها الحقودة! اسكتي !!

سمية لا تنفك على البكاء و الجميع يشاهد المشادة بين صفاء و جواهر، حتى تشابكت أيديهن بدفعات بسيطة تحولت إلى دفعات أقوى ألقت بجواهر على الأرض، و أوقف الشجار قبل أن يبدأ بالدكتور رمزي.

- هذه جامعة و ليست حلبة ملاكمة.. أنتِ و هي على مكتب الأمن!

****

- إذاً لم يرحلوا؟؟؟
- كلا
- و .. و (تتنفس بصعوبة)
- المدرسة تتستر على الأمر، لكنني أعمد إلى أن أكتشف لماذا رحلت بعد البروفة الأخيرة
- يا إلهي .. يا إلهي !! (تدحرجت دمعة مجنونة على وجنتها)
- عبير إهدئي ..
- و جولي .. كيف .. هل أخبــ... (قاطعها)
- لا أدري كيف علمت ،، و لم أرد منها أن تقول المزيد أمام الطلبة
- آه راحيل!
- عبير ،، اهدئي ،، سأعرف ماذا حدث و إن كان على حساب فصلي من المدرسة!
- الحقير !! الدنئ!!
- عبير....
- نعم نعم ،، أحاول ،، لكنني لا أستطيع! كيف سولت له نفسه أن .. أن .. (أكلت شفاها بغصة ألم) طفلة هي يا غسان ،، طفلة أتفهم ! و وضعها يزيد الأمر سوءً !! لا أستطيع إلا أن أتخيل ماذا حدث .. و هي بلا قوة .. و بلا حول !
- أعدك عبير ،، سأعرف المزيد .. من بعد أن تيقنت أن أهلها لم يسافروا كما أخبرتنا المدرسة .. لا أدري لماذا يلزمون الصمت إذا حدث ما حدث
- فعلاً .. فعلاً .. لماذا لم يتقدم أهلها بشكوى ضد المدرسة؟
- هذا ما يحيرني ،، اكتفوا بترحيل الخسيس بحجة أن عقده مع المدرسة سينتهي و أنه لم يؤدي واجبه كما يجب
- ليته أمامي! لقطعته ! قتلتهَ!!!!!!!!
- عبيــر ،، اهدئي
- لا أستطيع غسان (تتنفس بقوة) لا أستطيع سوى التفكير بوجهها و .. (شهقت) و .. كيف .. (نظرت إليه بعيون تملئوها الدموع) كيف .. كيف يفعل ذلك بطفلة معاقة !! كيف يوجد أناس بهذه القذارة ؟
- يصعب على من بطهارة روحك أن يفهم ،، لكنها الحقيقة ،، رأيتها بعيني طفلاً و شاباً ،، (خفت صوته بالتدريج ليعود إلى بقعة سوداء في الماضي) الكلاب تأكل أولادها حتى ،، و الدود يأبى أن يأكل أمثالهم للنتانة .. (توقف قليلاً و أفكاره أبعد ما تكون عن المدرسة.. كان قد عاد إلى أيام الحروب و الانتهاكات التي لا حد منها ... !

***
يجادلها بالعربية و هي تحاول أن تلتقط من بين كلمة و أخرى ما قال..

- كو برنغ ماي سبحة ..
- What ؟

و يحرك أصابعه الثلاثة بيده السليمة دلالة على سبحته الزرقاء التي لازمت كفه طوال أيام الشلل، يضحك تارة على الممرضة، و يفقد أعصابه مرة أخرى ،، إلى أن وصل الاعصار الأزرق بالأمطار متوجهاً إلى مكانٍ ما في الأعلى ،، برودة الرخام تلامس قدميها و تطفأ خطواتها و هي تنحني إلى الأمام بألم

- جــ....ـــواهر

صوته يناديها ،، ليس الآن يا عمي ،، ليس الآن ،، ماذا أقول لك؟ فصلت من الجامعة و بحثي يشارف على درجة رسوب؟ ماذا أقول لك؟ صديقتي لم تدافع عني و لزمت الصمت و دموعاً كاذبة على حالها من الاحراج ،، ماذا أقول لك؟ على الرغم من الساعات الطويلة من ارشاد طلال،، لم يمنحني الأحمق رمزي درجتي التي أستحق كونه يظن أنني لم أعد البحث بنفسي؟!! ماذا أقول يا عمي ...

على الاستراحة الصغيرة بالدرج و البعيدة عن مرأى العم عبدالله ،، جلست و أصابعها تحكم اغلاق صوت النحيب المرتعش ،، إلى أن رن هاتفها بمكالمة خارجية ... اصمتت صوت الرنين و الشاشة لا زالت تضئ باتصاله ,,, ليس الآن يا طلال ،، لا لم أحصل على الدرجة العالية و لا على التقدير من الأحمق رمزي كما قلت ! فعلت كل شئ .. كل شئ يا طلال و لم افلح .. و الآن أنا مفصولة ،، و لا أدري كيف أستطيع أن أدرس من غير محاضرات المراجعة المهمة ،، توقف رنين الهاتف ،، ليحل نص في صندوق الوارد ،، فتحته

Wsss up cousin?
Let me know what ramzi said
I know u did a good job
I can smell it.. LOL
Send my regards to dad and 3beer
Call me or text me
I need some good news.. JEWEL : P

الوجه الأخير باللسان المشاغب و اسم Jewel الذي أصبح فن اغاضة طفولية ، فجرا صمام الأمان،، أشتاق إليك طلال ،، كثيراً ،، كثيراً ،، و احتضنت وجهها الباكي بصمت ،،

<<< يتبع
(16) المشهد الثاني

- أريد أن أحدثها


- هي نائمة ،، اتصلي فيما بعد



و أغلقت الهاتف بعنف في وجه كاميل التي أصابها الخوف لاختفاء راحيل لأكثر من أسبوعين ،، على الطرف الآخر ،، توجهت إلى غرفتها و نظرت من خلال فتحة الباب إليها و هي متكورة حول نفسها بهدوء.. كانت راحيل تملك قدرة غريبة في البقاء هادئة من الخارج على الرغم من كل الأشياء التي تمزقها من الداخل ..



- صغيرتي



رفعت رأسها إلى أمها و هي تحدق فيها بهدوء أخاف الأم التي تركها زوجها من بعد ولادة راحيل



- هيّا نأكل



ابتسمت راحيل بخفة و نزعت غطاء السرير لتجلس أمها بقربها و على حضنها صينية الطعام التي حوت القليل من دموع الأم المتناثرة بلا قوة منها ،، بصوت أقرب إلى صوت عصفورة وليدة



- لا تبكي ماما


- لا أبكي حبيبتي (تُكذب وجهها بابتسامة وسط الدموع)


- أنا بخير ماما ،، لا تقلقي



هزت الأم رأسها ،، قد تكون بخير ،، و لكن ليس تماماً ،، فهي لا تتكلم عن الموضوع ،، و لا تريد أن تبحث في الموضوع مع أحد ،، و لا تريد أن تستعين بوالدها الذي نسيها من بعد ولادتها ،، لا تريد إلا أن تكون هي و أمها ،، معاً إلى الأبد ،، فتحت فمها و هي تبتسم ابتسامة صفراء



- هيّا ،، دلليني



و أدخلت الأم أول اللقم في فم راحيل، الذي تذكرت مشهداً من مسرحية الأستاذ غسان ،، للأسف لن تكون هناك ،، و لن تشارك الأستاذة عبير فرحة التخرج هذه السنة ،، و كاميل ،، و .. و ,, توقفت اللقمة في حلقها بلا ادراك لتغص بها ،، و تسعفها أمها بالماء و التربيت على الظهر ،، كانت الأم الوحيدة هذه لا تملك من الحياة إلا راحيل ،، بعمل متواضع جداً تؤمن لراحيل دراسة جيدة و علاجاً لقدمها العليلة و لا تستطيع توكيل محامي ليدافع عن الضرر النفسي الذي ألم بابنتها،، راحيل نور عيونها ،، بلسم روحها ،، شفائها من كل هم ألم بها من بعد رحيل والدها المريب لزواج يضمن له أبناء أصحاء ،، تركهما في الخلف ،، و بقيت الآمال تلوح للأم في ابنتها الجميلة روحاً و قلباً ،، كلا ليس كل أب أب،، و ليست كل أم أم ،، ربما تعويض المدرسة و تسريح مايكل و عدم رغبة راحيل في خوض محاكمات ،، جعلا الأم تتراجع عن غضبها // حلت الرحمة بهذه الأم عندما وجدوا ابنتها في الوقت المناسب قبل أن يكمل ما أراد الحقير فعله ،، نعم عاشتها اللحظة ،، لكنه لم يتمكن منها في آخر لحظة عندما انكشف أمام أحدهم ,,,, كلا ،، لستُ بتلك القسوة يا راحيل لأحرمك من أغلى ما تملكين على يد حقير مثل مايكل،، الحيوان الذي لا يفرق بين طفلة أو امرأة ،، ربما دس بعض الأشياء في طعامك ،، خدركِ و سحبكِ إلى الغرفة المنزوية في المسرح بعد رحيل الجميع ،، جردكِ من شريطة شعرك البيضاء ..... لكنني أوقفته ... أوقفته على يد أحدهم ،،، و أبعدته ... أبعد ما يكون ... ربما المدرسة تسترت على ما حدث حفاظاً على سمعتها المقيتة ،، لكن شريطتكِ البيضاء ما تزال بيضاء ،، بيضاء يا راحيل ،، لن أكرر مشاهد راحيل الميتة .. كلا لن أكررها ...



***


- لا أفهم


- ......


- كيف تفعل ذلك


- كفي يا فاطمة ... !!! أشعر بوجع ما بعده وجع! لقد قتلت أشياءً جميلة في صدري .. لا أريد أن أتحدث بالموضوع


- حسناً عزيزتي



كلتاهما على السرير ... سمية تريح رأسها على حضن فاطمة التي تلوم طلال على كل ما يحدث ،، لو أنه كان مخلصاً فقط ،، ما حصل ما يحصل لأختها و صديقتها ،، لكانت الأمور أفضل ،، لكــ.... ،،، انقطع حبل الأفكار مع دخول والدهما الثور الهائج ليشد فاطمة من شعرها فتسقط من على السرير لأول مرة ثم ينتشلها للمرة الثانية بقبضة الحديد



- هل أدخلتكِ الجامعة لتتعلمي أم لتمرغي وجهي في التراب



تصرخ بكل ما لديها من قوة ،، من الألم المعنوي و الجسدي ،، اليوم يوم الخدوش و البقع المزرقة، سمية تحاول فض الاشتباك ،، و تتلقى دفعة محترمة من والدها لتطيحها على الأرض بعيداً أمام قدم والدتها ،، نظرت إليها بلؤم ،، و بحقد ،، و الأم لا تعرف كيف تفض النزاع ،، تسببت بذلك يا أمي !! بدل أن تناقشيني أنا و فاطمة لجأت إلى والدي ليُرهبنا بعقاله و حزامه و كل ما يقع في يده ،، و كأنها الهدية التي انتظرناها من بعد غيابه الطويل ،، عودة إلى الصراع خلف سمية



- كيف تقولين لا!!! رآك أحد الجيران تحادثينه في السوبرماركت! ألم أنبهك ألا تخرجي من المنزل إلا بإذني


- لم تكن هنا أبي و أمي أرسلتـــ .... (شدها بقوة أكبر حتى سمعت بصيلات شعرها تنتزع من مكانها) آآآآآآآآآآآآآآآآه


- كُنت هنا أو لم أكن!!! إنتِ ذهبت إلى هناك كي تلقينه أيتها الـ..... !!! أنتِ كما أمكِ الـ.... !!



لم تحرك الأم ساكناً ،، خوفاً من لكماته الموجعة و التي ذاقتها مراراً ،، اشمئزازاً من كلماته الوقحة المتكررة ،، صوت العقال يمزق الهواء على جسد فاطمة التي اتهمت مراراً و تكراراً بمقابلة طلال عن سبق اصرار و ترصد في السوبر ماركت ،، دخلت سمية في الاشتباك ،، لتلقى هي الأخرى ضربات موجعة ،، بينما فاطمة تبعدها و الأيدي تتشابك حتى وقع العقال على وجه سمية ليغمى عليها ....!!! و تتحرك الأم أخيراً عندما سال الدم من أنف ابنتها ...!



***



- جواهر؟



تطرق الباب بطرقاتها المعتادة



- ادخلي عبير


- ماذا يا شمس الأطفال...؟ لم شمس الأطفال مُحمرة؟



اندست جواهر في حضن عبير ،، تحكي لها سوء هذا اليوم ،، و لؤم هذا اليوم ،، و قسوة هذا اليوم ،، و هي لا تعلم أن صديقتها التي تحب أكثر ما بهذه الدنيا ،، تنزف الكثير في سيارة الاسعاف و في المستشفى .... من بعد هدهدات عبير الناجحة ،، خلدت إلى النوم لترى حلماً غريباً ،،



تسير في حديقة خضراء و ترى سمية تركض بعيداً ،، و هي تجري خلفها ،، ثم تختفي وسط الضباب ،، و يلوح العم عبدالله من البعيد يمشي بحرية من كرسيه المتحرك ،، و كلما ركضت نحوه لا تستطيع أن تطاله ،، تركض و تركض ،، و أطراف فستانها الأبيض تعرقلها ،، ترفع فستانها ،، و تركض ،، و تركض ،، ثم تصل للعم عبدالله ،، و لكنه ليس العم عبدالله ،، بل طـــلال !!



استفاقت من حلمها بخوف و هاتفها يمزق عتمة الظلمة باتصال خارجي ،، تغضنت ملامحها الناعسة و هي تنظر إلى الشاشة التي انطفأت لترصد 7 مكالمات لم يرد عليها ،، اتصلت ليجيب



- ايتها الكسولة؟!! لم تتلطفي على مستر طلال باتصال لتخبريه نتيجة البحث


- ......


- جواهر؟


- ......


- جواهر؟


- لم أحصل على درجة جيدة (و أكملت بصوت خافت) و فصلت من الجامعة لأسبوعين


- ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ماذا حدث؟؟؟؟؟


- أخبرك في يوم آخر طلال (تهدج صوتها) لا رغبة لي في الحديث الآن


- أخفتني جواهر .. ماذا حدث؟


- لقد شرحت الوضع لعبير قبل قليل ،، و بعدها لم تنفك الأحلام تطاردني لتحرمني النوم ،، دعها ليوم آخر طلال،، أو اتصل لعبير لتخبرك ،، لا أستطيع الحديث الآن


- حسناً


- إلى اللقاء


- إلى اللقاء




و أسرع بالاتصال على عبير ، لتخبره الأخيرة عن ما حدث لجواهر ،، تمزق قلبه و هي تعيد ما قالته جواهر


(أنا لا أنتمي قطعاً إلى أي من هاذين العالمين)


(لم أشعر بالاذلال كما شعرت به اليوم)


(صديقتي الوحيدة أعطتني ظهرها في أشد حاجتي لها)


(وجودي يجلب النحس في كل مكان)


كلمات و كلمات و كلمات ،، صوت عبير يتمزق بين جواهر و طالبتها التي لا تدري ما حل بها ،، يستمع إليها و يفكر ،، يجب أن أكون مع الجميع ،، مرت 3 أشهر ،، و بقي شهر ،، سوف أعود ،، لابد من أعود ،، الجميع يحتاجني ،، أغلق السماعة و تنهد و هو يتخيل حال الجميع ،، سقطت عيناه على قطعة زجاجية زرقاء ،، تذكر زرقة عيونها ،، و عرف تماماً كيف تبدو الآن ،، كما بدت عندما جرحها بالاهانات أول أيامها في المنزل ،، في منزل والدها بعد تنفيس الغضب ،، في المستشفى عند سقوط العم عبدالله ،، في حكاية الصرصور التي جمّلت وجهها بابتسامة حزينة ،، أمسك بالقطعة الزجاجية ،، و تذكر كل ما مر به معها ،، هل ستنتمي جواهر إلى عائلة غيرنا؟ هل ستستقر مع رجلٍ يحافظ عليها من غير أن تُلوث عقله الظنون برأسها الأشقر؟ أودع القطعة مكانها و وقف أمام زجاج نافذة شقته ...


يفكر بها ... و بحالها .. و مستقبلها الذي يبدو غامضاً ...



- طلال؟


- نعم


- تفكر فيها؟


- في منو؟


- جواهر؟


- خليني في حالي يا راوية


- طلال


- راوية .. خليني في حالي


- إن شاء الله .. بس شي واحد قبل ما أمشي ...


- نعم


- حافظ على جواهر ...


و غادرت أنا الكواليس ،، هذه المرة للأبد ،،، و أودعت طلال فكرة مجنونة ،، مجنونة بجواهر .... و أجزاء قليلة باقية لأقتل من يجب أن يُقتل!

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
قديم 21-02-09, 05:49 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:

البيانات
التسجيل: Sep 2006
العضوية: 13121
المشاركات: 13,907
الجنس ذكر
معدل التقييم: dali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسيdali2000 عضو ماسي
نقاط التقييم: 4990

االدولة
البلدCuba
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
dali2000 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : dali2000 المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

________________________________________
(17 ما قبل الأخير) المشهد الأول
//
(( طلال ))
عاد طلال من سفره، عاد بشئ مختلف، الريح الباردة من بلدة الضباب – لندن- التي خدشت احساسه السميك بجوهرةٍ صلبة،، بالكثير من غموض المشاعر اليوم ،، الكثير ،، حب ربما؟ حاجة؟ عطف؟ حنان؟ ماذا؟ أيصل إلى مراحل الارتباط ،، أيصل ؟؟
بحاجة إلى عطف أنثى ،، شغب أنثى ،، و إن كانت أنثى غبية فيما مضى و ربما أقل غباءً اليوم،، إلا أنها تبقى أنثى حنونة ،، أنثى مشاكسة ،، أنثى بين طفولة و نضج ،، هل ... لا أجرؤ على السؤال ..
\\
((راحيل))
راحيل تفيق على الحياة من جديد، الفحوص أكدت عفتها من بعد التحرش، لم يتمكن مايكل من تمزيق شريطتها البيضاء ،، لم يتمكن لأنه أوقف على يد مدير المدرسة الأجنبي الآخر ،، بقيت منعزلة ،، أيام الامتحانات تسير ،، و كاميل تحاول مراراً الوصول إليها ،، لكن دون جدوى ،، فقط لا تريد أن تعرف شيئاً عن أحد ،، تريد أن تبقى في حضن والدتها الوحيدة ،، هكذا ،، تحمي نفسها من تجربة قد توجد في تلك الحياة في الخارج ،، فقط أن تحافظ على شريطتها البيضاء التي تمكنت من أن تسحبها من يد قذرة ملوثة ،،
لمن لم يفهم راحيل ،، التي خُدرت على يد مايكل ،، و اجترت بوحشية إلى غرفة مغلقة داخل المسرح من بعد رحيل الجميع على يد مايكل أيضاً ،، شريطتها البيضاء ،، عفتها ،، نقائها لم يُدنس ،، لم تكتمل القذارة ،، كلا لن أدخل في تفاصيل الشريطة البيضاء ،، و لا تمزيق الشريطة ،، فقط ،، اعلموا ان شريطة راحيل بيضاء لا تزال ،، بيضاء و طاهرة و نقية ،، و أن الحقير رحل بلا عقاب يشفي الغليل!!
//
((غسان/عبير))
تدخل كثيراً في المسألة ،، و على اقرار مجلس الادارة ،، سيتم انهاء عقده بعد حفلة التخرج لفوج العام الحالي،، غسان،، لم يمنحوك عملاً تتنفس فيه وطنك، لم يمنحوك عملاً لتغسل عيوننا ،، لم يمنحوك عملاً لتقول هذا صحيح و هذا خطأ خارج منظور التدريس المحدود ،، فقط ،، سترحل يا غسان ،، بعيداً عن هذه الأرض ،، و هذه المرة إلى أرض غربية ،، ليس لانحلال في شخصيتك ،، و لا نفاقاً ،، فقط لأن المغتربين أمثالك يجدون متنفساً في أراضي الغرب أكثر من أراضي العرب ،، لماذا يا ترى؟ أهذه قصة كل مغترب عربي؟ العيش في فرنسا و لندن و استراليا ؟ أسفي يا غسان أنك سترحل بعيداً عن المدرسة و الطلبة و ... عبير ... أستترك عبير وراءك حلماً يراود لذة الاستقرار .. حباً لم يكتمل في هواء الواقع ،، أعلم أنه مستحيل ،، بالطبع مستحيل ،، كثيراًُ ما حاولت عبير أن تغير من قرار مجلس الادارة ،، إلا أنها تراجعت بعد طلبكَ أن لا تفعل كي لا تعرض نفسها إلى الاقالة الخبيثة أيضاً ،، و هكذا استسلم الاثنان ،، إلى نهاية غريبة ،،
\\
((سمية/فاطمة))
غيبوبة طويلة ،، لم تفق منها من بعد آخر ضربة ،، وجهها محتقن بالزرقة ،، و أنفاسها ممتلئة بالدماء ،، أنابيب في كل مكان،، أضواء خضراء في كل جهاز ،، و الصمت القاتل الممتزج مع صوت جهاز القلب ،، لا يسمحون ببقاء الشخص أكثر من دقائق معدودة ،، و كرسي الانتظار مملوء بالخوف و الحزن و الندم ، إلا قليلاً من الأب الذي سحبته الشرطة إلى سجن مؤقت ،،
لا خط يتقاطع بين فاطمة و والدتها،، بعيدةٌ أبعد ما يكون عنها ،، غضب ،، ألم ،، حسرة،، و بدون رغبة سماح،، فرط حساسية أم من كل ما حولها حوّل حياة ابنتيها إلى جحيم صغير ،، و بدأ الجحيم يأكل الأشياء ببطء ،، حتى امتد إلى الصغيرة سمية ،، التي قفزت مع أختها فرحاً بخطبة لم تتم ،، التي تتذمر مراراً بفكاهة على أساتذتها ،، التي احتضنت صديقتها بعد أن عرفت قصتها ثم أبعدتها لظروف أقوى منها ،، التي غطت بجسدها جسد أختها (توتة) حمايةً من غضب الأب ،، سمية ،، الصديقة ،، الأخت ،، الفتاة الصغيرة التي غادرت الحياة الآن ،،،،،،،، و استقر الخط الأخضر في خط مستقيم و صوت نافر ،، و اعصار تمريض و تطبيب لعلاج صدمة أخيرة بائسة في جسد خاوي من الروح ،، لا فائدة ،، لقد غادرت ــــ !!!
الأخت تدور في حلقات مفرغة بالخارج تصارع الخوف ،، بينما الأم تقضم عبائتها بالخوف و الألم ،، غادرت،، لا فائدة الآن،،
غادرت ــــ في خبر الطبيب الذي جلب صرخات الأم ،، و الذي أحقن دموع فاطمة التي جلست بهدوء على الكرسي والأم تلطم صدرها ،، ((قتلها قتلها !!!)) و فاطمة لا تزال بلا دموع ،،، و في صمت مريب ،، مريب جداً ،،،، !!!

//

((جواهر))
في حيرة من ارتباك طلال حولها ،، و كأن شيئاً ينتشر في الجو بينهما من بعد عودته ،، لا يضحك كثيراً ،، يتحاشاها غالباً ،، يغيضها أحياناً ،، يقصد عبير في أتفه الأشياء و إن كان كوب ماء بالقرب من متناول يدها ،، غريب أمره ،، تبتسم دوماً عندما تذكر انفعالاتهم ،، شتائمهم و صرخاتهم ،، هدوء علاقتهم ،، سكينة البيت بضحكاتهم و صراصيرهم ! سادت الفرحة و إن كانت ناقصة ،، و ليت هذه الفرحة تكتمل بوفاء صديقة ،،

||
((منزل الفاملي قبل الـ.... ))
بيوم جمعة، يكتظ المنزل بشغبهم جميعاً في المطبخ و بقرقعة الصحون و تقطيع الخضار و غسل اللحوم،، هواء يتنفسه كل بيت سعيد في نهاية الاسبوع ،، مشاكسات برشق الماء و الصابون بين تقطيع البصل و تحميره ،، سد الأنوف عن روائح المطبخ بعد حمام منعش ،، صوت صفارة قدور الطبخ و التلفاز على قناة تنقل صلاة الجمعة ،،
عبير بعباءة زرقاء تناول أبيها حبوب الدواء في الصالة تحدثه عن زميلها المبعد اجباراً و استنكار العم عبدالله أفعال المدرسة في حق انسان مغترب ،،
جواهر تحضر الملاعق و الصحون لنقلها إلى الصالة حيث يجلس الجميع ،،
و طلال يتسلل ليضع يده في وعاء السلطة ليسرق خيارة،،

- دعها مكانها!

يرتفع حاجبيه و الخيارة في منتصف الطريق إلى فمه ،، وضعها في فمه ثم لحقها بخيارة أخرى

- طلال !!!!!!!!!!!!!!!

اغاضتها متعة لا توصف

- حسناً! افسد غداءك ! لا يهمنـ.....

و انقطع صوتها و هي تتوجه إلى الصالة تحمل الصحون و تتذمر أمام عبير و العم عبدالله، ثم تعود بذات الاعصار إلى المطبخ بدون أن تنظر إليه و لتلتقط وعاء الحساء و تكمل سيل الكلمات التي لم تنقطع

- نطبخ لكي تفسد غداءك ثم تقول الطعام لا طعم له! كيف يكون له طعم و أنت تأكــ.....

و ينقطع صوتها مرة أخرى و هي تتوجه للصالة بوعاء الحساء ليختلط صوت تذمرها البعيد مع ضحكات العم عبدالله و تذمر مماثل من عبير.. ابتسامة كسولة على وجهه و هو يتناول الخيارة السابعة ،،، و هي تدخل المطبخ باعصار آخر و لكن هذه المرة لتأخذ وعاء السلطة و تستمر في جلبة التذمر

- اسمعوا لقد انتهى الخيار من السلطة، و إن أردتم المزيد منه اسألوا طلال ليقطــ...

و اختفى صوتها للمرة الأخيرة و هذه المرة لم تعد لأن المطبخ انتهى من الأطعمة، و بقي هو جالساً على كرسي المطبخ يسند كوعيه على طاولة صغيرة كانت مليئة بالطعام ،، لماذا أفعل هذا؟ دخلت هذه المرة عبير

- تريدني أن أطعمك؟؟؟؟

ضحك و خرج من بعدها ، و عندما جلس أخيراً قطع ضجيج الصحون و الغرف و التلفاز رنين الهاتف و تذمر من عبير

- من يتصل بوقت الظهيرة؟

التقطت السماعة لتتغير ألوانها سريعاً على بكاء من الجهة الأخرى في الهاتف ،، و كأنه بكاء جماعة من الناس ،، الجميع ينظر إليها بتوجس و خوف ،، توقفت يد جواهر عن الغرف عندما أشارت إليها عبير بالقدوم ،، من يكون ،، ماذا حدث؟

- ألو؟
- جواهر؟
- نعم
- أنا صفاء (تهدج صوتها)
- صفاء؟؟؟؟!!!!
- ........
- لماذا تتصليــ... (تسمع صوت جموع تبكي) ماذا يحدث؟
- لقد توفت سمية يا جواهر
- ................................
- فاطمة في حالة انغلاق شديدة ،، ربما إن رأتكِ ،، ستتــ...

//////////////////////////////// وخزات \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ وخزات ///////////////////////////
وخزات كثيرة ،، وخزات كثيرة اكتظت في صدرها ،، تهاونت قدمها عند أقرب كرسي ،، و شلال الدموع يحقن الاستفسارات العاجلة و التي لا تخرج بانتظام ،، الكيف و اللماذا ،، الاين و المتى ،، العتب ،، الغضب ،، و الحزن ،، الكثير من التأنيب ،، الكثير من الألم ،، الكثير من الأشياء ،،
تساقطت في ذاكرتها كل المشاهد دفعةً واحدة ،، أيعقل أنها رحلت؟ أيعقل أنها لن تأتي للجامعة غداً ؟ أيعقل أنها لن تتصل و إن لشجار أو عتب؟ أيعقل أنها غادرت ،، هكذا من غير أن أراها ،، من غير وداع لائق ،، من بعد ما حدث آخر مرة ،، أيعقل؟؟
كانت متمسكة بسماعة الهاتف بقوة ،، تريد أن تنتزع من صلابة البلاستيك أو أياً كان جواباً ،، شيئاً ،، تفسيراً ،، منطقاً ،،
لا شئ .. فقط لا شئ ،، كل العيون إليها تتساءل هذه الدموع التي تجرح القلب ،، ماذا حدث؟ أغلقت الهاتف و قالت بصوت غير مفهوم في صدر عبير

- ماتت صديقتي !!!!!!


>>>> يتبع
(17 ما قبل الأخير) المشهد الثاني
- ألو؟
- مرحباً يا خالة ،،
- أهلاً كاميل
- أرجوكِ يا خالة ،، يجب أن أكلم راحيل

نظرت راحيل لأمها المحتارة أمام سماعة الهاتف، توجهت إليها و التقطت السماعة، و لأول مرة منذ أشهر تسمع كاميل صوت راحيل

- أهلاً كاميل
- راحيل؟؟؟

بلا تصديق ،، يأتيها صوتها و كأنه المطر في أيام الصيف ،، حتى سالت بضع قطرات من ذلك المطر على وجنة كاميل

- ماذا حل بكِ يا رفيقة؟
- لا شئ (همست)
- راحيل ،، اشتقت إليكِ كثيراً ،، و الاستاذة عبير و الاستاذ غسان أيضاً مشتاقان إليكِ
- أنا أيضاً مشتاقة لكم (همست وسط دمعة صغيرة)
- أنتِ مريضة؟
- ,,,, نعم ,,,,
- هل تشكين من شئ خطير؟
- لا
- راحيل ،، (تبكي في الطرف الآخر بحيرة فتاة الـ 18 التي لا تزال من الداخل طفلة) الأستاذ غسان سيرحل بعد حفل التخرج
- ماذا؟؟؟
- لا أدري لماذا ،، أخبرتني الأستاذة عبير أن لا أسأل أحداً تجنباً للمشاكل مع الادارة
- مع الادارة؟ ماذا فعلت الادارة؟
- لا أدري ،، لكنه سيرحل ،، و قد لا نعرض المسرحية كما اتفقنا على مسرح الجامعة
- آه
- آسفة راحيل،، أنتِ مريضة و أنا أزيدكِ حزناً ،، أنا فقط لا أدري إلى من ألجأ ،، أنتِ صديقتي الوحيدة
- ..... (تبكي بصمت)
- حسناً ،، أخبريني ،، متى أستطيع رؤيتكِ؟ أريد أن أراكِ راحيل ،، لقد اشتقت إليكِ كثيراً

انتزعت الأم الهاتف من يد راحيل،،

- عزيزتي كاميل ،، راحيل متعبة الآن
- حسناً يا خالة ،، أرجوكِ أخبريها أنني أحبها كثيراً و أتمنى لها الشفاء العاجل
- حسناً عزيزتي،، إلى اللقاء

و أبعدت الأم راحيل عن الهاتف إلى الغرفة لتستريح من عناء هذه الأخبار ،، الأخبار التي حركت في داخلها الحنين إلى أعز أستاذين لها في المدرسة ،، و أعز رفيقة ،،

****

دخلت مجلس العزاء المتشح بالسواد لتعود إليها ذكريات قضتها بين سمية و فاطمة ،، كان الألم أكبر من أن يتحمله صدرها،، و عيونها مملوءة بالدموع التي لم تتوقف مذ عرفت بوفاة سمية ،، كان البكاء الذي يعاندها منذ وفاة والدها و والدتها يأتي ضيفاً سخياً ،، سخياً جداً ،، و زاد سخاءه عندما وجدت فاطمة بعيدة بطرف كرسي قريب من نافذة ،، تنظر إلى نقطة غير محددة ،، و عيونها جافة ،، و وجهها جامد ،، و حجاب رأسها على كتفها يكشف عن شعر لم يدخله المشط لأيام ،، يتناثر مهملاً من رباط مائل ،، قد تكون أبعد ما يكون من حفيف النساء المعزيات ،، تسير إليها وسط نساء حزينات و أخريات جالسات بعبايات متلألأة للهمس ،، القليل من رائحة البرياني الذي أُكل يختبأ في الهواء مع دهن العود من معزية تقرأ القرآن بصمت ،،
وصلت إليها ،،
و عندما رفعت فاطمة رأسها لترى من أطاح عليها بظل كهذا و عطر يشبه عطر سمية ،،
وجدتها ،،
وجه سمية ،،
و حارت بنظراتها و ملامح جواهر تعود إلى أن اختفت سمية ،،
تحرك شئ في داخلها عندما جثت جواهر على ركبتيها أمام فاطمة و ذراعاها حائرتان في ضمها أو الاكتفاء بمصافحة ،،
ترددها الواضح في أن تكون محل استقبال بعد الكثير من العتب و اللؤم ،، ضيق عينيها بالدموع ،، الدموع ،، الدموع في وجه جواهر كثيرة ،،
بقت اللحظة جامدة قليلاً ،، صمت بين الاثنتين ،، و الجميع ينظر إلى الشقراء التي تراجع حجاب رأسها و هي تبكي باختناق أمام أخت المرحومة بإذن الله ،، بدأت غصة صغيرة جداً في حلق فاطمة ،، سرعان ما انتشرت لتنشر رعشة غير محسوبة في جسدها ،،
و لأول مرة ،،
لأول مرة ،،،
منذ توفت سمية ،،
سقطت أول دمعة على وجنة فاطمة التي كانت تعيش حالةً من اللاشعور ،،
آه صغيرة ،، سرعان ما تحولت إلى آهة أكبر ،، و اندفعت إلى حضن جواهر تبكي أختها أخيراً ،،
تنفس عن حزنها و غضبها و ألمها و كل شئ اختزن فيها بألم هذه الأيام بصمت كرهته و اعتبرته نقصاً فيها ،، الاثنتان في حالة تمسك شديدة ،، تشدان على بعضهما خوفاً من أن تتناثرا حزناً ،، و الدموع تغسل الوجوه ،، الرقبة ،، الشعر ،، العبائة ،، الحجاب ،، الـ كل شئ ،، إلى أن تصل إلى الروح في مستقر بعيد ،،
كلمات مبهمة وسط ضجيج الألم ،، (ذهبت / لن تعود/ أختي كانت صغيرة / قتلها / لن أسامحهم / ذهبت / رحلت / آه / كلا / كاذبون ) و النساء يتجمعن حولهما بأكواب الماء إما للشرب و إما لمسح الوجوه و البسملة ،، (اذكروا الله / لا تجوز عليها إلا الرحمة / ادعوا لها بالثبات) ،، و الضجيج ،، الضجيج ،، النفوس المختلفة في الايمان ،، ثبات و تضعضع ،، شتات و قوة ،، الضجيج ،، الماء يتسرب من يد جواهر على وجه فاطمة و هي تبكي بصراخ ما أبعد منه صراخ و جواهر تردد مع النساء (لا إله إلا الله / لا إله إلا الله / أعوذ بالله من الشيطان الرجيم / لا إله إلا الله ) النساء يحملنها إلى غرفة بعيداً عن أعين تتساءل ماذا حدث للأخت الصامتة طوال أيام العزاء ؟؟ من هذه التي فجرت الأخت هكذا؟ هي قسوة الأب الذي قتلها في لحظة غضب بالطبع؟ أهي ممسوسة؟ ماذا و لماذا و كيف و أين و متى و.. و ,, !!! كفوا أيها المعزون عن تمثيل الأحزان بعد فتور مشاعر الفقد ،، كفوا !!!!!!!!

*******

مرت أشهر ثقيلة ،، فاطمة تصارع فيها حزنها و فقدها ،، و جواهر تساعدها في كل شاردة و واردة ،، الاثنتان اللتان لا تعلمان ما يفعله القدر بسخرية ،، فلا طلال و لا عبير سألا جواهر عن هذه الصديقة التي تقرب إلى فاطمة ،، تحاشياً لغرس الحزن في نفسها ،،
و اليوم قرر طلال أن يعلن لوالده و لجواهر رغبته بالارتباط بجواهر ،،،
ارتباط مؤلم بين هؤلاء الأطراف الثلاثة ،، و الذي سينتهي بشكل مختلف جداً عن كل مألوف ،،
كونوا موجودين في آخر جزء ،،
محبتي

 
 

 

عرض البوم صور dali2000   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبة روائية حديثة, روائية حديثة, إلى قاتلي © حقوق القتل محفوظة, إلى قاتلي © حقوق القتل محفوظة للكاتبة روائية حديثة, قصه إلى قاتلي حقوق القتل محفوظة
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:00 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية