كاتب الموضوع :
kokowa
المنتدى :
روايات منوعة
يسابق الرياح فوق التلال و السهول , يداعب النسيم أذنيه ثم يدخل بين خصلات شعره الأسود .. يركض بالخيل و كأنه يهرب من مشاكله و من همومه , من ضغوط العمل , من شعوره بالذنب من .. من تلك الجميلة التي احتلت عقله و قلبه و لم يعرف هل سيقابلها من جديد ؟؟ و من هذه الجريئة التي احتلت الجزء الثاني من قلبه و عقله فهل هذا ممكن ؟! أن يعشق اثنتان في وقت واحد ؟!! واحدة لا يعرف من تكون و ما اسمها و لم ير منها إلا شعرها الأشقر الكثيف الذي استرسل أسفل كتفيها و طرف أنفها و ابتسامتها و طول قامتها و أناقتها و عذوبة صوتها.. و الثانية الشقراء ذو الشعر الأشقر القصير الذي يلامس أطرافه كتفها و الجسم الرشيق و الشقاوة و الجرأة و صاحبة المنطق و الرأي السديد التي تقنعه بنظرة واحدة من عينيها فهي يفترض أن تكون عدوته لكنها للأسف هي هنا لتحتل قلبه و عقله و سكنه و ورث أجداده..
فكيف انقلبت الآية و هو الذي يعرف عنه بأنه ذو بأس شديد و لا يقع ضحية لجمال النساء بل كن هن من يقعن فريسة له !! ..
عاد إلى الإسطبل بعد أن تسابق مع الهواء على ظهر جواده ليجد ماريو ينتظره عند السياج ..
- " سيدي .."
- " ماذا تريد يا ماريو ؟ "
- " لقد أتى الطبيب جيوفاني ليكشف على الآنسة "
- " حسنا جيد سأوافيه حالا "
- " سأخبره أن ينتظر "
خرج الطبيب جيوفاني من جناح لورا و كان باتريك في انتظاره عند الباب يريد أن يطمئن على صحتها فهو لم ينم طيلة الأمس و هو يفكر بخطئه و أن كل ما حدث لها هو بسبب تصرفه الطفولي..
- " دون باتريك كيف حالك ؟! "
- " أنا بخير .. لكن السؤال يفترض أن يكون كيف حال الآنسة ؟! "
- " أنت قلق جدا عليها .. اهدأ .. لا داعي للقلق فهي امرأة قوية "
- " إذن ما بها ؟! "
- " مجرد نزلة برد و إن ارتاحت ليومان ستكون أفضل "
- " أتمنى ذلك "
- " لقد سمعت بأنك أنقذتها بالأمس .. أهنئك على تصرفك السليم دون باتريك فلولا انك لم تقم بما فعلته لدخلت الفتاة في نوبة أو غيبوبة و قد تصاب بمرض ما أو تصاب أنسجتها العقلية لارتفاع درجة حرارتها ..لكن كيف خطرت لك هذه الفكرة بأن تضعها في ماء بارد لتقوم بموازنة حرارة جسدها بطريقة سريعة ؟!"
- " حمدا لله بأنها بخير فهذا ما يهم "
- " نعم صحيح .. أنا لا ألومك يا دون باتريك لاهتمامك الزائد بها فهي ضيفتك "
أنزل رأسه فهو يشعر بالخزي .. هل هكذا يقوم المضيف بالاهتمام بضيفته ؟؟ بأن يأخذها في منتصف الليل و يلقيها في بيت منعزل و مهجور , أم يقوم بأخذ منشفتها و رفع درجة برودة المكيف حتى تصاب بالبرد و تتجمد أطرافها , ثم يلقي اللوم عليها عندما وجدها في حجرة داني ملقاة على فراشه و هي تصيح و تصرخ مستنجدة بأحد ما ..
قالها دون أن يقتنع بإجابته ..
- " بالطبع "
- " حسنا أستأذنك الآن و لا تقلق على الآنسة ستكون بخير إن اتبعت إرشاداتي جيدا "
- " شكرا لك "
- " على الرحب و السعة "
أوصل الطبيب إلى الباب و ودعه بلباقة ثم وقف على أول الدرجات يهم بالصعود.. تردد لفكرة خطرت له بأن يدخل على لورا ليطمأن عليها بنفسه .. هذا ما حثه عليه قلبه .. لكنه فكر مليا و أعدل عن هذه الفكرة بإتباعه لعقله .. و بدل من ذلك خرج من القصر و استقل العربة الصغيرة ليذهب إلى المصنع و يلهي نفسه عن التفكير بلورا ..بالعمل...
دخلت وانيتا حجرة لورا و وضعت صينية الإفطار على فراشها ثم فتحت الستائر لتدخل الشمس فتصحصحها .. غطت عينيها بيدها فهي لم تر النور ليوم كامل ..
- " يجب أن تأكلي يا آنسة "
- " لكني لا أشعر بالجوع "
رفعت وانيتا الملعقة إلى فم لورا لكن الأخرى أبعدت رأسها .. لوت وانيتا شفتيها و ابتسمت بطريقة شيطانية و كأن فكرة جهنمية خطرت لها
- " هل تريديني أن أنادي الدوق ليطعمك ؟! "
ابتسمت لورا غصبا عنها ثم سألت وانيتا
- " و ما الذي يدعوك لقول ذلك ؟! "
تظاهرت وانيتا بأنها لا تعرف شيئا عما يدور بين الاثنين
- " ليس هناك سببا .. لكنه يستطيع إرغامك "
انزعجت لورا فردت عليها
- " أنت مخطئة لا الدوق و لا غيره يستطيع إرغامي على فعل شيء لا أريده "
- " حسنا أنا آسفة .. أرجوك تناولي هذه اللقمة من يدي.. من أجلي "
- " من أجلك فقط .. و ليس لباتريك "
تناولت الملعقة من يدها فابتسمت تلك الأخرى
- " هل قمنا نناديه باسمه ( باتريك ) عوضا عن (دون) أو (الدوق) ؟؟"
رفعت لورا حاجبيها و مع ابتسامة سألت وانيتا
- " إلى ماذا تلمحين ؟! "
- " لا .. لا شيء أبدا "
- " هيا أخبريني بما يدور في خلدك ؟! هل سمعت شيئا من أحد ؟! هل قال لك احد شيئا ؟! أو رأيت شيئا "
- " لم أسمع من احد و لم يقل لي أحد أي شيء .. لكنني رأيت بعيني الكثير "
بدأت لورا تتحمس لحديث وانيتا فأمطرتها بالأسئلة
- " و ماذا رأيت .. أخبريني هيا ؟! "
ترددت وانيتا قبل أن تتحدث فألحت عليها لورا و هي تهز يدها
- " هيا أخبريني .. "
- " لكن هل توعديني بان تنهي طبق الحساء إن أخبرتك ؟! "
- " نعم .. وعد مني أن أنهي كل الطبق لكن أخبريني "
- " حسنا .. بالبداية رأيت الدوق عصبيا جدا عندما ضرب دانيال على وجهه لأنه حاول أن .."
- " نعم .. رأيته "
قاطعتها لورا فهي لا تنوي أن تتذكر تلك الحادثة المرعبة ..
- " هو لم يضرب صديقه قط و لم يطرده من القصر من قبل بل دائما ما يقف معه حتى و لو كان داني مخطئا.. لكن لأن الامر يتعلق بك .."
- " ربما لأنني كنت اصرخ و استنجي به .. أيا كان سيقف معي لأني امرأة أتعرض لهجوم رجل غريب "
- " نظراته بالأمس و قلقه عليك أكد لي ما أشعر به .. إن الدوق يهتم لأمرك .. بل أكثر من ذلك "
- " كيف ؟! "
- " كان قلقا جدا عليك و حزينا بحيث قفز معك بحوض الماء البارد و أخذ يمسح على رأسك و .. "
- " و ماذا ؟! وانيتا تكلمي "
- " كان يقبل رأسك .. و يناديك بلورا عزيزتي.."
- " حقا ؟!! "
لكن سرعان ما أبعدت لورا فكرة أن باتريك قد يهتم لأمرها فبسرعة أجابت ظنونها
- " أنا متأكدة لأنه يشعر بالمسؤولية اتجاهي فأولا و أخيرا أنا غريبة و ضيفة عنده "
- " هذا سبب بسيط لا يجعله يقبل رأسك و يجلس معك في الحوض بثيابه و يرتجف من البرد و تزرق شفتاه.. كما أنه عندما بكيتي و تعلقت به نظر إلي بأن أغادر حتى يكون معك وحدك "
لا تعرف لورا لم تألمت لحديث وانيتا بدل من أن تسعد و تبتهج .. هل لأنه يحاول إخفاء مشاعره لكبريائه ؟! أم أن غروره و كبرياءه لا يسمحان له بأن يقع في عشق فتاة أمريكية و من عامة الناس و بدل من هذا أنها أتت لتأخذ جزء من ممتلكات أجداده حيث يفترض أن تكون له وحده و لابناءه و أحفاده من بعده ..
- " آنسة لورا .. هل أنت بخير ؟! "
- " نعم .. لقد سرحت قليلا "
- " بدون باتريك أليس كذلك ؟! اعترفي بأنك تكنين له مشاعر الإعجاب ؟! "
تلونت عيناها بالحزن و هي تجيبها بصوت مخنوق
- " بل أسوأ من ذلك .."
وضعت يدها على قلبها تحاول أن توقف النزيف الذي اعتصر من قلبها و هي تتذكر كيف أنه قاوم تقبيلها مرتين .. أنه لا يريد أن يخطأ معها فيندم .. ارتجفت شفتيها و أحست بغصة .. ضمتها وانيتا و أخذت تربت على كتفها ..
- " لقد ترك اليوم تدريبه على الخيل ليسأل عنك عندما علم أن الطبيب جيوفاني أتى ليكشف عليك .. اعتقد يا آنسة بأنه يكن لك نفس المشاعر التي تحملين له "
- " ربما .."
وقفت وانيتا لتغادر فجذبت لورا يدها و قالت لها مبتسمة
- " كنت أتساءل يا وانيتا إن كان للدوق صديقة أو زوجة أو ..."
- " لا .. كانت لديه صديقة قبل أن يغادر .."
- " و ماذا حدث ؟! "
- " غادر .."
ابتسمت لها لورا .. فمن دون وانيتا لم تكن تعرف كيف كانت ستتحمل البقاء في هذا القصر أكثر من يومان ..
- " شكرا لك وانيتا لأنك الوحيدة التي تعامليني جيدا هنا .. إني أعتبرك صديقة لي .. شكرا مرة أخرى لاعتنائك بي "
- " على الرحب و السعة يا آنسة لورا "
- " ارجوك .. ناديني بلورا "
- " حسنا .. لورا .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " بالطبع.. خاصة و أنك أصبحت صديقتي المقربة و اعترفت لك بسري الدفين .. "
ابتسمت لها وانيتا بابتهاج
- " و أنت كذلك يا آنسة.. أقصد يا لورا .. امرأة متفهمة و ناضجة و عادلة و لك قلب أبيض كبير"
- " شكرا لك .. إنك تحرجينني "
- " بل هذه الحقيقة يا لورا و الدوق يقن لذلك "
تورد خدي لورا لكلام وانيتا و لأنها ترسم لها آمال و أحلام بعيدة المنال .. فحتى و ان يكن الدوق يعشقها فهو لن يبوح لها بذلك فآخر ما يريده هو أن تكون بينهما علاقة .. سترضى بالأمر الواقع ..
دخل باتريك القصر في وقت متأخر جدا من الليل و كان يبدو عليه التعب و الإرهاق .. صعد الدرجات بهدوء .. شيئا ما دفعه لان يقترب من جناح لورا .. وقف لدقائق و هو يسمع بهذا الهدوء ضربات قلبه المتسارعة .. آه كم يتمنى أن يفتح الباب فقط لأن يراها من بعيد نائمة و مرتاحة في فراشها ..
كانت جالسة على الكنبة و ملتحفة بغطاء صغير تقرأ كتاب "لجين أوستن" بعنوان "الليدي سوزان "عندما رأت ظل أقدام عند أسفل فتحة الباب .. قامت بهدوء و اتجهت لتفتح الباب .. ارتجفت يديها و ضرب قلبها بشده .. لعله يكون داني !! .. استطاعت أن تضع يدها على المقبض و تجذبه .. اهتز بدنها و اقشعر عندما رأته واقفا ينظر إليها بدهشة .. فتح فمه ليتكلم لكنه أغلقه و فعل ذلك أكثر من مرة حتى أخيرا قال
- " آسف لم أكن أريد إزعاجك آنسة آغنر "
لم ترد عليه ..بل اكتفت بان نظرت إلى أجمل عينين مرهقتين و أوسم وجه متعب رأته .. تجهم وجهه و كأنه تضايق من نفسه و من تصرفه .. فماذا كان يفكر بان يقف عند باب حجرتها في هذا الوقت من الليل و هو بهذه الحال الرثة و بتلك الثياب المتسخة و الشعر المبعثر الذي أضفى إليه منظر الشاب الشقي.. نظرت إلى ثيابه و ساورها القلق ففتح الاثنان فمهما للتكلم في نفس الوقت .. ثم سكتا معا و انتظرا أحد منها أن يتكلم أولا .. و عندما طال الانتظار فتحا فمهما معا للمرة الثانية .. قهقه بهدوء و ابتسمت بخجل.. أشار لها بيده بأن تبدأ أولا .. ترددت ..لان تسأله عن سبب منظره الرث و هي لأول مرة تراه هكذا فهو دائما ما يكون متأنقا حتى و هو يمتطي الخيل .. لكنها عوضا عن ذلك غيرت السؤال بآخر
- " كنت أريد أن أشكرك لما فعلته بالأمس .. أنقذت حياتي "
- " لا داعي يا آنسة فهذا واجبي .. أنت ضيفتي و أنا مسئول عن أي شيء يصيبك .. خاصة إنني لم أكن مضيافا لك في الآونة الأخيرة.. فاعذريني "
نعم هذا ما كرهت أن تسمعه .. ابتسم لها و سألها
- " كيف حالك الآن ؟! "
- " على أحسن ما يكون .. الفضل يعود لك و لوانيتا و الطبيب جيوفاني الذي آلمني بحقنته"
عبس وجهه و قال قلقا
- " حقا ؟! هل آلمتك كثيرا؟!"
هبط قلبها إلى بطنها و هي ترى تغير ملامح وجهه.. لقد صدق كلام وانيتا .. قالت بخجل
- " لا .. ليس كثيرا .. إنه ألم أستطيع تحمله .. "
بعكس الألم الذي أشعر به الآن من نظراتك .. و جفاءك .. و كبريائك و عنادك .. هذا ما تمنت أن تقوله له
- " هذا أكيد فأنت امرأة قوية آنسة آغنر .. أتمنى أن تستعيدي عافيتك قريبا فهناك العديد من الفعاليات ستقام في بداية الأسبوع و آمل أن لا تفوتيها "
- " فعاليات ؟! "
أومأ قائلا
- " نعم .. إنها مجرد عادات و تقاليد تقام كل سنة ,,سترين .. حسنا آنسة آغنر .. سأتركك لترتاحي.. اعتني بنفسك و آسف على إزعاجك "
- " لا أبدا ليس هناك إزعاج .. و أنا متشوقة لتلك الفعاليات لذلك سأعتني بنفسي .. شكرا لك دون باتريك "
أومأ برأسه لها ثم رجع خطوات للخلف و هو يودعها تمنى أن يبقى في مكانه و ينظر إليها
- " عمتي مساء آنستي "
أغلقت الباب خلفها و استندت عليه و هي تعيد رسم ملامحه حتى تحفظها في ذاكرتها جيدا .. خفق قلبها بقوة لكلمته الأخيرة التي ظلت ترن بمسمعها ( آنستي ) و كأنها تخصه .. و آه كم تتمنى أن يناديها باسمها الأول و يلقي الحواجز و الرسميات بينهما ..
إن ما يحدث بينهما مثل رواية من روايات "جين أوستن" .. و صدقت "جين أوستن" الكاتبة المشهورة بوصفها الدقيق لمعاني العشق .. فلورا حتما معتلة به ...
استيقظت صباح اليوم التالي و هي تشعر بنشاط و حيوية فارتدت ثياب عملية مريحة و حذاء رياضي و نزلت الدرج قفزا و كأن حقنة الطبيب جيوفاني قد أدت مفعولها جيدا .. توقفت عند باب غرفة الطعام عندما سمعت صوت نانيرا تتحدث مع شخصا ما .. و لأول مرة كنا يتحدثان بمفردهما بالإنجليزية ..
- " ألن تتصل به يا دون باتريشيو ؟! "
- " لا لن أفعل "
- " لكنه صديقك المقرب "
- " لقد ارتكب خطأ و يجب أن يعاقب عليه"
- " و ما الذي يجعلك تلومه وحده فهي أيضا تتحمل جزء كبير من الخطأ.. فماذا كانت تفعل في حجرته ؟! و لم كانت عارية .. إنه رجل و لابد أنها أغرته "
قال بعصبية
- " نانيرا .. أنت لا تعرفين شيئا "
- " إذا أخبرني بالذي أجهله .. كل ما أراه هو أن تلك الخبيثة دائما وراء المشاكل .. لا تدعها تفرق بينك و بين صديقك المقرب .. اتصل به و تصالحا .. غدا يوم مهم بالنسبة لك و ينبغي أن يكون هنا يساندك كما يفعل دائما.."
فتح جريدته و هو يقول لها
- " إذا هذه السنة لن يكون هنا "
- " بالله عليك يا بني لقد سامحته و سامحك على كثير من الزلات ألا يمكنك أن تسامحه على غلطته هذه .. أنتما صديقين منذ الطفولة و واجهتما الكثير معا "
فكر بكلام نانيرا ..
- " حسنا نانيرا .. سأتصل به لكن ليس الآن .. "
احتضنته و قبلت رأسه ..
- " هذا هو باتريشيو الذي أعرفه .. هيا تغذى جيدا فلديك تدريب .. و أنا متأكدة بأنك ستضيف كأسا عاشرا على تلك الكؤوس .. بالمناسبة أين كنت أمس ؟!"
- " هنا .. في حجرتي"
عرفت لورا بأنه يكذب فلم يكن بحجرته .. لقد عرفت ذلك من ملابسه الرثة ...
قررت أن تعود إلى جناحها فذلك أفضل لها .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كما يقول المثل ..
- " آنسة آغنر حمدا لله على سلامتك "
التفتت لتجد ماريو خلفها
- " شكرا لك "
- " هيا تعالي و تناولي الإفطار معنا "
- " لكن.."
لم يدعها تكمل كلامها لأنه دفعها من كتفها بهدوء إلى داخل غرفة الطعام .. رأتها نانيرا بعين حادة طويلا ثم غادرت المكان .. أنزل باتريك جريدته و أخذ ينظر إليها و قال مبتسما عندما رآها مرتدية فستان مشجر قصير و قد تزينت بمكياج خفيف .. و هذا يدل على أنها قد استعادت عافيتها من جديد ..
- " ماذا تفعلين ؟! ألا يفترض بك أن تكوني في فراشك ؟ "
- " لقد أصبحت أفضل .. كما أن شفائي سيطول إذا حبست نفسي بالحجرة "
- " نعم أصبت .. تفضلي "
وقفا حتى تجلس .. كانت تنظر إليه .. بدا مرتاحا و غير عدائيا تجاهها على غير عادته .. جلست فسكبت لها إحدى العاملات القهوة الساخنة .. شرفت منها قليلا لتزيدها نشاطا ثم نظرت إلى باتريك الذي كان يحملق فيها .. لكن ما أن أحس بها تلتفت إلها .. رفع جريدته و اصطنع بأنه يقرأ باهتمام ..
- " دون باتريك .. "
رفع رأسه عن الجريدة
- " نعم آنسة آغنر .."
- " كنت أريد .. أعني لو نتحدث عن مسألة الميراث لننتهي منها و يرتاح كل منا "
أعاد الجريدة إلى عينيه ..
- " ليس الآن بالوقت المناسب "
دائما يؤجل هذا الحديث ..لا تعرف ما يخشاه ..و ها قد عاد إلى برودته مرة أخرى ..
- " لكن في كل مرة تؤجل الحديث و تغير الموضوع و أنا أرى بأن الآن هو الوقت المناسب"
أنزل جريدته و قال بصوت جدي و حاد يقطع الأحشاء ..
- " حقا ؟! حسنا إذا هيا تكلمي فلدي فقط خمسة دقائق كنت أنوي أن أقرأ فيها الجريدة و أغادر لأن لدي أعمال مهمة في مجلس الشيوخ بالمدينة .. فهل باستطاعتك أن تنهي المسألة بخمسة دقائق يا آنسة؟!"
استقامت واقفة و قالت بانزعاج
- " أنا آسفة لتضيع وقتك .. اعذرني "
ثم خرجت من غرفة الطعام و صعدت إلى جناحها .. تضايق لتركها قهوتها لكنه حاول أن يدعي عدم الاكتراث ..
دخلت وانيتا بعربة الإفطار جناح لورا و سعدت عندما رأتها مرتدية ثياب أخرى غير قميص النوم و بدت أكثر نضارة مما كانت عليه بالأمس ..
- " أرى بأن صحتك قد تحسنت ؟! "
- " نعم أشعر بذلك "
- " إذا لم لا تنزلين لتناول الإفطار ؟! "
- " فعلت و لقد صعدت للتو .. لكني لم أتناول شيئا "
- " و ما الذي يضايقك ؟! "
- " و من يكون غيره .. دائما ما يتعذر عن الحديث بسبب انشغاله "
- " نعم .. أنا آسفة لذلك "
- " كما أنني متضايقة لأني سمعته بالخطأ يتحدث مع نانيرا التي تعتقد باني السبب فيما حدث بيني و بين داني .. آه تلك العجوز كم هي مزعجة .. إنها تكرهني أكثر مما يفعل دون باتريك لا أعرف هل حلالها هو الذي أشاركها به ؟! "
- " إنها من قامت بتربية الدوق و كانت أمه أكثر من الكونتيسة .. لكن لا عليك منها فكما قلت هي عجوز مخرفة "
تناولت خبزا من أمامها ثم قالت
- " آه نعم .. ما هذه الفعاليات التي تقام كل سنة ؟! لقد سمعت نانيرا تقول لدون باتريك بأن يتغذى جيدا حتى يربح و يحصل على الكأس "
- " نعم .. تقام كل سنة في هذا الوقت سباق للخيل بين سكان مدينة ألبا النبلاء و يقام احتفالا كبيرا ويرتدون فيه النساء ثياب أنيقة و يبدعون في قبعاتهن و في كل سنة يفوز الدوق.. هذا كان قبل أن يغادر أسبانيا و يحدث ما حدث بينه و بين الكونتيسة .. و الآن يبدو بأنه يعيد هذه الفعاليات لمثوى والدته "
- " لم أكن أعرف ذلك .."
- " و كانت الكونتيسة في الليلة التالية من فوز ابنها تقيم احتفالا لهذه المناسبة و تدعو النبلاء إلى وليمة كبيرة .. ستتعجبين مما سترين من فساتين سهرة و أطقم و نساء جميلات و رجال متأنقين يرقصون السامبا و الرومبا و الفالس ... لكني لا أعرف إذا كان الدوق سيقيم حفلة هذه السنة أم لا ؟! "
- " و لم لا يفعل ؟! "
- " لان الكونتيسة هي التي اعتادت أن تقيميها و لابد أن ذلك سيحزنه كثيرا .. لكننا سنعرف ذلك غدا بعد السباق "
اتسعت حدقتا عين لورا و قالت بدهشة
- " السباق غدا ؟! "
- " نعم .. أتمنى أن يكون لديك ثياب مناسبة لذلك وأهم شيء قبعة "
- " لا .."
- " لا عليك سنتدبر ذلك لاحقا .. بالمناسبة .. هل تجيدين الرقص ؟!"
ضحكت لورا و هي ترشف من عصير البرتقال فأجابتها
- " و من سعيد الحظ الذي سيرقص معي ؟! "
- " دون باتريك ؟ "
زاد ضحك لورا و لم تعلق على جواب وانيتا ..
طرأت فكرة ببالها بأن تذهب إلى المدينة اليوم للتسوق و تحاول أن تقنع الدوق بأخذ وانيتا معها ..
انتظرته حتى يعود .. نفذ صبرها و هي تنتظره قررت أن تذهب بنفسها إليه .. لكن الحراس أخبروها بأنه غادر القصر و أخذ معه السائق و لم يعد حتى الآن.. إذا ليس بإمكانها الذهاب إلى المدينة للتسوق و لن تستطيع أن تذهب إلى السباق غدا و هي ليس لديها شيئا مناسبا لترتديه ..
سمعت صوت هدير سيارة في الخارج في وقت متأخر جدا من الليل .. نظرت عبر النافذة لترى باتريك يخرج من السيارة و ماريو خلفه و شخصا ثالثا ...
داني ؟!!!
إذا لقد ذهب لإحضار صديقه .. يا إلهي كيف ستواجه داني بعد الذي فعله لها ؟!
و قررت بينها و بين نفسها بأنها ليست مستعدة لن يتلاقيا غدا لذلك لن تذهب إلى ذلك السباق و ستقضي اليوم هنا بين جدران القصر ..
|