كاتب الموضوع :
طيب القلب
المنتدى :
سلسلة سافاري
الفصل الخامس
عزيزى أشرف :
لن أطيل التحيات لأننى بالفعل لست على ما يرام ..
أنت تعرف أننى فى مصر حاليا لم أبرحها بعد .. تعرف أننى أذهب لكل مكان و أزور كل الأشخاص كعادتى , لكننى بالطبع لا أصطحب زوجتى فى أى مكان . أخشى أن أختبر تحمل رحمها أكثر من اللازم فقد تحمل الكثير من رحلاتنا المجنونة من قبل .. هناك مطبات يمكنها أن تجهدنى أنا شخصيا و أنا رجل !
ذهبت أمس الى السينما كما قلت لك .. هذه المرة ليست سينما من طراز ( الوكر القذر ) الذى اعتدناه , و لكنها واحدة من سينما الملتبلكس الأنيقة التى انتشرت فى مصر ليؤمها جمهور المول . السينما فى المنيل و قد اخترت فيلما لا بأس به ..
على باب السينما عرفت هذا الوجه , و لاحظت أنه يطيل التحديق بى , ثم صرخ بلا انذار :
- " حتى بهذه اللحية لن تخدعنى ! "
هل تعرف من ؟ .. كان ( علاء الشناوى ) ! .. نعم .. ذلك الفتى الذكى الذى توقعنا له أن يصير رئيس الجامعة يوما .. كان معى فى نفس الحلقة الدراسية , لأن اسمينا متقاربان و لم نكن نفترق . لم يتغير كثيرا .. فقط تزوج وصار له كرش لا بأس به .. لم يحقق أى نجاح مما توقعناه فهو مجرد طبيب عادى غير متميز , تحقق له عيادته الخاصة ما يكفيه لحياة كريمة .. كريمة تعنى الأكل و الشرب و الدواء و المسكن , و أنت تعرف أن هذا يحتاج لقسط لا بأس به من المال فى مصر اليوم ..
تعانقنا و تبادلنا الذكريات و أحدثنا ضوضاء كبيرة ضايقت الواقفين كالعادة .. بالطبع تبادلنا الكثير من الذكريات التافهة و الدعابات المملة اياها .. فعلا الذكريات لا تعنى أحدا سوى صاحبها . الأسماء المضحكة التى كنت تطلقها على الفتيات .. المقلب الذى اشتركنا فيه ضد زميلنا فى الحلقة الدراسية .. الخ .. فعلا أشياء مبتذلة جدا لا تهم سوانا لكننا نحكيها كأننا أسرار الكون .. فيما بعد تكتشف اكتشافا مروعا : كل الطلبة يفعلون ذات الأشياء و يقولون ذات الأقوال ..
شاهدنا الفيلم معا .. ثم خرجنا من السينما نلتهم الفيشار و نثرثر .. طبعا لا يذكر واحد منا أنه رأى فيلما و لا يذكر محتواه ..كان الفيلم مجرد خلفية ضوئية وصوتية لذكرياتنا ..
الليل و النيل و الهدوء و الشارع شبه الخالى ..
ثم هذا الرجل الذى يلحق بنا من الخلف ليقول بتهذيب :
- " من فضلك .. "
نظرنا له معا .. لا أجد وصفا أصف به وجهه .. لا شارب ولا نظارة .. ليس بدينا ولا نحيلا .. عيناه غير زرقاوين و لا خضراوين ولا سوداوين .. قلت هذا مرارا فيما بعد .. ثيابه ليست أنيقة و لا رثة .. باختصار هو مشكلة لمن يحاول رسمه .. مشكلة حقيقية ..
- " هل أنت د. ( علاء ) ؟ "
قالها لنا معا , فخمن أنه بالطبع يريد صاحبى لأنه لا أحد تقريبا يعرفنى فى مصر اليوم .. لم أفز بجائزة نوبل فى الطب كى يتذكر أنه رأى وجهى و أنا أصافح ملك السويد .. هكذا صمتت و تركت لصديقى أن يتكلم هو .. قال ( علاء الشناوى ) فى أدب :
- " أنا هنا .. الا لو ...... "
و لم يكمل العبارة .. فلوب !
هذا هو ما حدث بالضبط .. أنت لم تخطئ القراءة ..
فلوب ! .. هذا هو صوت طلقة المسدس الذى أفرغه الرجل فى رأس صاحبى . مسدس كاتم للصوت كما هو واضح لأن فوهته طويلة جدا ..
وجدت نفسى واقفا أمام جثة ( علاء ) الملقاة على الافريز و التى رقدت فوق الفيشار المبعثر و الدم , بينما ذلك الرجل يثب فى سيارة رمادية اللون كانت تسير بتؤدة الى جوارنا , و لم ألحظها الا الان . دوى صوت العويل من العجلات عاليا بينما هى تنطلق على السرعة الرابعة و تغيب فى الشارع شبه المظلم ..
هنا فقط و بعد بضع دقائق وجدت هواء فى حنجرتى ...
صرخت ..
جثوت على ركبتى جوار الجثة .. هناك ثقب أحمر مروع فى منتصف الجبهة .. أعرف أفضل من أى واحد ااخر معنى هذا . كنت أرتجف و أصرخ .. أصرخ و أرتجف .. و سال اللعاب من فمى المفتوح ليغرق سراويلى ..
ان يدى ترتجف الان فلا أقدر على أن أضغط على المفاتيح الصحيحة .. أنت تفهم شعورى طبعا , و لا أعرف متى جاءت الاسعاف و رجال الشرطة .
لقد مات صديقنا ( علاء الشناوى ) .. مات أمام عينى .. و الأدهى أننى غير قادر على مساعدة الشرطة بشئ .. ألم أقل لك ان أهم صفة تميز الرجل هى أنه بلا صفة مميزة ؟ .. فقط يمكن أن أعرفه لو رأيته ثانية ..
للمرة الثانية منذ جئت الى مصر أمضى ساعات ممتعة مع شخص ثم يموت ..
الشرطة تحقق فى الأمر , و لم يتبين وجود أى أعداء لعلاء .. لا خلافات ..
الحق اننى مهزوز فعلا برغم كل ما رأيت فى حياتى .. رأيت الكثير لكن مشهد مصرع صديق برصاصة عى بعد متر منى لهو أمر لا يوصف و لا يمكن تحمله ..
خطاب مقتضب كئيب هو يا أشرف لكنك تفهم . أنا ااسف فقد أفسدت يومك .. لكن هل تتصور أن يحدث هذا كله و لا أحكيه لك ؟
علاء
--------------------------------------------------------------------------------------------------------
عزيزى علاء :
ليرحمه الله .. مات من دفعتنا عدد لا بأس به لكنها ميتات طبيعية كلها , و على قدر علمى هذا أول واحد يقتل .. كنت أراهن دوما على أنك ستنال هذا الشرف لكنك خيبت أملى ..
كنت أحكى لزوجتى عن هذا , و أنت تعرف أنها تمقتك بلا فخر و تمقت الأرض التى تمشى عليها .. قالت لى :
- " ألم يخطر لزميلك ( علاء ) أن الرجل كان يريد قتل ( علاء عبد العظيم ) لا ( علاء الشناوى ) ؟ "
هنا تصلبت .. بالفعل هذا وارد جدا .. هو سأل عن د. ( علاء ) .. لو تكلمت أنت أولا لكنت أكتب هذا الخطاب لأرملتك .. الفكرة مخيفة لكنها واردة .. صدفة عجيبة أن يوجد اثنان ( علاء ) خارجين من السينما . الرجل هو قاتل جاء فى مهمة .. قائد السيارة رااك تدخل السينما .. قام بجولة حتى اقترب موعد انتهاء الحفل .. ثم يرى قائد السيارة رجلين يخرجان معا .. يأمر القاتل : اقتل من يدعى ( علاء ) من هذين الرجلين .. لذت أنت بالصمت بينما تكلم ( علاء ) الاخر .
ألم تفكر فى هذا يا علاء ؟
أنا أثير قلقك و أجعل حياتك جحيما كأننى غراب البين , لكن أرجوك أن تفكر فى هذا ..
عندما ظهرت عمليات ارهابية فى مصر فى التسعينات , قتل د. ( رفعت المحجوب ) رئيس مجلس الشعب وقتها , و تساءل الكل عن الهدف من قتل رجل أنهى فترة رياسته للمجلس فعلا , ثم عرف الجميع أن الجناة كانوا بانتظار وزير الداخلية وقتها , و حسبوا الموكب والسيارة السوداء يخصانه .. هذه من الألعاب القاسية التى يلعبها الحظ أحيانا , و يبدو لى أنك نجوت بطريقة مماثلة !! ّّّ
|