كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التآكـــــل (2)
أنا هنا في تلك الشقة الضيقة التي وجدت بابها مواربًا.. لماذا لم أظل في بيتي؟.. لأن زوجتي وأولادي أصيبوا بالعدوى على الأرجح، ولا أضمن ألا يكون السبب هو أن هناك مصدرًا للعدوى في شقتي..
هذه الشقة في بناية مجاورة لبيتي.. لا توجد فيها أجهزة تكييف، والنوافذ مغلقة، كما أن الحمام لم يستعمل منذ دهور.. شقة معقمة جدًا خالية من البشر تمامًا منذ زمن.. يمكن أن تكون هذه نقطة بداية صحيحة.. هناك صراصير حية وأنا أعتقد أن الصراصير بدأت تهلك في الخارج نتيجة الوباء. هذه علامة صحية أخرى.. أذكر العصافير حبيسة الأقفاص التي يحملها الناس قرب مواقع التسرب النووي باعتبارها عدادات (جايجر) بيولوجية فائقة الحساسية.. لو انقلب العصفور ومات فأنت في خطر..
فلأُبقِ عيني على الصراصير.. فلألحظها جيدًا....
لديَّ مخزون من الطعام المحفوظ ولا أظن هذا خطرًا.. قمت بمغامرة نزلت فيها إلى سوبر ماركت في قمة الشارع وتحسست طريقي وسط الهياكل العظمية المتناثرة وأنا أكتم أنفي بمنديل، وحصلت على خزين من المعلبات مع زجاجات ماء معدني كثيرة.. أعتقد أنها قد عبئت قبل أن يبدأ الوباء... لا شك أن مياه الصنبور خطرة فعلاً..
الآن يمكني أن أحاول فهم سبب نجاتي..
تعلمت منذ زمن أن أبدأ يومي بملعقة من العسل الأبيض وابتلاع فصي ثوم.. هذه العادة قد تكون مسئولة عن نجاتي.. ربما كان الحل في العسل الأبيض أو الثوم؟.. لكن لا.. تصور هذا صعب؛ لأن هناك الكثيرين يمارسون ذات العادة..
أنا مصاب بزيادة في حموضة المعدة.. أذكر قصة ذلك الطبيب الذي تحدى "روبرت كوخ" عندما زعم الأخير أنه وجد البكتريا الواوية المسببة للكوليرا.. تحداه لدرجة أنه شرب مزرعة كاملة من البكتريا فلم يصب سوى بعسر هضم بسيط!.. هكذا وجد "كوخ" نفسه في موقف كريه فعلاً.. فيما بعد قال المفسرون إن الطبيب الذي شرب المزرعة كان يعاني من زيادة في حموضة المعدة وهذه قتلت بكتيريا الكوليرا على الفور.. ربما تحميني حموضتي من الموت؟.. لا أدري..
هناك ألعاب مناعية لا يمكن فهمها.. لماذا يسعل مريض الدرن في وجه رجلين فيصاب الأول بالدرن وينجو الثاني؟.. لا أعرف..
على كل حال يمكنني أن أواظب على العسل الأبيض، فلا سبيل للحصول على الثوم الآن..
كم سأبقى هنا؟.. لا أعرف..
كنت أجلس في الظلام خالي الذهن كعادتي مؤخرًا.. أتعامل مع العالم بشيء من الغباء سببه عدم وجود منبهات حسية من أي نوع.. هنا شعرت بذلك الفم الدافئ يلعق قدمي.. صرخت ووثبت في الهواء مترًا، ثم أدركت أن هذا القادم قط صغير.. قط أضناه البحث عن طعام أو بشر.. من دون ناس يصعب أن يجد فضلات يأكل منها..
تعاملت معه بحذر وخوف في البداية؛ لأنني خشيت أن ينقل لي العدوى، ثم تذكرت أن المرض قاتل سريع الفتك.. على الأرجح كل من هو حي مأمون كذلك.. سوف يعيدني هذا القط العزيز إلى عالم الأحياء وسوف أكلمه طيلة اليوم..
هكذا تركته في الشقة وركضت ركضًا حتى ذلك السوبر ماركت والكمامة على أنفي.. من الصعب أن أجد لبنًا صالحًا بعد خمسين يومًا، لكن القطط لا تبالي بهذه الأمور .. هكذا جلبت له عدة أكياس من اللبن وعلبًا من اللحم المحفوظ..
عدت إلى البيت ركضًا لكنه لم يكن هناك.. لقد تركت الباب مواربًا ومن الواضح أنه فر. بحثت بدقة أكثر فوجدته على بعد ثلاثة أمتار من فتحة الباب.. كان ميتًا.. الفيروس قد قضى عليه فصار هيكلاً عظميًا...
وجدت مكنسة بالشقة فأخذتها ودفعته دفعًا حتى تدحرج من فوق الدرج. لقد صار خطرًا الآن وصار من الوارد أن يقضي عليَّ في أية لحظة..
كتب عليَّ أن أعود إلى الوحدة، لكن (نرمين) كانت قادمة.. ومع (نرمين) تغير كل شيء..
يتبع
* * *
|