كاتب الموضوع :
eng.eses
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
الفصل الثالث
عزيزي عصام:
كيف يظل شيء حياً كل هذه الأشهر؟.. لا يوجد مدخل لهذه الغرفة المغلقة.. إن جدار البناية نفسه يحدها من الخلف، لكن من الوارد أن يلعب الصوت بعض الألعاب الغامضة.. أحياناً في منتصف الليل كان الجيران يخرجون لنا من بالوعة المطبخ، وكنت أسمع مدام (عواطف) تتشاجر مع أستاذ (مصطفى)؛ لأنه لا يبدل جواربه إلا كل أسبوع.. ربما هم يخدشون جدران غرفتهم الآن..
قالت زوجتي في إصرار:
ـ "فلنهدم الجدار"...
- "لا"..
تلحُّ بشدة حتى تذكرت تلك الأسطورة التركية الشعبية عندما يردد الناس: "حطم الصخرة يا "فرهاد".. حطم الصخرة يا فرهاد"، والبطل يقول: "سأحطمها.. من أجلكم سأحطمها".. زوجتي كانت تردد: "اهدم الجدار يا محمود.. اهدم الجدار يا محمود".. وأنا على وشك أن أقول: "سأطلّقها.. من أجلكم سأطلّقها".
سوف أعترف لك بشيء...
أنا نفسي أخاف هذا الجدار.. لقد كنت أقف جواره ذات يوم، فسمعت حفيفًا.. كأن هناك ثوبًا يحتكّ به من الجانب الآخر... وقف شعر رأسي رعبًا ورحت أتنصت..
يخيل لي أنني سمعت طرفًا من محادثة، لكن بصراحة لم أتبين أي مقطع سوى كلمة (لا يُطاق).. من جديد ألقي باللوم على ألعاب الصوت..
قمت بالطرق عدة مرات على الجدار فلا صوت سوى: تونك.. تونك.. تونك.. ما وراء الجدار أجوف فعلاً... لكن كيف تتحمل أن توجد في شقتك الخاصة غرفة لم تدخلها قط؟.. أحيانًا أشعر أن هذا الشرط اختبار منك لفضولنا.. هذا اختبار يفوق الطبيعة البشرية، وفي النهاية سوف تعود من مخبئك الخفي وتمنحنا زكيبة من الدنانير مكافأة لنا على أمانتنا.. صباح اليوم حدث شيء غريب..
لقد وجدت زوجتي جاثية هناك جوار الجدار فلما رأتني ارتجفت وبدأت تشهق وتصرخ، واكتشفت أنها تحمل مثقابًا تريد أن تصنع به ثغرة في الجدار.. تريد أن ترى.. وكيف ترى من دون ضوء؟.. هل تنوي إدخال منظار ليفي ضوئي من الفتحة كما يفعلون مع مقابر الفراعنة؟.. لكنها أشارت في ثقة إلى مفتاح ضوئي صغير على الجدار الأيمن. قالت: إن هذا المفتاح كان يضيء مصباحًا ما بهذا النصف من الغرفة قبل أن ينفصل. ربما ما زال المصباح سليمًا ويمكن أن يضيء لنا هذا القبر المغلق.. أضاءت المصباح فخيل لي أنني سمعت صرخة!...
هناك كائن بالداخل لا يطيق النور!.. أم أنني أهلوس؟.. أمرتها أن تطفئ النور حالاً فقد تكون هناك أسلاك كهربية عارية.. شرارة وكومة من الورق.. ربما لا يوجد أكسجين يسمح بالاحتراق بالداخل لكني لن أجازف...
الحق أنني أزداد عصبية وتوترًا بسبب هذا الجدار الكريه.. لا أعرف إن كانت عصبيتي الخاصة أم هي عدوى من زوجتي، لكن المصاب بالدرن لا يتساءل كثيرًا عن مصدر العدوى وإنما يطلب العلاج.. وعلاجي عندك بلا شك..
ما الذي يوجد في تلك الغرفة يا (عصام)؟
لا أتكلم عن الصور والمهد وذكريات الطفولة.. أتكلم عما هو موجود حقًا..
أرجوك أن ترد.. أشعر أنني أكلِّم نفسي.. هل ما زلت حيًا أم أن قبائل الماوري قامت بطهيك تحت التربة والتهمتك في احتفالها السنوي؟
لو حدث هذا فهو شيء مؤسف، لكن أتمنى أن أعرفه لو حدث؛ لأن هذا يحررني من قسمي.. يومها سوف أزيل هذا الجدار وأعرف الحقيقة.. سوف يتسرب نور الشمس والهواء إلى هذه الظلمة الملغزة الرطبة، ولسوف نشفى من تساؤلنا عما ينتظرنا خلف الجدار.
أرجوك أن ترد يا (عصام)....
المخلص محمود
|