4- العروس المتمردة
وقف نيكوس في البهو المزخرف منتظرا بفارغ الصبر دخول الخادم ليبلغ العجوز بأن العشاء جاهز غير ان الأخير لم يكن على عجل اذ كان مسترسلا بالحديث عن يخت جديد اشتراه منذ بضع ايام ربت العجوزعلى كتف نيكوس بيده و سأله :
- ما رأيك بقضاء شهر العسل على متن اليخت هكذا تكون انت أول شخص يقوده ؟
اكتفى نيكوس برسم ابتسامة على وجهه فتابع العجوز : حسنا ..حسنا
ثم أدار رأسه نحو الباب فلاحق نيكوس نظراته فاذ بالخادم يفتح باب البهو لتدخل منه تلك المرأة الشيطانية صاحبة الشعر الناري شعر نيكوس بقشعريرة تسري بفقرات ظهره .
وقفت المرأة عند المدخل تتلفت يمينا و شمالا و كأنها تتأكد من استقطابها انظار الجميع ثم تقدمت نحوهما شامخة الرأس و شعرها المعقوص الى أعلى يظهر جمال وجهها حبس نيكوس انفاسه و هو يتأمل مفاتنها الصارخة التي يبروها ثوبها الجميل تمنى لو انه قادر على حملها بين ذراعيه بعيدا عن هنا ..تنبه فجأه ان العجوز يراقبه بتسلية بعينيه و كأنه سر برؤيته مفتونا بعشيقته فتملكه القنوط و التوى فمه سخطا .
تسمرت اندريا في مكانها مذهولة و هي تنظر الى الرجل الذي بذلت مجهودا لطرده من رأسها و عاد المشهد يتكرر اذ برقت عيناه اعجابا ما لبث ان تحول الى اشمئزاز عندئذ رفعت ذفنها بتحد و لمع بريق الخطر بعينيها الا ان نبضات قلبها أخذت تتسارع .
خرق العجوز الصمت قالا : ما رأيك بها ؟
أجابه نيكوس غير مصدق لما سمعه : أحسنت الاختيار كالعادة يورغوس جمالها يخطف الانفاس
ثم تابع فيما اجتاحته رغبة شديدة بمغادرة المكان : أنا احسدك عليها .
- يمكنني ان اتنازل لك عنها .
جمد الدم في عروق نيكوس أيظن العجوز انه يحتاج للترفيه قبل الزواج بحفيدته المجهولة
- غمرتني بلطفك و لكنني لا أستطيع أن أقبل عرضك .
رفع العجوز حاجبيه استغرابا : كيف ذلك ؟ حسبتك وافقت الزواج من حفيدتي و كنت متلهفا للقائها .
و افتر ثغره عن ابتسامه خبيثه و قد أدرك ان كلماته وقعت على نيكوس وقع الصاعقة
- انها حفيدتي نيكوس من تراك ظننتها ؟
شعر نيكوس بالارض تتزلزل تحت قدميه فسأله و كأنه يريد التأكد مما سمعه : أهذه هي حفيدتك؟
أطلق يورغوس ضحكة رنانة لان خدعته نجحت بامتياز فمنذ راى اندريا خطر له ان ينصب لنيكوس فخا بان يحعله يعتقدها قبيحة المنظر .
التفت العجوز قائلا : تعالي
سارت اندريا نحوهما وهي لم تعد ترى الا تلك العينين الفولاذيتين اللتين أسرتاها بشدة حتى أصبحت عاجزة عن ابعاد عينيها عنهما .
- أقدم لك حفيدتي .
راح نيكوس يحدق بها مدهوشا ..يالجمالها أهي حقا حفيدة العجوز سحب نفسا طويلا و قد تنبه لوقوعه بخدعة العجوز التي أبهجته فصاحبة الشعر الناري لم تعد محظورة عليه بل ستصبح ملكا له وحده .
لاحظت اندريا ان ابتسامة مشرقة أضاءت وجه الشاب فتسارعت الحرارة بشرايينها و هو يأخذ يدها ليرفعها الى فمه ما ان لامست شفتاه يدها برقة حتى راح قلبها يخفق بشدة حتى صعب عليها التنفس رفع نيكوس راسه مبتسما و قال لها بصوت أبح : أدعى نيكوس فاسيليس .
- اسمي اندريا .
- اندريا تسرني رؤيتك .
ثم أطبق اصابعه علي يدها بشدة و التفت لمضيفه قائلا : كم انت محتال يورغوس لكن دعابتك كانت تستحق العناء هذه المرة .
قطبت اندريا جبينها و هي عاجزة عن فهم ما يدور بينهما و لكن نيكوس نظر اليها مجددا :
- دعيني ارافقك الى قاعة الطعام .
جاء صوته حنونا و تركته يقودها الى القاعة و كانها تسبح في حلم جميل .
من تراه نيكوس فاسيليس الذي يغمرها بلطفه و يسحب لها كرسيا لتجلس على طاولة الطعام ؟ أرادت ان ترمقه و تبتسم لها شاكرة لكن الخجل منعها و اكتفت بكلمة : شكرا
جلس نيكوس قبالتها و الاحساس بالارتياح يغمرها فعروسه بغاية الجمال و هو فخورا بها جدا صحيح انه لم يكن سيسئ لها لو كانت قبيحة لكن العيش بجانب صاحبة الشعر الناري سيطيب له حتما .
نظر اليها بطرف عينيه و اذا بها تحدق بالطبق امامها و خداها متوردان حياء غير ان صورتها على الشرفة وهي تحاول اغرائه بنظراته المثيره جعلته يستغرب لكنه ما فطن الى ان تعابيره المشمئزة حينها لا بد اثارت حفيظتها فتصرفت بتلك الطريقة بدت الفتاة انكليزية المظهر و اللهجة فالتفت نحو مضيفه : لم تقل ان حفيدتك تحمل دما انكليزيا .
و لاحظ على الفور ان الفتاة رفعت رأسها كانها تحاول فهم ما يقوله أجابه العجوز : أردت ان أفاجئك .
- مفاجئة أخرى .
و حول نظره نحو اندريا و سألها باليونانية :
- هل تقيمين مع والدتك في انكلترا ؟
فتحت اندريا فمها لترد لكن جدها سبقها و رد بالانكليزية : انها لا تتكلم اليونانية .
- كيف ذلك ؟
- ارادت والدتها ان تربيها على طريقتها الخاصة .
رفعت عينيها الى جدها فتشابكت نظراتهما نظرات ملؤها العزم و الوعيد أحست اندريا بقشعريرة اتراه سيروى لضيفه قصة غير صحيحة عن ظروف نشأتها .رغم عنها التزمت الصمت .
لاحظ نيكوس ومضة التمرد في عينيها لا بد ان امها متسلطة لتحرمها من لغتها الأم ثم راح يتأملها متسليا و هي تتناول طعامها بشهية واضحة لكم ود ان يسال جدها ان كانت على غرار الفتيات الانكليزيات و لم تحافظ على عذريتها وفقا للتقاليد اليونانية الا انه لن يفعل لانه مصمم على الزواج بها مهما يكن حتى يضع يده على شركات جدها .
انشغلت اندريا بتناول الطعام الشهي و نسيت امر الرجل الجالس امامها حتى عاد يسألها :
- اين تقيمين في انكلترا ؟
- في لندن
- انها مدينتي المفضلة لا اظنك تعرفين الملل بها .
- هذا صحيح .
انها لا تعرف الملل لانها تشغل وظيفتين لتسديد ديون والدتها .
- ما هو الملهى الليلي المفضل لديك ؟
- لا احب الملاهي الليلية .
- ما الذي تحبينه اذن ؟
- احب المسرح .
انها دائما تحب المسرح لكنها لم تكن تدلل نفسها بدخوله لان تذاكره غالية تابعت :
- أحب مسرحبات شكسبير .
قال العجوز بفظاظة : لا يحب الرجال النساء اللواتي يدعين الثقافة .
ردت اندريا : اظن مسرحيات شكسبير شعبية على الرغم من تعذر البعض على فهمها .
- كفاك تفوها بالحماقات و ان لم يكن لديك شيء مفيد تقولينه الزمي الصمت فالرجل لا يحب المرأة المدعية .
لم تصد ق اندريا اذنيها و هي تسمع جدها ينتقدها ووجدت نفسها ترمق نيكوس اتراه يشاركه رايه غير انها شعرت بالارتياح حين بدت بعينيه نظرات عاتبة فقال مخففا عنها متجاهلا الاستهجان على وجه جدها : ما هي مسرحيتك المفضلة ؟
- ( ضجة من أجل شيء تافه ) فقد احببت الصراع الكلامي بين البطلين فالبطاة لا تتوانى عن رد الصاع صاعين للبطل كلما وجه لها انتقادا قاسيا .
توتر نيكوس و هو يصغي لعروسه تدافع عن بطلة تجيد الجدال الكلامي و تمنى لو كانت يونانية الطباع .
لاحظت اندريا تعبير الاستنكار على وجهه فادركت ان خيارها لم يرق له لكنها لا تكترث له اة لجدها .
أنهى العجوز طعامه : سنتناول القهوة في الشرفة بعد ان اطلع على آخر التطورات في الأسواق المالية الأمريكية نيكوس انضم الى بعد 20 دقيقة.
ثم غادر الغرفة
قال نيكوس لها : لم يفقد حبه للسيطرة على الرغم من تقدمه بالسن .
- اظنه يملك ما يكفي ليبقى كذلك .
- من السهل عليك ان تقولي ذلك و انت تعيشين بترف منذ صغرك .
حدقت به مدهوشه و لم تعلق على كلامه اقترب نيكوس منها و امسك يديها : هيا بنا نستغل العشرين دقيقة .
رافقته اندريا دون اعتراض فرفقته تروق له اكثر من جدها فاصطحبها الى الشرفة .
كان الظلام يلف المكان و ضجيج الحشرات يلف المكان فسألته :
- ما هذا الصوت ؟
- انها الزيزان تشبه الجنادب اظنك سمعه من قبل .
هزت راسها نفيا و ذهنها شارد انها تذكر والدتها تقول انه لطالما تنزهت و يدها بيد الرجل الذي احبته و ضجيج الزيزان من حولهما .
سالها نيكوس و اصابعه تداعب كتفها : ما الذي تفكرين فيه ؟
- أفكر بشخص احبه .
تنبهت انه لم تقابله الا اليوم عليها الا تسمح له ان يلمسها هكذا فحاولت ان تبتعد عنه لكنها لم تفلح
عاد يسالها منفعلا : أهو رجل .
- نعم .
- اندرياس .
سالها متوترا : من هو ؟
- اندرياس كوستاكيس والدي .
- والدك و لكن هل عرفته ؟
- كلا لكن والدتي حدثتني عنه .
- ما الذي قالته لك ؟
- اخبرتني انهما احبا بعضهما حبا جما و لم يبخل عليها بشيء ثم مات والدي و انتهى الحلم .
توقفت فجأة عن الكلام و قد اغرورقت عينيها بالدموع فلم تشعر به و هو يضمها بين ذراعيه و يضع راسها على صدره معزيا لم تستطع الابتعاد عنه لانه عاملها برقة و اغدق عليها حنانه .
- آسفة أظن وجودي في المنزل الذي تربى به اثار الذكريات .
حاولت الابتعاد الا انه امسك بها قريبة منه .
- لا تخجلي من البكاء عليه فهو يستحق دموعك هذه .
كانت عينيها تدمع و فمها المثيرة ترتجف فلم يستطع ان يمنع نفسه من معانقتها .
عانقها بعاطفة محمومة كادت ان تفقدها صوابها . فلفت اندريا ذراعيها حول عنقه تشجعه على احتضانها أكثر شعرت كانها تفقد السيطرة على نفسها فجأة ابتعدت عنه مصعوقة و قالت : لا
لكنه لم يفلتها فعادت تهمس قائلة : لا
حاولت دفعه بعيدا عنها فاستجاب على الفور لرغبتها مطلقا سراحها رغم ان كل خلية في جسمه تتوق اليها لاول مرة في حياته يطغى عليه حب الامتلاك فلم يشعر هكذا مع ايسم او اكزانتي لكن ان خيل اليه للحظة ان اندريا كوستاكيس تفكر برجل غيره لجن جنونه .
تنبه الى انه انجرف بمشاعره بعيدا لكنه خشى ان ينفرها منه فقال برقة :
- لا تخافي يا اندريا ...و اعذريني لانني اردت ان استعجل الأمور ....فمن الصعب مقاومة جمالك .
ارتجفت اندريا و هي تسمع كلامه أيفتن بها و لم يمض على تعارفهما سوى ساعات قليلة ؟
- لا تنظري الى بهذه الطريقة لن المسك ثانيا الا ان طلبت مني ذلك .
و تراجع قليلا الى الخلف : تعالي معي ...علينا ان نتحدث في امور كثيرة .
و أمسك بيدها و قادها الى ركن أخر بالشرفة سألته و هي تتساءل عما سيتكلمان عنه و الحيرة تتآكلها : لم علينا ان نتحدث سويا ؟
التفت نحوها فسحرتها اهدابه الطويلة و فاتها ان تسمع رده فعادت تسأله و قد شعرت بتقلص في صدرها :
- ما الذي قلته ؟
ابتسم لها ابتسامة عريضة و قال :
- قلت يا عروسي الجميلة ان علينا التحدث بشأن حفل الزفاف .
فأحست بقلبها يتوقف عن الخفقان .
منتديات ليلاس