11- أغلى من الذهب
- أين تفضلين الاقامة يا أمي ؟ في المناطق الساحلية ام الجبلية ؟
لم تغب نبرة الابتهاج من صوت اندريا منذ عودتها الى المنزل قبل اسبوعين حاملة معها اخبارا طيبة عن جدها لقد اعطاها الأخير المال لتسديد ديونهما و الانتقال الى اسبانيا لكن على الرغم من قيامها بلعب دور الفتاة السعيدة لاحظت اندريا قلق امها عليها صحيح انها كادت تطير من الفرح حين علمت بسداد ديونها و ابدت اعجابها الشديد بمشية اندريا الجديدة التي تدل على ثقة أكبر الا ان شيئا ما كان يشغل بالها .
دخلت اندريا الى المطبخ لتعد العشاء لهما و راحت تتحدث مع والدتها عن اسبانيا و في تلك اللحظة سمعتا طرق قوي على الباب .
منتديات ليلاس
- لا بأس يا أمي سيرحلون بعد قليل .
اذ غالبا ما يقصد صبية الحي الشاكسون المنازل بقصد التسول و كم كانت سعيدة لانهما سيغادران المكان قريبا .
عاد الطرق على الباب اكثر الحاحا
- حسنا طفح الكيل
و أسرعت اندريا تفتح الباب تريد ان تتعارك مع أولئك المشاكسين غير انها شاهدت من خلف الزجاج شخصا طويل القامة .
فتحت الباب و اذ بها تقف مشلولة تحت نظرات العينين الثاقبتين المسلطتين عليها ...
دخل نيكوس من الباب و قال لها بحدة : اياك ان تهجرينني ثانية !
بقيت جامدة في مكانها ثم قالت متلعثمة : ك....كيف؟
- تعذبت كثيرا للعثور عليك .
و جال بنظره في الرواق الضيق الذي تفوح منه رائحة العفن :
- لم اتصور انك تختبئين في هذا الجحر لمن هذا المنزل القذر ؟
- انه منزلي ياسيد ..
اطلت كيم من باب المطبخ مستغربة .
- نيكوس فاسيليس اتيت باحثا عن اندريا .
- لن اذهب معك .
سالت كيم : ما الذي يجري ؟
- لا شيء أبدا أظن ان السيد فاسيليس ارتكب خطأ و سيغادر فورا من دوني .
- انك مخطئة أحضري امتعتك و تعالي معي و لا تنسي جواز سفرك .
- لن ارحل من هنا !
- ستعودين الى اثينا فرحيلك المفاجيء اغضب جدك و شعر انك خدعته و اصر على ان تعودي الى اثينا و تتمي واجباتك و الا اوقف عملية الدمج .
شعرت بغصة بحلقها فسألته بحدة : اهذا كل ما يهمك ؟
- تعلمين أن ثمة أمورا أخرى تهمني بعد عودتك الى اليونان لاتمام واجباتك سنتباحث في الموضوع .
أثارت كلماته سيلا من الذكريات فاشتعلت بعينيها شعلة غريبة لمحها نيكوس و ابتسم ابتسامة مقتضبة ثم تابع يقول :
- أتعلمين شيئا ؟ أنا أيضا شعرت انني مخدوع عند رحيلك !
بدت نبرة صوته مشوبةبالغضب الا انها حملت بطياتها شيئا من الحزن .
التفت نيكوس نحو كيم : اريد التحدث مع اندريا لوحدنا .
- ليس لدي ما أقوله لك .
- أنا لدي أشياء كثيرة اقولها لك يا حبيبتي .
تحركت بداخلها مشاعر غريبة و هي تسمعه يناديها حبيبتي مشاعر لم تلبث ان خمدت اذ احاطتها كيم بذراعها قائلة :
- لا ترغب ابنتي بالتحدث اليك سيد فاسيليس .
شهق نيكوس مذهولا كانه لا يصدق اذنيه : هذه المرأة والدتك ؟
- نعم انا والدة اندريا ارجو ان تشرح ماذا يحدث هنا ؟
- سيدة كوستاكيس
هزت كيم راسها : ادعى كيم فرايزر فانا و اندرياس لم نتزوج قط .
اتسعت عينا نيكوس دهشة .
- أترى انني لست المرأة التي تخالها ؟ انظر حولك هل أبدو كوريثة كوستاكيس ؟
- غير معقول ! أهذا هو منزلك ؟
- أجل
- لماذا ؟
- لان والدتي لا تستطيع ان تؤمن منزلا أفضل من حسن الحظ ان المجلس البلدي وافق على اعطائنا هذه الشقة لاسيم انها كانت ام عزباء و بعد دخولي المدرسة وجدت عمل بشكل جزئي لكن راتبها لم يكفي لشراء منزل آخر .
- ماذا عن جدك ؟
- رفض جدي اعطائنا المال مدعيا انه لا حق لها المطالبة بارث والدي .
- اتقصدين ان جدك لا يعيلك ؟
- أجل قلت لك انني لا انتمي لآل كوستاكيس !
قاطعت كيم حديثهما : ماذا عن المال اندريا ؟ قلت لي ان جدك اعطاك اياه بملء ارادته لكن ان كنت لجأت الى ابتزازه عليك اعادته بالحال !
- لا المال لنا علينا ان نشتري منزلا في اسبانيا و نسدد ديونك .
- ديونها .
- أجل سيد فاسيليس فعندما كانت اندريا في سن المراهقة تعرضت لحادث مروع و تطلب علاجها مبالغ هائلة فاقترضت المال و لا نزال نسدد هذه الديون و اندريا تشغل وظيفتين و تدخر كل قرش للتخفيف من عبء هذه الديون .
أحس نيكوس بالأرض تزلزل تحت قدميه لكنه تمالك اعصابه و سالها : الم تطلبي العون من يورغوس كوستاكيس ؟
ضحكت اندريا ساخرة : طبعا فعلت ارسلت له تقارير الاطباء التي تثبت خطورة حالتي و وعدته ان ارد كل قرش يدفعه حالما تتمكن من ذلك لكنه رفض و هددها بالملاحقة القضائية ان اتصلت به مرة أخرى .
التقطت انفاسها و تابعت : لن اعيد المال اليه مهما حاولت والدتي لقد سددت ديونها و ساشتري لها شقة في اسبانيا .
- كم دفع لك كوستاكيس ؟
- 500000 باوند اعرف انه مبلغ كبير لكني بحاجة اليه .
-اتعلمين كم تساوي ثروة جدك ؟ ثقي ان النصف مليون باوند يعتبر مبلغا ضئيلا بالنسبة الى ثروته .
- قلما تهمني ثروته لقد اساء الى والدتي و انا احقد عليه بسبب ذلك و لا اريد ماله القذر الا خمسمئة الف باوند لشراء منزل في اسباني لتعيش حياة خالية من الهموم .
لم يكن نيكوس يصغي لها بل راح يجول بنظره في الشقة و الاشمئزاز بدا على وجهه انفطر قلبها
خرقت كيم الصمت : يبدو ان وقع الصدمة كان قويا عليك سيدفاسيليس لكن هلا سمحت لي ان اسالك عن الهدف من زيارتك لنا ؟
-أظن الهدف من زيارتي قد تغير .
شعرت اندريا بالتوتر لقد جاء ليعيدها معه و لكن هاهو قد بدل رأيه حول نيكوس عينيه عليه فحبست انفاسها منذ عودتها و هي تقنع نفسها انها لن تراه مرة ثانية سحبت نفسا عميقا و قالت له : اسمع يا نيكوس انني في غاية الاسف لم اكن اعلم ان رحيلي سيعرض عملية الدمج للخطر .
اجابها بتجهم : لن تتم عملية الدمج .
حتما فالمرأة التي تزوجها ليست حفيدة كوستاكيس بل امرة لا تنتمي الى عالمه الراقي بل ولدت في حي شعبي و ترعرت فيه .
- كان علي ان اصارحك بالحقيقة .
- أجل .
- آسفة .
- حقا و أنا أيضا .
وقف نيكوس قرب النافذة يفكر برحلته الطويلة في الحياة رحلة جمع فيها اموالا طائلة وحقق نجاحات هائلة آخرها شركات كوستاكيس لكنه يافع السن و مال يورغوس كله لا يكفي لشرائه دس يده في جيبه و أخرج هاتفه النقال ثم تحدث الى أحدهم : انا نيكوس فاسيليس اريد ترك رسالة للسيد كوستاكيس قل له انني في منزل كيم فرايزر و ابنتها و يمكنه اعتبار اتفاقنا ملغى .
ثم أقفل الخط و قال بحدة : سأجعله يدفع ثمن ما فعله لكما اعلم انه قاسي القلب لكن معاملته لكما لا تغتفر .
لم تقو اندريا على فتح فمها و وقفت تحدق به و هي لا تكاد تصدق ما تسمعه .
- كيف ترككما تواجهان مصاعب الحياة بمفردكما رباه أي نوع من البشر هو ؟
و التقط هاتفه من جديد : ديمتريوس ؟ اريدك ان تعد بيانا صحفيا للاعلان عن الغاء عملية الدمج نعم سمعتني ..سأوضح الأسباب قريبا للعالم أجمع سأتصل بأعضاء مجلس الادارة .
قالت له كيم : ارجوك سيد فاسيليس انني لا أفهم شيئا .
- قررت يا
سيدتي ان اتخلى عن شركات فاسيليس لانني ارفض ان اتعامل مع رجل حول حياتكما الى جحيم .
اجابته اندريا متلعثمة : لكن دمج الشركتين يعني لك الكثير .
- ألا تعلمين يا حبيبتي ان هناك شيئا آخر يهمني اكثر من ذلك ؟
و مد يده يعبث بشعرها : عندما علمت برحيلك شعرت و كانك طعنتني في الصميم و تركتني انزف حتى الموت .
تسللت انامله بخفة الى وجنتيها و عنقها فتسارعت نبضات قلبها .
- عودي الى حبيبتي عودي الي .
شعرت بالدماء الحارة تغزو شرايينها و لكنها بذلت جهدا لتحافظ على هدوئها .
- لقد تمت عملية الدمج و لم تعد بحاجة الي .
ابتسم لها برقة فأخذ قلبها يتخبط بين ضلوعها :
- و لكن من دونك حياتي جحيم الا تعلمين ذلك ؟
اريدك الى جانبي كل لحظة من حياتي .
نظرت اليه مستغربة و قد أحست بالدموع تسد حلقها .
- و لكن ..لا أفهم سبب حاجتك الي ؟
- ألم أثبت لك ذلك خلال رحلة شهر العسل في كريت .
- تثبت لي ماذا ؟
- أنني أحبك ..بجنون .
- تحبني ؟
- طبعا ..
بدت نبرة صوته خالية من أي شك .
- و ما هو برأيك سبب جروح قلبي الدامية ؟ و هذه الدموع اللؤلؤية في مقلتيك ؟
- و لكنك لا تحبني ..مستحيل ..تزوجتني لتستولي على شركات كوستاكيس فحسب ..
شهقت كيم مذهولة لكنهما لم يعيراها اهتماما .
- بل زواجنا هو أفضل شيء حصلت عليه من عملية الدمج الملعونه تلك ! فمنذ ان عقدت العزم على الزواج بك أقسمت على ان اكون زوجا طيبا و مخلصا و عندما علمت برحيلك عذبني ألم فراقك عذابا شديدا و ادركت حينها ان حبي لك يفوق كل تصور ...انا أحبك ..أحبك ..بجنون .
- لا يمكنك ان تحبني ..فكل واحد منا ينتمي الى عالم مختلف .
ادرك نيكوس مغزى الكلمات عينها التي رددتها على مسمعه ليلة زفافهما فقال لها بصوت ناعم : عند عودتك معي الى اثينا ساريك المكان الذي ولدت و ترعرت فيه فانا لم اعرف والدي قط و لم انعم بحنان والدتي لانها لم تكترث لي فقررت ان اصبح ناجحا مهما كان الثمن .
وقفت اندريا تحدق فيه بصمت لأول مرة تراه يخلع عنه القناع الذهبي ليريها وجه الرجل الشجاع الطموح الذي تحول الى انسان مرموق بفضل عزمه و ارادته .
- و لكنني لم اعرف من قبل ان الثروة الحقيقية ليست ذهبا و فضة ان الثروة الحقيقية هي في داخلنا يا اندريا .
نظر اليها نظرة حنونه اذابت اوصالها و تابع : انني احسدك اندريا على والدتك و احسدك على حبك لها لذا اتوسل اليك ان تقبلي حبي و تبادليني هذه المشاعر .
و ضم يديه قرب قلبه : عودي معي اندريا و كوني زوجتي لان حبك يملأ قلبي .
- أجل !
فأخذها بين ذراعيه بشوق محموم و مسح الدموع السخية التي سالت على وجنتيها ثم عانقها عناق من طال انتظاره و أخذته اللهفة ..
التفت نحو كيم التي كانت غارقة بالدموع : أتباركين زواجنا ؟
انعقد لسان كيم لكنها ما لبثت ان صرخت : طبعا ! طبعا !