المنتدى :
التاريخ والاساطير
عقدة الماسادا .... أسطورة اليهود!
عقدة الماسادا
في وجدان معظم الشعوب والجماعات عقدة نفسية رسخت في وجدانهم وتحكمت في أفعالهم جيل وراء جيل ونبعت تلك العقدة من أحداث أليمة عاشوها وشعروا بمرارتها في حلوقهم .
من بين تلك العقد التي رسخت في أذهان وأنفس الشعب اليهودي عقدة الماسادا.والماسادا هو اسم قلعة من قلاع اليهود والتي كانت آخر معقل ومأوى لهم في فلسطين قبل أن يطردهم الرومان منها.في هذه القلعة تحصن الكثير من اليهود ظانين أنها تحميهم من بطش الرومان ولكن بعد حصار طويل ,استطاع الرومان دخول القلعة وهنا لجأ اليهود إلى تلك الخطوة المشهورين بالإقدام عليها عندما يضيع كل شئ ألا وهي الانتحار الجماعي حتى ينجو بأنفسهم من ذل الأسر.
وتحكى أسطورة "الماسادا" اليهودية بالتفصيل- كما تقدم للتلاميذ الإسرائيليين فى الكتب المدرسية - أنه فى عام 66م عند بداية التمرد اليهودى ضد الحكم الرومانى الظالم قامت جماعة من اليهود "الثوار" - تُدعى السيكاريين- بالهروب من القدس والاستيلاء على قلعة الماسادا من الحامية الرومانية. وفى عام 70م انضمت إليهم مجموعة أخرى من "السيكاريين" وأسرهم ممن فروا من القدس قبل سقوطها فى يد جحافل الجيوش الرومانية، وتحصن "السيكاريون" بالقلعة تحت زعامة "إيليعيزر بن يائير".
وعندما علموا بزحف الرومان نحوهم قرروا القتال حتى الرمق الأخير دفاعًا عن قلعة (الماسادا) ضد الجيوش الرومانية التى ضربت حصارًا مميتًا حول هذه القلعة، ولم يستطع أحد الهروب منها.
وكان عدد هؤلاء اليهود "960" شخصًا، بينهم نساء وأطفال، واستمرت هذه الجماعة فى مقاومة الرومان طوال سبعة أعوام ، أى حتى عام 77م، وعندما أيقنت الجماعة اليهودية المقاومة خسارتها لا محالة وعدم قدرتها على الصمود، وأنه لم يبق أمامهم؛ إما أن تلحق بهم هزيمة نكراء على يد الرومان ويقتلوهم شر قتلة، أو يأخذوهم كأسرى حرب، عندئذ عمد جميع أعضائها إلى حرق كل شيء داخل القلعة، ثم الانتحار الجماعى كى يحفظوا كرامتهم، فالموت عند اليهودى أهون من أن يُذل ويُصبح عبدًا - هكذا تقول الأسطورة.
وقبل انتحارهم ألقى فيهم زعيمهم "إيليعيزر بن يائير" خطبته الحماسية العصماء حثهم فيها على الموت الجماعى بدل الاستسلام والسقوط فى مهانة الأسر، وقال فى مطلعها: "لن نكون أبدًا خدمًا للرومان، ولا لأى أحد غيرهم سوى الله نفسه، فهو الحق والعدل، وهو رب البشرية جمعاء". وبحسب شهادات شهود العيان - سجلها يوسيف بن متتياهو - فإن الرجال قتلوا زوجاتهم وأبناءهم، ثم اقترع الرجال ليختاروا عشرة من بينهم ليقتلوا باقى الرجال، وبعد ذلك اختاروا منهم شخصًا يغمد سيفه فى رفاقه التسعة الباقين، حتى وصل الأمر إلى آخر شخص يهودى، فقتل نفسه قبل اجتياح القلعة بالكامل.
ولم يبق من قرابة الألف يهودى الذين كانم بين جدران الماسادا سوى سبعة من الأطفال والنساء (امرأتين وخمسة من الأطفال) اختبأوا فى قناة للمياه. وقدر لهم أن يعيشوا ليسردوا حكاية الماسادا التى ما لبثت أن أصبحت رمزًا لسلوك التضحية والإخلاص بين اليهود.
وقد جاءت قصة "الماسادا" لتلبى حاجة الحركة الصهيونية فى إقناع اليهود بأن أجدادهم قد فضلوا الموت على التخلى عن الأرض وعلى الوقوع فى ذل الأسر، كما أنهم كانوا رمزًا للشجاعة والمقاومة، ويُعد "ميخا يوسيف برديتشفسكى" أبرز من روج لقصة "الماسادا" كنموذج للبسالة فى القتال والإخلاص المتفانى دفاعًا عن الأرض، بينما يعود الفضل لشميريا جوتمان فى انتشار هذه الأسطورة بين الشباب اليهودى فى فلسطين.
ومن الجدير بالذكر أن حكاية "قلعة ماسادا" ظلت أشبه بالحلقة المفقودة فى التاريخ اليهودى لعدة قرون، إلى أن جاءت ترجمة الدكتور "يعقوف نفتالى سمحونى" - الصادرة فى وارسو عام 1923م - لكتاب "حرب اليهود ضد الرومان" للمؤرخ اليهودى "يوسيف بن متتياهو"، ليكون لها دور فاعل فى تذكير الجاليات اليهودية بهذه الأسطورة، ثم تبعتها قصيدة شعرية طويلة بعنوان "ماسادا" للشاعر اليهودى "يتسحاق لمدان"، نُشرت على أجزاء خلال عامى 1923 - 1924م، ثم نشرت كاملة عام 1927م، ووصف لمدان فيها بأسلوب درامى الصعوبات التى يواجهها مهاجرو الهجرة الصهيونية الثالثة من إحساس باليأس والتشتت، وشعور بالدمار النفسى والحيرة، مجسدًا معاناة اليهود المعذبين الذين يعانون من عالم يسيطر عليه الأعداء، مشيرًا إلى أن الماسادا هى رمز لخلاصهم. وقد تحولت الماسادا فى إثر هذه القصيدة إلى رمز لجيل كامل، وأضحت أسطوة مركزية فى الذاكرة اليهودية.
ويُقال: إن قصيدة "لمدان" هى التى ألهمت اليهود أكثر من أى نص آخر أثناء انتفاضة "وارسو" التى اندلعت فى أغسطس من عام 1944م ضد القوات الألمانية. ثم بدأ الإسرائيليون يركزون على هذه الحلقة الضائعة من تاريخهم اليهودى معززين هذا التأكيد بالمكتشفات الأثرية.
وقد اضطر خبراء التاريخ والميثيولوجيا الإسرائيلية لإحياء هذه الأسطورة من جديد عندما أخذت الجيوش الألمانية فى التقدم فى شمال أفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذى أثار مخاوف اليهود فى فلسطين من وصول الألمان إليهم، لذلك شرعوا بالترويج لحكاية قلعة "ماسادا" من جديد لرفع معنويات اليهود ودعوتهم للموت بشجاعة، رافعين شعار "الماسادا لن تسقط ثانية".
وقد استغلتها حركات الشبيبة الصهيونية كمزار لصياغة هوية أعضائها من الصبية اليهود، ونظمت فيها ما يمكن وصفه بأنه عملية غسيل دماغ مروّعة؛ بحيث تدفعهم ليؤمنوا فعلاً بأن الموت أو الانتحار الجماعى هو أفضل من الاستسلام والخضوع للمُحتلين. كما تأسست فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1940م منظمة "ماسادا" للشبيبة الصهيونية، نشط بعض أعضائها فى الاستيطان اليهودى فى فلسطين.
واستخدمت العصابات الصهيونية المسلحة، خاصة قوات البلماح، خلال العقد الرابع من القرن العشرين موقع قلعة "الماسادا" كمركز للتدريب على السلاح، وهى وسيلة صهيونية أخرى لتوظيف أسطورة "الماسادا" فى دعم وتأسيس حركات العنف والإرهاب.
كما تبنت بعض الجماعات الصهيونية المتطرفة فلسفة "السيكاريين" فى إرهاب الآخر، لدرجة أن بعضهم أطلق اسم "السيكاريين" على جماعتهم، ومن أبرزها الخلية اليهودية السرية التى خططت لتفجير المسجد الأقصى فى سبعينيات القرن العشرين.
وقد أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" فى عددها الصادر يوم الجمعة 14/ 5/ 2004م، إلى وجود وحدة قتالية جديدة تدعى "ماسادا" - تأسست فى نهاية عام 2003م - تعمل داخل السجون الإسرائيلية وتهدف إلى قمع المعتقلين الفلسطينيين والعرب فى السجون والمعتقلات الإسرائيلية المختلفة، وتخليص الرهائن من أيدى السجناء، والسيطرة على مجريات الأحداث داخل السجون عند حدوث أى أعمال شغب من قبل السجناء.
وحديثًا جرى تحويل أسطورة الماسادا من رمز لأيدولوجيا قومية مركزية إلى معلم سياحى لتحقيق منافع اقتصادية، فقد أضحت قلعة "الماسادا" تحتل حاليًا المرتبة الثانية كأشهر موقع أثرى سياحى فى إسرائيل بعد الحائط الغربى - حائط المبكى فى المصادر العبرية - للحرم القدسى، بعد أن قام سلاح الهندسة الإسرائيلى بإعادة ترميم القلعة، وفى عام 1971م تم تشغيل قطار هوائى من الجانب الشرقى للجبل، ومنذ عام 2001م أعلنت هيئة اليونيسكو القلعة موقعًا أثريًا ينتمى للتراث العالمى.
ويتضح من كل هذا أن "الماسادا" أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المفردات المركزية المكونة للهوية الفردية والجمعية للأجيال اليهودية، وعنصرًا رئيسًا من الأساطير الصهيونية المؤسسة للكيان الإسرائيلى.
لكل هذا ظهرت الحاجة إلى إنشاء العديد من الماسادا في أي وطن يستعمروه حتى يكون حصنا لهم من الأمميين (غير اليهود)الذين يعتبرونهم أعداء يريدون إبادتهم أينما وجدوا وينتحروا فيه عند اللزوم
وإذا نظرنا نظرة ثاقبة إلى أحداث التاريخ سنرى تأثير هذه العقدة عليهم في كثير من أعمالهم بدءا من حصونهم في بلاد العرب إلى الجيتو الذي عاشوا فيه منعزلين في أوروبا إلى حارة اليهود في مصر وفي أية دولة عربية دخلوها كانت لهم حارة باسمهم إلى خط بارليف الذي كانوا يرون فيه صورة أخرى من صور الماسادا الذي يحتمون فيه من المصريين الذين ينوون استرداد الأرض والكرامة والانتقام للحرمات التي انتهكت.
ومما يعزز هذه الفكرة أيضا هو تصرف اليهود بعد العبور وبعد وقوع الماسادا(خط بارليف) على أيدي المصريين الذي لا يختلف كثيرا عن تصرف أجدادهم حينما اقتحم الرومان قلعة ماسادا فاحتفظت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بالحبوب السامة في حقيبتها ,كما جعل الجيش الإسرائيلي أسلحة المعبد الثالث أو أسلحتهم النووية على أهبة الاستعداد لتدمير القاهرة وتم توزيع الأسلحة على أهالي تل أبيب ليقاتلوا في معركتهم الأخيرة إذا ما دخلها المصريون .
وما يدل أيضا على رسوخ هذه العقدة في وجدانهم هو الاسم الآخر الذي أطلقه اليهود على أسلحتهم الذرية وهو:"قبل أن يضيع كل شئ" ,كما لا يخفى على أحد وجود برامج التفجير الذاتي في مفاعل ديمونة إذا ما دخله المسلمون.
|