أخذت أقفز بعيني اللتينِ أبتا أن يذرفان الدمع من امرأة إلى أخرى ... أتعين قسمات وجوههن .... ومنتدى ليلاس الثقافي أسأل نفسي في نفس الوقت ... هل فقدتن غالياً ؟ .... بتأكيد أنكن لا تشعرن كما أنا أشعر في هذه اللحظة ... كل دموعكن مجرد دموع التماسيح ... فأنتن لا تشعرن مثل ما أشعر من ألم و حرقة ... فأرجوكن أرحلن و دعنٍ لوحدِ مع أحزاني ... أريد أن أكون و حيدة, لم أعد أحتمل نظرة الشفقة التي تخنقانٍ بها... آآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي لماذا تركتني لوحد ِ ؟ أنتِ كنت أمي و أختي و صديقتي , رحلت ِ عني و جعلتني أنا واجهة هذا البيت بعد أن كنت مدللته ... أنا لست مستعدة لكل هذا, أنا لا أزال في الثالثة عشرة من عمري .... لازلت صغيرة على كل هذه الأمور ... إنها أكثر من طاقت ِ ... رحيلكِ ... صاحبة المنزل .... ورعاية أخي الصغير ...... لااااااااااااااااا لا أقدر ...لا أقدر .... منتدى ليلاس الثقافي
:_ ماذا بك قمتِ هكذا؟
:_ أشعر بالعطش, سوف أذهب للمطبخ لأشرب ماءاً .
:_ لا تتأخري, فالنساء يردن أن يعزينك ِ.
هززت رأسي بنعم , مستسلمة و راضخة لأوامرها ...و قلت:
:_ حسنا ً.
أخذت أسحب رجليه سحبا ً, فهم بالكاد يحملان ِ, ها أنا ذا وصلة, أخذت كوباً من على الطاولة, و أخرجت زجاجة الماء من الثلاجة, وسكبت ما فيها في الكوب, و شربة الماء, و ذهني تائه , مشوش , لم أعد الأنا, أصبحت شخصاً آخر, منكسر .... كان رحيلك ِ عنا يا أمي بمثابة صفعة قوية على خدي, شلتني ... شلتني...
عدة أدراجي ناحية الصالة المكتظة بالنساء .... الآتي اكتسين بالأسود... و قبل أن تطأ قدم ِ ِ عتبة الباب ... تناهى إلى مسمعي صوتهن وهن يقلن :
:_ سوف يتزوج صحيح ؟
:_ بتأكيد, فهو بحاجة إلى امرأة تعتني بابنته و ابنه الرضيع, هو لن يستطيع أن يقوم بهذه الأمور لوحده.
:_ أعتقد بأنه سوف يتزوج من ابنة عمه, فهي بمثل سنه, و كبيرة و ناضجة, و كذلك تمتلك الجمال, هي بتأكيد المرشحة الأولى.
اجتاحني الذهول و عدم التصديق ... ماذا يقلن هاتين النسوة؟!!! ... أبي يتزوج من أخرى!!!!!! مستحيل ... مستحيل ... هنا فقدت بصيرت ِ ... و ركضت ناحية تلك النسوة وصرخة عليهن بأعلى صوتي قائلة :
:_ أبي لن يتزوج , أبي لن يتزوج .
منتدى ليلاس الثقافيلم أعد أرى وجههن بوضوح ... باتت الرؤية لديه مشوشة ... ما هذا ؟ أنه الدمع الذي لم أذرفه على رحيل ِ أمي .. ينزل الآن ...
لم أعد أطيق البقاء مع هؤلاء المنافقات ِ... فهربت بعيداً عنهن ناحية ملجأي الوحيد ... الذي كلما شعرة بضيق أو حزن هرعت ناحيته ... دخلت الغرفة وأنفاسي بالكاد ألتقطها .... أقفلت الباب ورائي على عجل ... أريد أن أبقا معها لوحدنا ... فحضنها كفيل بأن ينسيني الهم و الحزن ... ألتفتت ناحية سريرها لأجده خالياً ... تلفت يمنتا ً و يسارا ً لم أجد أثراً لها .... لا بد أنها في الحمام ... ركضت ناحيته .... فتحت الباب بسرعة ... لكنها ليست هنا أيضا ً .... أمي أين أنت ِ ... أنا بحاجة لك ِ ... أين أنت ِ ؟ صرخة بأعلى صوتي .... أمي أين أنت ِ ؟ ...
****
قدمت حلما سمعة الخبر ... دخلة الصالة فوجدتها خاوية من النساء ... فتعجبت ... تسلل إلى مسمعي صوت أحدهم يناديني ... ألتفت ناحية مصدر الصوت ... فوقعت عينيه على امرأة كبيرة في السن, تشير لي بالقدوم ناحيتها و هي تقول:
:_ تعال بني, إنها في غرفتك ترفض الخروج.
بخطى واسعة تقدمة ناحية غرفتنا سابقاً, فوجدت حشوداً من النساء أمام الباب, طلبت منهن المرأة كبيرة السن بأن يبتعدن, فتفرقن , و بات الطريق سالكاً لي... تقدمة ناحية الباب ... حاولت فتحه لكنه كان موصداً... قرعت الباب ... و لم يأتني جواب ... فقلت لها...
:_ صغيرتي أفتحي الباب, هذا أنا أبوك ِ ..
لم يأتني جواب أيضا ً, ألتفت لخلفي, لأجد النساء يلتهمننيِ بأنظارهن التي لم ترحني .... عدت بأنظاري ناحية الباب ... قرعة للمرة الثانية ... وتبعتها بقولي...
:_ صغيرتي ِ, ما الذي جرى ؟
أخيراً سمعت صوتها ... كان صوتاً قد أعياه البكاء ... مبحوح بالكاد يمكن سماعه ...
:_ إذا تزوجت, فأنا لن أعيش معك و لا لثانية واحدة.
صدمة لما دخل طبلتي أذنيه... أتزوج ... ما هذا الكلام...؟!!!!!!!!
:_ صغيرتي, من قال لك ِ بأني سوف أتزوج ؟
بصوت شابه البكاء الممزوج بشهقات قالت:
:_ النساء الآتي في الصالة.
هنا أشتعل الغضب في داخلي ... و نعكس على قسماتِ وجهي .... ألتفتت ناحيتهن ... وبأعلى طبقة من صوتي قلت :
:_ أجننتن بأن تقولن لطفلة صغيرة هذا الكلام, ويوم عزاء أمها التي لم يمر سوى يوم على موتها, أفقدتن عقلكن ؟ !!
أخذت تنظر كلن منهن على الأخرى ... ووجوههن يحرقهن الخجل...
عدت بأنظاري ناحية ذلك الباب الذي يفصل بيني و بين صغيرتي التي بتأكيد الآن تعاني الأمرين لوحدها .... وقلت لها بصوتِ حاني ...
:_ صغيرتي, أنا لن أتزوج أحداً بعد أمك ِ, أتعلمين لماذا, لأن قلبي يسكنه ثلاثة أشخاص, أمك ِ و أنتِ و أخاكِ, و لم يعد قادراً على استضافة أناس ٍ آخرين فيه... ففتحي لي صغيرتي , واجعليني أضم من سكن قلبي إلى حضني. ضللت أنظر إلى ذلك الباب الذي كدت أخرقه بعينيه ... كنت أترقبه ... أنتظر أن يتزحزحَ ... وأضم ملاكي الصغير إلى حضني ... طال الصبر و الانتظار ... مصحوبا ً بالصمت المطبق ِ ... لكن الانتظار لم يذهب هباءاً ً ... و الصمت قتله صوت الباب و هو يفتح... تلاه صوت خطواتِ أحد يركض ... أمسكت بمقبض الباب .... فتحته ببطء ... لأجدها على سريرنا جالسة ... و إلى حضنها غارسة ثوب أمها المفضل ... و عينيها المحمرتان تذرفان الدمع .... أبكى قلبي ما رأيته .... لم أعد قادرا ًعلى رأيتها بهذه الحال... فركضت ناحيتها بسرعة البرق ... و أحطتها بذراعيه .. و جعلتها تزور حضني لعلها تلتمس بعضاً من الحنان و الآمان الذي افتقدته مع رحيلك ِ يا حبي ....
تمتــــــــــــــــــــــــــــــــ ...