المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
خالد اسماعيل , العباية السودا , 2003
يقدم خالد اسماعيل في أحدث رواياته 'العباية السودا' الصادرة عن دار ميريت صورة حية لنموذج المثقف الذي يحمل عشرات المتناقضات والذي تجبره الحياة علي هجر ما يؤمن به. باختصار تسقطه الحياة في دوامة تفاصيلها، وبدلا من ان يصمد هذا الشاب القادم من القرية في وجه المدينة* هذا الشاب الذي تعرض لمحاولة تجنيد في تنظيم يساري* تبتلعه المدينة (القاهرة والاسكندرية) في مستنقع التعاملات الرأسمالية الضاغطة والخانقة!
خالد اسماعيل من مواليد احدي قري سوهاج، وقد أصدر قبل هذه الرواية مجموعتين قصصيتين: 'درب النصاري' و'غرب النيل' وروايتين: 'عقد الحزون' و'كحل حجر'.. وهنا حوار معه ينطلق من مناقشة روايته الجديدة لكنه يتعرض أيضا لآرائه في مختلف تفاصيل الحياة الثقافية..
رابط جديد
4shared.com - document sharing - download ط§ظ„ط¹ط¨ط§ظٹط© ط§ظ„ط³ظˆط¯ط§ط،.pdf
أعتبر أن 'العباية السودا' رواية مدينة، لكن عدم تخلصك من الحنين إلي القرية أسهم في التشويش علي بنائها وحول الرواية الي جزءين أو عملين بشكل أدق، عمل يستغرق الصفحات الثماني والعشرين الأولي وآخر يستغرق الصفحات المتبقية.. وفي رأيي لا يكفي التحجج بوجود 'عدلية' أخت الراوي 'عباس كيلاني' للربط بين العملين والقول انهما يشكلان رواية واحدة!
.عباس كيلاني واخته عدلية نموذجان لاثنين ينتميان إلي أبناء الشريحة الدنيا من 'مساتير الناس' وتجربتهما في الحياة تدلل علي أن هناك مجتمعين منفصلين ظاهريا. فعدلية بنت الأسرة الأرقي أو الأكثر احتراما في إحدي القري الصعيدية أجبرتها الظروف علي الزواج من برعي هلال المسلوب، وكلمة المسلوب تثير دلالة عرقية متدنية يعرفها أهل الصعيد وقد كان زواجها هذا أول ملامح الانهيار الاجتماعي..
علي الجانب الآخر سافر عباس شقيقها الي المدينة والتحق بعمل راق ليفاجأ أن تصوراته عن الحياة ليست صحيحة، فهناك انهيار في شريحة المهنيين..
إذن كان الهدف الفني التقاط أو تصوير أو رصد ملامح الانهيار في تجليين، السياق الريفي ومثيله الحضري، ويمكنك أن تقول إن الثماني والعشرين صفحة الأولي هي الإطار الاجتماعي والنفسي الذي شكل رؤية، ووجدان عباس، وهذا مفتاح للقاريء حيث سيصبح متاحا له معرفة أين نشأ؟! ووضعه الاجتماعي؟! بالاضافة إلي التجربة التي خاضها في فترة الثانوية العامة حينما حاول أحدهم أن يجنده في تنظيم يساري!
الهدف كان تسليط الضوء علي ما كان يصبو إليه عباس حتي نفهم الانهيار الذي وصل إليه. كان لديه تصور عن المجتمعات الاشتراكية، أحلام صورها له أحدهم وحينما بدأ يتعامل مع الحياة ستجد أن ممارساته الفعلية ستجبره علي التعامل مع الرأسمالية (وهذا قمة التناقض) فهو يقترض من البنك، ويدخل في معاملة ربوية، يرضي علي نفسه بأن يوقع علي عقد باستلام أجهزة كهربائية تبلغ قيمتها ستة آلاف ثم يقبض ألفا فقط..
علي جانب آخر تنازل عن حلمه في الزواج من مدنية جميلة، وارتضي بالارتباط من نصف متعلمة لدي والدها كتاب 'القبر ونعيمة' وأسرتها تثور ضده لمجرد أنه أرسل إليها كتابا جنسيا!
كان ثمة إحساس لديٌ بفتور العلاقة بين الراوي وأخته، وظلت مقصورة علي حدود 'الواجب' وهو ما يؤكد كلامي بأن الجزء الأول من الراويةمنفصل عن الثاني!
*هذه طبيعة أمثالنا، نحن لانقطع علاقتنا بأهلنا تماما، كما أننا لا نأخذ بكل ما يريدونه، تظل العلاقة قائمة علي منظومة الواجب. عباس لم يرسم مصير أخته، تزوجت بدون إرادته، ولم يكن مشغولا بها، بل بحلمه الفردي وحينما سقطت في دوامة الإصابة بمرض السرطان وماتت كان من الطبيعي أن يذهب إليها. هذا هو وضعنا الاجتماعي.. نحن هنا مشغولون بأحلامنا وحينما نسمع صوت النداء فلابد من تلبيته، تماما مثلما فعل عباس الذي لم يتخل عن منظومة القرابة!
عباس كيلاني دليل علي سقطة المثقف المليء بالمتناقضات، فهو المسكون بأحلام الاشتراكية في وقت تؤكد أفعاله أنه ضد أحلامه، هذه الأفعال التي تحركها أحكام قيمة متدنية خاصة تجاه المرأة!
*عندما بدأت الشيوعية في مصر انخرط في تنظيماتها أفنديات المدن وبعض العمال وقلة قليلة من فلاحي الدلتا.. وكان التصوٌر الستاليني هو الذي يحكم تفكير هذه التنظيمات في جميع مراحلها، حتي أن الانقسامية ظلت مرضا يلاحقها في أغلب حالاتها ولم يستطع أغلب هؤلاء تطويع النظرية الماركسية لقراءة وفهم الواقع المصري، لأسباب عديدة منها: غياب المعلومات عن الفلاحين والعمال، وافتقاد هؤلاء الأفنديات إلي لغة الخطاب الذي يسمح لهم بالتواصل مع الجماهير المستهدفة، وبالتالي فإن نموذج عباس يحمل هذا التناقض بين النشأة الاجتماعية المحافظة والمتخلفة والمتدنية وبين النظرية التي يتبناها!
وتراجع اليسار يؤكده أيضا وجود شخصية الشاعر معتصم الفولي الشيوعي الذي كفر بما كان يؤمن به!
*هذا صحيح، هناك شريحة أخري غير شريحة عباس ينتمي إليها معتصم الفولي الذي كان والده من فقراء عائلة شبه اقطاعية ،مجانية التعليم سمحت لمعتصم بالالتحاق بالجامعة وكتابة الشعر، ولأنه ابن رجل فقير وغير قادر علي امتلاك زمام الأمور فقد قرر الهروب الي الاسكندرية ليعيش حياة من العربدة تدل علي إحباطه، أصبح كافرا بما كان يؤمن به، وضرب قيمه فقد مارس الجنس مع أم تلميذ له. تحول إذن إلي شخص عدمي!!
يتطلع معظم الروائيين الجدد إلي كتابة تتخلص من الأيديولوجيا، وغير مرهقة بأية حمولات، وهذا ما يجعل كتابتك كلاسيكية بمعايير هؤلاء الجدد!
*هذا الكلام أنا ضده تماما..هل تسمح بالتعددية؟!
قطعا..
*حسب مفهومي للكتابة فإن لها دورا اجتماعيا، فأنا لا أعيش في صندوق زجاجي، لها دور في كشف كل المنظومات والقوانين التي تسلب الإنسان حريته. التصور الذي طرحته في سؤالك يناسب مجتمعات أوروبا وأمريكا التي قطعت أشواطا من التقدم. كيف أطبق إذن نموذجا أوروبيا أو امريكيا علي مجتمع متخلف؟! ربما وصل كونديرا إلي أشكال كتابته بعد مكابدات معينة ليس من الضروري أن نمر بها نحن..
حتي مع وجود السياسي في النص عليه أن يتواري تماما.. السياسة عموما تجعل الكاتب مهموما برؤيته لابتفاصيله الفنية، وهذا ما أدي إلي أن يصبح الحدث في 'العباية السودا' أقوي من هذه التفاصيل!
*هناك فارق بين الخطابة السياسية وبين أن تكون واعيا بحركة مجتمعك.. لابد أن يكون لديك تصور متكامل تري به مجتمعك.. في الحالة الأولي لن يصبح فنا، أنا لم أكتب رواية في تمجيد الشيوعية، لم أضع بيانا سياسيا، لكني أريد فقط معرفة أعراض الانهيار، كانت لنا أحلام وانهارت.. لماذا؟!
ثم ان هناك خلطا في مفهوم الأيديولوجي، هو يشير إلي مجموعة الأفكار التي تحدد نظرتك للعالم، أصبح استخدام المفهوم مغلوطا، ليس بالضرورة أن نستخدمه فقط في السياسة، ولكن علينا أن نستخدمه في إظهار الصحيح من الخاطيء.
علي ذكر موقف الراوي من المرأة كيف تنظر إلي الإبداع النسوي في مصر؟!
*قرأت رواية 'دارية' لسحر الموجي، وأعجبتني لأنها تمتلك إحساسا عاليا باللغة، ولم تقع في مأزق اللطم والندب، ثمة سعادة أنثوية بالذات لكن ثمة أيضا نقمة علي المجتمع الذي يظلم الذكر والأنثي في وقت واحد. في هذه الرواية تشعر بأن هناك وعيا عاليا بالفن التشكيلي والشعر.. وهذا الكلام ينطبق علي كتابات نجوي شعبان مع اختلاف هو أنها تنشغل بالهموم العامة مثل قضية الأقليات، ومنها 'الأرمن' وهذا جيد، وكذلك أعجبتني مجموعة 'ضوء مهتز' لمنصورة عز الدين وبعض القصص المتفرقة لمنال السيد، وأشكر أسماء هاشم المشغولة بقضية التناقض العرقي في منطقتها أسوان.. هذا أمر يحسب لها رغم كل شيء.. وبأمانة شديدة هناك بعض الكاتبات لم أستطع إكمال أعمالهن إطلاقا!
بعد صدور مجموعتك الأولي 'درب النصاري' تحدث كثيرون عن كاتب هام سيظهر والآن يقولون إن خالد إسماعيل لم يقدم ما يدل علي ذلك في الفترة اللاحقة؟!
*وربما لن يظهر.. الحكم علي الأدب مسألة نسبية، الذين توقعوا ظهوري أشكرهم، ومن يراهنون عليٌ أشكرهم، أنا أكتب وكفي!
كثرة أعمالك ألا تعطي إحساسا بتعجلك الظهور والنشر؟!
*نجيب محفوظ كان يصدر كتابا كل عام. أصدرت كل عامين كتابا خلال عشر سنوات، أعتقد أن هذا رقم عادي ولايدل علي ما ذكرته!
وكيف تري الكتابة الجديدة؟!
*الكتابة الآن هي الكتابة الحقيقية الدالة علي اللحظة التي يعيشها المجتمع، كما أصبح المجال مفتوحا أمام كثيرين للكتابة، هذا لم يكن متاحا سابقا، كانت هناك هيمنة للنقاد علي الكتٌاب، إذا قالوا شيئا ردد الكتٌاب خلفهم 'آمين' باستثناء يحيي حقي. إذن هناك اليوم مساحة حركة، أفلتنا من قبضة الرقابة، ولم يعد هناك نقاد قادرون علي ملاحقة ما يحدث لأسباب عديدة. هذا فتح مجالا أوسع للحركة، كل مبدع يطرح نفسه، قديما لم تكن القراءة متاحة، اليوم انتشرت عمليات الترجمة، وأصبحنا نقرأ لكتٌاب من مختلف أنحاء العالم، أصبحت الرؤي والطموحات أوسع تماما..
قلت عن بعض الروايات الجديدة أنها روايات مدن، وأنت لا تفهمها.. هل من المطلوب أن يكتب جميع الروائيين عن القرية حتي تتم قراءتهم أو فهمهم؟!
*لم يكن هذا قصدي، قلت أنني لا أستطيع تقييمهم، هم يحملون ثقافة مغايرة.. وهذا ليس حكم قيمة، هم مختلفون، يكفي أن تعلم أن أجواء رواية 'الخوف يأكل الروح' لمصطفي ذكري تدور في جاردن سيتي! الأمر الآخر ليس مطلوبا مني أن أشيد بهؤلاء، أحدهم وهو مصطفي ذكري لم يقرأ لي حرفا واحدا، أهديته روايتي 'كحل حجر' التي صدرت منذ سنوات، منذ شهور وقال لي لم أقرأ، ولم أتضايق. لن ألعب معه لعبة النفي المتبادل!
وما الذي أضفته إلي الكتابات التي تتناول القرية؟!
*الإجابة لا أستطيع أن أحددها، أنا أحاول كتابة المنطقة الواقعة بين مدينتي 'أبوتيج' بأسيوط و'البلينا' بسوهاج.. هذا علي مستوي المعرفة أو ثقافة المكان. لا أريد كتابة الصعيد كله، أكون كذابا لو فعلت في ضوء محددات فكرية وتصور عن الكتابة يخصني!
وهل تشعر بأنك مظلوم نقديا؟!
*إطلاقا، فقط يحٌز في نفسي أن يتم توزيع الكتابة الجيدة علي نطاق ضيق، بالإضافة الي غياب النقاد القادرين علي نقل هذه الكتابة الي المتلقي، لدينا أقسام لغة عربية بالجامعات تعمل في منطقة ونحن في منطقة أخري، كما أن الكتب الرديئة تحظي بحماية وزارة الثقافة!!
ومتي ستكتب بشكل مباشر عن المدينة؟!
*أنا أكتب تحت نظرية هيمنجوي 'اكتب ما تعرف'، أنا شخص يعيش علي هامش المدينة، يسكن في العمرانية، ليست لديه موضوعات تدعوه للاشتباك مع المدينة، أعمل في مهنة تتطلب الجلوس 'ديسك'، بالتالي ليس لي موضوع معها سوي المرافق العامة.. ربما سيحدث تقاطع بيننا في المستقبل.. من يدري؟!
أخيرا كيف ترصد أحوال الحياة الثقافية عموما؟!
* هناك ضوضاء ثقافية مسئول عنها فاروق حسني، أنا ضد وزارة الثقافة، ضد تصور فاروق حسني للوزارة، نحن ننتمي الي العالم الثالث، والكلام النظري يقول، علينا ان نركز جهودنا في التنمية، ولكن ما يحدث مجرد ضوضاء. وقد تقدمت لجائزة الدولة التشجيعية التي لم تعلن بعد بمجموعتي 'غرب النيل' تحت ضغوط من أصدقاء. حينما تواجههم بمشاكل الجائزة يقول لك الموظفون: 'أنتم لاتقدمون لهذه الجوائز فيحصل عليها آخرون'. الأمر الآخر تشجعت للتقديم بعد ان ترك إدوار الخراط لجنة القصة. ورغم انني تقدمت الي هذه الجائزة كما اقول لك إلا انني لم ولن اتوقف عن مهاجمة فاروق حسني.. لقد حالت السياسات الثقافية السائدة بيننا وبين القاعدة الأعلي من التعليم، الإعلام والتعليم يتحركان في اتجاه مضاد لنا، يشكلان ما يشبه الذائقة المضادة لاعمالنا، سيطرت المصالح الشخصية في كل شيء يتعلق بمسألة الأدب، ليس هناك ناقد واحد يمسك بعمل لتقييمه الا ويكون مدفوعا بمصالح، من المفترض أن تتم فلترة مجردة ونزيهة تقول للجمهور وتظهر له الإبداع الجيد من الرديء!
تحياتي
التعديل الأخير تم بواسطة علي المولا ; 25-01-09 الساعة 09:43 PM
|