لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-01-09, 08:52 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الخامس

لزواج الغريب ...


بعد مضى خمسة أيام قام ثورنتون , بوصفه الشخص المسئول عن تيسير الأمور في الجزيرة , بإبرام عقد زواج آدم وروبين في قاعة تم إعدادها بصفة مؤقتة في مبنى محطة الرصد . وكانت اللأيام الخمسة التى سبقت الزواج هي أشد الأيام غرابة وتأثيرا في حياة روبين تكشفت فيها الأعماق الدفينة والغير متوقعة لمشاعر العطف الإنسانية , ومنذ البداية أثارت فكرة إقامة حفل زواج في إلزينا خيال كل فرد في الجزيرة , وذلك منذ بدأ ثورنتون ينقب فيما لديه من مراجع للتعرف على الإجراء السليم الذي يتبع في مثل هذه الحالة النادرة حتى وضع آدم الخاتم في أصبع روبين , ورغم أنه لم يتبع في حفل الزواج التقليد المعروف الذي يقضي بأن ترتدي العروس شيئا جديدا وشيئا قديما إلا أن هذا الحفل أصبح له منزلة خاصة لا تمحى من ذاكرة روبين ... بغض النظر عما يحدث في المستقبل ..منتديات ليلاس
وكانت المشكلات التى طرأت تبدو مستعصية إلا أنه تم حلها بمعجزة والمشكلة التى كانت تبدو وكأن حلها ضرب من المستحيل هي مشكلة ملابسها , بل لقد بكت وهي لاتعرف حلا لمشكلة الحذاء , خاصة وقد بلي الخف الذي تلبسه وفقد لمعانه ولونه الأبيض , ولم يكن لديها خاتم زواج أو فستان ولم يبدو أن هناك بصيصا من أمل الحصول على شي من هذه الأشياء الضرورية أو تلك التى لم تكن غير ضرورية ,غير أنها مرغوب فيها في حفلات الزواج ,وعندئذ بدأ أهل الجزيرة يتكاتفون وأخذ كلا منهم يقدم كل ماعنده من قدرة إبداعية حتى أمكن التغلب على هذا التحدي وتمكن أفراد طاقم محطة الرصد بعد ست تجارب من صنع خف رقيق ومناسب لمقاس قدمي روبين وقد غطى الخف بقماش من الحرير الأبيض أخذ من قميص أحد أفراد الطاقم أما هودريك وولف الذي يميل عادة للعزلة ولا يبدي أهتماما أو عطفا نحو أحد فتبرع بخاتم ذهبي وطلب من أصغر أفراد طاقم المحطة الذي يتميز بموهبة دقيقة في أعمال النقش أن يعده ليصبح خاتم زواج روبين ..
وتولى هوارد صنع كعكة العرس وتعون الجميع في جمع الزهور ونباتات الزينة لتجميل الغرفة , وجاءت المفاجأة الخيرة من الرجل الذي يعيش على الشاطئ ...
رأته روبين على الشاطئ مرات عديدة وهو يصلح قاربه وكان في البداية يتجاهل ابتسامتها , ثم أخذ يرد عليها بإيماءة ,وبعد ذلك كان يرد على التحية بمثلها وهو لم يكن ذو مظهر همجي مثلما كانت تظن وتبين لها أن الصورة الذهنية التى أنطبعت له في خيالها وهو بشعر أشعث ولحية غير مهذبة ,هي أبعد ماتكون عن الحقيقة ...
كان غيفون كمبر مديد القامة نظيف المظهر حليق الذقن . رغم انه كان يرتدي ملابس بالية لاتساير الأزياء الحديثة وكشفت قسمات وجهه النحيفة التى تكسوها الكأبة وعيناه السوداوان الغائرتان عن شخص خانه الحظ في حياته , ولكنه علم بالحدث الذي سيقع هذا الأسبوع وقدم مساهمته في صباح اليوم السابق , وكانت عبارة عن مزهرية جميلة توضع وسط المائدة وهي تحفة جميلة أخذت شكل
الزهور ونباتات الزينة ولكنها شكلت كلها من مئات من ثمار البحر التى تم صقلها لتحتفظ على الدوام بألوانها الطبيعية .
وخلال تلك الأيام كانت روبين يكاد يغلبها البكاء الذي كان يتحول عادة إلى ضحكات وهي تتذكر مدى النجاح الذي حققه حفل زواجها وبالتأكيد أنا لابد أن تكون العروس الوحيدة التى أرتدت زيا واقيا من قرص البعوض ,وتم العثور على هذا النسيج بمحض الصدفة فوق رفوف المخزن الموجود في محطة الرصد ولا أحد يذكر مالذي جاء بهذا النسيج الذي لاحاجة لأحد به إلى محطة الرصد ,أهداه لها أفراد طاقم المحطة لتصنع منه ستائر للنوافذ إلا أن آدم أوحى لروبين أن تصنع منه رداء العرس .
كل هذا مر بخاطرها وهي جالسة في حفل العرس وسط الضحكات التى تتعالى من حولها في حين أخذ هوارد يوزع قطع الكعك اللذيذة التى صنعها على المدعوين , وبدا على وجه روبين مسحة من الحزن وهي ترفع كأسها ردا على تحية آدم وسألها آدم إذا كانت تفتقد الشراب والخمار الذي ترتديه العروس فقالت له وهي تغض بصرها :
( طبعا لا ...وفي أي حال فإن الحفل له طابع مختلف . أليس كذلك )
( أهو حقا كذلك , إن هذا يتوقف على ماتقصدينه من معنى بعبارة الطابع المختلف )
قالها آدم بجفاف مما جعلها تقلع عن المضي في تلك المناقشة ,الأيام الخمسة السابقة مرت بسرعة, وكان لدى روبين عمل كثير خلال تلك الأيام معظمه تركز في حياكة الملابس وإصلاحها وهي ذات خبرة ضئيلة بهذه العملية خاصة أن الملابس كلها مخصصة للرجال وفي النهاية تملكها إحساس عاطفي غريب وهي تشعر بأنها ترتدي ملابس كانت من قبل تخص آدم غرانت ,وأخذت تتسأل بينها وبين نفسها ماعسى أن يكون إحساس آدم وهو يراها ترتدي تلك الملابس وذلك إذا كان يعير هذا الأمر أي أهمية ,وهذا الإحساس جعل من الصعب عليها أن تدرك إلى أي مدى يعد غرانت شخصا غريبا بالنسبة إليها من عدة نواحي ...
وفجأة قال لها آدم :
(ليس هناك داع للقلق بالنسبة إلى المظهر الذي تبدين به ,ولن يعرف أحد أنك صنعت هذا الزي من نسيج الستائر الواقية من البعوض ,مالم تبلغيه أنت بذلك ,وسألته إذا كان زيها يبدو مناسبا من حيث الطول والشكل ,فرد عليها أنه يشبه أزياء العصر الفيكتوري ولم تكن تعرف ما إذا كانت أزياء العصر الفيكتوري تناسبها ,وعاودها الشك في أن يكون زيها كئيبا ً وفضفاضا مثل الملابس التى ترتديها ربة البيت في المنزل ,فقال لها آدم :
( سوف يهدأ بالك في أي حال عندما ترين الصور الفوتوغرافية غدا )
( حقا , لدينا الكثير من الأفلام الفوتوغرافية )
( لابد أن أقوم بعملية تقطيع لهذا الفيلم لكي أفصل العروس عن الطيور )
فأقترب منهما توني ستيفنز قائلا ً :
( حقا ً , طيورك الأخرى مسكينة )
فأطرق برأسه وقال لها :
( مافعلته هو مبعث سرور لي ,لاداعي لذكره ,لكنني آمل في إصلاح الخطأ الذي ارتكبناه ,وسأكون سعيدا ً جدا ً إذا منحتني انت وزوجك شرف تناول العشاء معي في القريب العاجل )
ولاحظ انها راحت ترمق زوجها في تردد في حين كان آدم مشغولا ً بالحديث مع غيفون وقال لها أنهما لا يمكنهما أن يعيشا في عزلة طوال فترة بقائهما في الجزيرة , كما أن آدم أصبح أقرب للناسك وهذا ليس بالشيء المقبول بالنسبة للرجل ,ولم تستطع أن تمنع نفسها من أن تقول بلهجة لطيفة :
(ولكن ألا تشبه أنت النساك ياسيد وولف ,أعتقد انك عشت هنا سنوات طويلة )
فقال لها بجفاف :
( أنا لست شابا ًومازالت أمامي سنوات أعاني فيها من متاعب هذا العالم , أما آدم فما زال أمامه العمر المديد ,ويجب ألا تسمحي باستمرار هذا الميل للانعزال عن الحياة )
ولاحظ تعبيرات وجهها فأبتسم قائلاً :
( أليس هذا هو ماجئت إلى هنا من أجله وما جعلك تغيرين فجأة كل خططك التى لابد أن تكوني أعددتها لحفل الزواج ولقضاء شهر العسل في إحدى تلك المناطق المثالية التى يختارها المرء عادة في هذه المناسبة )
فنظرت إليه روبين في يأس ,وهي تتطلع لمن يساعدها في الخروج من هذا الموقف الصعب ,فكيف تستطيع أن تقول لتلك الشخصية المسيطرة أنها تعرف أن آدم يتطلع لنسيان شيء ما والفرار منه , أو لإغلاق الباب على وقائع من الماضي تتسم بالمرارة , إلا أنها لا تدري بالمرة سبب تلك المرارة , وكيف لها أن تعترف بأنها هي الأخرى قد فرت من شيء ما , وأنها تتطلع لإغلاق الباب على حياة لم تكن تحتمل .
وقال هودريك وولف في بطء :
( لم يعد يعزف الموسيقى الآن, أليس كذلك , أشعر بأن هذا أمر يؤسف له أي أسف , المرء يجد في الموسيقى قدرا هائلا ً من العزاء والسلوان , فهي أكثر من أي وسيلة أخرى لها القدرة على إنعاش الروح وإمتاع القلب وتهدئته )
وتنهد ثم أضاف قوله :
( عندما حضر آدم لأول مرة إلى الجزيرة وتعرفت عليه أبلغته أن البيانو الخاص بي تحت تصرفه في أي وقت يشاء , ولكنه حتى الآن لم يبذل أي محاولة لاستخدام البيانو ,برغم أن هذا هو أفضل مكان يستطيع أن يخلو فيه إلى نفسه ليبدأ في خوض أول الطريق في تلك التجربة التى تبدو وكأنها حاجز لا يمكن اقتحامه )
وأطرقت هنيهة وحاولت أثنائها أن تجمع الأجزاء المبعثرة لهذا اللغز الذي لايبدو كما كان واضحاً , لغزا بالنسبة لهودريك وولف كما حاولت أن تكبت إحساسها الطبيعي بالمرارة لأن آدم فضل عدم الإفضاء إليها بأسراره ,ثم قالت في بطء :
( إنه لا يريد التحدث عن أسراره )
فرد عليها هودريك قائلا ً :
( هذا أمر طبيعي , ولكنه لن يظل منعزلا ً عن الحياة للأبد , إن لديك مفتاحا لهذه المشكلة وعليك استخدامه من أجل مصلحة آدم , والآن هل تقبلان الدعوة لزيارتي ,أعتقد أن الزوجة هي التى تنفرد بالحق في قبوله أو توجيه الدعوات الودية ,ولا زوجة سواك في هذه الجزيرة كما تعلمين ... )
وابتسمت بصعوبة برغم الأفكار التي تدور كالدوامة في رأسها وقالت له :
( طبعا ً سأقبل الدعوة بكل سرور , وأشكرك كل الشكر )
( هل يناسبكما موعد مساء الخميس )
فردت عليه بلهجة رسمية :
( أنه مناسب تماما ً )
فضحك وقالت له روبين أنها بعد أن تتقن أعمال الطهو والتدبير المنزلي سوف تقيم حفلا ً ,شرط أن يحضر كل من المدعوين كرسيه معه , فضحك كثيرا ً , ولم تنسى روبين الكلام الذي قاله لها وأخذت تفكر فيه مليا ً وإن كانت قد لزمت الصمت وهي في طريق العودة للمنزل برفقة آدم الذي لزم الصمت أيضا ً إلى أن وصلا إلى البيت ,وقبل أن يوقف السيارة قال لها :
( إنك هادئة جدا ياسيدة غرانت .. )
ونظر إلى الحقيبة الضخمة الموضوعة في مؤخرة سيارة الجيب وأضاف قائلا ً :
( حصلت على هدايا كثيرة في حفل الزواج )
ولكنها لفتت نظره بقولها :
( حصلنا عليها نحن الاثنين ياسيد غرانت ..)
وتعاونا سويا ً في حمل حقيبة الهدايا إلى داخل المنزل , وبعد ذلك استدار آدم تاركا إياها فقالت له وفي صوتها نبرة تنم عن الشعور ببعض الإحباط ..
( ألن تساعدني في فتح الحقيبة وإخراج مافيها ؟)
( وهل تريدين مني فعلا ً مساعدتك ؟)
( طبعا فهي هدايانا معا ً )
( أهي حقا ً كذلك , لا تخدعي نفسك أو تخدعيني , فأنت التى فزت بهذه الهدايا .)
نهضت واقفة بعد أن كانت تجثو على ركبتيها بجوار حقيبة الهدايا , وأندفعت أمامه لتدخل غرفة النوم وقامت بتغيير ملابسها بحركات غاضبة ثم أعادت تمشيط شعرها بسرعة . وأشعلت سيجارة وبدأت تدخن في توتر وهي تقول لنفسها أنه لو كان هذا هو تفكيره فإن حقيبة الهدايا ستظل مكانها كما هي إلى يوم القيامة ,وأخذت تنظر إلى الباب وهي تغالب دموعها .. ألا يملك هذا الرجل أي مشاعر أو عواطف , كانت تدرك أن هذا الزواج لن يكون عاديا ً السماء وحدها تعلم أي دافع غريب يكمن وراء اقتراحه بالزواج منها , إنه ليس دافع الحب ,فهي لا يمكنها أن تخدع نفسها بهذا الاعتقاد ,كما إنه ليس الرغبة في اتخاذ زوجة .. ربما يكون الإحساس بالوحدة هو الدافع , أو يكون فعل ذلك بدافع الشهامة والفروسية الوهمية التي ولدها الإحساس بالشفقة عليها بسبب الظروف المحيطة بوجودها في الجزيرة وربما كان السبب الكامن وراء ذلك هو تمسكه الشديد بالتقاليد القديمة ....
ولكن ماهي دوافعها هي ؟مالذي جعلها تستسلم للرغبة البدائية الكامنة في أعماقها بقبول اقتراحه ؟ ألانها لم تكن تعبأ كثيرا بما يحدث لها ؟أم لأنها أرادت الإمساك بحبل الأمان الذي يتمثل في ارتباطها بحياته .. أم أنها فعلت ذلك بدافع من غريزة المرأة التي تحس بأن مهمتها هي أن تسري عن ذلك الرجل وتدخل السلوان إلى قلبه برغم أنه لن يعترف أبدا ً أنه محتاج إلى هذا, أم هل الدافع يتمثل ببساطة في أنه ينتمي للجنس الآخر وأن له شخصية جذابة ومسيطرة , وهو يمثل ذلك التحدى الخالد بالنسبة لها ...
ولكن هناك خطأ أساسي في هذا ,فآدم غرانت لم يظهر أدنى دليل يشير إلى أنه يمثل فعلا ً هذا التحدي وصاحت فجأة عندما كادت السيجارة أن تحرق يدها وهي مستغرقة في التفكير ,وفي تلك اللحظة قرع آدم الباب ,وعندما علم بالأمر تأسف لما بدر منه وقال لها :
( هيا بنا نفتح هدايا زواجنا ,شخصيا لم أكن أتوقع أن نتلقى أي هدايا )
وأخذا يتفحصان الهدايا وهما في سعادة إلى أن قالت له روبين أن هودريك دعاهما لتناول العشاء يوم الخميس المقبل , فتبدل وجهه بصورة أربكتها وقال لها في حدة :
(العشاء ؟ وهل قبلت الدعوة ؟ )
( طبعاً قبلتها لا يمكنني أن أرفضها ..)
( كنت أرجو ألا تفعلي )
وتلاشت روح الدعابة لديه لتحل محلها تعبيرات باردة مليئة بالعجرفة ,مما جعلها تشعر من جديد بأنه غريب عنها ... وتنهدت قائلة :
( ولماذا لا أقبل الدعوة الجزيرة فيها أناس قليلون وعلينا أن نعقد صلة صداقة مع هذه القلة )
فضم آدم شفتيه وهو متجهم وقال لها :
( لم أحضر إلى هنا لإقامة علاقات اجتماعية ,أعتقد أن هودريك له أسبابه الخاصة التى دفعته لهذا , لا تظني أن الأمر مجرد شعور بالصداقة من جانبه مضى وقت طويل منذ أتيحت له فرصة لفرض رعايته واستعراض غروره )
( لا أعتقد هذا , وما الذي يدفعه إلى ذلك , قد يكون فيه بعض الغرور .. ولكن )
وانتابتها الحيرة ,فمن المؤكد أن آدم يبالغ في قوله فهو يصور هودريك وكأن لديه هدفا شخصيا ً يسعى لتحقيقه ,وأنه يحاول دفعه للقيام بعمل ما ضد إرادته , ولكن ماهو هذا العمل؟ ولماذا سبب مثل هذا الغضب لآدم ,وأخيرا ً توصلت إلى قرار فربما كان هناك أمر ما يهم هودريك, بل من المؤكد أن هناك أمر ما ,وكيف يمكنها إن هي لم تعرف الحقيقة أن تخفف شيئا من شؤونها الخاصة ,فلماذا يخفى آدم عنها أسراره ؟وفوق كل شيء أنها الآن زوجته ...
ونادته وانتظرت حتى تحرك وأصبح في مواجهتها وقالت له :
( ألم يحن الوقت بعد لتتحدث إلي؟ )
( أتقصدين أن هودريك لم يحك لك ؟ )
( لم يبلغني هودريك بأي شيء وتلك هي المشكلة ..)
وصاحت قائلة :
( لم يبلغني أحد بشيء , أنهم يفترضون أنني أعرف . ويتحدثون بأشياء تصبح ذات معنى عندما ترتبط بما لا أعرفه , وكيف يمكنني المضي في التظاهر بمعرفة مايتحدثون عنه وأجعلك تنظر إلي وكأنني أرتكبت أكبر زلة في حياتي ؟ كلامهم كله يدور حول امتناعك عن العزف ,وأن هذا أمر يؤسف له و... و.... آدم .... لماذا أشعر بأنني أعرفك ؟ وأشعر برغم هذا بأنني يجب أن أعرفك ؟ لا يمكن أن أكون قد قابلتك من قبل ونسيت , لماذا لا تحكي لي ....)
ونظر إليها لحظة طويلة وهي تحدق فيه بنظرات مليئة بالعاطفة المشبوبة وقال لها :
( السبب في هذا أنني لم أعد أحتمل المزيد من مشاعر العطف والشفقة , وعندما أدركت أنك لم تعرفيني فضلت عدم إبلاغك حتى أوفر على نفسي عناء ومشقة الشرح والتفسير من جديد )
ونظر إليها وأضاف قائلا ً :
( أنا آدم فاند ... )
( فاند .. عازف البيانو؟ )
ومرت لحظات كأنها الدهر , وتنهدت روبين تنهيدة طويلة وانعقد لسانها في البداية ,وهي تعجب كيف لم تتعرف عليه .هل كانت عمياء إلى درجة أنها لم تتعرف إلى الرجل الذي استطاع في ثلاث مناسبات ,كما تذكر الآن . أن يستحوذ على اهتمامها هي وعدة ألاف آخرين لليلة كاملة ,
آدم فاند هو واحد من أعظم عازفي البيانو في العالم , ويعتبره البعض واحدا ً من أبرع الموسيقيين في هذا القرن اللذين ساروا على درب شوبان ...
وبدأت روبين تتذكر ماحدث قبل شهر واحد من وفاة أبيها ,كان والدها من هواة حضور الحفلات الموسيقية وحاول أن يغرس حب الموسيقى في ابنتيه منذ طفولتهما المبكرة ,وهي تتذكر الآن كأن هذا قد وقع بالأمس ,أن والدها صاح ذات مساء وهو يقرأ العنوان الرئيسي في الجريدة ,وقع حادث لسيارة آدم فاند وهو عائد من حفل موسيقي من أدنبره ,وبمعجزة لم تلحق به إصابات خطيرة ,إلا أن الأطباء يخشون أن تؤدي التمزقات التي لحقت بيده اليمنى إلى تهديد مستقبله الموسيقي ,وبعد مضي أسبوع نشر بيان مفاده أن آدم فاند لن يعزف مرة أخرى للجمهور ,وأنه سيرحل لجهة غير معلومة لقضاء فترة نقاهة .... كانت خطيبته هي التي قادت السيارة .. وكان أسمها .... هل كان الاسم هو ... ستيللا ..؟ وتأجل الزواج وعقب أبوها على هذا الحادث بقوله :
( كم هو مفزع )
ووافقته هي على رأيه ,ثم نسيت تلك الفاجعة التي لم تمس حياتها الشخصية . والآن أصبحت زوجة آدم فاند ...
وعادت معالم الغرفة الهادئة تتضح من جديد أمام عينيها بعدما عاشت مع ذكرياتها لبعض الوقت ,وبدت لها الملامح المكفهرة للرجل الذي كان يقف بلا حراك كأنما نحت من الصخر ,ونظرت إلى يديه اللتان أدخلتا الحيرة إلى نفسها وكانت تظنهما يدي جراح ونسجت حولهما قصة خيالية وهي تحاول اكتشاف السر الذي أدركت بحاستها الغريزية أنهما تخفيانه ,,,
وأخيرا ً تمالكت نفسها وخرجت من صمتها قائلة :
( لماذا ... لماذا لم تخبرني ؟... لا أعرف ماذا أقول ؟ أنه للأمر شديد ....)
وأخذت تهز رأسها وهي عاجزة عن أن تعبر بالكلمات عما يجيش في صدرها من أحاسيس بعد أن عرفت من هو .وهي مدركة أن أي كلام تقوله لن يؤدي إلا لتجديد آلامه ,وفجأة تغلبت عليها عواطفها ولم تستطع السيطرة على نفسها واندفعت نحوه لتمسك بيديه وتضغطهما على خديها ,وكانت في تلك اللحظة على استعداد أن تمنح أي شيء وتفعل أي شيء إن كان هذا سيعيد هاتين اليدين للعزف من جديد ...
واهتزت الرؤى أمام عينيها , وفجأة دفعها بعيدا عنه بغلظة وقال :
( لا تفعلي هذا .. ولننسى ماحدث )
فردت عليه هامسة :
(كلا ,سيكون من الحمق أن نحاول هذا , وأنا أعرف أنني لن أستطيع , ولا أدري كيف يمكنك أنت أن تفعل هذا , فقال لها في مرارة :
( ليس أمامي أي خيار آخر ,وربما أدركت الآن السبب الذي جعلني أتردد في قبول دعوة هودريك وولف )
( وهل هو يذكرك بالأمر كله )
(أنه يملك البيانو الوحيد الموجود في هذه الجزيرة ,ولو كنت أعرف ذلك لما جئت إلى هنا )
ولوى فمه قائلا ً :
( إنه يتمنى من كل قلبه أن يغريني بلمس هذا البيانو , وأن أحاول ..... )
وصاحت قائلة :
( ولم لا ؟الأطباء قد يخطئون , وقد شفيت يداك, وكيف لك أن تدري أنك غير قادر على العزف مرة أخرى قبل أن تجرب ذلك ؟)
فقال في تجهم :
( بإمكاني أن أعزف تشكيلات من القطع الموسيقية. ولكنني لن أستطيع أن أعزف بالطريقة التي أراها صحيحة )
( ولكن ألا يستحق الأمر التجربة , كيف يمكنك أن تسمح بضياع كل هذا المجد بدون أن تخوض معركة ؟الناس يتعلمون كيف يسيرون من جديد , ويفعلون أشياء أخرى كثيرة عقب تعرضهم للحوادث فلماذا لا تفعل أنت كذلك ؟ )
( لأن هذه الحالة مختلفة , فعندما يفقد المرء حاسة اللمس لا يمكنه استردادها ,أو استرجاعها على الأقل بدرجة الكمال الضرورية بالنسبة إلى عازف البيانو ,والآن أفضل ألا أخوض في هذه المسألة أكثر ...)
قال هذا بنبرة مثبطة للهمة ودعاها لمشاركته الشراب فاستجابت , رغم انها لم تكن ترغب لعلها بذلك تخفف من بعض آلامه وتزيل جو التوتر القائم بينهما .
وفي محاولة منها لتهدئة مشاعره صاحت قائلة :
( يا للسماء نسيت وتركت غرفة النوم بدون ترتيب )
وأسرعت إلى ترتيب الأشياء التي تركتها مبعثرة بعد انتهائها من استعدادات حفل الزواج ,ودخل آدم عندئذ فقالت له أنها لا يمكنها أن تظل ترتدي البيجامات الخاصة به ,فقال انها تستطيع ارتدائها فلديه ثلاثة منها وعندما سألته عن رأيه في الستائر التي علقتها على النافذة قال لها .:
( أعددت لنفسك مخدعا ً نسائيا ً )
ردت عليه في بطء بدون أن تنظر إليه :
( أعددت لنفسي ؟ إن أي شيء أفعله أو أصنعه هنا هو من أجلنا نحن الاثنين يا آدم وليس من أجلي وحدي لدي بعض الخطط لجعل المكان أكثر بهجة ,, أتمانع في قيامي ببعض التغييرات ؟)
( كلا , أفعلي ماشئت )
وجلست على السرير بعدما خلعت خفيها وقالت له أن مارك وعد بأن يعطيها بعض الطلاء ذي اللون البيج والأبيض وبطلاء الركن الذي يستخدماه في الطهو كذلك الحائط الموجود في أحد الجوانب ونقل المائدة إلى هذا المكان فإنه سيصبح لديهما مكان لتناول الطعام , وفي استطاعتها أن تصنع ستارا ً خلف المائدة , فسألها إذا كانت تستطيع القيام بالطلاء فقالت له أنها لا تعرف الطلاء ولكنها ستحاول أن تتعلم ستجرب أي شيء فقال لها أن هذه معتقدات الشباب , فسألته عن الخطأ في ذلك , فقال لها أن لا بأس بشرط أن يدرك الشباب أنه يجب عليه ألا يتوقف عن المحاولة وتحقيق أي شيء أظهر فشله في البداية , فقالت له أنها مستعدة لهذا أيضا ً وأنها تعتقد أنه يجب على المرء أن يحاول مرة أخرى,

وصمت آدم لحظة وسرى الجمود في عينيه من جديد ,وقد أحست أنه لم يخطي فهم المعنى الذي تقصده وقال لها :
( الأمر مختلف ,فأنا لم أكن فاشلا ً في البداية )
وخرج فجأة من الغرفة فقفزت من فوق السرير وتبعته بسرعة وهي تقول :
( لم أقصد هذا يا آدم , وأنت تعلم ذلك )
وإذ أحست روبين بأن المناقشة اتجهت اتجاها ً ينذر بالسوء أمسكت بذراعه وقالت له :
( آسفة , وأفهم موقفك جيدا أنني لمنزعجة فعلا ً كم كنت أتمنى لو لم يكن هودريك قد أثار هذا الموضوع , أنها غلطته )
فأبتسم آدم وهو يسألها :
( وكيف تكون تلك هي غلطته ؟)
فصاحت بلهجة أنثوية قائلة :
( أنها فعلا ً غلطته , فلقد تشاجرنا رغم أننا مازلنا في يوم زواجنا )
فرد عليها بفم ارتسم عليه تعبير التهكم وقال :
( وهل هناك فرق ؟ لا أظنك مازلت تحاولين التظاهر بالمشاعر العاطفية الشاعرية , لا حاجة بك لأن تفعلي هذا فنحن الآن وحدنا )
فسرت رعدة في شفتيها وقالت له :
( وهل تظن أنني كنت أتظاهر بتلك المشاعر ؟ )
فهز كتفيه باستخفاف قائلا ً :
( أصحيح أنك لم تكوني تتظاهرين ؟ وكيف لي أن أعرف ؟ )
( لم أكن أتظاهر , ولا أعتزم الآن التظاهر بأي شيء )
وأضافت قائلة بصوت منخفض :
( لم أقصد أيذاءك أو مضايقتك بأسئلتي , وعليك أن تعلم أننا كي نعيش سويا ً في وئام يجب أن نكف عن المبارزة , وألا يتصيد أحدنا هفوات الآخر )
فتنهد قائلا ً :
( نعم , وأعتقد أننا تحدثنا اليوم بما فيه الكفاية ,وكان اكتشافك أكثر عمقا ً مما ظننت )
فهمست متسائلة :
( مازلت أجهل السبب الذي جعلك تخفي عني , كان عليك أن تدرك أنني كنت سأعرف بذلك عاجلا ً أم آجلا ً )
( أعتقد أن السبب كان واضحا ً )
( وهو أنني كنت سأتزوجك بإعتبارك آدم فاند وأنا أشعر بالرثاء لحالك ؟ أليس هذا هو السبب ؟)
ولم يرد عليها فأشاحت بوجهها عنه في حزن وقالت :
( كنت أتمنى أن أعرف لأن الأمر كان سيختلف عندئذ , إذ لم أكن لأقبل الزواج منك لو أنني علمت بهذا ...)
( ولم لا ؟ )
( لأن الأمر غير معقول , ظننت أنك ترثي لحالي بسبب المأزق الذي أنا فيه ,وأعتقدت أنك تحتاج إلى بشكل ما , إلا أن آدم فاند ليس بحاجة لي , فقد استقر رأيه على الخط الذي يسير عليه في حياته , ولا أحد يستطيع أن يثنيه عن قراره , وخاصة تلك الفتاة التي استثارت فيه روح الفروسية الوهمية )
ورفعت رأسها في تحدى وهي تقول :
( أعدك بألا أظهر أي عاطفة أو أمنحها لأحد بعد الآن . ولكنني أذكرك بأن هذا لا يتفق مع الطبيعة البشرية , قلت أنت نفسك أنه إذا اجتمعت الإرادة والإخلاص لدى شخصين ففي امكانهما إقامة حياة مشتركة راسخة البنيان , كما أنك ذكرت أيضا ً أنني في حاجة إلى شخص يعيد تنظيم حياتي المرتبكة وأنا أقول لك بأمانة أنني لم أرغب في الزواج لأن رجلاً ما شعر بالرثاء لحالي فليس هذا في رأيي هو الأساس الذي يبنى عليه الزواج )
فقال لها في حدة :
( وهذا هو رأيي أيضا ً وأعتقد أنني أوضحته لك , كما أعتقد أنني ذكرت لك أيضا ً في البداية أنني سأترك لك تحديد مدى التقدم الذي يتم في علاقتنا العاطفية .)
فتسألت في إعياء :
( وأي تقدم يتحقق ؟ إن الأمر ..... أننا متزوجان )
( نعم .. ولكننا نقف عند مستويين عاطفيين مختلفين تمام الأختلاف ..)
وأضاف في تجهم قائلا ً :
( حسنا ً هل أنت مستعدة الآن لسماع الكلمات المعسولة وهمسات الغزل ؟ وهل سوف تصدقينها إذا تفوهت بها ؟)
وقاومت في نفسها الرغبة في الصياح لتقول له انها فعلا ً تحتاج إلى الكلمات الحانية وإلى الإحساس بأن مشاعره نحوها لا تتسم باللامبالاة . وأن هناك دفئا ً يخفيه وراء تلك المرارة الظاهرة . وأنها هي ليست مجرد شيء دخل حياته ليتعامل معه وفقا ً للمنطق الذي يرضيه ويشبع ميله للحياة المخططة طبقا ً لجدول أو نظام معين ..
تم هذا الزواج بناء على إقتراحه هو , وفي أي حال لم يتمكنا من أن يصبحا حبيبين لكن في استطاعتهما أن يكونا صديقين ..
وكان آدم يحدق فيها طويلا ً مما جعلها تفقد كل مقاومة وأحست بدمائها تكاد تشتعل ,أنه يعتقد أنها ترغب في ... واستطاعت بعد جهد أن تبقى على نظراته مشدودة إليها وهمست قائلة :
( أنك لا تجعل الأمر سهلا ً بالنسبة إلي , أليس كذلك ؟ هل تعتقد أنني أتطلع للظفر بحبك لي , أعرف جيدا ً أنه جرت العادة على أن يخطو الرجل الخطوة الأولى )
( نعم , ولكن ليس في مثل هذه الحالة , وقد اعتقدت أنك فهمت ذلك , ولا أظن أن حق الحب يمنح بدافع من الشعور بالواجب ,وكأنه التزام يمليه التقليد المتعارف عليه )
فتنهدت روبين وضغطت على شفتيها وقالت :
( وهل يجب أن تصدر هذه العاطفة عن الحافز المحرك للحب أو عن مجرد الرغبة ألا تدرك أن المودة تنشأ عن الكرم وعن التقارب في حياة الوحدة أو هي تنشأ عن المصالح المشتركة , هناك أشياء كثيرة جدا تولد هذه العاطفة بحيث يطول شرحها ..)
أشاحت بوجهها عنه وأضافت قائلة :
( أنك في حقيقتك رجل كريم جدا ً على الرغم من الشخصية الأخرى التي تحتجب خلف جدار في داخلك .. أعطيتني الشيء الكثير ..)
وأخذت تجول ببصرها تلقائيا ً في ارجاء الغرفة وتنظر إلى خزانة الملابس المفتوحة وقد ظهر مابداخلها ,وأضافت تقول :
( منحتني بيتك .. وأنا لايمكنني أن أظل أخذ وأخذ بدون .... )
وتوقفت عن الكلام مرة أخرى وقد أعيتها الحيلة , وأحست بصراع في داخلها وبنوع من الخجل لأنها أصبحت تعتمد على شفقة وكرم رجلا ً غريب ,ولأن هذا الغريب عرف طريقه إلى قلبها بصورة ما قبل أن تدرك مدى الخطر الذي ينطوي علية تلك الرابطة الحمقاء ... ورد عليها آدم في هدوء :
( أعرف هذا , ولكن لا تظني أنني تطلعت لشرائك أو شراء الشفقة منك بصندوق مليء بالملابس القديمة ؟ تزوجتك ياروبين لأحميك , وهذا هو كل مافي الأمر , تصبحين على خير .. وليباركك الله )
وأغلقت روبين باب غرفتها لتعود إلى عزلتها اليائسة وخلال الصمت الذي خيم حولها أخذت تسترجع كلماته التي وجدت صدى لها في دقات قلبها أنه هو وليست هي , الذي أوضح من الذي يقرر مدى التقدم في علاقتهما العاطفية إلى أين سينتهي بها هذا الوضع ؟؟؟


انتهى الفصل

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 12-01-09, 09:08 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل السادس

نشاز


مع بزوغ ضوء النهار كانت روبن قد حفظت عن ظهر قلب كلاما كثيرا واستعدت لتقوله عندما تواجه آدم على مائدة الإفطار، ولكن عندما حانت اللحظة المناسبة قررت أن تلوذ بالصمت. وفي أيّ حال لم يبق كلام يمكن أن يقال.
تعمدت أن تبتعد عن طريقه أثناء ذهابه إلى الحمام وخروجه منه، وكانت غرفة الجلوس خالية عندما دخلتها. وكان قد ملأ إبريق الشاي بالماء ووضعه على الموقد ليغلي. وبعد مضيّ أسبوع ألفت طريقة إعداد طعام الإفطار، وأصبحت تعرف ألوان الطعام التي يفضّلها آدم وتلك التي لا يحبها. وانتقت تفاحتين كبيرتين ورديتين، وأخذت تفكر فيما ستكون عليه قائمة الطعام بعد مضيّ أسابيع أخرى. فلقد وصل القارب إلى الجزيرة في الأسبوع السابق وامتلأت من جديد خزائن الأطعمة. لو كانت روبين قد وصلت إلى الجزيرة قبل يومين من الموعد الذي وصلت فيه لكانت كل مشكلاتها قد وجدت طريقها إلى الحل. لديها الآن كميات من الفاكهة وكيسا من التفاح ومجموعة من الموز الأخضر، وبرتقالا وكميات من البيض تم تخزينها في الثلاجة في محطة الرصد، ولكنّ آدم حذرها أنه مع مرور الإثني عشر أسبوعا-وهي الفترة التي تمر قبل وصول القارب التالي- فإن مجال الاختيار في قائمة الطعام يصبح محدودا، ويعود المرء إلى الاعتماد على المعلبات في غذائه وسمعت باب الغرفة الصغيرة الواقعة خلف غرفتها يغلق، فأدركت أنه الوقت لتضع ثلاث بيضات في الوعاء وتسلقها وسمعت خطواته تقترب من غرفتها، ولم تلتفت نحوه عندما دخل وألقى تحية الصباح التي اعتادها طوال أيام الأسبوع الماضي-صباح الخير- فردت عليه بالمثل ووضعت وعاء القهوة على المائدة، وجلست في مواجهته، حريصة على تجنب النظر إلى عينيه. ثم قامت بسكب القهوة وغطت قطعة من الخبز بطبقة من الزبدة وراجعت عداد التوقيت الخاص بالبيض. وكان من الصعب عليها ألا ترمقه بعينيها وهو يتناول البيض، ولكنها نجحت في تجنب هذا، وأنهى هو الآخر طعامه في صمت.
وعندما حان موعد الوجبة التالية، بدأت روبين تشعر ببعض الخوف وبإحساس واضح بالغضب الطفولي، ولكنها أدركت أن استمرارها في صمتها ليس سوى تصرف أحمق وصبياني. وهل سيتقبل هو صمتها؟ ما هذا الذي بدأت تفعله؟ وماذا ستفعل لو أنه استيقظ كل صباح وراح يمارس نشاطه المعتاد متجاهلا وجودها؟
ولكن يبدو أنه قد اعتزم حقا أن يفعل هذا، فقد استرخى على كرسيه وأشعل سيكارة، ولأول مرة راحت ترمقه بنظرات مباشرة وتتفحص وجهه بتعبيراته الباردة. ونفث الدخان من فمه وقال لها:
إلى متى ستستمر مؤامرة الصمت هذه؟
فاسترخت قليلا في كرسيها وقالت
-وهل هناك ما يقال؟
كلام كثير كما أعتقد، حسنا سألتقي بك في منتصف الطريق، ربما كان هناك كلام كثير قد قيل بالأمس وكان يجب ألا يقال.
وحرك حاجبيه بطريقة فهمت منها أنه ينتظر ردها. فترددت ثم قالت أخيرا في بطء:
-كل ما قلته كان خطأ على ما يبدو، أو قد أسيء فهمه...
وأشاحت بوجهها عنه وهي تضيف قائلة:
-ربما لو كنت صريحا معي من البداية لكنت تجنبت أي كلام لا يجب أن يقال.
فضاق حاجباه السوداوان ثم استرخى في مقعده وهز رأسه قائلا:
"كم أنت طفلة يا روبين. وجدت نفسك فجأة مطالبة بأن تنضجي وتواجهي الحياة وأنت تبذلين جهدا شاقا في هذا السبيل إلى درجة تسبب الإيذاء." فردت علية بمرارة:
-أحاول ألا ألحق الأذى بأي أحد آخر.
-أعلم هذا وأقترح أن تتوقفي عن كل تلك المحاولات. عليك بالسير قبل الركض، ومواجهة المواقف في حينها، فهذا أسهل بكثير.
وأخذت نبرات صوته تكتسب رقة وهو يقول لها
-الكبرياء والخضوع لا يصلحان لرفقة دافئة كما تعلمين، فالكبرياء تدفعك إلى التعالي وعدم الاعتماد على أحد، والخضوع يحز في النفس، لأن القدر جعلك تعتمدين علي في معيشتك.
-رتبت كل هذا، أليس كذلك
لا أحد يمكنه أن يحدد الخط الذي تسير عليه الحياة، ولكنك توجهين الحياة وتعملين على تشكيلها وفقا لرغباتك، على أن تضعي في اعتبارك أن القدر له الكلمة الأخيرة عادة.
-يبدو لي أنك قدري.
-كلا فأنا مجرد إنسان واقعي.
ونهض واقفا وهو يقول:
-والآن لدي بعض الأخبار لك.
وانتظر عند الباب حتى لحقت به وتقدمها، ودار خلف المنزل وأطلق صفيرا معينا استجاب له الطائر ميكي الذي حلق بجناحيه واقترب منه. فقام آدم بتكسير قطعة خبز إلى كسرات صغيرة وضعها في كفه، فحلق ميكي وهبط بالقرب منه وهو ينظر إلى الطعام. فطلب آدم من روبن أن تقدم له الخبز في يدها لأن الطائر يعتبرها الآن بمثابة أمه. فمدت روبين له يدها بكسرات الخبز فالتقط واحدة منها، ثم حلق ليستقر فوق غصن منخفض فسألت روبين:
-متى بدأ التحليق لأول مرة؟
-صباح اليوم، على ما أعتقد
-حاول مرات كثيرة التحليق إلى هذا الغصن، وانشغلت عن مراقبته خلال اليومين الماضيين.
وأضافت بصوت حزين: "أعتقد أننا سنفقده، فسوف يطير إلى الغابة وينضم إلى أقرانه.
-أشك في هذا. فهذا هو بيته الآن، البيت الذي أطعمه، فلا تقلقي، سيعود وربما أحضر معه أصدقاءه وأقرباءه، ولكن علينا أن نخفف من كمية الطعام التي نقدمها له عندما يصبح قادرا على التحليق بجدارة حتى يعتاد الاعتماد على نفسه.
وبدأ آدم يتحرك عائدا إلى المنزل، ولاحظ تعبيرا حزينا على وجهها، فلمس كتفها وطلب منها ألا تحزن ميكي سيصبح قبل مضيّ وقت طويل طائرا مؤذيا، فنظرت إليه في تشكك، ولكن آدم ابتسم وقال لها أنها لا تعرف طباع الطائر المحاكي، إنه طائر سيء السمعة يتصف بالتهم، وأن عليها أن تنتظر لكي تتأكد من ذلك.
ولم يمض سوى أقل من أسبوع حتى تأكد لها صحة كلام آدم، إذا أصبح ميكي قادرا على الطيران، وأخذ يتنقل بين الأشجار ويحوم حول المنزل ويتطلع من النافذة إلى مائدة الطعام التي تعدها روبين، حتى أدركت أنه لن يتوانى عن اقتحام النافذة للسطو على الطعام. وأعربت روبين عن دهشتها للسرعة التي تم بها استئناس هذا الطائر البري في مثل هذا الوقت القصير.
وبدأ النشاط اليومي يأخذ طابعا نمطيا، ودهشت روبين وهي ترى مدى العمل اليومي المطلوب من آدم انجازه بالنسبة إلى ملجأ الطيور في الجزيرة، لتسجيل حركة الطيور وتسجيا نشاط الطائرين الذين يقيمان في هذا الملجأ، بما في ذلك تدوين الملاحظات المتكررة في أحيان كثيرة إلا أنها ضرورية، وتحميض الأفلام الفوتوغرافية وطبعها، مع الربط بينها وبين تلك الملاحظات والتواريخ، فضلا عن الرسوم التوضيحية التي يقوم بها، مما يعكس موهبته في الرسم. كما يتحتم على آدم ساعات كل يوم في ملجأ الطيور، مما يجعل روبين تشعر خلال تلك الساعات بأنها تفتقد شيئا هاما في حياتها اليومية. وسألته روبين فجأة:
-متى سيتاح لي أن أشاهد ملجأ الطيور وأزور قدس الأقداس هذا، وهذه الطيور الأسطورية؟
-اليوم إن شئت، هذا إن كنت مستعدة لتحمل بعض المشاق.
فاتسعت عيناها وسألته:
-وهل مراقبة الطيور تتطلب أن نجلس على الطين أو فوق شجرة؟
-ليس الأمر هكذا، ولكن هناك سقيفة تتسع لشخصين بالكاد ولا تسمح بحرية الحركة، وعلى الزائر أن يحرص على عدم إزعاج الطيور.
فقالت بارتياح:
-لا بأس بأن يقيد المرء حركته لبعض الوقت، وإنني أعد بأن أظل ساكتة وألزم الهدوء، إن كان هذا هو كل المطلوب.
-موعدنا إذن بعد تناول الغداء، وسأتركك الآن لشؤونك المنزلية.
حياتها أصبحت منظمة الآن مما جعلها تنتهي من شؤون المنزل بسرعة، وليس أمامها أي أفلام يلزم تحميضها أو طبعها هذا الصباح. وعندما رحل ميكي لإجراء مزيد من الاستكشاف للمنطقة المحيطة، خرجت إلى الشرفة لتمتع بصرها بمنظر التل الأخضر تحت أشعة الشمس، والبحر المتلألئ عند بعد. وكانت على وشك أن تخرج للسباحة عندما حضر زائر.
إنه توني ستيفنز الذي استأذن في الدخول بطريقته الصبيانية فدعته لتناول القهوة في الشرفة. قال توني:
-لا أدري إذا جاءت زيارتي مبكرة جدا عن وقتها الملائم، قال لنا مارك أنه يجب علينا الانتظار حتى توجه إلينا الدعوة، ولكني أعتقد...
فقالت له في لهجة تهكمية:
-أنا سعيدة جدا لأنك لم تنتظر، وأرجو أن تبلغ مارك عن لساني بأنني آمل أن لا يكون معنى هذا أنه يتحتم علينا أن ننتظر تلقي دعوة قبل أن نقوم بزيارتكم في محطة الأرصاد الجوية.
رد علها توني بسخرية:
-أعتقد أنه يجب عليك إبلاغه تلك الرسالة بنفسك، وفي أي حال جئت لأعرض عليكما استعدادنا لإعارتكما جهاز الفوتوغراف الخاص بنا لتستخدماه في الاستماع إلى بعض الاسطوانات الموسيقية، إذ ليس في الجزيرة أي نشاط يستطيع الإنسان أن يقوم به.
ومرت لحظة من الدهشة قالت روبين بعدها وهي تبتسم:
-هذا شعور طيب ولطيف منكم، ولا أجد الكلمات التي أعبر بها عن امتناني لكم.
ثم تلاشت الابتسامة عن شفتيها وهي تضيف قائلة:
-ولكن ماذا أنتم فاعلين؟ لا يمكنني أن آخذ الفوتوغراف الخاص بكم، إذ لن يكون لديكم عندئذ أي شيء كي...
فهز توني رأسه قائلا:
-سيكون هذا مدعاة لاغتباطنا سيدتي، لأن الاسطوانات التي لدينا استهلكت لدرجة أنها أصبحت تصدر أصواتا أشبه بالنباح من كثرة استخدامنا لها، وفي أي حال أحضرت معي الفوتوغراف، فهل تسمحين لي بحمله إلى داخل المنزل
-أجل، مادام الأمر كذلك.
ولكن سعادتها سرعان ما تلاشت عندما تذكرت أن التوصيلات الكهربائية الضرورية لتشغيل الفوتوغراف غير متوفرة، كما أنها غير متأكدة إذا كان جهاز توليد الكهرباء سوف يتحمل هذا العبء الجديد في الاستهلاك. وبرغم هذا لا داعي لأن تقلق، تم التفكير في تلك المشكلة وأحضر توني معه بعض الأدوات وقام بإجراء بعض التوصيلات الكهربائية لتشغيل الجهاز، وطلب منها أن تتصل بالمسؤولين في محطة الرصد إذا حدثت أي مشكلة في هذا الشأن.
وأحست بمتعة وهي تعد القهوة على أنغام الموسيقى التي جعلت الوقت يمر سريعا بدون أن تشعر، وحان وقت انصراف توني. إنه صبي ودود وقد استاءت عندما علمت بقصة حبه الفاشلة، وعودة فتاته إلى موطنها في ويلمنغتون حيث وجدت رفيقا آخرا. وقاومت رغبتها الدفينة في أن تسري عنه بتلك العبارات التقليدية التي تقال في مثل تلك الحالات.
وبعد انصرافه قامت بتشغيل اسطوانة ثانية، وخرجت إلى الشرفة لتستمتع بنسيم البحر المنعش مع أنغام الموسيقى المبهجة، وأخذت تردد إحدى الأغنيات إلى أن توقفت الموسيقى، وعندما قامت لتغيير الاسطوانة سقط أحد قرطيها، فجثت تبحث غنه، وقد نسيت الاسطوانة، إنه القرط الوحيد بين الأشياء القليلة المتبقية في حوزتها، وفضلا عن ذلك له قيمة كبيرة ومنزلة خاصة في نفسها، بغض النظر عن قيمته المادية، لأنه كان يخص أمها.
وأخذت تنقب عنه حول الشرفة وفي المكان الذي تتوقع أن يكون قد تدحرج إليه، ولكن بدون جدوى، ونهضت واقفة في تراخ، ونظرت إلى تلك الورقة المكومة في يدها التي التقطتها بدون قصد وهي تبحث عن القرط وسط الحشائش. يبدو أنها رسالة، وأمكنها أن تتبين كلماتها رغم أنها كادت تمحى بفعل المطر، وصعدت درجات السلم الثلاث في تباطؤ لتدخل البيت، وأوشكت أن تطوي الرسالة من جديد لتلقي بها، إذ لا شأن بما فيها أو بمن كتبها، ولكنها لاحظت اسم آدم فتوقفتوترددت لحظة لكنها لم تستطع أن تمنع بصرها من المرور على السطور. وتملكها شعور بالصدمة والاستياء بعد أن تفهمت ما حواه الخطاب. ثم أحست بالغضب الشديد والضيق إلى درجة جعلتها تتمتم ببعض الكلمات بصوت مرتفع، ونسيت قرطها المفقود وكل شيء آخر وهي تنظر إلى الكلمات المدونة بالحبر الأزرق على ورقة عاجية اللون.
سيأتي الوقت، يا عزيزي آدم، الذي تشكرني فيه لهذا القرار المؤلم لي، كما أعتقد أنه سيكون مؤلما لك. ولكني أشعر بأن كلا منا يحس في قرارة نفسه بأن الأمور لا يمكنها أن تعود كما كانت. وسأظل ألوم نفسي دائما وأتساءل إذا كان هناك شيء كان في مقدوري فعله أو وسيلة ما تمنحني البصيرة حتى يمكن تجنب الكارثة التي وقعت. ورغم أننا نعلم أن ما حدث كان خارج نطاق السيطرة الإرادية البشرية، فسأظل أشعر دائما بالذنب، لأنك أنت الذي أصيب، وأنا الأداة التي أصابتك. ربما أتعلّم كيف أتعايش مع هذا الشعور، ولكني أعرف أنني لا أحتمل أن يأتي يوم تنظر فيه إلي، وأرى المرارة في عينيك لأنني كنت السبب في هذه المرارة. ظننت في البداية أن حبنا سيكون كافيا لموجهة مثل هذا الموقف، ولكن منذ فراقنا أخذت أدرك أن الأمر لم يكن كما تصورت، ولا أملك الشجاعة لاقتحام المغامرة وسيظل شعوري بأن حبنا هو ضرب من المغامرة باق على الدوام وهذا ما لا أستطيع احتماله. أؤكد لك أنني لا أفكر إلا في مستقبلك فقط، ومن الأفضل بكثير أن يتألم الإنسان الآن بدلا من أن يظل يتألم على الدوام. حاول أن تصفح عني، إن لم يكن الآن خفيا بعد، وحاول أن تفهمني، ستيللا...
تلك هي ستيللا، آخر جزء من حياة آدم الضائعة، والآن تمزقت تلك الحياة تماما ولم يبق منها شيء. وفجأة أخذت روبين تضغط بأصابعها بشدة على الرسالة وتكاد تسحقها وكأنها تريد أن تسحق كل ما تنطوي عليه من معان وتقضي عليها. وتملكها الغضب نحو الفتاة التي غدرت به. كيف تحملت إنزال الألم من خلال هذه الرسالة برجل فقد أغلى ما عنده، مهنته وفنه والموهبة التي حافظت على كيانه والتي يتلو تعويضها. وجلست روبين على درجات سلم الشرفة وقد تولد في داخلها إحساس عاطفي رائع، وهي لم تسمع الأصوات المحيطة بها في الجزيرة أو تشعر بمداعبة النسيم لها لأن أول براعم الحب أزهرت لتملك عليها كل كيانها. وأيا كان ما سيأتي به المستقبل فإنها لا تريد شيئا سوى أن تمنحه حبها، وتضع العالم بين يديه وتحقق له السعادة والنسيان، فهل تستطيع هذا؟
ولم تحس، وهي في غمرة تلك المشاعر والأحاسيس والأفكار، بمجيء آدم الذي سمعت خطواته وصوته فجأة بالقرب منها، فأسرعت بوضع الخطاب في جيبها، ومدت يدها لآدم الذي ساعدها على النهوض ثم وضع ذراعه على كتفها وهما يدخلان البيت وسألها:
-هل أنت على ما يرام؟
-نعم ولقد افتقدتك، وإنني في انتظار موعدنا بعد ظهر اليوم... ياإلهي... الكعكة...
وأسرعت مندفعة نحو الفرن وقالت:
-أدركتها في الوقت المناسب، وكل شيء على ما يرام، أصبح في بيتنا موسيقى الآن، حضر توني ومعه فوتوغراف ,

ووضعت الكعكة فوق المائدة وأسرعت نحو الفوتوغراف قائلة:
-هل أقوم بتشغيل إحدى الاسطوانات؟ إنها فكرة مارك، أليس هذا تصرفا لطيفا منهم؟ البيت يسوده السكون أثناء غيابك، وتلك هي الاسطوانة التي أفضلها، إن فيها إيقاعا مثيرا يجعلني أرغب في... أوه... البطاطا يكاد ماؤها يجف فوق النار...
واندفعت مرة أخرى نحو إناء البطاطا في حين أخذ آدم يتابعها في قلق، وصاح فيها وهو يخطو إلى الأمام:
-لا تلمسيها... ستحرقين يديك...
-أدركت هذا عندما لمستها.
وأحست بألم في أصابعها، ولكنها أخذت تبتسم قائلة أنه سيتحسن خلال دقيقة، فأسرع نحوها وطلب منها أن تريه إصبعها المصاب وفتح يدها بقوة، ولم تحس روبين عندئذ بأي ألم كل ما شعرت هو حرارة أصابعه القوية، ووجهه الذي أصبح قريبا جدا منها وهو يتفحص إصبعها، إنها تريد أن تقول له أنها تعرف ما جرى له، وأنها تمنحه حبها، وتطوقه بذراعيها حتى ينسى ولا يصبح لستيللا أي أثر في حياتها، ولكنها بدلا من ذلك قالت له:
-إصبعي في حالة طيبة كما ترى.
فأجاب وهو يترك يدها:
-أجل ولكن عليك بالحذر في المرة المقبلة. كان يمكن أن تصابي بحرق شديد.
وقامت بإعداد المائدة لطعام الغداء وهي مازالت مضطربة قليلا بفعل الانفعال العاطفي الشديد الذي تملكها، وجلست تنظر إليه صامتة، ثم سألته عن رأيه في الكعكة التي صنعتها، فقال لها أنها لذيذة عدا بعض الأجزاء التي احترقت، وسألها إذا كان توني قد أمضى هنا وقتا طويلا فقالت أنه مكث ساعة تقريبا قام خلالها بالتوصيلات الكهربائية وتناول القهوة، فهز رأسه بدون أن يعقب بشيء. ولزم الصمت أكثر من عادته عندما توجها إلى السيارة في طريقها. ولم يقل شيئا عن الفوتوغراف نظرا لأن الحرق الذي أصاب يدها من وعاء البطاطا طغى على أي مسألة أخرى. ثم خطر لها أنه لا يريد لأحد أن يذكر بأي شيء له صلة بالموسيقى أو بوسائل توصيلها نهما كان نوعها، وتذكرت الحوار الذي دار بينهما ليلة عرسهما عن مودريك وولف والبيانو الثمين الذي لا يحلم أحد بأن يجده في تلك البقعة النائية وسط المحيط. قال لها آدم ليلتها أنه لو علم بوجود هذا البيانو في الجزيرة لما جاء إليها. ووضعت وأخذت تفكر فيما سيحدث مساء اليوم التالي أثناء زيارتهما لمودريك وولف. وسرت رعدة في جسمها وهي تتساءل إذا كان باستطاعة آدم أن يدخل تلك الغرفة متجاهلا وجود البيانو.
وطلب منها آدم أن تمسك بمقعد السيارة لأن الطريق وعرة نوعا ما في هذه البقعة. وأخذت السيارة تشق طريقها لتخرج من منطقة الغابة إلى منطقة صخرية وعرة، ثم دلف إلى ممر ضيق ملتو وسط الغابة. وتوقف آدم بالسيارة وطلب منها النزول لأنهما سيجتازان بقية الطريق سيرا على الأقدام، وأشار إليها أن تتبعه وهي حذرة لئلا تسقط في بركة من الطين. سارت خلف آدم وقد علق المنظار في عنقها وراح يسير معها في الممر الضيق حتى وصلا إلى نقطة طلب عندها آدم أن تلتزم الصمت، ورأت ملجأ الطيور المغطى جيدا بالأغصان وبأوراق الشجر وبطريقة مموهة، وقد أطل على البحيرة الممتدة في شكل يشبه نصف القمر.
وأمسك بيدها يساعدها على الصعود، ودلفت إلى ملجأ الطيور في هدوء كأنها تؤدي طقوسا. ووسط الظلام راحت تتلفت بحثا عن آدم، الذي كان على حق عندما قال لها من قبل أن الملجأ لا يكاد يتسع إلا لشخصين، وسمعت آدم يقول لها أن بالداخل مقعدا تستطيع الجلوس عليه، فبحثت عنه على بصيص من الضوء وجلست عليه، وقالت أنها لا تكاد ترى شيئا، فطلب منها أن تمسك بنظارة الميدان، وتضبط البعد حتى يتضح المنظر الذي أمامها. وذلك ريثما يقوم هو بتغيير الفيلم في آلة التصوير، وصاحت في دهشة اعتذرت عنها في الحال قائلة:
-الطائر الأم يتجه نحو الماء، ما أجمل هذه الطيور.
وابتسم آدم وهو يراقب معها طائري الغرنوق الجميلين وهما واقفان عند حافة الماء. وغي الحال نشرت الأم جناحيها راحت تحلق في أرجاء المنطقة، بينما لزم الطائر الآخر السكون. وأخذت روبين، التي أتيحت لها فرصة نادرة لمراقبة مثل تلك الطيور من تلك المسافة القريبة، تدرس هذا الطائر المرتفع الساقين. وبدأت تفكر في تلك الأنواع الأخرى من الطيور والحيوانات النادرة، التي تكاد تنقرض بسبب المذابح التي تعرضت لها في رحلات الصيد على مدى قرون. انقرضت أنواع كثيرة، وهناك أنواع كثيرة أخرى في طريقها إلى الانقراض ما لم تبذل جهود لإنقاذها قبل فوات الأوان. حدثها آدم عن طيور الغرانيق التي تقطن أمريكا الشمالية، وتم إحصاء خمسين نوعا منها، وقلة من هذه الأنواع تعد نادرة وجميلة، ومن بينها الطائران اللذان ترقبهما أمامها.
تحرك آدم ليأخذ منها المنظار، فمسحت يده يدها، ومال قليلا نحو كتفها وهو يضبط البعد وأحست فجأة بضغط جسمه وحرارته ولمساته التي فجرت فيها مشاعر عميقة وأخذت تسري في ذراعها، إلا أنه كان يبدو كأن وجهها يبعد عن وجهه ثلاثة أميال لا ثلاثة بوصات، وأخذت تتفحص قسمات وجهه وفمه وهي على أحر من الجمر إلى لمساته، ثم تنهدت وأشاحت عنه. وسألها آدم إذا كانت تحس بأن حركتها مقيدة، معتقدا أنها تتنهد لهذا السبب، فقالت له:
-كلا.
]ولفت نظرها طائر الغرنوق الذي عاد ليرقد فوق البيض، وقاومت الإغراء بالتحرك إلى وضع أكثر راحة، فقال لها آدم:
-قلت لك، المكان غير مريح
وأعطاها المنظار وأمسك بآلة التصوير وسألها إذا كانت تريد سيكارة فأجابت بالنفي وشكرته. ورأت أمام عينيها شيئا ما يتحرك ولكنها لم تكن متأكد من ذلك، فدعت آدم لينظر بنفسه إذا ربما تكون أخطأت، لكنها تأكدت من صحة اعتقادها عندا رأته يترك النظارة ويمسك بآلة التصوير. كانت هناك بيضة في حالة فقس، وراحت تراقب الفرخ وهو يحطم قشرة البيضة تدريجيا ليخرج منها، وفجأة عادت الأم تحجب المنظر بجناحيها كبيرين فاستاء لذلك آدم، وسألته روبن:
-كم من الوقت سيستغرقه هذا الفرخ قبل أن يتمكن من أن يطير؟
-شهران على الأقل
-سنراه إذا وهو يطير قبل أن نرحل عن الجزيرة.
-هل تفكرين حاليا في الرحيل.
فأطرقت هنيهة وقالت
-كلا، ولكن سيتحتم علينا أن نعود إلى الوطن في وقت ما.
-هذا صحيح.
وقام بإخراج الفيلم من آلة التصوير التي وضعها في حقيبتها، وأثناء ذلك احتجبت الشمس وراء السحب المنتشرة فوق التلال، ومع اقتراب المساء بدأ الجو يبرد وسرت رعدة خفيفة في جسد روبين التي أدركت أنها ضيعت الفرصة السانحة أمامها خلال تلك الساعات لتقترب من آدم أكثر وتجعله يشعر بها. ولكن أتراها كانت ستنجح في هذا؟ ربما ولكن فات الأوان الآن، وكانت الفرصة سانحة جدا فهل تتكرر؟
لا يمكن أن توصف الأمسية التي أمضياها مع مودريك وولف بأنها حققت نجاحا كبيرا، ولاحظت في البداية أن والدر ليس مجرد خادم عادي يعمل لدى مودريك، لكنه يعتبر العمة العجوز في البيت. جلي والدر معهما إلى المائدة لتناول طعام العشاء اللذيذ الذي قام هو نفسه بإعداده، ودار حوار بينها وبين والدر حول طرق الطهو. قال والدر أنها بمضي الوقت ستكتسب المهارة في الطهو، ولكن عليها أن تعلم أنه بدون المشهيات والتوابل فإنها لا يمكنها أن تقيم مأدبة.
ولاحظت روبن مدى فخامة تلك الفيلا وما بها من أثاث ثمين، وسجاد وستائر ومفروشات. وكذلك البيانو الذي يحتل مكانا بارزا في الفيلا ويشرف على البحر. لكنها أحست بأن البيت الذي يجمع بينها وبين آدم أكثر ملاءمة للمعيشة.
ونظرت إلى البيانو ثم رمقت آدم لتتبين رد الفعل لديه وهو يرى غطاء البيانو مفتوحا أمامه، وكراسات القطع الموسيقية مبعثرة بالقرب منه، ولكنه ظل جامدا وجهه لا ينم عن أي انطباع، ولاحظ مودريك نظرات روبين فسألها:
-هل تعزفين يا عزيزتي؟
فردت علية بصعوبة:
-قليلا.
فقال لها وهو يبتسم:
-إذا فالبيانو طوع أمرك إن شئت.
فهزت رأسها وهي تقول
-كلا القطع التي أعزفها خاصة بالأطفال.
وقال لها آدم فجأة:
-لم أكن أعرف أنك تعزفين، لماذا لم تبلغيني بذلك؟
فهزت كتفيها وهي لا تريد أن تقول له أن الأمر كان مؤلما، وأنه لم يشجعها على ذلك، وأشاحت ببصرها عنه.
وفال له مودريك وهو يلاطفه:
سوف تندهش يا صديقي للمنجزات التي تحققها زوجتك بمضي الوقت، فلقد تبين لي أن النساء صنفان: صنف لا يستطيع أن ينجز ولكنه يعتقد أنه يستطيع، وصنف يستطيع ولكنه يترك مواهبه تنفذ نتيجة للضعف الأنثوي.
فقالت له وقد شعرت فجأة بالغيظ لكلامه:
-ولكن ماذا عن الصنف الوسط بين هذين الصنفين؟
-إن أحدا لا يستطيع أن يجري هذا التقسيم ويجعل الخط الفاصل بين القسمين نهائيا. هذا الصنف الوسط لا قيمة له، لأنه قانع بأن يظل خاملا فاتر الهمة كالأبقار.
فالتقطت روبين أنفاسها بحدة، وأعربت عن استنكارها لهذا الكلام وقالت له:
-من الواضح أنه ليست لديك دراية كبيرة بالنساء.
فضحك ومد يديه قائلا:
-أرأيت؟ المرء إذا واجههن بالتحدي سرعان ما ينفعلن ويغضبن، مثلما تفعلين أنت الآن. بدلا من الاحتفاظ بهدوء الأعصاب واستخدام الذكاء في الإعداد لشن هجوم ساحق.
واقترب منها ووضع ذراعه بخفة غلى كتفها وقال لها
-أرجو أن تسامحيني ياعزيزتي، لأنني لا أستطيع أن أقاوم رغبتي في تحدي النساء. وللأسف عثرت مرة على واحدة تفوقني في القدرة على الجدل التحليلي وبرود الأعصاب، وكنت أرغب في الزواج منها لكنها لم تقبل.
وسحب ذراعه من فوق كتفها وهو يضيف قوله:
-ولهذا فإنني أسعى للانتقام من كل امرأة أقابلها، فالأمر إذا يصبح بسيطا، كما رأيت، عندما يعرف المرء السبب.
سألته وقد شعرت بالارتياح لأن النقاش تحول إلى موضوع آخر غير الموسيقى:
-ألا تشعر بالوحدة هنا؟ ألا تفتقد إلى رفيق لتشحذ معه موهبتك في الجدل التحليلي؟
-كلا لا حاجة بي إلى هذا، فأنا أعود إلى أوروبا مرة كل عام، وأزور رفاقي وأصدقائي القدامى، ولكني لا أفتقد شيئا في هذا العالم. فقد اعتدت ان أكون مكتفيا ذاتيا. وأعتقد أن الكثيرين هنا سيكونون أكثر سعادة إذا نحن غرسنا في أنفسنا القدرة على العيش على مواردنا الذاتية. فاليوم نحن نواجه خطر الاعتماد المبالغ فيه على الآخرين، في مجالات التسلية والعاطفة، بل وفي تشكيل وجودنا نفسه، مما يجعل قوانا الذاتية تضمحل نتيجة لعدم استخدامها.
فقالت روبين:
-هذا صحيح إلى مدى معين، ولكن ألا يعني هذا، ضمنا، أن يعزل الإنسان نفسه عن أي صدام مع أقرانه، وهو الصدام الذي يؤدي على الأقل وظيفة منشطة؟
فقال آدم في هدوء.
-الصدام يدمر أيضا.
وسادت فترة هدوء قصيرة قالت روبين بعدها في رقة:
-يجب أن نتعلم كيف نصل إلى الاتفاق ونحقق الحلول الوسط.
فرد عليها مودريك قائلا:
-إنها الطريقة الأزلية وغير المرضية للخروج من المشكلات... من الذي قال يوما أن كل فائدة ومتعة يجنيها الإنسان، وكل فضيلة وتصرفا حكيم إنما جميعا تقوم على الاتفاق والحل الوسط؟
فهز آدم رأسه وأومأت روبين بأنها لا تعرف، ولكنها قالت له بأنها ستفكر في هذا في الصباح المبكر، عندما تغمر أشعة الشمس مياه البحر.
واستأذنها مودريك في أن يناقش مع آدم كتابين قديمين يريد معرفة رأيه فيهما وقال لها:
-أرجو أن تأخذي حريتك في تسلية نفسك كيفما شئت.
وأغلقا الباب فراحت روبين تتجول في أرجاء البيت، وعندما وصلت إلى البيانو توقفت هنيهة ولكنها ابتعدت عنه ولم تسمح لنفسها بأن تستبد بها تلك الأفكار التي تتداعى تلقائيا عند مشاهدة البيانو، ولفت نظرها جهاز مكبر للصوت ستيريو وبجواره مكتبة للاسطوانات تحوي أوبرات كاملة. وأخرجت بعضها من المكتبة وراحت تتفحصها. لمودريك ذوق موسيقي رفيع يختلف عن ذوقها وأوشكت أن تعيد الاسطوانات إلى مكانها، لكنها لمحت فجأة اسطوانة معينة شدت انتباهها فأخذتها قرب الضوء لتتفحصها بدقة.
الصورة المطبوعة على الاسطوانة ليست غريبة عنها، وإن كانت تختلف بعض الشيء عن الشخص الذي تعرفه، إنه صورة آدم الفنان عندما كان بعيدا عن تلك الجزيرة النائية وسط المحيط الهادئ، حيث الرياح والطيور، وموسيقى رذاذ البحر التي لا تتوقف عندما يبلل الزبد الرمال العذراء. كانت تلك الاسطوانة تضم موسيقى ولمانيتوف الشهير الذي سمعته روبين مرات كثيرة، ولكن كان يعزف موسيقاه آخرون غير آدم غاند.
وكانت على وشك أن تضع الاسطوانة في الفوتوغراف للاستماع إليها، فلا بد أن تستمع إلى آدم يعزف، لكنها سمعت أصواتا فأسرعت بإعادة الاسطوانة إلى المكتبة، واتجهت كالمحموم ناحية الباب المفتوح، تأمل ألا يكتشف احمرار وجهها عن شعورها بالذنب، ترى كيف سيكون رد فعله لو أنه سمع تلك الموسيقى؟
وقال لها مودريك وهو يداعبها في دهاء:
-قاومت إذا إغراء هذا البيانو الجميل، إنك مثل زوجك لا تتقبلين الحجج والوقائع المنطقية.
فقال آدم في هدوء غريب:
-لا اعتراض لدي على قيام روبين بالعزف إذا شاءت. وإذا كنت لم أعد أعزف فذلك ليس معناه أن كل بيانو في العالم يجب أن يصمت.
وتحرك آدم إلى الأمام وقد ظهر بريق غريب في عينيه وأضاف قائلا:
-في رأيي إنني يجب أن أعرف مقدرة زوجتي.
فصاح مودريك وهو يسحب مقعد البيانو:
-أحسنت هذا شعوري، أرجو أن تجلسي على المقعد ياعزيزتي، ويمكنه ضبط ارتفاعه وفقا لرغبتك.
وأحست روبين بالجو المتوتر الذي يخيم على المكان بدون أن تدرك مصدره، فتراجعت واعتذرت عن العزف قائلة أنها لا تريد.
فرد عليها مودريك وهو يهز رأسه بطريقة تهكمية وقال:
-كلهن على هذا النحو، إنها لفرصة رائعة تتاح لك، فمن أفضل من قائد يستطيع أن يقوم بدور الناقد لعزفك.
وتراجعت روبين خطوة إلى الوراء، وهي مازالت متأكدة أن مغامرتها محفوفة بالمخاطر، وردت عليه قائلة:
ونظر إليها مودريك لحظة، ثم حرك رأسه في أسف قائلا:
-كما تريدين يا عزيزتي، ولكن إذا لم تسمعينا قليلا من الموسيقى فيجب علينا أن نلجأ إلى الوسائل الآلية لتحقيق هذا الغرض.
وتحرك مودريك ناحية مكتب الاسطوانات فأدركت روبين بسرعة نواياه التي تعبر عن الطبيعة الملتوية المنفى غريب الأطوار، وأحست إحساسا يقينا بأنه سيشغل الاسطوانة المقصودة، وأنه كان يعلم أنها سترفض تعريض نفسها للسخرية وهي تعزف، وعلى الرغم من حياة الاكتفاء الذاتي التي يعيشها فإن أنانيته دفعته إلى هذا التصرف، حتى يباهي بأنه هو الذي تسبب في عودة آدم غاند إلى العزف، أراد استدراج آدم إلى العزف سواء من خلال كلمات التعلق أو عن طريق روبين نفسها. ورمقت روبين آدم بسرعة، بينما كان مسترخيا في مقعده في سكون بدون أن تنم ملامحه عما يعتمل في رأسه من أفكار. وتحركت فجأة نحو البيانو، وأخذت تقلب صفحات الافتتاحيات الموسيقية وقالت:
-هناك افتتاحية بسيطة أعرفها، وسبق لي أن درستها، ولا أدري ما إذا كنت حتى الآن قادرة على عزفها
ونظرت من طرف عينيها إلى مودريك، وتأكدت أنها حققت الغرض الذي سعت إليه بمنعه من تشغيل أي اسطوانات، فعاد مودريك وأحضر صندوق سيكار في شكل سلحفاة، وقدم سيكارا لآدم. وكانت مفاتيح البيانو باردة وتتجاوب معها بصعوبة وهي تعزف مما زاد من توترها العصبي، وتمتمت في تململ، وبدأت تعزف من جديد وهي تحاول أن تعيد نفسها إلى أيام المدرسة، عندما كانت تعزف بمستوى معين من المرونة، وأخذت تستعيد كلمات مدرس الموسيقى وهو يوجهها في صبر، ولكنها برغم ذلك أخطأت مما سبب لها ألما شديدا، فنهضت، واعتذرت بأنها ابتعدت لفترة طويلة عن التمرين.
وقال لها مودريك:
-بذلت جهدا رائعا.
وسادت فترة صمت أحست روبين بعدها بآدم يضع يده على كتفها، وهو يوضح لها في كلمات معدودة مواطن الصواب والخطأ في عزفها، وسألها في تهكم عمن علمها طريقة استعمال أصابعها فدافعت عن نفسها.
-كانت آخر مرة عزفت منها منذ عامين، وقلت لك أنني سأعزف بطرقة مزعجة.
واستدارت لتنظر إليه وهي تضيف قائلة:
-واعتقدت أنك ستشرح لي مواطن الخطأ في عزفي.
وانتظرت أن يستجيب إلى طلبها بأن يشرح لها في استفاضة ولكن أملها خاب عندما أغلق كراس الافتتاحيات الموسيقية وقال لها في برود:
-لا أظن ذلك، هيا بنا، تأخر بنا الوقت. وتغلب صوته الحازم على كلمات الاحتجاج التي صدرت من مودريك بسبب اعتزامهما إنهاء الزيارة فجأة مقدما التحية والشكر الى مودريك بطريقة سريعة، بدت وكأنها تفتقر إلى اللياقة، ثم أخذا السيارة عائدين إلى البيت وسط ظلام الليل. وعندما اقتربا من البيت توقف. وأخذ ينظر إلى أشجار الغابة الكثيفة التي تبدو كالأشباح في ضوء كشاف السيارة، وراحت روبين تختلس النظرات إليه، وهي لا تدري ما يدور في رأسه من أفكار، وتوصلت فجأة إلى قرار، وقالت له في نعومة:
-أبلغني مودريك بأن في استطاعتي الحضور إلى الفيلا في أي وقت في الفترة ما بين العاشرة والظهر للتدريب على العزف إن شئت، فإذا قبلت دعوته هل تراك تقوم؟
-هل تقصدين أن أقوم بإعطائك دروس؟
-نعم.
-كلا أنصتي إلي يا روبين...
ويضيف وقد ارتسمت علا وجهه تعبيرات باردة.
-أدرك مؤامارت مودريك الصغيرة، ولست مستعدا لأن أصبح موضوعا لتجاري العودة إلى العزف، في استطاعتك الذهاب إن شئت، فأنا أعلم أنه لا شيء في الجزيرة سوى القليل الذي تستمتع به أي فتاة، ولذلك فإن بإمكانك الاستمتاع بالقليل المتوفر، ولكن لا تضعيني في الحسبان، ولا تشركيني في هذا الموضوع.
ظلت وقد احتبس صوتها وتملكها اليأس والضيق بسبب هذا التصلب والعناد، مما حال دون أي تقارب عاطفي. وقال لها فجأة:
-هل تحدث مودريك في هذا الموضوع؟
-تحدث؟
وتباعدت يداها ثم ضمتهما وأحست بجفاف في حلقها وقالت:
-كلا، ولن أجرؤ على هذا. لم أتحدث معه إطلاقا في غيبتك. ولكن...
وأطرقت وجهها وتنهدت، وقررت أن تكون صادقة معه فأضافت قائلة.
-نعم أدركت ما كان يجول في خاطره، إنه يعتقد أنه إذا أمكن استدراجك مرة للمس البيانو فقد تجد أن..
وتلاشت الكلمات وهي تدرك أن لا فائدة ترجى من وراء إصرارها على ذلك، برغم أنها واثقة تماما بأن مودريك على صواب وأن آدم مخطئ بإبعاده الموسيقى عن حياته إلى الأبد، حتى لو أنه لن يعود لإحياء الحفلات الموسيقية مرة أخرى.
وهمست له:
-آسفة لكني لا أستطيع كبت مشاعري أو منع نفسي من الإحساس بالدهشة، إذ كيف يمكنك أن تتأكد مالم... مالم تثبت لنفسك تماما أنه لا فائدة، وأن الأمر انتهى..
وتملكه شعور مفاجئ بالغضب وقد هرب الدم من عروقه وقال لها:
-لست في حاجة إلى برهان أيتها الحمقاء الصغيرة. كيف تستطيعين أنت وكيف يستطيع وولف وأي شخص آخر أن يفهم ما أشعر به؟ وكيف لك أن تدركي درجة الكمال المطلوب توفرها؟ اليدان أداة البراعة الفنية، يجب أن تخلو كل منها من أي نقص أو عيب؟ ولم تعد يداي خاليتين من العيوب، وستظلان هكذا على الدوام. لقد أحدثت الجروح أثرا فيهما وتلك الآثار تحول دون تحقيق الكمال، والىن دعك من هذا الموضوع، واعلمي أنني لا أريد شفقة أو عطفا من أحد، بما في ذلك أنت.
وبحركة غاضبة أطفأ أنوار السيارة ونزل منها، وتلاشى وقع قدميه وهو متجه إلى البيت وكأنه لا يعبأ إذا كانت تتبعه أو تبقى حيث هي. وتنهدت في لوعة ودفنت وجهها في كفيها وهتف قلبها: ولكني لا أريد أن أمنحك شفقة أو عطفا، وإنما أريد إعطاءك السعادة والحب، إذا كنت تتيح لي أن أفعل ذلك.


انتهى الفصل

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 12-01-09, 09:12 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل السابع

الأنفجار الأول


حتى المناورات التي قام بها الطائر المحاكي ميكي صباح اليوم التالي لسرقة الطعام وقت الافطار اخفقت في تلطيف الجو وارتفع من جديد حاجز التوتر الفاصل بينهما, وترددت روبين في ان تخطو الخطوة الاولى نحو الوفاق خشية أن تقابل بالصد.
وقالت روبين لنفسها في قنوط بعدما انصرف آدم متجها الى ملجأ الطيور, أن هذا الجو المتوتر سوف ينتهي وسوف تعود اليه روح الدعابه ويسود بينهما من جديد ذلك التفاهم المشوب بالحذر, الا انها لم تستطع أن تتجنب الاحساس بأنها جرحت لأنه لم يقترح عليها أن ترافقه لملجأ الطيور, ولأول مره منذ مجيئها الى الجزيرة يمضي آدم اليوم كله خارج البيت, ليعود في المساء وينشغل بتدوين الملاحظات.
ولن تكون روبين ممن ينتمي الى البشر ان هي لم تنسحب, بسبب هذا الذي حدث, وراء حاجز من الكبرياء والتحدي من صنعها هي, وهو وسيلة الدفاع الوحيدة المتبقية لها. وقد ذكرها هذا بمدى ضآلة ما تعرفه عن هذا الغريب الذي تزوجته. ما الذي جعلها تتزوجه؟ هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسها بعد هبوط روحها المعنويه الى ادنى مستوى خلال الايام الثلاثه الفائته.
واعتدلت لتستلقي على صدرها وهي متكئة بمرفقيها على وسادة من رمال الشاطئ الناعمه. انها تعلم الان انها تحبه, ولكنها لم تكن تحبه عندما قبلت الزواج منه, كانت في ذلك الوقت ممتلئة بالمراراه وتشعر بالضياع, فلم يكن لديها اي حب تدخره لأحد سوى نفسها. استطاع أن يحرك وترا فيها جعلها تفكر بشئ آخر غير متاعبها. شيطان اللامبالاه الذي استبد بها دفعها لأن تقبل اقتراحه بالزواج. وتربط حياتها بهذا الرجل الذي يشاركها في شيء ما. رغم أن هذا الشيء يتعلق بالماضي المحزن, ولكن أين هي تأكيداته لها بأنه اذا صمم شخصان على اقامة علاقه مستقرة بينهما فلابد ينجحان؟ صدقته برغم هواجسها وشكوكها, وسمحت لنزوة جنونيه بأن تطغى على التعقل...آه لو أنها...
وسمعت فحأة من يقول لها:
" اتأخذين حمام شمس؟ "
فنهضت لتجد أمامها مارك ثورنتون يبتسم وبجواره توني. سألتهما وقد أحست بحرج وهما ينظران اليها باعجاب:
" أتريدان آدم؟ "
وغطت نفسها بمنشفة الاستحمام وهي تلحظ مارك يجلس فوق الرمل ويرد عليها قائلا:
" ليس بصفة خاصه, جئنا لزيارة اجتماعيه اذ لم نركما منذ بعض الوقت ايها الطائران العاشقان. وهذه الجزيرة ليست خالية تماما من السكان كما تعلمين "
فابتسمت قائلة:
" ظللنا نمضي وقتا طويلا في ملجأ الطيور, فلقد فقست بيضتان, الثالثه لم تفقس مما جعلنا نقلق على مصير الفرخ الثالث, واذا كان سيخرج للحياه "
وسار الثلاثه في اتجاه البيت, ولم تكن تدري هل تغتبط أم تحزن عندما قال لها مارك انهما لن يتمكنا من شرب القهوة عندها هذا الصباح لكن ربما في وقت آخر.
وعندما اصبحت وحدها من جديد تساءلت هل شعرا أن شيئا ما لا يسير على ما يرام, وأن هذا الزواج زائف, وانه لم تعد هناك حتى صلة الصداقه التي كانت تربطها بآدم, وأنها عاجزة عن انقاذ القليل الذي تبقى؟
في هذا المساء بذلت روبين محاولة جادة لجعل الحوار بينهما أكثر مرحا. واسرعت نحوه للترحيب به عندما سمعت صوت السياره, ولاحظت أنه أخذ يتجاوب معها. ثم لاحظت القلق في عينيه, وبدت ابتسامته تتلاشى, فسألته في قلق عما به. فقال لها وكأنه لم يسمع سؤالها:
" مات واحد من الطيور " ودلف الى داخل البيت عابرا امامها.
" يبدو أن الفرخ كان ضعيف البنيه واصابه بعد الظهر نوع من التشنج والاضطراب العنيف, فأسرع الابوان بإزاحته خارج العش. فأخذ يرفرف ويعود الى السكون ثم يرفرف مرة أخرى, قاوم في ضعف الى أن همد وسكنت حركته وفقد الحياة "
وقالت له وقد افزعتها حالة الحزن والاسى التي انتابته:
" هل كان في امكانك أن تفعل شيئا؟ "
" مستحيل أن نفعل أي شيء بالقرب من هذا العش, تعرفين تلك الطيور فضلا عما سوف تحدثه من جراح واصابات عندما تهاجم. هناك مخاطرة هائله بأن تهجر الموقع. ويتم القضاء على كل شيء "
" كم تثير هذه الخواطر الفزع! "
وعضت على شفتها, وادركت أن هذا ليس بالوقت الملائم لمحاولة التقرب منه, ويجاد جو من التفاهم بينهما وذهبت لاعداد طعام العشاء.
وتناول طعامه في صمت وذهنه مشغول. ثم اتجه الى مكتبه وبدأ في تدوين ملاحظاته. ونظرت اليه وعندما لاحظت انه لم يبدأ في الكتابه قالت له مواسيه:
" آدم, تناسى ما حدث لبعض الوقت, وتعال نتمشى ناحية الشاطئ "
رفع كتابه وهو يتنهد وقال:
" ليست لي رغبة في أن أتمشى, يمكنك أن تتمشي وحدك إن شئت "
فقالت بلهجة يائسه:
" ولكني اريد التحدث اليك...اريد... "
فرد عليها بخشونه:
" لا...بل أفضل البقاء وحدي "
فقالت له في برود:
" حسنا, ان كنت تريد هذا, فأني أوافقك "
لم يكن من السهل منع أي نوع من الاتصال بين شخصين يقطنان معا في مكان محدود كهذا المنزل, الا أن عليها الا تجعله يشعر بمدى استيائها في صده لها.
ومما ساهم في ذلك اضطراره لقضاء فتره من الوقت أطول من ذي قبل في ملجأ الطيور. كما انها احست بالاغتباط لان تلك هي أول مره يجري فيها تسجيل كامل بالصور والملاحظات المكتوبه لعملية ولادة تلك الطيور النادره.
ودرجت روبين خلال الايام التاليه على أن تعامل آدم ببرود وبطريقة تخلو من روح الصداق, ان لم تكن تجافي روح الموده الزوجيه ولكنها ليست روحه. قالت هذا لنفسها في مراره. انها لا شيء بالمره, فقدت شخصيتها في هذا المنفى الغريب خلال فترة الانتظار التي تمتد بها حتى موعد مجيء القارب التالي الى الجزيره وبعد ذلك....ورفضت السماح لأفكارها بأن تتكهن عما يمكنه أن يحدث بعد ذلك, أو تجيب على التساؤلات المؤلمه التي آثارها مثل هذا التفكير, ولكنها لا تستطيع أن تمنع عقلها من أن يشك في أن آدم يفضل تلك العلاقه العابره التي نشأت بينهما برضاهما المتبادل. والسؤال: الى متى تستمر تلك العلاقه؟
ولم يكن أمامها في وحدتها تلك سوى الاتجاه الى توني ليسري عنها. وأصبح شيئا مألوفا أن يصبحا سويا, ثم يدخنا في استرخاء, ويعودا الى المنزل لتناول القهوة في الشرفة وهما يستمعان أثنائ ذلك الى الاسطوانات المعتاده والاغنيات القديمه. وكان توني يصل أحيانا بعد الظهر تبعا لظروف عمله. ويسير البرنامج المعتاد كما هو سوى أن قهوة الصباح تحولت الى شاي بعد الظهر. ومن الغريب أن تلك الصداقه لم يشبها أي عامل شخصي, من ناحيه مشاعر روبين على الاقل ولم تخف عن آدم زيارات توني لها, لكنه كان يقابل كلامها ببرود وبدون أن يعيرها اهتماما. الى أن حلت احدى الامسيات حين خرج عن بروده وصمت.
وقف آدم يراقبها وهي تجفف شعرها تحت اشعة الشمس الغاربة في الشرفه وعندما امسكت بالمشط سألأا في هدوء:
" أرجو أن تدركي ما تفعلينه "
فسقط المشط من يدها. وانحنت لتلتقطه وهي تسأله وقد لاحظت تعبيرا معيانا في قسمات وجهه:
" ماذا تعني بهذا الكلام؟ "
فرد عليها في تعمد:
" اعني أنه من الافضل أن تبتعدي عن الفتى توني ستيفنز "
فضاقت عيناها واخذت تمشط شعرها بعصبية وقالت:
" هو يأتي الي فماذا أفعل؟ هل ابلغه الا يأتي الى البيت مرة أخرى؟ "
فتنهد آدم وقال لها:
" الصبي مبتلي في حياته. فماذا تتوقعين وأنت الفتاة الوحيده في الجزيره؟ أم أنك اصبحت على درجة شديده من الافتقار الى الحس بحيث لا تدركين هذا؟ "
فضحكت في تكلف وقالت:
" هذا أمر مثير للضحك. هل انت غيور؟ "
" ايتها الحمقاء الصغيره! "
ونهض واقفا وقد تملكته نوبة من الغضب الشديد تفوق حالة الغضب التي استبدت به في تلك الليله بعد عودتهما من مأدبة العشاء في فيللا هودريك وقال لها:
" هل هذا هو كل ما يستطيع خيالك ان يجتح اليه؟ "
" اي خيال, انا افكر ولا اتخيل "
" اتعرفين ماذا يكون عليه حال رجال بلا نساء يعيشون محتجزين في جزيره لمدة شهو. ثم تأتي من البحر فتاة صغيره وتهبط في الجزيره, ما السبب الذي تظنين انني تزوجتك من اجله؟ "
فنهضت واقفه وراحت تنظر الى الومضات الحمراء الصادره من المحيط وقالت:
" لم اعر هذا الامر أي اهتمام "
" اذا حام الوقت الذي تبدئين التفكير فيه! "
قالها في خشونه ودلف أمامها بدون أن ينظر اليها, واخذ يبتعد وهو في طريقه الى الشاطئ مع الاشعة الاخيره للشمس الغاربه.
وراح الشك يعتمل بسرعه في نفسها مما جعلها تحس بالذنب. هل انجذب توني اليها؟ بدت لها تلك الفكرة للحظة وكأنها فكرة بلهاء, فهو ما زال يحب فتاته التي هجرته وهو يعلم انها امرأة متزوجه, ولم يبد نحوها سوى الصداقه والاحترام انه ببساطة صغير السن ويحب المرح...وهي ايضا مثله. فلماذا لا تستمتع بصحبته؟ لقد بين لها آدم بوضوح انه لا يريد صحبتها.
ترى ما الذي يريده آدم؟ اهو يريد العودة الى الوراء, الى كل ما كان يستحوذ عليه من قبل, والى الفتاة التي كتبت اليه تلك الرساله التي تحتفظ بها روبين بين صفحات كتاب في الصندوق المجاور لمخدعها؟ يجب عليها أن تمزق تلك الرساله, حتى لا يعثر عليها آدم بمحض الصدفه. ولكن هذا يبدو مستبعدا لانه على حد علمها لم يدخل اطلاقا تلك الغرفه التي كانت من قبل غرفته, كما أن الكتاب الذي وضعت في الرساله عباره عن رواية من كومة الروايات التي قرآها آدم. ولم تدر ماذا تفعل. من الواضح أن آدم يعتقد أن الرساله ضاعت, لكنها ترددت في احراق شيء من الاشياء التي تخص آدم أساسا, كما لا يبدو أن الحل هو قيامها بطي الرساله في قبضتها وقذفها من الشرفه مثلما فعل آدم من قبل. اذ قد يعثر عليها شخص آخر...
ترى الى أي مدى أحب آدم ستيلا؟ كلا...الى أي مدى ما زال يحبها؟
واغلقت روبين عينيها وهي تحاول أن تمنع ذنها من تخيل شكل تلك الفتاة التي لا تعرفها. أكانت شقراء أم سمراء؟ مدبدبة القامه أم قصيره؟ وديعه أم مفعمة بالحيويه والنشاط؟ خجوله أم...؟ وفجأة سمعت صوتا يناديها ويقول:
" جرت العادة أن يخلع المرء حذاءه اولا "
فالتفتت ناحية مصدر الصوت مره وناحيه قدميها اللتين وصلت اليهما المياه ولاحظت أن توني يقترب منها وهي جالسه على رمال الشاطئ فقالت له:
" كنت احلم....."
وضحكت ونهضت لتبتعد عن مياه المد وخلعت خفيها.
وقال لها توني في تردد:
" اقتقدتك هذا الصباح. هل قررت الذهاب لمشاهدة الطيور بدلا من مصاحبتي؟ "
" كلا...قررت أن اتمشى ناحية الطرف الاخر للجزيره حتى اقطع وقت الفراغ "
وسارت جنبا الى جنب مع توني وهي تنظر الى آثار قدميه فوق رمال الشاطئ. الامر سيكون اصعب بكثير مما تصورت, فكيف لها أن تمتنع عن رؤية توني بدون أن تسبب له الالام أو تذكر له الحقيقه؟
وقال لها توني:
" قلت انك كنت تريدين الذهاب الى الطرف الشمالي للجزيره وكان في امكاني أن أذهب بك الى هناك, ويمكن اخذ سيارة جيب لثلاثة أميال, ثم يسير المرء على قدميه لان الطريق شديده الوعوره هناك "
واطرق بضع لحظات ثم اضاف:
" علمت أن احد الفرخين قضى نحبه. هل رأيته؟ "
" كلا, رأيت أول فرخ يفقس من البيضه "
"بدأنا نشعر بشوق لرؤية تلك الطيور "
" الم يتح لكم مشاهدتها حتى الان؟ " فهز رأسه قائلا:
" هذا المكان محظور على كل سكان الجزيره عدا آدم....وانت طبعا "
وتوقف ليقدم لها علبة سكائر وهو يقول أنه احضر تلك العلبه لانه يعلم ان ما لديها من سكائر بدأ ينفد فشكرته بحراره وتأثرت بتفكيره الناضج ودعته للتدخين وجلست فوق كومة من الرمال, وعندما اشعل القداحه اطفأها النسيم. واخفقت عدة محاولات في هذا السبيل مما جعلها تضحك, وشاركها هو الضحك, وعندما اقترب منها ليشعل لها سيكارتها لاحظت دفء نظراته اليها, فأسرعت بغض بصرها وسكتت ضحكاتها.
واحس هو بالحرج فابتعد عنها قليلا, وجلس متكئا فوق احد مرفقيه, واطرق اطراقة ادركت كنهها ثم قال:
" الطريقة التي استوطنت بها هذه الجزيره تدعو الى الدهشه, ولابد انها تطلبت منك قدرا من الشجاعه, فليس في هذا المكان محلات او مخازن للسلع او صالونات لتصفيف الشعر, وغي هذا من الامور التي تهتم بها الفتيات. الرجال لا يشعرون بنقص كبير اذا حرموا من تلك الاشياء, ولكن الامر يصبح مزعجا ان حدث هذا بالنسبة للنساء "
واطرق ثم جذب نفسا من سيكارته وقال:
" من المؤكد أن آدم رجل محظوظ "
وكانت روبين ترسم بعض الاشكال بأصابعها فوق الرمال وفجأة قامت لتنفض الرمال عن يديها وقالت له:
" ليس آدم محظوظا تماما كما تعلم "
" اسف لم اقصد هذا المعنى, انما كنت اعني....."
" اعلم هذا, هيا بنا نتسابق حتى الخليج "
واخذت تعدو وقد استبد بها مرح الشباب, وعادت بها الذكريات الى أيام طفولتها وهي تعدو على شاطئ الجزيره وتخيلت اباها واقفا امامها يضحك ويلهث ويقر بفوزها. وفجأة زال عنها الوهم لانها أدركت أن توني تخطاها وسبقها.
واقترحت عليه بعد ذلك أن يتسلقا الصخور, فأخذته الدهشه بسبب ذلك النشاط وتلك الحيويه التي تملأها, ولم يخف شعوره هذا فردت عليهروبين بابتسامه. وبدأت في التسلق وهي تتحسس طريقها وسط الصخور الوعره لهذا الاخدود العميق بدون أن تدري السبب الذي جعل تلك الطاقة من النشاط والحيويه تفور بها دهشة. ولكنها احست بأن عليها أن تصرف تلك الطاقة. واخذت تواصل الصعود غير مكترثة بالتحذيرات المتكررة من توني الذي شعر بالقلق الشديد عليها, ولكم نبهها بأنها لا تستطيع الصعود أكثر من هذا والا سقطت ودق عنقها. اخذت تتحداه وتهلل كالاطفال كلما تغلبت على احدى العقبات, الى أن جاءت لحظة أدركت فيها مدى صعوبة موقفها واصبح النزول أشد خطوره, وراح توني يشجعها ويرشدها الى كيفية التصرف أثناء نزولها, وفجأة هوت احدى الصخور تحت قدميها فانزلقت وكادت تسقط لولا أن طوقها توني بذراعيه بقوه وهبط بها في أمان.
ولاحظت عندئذ مدى التعطش في عينيه وفجأة اقترب منها وانقض عليها عنوه. وتمكنت من التخلص من ذراعيه بصعوبة بعدما طلبت منه الا يكون أحمق وأن يتركها. وحاولت أن تسيطر على مشاعرها, وقالت له وهي تحاول تهدئة الموقف:
" اكنت تظن انني كنت سأترك نفسي اتدحرج الى القاع لكي اضطر بعد ذلك الى التسلق من جديد؟ "
واشاح بوجهه عنها وقد احس بالخزي والحرج الشديدين وقال لها:
"انني آسف, فما كان يجب أن اتصرف هكذا...."
" تناسى ما حدث, كانت مجرد هفوه ومن الافضل الا نخرج سويا للتنزه مرة اخرى والا....."
وتوقفت عن الكلام لانها لم تشأ أن تقول له انه من الافضل أيضا الا يمضيا وقتا طويلا معا في المستقبل.
" اعتقد انني يجب أن اذهب للاغتسال وتغيير ملابسي "
" انا متفهم لهذا, وفي أي حال لن احضر الى هنا ما لم اتلق دعوه "
فأطرقت روبين هنيهة ثم ردت بسرعه:
" طبعا سوف توجه اليك الدعوه أنت ومارك, اننا نسعد بؤيتكما "
وابتسمت ومدت يدها تصافحه لتنصرف, فصافحها بسرعة واتجه الى المكان الذي اوقف فيه سيارة الجيب, وراقبته روبين وهو يبتعد وقد تملكتها احاسيس مختلطه من العاطفه والاسف بسبب ما حدث ولان تلك الصداقة اللطيفه التي استمتعت بها معهلابد أن تنتهي من اجل مصلحة توني, ان لم يكن من اجل مصلحتها هي. فهي لا تحبه وهو لا يحبها, وانما الشباب والوحده اجتمعا في ظروف معينه, ولكن من يتفهم ذلك؟
واتجهت الى المنزل وهي تتوجس خيفه, وفعلا رأت آدم واقفا في مدخل البيت, وعندما اقتربت دلف الى الداخل, فجرت قدميها في تثاقل واضطراب واتجهت الى غرفة الجلوس لتجده جالسا فنبهته الى وجودها لكنه رد عليها في فتور, فروت له كيف انها صعدت الصخور وانها تدحرجت من فوقه. وصمتت برهة واضافت قائلة أن توني انقذهاز فسألأها في برود عن الفترة التي استغرقها هذا المشهد. فالتقطتت انفاسها وقالت له:
" لم يحدث أي مشهد, كنت هناك ورأيت بنفسك. اليس كذلك؟ "
" كنت اتمنى ان اصاب بالعمى والا ارى ذلك المنظر المؤثر, ان عينيك لم تفارقاه الى أن ابتعد عن ناظريك, واعتقد....."
فصاحت قائله:
" ولكن الامر لم يكن بهذه الصوره على الاطلاق "
ولاحظت نظرات الاحتقار وعدم التصديق في عينيه ومضت تقول:
" انك تعلم مدى وعورة الصخور, وظننت اني قادره على التسلق بمهاره, ولكنني وقعت في مأزق قبل أن أدرك....."
" قبل أن تدركي أين كنت أنا وانني قد أظهر في ذلك المكان في لحظه "
فنظرت اليه في هلع وقالت:
" حقا؟ "
فرد عليها في برود:
" طبعا. ولكن ما الذي تريدين مني أن اصدقه؟ ظللت تلتقين به بصفة مستمره طوال الاسبوعين الماضيين, واخذ هو يمضي كل لحظة من وقت فراغه هنا. وتتوقعين مني بعد ذلك أن اصدق بأنه ليس في الامر أي شيء؟ "
فتقدمت نحوه ومدت اليه يديها اللتين اصابتهما الرضوض مثلما اصابت ذراعيها الخدوش وقالت له:
" الا يكفي هذا دليلا على ما اقول؟ هذا هو ما حدث بالضبط. وتصرف توني بشئ من الحماقه واعتذر عما بدر منه "
فنظر اليها من قمة رأسها الى اخمص قدميها وقد لوى فمه:
" افضل ان اصدق ما شهدته بعيني, واعتقد انك توهمين نفسك بأنه يحبك, لماذا لا تعترفين بهذا في امانه, طلبت من هذا الصغير أن يأخذك في جوله بالسياره واستمتعت بكل دقيقة فيها "
فثارت مشاعر روبين وفقدت السيطره على نفسها وانفجرت قائله:
" كلا. لم يحدث أن قمنا بأي جوله. ولكن حقا...استمتعت بها, فعلى الاقل اتيح لي أن اريح اعصابي وأن اضحك واتصرف كالبشر بصحبة توني ستيفنز الذي يعد من الطف من التقيت بهم ومن اكثرهم استقامه. ولكنك لن تستطيع ادراك مثل هذا وانت ترتدي هذا القميص المصنوع من وبر الحيوان "
وبدون أن تعبأ بالشرر المتطاير من عينيه راحت تضيف قائله:
" انك ترتدي قميص من الوبر بسبب ما فقدته, ولأن امرأة خانتك. قلت لي انني هربت, وربما اكون قد فعلت هذا, ولكنني لم ادع الذي حدث يقتل أ] ضحكة او عاطفة انسانية في نفسي, لم لا تكون صادقا مع نفسك وتحدث تغييرا في حياتك؟ لم تتزوجني لكي تحميني أو لأي سبب آخر من تلك الاسباب العقلانيه البارده التي ذكرتها لي. وانما تزوجتني لارضاء اغراضك الملتويه, ولكي تنتقم مما فعلته هي بك "
" اخرسي! "
وتقدم نحوها وهو يضغط بقبضة يده في محاولة للسيطرة على نفسه واضاف قائلا:
" ايتها الحمقاء الصغيره انك لا تعرفين معنى ما تقولين, انك......"
" بل اعرف "
ومدت ذقنها الى الامام في كبرياء وفي اصرار على عدم التراجع عن موقفا واضافت قولها:
" هل تعجب لاهتمامي بتوني ستيفنس؟ وماذا هنا غير هذا؟ من هنا غيره؟ انه على الاقل شخص طبيعي وفيه حراراه وليس معقدا, وقلبه ينطوي على الحب لا المراراه, وهو ينظر الي كما لو كنت في عنفوان الشباب والحيويه بل ينظر الي كامرأة "
" ايتها الحمقاء العمياء الصغيره! "
وهرب الدم من وجهه وهو في شدة التوتر حتى ظنت انه سوف يضربها واضاف قائلا:
" تلك اذا هي الطريقة التي تسير بها الامور, المساعدة التي قدمتها لك رغم حاجتك الماسه اليها, لم تكن كافيه, ولم تكن الناحيه الشكليه لتؤدي الغرض. فأنت مثل كل النساء يدفعك الغرور الى السعي للاستحواذ على كل شيء. الاعجاب واظهار الحب لك حتى ولو كان يعوزه الاخلاص, انك في حاجة الى ان تقدم لك عبارات الثناء والاعجاب جزاء قدرتك على اشباع رغبات الرجال الدنيئه "
واخذ شهيقا عميقا في برود ثم تحرك في اصرار وتجهم وهدوء أثار مخاوفها وقال:
" حسنا ولما لا, فأنت مفعمه بالحيويه والنشاط والدفء...وسوف أقدم بنفسي الثمن الذي تستحقه تلك الامكانيات التي تحظين بها, وهو الثمن الذي فاتني تقديمه من قبل فنحن متزوجان على كل حال "
فتراجعت روبين الى الوراء وقد تملكها خوف مفاجئ. وادركت أن الوقت قد فات, فقد سدت عليها الطريق, وفتحت فمها ولكن لم تسعفها الكلمات ولم تستطع سوى رفع يدها المتجمده لتحاول بها وقف تقدمه نحوها.
وابتسم في سخرية وهو يقول لها:
" حسنا ماذا تتوقعين. لست صبيا صغيرا حتى يمكن تهدئتي ووقفي بنظرة معينة اذا ما تخطيت الحدود. حذرتك, ولكن يبدو انني لم استطع ان اجعل المعنى الذي اقصده واضحا لك. عندما يجتمع رجل وامرأه تحت سقف واحد فإن التقاليد القديمه هي التي تسود "
وراح يحتضنها ويضمها الى صدره بقوه وهو يضيف قائلا لها
" ولكن يبدو انك بسذاجتك لم تدركي هذا, أم أن مداعبات ستيفنز الصبيانيه كانت كافيه لاشباع غروروك؟ "
فثارت عندئذ واخذت تكافح للتخلص من ذراعيه ولكن بدون جدوى واخذت تقول له:
" كلا, هذا غير صحيح...."
واشتد تطوقيه لها وقال:
" انك اجمل مما كنت اظن, وكم كنت غبيا لأنني لم اظفر بك منذ البدايه, كانت لك رغبة في هذا, اليس كذلك؟ "
وتوقف فجأة وتركها ودموعها تسيل على خديها وقد بللت شفتيه, واخذ يحاول تهدئتها والتخفيف عنها وقال لها:
" بحق السماء لا تبكي, فتلك ليست نهاية العالم "
ولم ترد عليه او تنظر اليه, وكانت دموعها المنهمره هي الرد الوحيد, فأسرع بالخروج بحركة عصبيه.منتديات ليلاس

انتهى الفصل

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 12-01-09, 09:17 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الثامن

من اجل ايمانك


كانت تلك اطول ليلة في حياتها بالمقارنة طبعا بتلك الليلة المفزعة التي عاشتها بعد وفاة ابيها، وفي ذلك الحين كان هناك اناس تفضي اليهم بما في نفسها ويخففون عنها، اما الان فليس هناك من تستطيع ان تبثه اوعجها واحزانها التي تكاد تمزقها، انها تسائل نفسها: كيف يمكان لها ان تحب هذا الرجل وان تكرهه في ان واحد ، في حين ان قلبها بصرخ طلبا لكلمة حب واحدة منه؟
كان الوقت متأخرا جدا عندما سمعت وقع قدميه، ولكن وقع الاقدام لم يكن سوى اشارة لوجود شخص اخر غيرها في المنزل يلفه السكون. وكانت تلك الليلة المظلمة التي غاب فيها القمر قد قاربت نهايتها عندما استسلمت اخيرا لنوم متقطع، استيقظت منه بعد ان عاشت حلما مفزعا. وبدأت تفيق وتحس بالسكون يخيم البيت وكأن النهار لم يطلع بعد. ولم تكن اصوات الطيور وضوء الشمس الذي ملأ الدنيا من حولها الا لتزيد من احساسها بالكآبة والفراغ بين جدران البيت، وتبين لها انها اصبحت وحيدة مرة اخرى.
ودخلت غرفة الجلوس، وادركت ان آدم تناول افطاره ولكنه لم يتناول طعما كثيرا، واعدت لنفسها فنجانا من القهوة. اليوم مازال امامها طويلا وثقيلا بساعاته، ولم تتحمل التفكير في الايام والاسابيع التي ستمر قبل ان تتمكن من ترك هذا المكان.
انها لاتريد ان تتمشى او ان تسبح، وبعد ما حدث امس لم تعد تكترث بمقابلة توني مرة اخرى، وخرجت امام المنزل، وفجأة حلق ميكي وحط فوق
كتفها ، واخذت تخاطبه بكلمات من تلك التي تقال للصغار وهي تحس بمخالبه وخفق جناحيه، ولكنه تركها وانصرف الى احدى الاشجار عندما تبين له انه لا امل في انتظار وجبة طعام شهية.
وعندما حان وقت الغذاء لم تكن قد قررت بعد ما اذا كانت تبقى في البيت كي يجدها آدم عند عودته، ولكن القرار كان قد خرج من يدها عندما اكتشفت ان آدم اعد لنفسه بعض الطعام وأخذه معه. فاستشاطت غضبا وخرجت من البيت لاتلوي على شيء واستمرت في السير حتى تعبت قدماها واصبحت الطريق غير صالحة للسير، وكانت الشمس قد مالت الى المغيب فاسرعت بالعودة لتحس بانها حبيسة في البيت فآدم لديه على الاقل عمل يؤديه في ملجأ الطيور، اما هي فليس امامها مكان تتجه اليه.
وعندما عاد احست بحضوره، وارادت ان تتحرك نحوه، ولكن عنادها منعها وبدون مقدمات قال لها:" اسف تصرفت بطريقة بهيمة ليلة امس."
وتنهدت بطريقة تنم عما في نفسها من ألم ، وقالت له وهي تعد الاطباق على المائدة انها هي ايضا تفوهت بكلمات غير لائقة، وهي تأسف لهذا، ولكنها قالت وهي في صورة الغضب الان....الان...
فجلس وقال لها انها ذكرت كل شيء بوضوح تام، وان كلا منهما ابلغ رسالته للاخر ، ولاداعي لاثارة الموضوع مرة اخرى.
فجلست وهي تتجنب النظر اليه وقالت له:"اتعني انك سوف تتصرف في المستقبل بطريقة متحضرة؟"
فوعدها بذلك، وبدا يتناول طعامه بدون ان ينك سلوكه عما في رأسه من افكار، وبعد لحظات ابلغها بأن البيضة الاخيرة فقست وانه استطاع ان يصور كل مراحل عملية الفقس. وكان واضحا ان المسألة الاخرى اسدل عليها الستار . ولكن كيف هذا؟ كيف يمكن لرجل ان يتصرف بعدم اكتراث على هذا النحو بعد ساعات قلائل من تجربة عاطفية مثيرة خاضتها! لم تدرك قبل الان مدى ما تنطوي عليه كلمات بايرون الشاعر الانكليزي الكبير عن الحب حين قال: ان حب الرجل هو نسيج وحده، انه يعني كل وجود المرأة الان ان حب آدم لايبدو هكذا ، فلا يوجد رجل يتصرف بمثل هذا التأدب والبرود ، مثلما يفعل آدم نحوها ، ولو كانت في قلبه شرارة واحدة من الحب ، وخلال الايام القلقة التي مرت بعد ذلك احست بأنه يعتمد الايحدث بينهما اي تلامس، ولكنها اعترفت بصراحة بينها وبين نفسها بأن ذراعيه اضرمتا فيها النار.
واخذت افكارها وعواطفها تتذبذب بين نقيض ونقيض، وتمنت لو انها لك تر آدم او تنزل الى شواطئ الزيتا، فالجزيرة كالسجن... لقد تطلعت الى نيل حريتها ولكنها فقدت تلك الحرية في حياة الجحيم التي تحياها، وهي لحياة التي كان يمكن ان تصبح جنة مع حب رجل لها....
لم يجرؤ توني على الاقتراب منها منذ اليوم الذي كادت تلقي فيه حتفها كما لم تستطع هي ان تخاطر بالخروج لمقابلته خشية تعرضها لمزيد من الادانه
وبعد مضي ثلاثة ايام على هذا الحادث جلست روبين في حالة من اللامبالاة
تقلب في السجلات الخاصة بملجأ الطيور، وهي السجلات التي تحوي معلومات كثيرة عن عائلة الطيور التي لم يسمع عنها سوى القليل ويهتم بها
سوى المتخصصين وفجأة ظهر هودريك وولف في زيارة غير متوقعه ، وقال لها انه اخذ يتساءل عن سبب احتجابهما منذ فترة ، وسألها وهي تقدم
له القهوة إذا كان آدم رجلا" غير اجتماعي.
وقدم لها هدية احضرها معه وهو يقول انه اعتقد انها تحب الحصول عليها
وازاحت الأوراق الخارجية التي تغلف الهدية لتفاجأ بأنها عبارة عن حافظة
تحوي اربع اسطوانات احداها تلك الأسطوانه التي سبق ان رأتها في مكتبة
هودريك وهي تحتوي على تلك المقطوعه التي عزفها آدم فأمسكت بها بيدين ترتعشاان وقدمت الشكر لهودريك وقالت له:
"اتمنى ان اسمعه يعزف من جديد ولكن..."
فهز هودريك رأسه تعبيرا" عن ادراكه لما تقصده وقال لها انه اعتقد ان تلك الاسطوانات قد تكون محظورة ولكنها ربما تثق في كتمانه للسر ونظر
اليها نظرة ذات معنى واضاف:
" لا اود ان اكون مسببا" في حدوث شقاق ولكنني علمت بأنك حصلت على
الفوتوغراف الخاص بمحطة الرصد
"وكيف علمت بهذا"
"رأى والدو توني وهو يحمله في سيارة الجيب وتوقع انه لابد ان يكون في طريقه اليك."
وبعد ان انتهى هودريك من احتساء القهوة انصرف وعادت وحيدة من جديد وراودتها الرغبة في الاستماع الى تلك الاسطوانات ولكنها لم تجرؤ على هذا فليس الوقت ملائما" وحملت حافظة الاسطوانات لتخفيها وسط ملابسها كأنها معصية تريد الاحتفاظ بها سرا".
ولزمت الصمت عندما رجع آدم لتناول الغداء واخذت تتصرف في فتور
كالمعتاد ولكن لولا انشغالها عندئذ بإعداد المائدة للاحظت شيئا" من الرقه في عينيه الرماديتان وهو يتتبعها ببصره وقال لها:
"اعتقد ان زائراقدم إلينا هذا الصباح"
فأصابها الذعر ولكنها ردت قائلة:
"نعم وذكر حاجتنا الى بعض الاختلاط بالناس"
وقال لها انه توجه الى محطة الرصد لاحضار بعض السكائر وقابل هودريك في طريق العودة وعندئذ احست روبين بالارتياح فهودريك كتوم
للسر كما يبدو وسألها فجأدة؟
"اترغبين في الذهاب إلى ملجأ الطيور بعد ظهر اليوم؟"
وجعلتها المفاجأة تتردد في الرد لحظات طويلة فقال لها انه لاداعي لمجيئها
إن لم تكن راغبة في ذلك فهو يعلم ان المكان هناك ضيق وغير مريح واستاءت عندئذ لطريقته فيإلغاء زيارتها بدون فرصة لتقول رأيها بالقبول او الاعتذار بطريقة تحفظ ماء وجهها فردت عليه في برود:
"ارغب في السباحه بعد ظهر اليوم"
"ولكن لاتفعلي ذلك بعد طعام الغداء مباشرة"
فقالت وهي تضع الأطباق في وعاء الغسل وتصب فوقها بعضا" من مادة منظفة:
"كلا سأخذ معي كتابا" لأقراء منه فصلين قبل السباحة"
وبدلا" من ان يعد نفسه للخروج لاحظت انه اخذ يساعدها في تجفيف الأطباق مما جعلها في حيرة من امره وفجأة قال لها:
"سأذهب للسباحة معك قبل ان اعود الى ملجأ الطيور.."
واحست عندئذ بأن الأمور فاصبحت مشوشة من حولها فصاحت صيحة
إحتجاج مكتومة في داخلها انها لاتستطيع احتمال تلك الصداقة الفاترة
والأفضل لها استمرار المعاملة الباردة بدلا" من الصداقة المتأدبة ففي داخله
يكمن شخص عطوف كريم وهي لايمكنها ان تصمد في دفاعها وتتمسك بمسلك الامبالاة نحوه فردت عليه وهي تتعمد الظهور بمظهر عدم الأكتراث
"حسنا سيكون هذا تغييرا"
واخذت تعد الأشياء اللازمة للسياحة وعندما وصلا الى الشاطئ سألها:
"اين الكتاب"
"اوه...نسيته لايهم."
وتحددت على صدرها فوق الرمال واخذت ترقب الامواج التي يعلوها الزبد الأبيض وهي تتدافع واحدة وراء الأخرى نحو الشاطئ وراحت تتساءل إذا كان آدم جاء معها لأنه يشك فيها وهل اعتقد انها تجري مقابلات سرية عاطفية مع توني وهل مازال لايصدق ماروته له عن ذلك النظر الذي رأه؟
وتحركت قليلا" وهي تنظر خلسة الى آدم الذي استلقى في هدوء وقد اغمض عينيه ونصحها بألا تتعجل النزول الى الماء فأطاعته واشعلت لنفسها سيكارة ثم قال إنه حان الوقت لكي يقيما حفل عشاء وأضاف يقول:
"إذا لم تفعل فسوف يظنون انني حولتك الى ناسك"
"وهل يهمك مايقولون"
"ليس بالظبط ..وهل يهمك انت؟"
واطفأ السيكارة في الرمل ونهض واقفا" فسألته بدورها قائلة:
" وهل يهم إن فعلت ؟"
وقبل ان يتاح له الرد كان قد نزل الى الماء ونزلت خلفه انها تستريح للسباحة مع آدم اكثر من السباحة مع توني الذي يميل للعبث ويثير رذاذا"
شديدا" حوله في حين آدم مثلها يراعي القواعد الصحيية السليمة للسباحة
وخرجا من الماء وراحت تجفف شعرها فطلب منها الاترهق نفسها وردت عليه أنها ن تنزل إلى الماء مرة ثانية والتقط منشفة الاستحمام واخذ يجفف
نفسه بحركة مفاجئة لم تتوقعها فابتعدت بحركة تلقائية جعلته يتراجع الى الوراء بسرعة وسقطت المنشفة من يده وقال لها:
"لم اكن ارغب في ان المسكِ"
"كلا انني لم اقصد.... انك...."
"فهمت جيدا" وفري على نفسكِ الشرح"
ولبس خفيه ووضع قميصه فوق كتفيه وانطلق سائرا" في طريق الشاطئ
قبل ان تدرك هي مايحدث امامها وخلال الفترة التي امضتها في تجفيف نفسها والذهاب الى المنزل كان هو قد وصل الى ملجأ الطيور وكانت مشاعر الاستياء والغضب وراء اندفاعها للعودة بسرعة الى البيت ودلفت
الى غرفة الجلوس في ألم وتتساءل عما دفعه الى ان يتزوجها ؟ وماذا يريد منها ؟ انه لايريد الأن لا الحب ولاحتى الصحبة.كانت تعتقد انه يمر بفترة انتقالية ، وانها تؤدي دور الجسر الذييحتاجه للانتقال من حال الى حال ، ولكنها للآن أخفقت الى حدّ ما في هذا .
منتديات ليلاس
واخذت حماماً ، وغيرت ملابسها ، ونشرت المنشفتين في الشرفة لكي تجفا. اشيء الذي تأكدت منه الان هو انها لا تستطيع ان تعيش على حافة هذا البركان العاطفي ، وهي لا تدري الى اين سينتهي بها هذا الوضع .
ترى ماهو مفتاح اللغز الذي يمثله آدم فائدا واخرجت الاسطوانات من مخباها ووضعتها فوق السرير وراحت تتفحصها ، واخذت المرارة التي ملأت قلبها تهدأ تدريجياً ، فهنا مفتاح مشاعر المرارة و الغضب التي تستبد بآدم ، الا انه هو الذي يحتفظ بالرد ، لن يعرف طعم الراحة الى ان يحاول ويخاطر بتعريض نفسه للفشل ، ولكن كيف يمكن اغراؤه ليفعل هذا ؟ الآخرون لابد أن يكونوا قد بذلوا المحاولات معه ، أولئك المقربون اليه ، امه وأصدقاؤه ، وهذا لاشك فيه ، تلك الفتاة التي أحبها وهي ستيللا ، فان كانت ستيللا قد اخفقت فكيف يمكن لروبين ان تنجح ؟
ونحت جانباً اسطوانة الامبراطور لبيتهوفن ، ففيها قوة شديدة لا تتلاءم مع مزاجها في هذا الوقت ، كما آنها ترددت امام الاسطوانة العاطفية التي تحمل اسم بالاديس لشوبان ، ثم اخرجت الاسطوانة التي تحوي كونسرتو رخمانينوف من عزف آدم فاند ، إنها من اعظم المقطوعات لأنها تخاطب القلب اولاً ، وأدارت تلك الاسطوانة وراحت تسبح بخيالها مع انغامها العذبة حتى نسيت ما حولها ، ولم تسمع الطرق على الباب او النداء ، مما اضطره لأن يدخل قفزاً من النافذة ، ووجدته فجأة امامها وهو في سورة الغضب ، ففهمت ما ينتوبه وصاحت فيه :
"كلا ، لا تفعل ، ستحطمها ..."
واخذت تحاول تخليص الاسطوانة من بين اصابعه ، وهو يقول لها ، وقد هرب الدم من عروقه من شدة الغضب :
" من أين حصلت عليها ؟ عليك اللعنة ، كيف تجرؤين ، وكيف يجرؤ وولف ؟ انه ..."
واستمرت في محاولاتها لانتزاع الاسطوانة وهي تقول له :
" لا يمكنك ان تفعل هذا ، انها انت ، انها ..."
وأثناء ذلك اصطدم أحد مرفقيه بعينها بكل قوة فصاحت من الألم ، انزعج آدم و قال :
" يا إلهي ، ماذا فعلت ؟ دعيني أرى عينك ، انني آسف ياصغيرتي .."
وكانت الاسطوانة قد سقطت على الارض ، فصاحت فيه بشدة لئلا يقف فوقها ، وراحت تبحث عن شيء تجفف به الدمع المنهمر من عينيها المصابة. واحست بذراعيه تلتفان حول كتفيها . واختفى كل مالديه من غضب. واخذ يتفحص عينيها ويقول لها:
"روبين .. ارجوك ان تكفي عن البكاء ، لم اقصد ايذاءك ، انني..."
"اعرف هذا ، كانت غلطتي ايضا ، وكان يجب علي ان ... هل الاسطوانة، هل اصابتك شديدة؟ انك تعلمين انني لم اعتمد ايذاءك".
ورفع ذقنها الى اعلى وهو يحدق في وجهها بعينين يملأهما القلق، واخذ يجفف في رقة دموعها المنهمرة وانهارت مقاومتها وقالت:
"اوه ...آدم!"
دفنت نفسها بين ذراعيه وقد تهاوت كل مقاومتها امام العاطفة الجياشة، وراح يحتضنها بقوة اشد، وقد اسند رأسها الى كتفه، الى ان هذأت المشاعر الملتهبة، ورفعها عن صدرة في رقة لتنظر اليه وراح يسألها:"هل اصابتك سيئة؟"
فهزت رأسها بحركة بطيئة، ولكنها مالت في ضعف على صدره مما جعله يدرك خطورة حالتها، فاكتسبت ملامحه بعض الرقة واخذ يلمسها في رفق، واحست بأنفاسه وبذراعيه تلتفان حول وسطها الذي بدا لها كأنه قد تشكل ليلائم ذراعيه وراحت عينيه تتوسلان ودقات قلبه تتناغم مع دقات قلبها في انسجام اخذا يحسان تدريجيا بالجو المحيط بهما، وبتاطيور العائدة الى اعشاشها مع الشمس الغاربة، وصوت موجات المد ونسيم الغروب البارد:
"هل انت سعيدة ياصغيرتي؟"
"...وهل انت سعيد؟"
"جدا، انك الطفلة مليئة بالعواطف الجياشة."
"لا تصفني بأنني طفلة."
"اذا فأنت مليئة بالعواطف، رغم انك تبدين كطفلة صغيرة بين ذراعي... الى اين انت ذاهبة؟"
"لانقذ تلك الاسطوانة"
"عليك بنسيانها".
ولكنها اخذت الاسطوانة ووضعتها في الفوتوغراف وقامت بتشغيله، ووقفت تنتظر صوت الموسيقى الذي ملأ المكان. ودقات قلبها تتزايد وهي تنظر الى آدم. ولم يتفوه بكلمة وانما مد ذراعيه اليها، فصاحت وهي تسرع نحوه وترتمي بين احضانه.
واخذت تشجعه وتقول له ان عليه بدلا من تدمير الاسطوانة ان يصنع المزيد من الاسطوانات. مما هو افضل من تلك الاسطوانة، فقال لها وهو يرمقها:"وهل يمكنني ذلك، من قال هذا؟"
"انا اقول هذا"
واخذت شهيقا عميقا ولم تتردد، لانها ادركت ان تلك هي الفرصة المناسبة التي قد لا تتكرر واضافت تقول:
"ولم لا تحاول؟"
"انها ليست بالسهولة التي تظنينها."
"اعلم هذا، ولكن لابد من المحاولة".
وطبعت قبلة على خده وهي تقول:
"آدم ، انا احبك ... وهذه هي الطريقة التي اعبر لك بها."
"حقا؟"
ورد القبلة بمثلها فقالت له ردا على سؤاله:
"الى ابعد الحدود".
وضحك في رقة وهو يقول:
"بهذه السرعة؟ ولكن ما شأن هذا بمقدرتي على استئناف عملي ومهنتي؟"
"لانني اعرف ماتشعر انت به، العقبة هي خوفك الا تجيد، انك تبحث عن الكمال وحده وتريد ان تمنحه، ولكن هذا سوف يتحقق ان انت حاولت ، وستكون اعظم من ذي قبل لانك عانيت من اجله.."
ومضت تقول في حماسة شديد:
"الايمان يحرك الجبال ويحقق اي شيء ، فهل تتمسك يا آدم بالايمان؟ عدني بهذا ارجوك"
وكانت الغرفة ساكنة وهي تنتظر رده، ثم تنهدت وسمعته يقول لها :
" حسنا سأحاول من اجلك ومن اجل ايمانك."


انتهى الفصل

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 12-01-09, 09:20 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل التاسع

السلم الموسيقي


لم يتزعزع ايمان روبين على الاطلاق خلال الاسابيع التالية، وهي الاسابيع التي عاشتها في قمة السعادةوبرغم ان آدم كان يبدو عليه مظهر الحذر الغامض، وهو ما لوحظ عليه صباح اليوم الذي توجها فيه فيللا هودريك بالسيارة ، عندما طلبت روبين من هودريك مفتاح البيانو.ورد عليها هودريك عندئذ في دهشة كأنه لم يكن يتوقع مثل هذا الطلب قائلا:" ولكنه لم يكن مغلقا في اي وقت من الاوقات، وانت تعلمين هذا.... هل قررت التدرب على عزف تلك الافتتاحية التي علاها بعض الصدا؟"
ولم تنجح روبين في اخفاء مدى سعادتها ورغبتها في ان تغني للعالم كله في ابتهاج ، فردت عليه في رقة:
" سوف يتولى آدم مهمة ازالة الصدأ هذه نيابة عني."
ولم يغب عن هودريك المعنى الذي تقصده ، فصاح مبتهجا وأمسك بيدي آدم محييا اياه ، ونادى والدر لاحضار لمشروبات ، وقال انهما لو ابلغاه مقدما كان كلف والدو يضبط درجة النغم في البيانو، ولكنه سيفعل ذلك رغم هذا وابدت روبين تشككها في رحلة صيد السمك التي تم الاعداد للقيام بها هذا الصباح ، ولكن هودريك اكد لها ان هذه الرحلة تتم عادة بالقارب الخاص، وقال انه قد يواتيها الحظ فتصاد سمكة طيبة مما سيغتبط له زوجها. فقال آدم في جفاف:
"سآغتبط فعلا."
وادركت روبين ان آدم يشعر بالمؤامرة التي حيكت لتركه بمفرده حتى يقوم بالتجارب الاولى الحيوية التي يتوقف عليها الشيء الكثير.
وراحت تتساءل بينها وبين نفسها في قلق عما اذا كانت يداه سوف تتجاوبان، ام انها سترجع من تلك لتجد رجلا متقلب المزاج خاب امله، واصبح في حالة اشد مرارة من ذي قبل؟ ظل هذا السؤائل يراودها طوال الجولة البحرية التي استغرقت ساعتين في القارب ان آدم يجب ان يعود للعزف من جديد. وهو ان كن غير قادر على تحقيق المستوى المطلوب من الكمال الذي حدده بنفسه ليستطيع احياء الحفلات الموسيقية، كيف يمكن تحقيق هذا؟ انها لاتدري ولكن لابد من ايجاد جواب لهذا السؤال.
ورغم تتبوءات هودريك م تنجح في اصطياد شيء، في حين تمكن هودريك، وهو ما ادهشه من نفسه. من اصطياد سمكة متوحشة فاشاع جو المرح بين رفاقه الرحلة. وقاد القارب بعد ذلك في طريق العودة، وما ان وصلت روبين هي وهودريك الى الفيللا حتى انتابتها حالة من الصمت

المشوب بالقلق، لانهما لم يسمعا صوت البيانو، ترى هل مازال آدم في الفيللا ؟ وهل تمكن من ...؟ واخذت تبلل شفتيها وهي تتحرك الى الداخل.
كان آدم واقفا امام النافذه وظهره نحوها , وعندما نادته في قلق رد عليها بدون ان يتحرك:"لاتوجهي الى الان اي اسئلة".
والتقطت انفاسها وهي ترقب وجهه الشاحب، وعندما التقت عيناه بعينيها لاخظت ابتسامته المصطنعة المشوبة بالتوتر ، فسألته:" لم تخفق امام البيانو في اي حال".
فأمسك يبدها وضغط عليها بطريقة مطمئنة، وتركها لكي يحيي هودريك . وقالت روبين لنفسها انه لو كانت نتيجة تلك التجربة محزنة لما بقي في انتظار عودتهما ، ولكان رد فعل آدم مختلفا. والى جانب هذا مرت سنة اشهر منذ إصابته، مما جعله يبتعد عن التدرب طوال هذه الفترة ، حتى لو لم يكن قد اصيب ، فابتعاده هنا خسارة كبيرة، سوف يتعين عليها ان تتحلى بالصبر، ولكن هل يصبر آدم ايضا؟
وأصر هودريك على بقائهما لتناول طعام الغذاء، ولكن آدم اعتذر لانه لايجب اهمال ملجأ الطيور، وتم الاتفاق على ان يتدرب آدم كل صباح على العزف بينما تعني روبين اثناء ذلك بعملية تسجيل الملاحظات والتقاط الصور في ملجأ الطيور، وفي اي حال اوشك السجل ان يكتمل ولم يتبق سوى تدوين القليل من الملاحظات، سيكون الكثير منها بمثابة تكرار الملاحظات التي تم تدوينها فعلا.
وعندما عادا الى البيت دلفت روبين الى الداخل واحضرت ألة التصوير ، وعادت تتخذ مكانها من جديد في سيارة الجيب.
فسألها آدم:
"هل انت قادمة معي؟"
"طبعا، هل هناك اعراض؟"
قالتها في تدلل وحب ، فرد عليها بجفاف:
"ليس الان ، ولكني قد اعترض فيما بعد ، فأنني كما تعلمين لا افتقر الى القدرة على تخيل مما قد يحدث."
فردت عليه وهي تنظر الى الطريق التي انطلقت فيها السيارة:
" أوه ، لم اكن اعلم انك من الطراز المغرق في الخيال"
"هناك اشياء كثيرة لا تعرفينها عني، وآمل الا تودي هذع الاشياء ، عندما تعرفينها ، الى تحطيم الكثير من اوهامك."
وبعد إطراقه سألته:
"احقا سيحدث هذا؟"
"سيتوقف هذا على مدى الاوهام التي تنتابك، بدأت ادرك ان النتائج التي توصلت اليها في البداية لم تكن دقيقة."
فسألته في دهشة"
" أية نتائج تقصد؟"
" انها تتعلق بك انت!"
ووصلت السيارة الى الملجأ، وعندما دخلا وبدأ آدم يضبط آلة التصوير ، اخذت روبين تستعيد بعض كلماته وتفكر في معناها، ولكنها أدركت انها تحتاج الى بعض التفسير فسألته:
" مالذي تقصده بالنتائج غير الدقيقة التي توصلت اليها فيما يتعلق بي؟"
فلوى شفتيه قائلا:
" اعتقد انني اخطأت مرتين أخذت عنك انطباعا اوليا خاطئا عندما التقطتك عن الشاطئ، تلك الليلة ، وعندما عرفت قصتك فيما بعد ظللت اميل الى الاعتقاد بانك فاسدة ومريضة نفسيا وانانية ، واخيرا ادركت مدى ما تتصفين به من انكار للذات وكرم شديدين."
وفوجئت روبين بصراحته ، وقالت له هي ايضا في صراحة مندفعه:
" ولكنني لم اكن هكذا دائما ، كانت لي بعض جوانب الطيش وغير ذلك من الامور المشابهة."
"هكذا الشباب عادة ، ولكن الحياة سرعان ما تعبس ، ولهذا فان الشباب يجب ان يكتشف ويبحث ويأخذ قبل ان تاتي الاحزان وتزول الاوهام ، ولكن هناك شيء يقلقني"
فتوجست روبين خفية ، وسألته اذا كان يقصد ما يتعلق بنتيجة تجربته الاولى امام البيانو ، فقال لها :
" اتحدث عنك انت ... قولي لي يا روبين كم تحبينني، وكم تحبين آدم فاند الذي لا تعرفينه بالمرة؟"
" وكيف لي الا اعرفك ، او ان افضل بينك وبين فاند؟ لا افهم ماتقصده."
" حقا ؟ ربما ما سأقوله لك كانه نوع من الغرور، عرفت انك لا تعرفين الجانب الاخر من شخصيتي... انني اكون كالاعمى والمرائي ان انا تظاهرت بأن فاند هو مجرد اسم وليس امتداد لي ،فأنا باعتباري آدم فاند اتلقى الكثير من الاعجاب والتقدير ، وهناك الكثيرات من الفتيات من بين جمهوري تتملكهن حالة عيادة البطل في نظارتهن الي ، كما ترسم صورتي فوق احزمة المراهقين ، اما آدم غرانت فان قصته تختلف كثيرا."
فقالت له وهي تداعبه:
" وكم من القلوب حطمت؟"
"لا شيء على ما اعتقد."
"بل اراهن عشرات القلوب ، فعازف البيانو العظيم يجب ان يكون مديد القاكة ووسيما مغترا بنفسه وفي سن الرجولة ، لا مسنا بدينا سريع الغضب"
فابتسم ولكن بغير ابتهاج وسألها:
" ولكن اي من تلك الصفات يجتذبك انت؟ هذا هو ما يقلقني."
"اتعني انني تنتابني حالة الرغبة في عبادة البطل تجاه فاند. ولكن هناك حقيقة نسيتها يا سيد غرانت ، فانا لم اتزوج فاند."
فاطرق قليلا ثم قال لها :
" اعلم ، ولكنني اود ان اكون صريحا معك."
" وانا كذلك ، الا تعتقد ان عبادة البطل لامكان لها في جزيرة صغيرة، ليس فيها عقل يعرف او عين ترى او شخص يضع حزاما عليه صورة البطل ، او الشخص الوحيد الذي يشار اليه بالبنان ؟ اوه يا آدم ..."
واسندت رأسها على كتفه وتنهدت قائلة:
"انا فعلا اشعر بعبادة البطل نحو فاند ، ولكنني احبك..."
ومرت فترة طويلة قبل ان يبعدها عنه في حزم ويقول في تهكم :
" هذا كنت اقصده عندما تحدثت اليك عن قدرتي على تخيل ماقد يحدث."
" وها هاك عيب في التخيل ؟"
"كلا لكن لدي عمل يجب ان أؤيه هنا ، ولا يمكنني ان اؤدي عملا او اطارحك الغرام في آن واحد."
فتظاهرت بأنها لم تسمع ملاحظته وقالت له :
" لم يسبق لك ان شرحت لي كيف جئت الى هذه الجزيرة."
"السير جوزيف هاغل احد العلماء في :جمعية ابحاث الطيور" صديق قديم لامي ، وقد علمت الجمعية ان طائر الغرنوق شوهد هنا في هذه الجزيرة فقررت ارسال شخص لاجراء مسح عن تلك الطيور ، وكان ذلك عندما وقع الحادث لي"
ورأى السير جوزيف ان هذا يتيح لي قضاء فترة نقاهة بصورة ملائمة.."
وتردد قليلا ثم اضاف قوله:
" كنت اعتزم ان افعل اشياء اخرى ، واقضي شهرين في جزر الرأس الاخضر حيث كان احد اصدقائي يمتلك فيللا ، وكانت ستيللا سترافقني بعد زواجنا ، الا انها قررت في اخر لحظة ضرورة تأجيل الزواج ، وقد جعلني هذا في اشد حالات الغضب، مما جعلها ترجئ ابلاغي بحقيقة نواياها الى مابعد رحيلي ، فقد وصلني خطابها الذي تبلغني فيه بفسخ خطبتنا قبل يوم من وصولك الى الجزيرة."
ولم يكن لدى روبين ما تقوله تعليبا على هذا ، فنتهدت واخذت تمرر اصابعها في حنان فوق يده ، ولكنها كانت تحس بالسعادة لانه افضى اليها باسراره، وهو ما شجعها على ان تطرح السؤال الذي يشغل بالها منذ مغادرتها فيللا هودريك ، واخذت نفسا عميقا وقالت ببطء:
" آدم ، ارجوك الا تعود الى حالة البرود واللامبالاة التي كنت فيها من قبل ، ولكن الا مر يهمني جدا ، هل لمست البيانو صباح ليوم؟"
"نعم"
" وماذا عزفت؟"
" السلم الموسيقي"
" السلم المسيقي فقط؟"
"نعم"
وضغط قليلا على يدها قبل ان يعود للامساك بالمنظار لكي يضبط العدسة
واضاف قوله:
" وسأظل اعزف السلم المسيقي غدا وبعد غد وبعد وبعد غد و..."
وتنهدت ثم سألته:
" ومتى تعزف الحانا؟"
" ربما عما قريب ، وربما فيما بعد ، الامر متروك للظروف."
واحتضنها فجأة وبقوة واضاف قوله:
"عليك ان تتحلي بالصبر في انتظار اليوم الذي اتطلع انا ايضا اليه"
" ومتى سيأتي هذا اليوم؟"
فعانقها وتركها قائلا:
" انه اليوم الذي اطلب منك فيه عدم ترك الغرفة اثناء قيامي بالعزف."
روبين يجب ان تقنعي بهذا وان تتحلي بالصبر."
ومر اسبوعان قبل ان يطلب آدم من روبين ان تبقى وهي تهم بتركه وحده مع اليبانو. ووقفت تتطلع من النافذه في توتر وترقب هودريك و والدو وهما يتجولان في حديقة الفيللا ، والشمس تملا المكان والنسيم يداعبها ، وراقبت آدم وهو يجلس على مقعد البيانو . ولم يتحرك لبضع لحظات، ثم اخذ يحرك اصابعه ورفع يديه وهوى بهما فوق مفاتيح البيانو ، لم يعد هناك سلم موسيقي الان ، وانما اخذت الالحان العذبة التي تأخذ بمجامع القلب تنساب ، وكأنها تؤدي خصيصا من اجل روبين وحدها ، وبدا لها كان الزمان والمكان لم يعد لهما وجود ولم يعد هناك سوى الموسيقى التي تملك عليها حواسها وتنساب الى كل خلية منها ." آدم اصبح يعزف من جديد قالت هذه العبارة بدون ان يصدر عنها ايصوت ... وانتهى آدم من العزف وآمال يديه الى جانبيه قائلا لها :
" كانت هذه مهداه اليك"
"أوه ... آدم ..."
وارتمت بين احضانه وعيناها مغروقتان بالدموع، ولا تملك الكلمات التي تعبر بها عن مدى سعادتها ، واحتضنها برفق وهو صامت مثلها الى ان سمعا صوت سعال للتنبيه والاعتذار قادما من اتجاه النافذه وقال هودريك بجفاف:
" حسنا ... هل مسموح لنا ان نصفق ابتهاجا."
فنهض آدم واقفا وهو يقول :
"ليس بعد ".
فصاح هودريك المسن :
" ولكن كان هذا رائعا، هل تسمح لي على الاقل ان اهنئك؟"
فهز آدم رأسه قائلا:
"كان هذا افضل مما كنت اظن"
فهمست روبين قائلة:
"كان حقا رائعا"
فابتسم في ضعف وقال لها :
" لم يكن كذلك يا صغيرتي، فما زال العزف فيه بعض التوتر."
ومد اصابع يده اليمنى وراح يثنيها عدة مرات واضاف قوله:
" ولكن التوتر خف بعض الشيء منذ يوم او نحو ذلك."
وقال هودريك :
"ربما يفيدك التدليك"
"ربما"
ونظر آدم الى روبين وتفوه بالرد الذي كانت تتوق اليه وقال :
:" اعتقد ان في إمكاني ان اعود للعزف من جديد."
وتحدث هودريك فقال :
" سوف تفتقدكما بكل تاكيد وستعود الزينا الى انحلالها القديم عندما ترحلان عنها."
فرد عليه مارك ثورنتون بمرارة قائلا:
"تحدث عن نفسك ، فلم تصل بعد الى درجة الانحلال!"
وفي غرفة الاستراحة الكبيرة في محطة الرصد احتشد سكان الجزيرة القلائل المعدودون للاحتفال بتوديع آدم و روبين التي اسفت لرحيلها ، فغدا سيصل القارب الذي كانت تنتظره من قبل وهي على احر من الجمر ، والان مرت تلك الاسابيع التي بدأت باليأس والهموم وانتهت بالسعادة.
واقترحت عليه روبين ان يعزف لسكان الجزيرة فهذا هو اخر يوم لهما في الزيتا ، فاستجاب لها ، وفي الفييلا هودريك احتشد سكان الجزيرو يعزف عدة منوعات لمدة ساعة ، قوبل بعدها بعاصفة من التصفيق رغم ان الحانه لم تصل الى أذان سامعيه ، واخذ الجميع ينشدون احد الاناشيد ، ورددوا النشيد نفسه عند توديعهما وهما يستقلان القارب للرحيل في اليوم التالي.
منتديات ليلاس
وتقابل آدم و روبين مع وفد عماء الطير الذين اتوا في القارب لقضاء بعض الوقت في الجزيرة ، وقدم لهم آدم تقريره في حين راحت روبين تشرح لهم اماكن الاشيئاء الموجوده في البيت.
وودعهما سكان الجزيرة وداعا مؤثرا ، وقام احدهم بوضع عقد من الزهور حول عنق روبين التي اخذت تضحك وتبكي في أن واحد . وهي تعدهم بان تبعث اليهم برسائل وان تزورهم ان هي مرت يوما بالجزيرة وبدأ القارب يتحرك ، واخذت الايدي الملوحة تختفي تدريجيا كما اخذت الفيللا ومحطة الارصاد تتلاشيان شيئا فشيئا وبدت ملامح غير واضحة للمنزل الذي عاشا فيه واختفت الزينا عن الانظار في الافق البعيد.
ووصلا الى سان فرانسيسكو بعد مضي اسبوع ولم يكن امامهما سوى ساعات قلائل لشراء بعض الحاجيات والقيام بجولةسريعة في المدينة لمشاهدة الجسر المشهور وميناء المدينة ، قبل ان يحجزا تذكرتين للسفر مباشرة الى لندن وجلست روبين في مقعدها في الطائرة تحف بها السعادة والرضى... انها اخيرت عائدة الى الوطن بعدما عانت ثلاثة اشهر في جزيرة نائية.
وسألت روبين آدم وهو يجلس الى جوارها اذا كانت امه ستحبها ، فقال لها انها ستحبها طبعا ، وانها ستكون في انتظارهما في المطار ان كانت البرقية التي ارسلها لعا قد وصلتها. وراحت تتساءل عما سيكون وقع البرقية التي ارسلتها هي لشقيقتها جولي تبلغها فيها بقدومها ربما يكون كارلنغ قد انتهى رحلته البحرية وابلغ جولي بأن شقيقتها روبين فقدت.
واخذت روبين تفكر في حياتها الجديدة مع آدم بعد العودة الى الوطن وهي حياة سوف تختلف عن حياتهما معا في الجزيرة ، وكيف ستستقبلها امه وهل سترحب بزواجهما وراحت الهواجس تتنازعا من جديد وتسائل نفسها اذا كان آدم يحبها فعلا ، وبالدرجة التي تحبه هي بها ، وكلما اقترب موعد وصول الطائرة كلما اشتدت ضربات قلبها وزداد توترها.
وعندما حلقت الطائرة في اجواء لندن ، واخذت تحوم كالطائر الخرافي في انتظار الاذن لها بالهبوط في المطار، وتحول توترها الى شعور بالخوف ، فماذا يحدث لو احس آدم بالندم لاقدامه بطيش وحماقة على هذا الزواج؟


انتهى الفصل

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مارجري هيلتون, القديمة, frail sanctuary, جزيرة آدم, margery hilton, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير الرومانسية, رواية, عبير, عبير القديمة, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t102473.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 18-12-10 06:08 PM


الساعة الآن 08:10 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية