بسم الله الرحمن الرحيم
منتدى ليلاس الثقافي
زفرات وآهات تنطلق من صدر الأم في محاولة جاهدة منها لإخراج مخلوق حي، والقابلة تحاول جاهدة تخفيف معاناتها ببعض آي الذكر الحكيم لتهدأ نفس الأم وتطمئن .. وبعد مدة تجاوزت الخمس عشرة دقيقة تزفر الأم آخر زفراتها لينطلق صياح الصغيرة مدويـًا ...
القابلة: بسم الله .. ما شاء الله .. فتاة رائعة .. مباركٌ لك يا أم جهاد .. صبرت ونلت .. ستكون خير عون لك بإذن الله..
الأم وقد هدها التعب: الحمد لله ... ثم ترخي أجفانها مطبقة على عينيها لترتاح بعد الجهد العظيم الذي بذلته ..
تعم الفرحة أرجاء المنزل
فصغارها الأربعة سعداء لقدوم أخت لهم
وأهلها يباركون لها .. ويهنئوها
والجيران تعالت منهم هتافات المباركة
وتطاولت أيدي الجميع لاحتضان الصغيرة الجديدة
أما الوالد فهو غير متواجد وسط هذه الأجواء السعيدة .. فهو مغترب عن وطنه ليؤمن لقمة عيش لأولاده وزوجه .. والأم الصابرة قد عانت من متاعب الحمل خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بمفردها ولم تجد مساندة فعلية من شريكها سوى برسائل تصلها كل شهر تتضمن السؤال عن أوالهم وتزودهم بالمصروف الشهري ..
وفي إحدى زيارات النساء لأم جهاد تدلف إحدى النساء وقد أعماها الحقد والحسد عن معاناة هذه العائلة .. لتبارك مباركة جامدة بلا إحساس .. ثم تطلب رؤية الصغيرة ..
لتهمس بحقد واضح وهي تحملها بين ذراعيها: متأكدة أنا بأن والدها الآن سعيد بقدومها، فهي فتاته الأولى، لا بد أنه لن يزوجها لغير أمير أو سلطان، وأجزم بأنه سيكسوها من أعلى رأسها لأخمص قدمها ذهبـًا ليلة زفافها..
ألقت الزائرة بتلكم الكلمات ثم غادرت بعدها بمدة قصيرة ...
ومرت الأيام سريعة .. وكبرت الصغيرة .. وأصبحت شابة .. تقدم الكثير لخطبتها ولكن دون جدوى ..
فالرفض يكون من إحدى الطرفين إما العريس وأهله أو منها هي - وهذا هو الغالب - ..
حاول الجميع جاهدًا أن يعلم ما الذي يدور في خلدها لترفض؟ ولِمَ تعتزل تجمعات الناس؟ ولِمَ لا تهب نفسها فرصة لتكون أسرة رائعة؟
فهي وبعد كل مشروع للخطبة يصيبها الضيق والكدر وتلتزم فراشها لأيام حتى ينتهي الموضوع ..
منتدى ليلاس الثقافي
مرت السنون تباعـًا .. وما تزال الفتاة تكبر، وفرص زواجها تقل ..
يتوفى والدها .. وتبقى هي كما هي .. لا تقدم رجلاً إلا وتؤخر أخرى ..
تقف عند نقطة واحدة وقد تغشاها الألم والهم ..
فسياط الألسنة لم يدعها تعش بسلام ..
ومحاولة الآخرين إرغامها على الزواج تقتت قلبها ..
إنها تحلم أن تكوّن أسرة سعيدة، وأن تكون ملكة لمملكة صغيرة..
لكنها لا تستطيع .. وليس بمقدورها الضغط على أنفاسها لتحقق حلمها ..
فالوضع مؤلم .. والموضوع مؤرق ..
وهي تجهل أسباب أفعالها ..
حاول إخوتها علاجها بالرقية .. فلم يفلحوا ..
ونصحهم الشيخ بأخذ أثر من تلكم الزائرة ..
حاولوا .. ولم ينجحوا .. فبعد المسافات واحتراس الزائرة من ترك أثر لها حال بينهم ..
وما تزال السنون تمضي وتمضي
وتشارف على الاقتراب من الأربعين
وما تزال الفتاة قابعة بمكانها وهي ترخي خدها على كفها وتطلق الآهات من صدرها وتنظر للأمام
علها تستشف خبايا المستقبل المجهول
- تمت بتوفيق من الله -
للجميع ودي
هذه أنا/ لِمَ السؤال؟