كاتب الموضوع :
dali2000
المنتدى :
القصص المكتمله
________________________________________
كانت بيان جالسة في غرفتها تتذكر الأيام الماضيه التي قضتها مع جميل.. حتى وبعد زواجها لم يغادر عقلها أبدا. كانت تبكيه كل يوم، ظلت بيان تنظر إلى سقف الغرفة، وهي تفكر في العذاب الذي تحياه.. تفكر في المستقبل الذي ينتظرها.. كانت خائفه جدا.. قامت لتستنشق الهواء النقي من شرفة الغرفه المطله على حديقة المنزل، بدت كالسجين الذي ينتظر الإفراج عنه.. وبينما هي كذلك أحست بالدوار.. أرادت الرجوع للداخل ولكن لم يدركها الوقت.. وسقطت مغشيا عليها..
كان الجميع في الأسفل ينتظرون نزولها لتناول طعام الغذاء.. ولكنها لم تنزل.. فقالت سلوى بغضب: إنها تكرر الأخطاء مرة أخرى..
قالت لها سهى: لاتغضبي يا أمي سأذهب لمناداتها.
طرقت سهى باب الغرفه ولكن لم تجبها بيان.. فتحته قليلا ونادت عليها ولكنها لم تتلقى الرد أيضا.. فدخلت وأخذت تجول بأرجاء الغرفه لتجد بيان ملقاة في الشرفة دون حراك.. ركضت خوفا لذلك ونزلت مسرعة وهي تصرخ:
أمي.. أمي.. أمي
قام الجميع فزعين..
امينه: مالذي جرى يا ابنتي؟
وهي تلتقط أنفاسها: إنها.. إنها ملقاة على الأرض، لاتتحرك.. وكأنها ميته.
امينه:ماذا تقولين؟
نقلت بيان للمشفى بأقصى سرعه.. كان الجميع قلقا عليها.. عدا عبدالمجيد الذي لم يكن مباليا هو و والدته لما حدث..
كان سعيد يشعر بالقلق الشديد.. وعندما خرج الطبيب من الغرفه لحق به..
سعيد: أرجوك يادكتور.. أخبرني هل هي بخير؟
الدكتور:هل أنت زوجها؟
سعيد:كلا أنا شقيقها.. أرجوك لاتخفي عني شيئا..
الدكتور: لن أخفي عليك إن حالتها سيئه جدا وتحتاج إلى عنايه شديده.. فمن الواضح جدا أنها هزيله وضعيفه.. ولكن هناك خبر آخر ..
سعيد: ماهو يادكتور؟
الدكتور:إنها حامل.
وقع هذا الخبر على رأسه كضربة معول قوية.. هذا يعني أنه لن يستطيع تحرير بيان من أيدي هذه العائله أبدا.. ولكن الجميع كان رأيهم غير ذلك فقد كانوا سعداء بوصول أول حفيد للعائله..
وعبدالمجيد كان سعيدا.. لأن بيان لن تتحرر أبدا من قيوده.. لطالما كان يريد إذلالها.. لأنها رفضته مراراً وسخرت منه .. وقد حان الوقت برأيه ليرد لها الصاع صاعين.
الفصل الأخير
مرت الأشهر سريعا.. وأنجبت بيان فتاة تشبه القمر في حسنها وجمالها.. عيونها فاضت أشعتها بمصابيح زينت الأفق الرحب.. كانت تشبه والدتها كثيرا.. بيضاء جميله.. كانت نظراتها كنظرات والدتها توحي بالأمل..
فرح الجميع بوصول هذه الطفله.. كان سعيد يحملها وهو فرح لوجود هذه البذره الصغيره الرقيقه.. نظر إليها وقال لبيان: ماذا ستسمينها؟
لقد أسميتها أمل.
سعيد:إنه إسم جميل.
وبعد انقضاء سويعات على زيارة العائلتين لبيان غادر الجميع .. عدا عبدالمجيد الذي بقي هناك معها.. كان ينظر إليها وابتسامته الخبيثه تعلوا شفتيه.. عبدالمجيد: لقد أصبح هناك رابط أبدي بيننا ولن تستطيعي التحرر مني أبدا..
بيان: لم تكرهني بهذه الدرجه من الكراهيه؟
عبدالمجيد: ماذا؟ هل تعتقدين أنني سأنسى يوما كيف سخرت مني وطردتني أمام الجميع.. كلا، إذا كنت قد نسيت فأنا لم أنسى.. لقد أخبرتك سابقا أنه يمكنني الحصول على ما أريد بأموالي حتى أنت.. إشتريتك بها ولن أتركك مهما جرى..
نظرت إليه بحزن.. حاولت الكلام لكنها لم تستطع.. مرت الدقائق القليلة وكأنها ساعات.. شعرت بالإختناق أرادت الخروج لكنها لم تستطع التحرك من مكانها. بقي ينظر إليها لدقائق وغادر بعدها الغرفة..
تركها بعد أن تساقطت الدموع من عينيها.. أخذت إبنتها وضمتها إلى صدرها بكل حنان.. كانت تشعر بالحزن لأن إبنتها لن تتلقى الحب والسعاده الحقيقية من والديها.
نامت بيان بعد سهر دام طوال الليل.. أطل الصباح بوجهه الكأيب.. كان هادئا.. زارها الطبيب وأخبرها بأنه يمكنها الخروج غدا من المشفى.. ومر ذلك اليوم سريعا
رغم كآبته.. باليوم الثاني أخذها سعيد لمنزلها.. رحب بها الجميع هناك.. لكن خالتها كانت كعادتها بارده..
إتجهت بيان إلى غرفتها.. هناك كان يوجد سرير لطفلتها.. وضعتها فيه وسارت نحو سريرها والقت بنفسها عليه.. وغطت في نوم عميق.. كانت تشعر بتعب كبير.. ولم تستيقظ إلا على ضربات عبدالمجيد على قدميها.. وهو يصرخ بها:
أنت نائمه والطفلة تبكي.. هيا تحركي.. أسكتيها وإلا قتلتك أنت وأبنتك.
قامت بيان فزعه والدموع تتطاير من عينيها.. كان ضربه مؤلما ولكنها تحملته لأجل إبنتها.
ومرت الأيام وعبدالمجيد على هذه الحالة، يأتي بعد منتصف الليل.. فاقدا لرشده ليضرب هذه المسكينه.. حتى تتكور على نفسها من الألم وتنطوي لوحدها مع إبنتها بزاوية الغرفه..
كانت تنظر إلى أمل بألم شديد.. خرجت دموعها كما يعتصر العنب.. خرجت مرة مرارة الظلم.. غزيرة كالسيل.. وشفافه كالزجاج المنكسر المستحال إعادته كما كان.
صرخت من أعماق قلبها الجريح.. الدموع والشهقات تلك الأنات.. حسرات إختنقت في حنجرتها.. خرج رذاذ تلك الأنات والحسرات من عينيها. كانت كلمات عبدالمجيد تحفر بمعاولها في صدرها.. وتهدم قلاعها هناك.
بقيت حتى الفجرمستيقظة تفكر في وضعها.. مالذي سيحل بها إذا بقيت على هذه الحاله..
*آه.. ليتني أستطيع إخراجها بصوت عالٍ.. لقد أغرقني ألما.. وصرت أستنشق دخان الظلم؛ بل أعيش معه.. لقد مزق قلبي إربا.. ولم يعد هناك من يعيد إصلاحه..
مازال الليل يطاردني.. والعتمة أينما أمشي.. الشموع مطفأة.. والشمس مختبئة خلف الغيوم. إنني أسير في طريق مجهول بعيدا عن عالمي.. وكأني في محيط دون طوق نجاة.. أغرق وأغرق.. وأغرق. مازلت وحدي تائهة كما كنت.. قبل أن ألتقي بجميل..
لقد أنكسر جناحاي منذ أن كتبت والدتي الحزن في قلبي ورصت قضبان السجن فيه وأصبح سجينا لها.. سرقت مني أحلامي.. قتلت كل أمل لي بالسعادة..
آه.. وألف آه ليتني أرحل عنهم للأبد.. ولكن من سيرعى إبنتي؟؟ ليتك كنت هنا ياجميل. لقد كنت الجسد وأنا خيالك.. كنت حبي وكبريائي.. الحياة معك مبهجة وبدونك محزنه.. آه لكم إشتقت إليك وأنت بقربي.. فكيف أعيش وأنت بعيد عني.
كيف أستطيع نسيانك وأنت بداخلي.
وبعد طلوع الشمس، كانت بيان ترقد بزاوية الغرفة مع إبنتها. إستيقظ عبدالمجيد ولم يجد بيان بجانبه.. إعتقد إنها إستيقظت مبكرا.. ولكن ما إن نزل من على السرير حتى رآها بالطرف الآخر بزاوية الغرفه نائمه.. إبتسم وقال:
تستحقين ذلك..
غادر الغرفة واتجه نحو قاعة الطعام حيا الجميع وتناول الفطور، نهض بعد أن فرغ.. وهو خارجا قال وإبتسامة الخبث تعلوا شفتيه: لاتوقظوا بيان فلن تفطر اليوم..
إستيقظت بيان من النوم مثقلة بالهموم.. كانت تشعر بالألم في كل جسدها من ضرب ذلك الوحش. أمل مازالت نائمة، حملتها ووضعتها بسريرها.. نظرت إليها والدموع تتساقط على وجنتيها الذابلتين. أخذت تمسح بيدها على رأس أمل الصغير وهي تقول:
أتمنى أن تعيشي بسلام مع هؤلاء البشر.. وأن لاتتذوقي الهم أبدا. آه، كم مرة عانقني الهم وعشقني.. عانقني حتى تكسرت أضلعي مراراً..؟!
وبينما هي مستغرقة في التفكير.. شعرت بالدوار وآلام في جسدها النحيل تزداد شيئا فشيئا.. كانت تحس بأن رأسها سينفجر، شربت دوائها ولكن لافائده منه.. الألم إزداد أكثر فأكثر.. لم تتحمل إرتدت ملابسها بسرعة إستعداداً للخروج.
نزلت بسرعة لإحدى الخادمات وطلبت منها الإعتناء بأمل.. وأستأذنت من خالتها للذهاب للعيادة الخاصه. وبعد فترة وجيزه كانت بيان جالسه على الكرسي بقاعة الإنتظار بالعيادة.. وبعد دقائق من الإنتظار إستدعاها الطبيب للدخول..
الطبيب: مرحبا بك يا إبنتي..
بيان: مرحبا بك ..
الطبيب: حسنا مالذي تشعرين به؟
بيان: لا أعرف يادكتور مالذي يحدث لي.. إنني أشعر بآلام شديده في جسدي.. لا أقوى على فعل أمور تحتاج إلى مجهود كبير.. ورأسي يادكتور أشعر وكأن هناك من يضربني عليه بأداة ثقيلة..
الطبيب: سأجري لك الفحوصات اللازمة، ومن ثم سيتم تحديد المرض الذي تعانين منه.
بيان: هل ستتأخر بإجراء هذه الفحوص؟
الطبيب: كلا ولكن عليك الآن الإتجاه إلى قسم الفحوص بالعيادة وإجرائها.. والنتائج ستظهر بعد مرور ساعتين تقريبا..
وخرجت بيان لإجراء الفحوصات.. وبعد أن إنتهت منها جلست بقاعة الإنتظار.. وأعصابها متوترة جدا.. كانت ممسكة بمحرمه ورقيه مزقتها إلى فتافيت صغيرة جدا..
وبينما هي كذلك إستدعاها الطبيب مرة أخرى.. دخلت إلى الغرفة وهي تنظر إليه.. كان صامتا يحدق بالنتيجة.. شعرت بيان بالخوف من صمت الطبيب.. فقالت تسأله:
لم أنت صامت يادكتور؟ أخبرني ماهي نتيجة الفحوص أرجوك أخبرني..
الطبيب: إسمعيني جيدا يا إبنتي.....
ولكنه صمت من جديد وأطرق رأسه إلى الأرض..
الطبيب: لا أعرف من أين أبتدي.. ولكن ياإبنتي كل شي مقدر ومكتوب على الإنسان..
قاطعته بيان: مالذي تريد أن تخبرني به يادكتور.. أرجوك لم أعد أحتمل المزيد من الألم .
خرجت بيان من عيادة الطبيب بعد أن أخبرها أنها مصابة بسرطان الدم. كانت تسير في الطريق وهي تشعر بالضياع.. إتجهت دون إدراك منها إلى قبر جميل. رمت بنفسها عليه تبكي نفسها.. تبكيه وتبكي أمل.. كانت تأن أنينا يقطع القلوب.. وتضرب بكلتا يديدها على التراب..
* آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .. خرجت من أعماق قلبها المفعم بالألم ....
لم تركتني.. لم تركتني ورحلت؟ لقد صدمني بخبره القاتل.. أحسست بالإختناق.. ولم أستطع الرد عليه إلا بنظرات معذبه.. تنزف دما.. تملأها الجروح والآهات.
طويت نفسي على ألم أتلوى.. غرقت في بحر دموعي.. أكاد احتضر ياجميل. كم أشعر بالأسى على نفسي، على أمل التي ستعاني من دون والدتها.
رجعت بيان إلى المنزل.. كان الجميع قد تناولوا طعام الغذاء.. كانت الخادمه ماتزال جالسة ترعى أمل. طلبت منها بيان الخروج وأتجهت إلى إبنتها وضمتها إلى صدرها بكل قوه. كانت الدموع هي الأسبق إلى عينيها.
* هل تعلمين ياحبيبتي أنك ستبقين وحيدة.. لن أراك أبدا.. سأرحل عنك.. آه كم سأشتاق لرؤياك.. لرؤية وجهك البريء.. كم سأشتاق لتقبيلك، لضمك.. سامحيني.. أرجوك سامحيني..
كانت بيان مرهقة كثيرا.. وضعت أمل على سريرها.. وأتجهت هي نحو سريرها وأستسلمت للنوم بعد أن بللت دموعها الوساده.
رجع عبدالمجيد في ذلك اليوم مبكرا على غير عادته، كان يبدو هادئاً جدا.. حيا الجميع وصعد إلى غرفته.. أضاء أنوار الغرفة، نظر إلى إبنته وغير ملابسه، سار بإتجاه السرير.. كانت بيان ماتزال نائمة وهي ممسكة بورقة النتيجة بيدها.. لمحها وسحبها برفق منها.
تغيرت الوان الغرفه بدت ليست كما يراها أو كما عهدها سابقا. أحس بأن العالم يدور وهو في سكون.. جرى الهم على قلبه كأنه سيل ماطر.. إسترجع ذكرياته وقسوات أفعاله للحظات.. حتى توقف هذا الشعور وترجم إلى سيل دموع علها تغفر له خطيئته وأفعاله، بعد أن رأيناه رجل المهام الصعبه.. وصاحب القيادة.. في تلك اللحظه لم يعد هو. هل شعوره سيطر على محيا نفسه؟
خرج مسرعا.. لم يعرف إلى أين يذهب .. جميع جدران المنزل تنزف.. تخنقه بسخطها. مر مسرعا أمام أفراد الأسره، كان الغضب والألم باد على محيا وجهه.. أراد والده إيقافه ولكنه لم يدركه: ماباله يا عزيزتي؟
سلوى: يبدو أن تلك الرعناء قد أزعجته مرة أخرى..
قفزت عبير من على كرسيها وقالت:
أمي هل أذهب وأنظر مالذي جرى؟
سلوى: إذهبي بسرعه..
أسرعت وبخطواتها الواسعه الرشيقة إلى غرفة شقيقها.. طرقت الباب ولكن لم يجبها أحد.. كان صوت بكاء بيان يصل إلى مسامعها.. فتحت الباب وجدت أمل غارقه في دموعها.. حملتها وأتجهت نحو بيان لتوقظها..
عبير: بيان إستيقظي.. بيان.. إستيقظي..
ولكنها لم تستجب لندائها.. وقعت عينيها على الورقة ملقاة على الأرض.. مدت يدها لتلتقطها، وما أن وقعت عينيها على حروف تلك النتيجه حتى نزل دمعها على خديها ساقطا على الورقة.. لم تصدق ما قرأته عيناها.. نظرت إلى بيان كانت كالطفل يغط في نوم عميق.
شعرت عبير بالخوف.. ركضت مسرعة والطفلة بيدها.. خرجت والدموع تتطاير من عينيها.. نزلت مسرعة وهي تنادي وتصرخ: أمي، أمي
سلوى: مالذي حدث؟ لم تحملين الطفله هكذا؟ لم تبكين؟؟
عبير: إنها.. إنها..
ولكنها لم تستطع أن تكمل.. كانت عبير ماتزال ممسكة بالورقة، فأعطتها والدها.. قرأها حتى صرخ بأعلى صوته: يا إلهي.. مالذي فعلته يامجيد.. مالذي فعلته بها.. إرحمنا ياإلهي.
نظرت زوجته إليه بإستغراب.. لم يصرخ هكذا؟ مالذي قرأه ليفعل ذلك؟ وحينما وقعت عيناها على تلك الكلمات.. حتى سرت رعشة قوية تسري في جسدها.. وأندفعت بسرعة بإتجاه بيان بالغرفه.. دخلت إليها وهي تقول:
بيان.. إستيقظي.. إستيقظي.. ألا تسمعين..
ولكن بيان كانت في سبات عميق.. لم تسمع أي شئ مما يدور من حولها.. حاولت سلوى رفعها ولكنها سقطت من يدها كالأموات.. فصرخت بأعلى صوتها: ياإلهي......
ركض كامل والد عبدالمجيد بسرعة لسلوى وهو يناديها: مالذي حدث؟
سلوى: إنهاميتة.. ميتة ..
كامل: ماذا!! مالذي تهذين به؟
سار بإتجاهها وجس نبضات قلبها.. كانت دقاته ضعيفة جدا لاتكاد تسمع..
كامل: ماتزال على قيد الحياة.. إنها لم تمت، هيا إتصلي بالإسعاف ..وأتصلي بأهلها ليأتوا إلى المشفى.
في المساء كان الجميع هناك.. ينتظرون بصمت ودموع.. عدا عبدالمجيد الذي خرج من المنزل منذ الظهيرة.. كان والده يحاول الإتصال به..لكنه لايجيب.
كان سعيد منطويا على نفسة غارق في بحر دموعه.. أما دعاء فكانت واقفة بالقرب من الزجاج الأمامي لغرفة الإنتظار في جمود. كان الحزن مخيما على الجميع.. فتلك الشمس التي كانت تضئ المكان قد شارفت على المغيب.
كانت سلوى جالسة على كرسي بعيد عن بقية الأفراد.. الذكريات والأيام السيئه التي قضتها بصحبة بيان تمر بخاطرها كسيناريو يعرض على شاشات التلفاز. كانت تتمنى لو أن بإمكانها إعادة الماضي لتسجل في هذا السيناريو أياما سعيدة تعيشها معها..
ولكن ماالفائدة.. كان الألم يعتصر قلبها، الشعور بالذنب إتجاه مافعلته ببيان يزداد في كل دقيقة تمر الآن فيها بيان نحو حتفها. الدقائق تمر كالساعات الطويلة القاتله.
وبعد أن أطلقت تنهيدة حزينة ..
** مالذي فعلته بهذه المسكينه.. أنني المذنبه بما أصابها الآن، ولكنه خطأ عبدالمجيد أيضا.. لا أنا من أشعلت في قلبه وعقله تلك الأحقاد.. اللوم يقع علي.. كان همي الوحيد أن أكسر كبريائهاوتعاليها.. عذبتها وأهنتها..
والآن هي طريحة الفراش على بعد خطوات من الموت.. وأبنتها تلك المسكينه ماذنبها لتعيش دون والدتها.. دون....
وتذكرت في تلك اللحظة أن عبدالمجيد ليس موجودا.. أين هو ياترى؟ إنني لم أره هنا أبدا.. أنا متأكده من أنه يعرف بالذي أصاب بيان. لكن أين أختفى؟ عليه أن يكون هنا مع بيان فهي بحاجة إليه. قامت وأتجهت نحو زوجها:
كامل.. كامل أين عبدالمجيد؟
كامل: لا أعرف أين هو.
سلوى: إتصل به.. يجب عليه التواجد هنا.
كامل: لقد إتصلت به مرارا لكنه لايجيب. لا أعرف مالذي حدث له.
عبدالمجيد جالس في سيارته قرب البحر.. عيونه متحجرة نحو الأفق.. مازال يرى الكون يدور من حوله.. الأحداث التي مرت خلال السنة الماضيه تزاحم عقله.. أفكار وأفكار. كانت دموع عينيه تسيل كالسيل الجارف.. لأول مره كان عبدالمجيد يبكي، شعر في تلك اللحظه بسخرية القدر.. الشمس والبحر صوت غريب ينساب في أذنيه..
* لقد إنتصرت عليك بيان.. ضحكات وسخرية مرعبه!! صوت العقل.. الضمير.. لم يعرف مالذي يفعله، أراد في تلك اللحظة ان تنشق الأرض وتبلعه.
مر يومان على إختفاء عبدالمجيد، لا أحد يعرف أين هو.. جميع أفراد العائله كانوا يبحثون عنه. بيان تزداد ذبولا.. مازالت نائمة.. لم تستيقظ منذ أن أحضرت للمشفى. تمر الساعات ثقيلة عليهم.. بكاء وبكاء.. كانت أمينه تشعر بالإعياء بين الفينة والأخرى.
وتمر الأيام وعبدالمجيد لم يظهر بعد.. وفي أحد الأيام بينما كان الجميع جالسون بالغرفه.. فتحت عينيها ببطئ شديد.. أطلقت تنهيدة حزينة.. إلتم الجميع بجانبها.
سعيد كان أول من تكلم:
* هل أنت بخير ياعزيزتي؟
كانت ماتزال تشعر بتخدر في جسدها.. الأفكار والكلمات ماتزال تحت الإنعاش.. أغمضت جفنيها لبرهة وفتحتهما من جديد..
* أين أمل؟
* إنها بخير.. لاتقلقي عليها..
نظرت إلى الجميع بالغرفة وكأنها تبحث عن أحدهم.. وعندما جالت بنظرها على الجميع أغمضت عينيها مستسلمة للنوم من جديد.
كان الجميع قلق عليها.. وتجري الأيام بسرعة وبيان تزداد سوءاً.. وعبدالمجيد مازال مختفيا.. وذات يوم بينما كان الزائرون جالسون بالقرب من بيان.. طُرق الباب.. فتح سعيد الباب.. وقف جامدا مكانه يحدق في الزائر.. كان كالمصعوق بالكهرباء..
دعك عينيه ونظر للجميع. كان عبد المجيد، كان منظره غريب جداً.. فقد نمت الشعيرات الصغيرة على وجهه.. وفقد أناقته بكاملها.
كانت الدموع تملأ عينيه.. والحزن والأسى يملأ قلبه.. نظر إلى والدته نظرة ألم.. تأنيب الضمير.. كان يبدو هزيلا جداً. تنحى سعيد عن الباب ودخل عبدالمجيد.. إتجهت عيناه إلى بيان.. نظر إليها.. لم يتمالك نفسه.. كانت تنظر إليه.. طفرت الدموع من عينيه.. ألقى بنفسه عليها: سامحيني يابيان.. أرجوك سامحيني..
كانت دموعه تنزل بسخاء.. لأول مرة كان عبدالمجيد كان يبكي هكذا.. كان كالطفل.. لم تتمالك والدته رؤيته.. وأخذت تبكي هي الأخرى. المشهد كان مؤثرا.. لم يتوقع الجميع أن يحضر عبدالمجيد.
وبعد مرور أيام قليلة كانت بيان تكاد تسقط على الأرض.. والهموم والآلام قد إنصبت على رأسها الصغير. إختفت إبتسامتها التي كانت تبث الروح في الجسد وتضئ الدروب.
بينما كان سعيد جالسا في المنزل بالقرب من الهاتف.. رن رنته المشئومة.. ورفع سعيد السماعه: مرحبا......
وبعد ثوانٍ: ماذا؟؟ سنأتي فورا.
وصرخ سعيد مناديا على والديه: أبي.. أمي..
وخرجت والدته وهي مذعورة من صراخه..
امينة: مالذي حدث لك؟
سعيد: إنها بيان يا أمي.. بيان.
امينه: ماذا؟؟ مالذي حدث لها أخبرني بسرعة؟
سعيد: لقد أصيبت بنوبة منذ قليل.. وحالتها سيئة..
وبعد دقائق من هذه الحادثة كان الجميع متواجدون بالمشفى. دعاء كانت تبكي دون إنقطاع. عبدالمجيد كان جالسا على كرسي بالقرب منها.. ممسكا بيدها.
مرت الساعات بطيئة.. تكاد تخنقهم.. إنتهت ساعات الزيارة وغادروا المشفى.. متمنين أن تهدأ حالة بيان.
وجاء ذلك اليوم الذي تمنى الجميع لو أنه لم يكن.. سعيد كان واقفا بالقرب منها والدموع والآهات تملأ قلبه..
***آه يابيان جائني الخبر.. الذي نزع من عيني النوم.. خبر قد هوى على قلبي كصاعقة رعدية.. زلزلت كياني بكل قواها. ترنحت مبهوتا لا أرى سوى الضباب أمامي.
كان عبدالمجيد قبل تلك اللحظه ممسكا بيديها الصغيرتين وهو يبكي: لاترحلي ياحبيبتي.. إبقي لأجلي..لأجل أمل.. لن ألمسك بعد اليوم.. سأعوضك عن كل لحظة ألم عشتيها معي.. لاترحلي.. إنني أحبك فلا ترحلي.. من لأمل بعدك ياعزيزتي؟
كان عبدالمجيد يتعذب من الألم وتأنيب الضمير.. لم يكن ليهدأ دقيقة.
كانت بيان تنظر اليه والدموع تغرق وسادتها.. سحبت يدها من بين يديه وبيدين مرتعشتين أمسكت بيده..
بيان: لاتبكي يامجيد.. أرجوك إعتني بأمل جيدا.. ولاتتركها تتعذب بحياتها..
عبدالمجيد: سأفعل.. ولكن لاترحلي.. سامحيني لأنني عذبتك..سامحيني..
بيان: لاتتفوه بأي كلمة أخرى.. أرجوك أن تعتني بابنتنا.. ليحبها الجميع..
في تلك لحظة قدم الطبيب ليعاينها من جديد.. وعندما دخل ووجدها تبكي.. أخبرهم بأن عليهم عدم التسبب بأي إنفعال لها. وبينما هو كذلك..
كان عبدالمجيد ممسكا بقدميها وهو يصرخ: لاااااا.......
سقطت تلك الورده وتناثرت أوراقها ودهستها الأقدام.. وهاهي تتلقفها الأرض لتحتضنها بهدوء.. رحلت بيان تلك الفتاة النقية.. رحلت روحها الطاهرة.. وأصبحت جسدا بلا روح.
إرتمت والدته عليها وهي تصرخ بها: لاترحلي.. لااااااا..
دعاء ومنال كانتا تجهشان بالبكاء.. سعيد كان يحمل أمل التي كانت تبكي بكاء مريرا يقطع القلوب وكأن تلك الطفلة قد علمت أن والدتها قد غادرت الحياة..
ضمها إلى صدره وضغط عليها بكل قوته.. كانت دموعه قد إختلطت بدموع تلك الطفلةالبريئة..
والدته.. كانت ممسكة بيد بيان.. وهي تولول على فراق إبنتها.. وتندب حظها: إنني السبب.. لاتموتي يابيان.. إنني السبب في تعاستك.. إستيقظي ياحبيبتي..
ولكن بيان قد رحلت.. وتركت خلفها أحلام لم تتحقق أبدا.. فكابوس الموت قد عاجلها. رحلت.. وخلفت ورائها دموع متفجرة.. ومشاعر ممزقة.. ونحيبا وبكاء يقطع القلوب.. تعالت أصوات الحسرة والندم.. الكل يصرخ ويولول.. لاأحد كان يتوقع أن ترحل إلى الأبد.. إنهم لايكادون يتصورون كيف سيعيشون بدون حرارة شمسها ودفء مشاعرها.. ولكن هذا هو قدرها.. تركتهم خلفها مذهولين صرعى.
وبعد أن رحل ذلك الملاك.. عاش الجميع كابوس الفراق.. إختفت البسمة من على تلك الوجوه.. فبيان صاحبة الروح المرحه قد غادرت الحياة.. غادرتها كما غادرها جميل.. والتقت روحهما من جديد ولكن في العالم الآخر..
ولكن هناك أمل تلك الطفلة التي أعادت الأمل لقلوبهم جميعا.. فعبدالمجيد قد تغير كليا ووالدته.. أصبح هادئا.. وحنونا.. يكرس أغلب وقته للبقاء مع أمل..
كانت تشبه والدتها تماما.. نظرتها الهادئة وابتسامتها الساحرة.. كانت تبعث الأمل في نفوسهم. أمينه والدة سعيد.. تغيرت أيضا.. لم تعد كما كانت.. وتغيرت حياتهم جميعا..
دعاء وعماد تزوجا بعد مرور عام على وفاة بيان.. وكذلك سعيد عقد قرانة على منال شقيقة عماد. كان الجميع يتمنى لو أن بيان كانت موجودة معهم..
الجميع كان يتذكر بيان في كل لحظة ودقيقة تمر عليهم في حياتهم. فلم يتخيلوا يوما أن بيان سترحل بهذه السرعة. وهاهم يعيشون مرارة الظلم والحسرة لما جرى.
الـــــــــــــــنــــهـــــــــــــــــايــــــــــــة
|