المنتدى :
كتب الأدب واللغة والفكر
إميل سيوران , شذرات
للتحميل من هنا
بعد ترجمة أولى لسيوران بعنوان "توقيعات" الذي ضم مختارات من ثلاثة كتب له ترجمها لقمان سليم وراجعها وضاح شرارة "دار الجديد" يكون "المياه كلها بلون الغرق" أول كتاب لسيوران ينقل كاملا الى العربية والعنوان الأصلي للكتاب "مقايسات المرارة".
ولد أميل سيوران عام 1910 في قرية رازيناري الرومانية في مناخ لا يمكن إلا أن يجذر لديه روح المقارفة التي وشمت كتابته فيما بعد.
دأب سيوران على الكتابة والنشر طيلة حياته فيما لا يدع مجالا للشك في حرصه على الحضور إلا أنه كان يريد حضورا دون ظهورخاليا من البهرج، والزينة لذلك ظل حريصا على الاقامة في الظل بعيدا عن الاعلام ولعله كان اسعد حالا طيلة الثلاثين سنة التي ظلت كتبه تطبع في نسخ محدودة ليعتني بها قلة من النقاد والمعجبين وهو الذي يرى ان "النسيان لا يطول إلا الكتاب الذين "فهموا" والذين لم يعرفوا كيف يضمنون "سوء فهم" الآخرين لهم.
إلا أن شهرته تضاعفت بعد صدور كتابه، رسالة في التحلل، ضمن سلسلة كتاب الجيب ونقل أعماله الى الانكليزية والألمانية لدى منحه جائزة "بول موران" 1988 فاضطر الى رفضها ذلك ان هذا التكريم لا يعني له إلا شيئا واحدا ظل طيلة حياته يعتبره منافيا للقدر اللائق بكاتب مثله وقد قال في (مجلة Lirc) متحدثا عن بورخيس وكان يقصد نفسه:
"لاعقوبة أشد من التكريس، ما إن يصبح الكاتب مرجع الجميع حتى يتعذر الرجوع اليه خشية ان نزيد من حشد المعجبين به أي خشية ان نزيد من اعدائه".
تابع دراسته العليا في باريس، وذلك لاعداد اطروحة جامعية في الفلسفة وهناك تفرغ الى المطالعة بنهم، والتيه في الشوارع مواصلا التأليف في لغته الأم مثمرا كتابه الرابع "غروب الافكار 1938" إلا أن الليالي الطويلة التي قضاها يجوب الازقة أفضت الى يقين "موجع":
"من الأفضل ان يكون المرء مؤلف أوبريت على أن يكون صاحب ستة كتب في لغة لا يفهمها أحد..."
ربما كانت هذه أحد أهم الانسلاخات الحاسمة والاختيارية في حياته وهي الخروج من لغة الى لغة أي من هوية الى هوية ما يعني تأكيد احساس بالغربة والتمزوق لن يفارقه مدى حياته".
في الوقت نفسه الذي كان قد توصل فيه الى أن الفلاسفة الفرنسيين كتبوا بأساليب بسيطة لكنهم قالوا أشياء عميقة بعيدا عن الرطانة الألمانية التي ساهم في ارسائها سارتر ومن بعده هيدجر حيث كان يستخدم لغة معقدة جدا لقول أشياء بسيطة.
قرأ سيوران الفلسفة باكرا حيث تحفل جميع صفحات الكتاب بأسماء فلاسفة كنيتشه، هولدرين وباسكال وهيغل، وسقراط.. لوثر.. بروست.. بوذا..ص32.
/مع بودلير اقتحمت الفيزيولوجيا مجال الشعر، مع نيتشه اقتحمت مجال الفلسفة، وبهما معا رفعت اضطرابات الجسد الى مرتبة النشيد المفهوم، ألقي على عاتقهما وقد اطردا من العافية ان يضمنا للمرض حياة مهنية/
كذلك بأسماء مذاهب كثيرة كالبوذية ـ الطاوية ـ البهاجا فادجيتا أحد الكتب الدينية التي تستند اليها الديانة الهندوسية وهو أثر فلسفي ديني.
ص38: /ماذا يصنع الحكيم؟ يستسلم للفرجة والأكل. إنه يرضخ بالرغم عنه لهذا الجرح "ذي الفتحات التسع" الذي هو الجسد حسب البهاجافا دجيتا ـ الحكمة؟ أن نتحمل بكبرياء المذلة التي تسلطها علينا ثقوبنا/.
لكن قراءاته للفلسفة خيّبته والخيبة هذه جعلته يتجه الى الأدب، وذلك ابتداء من اللحظة التي أدرك فيها أن دوستويفسكي أكثر أهمية من أعظم فيلسوف وأن الشعر العظيم شيء مدهش.
ففي لحظة يأس شديدة أدرك ان الفلسفة لا تقدم العون مطلقا وأنها قطعا لا تنطوي على أجوبة وهكذا اتجه الى الشعر والأدب حيث لم يعثر هناك على أجوبة ايضا ولكن على حالات مشابهة لحالته.. والكلام يعود له.
ص36/ لما كنت ساذجا بما يكفي للذهاب في رحلة بحث عن الحقيقة فقد قمت عبثا بجولة حول العديدمن الطرق والمذاهب. كنت بدأت بترسيخ قدمي في الشكوكية حين خامرتني فكرة الاسترشاد بالشعر كملاذ أخير: من يدري؟ لعلي أحقق فيه كسبا، لعله يكشف لي من وراء اعتباطيته عن بعض التجليات الحاسمة، ملاذاً وهمياً، كان الشعر قد ذهب أبعد مني في النفي والانكار، لقد جعلني أخسر حتى شكوكي.
لعل مرض الأرق الذي بدأ مبكرا لديه في سن التاسعة عشرة تقريبا لم يكن مشكلة صحية فحسب بل كان أعمق من ذلك بكثير كانت مرحلة أساسية في حياته والتجربة الأكثر جدية حيث فتحت ليالي الأرق تلك عينيه فتغير كل شيء، يقول سيوران في حوار أجراه معه جيسون وايس في باريس 1983:
/الشخص الذي لا ينام كل الوقت لديه محنة واستمرار لها فبينما الجميع يسرع باتجاه المستقبل تكون أنت على الهامش وحين يتواصل ذلك لشهور وأعوام فإنه يؤدي قسريا الى تغيير احساسك بالاشياء وفهمك للحياة فلست تعرف بعد أي مستقبل تتطلع وهناك حقيقة أنك وحيد مع نفسك، في هذه الحالة أنت لست جزءا من المجتمع البشري وإنما تنتمي الى عالم آخر وهذا يستلزم إرادة خارقة لتجنب السقوط في الجنون وغواية الانتحار"، والمعروف أن سيوران ينتمي الى سلالة "الكتاب الانتحاريين" مثل بودلير ونيتشه وبول فاليري، ذلك كله أوجد لديه فلسفة موت خاصة يدخل فيها أغوار الذات بما فيها من تناقضات مؤكداً أن الموت هو ابن الحياة اليتيم وليس العكس، وأن الرغبة بالموت لن تكون لولا وجود الحياة.
تحياتي
|