المنتدى :
المخابرات والجاسوسية
أيمز .. جاسوس في قلب المخابرات الأمريكية
آلدريتش هـ آيمز، الضابط بقســم (الاستخبارات المضادة)، بالـ(CIA)، والذى تجسس لحساب السوفيت، ثم لحساب (روسيا) بعد سقوط (الاتحاد السوفيتي).
عندما ألقي القبض على (أيمز) في عام 1994م، صرح المسئولون الفيدراليون أنه تسبب فى أكبر شرخ أمنــي على امتــداد تاريــخ الـ
(CIA)، الأمر الذى كلفها الكثير؛ فخلال الأعوام التسعة التي تجسس فيها، كشف (أيمز) عن أكثر من مائة عملية سرية، وخان أكثر من ثلاثين عميلاً يتجسسون لحساب الوكالة، أو لأجهزة مخابرات غربية أخرى، مما تسبب فى إعدام عشرة على الأقل من الروس والأوروبيين الشرقيين ممن غدر بهم، كان من بينهم الميجور جنرال (ديمترى بولياكوف)، ضابط الـ(GRU) السوفيتي، والذي تجسس لحساب (الولايات المتحدة) لمدة عشرين عاماً تقريباً، قدم خلالها معلومات لا تقدر بثمن.
ومن الآثار المدمرة لخيانة(أيمز)، ذلك الكم الهائل من المحظورات التى ارتكبها ضباط الـ(CIA) ، الذين أحيطوا علماً بأن عملاءهم معرضون للخطر، والذين أرسلوا تقارير فاسدة فى الفترة ما بين 1986م و1994م إلى البيت الأبيض والبنتاجون..
عشرات من التقارير عن تطويرات الأسلحة ومجهودات التسليح السوفيتية، ثم الروسية فيما بعد، بنيت على معلومات من (عملاء) كان الضباط أول من يعلم أنهم تحت سيطرة (موسكو)،. إلا أن مسئولي
الـ(CIA) المحاطين علماً بهذا، لم يسلموا بصحة المعلومات الواردة في هذه التقارير...
وطبقاً لما ورد فى تقرير (لجنة النواب المنتقاة للإشراف على المخابرات)، فهناك 11 تــقريراً أُرســلت إلى الرؤســاء (ريجان) و(بوش) و(كلينتون)، لم يُفصح فيها عن سر تحفظات الـ(CIA) على مصادر معلوماتها، وإن احتوت التقارير المرسلة إلى (البنتاجون)، في نفس الوقت، على بعض التلميحات التي تتعلق بهذه المصادر، دون الإشارة إلى الشك في كونهم تحت سيطرة (موسكو) الكاملة...
ولقد بدأ (أيمز) نشاطه التجسسي في 1985م، عندما كان رئيساً لقسم (الاستخبارات المضادة) السوفيتية بالـ(CIA). وعلى الرغم من كونه محاطاً بالشكوك لبعض الوقت، لاحتمال كونه عميلاً مهماً للسوفيت، إلا أن المحققين لم يبدءوا فى تضييق الخناق عليه، حتى عام 1992م.. ولقد زلزل القبض على (أيمز) الـ(CIA)، وأثار (الكونجرس)، الذى بدأ في المناداة بتطهير الوكالة مما أودى بمستقبل(جيمس وولزى)، مدير الوكالة ، وأدى إلى تقاعد مبكر لعدة من ضباط الـ(CIA) ، من ذوي المراكز العليا.
ووصف (الكونجرس) ما حدث، باعتباره سلسلة من التخبطات لا تصدق تقريباً؛ فقد فشل محققو الوكالة في الربط بين أسلوب الحياة المترفة الرغدة، التي يحياها (أيمز)، وإنفاقه ببذخ شديد، وبين إمكانية تقاضيه أموالاً طائلة مقابل التجسس؛ إذ دفع له السوفيت ثم الروس 2.7 مليون دولار على الأقل، أثناء عمله لحسابهم، اشترى (أيمز) بهم منزلاً بـ540 ألف دولار عداً ونقداً، وكان يقود سيارة (جاجوار) XJ6 حمراء، تبلغ قيمتها أربعين ألف دولار.. كل هذا ولم يكن دخله السنوي الرسمي يتعدى الـ69.843 دولار. أضف إلى ذلك سجل (أيمز)، الحافل بكونه مخموراً في أغلب الأحيان، واتهامه باختراقات في الأمن الروتيني!..
ذكر تقرير لجنة التحقيق، في قضية (أيمز)، كما يقول كتاب الجواسيس، أن فشل الوكالة في اكتشاف خيانة (أيمز)، أدى إلى خسارة كل أصول المخابرات، التي استهدفتها الـ(CIA)، في (الاتحاد السوفيتي)، في ذروة الحرب الباردة...
المدهش أن عملية اصطياد العميل قد بدأت في عام 1986م، بعد إعدام ضابطي مخابرات سوفيت جندهما الـ(FBI). واتجهت الشكوك في البداية إلى (إدوارد لي هوارد)، وهو ضابط بالـ(CIA)، و(منشق) منذ عام 1985م، أو حتى (كلايتون لونتري)، وهو من البحرية الأمريكية، والمتهم بالتجسس على الســـفارة الأمريكية في (موسكو)...
ولكن بعد اختفاء ثلاثة عملاء آخرين، لم يكن أمام المحققين سوى تقبل -وعلى مضض- الاحتمال الساحق، بأن تسرب المعلومات ينبع من الـ(CIA) نفسها، إلا أنه لم يتم بحث الأمر بين الـ(CIA) والـ(FBI)، بشأن مخاوفهم تلك حتى عام 1991م، حيث بدأت الـ(FBI) تحرياتها تحت (الاسم الكودي) (المتحرك ليلاً)، ثم أطلق عليها فيما بعد عملية (إفلايس)، (الإفلايس هو خنجر قصير له حافتان)...
ولقد كان اسم (أيمز) ضمن عشرين اسماً مشتبه فيهم، وذلك على الرغم من اجتياز ذلك الأخير لاختبار (جهاز كشف الكذب) في 1986م و1991م، ثم نقل (أيمز) إلى قسم مكافحة الجاسوسية التابع للـ(CIA) وهو قسم غير حساس نسبياً، إلا أنه ظل مستمراً في التجسس، والحصول على وثائق بالغة السرية، لا تتعلق بعمله الجديد، حتى استطاعت الـ(FBI) في يونيو 1992م الحصول على تصريح من (محكمة المراقبة على المخابرات الأجنبية السرية)، بناءً على التماسها، بوضع أجهزة تنصت في تليفون (أيمز)، والتسلل إلى منزله؛ لوضع كاميرات وبراغيث إلكترونية، وكذلك التجسس على الكمبيوتر الشخصي بمنزله...
وفي أكتوبر 1992م، ادعى (أيمز) أنه ذاهب لزيارة نسائية في (كولومبيا)، ولكنّ مراقبيه كانوا يعلمون أنه في طريقه إلى (كاراكاس) بـ(فنزويلا)، وقد شوهد (أيمز) مجتمعاً مع (عميل) سوفيتي، وهو تحت رقابة الـ(FBI) السرية، وعلى الرغم من هذا، فقد تأخرت الـ(FBI) في اعتقاله، على أمل ضبطه متلبساً بالتقاط أي شيء من نقاط الإسقاط، ولكنها بدأت في تضييق الخناق عليه، عندما شعرت بتكاثر شكوك متعامليه السوفيت، وتم بالفعل القبض عليه في 21 فبراير 1994م، قبل يوم واحد من ذهابه إلى (موسكو)، في اجــتماع رســمي تــابع للـ(CIA)، مع متخصصين من المخابرات الروسية في شئون المخدرات...
كذلك تم القبض على زوجته (روزاريو) البالغة من العــمر 41 عاماً، ولقد تعــرف (أيمز) على زوجته الأولى (نان) في الـ(CIA) حيث كانت ابنة لضابط بالوكالة، وعندما عين في محطة (مكسيكوسيتي) في عام 1981م لم ترافقه زوجته، وفشل زواجه، الذى سرعان ما انتهى بالطلاق.. وفي (مكسيكوسيتي) التقى بزوجته الثانية (روزاريو) الكولومبية المولد، والتي كانت مصدراً قليل الأهمية للـ(CIA)، وكان لدى الزوجين ابن واحد يسمى (باول) يبلغ من العمر خمسة أعوام.
ولقد عمل جواسيس (أيمز) المهمين لحساب الـ(KGB) في البداية، ثم تجسسوا لحساب الوكالات الروسية التي خلفته بعد انهيار (الاتحاد السوفيتي) فيما بعد..
وكخبير في الشئون السوفيتية بالوكالة، استطاع (أيمز) خلال عمله، أن يستخلص معلومات من (المنشق) السوفيتي (فيتالي يورنشينكو)، وكان المتعامل الرئيسي مع (آركادي شفشينكو) السكرتير الثاني للشئون السياسية بالأمم المتحدة، والضابط السوفيتي الأعلى مرتبة، الذي انشق للـ(الولايات المتحدة).
وبصفقة قضائية مع المدعين الفيدراليين، اعترف (أيمز) بتهمة التجسس، وقبل الحكم عليه بالسجن مدى الحياة دون التمتع بطلب إطلاق السراح المشروط، ووافق على التعاون مع الـ(CIA) والـ(FBI)؛ مقابل بعض الرأفة مع زوجته (روزاريو)، التي حكم عليها بـ63 شهراً، (نقصت بعد ذلك إلى 42 شهراً)...
وحتى بعد دخوله السجن، استمر (أيمز) في مفاوضاته، التي حاول من خلالها الحصول على مزايا أكثر مقابل مزيد من التعاون من جانبه، إلا أنهم كانوا قد أفرغوا كل ما لديه، مما يهمهم بالفعل، فتجاهلوا محاولاته، ومازال (أيمز) يقضي فترة عقوبته، حتى الآن.
|