كتبه مؤلفه في السجن قبل إعدامه
(عزاء الفلسفة) غناء على إيقاع خطوات الموت
بوئثيوي - عزاء الفلسفة
ترجمة - د عادل مصطفى
مراجعة - احمد عتمان
رؤية للنشر والتوزيع
2008
اضغط هنا لتحميل الكتاب
القاهرة - “الخليج”:
“عزاء الفلسفة” كتابه ألفه “بوئثيوس” وكان أكثر النصوص رواجا في أوروبا، بعد الكتاب
المقدس طوال العصر الوسيط وعصر النهضة، وحظي من الترجمات والتعليقات بما لم يحظ
به كتاب آخر، ويكفي أن نذكر أن من بين مترجميه الشاعر جيفري تشوسر والملكة إليزابيث
الأولى والملك ألفرد الأكبر، وعندما نفي “دانتي أليجييري” رجع إلى هذا الكتاب واستلهمه
في تحفته الخالدة “الكوميديا الإلهية”.
هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية عادل مصطفى وراجعه على الأصل اللاتيني د. أحمد
عثمان، وصدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع، ينتمي إلى ما يسمى
أدب السجون،
إذ كتبه بوئثيوس في زنزانته خلال الأشهر التي سبقت تنفيذ الحكم بإعدامه العام
524 ميلادية، وكما يرى عادل مصطفى مترجم الكتاب فإن الكتابة أثناء العد التنازلي
للأجل المحتوم، هي كتابة أخرى، كما أن الغناء على إيقاع خطوات الموت الحثيثة
المقتربة هو غناء مختلف.
وكان بوئثيوس الذي انتهت حياته بالسجن والإعدام رجل سياسة وفكر مسيحي، صاحب
منصب كبير وثراء فاحش ومقرب من رجال السلطة الإمبراطورية، وكما يشير د. أحمد
عثمان في مقدمته للكتاب فإن العنوان لم يكن من نوعه الأول إذ سبقته مؤلفات عدة في
تاريخ الأدب الإغريقي واللاتيني، منها على سبيل المثال مؤلفات الشاعر “سينيكا”:
“عزاء إلى ماركيا” وكان هدف بوئثيوس من كتابه أن يصمد الفيلسوف في وجه الشدائد.
ومن أخطر المشكلات في كتاب بوئثيوس كما يؤكد د. أحمد عثمان أننا أمام مفكر مسيحي
لاهوتي، له أكثر من مؤلف في اللاهوت المسيحي، وهو يمر بلحظات عمره الأخيرة
ويودع الدنيا بعمل سماه “عزاء الفلسفة” ولا يذكر كلمة واحدة عن العقيدة المسيحية، بينما
يركز على التراث الكلاسيكي الوثني، وكانت المسيحية لما جاءت حاربت التراث الوثني،
ونفته تماما، فألغت الدورات الأولمبية والمسارح وكل ما يمت للوثنية بصلة ولاسيما
الفلسفة، فهي العدو الأول للدين والعقيدة، والمثل الصارخ على ذلك ما فعله مسيحيو
الإسكندرية بالفيلسوفة “هيباتيا” حيث مزقوها إربا إربا.
وعبر القرون الأولى الميلادية بدأ الحوار بين المسيحية والوثنية يحل محل التنافر
والعداء، وكان على آباء الكنيسة الأوائل أن يتعلموا اللغة الإغريقية واللاتينية ليشرحوا
العقيدة الجديدة ويردوا على أقطاب التراث الوثني، وكان من نتائج ذلك أن البلاغة
الإغريقية واللاتينية، كما فهموها من كتابات أرسطو أصبحت سلاحهم في الانتصار
للمسيحية، وهذا ما حققه بوئثيوس في كتابه، إذ في الوقت الذي تجنب فيه ذكر المسيحية
دعم هذه العقيدة دعما غير مباشر باختياره موضوعات وشخصيات وثنية تتوافق مع
المسيحية، فمبادئ الرواقية عامة ورواقية سينيكا خاصة تنسجم مع المسيحية بما فيها
من زهد وقدرة على التحمل، ويقال إن هناك رسائل متبادلة بين سينيكا والقديس بولس
، ف”عزاء الفلسفة” يحتفي بعقائد وأساطير وفلاسفة الوثنية ممجدا بطريق غير مباشر
المسيحية وداعيا للتسامح والصمود والثبات والتواضع.
ويحمل الكتاب كل ملامح الكتابات الفلسفية الرومانية الكبرى وقد صاغه المؤلف في
هيئة حوار بين السجين “بوئثيوس” والسيدة الفلسفة، ومزج فيه بين الأجناس الأدبية
المختلفة ومعظم المدارس الإغريقية ممثلة فيه تمثيلا مقصودا من الأبيقورية إلى
الرواقية ومن “الكلمبية” إلى “الغنوصية”.
ويعتقد بوئثيوس أن
الفلسفة ليست ضد الدين، وإذا كان ابن رشد هو صاحب هذه الفكرة
التي أنارت ظلام العصور الوسطى عندما انتقلت إلى أوروبا عبر كتابه “فصل المقال
” فإن د. أحمد عثمان يعترف في مقدمة الكتاب بأن دور ابن رشد اقتصر على إيقاظ
العقول الأوروبية النائمة.
ويوضح عادل مصطفى مترجم الكتاب أن السلطة والشهرة والجاه والمنصب لم تكن
مطمعا ل “بوئثيوس” يوم أن زاول السياسة، فالفلسفة لا تترك في قلب مريدها مكانا
لمطمع، إنما دخل بوئثيوس معترك السياسة حرصا على الصالح العام، ولكي يطبق
في السياسة العامة ما تعمله في دروس الفلسفة، استجابة لدعوة أفلاطون بأن يزاول
الحكماء السياسة حتى لا تترك دفة الحكم لأيدي الجهال والمجرمين فيلحقوا الدمار
والخراب بالمواطنين.
ويعرّف بوئثيوس “الوطن” في كتابه بأنه ليس جبلا أو واديا، الوطن فكرة، اختيار،
مملكة تشمل في ظلها الناس جميعا بما يجمعهم من قرابة قائمة على شرف انتسابهم
إلى عقل واحد، بتعبير ماركس أوريليوس، إنه مجتمع عقلي أو إمبراطورية مثالية،
كما كان يعفر “بلوطرخس” بقوله “إن ما مهدت له فتوحات الإسكندر من طريق
التاريخ قد أتمته
الفلسفة من طريق العقل”.