كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
الارشيف
الفصل العاشر
زواج
إيمان
يوم الزواج .. يوم زواجي.. لا أصدق حتى الآن أنني قد وافقت علي تلك الفكرة المجنونة.. أشعر بالرعب مما قد تجره علي من متاعب.. كيف استطاعوا إقناعي؟؟.. خائفة ... خائفة جداً ولست أدري السبب.. كأنني أقتحم عرين الأسد بقدمي.. كم أنا غبية .. هذا ما يحدث بالفعل .. سأدخل عرين الأسد بقدمي ولن أكتفي بذلك بل سأبقي لأقيم فيه.. أين المفر.. هل أستطيع أن أتراجع الآن؟؟نعم يجب أن أتراجع عن هذا الجنون .. أين هاتفي.. سأتصل به و أقول أنني غيرت رأيي ولن أذهب لأي مكان.
لكن هل هذا ما أرغب فيه حقاً؟؟.. ما أرغب فيه حقا هو أن أشعر بالأمان من جديد.. منذ تركني أبي و أنا أشعر وكأنني محارب بلا درع.. أواجه الحياة بلا ساتر أحتمي به ولا رفيق أتكئ عليه .. لم أغادر المنزل منذ ذلك الموقف البشع الذي تعرضت له منذ أيام .. صرت أخاف من النزول إلي الشارع .. أخاف من الناس .. أشعر بالخوف حتى وأنا داخل منزلي.. أشعر في كل لحظة وكأن هناك من سيقتحم الباب.. أشعر بالذعر كلما سمعت طرقات تدق بابي أو سمعت جرس الهاتف.. وكأن شخص ما سيقفز من سماعه الهاتف ليختطفني.. استيقظ مذعورة عشرات المرات في الليل وأنا أشعر و كأن هناك آخرين معي في الشقة .. ارتجف في رعب رغم أنني أنام و الأنوار كلها مضاءة.. حتى طيف أبي الذي كان يملأ أرجاء المنزل .. يبدو أنه قد غادرني .. لم يعد يظهر و تركني .. تركني وأنا في أشد الحاجة إليه.. تركني للوحدة.. والألم.. والخوف.. تري إذا تزوجت زياد هل سأستطيع أن أسير في الشارع من جديد بلا خوف؟؟ .. هل زواجي منه سيحميني من الاستيقاظ ليلاً.. هل سيجعلني أنام ليله كاملة دون أن أشعر بالفزع؟؟.. ربما.. ربما شعوري بوجود آخرين معي في نفس المكان سيحميني من هذا الرعب الذي أعيش فيه.. لقد قال أن هناك آخرين في المنزل .. هناك الكثير من الخدم .. أي أن هناك الكثير من أنفاس البشر.. ربما هذا هو ما أحتاج إليه لأعود لطبيعتي من جديد.. الدفء البشري..أحتاج لأن أعيش مع آخرين .. وأن أشعر بأن هناك من سيكون بجواري عندما أتعرض للخطر.. يبدو أن الثمن الذي سأدفعه لتحقيق حلمي سيكون غالياً.. الزواج من زياد.. رغم أنه شئ مرعب إلا أنه إذا كان الحل الوحيد لأستعيد نفسي فلأتحمله بأي طريقة.
فلأجمع ملابسي فزياد علي وشك الوصول.. أحضرت حقيبة كبيرة وفتحت دولابي.. كل قطعه ملابس كنت أخرجها كان تحملي لي ذكري قديمة من أيام السعادة التي تلاشت للأبد.. هل سأترك منزل الذكريات لأحملها معي أينما كنت.. قررت ألا أحمل معي تلك الملابس .. يكفي الذكريات التي أحملها في قلبي بالفعل.. لماذا أثقل نفسي أيضا بالذكريات التي تحملها ملابسي.
من تحت فراشي جذبت حقيبتين كبيرتين مملوءتين بالملابس.. تلك الملابس كنت أعدها ليوم زواجي. ابتسمت ابتسامة مريرة.. يا للسخرية .. ها أنا أخرج تلك الملابس يوم زواجي بالفعل ولكن الأمر يختلف كثيراً.. تلك الملابس أيضا تحمل الكثير من الذكريات.. ولكنها ذكريات تختلف كثيراً عما تحمله ملابسي القديمة.. تلك الملابس تحمل لي ذكريات عن الشخص الذي اشتريتها لأرتديها من أجله.. هي تحمل ذكريات الكراهية .. كراهية ذلك الشخص الذي أحببته يوماً و الآن صرت أكره حتى حروف اسمه.. وأدركت الآن كم تكون الكراهية مفيدة أحياناً.. فمشاعر الكراهية أهون بكثير من مشاعر الحب نحو أشخاص فقدتهم للأبد .. أبي .. وأمي .. لو كان أحدهما علي الأقل علي قيد الحياة لما تعرضت الآن لهذا الموقف الذي أعيشه .. ولكنه قضاء الله ولا راد لقضائه .. آه الكراهية .. الكراهية هي الشيء الوحيد الذي يجعلني لا أخاف من زواجي من زياد.. أعلم أنه يكرهني .. وكل ما يدفعه نحوي هو الشعور بالواجب.. كراهيتي تلك تجعلني أشعر بالأمان معه .. تجعلني أثق في أنه لن يطالبني يوما بأي حق ينتج عن ذلك الزواج الذي سنتورط فيه.
الآن كل شيء معد .. ملابس جديدة .. حياة جديدة .. تري ما الذي سيحمله لي الغد؟؟
زياد
أشعر وكأنني تورطت .. لم أحسب حساب لموافقتها .. ربما كنت أقول بلساني أنها ستوافق في حين كان قلبي وعقلي يصران علي أنها لن توافق .. ربما هذا ما جعلني أطلب منها الزواج بشجاعة.. حتى بعد أن أعطتني موافقتها ظننت في كل لحظة أنها ستتصل بي لتتراجع عن موافقتها.. ولكن حتى الآن لم تتراجع.. لم يبق إلا ساعات قليلة فهل سأتزوجها حقاً.. هل أتصل بها لأتراجع أنا .. أشعر بالإحباط.. لا يبدو ذلك مناسبا .. يبدو محرجا جداً.. لماذا يجب أن أتزوجها؟؟ .. لماذا؟؟.. رن هاتفي من جديد.. ساندي .. إنها المرة العشرون التي تتصل فيها ولا أرد عليها .. هي من تركتني ويجب أن تتحمل نتيجة فعلتها.. آه حقاً .. تذكرت سبب زواجي من إيمان .. إنها ساندي .. الآن ستدرك جيداً أنني لست ذلك الغر الساذج الذي توقعته.. وأنني لن أقضي عمري في انتظارها كالطفل الذي ضل عن أمه حتى تعود.. عندما تعرف أنني تزوجت ستدرك جيداً مع من تتعامل وستعرف أنه قد رحلت من حياتي للأبد.. ولكن هل أرغب فعلاً في أن ترحل للأبد؟؟ .. للأبد كلمة بعيده جداً.. توحي بمسافات شاسعة .. بفراق طويل.. لست أدري إذا كنت أرغب فيه حقاً..
اقتحم هنري مكتبي كعادته وصرخ: آه.. أنت هنا اليوم؟؟ لماذا؟؟ ألن تستعد لزفافك؟؟
نظرت إليه في ضيق .. ذلك الاقتراح الأحمق كان اقتراحه منذ البداية.. قلت: و ماذا تريدني أن أفعل؟؟
قال: تبدو مرعبا جداً.. شكلك لا يوحي بأنك العريس اليوم.. لو كنت مكان العروس لهربت فوراً بمجرد رؤيتك.
تنهدت وقلت في خفوت: ليتها تفعل.
قال: أحمق كعادتك.. أنت لا تعرف كم تعبت لأقنعها بأن تتزوجك. لو كنت مكانك لطرت فرحا بزواجي من تلك الأميرة الحسناء التي لا تستحقها أبداً.
قلت في سخرية: ولماذا لا تكون مكاني؟؟ سأمنحك إياها و معها مليون جنيه إسترليني أيضاً.
نظر لي في ازدراء وقال: لو كنت مسلماً لأعطيتك أنا مليون إسترليني لتسمح لي بأن أتزوجها ولم أكن لأتركها أبداً لأحمق مثلك.
قلت: لست أدري ما الذي يعجبك فيها.
رن جرس الهاتف من جديد.. نظر هنري إليه ثم قال: وأنا لست أدري ما الذي يعجبك في تلك الحقيرة.. لقد كنت رقم ألف في قائمتها ولا أظن أنها عاشت بعدك راهبة.. بالتأكيد لم تكن الأخير.
شعرت بالغيظ فقاطعته في حزم وقلت: هنري.. من فضلك لا تتحدث عنها بهذه الطريقة إذا أردت أن تحافظ علي صداقتنا.
رفع أحد حاجبيه في دهشة ثم قال في سخرية: حسناً أعدك أنني لن أتحدث عن الدوقة ساندي من جديد.. آه لقد نسيت .. أحضرت لك هديه.
أخرج من جيبه علبه وأعطاني إياها.. فتحتها في دهشة فوجدت فيها خاتمي زواج .. نظرت إليه في استفسار. فقال: أعلم أنك نسيت أن تشتري خواتم زواج .. حتى و إن كان زواجكما صوريا فلا أقل من أن ترتدوا الخواتم.
ضحكت وقلت له: أيها الأحمق .. إنها تصلح للزواج في إنجلترا ولكنها لا تشبه دبل الزواج المصرية. علي أي حال سنرتديها من أجلك.
ضحك في سخرية وهو ينحني ويقول: شكراً لعطفك يا صاحب الجلاله.. ثم غادر المكتب.
تأملت الخاتمين كان قد نقش علي خاتمي اسم إيمان وعلي خاتمها اسمي .. وبعد أن فكرت لدقائق فتحت درج سحري صغير في مكتبي لا يعرف بوجوده سواي وأخرجت منه علبه صغيرة تحتوي علي خاتمين أيضا.. استبدلت خاتمي الذي أحضره هنري بخاتم آخر من تلك العلبة وارتديته في إصبعي.. ولكن هذه المرة لم يكن ذلك الخاتم يحمل اسم إيمان .. كان يحمل اسم آخر .. اسم ساندي.
إيمان
دق قلبي في سرعة عندما توقفت السيارة أمام مكتب المأذون .. بدأ الخوف الذي كنت أحاول أن أبقيه جانبا يجتاحني من جديد .. أردت أن أهرب.. تمنيت لو فتحت الباب الآن وجريت بعيداً ولكن ساقاي كانت عاجزتين عن الحركة.. كنت قد أصررت علي الجلوس في المقعد الخلفي بينما جلس زياد وهنري في المقاعد الأمامية.. وخلفنا سيارة أخري تحمل الرجلين اللذان سيقومان بدور الشهود..نزل هنري وفتح لي باب السيارة وهو ينحني ويقول: تفضلي يا مولاتي الأميرة.
ضحكت.. هنري هو الشخص الوحيد القادر رسم البسمة علي شفتي في أحلك المواقف.. أما ذلك الشخص الذي سيصبح زوجي بعد لحظات فقد غادر السيارة دون أن يلقي علي ولو نظرة واحدة ثم سبقنا في الصعود لمكتب المأذون.. صعدت السلالم القديمة وجسدي لا يكف عن الارتجاف كأنني مصابه بالحمى.. ابتسم لي هنري وقال: تشجعي.
نظر لنا المأذون في تساؤل وقال: طلاق لا قدر الله؟؟ .. ابتسمت للفكرة وقلت في نفسي: ربما كان قريباً إن شاء الله.. بالتأكيد لم يتوقع أننا قدمنا للزواج فملابسنا عادية جداً كما أننا جئنا وحدنا بدون أقارب ولا أصدقاء.
قال له زباد: بل زواج يا سيدي.
نظر لنا في دهشة شديدة وقال: زواج؟؟ أين وكيلك إذا يا ابنتي؟؟
ابتسمت للموقف من جديد.. بالتأكيد يظن أننا عاشقين هربنا من أهلنا لنتزوج.. قلت له: والدي متوفى يا سيدي وليس لي أقارب إلا هذا الشخص الواقف أمامك.
نظر لي في شك .. فأخرجت من حقيبتي شهادتين وقلت له: هذه شهادة وفاة والدي و شهادة وفاة والدتي لتصدقني.
نظر إلي في عطف وقال: لك الله يا ابنتي.
كلمته البسيطة جعلتني أشعر أنني فقدت والدي اليوم فقط .. كم هو قاسي أن تكون الفتاة بمفردها يوم زواجها وكأنها مقطوعة من شجرة كما يقولون .. غصن ملقي بإهمال علي جانب الطريق لا أهمية له.
كيف تمت المراسم؟؟ .. لست أدري .. لا أتذكر شئ وكأن ذاكرتي قد ضاعت مني للحظات.. أو أن عقلي محي تلك الذكري تماما رحمة بي.. يبدو أنهم قد طلبوا مني أن أقول بضع كلمات فقلتها بآلية دون أن أدرك معناها.. وربما طلبوا توقيعي وبصمتي علي بعض الأوراق.. لست أتذكر بوضوح ولكن كل شئ تم في بضع دقائق .. والآن؟؟.. هل حقاً صرت زوجته؟؟
زياد
دقائق قليلة ووجدتني زوجها.. هل يصلح مثل هذا الزواج؟؟.. مجرد ورقة .. ومشاعر كراهية تحكمنا وتفصل بيننا بجدار غير مرئي ولكنه من فولاذ.. عدنا إلي السيارة و أنا أشعر أني مشوش تماماً.. هل حقاً حدث ذلك؟؟ الأفضل أن أتناسي ما حدث وكأنه لم يكن أبداً..أصر هنري علي أن تركب إيمان في المقعد الأمامي هذه المرة فركبت وهي كارهه واحتل هو المقعد الخلفي.. كنت وكأنني مغيب عن الوعي حتى أنني خفت أن أصطدم بشئ وأنا في هذه الحالة .. أفقت قليلا عندما رأيت هنري يشير لي في مرآه السيارة في البداية لم أفهم ثم أدركت أنه يشير لي لأعطيها الخاتم.. كأنني كنت أنقصه في هذه اللحظة .. يا للأحمق.. ولكن علي أي حال يجب أن أنفذ ما يريد إلا فأنني لا أتوقع رد فعل شخص مجنون مثل هنري.. أخرجت الخاتم من جيب سترتي وناولته لها دون أن أنظر لها.. وجعلت حجتي التركيز علي الطريق وقلت: تفضلي
أخذت مني العلبة وقالت: ما هذا؟؟ ولما لم تتلقي رداً فتحت العلبة وأخرجت الخاتم.. لمحتها وهي تضعه في إصبعها وتنظر إليه في انبهار فقد كان الخاتم رائعا بحق فص من الزمرد يحيط به بضع ماسات صغيرة رائعة الجمال.. توقعت أن تشكرني أو شيء من هذا القبيل ولكني فوجئت بها تلتفت للخلف وتقول: خاتم رائع بحق.. ذوقك مميز جدا يا هنري؟؟
نظرت لهنري في المرآة بدهشة و أنا أسئلة بنظراتي: كيف عرفت؟؟
أجابي علي نظرتي قائلاً: وكيف تعتقد أنني عرفت مقاسها إذاً؟؟ لقد طلبت خاتمها لأحضر لها المقاس نفسه. ثم انفجرا ضاحكين معاً.. يبدوان متناسبين جداً معاً .. لست أدري لماذا لم يتزوجها هنري .. لكان أراحني من الاضطراب الذي اشعر به الآن.
وصلنا للفيلا.. ركنت السيارة و غادرتها وقلبي يقول: ها قد بدأ فصل جديد من حياتي.
|