كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
الارشيف
الفصل السابع
صراعات .. و أحزان
إيمان
دخلت إلي الشقة. النور مضاء في حجرة الصالون لابد أن أبي في الداخل. عندما نظرت من بعيد لم ألحظ وجود أي شخص في الداخل و لكنني سمعت صوت أنين خافت فأسرعت الخطي لأجد والدي ممدة علي كنبة الصالون. كان وجهه شديد الشحوب و يغطية عرق غزير جدا و يصدر عنه ذلك الأنين الخافت. ناديته عدة مرات فلم يرد علي. يبدو أنه فاقد الوعي. يا ربي كيف أتصرف؟؟.. أسرعت إلي النافذة ربما كان زياد لم يغادر بعد ولكنه للأسف كان قد غادر بالفعل. ماذا أفعل إنني حتى لا أملك رقم هاتفه. بالتأكيد أبي يملكه لكنني لست أدري أين يحتفظ به. حاولت أن أتذكر رقم الإسعاف لكن الأرقام كلها طارت من رأسي. تساقطت من عيني دموع القهر و العجز. أخيراُ تذكرت رقم الإسعاف. طلبت الرقم وأعطيتهم العنوان. قالوا بأنهم سيصلون حالا. لست أدري ماذا أفعل الآن . جلست بجوار أبي علي الأرض. دموعي تكاد تغرق وجهه و أنا أحاول أن أمسح العرق عن وجهه و أربت عليه ولا أدري كيف أستطيع أن أخفف ألمه فتتزايد دموعي. أخيرا وصلت الإسعاف. ركبت معه في السيارة و أنا أشعر بأن الطريق لن ينتهي. أخيرا وصلنا. قالوا إنه يحتاج لدخول العناية المركزة. وقفت علي الباب أنتظر خروج الطبيب. سألت الطبيب عن حال أبي فقال الكثير من المصطلحات الطبية التي لم أفهم منها حرفاً. كل ما فهمته أنا حالته خطيرة. مرض أبي مرض نادر لم يعثروا الطب علي علاج له بعد. يمكن أن يعيش المريض به طويلا و يمكن أن يموت فجأة بدون سابق إنذار. " الأعمار بيد الله .. فقط أدعي له" قالها الطبيب وهو يغادرني. وقفت في طرقه المستشفي مذهولة.. لا أستطيع أن أتحرك من مكاني.. أين الطريق؟؟ إلي أين أذهب الآن؟؟.. ألصقت ظهري بالحائط حتى أحمي جسدي من السقوط .. ما الذي يحدث؟؟ لم أعد أحتمل.. لا شيء واضح.. هل يمكن أن يتركني أبي حقاً؟؟ بالتأكيد لن يفعل.. لن يفعل أبداُ فهو يعرف أنني ليس لدي سواه فكيف يمكن أن يغادرني؟..إلي من سيتركني عندها... إلي اللا أحد .. بالتأكيد لن يتركني .. بالتأكيد.. سيقاتل و سيهزم مرضه من أجلي.. قالت لي الممرضة أنني يجب أن أغادر. لن أستطيع رؤية أبي اليوم ولا يمكني الجلوس طويلا في المستشفي.. خرجت و الدموع تحجب عني الرؤية تماما لدرجة أنني أصدمت عدة مرات بشجرة أو بحائط.. حاول الكثير من المارين في الشارع مواساتي .. سألني كثيرون عما بي .. لم أرد علي أحد .. لم أكن حتي أسمعهم جيدا فطوال الوقت كنت أسمع هاتفا يدوي في عقلي أن أبي ربما ..سيموت.. ربتت علي كتفي سيدة عجوز وقالت لي أن أهده فالله دائما يفرج الكروب .. لم أعثر في داخلي علي أي كلمات أرد بها عليها. كيف وصلت للمنزل ؟؟ لست أدري. ألقيت بنفسي علي فراشي و انفجرت في بكاء هيستري.. ضربت الفراش بقبضتي آلاف المرات و كدت أمزق الوسادة بأصابعي المتشنجة التي تقلصت عليها ثم لم أعد أشعر بشيء.
هل هذا جرس الهاتف؟؟ رأسي ثقيل كأنه يزن آلاف الأطنان. يبدو أنني نمت أو ربما غرقت في غيبوبة عميقة.. تري كم الساعة الآن؟؟ جرس الهاتف لازال يدق بشدة وصوته يمزق رأسي. لا أستطيع أن أفتح عيوني و كأن جفوني قد التصقت تماما. مددت يدي أتحسس بها المنضدة بجوار فراشي أبحث عن سماعه الهاتف. عثرت عليها ووضعتها علي أذني. قلت آلو وسمعت صوتا من الجانب الآخر يقول: آسف علي إزعاجك يبدو أنني أيقظتكم من النوم. أين عمي؟ لقد اتفقنا علي الخروج مبكرا اليوم. و كأنني عدت فجأة إلي أرض الواقع. انتفضت جالسة في فراشي و أنا أحاول جاهده فتح عيني. تذكرت كل ما حدث بالأمس. أجبت و الدموع تتسابق لتغادر عيني من جديد: أبي مريض .. في المستشفي. أعطيته عنوان المستشفي في كلمات سريعة كنت أرغب في إنهاء الحديث فلست في حالة تسمح لي بالحديث مع أي شخص. ولكن كأن ذلك الشخص المستفز يأبى أن ينهي أي حديث معي بسلام فقد قال: والدك في المستشفي و أنت غارقة في النوم حقاً أنك باردة وبلا مشاعر. لم أرد عليه ولكنني وضعت سماعه الهاتف. لست أحتمل شجارا مع شخص مثله الآن و إن كنت أيضا أسأل نفسي نفس سؤاله. كيف استطعت النوم؟؟
ارتديت ملابسي و أسرعت للمستشفي ولكنهم أخبروني بأن أبي بصحة جيدة الآن ولكني لن أستطيع أن أراه إلا في موعد الزيارة في الساعة الثانية عشرة. لا زال أمامي ساعتان إذن. و الحمد لله اطمأننت علي أبي إلي حد ما عندما قالت لي الممرضة إنه قد انتقل من العناية المركزة إلي غرفه عادية و أن حالته مستقرة وربما يغادر المستشفي قريباً. أحسست بالاختناق من جو المستشفي فرائحة المطهرات و التعقيم الذي تملأ الجو تخنقي و أشعر دائما إنها رائحة المرض. قررت أن أخرج لأتمشى قليلا في الشوارع القريبة علي أن أعود قبل موعد الزيارة. بقدمين متخاذلتين و جسد منهك طفت بالمنطقة القريبة و لما وجدت نفسي لا أقوي علي المشي دخلت أحد الكافيتريات و طلبت فنجانا من القهوة المركزة علها تخفف من الصداع الذي ينهش رأسي. جلست أمام الواجهة الزجاجية الضخمة أراقب المارين و أنا أسأل نفسي تري كم شخص منهم يملك مأساة كمأساتي؟؟.قبل موعد الزيارة بنصف ساعة عدت إلي المستشفي و قررت أن أمر بالطبيب لعله يخبرني أن تشخيصه لحالة أبي بالأمس كان خاطئاً أو أن كل ما مررت به كان كابوساً سخيفا تبخر مع ارتفاع شمس الصباح. لكني أصدمت بوجه متجهم يخرج من حجرة الطبيب. لا يوجد شخصين في العالم يملكون تلك التكشيرة المرعبة .. إنه زياد بلا شك. بمجرد أن رآني نظر لي في سخرية وقال: حمد لله علي سلامتك .. أخيراً وصلتي .. هل شبعتي من النوم؟. تجاهلته كأنني لم أراه وحاولت أن أمر بجواره لدخول غرفة الطبيب ولكنه قال لي: لا داعي لقد كنت بالداخل الآن و عرفت الحالة جيدا و يمكنني إخبارك عما تريدين. قلت: حسناً ماذا أخبرك؟؟ كتمت أنفاسي و أن أنتظر الإجابة هل سيقول أن أبي بخير و أن ما به مرض بسيط؟؟ أعرف منذ سنوات أن أبي يعاني من متاعب في قلبه و لكنني لم أتصور أبدا أن الأمر خطير. لكنني فوجئت به يقول: الأمر واضح جداً إنه نفس المرض الذي توفي أبي بسببه. وبدون أن أشعر وجدتني أصرخ في وجهه: فأل الله ولا فألك كيف تقول شيء مثل هذا أبي لن يموت. شعرت بالدموع تتجمع في عيني وتستعد للانهمار.. لا لن أبكي أمامه أبداً. جريت مسرعه و دخلت إلي دورة المياه و هناك أطلقت لدموعي العنان. مستحيل أن يكون ما يقوله هذا الفتي حقيقياً.. مستحيل.. لماذا أصدقه؟؟ إنه أحمق منذ عرفته .. بالتأكيد هو يكذب أو ربما لا يفهم شيئاً علي الإطلاق. هل أعود لأسأل الطبيب؟؟ لا .. أنا خائفة من أن يؤكد الطبيب لي ذلك الكلام. أحيانا يكون الجهل بالشيء نعمه كبيرة فلماذا نبحث عن المعرفة التي تقتلنا؟؟ نظرت في الساعة فوجدت أنه لم يبقي إلا خمس دقائق علي موعد الزيارة. غسلت وجهي بالماء البارد ليبدو أقل شحوبا و حاولت أن أرسم علي شفتي ابتسامة. لا أريد أن يشعر أبي بأي شئ. توجهت لغرفة والدي فوجدت ذلك الزياد يستعد للدخول أيضاً. لا بأس يجب أن أحتمله قليلا علي أي حال من أجل أبي. كان أبي يبدو أفضل حالا من الأمس بكثير. رغم الشحوب الذي يكسو وجهه إلا إنه كان يتكلم معنا بشكل جيد و كان مرحا كعادته. قال لي أنه بصحة جيدة و ألا أقلق عليه. و ألا أصدق كلام الأطباء لأنهم دائما ما يبالغون. تحدث كثيرا أما أنا فتحدثت قليلا. فقط بضع كلمات. فكل ما كنت أريده هو أن أستمع لصوته هو فقط. كنت أتلقي كلماته كأنني ألتهمها أو أشربها. هل سيتركني حقاً؟؟ بالتأكيد لا. الأطباء مخطئون بلا شك. فها هو يبدو لي في أتم صحة كأنني جالسين معا في المنزل نتحدث في هدوء. بعد فترة قال لي: إيمان أحتاج إلي بعض الملابس و الأشياء الأخرى من المنزل. هل تحضريها لي؟ .
لا أدري لماذا شعرت أنه يرغب في صرفي لأنه يريد الحديث مع زياد ولكنني قررت التغاضي عن ذلك وقلت في هدوء: حسنا يا أبي سأذهب لإحضار ما تريد. غادرت المستشفي و طوال الطريق للمنزل دار في عقلي سؤال واحد. تري ما الذي يريد أن يخبر به زياد؟
زياد
منذ فترة طويلة لم أحصل علي أجازة. لم تكن تهمني الأجازات في شئ. فالعمل هو الشئ الوحيد الذي يلهيني عن التفكير في أي جوانب أخري للحياة. ينسيني مرارة الماضي و جفاف الحاضر و غموض المستقبل. اتفقت مع عمي علي أن نخرج اليوم مبكراً و لكنني انتظرت طويلا أن يتصل بي لأذهب لاصطحابه. فات موعدنا منذ ساعتين .. لا مفر إذا من أن اتصل به. ردت علي إيمان بصوت نائم. يبدو أنني أيقظتها .. شعرت بحرج شديد . يبدو أن عمي لم يستطع الاستيقاظ مبكرا أو ربما نسي موعدنا. فوجئت بإجابتها عندما سألته عنه. في المستشفي؟؟ لقد تركته أمس وهو في صحة جيدة . كل ما يشعر به كان بعض التعب الخفيف الذي توقعت أن يزول بسرعة. لكن ما لفت نظري بشدة بالفعل هو تلك الفتاة النائمة. تغرق في النوم و والدها في المستشفي؟؟ إنها فعلا عديمة الإحساس. عندما أخبرتها برأيي فيها أغلقت الهاتف في وجهي. حمقاء .. غبية .. باردة .. متبلدة المشاعر.
بدلت ملابسي بسرعة و توجهت للمستشفي . بحثت عن الطبيب حتى وجدته. توقعت أن يقول لي أن الأمر بسيط أو أن عمي قد غادر المستشفي منذ بعض الوقت بالفعل. ولكنني فوجئت به يصدمني بشرح حاله عمي. بعد الكلمات الأولي لم أكن محتاجا لشرح المزيد. عادت بي ذاكرتي للخلف عدة سنوات. تذكرت أبي. وتذكرت طبيبا آخر يشرح لي مرض أبي الوراثي النادر. لم أفهم في البداية ولكن بعدما طفت مع أبي معظم بلاد أوروبا للبحث عن علاج لم نجده بدأت أفهم شيئا واحداً. هذا المرض ليس له علاج. إنه مرض يشبه القدر يأتي بالموت في أي لحظة. همست لنفسي: الأعمار بيد الله. ثم شكرت الطبيب وخرجت. بمجرد خروجي وجدت إيمان في وجهي يبدو إنها كانت تستعد للدخول للطبيب. تبدو شاحبة . ربما من كثرة النوم. شعرت بالغيظ الشديد.. كيف تهمل والدها بهذا الشكل. ألقيت بتعليق سخيف ربما لأفرغ فيه توتري فلم ترد. عندما سألتني عما قاله الطبيب قلت لها ببساطة ما أعرفه . قلت لها أن هذا المرض هو من قتل والدي. رد فعلها كان غير متوقع علي الإطلاق. وجدتها تصرخ في وجهي و تقول شيئا ما عن الفأل ثم تجري بعيداً. هذه الفتاه مجنونة بالفعل. لماذا ضايقها كلامي. أخذت أسترجع ما قلت و لكنني لم أجد فيه أي خطأ. فهززت كتفي و أخذت أجري بعض المكالمات الخاصة بالعمل في انتظار ميعاد الزيارة. ثم عادت إيمان في موعد الزيارة دخلنا لغرفة عمي معاً. يبدو بصحة جيدا ولكن ذلك لم يشعرني بالاطمئنان كثيراً. أبي أيضا كان يبدو بصحة جيدة عندما مات. تحدث بعض الوقت مع إيمان ثم طلب منها العودة للمنزل لإحضار بعض الأغراض. كنت أدرك أنه يريد الحديث معي علي إنفراد في أمر ما فمنذ دخلت إلي الغرفة و أن أري في عيونه نداء كأنه يرغب في أن يقول شيئا ولكنه لم يقله بعد. بمجرد خروج إيمان جلست بجوار فراشة و أمسكت بيده. و شعرت بالدموع تتجمع في عيني. لا أحتمل أن أفقد أبي مرتين و خاصة أن عمي كان في الأيام القليلة التي قضيناها معاً أكثر أبوة من أبي نفسه. ابتسم عمي كأنه يقرأ أفكاري وقال: الأعمار بيد الله يا زياد. قلت: إنك بخير يا عمي .. لا تقلق. قال و شفتيه لا تزال تحتضن ابتسامته الحنون: لا يا ولدي لست بخير. أعرف طبيعة مرضي جيدا و أعرف أنك تدركها جيدا. منذ زمن و أنا أخفي ذلك عن إيمان فلم أكن أريدها أن تشعر بالقلق. ثم اختفت ابتسامته و شعرت بالدمع يتراقص بين نبرات صوته وهو يضيف: لكني كنت أشعر بالقلق عليها طوال الوقت. ما الذي يمكن أن تفعله فتاة مسكينة وحيدة مثلها في هذه الدنيا القاسية بدون أب أو أم أو أخ أو قريب حتى. ربيتها لتكون قوية و لكنها في النهاية فتاة.. وضعيفة. ليالي طويلة قضيتها لم تنطبق فيها أجفاني و أنا أفكر في مصيرها بعد وفاتي. تري كيف يمكن أن تعيش؟ هل ستنهشها الذئاب أم ستلدغها الأفاعي التي يمتلأ بها العالم؟؟ عندما ظهرت في حياتنا يا زياد بدأت أشعر لأول مرة بطعم الراحة الحقيقية. قلت ها هو الظل الذي يمكن أن تختبأ فيه ابنتي من شمس الحياة القاسية. إنك شخص رائع كنت أتمني دائماً أن تجد ابنتي زوجا مثلك.
قاطعته في ذعر: زوج؟؟
ارتفعت ضحكاته و هو يجيب: لا تقلق أنا لا أطلب منك الزواج منها. أعرف إنك لا ترغب في الزواج. كل ما أطلبه منك أن تعتني بها وتحميها إذا حدث لي أي مكروه. ثم نظر إلى عيني في رجاء وقال: هل تعدني يا زياد؟ هل تعدني أن ترعي إيمان بعد وفاتي؟
وهل يمكنني أن أرفض مثل ذلك الرجاء الحار. رغم عدم استلطافي لإيمان تلك. ورغم أنني أشعر بثقل المسئولية التي يلقي بها عمي علي عاتقي. إلا إنني لم أجد سبيلا آخر. في البداية و النهاية ومهما كرهتها أو أحببتها فهي أبنه عمي ليس من ذلك مهرب. قلت لعمي: أعدك. وبمجرد أن لفظت تلك الكلمة شعرت بأن حملاً كالجبل جثم علي صدري.. ولكني .. وعدت.
إيمان
بعد أيام قليلة خرج أبي من المستشفي. قال الطبيب أنه بخير الآن و كل ما يحتاجه هو بعض الراحة ثم يمكنه العودة لاستئناف حياته بشكل طبيعي. أخيراً سأرتاح من تلك المكالمات الجافة التي كان يتحفني بها الأخ زياد يوميا قبل أن أنام. يبدو أن أبي كان قد أوصاه بي. فقد أصر علي أخذ رقم هاتفي و كان يتصل بي يوميا ليسألني سؤالين لم يتغيرا. سال عن صحتي و سؤال عما إذا كنت في حاجه لشيء. يسألني في جفاف وضيق و كأن شخصاً يجبره علي تلك المكالمة بالإكراه.
وضعت أبي في الفراش و سويت الغطاء من حوله و جلست بجواره. قال لي: إيمان تبدين شاحبة. يجب أن تعتني بنفسك جيداً. قبلت خده و أنا أقول أنت هنا الآن يا أبي و ستعتني أنت بي أليس كذلك؟ أجابني: بالطبع يا عزيزتي ولكن يجب أن تتعودي علي قضاء كل شيء بنفسك. لا أريدك أن تحتاجي لأحد أبداً. ثم هناك أمر آخر.. لماذا تكرهين زياد؟؟ .. أدرت عيني بعيداً.. كيف اكتشف ذلك.. هل أخبره زياد؟؟.. ربما .. فهو شخص أحمق.. قلت في براءة و عيناي تتوهان في نقوش الغطاء كيلا تواجهان عينيه: أنا يا أبي؟؟ من قال إني أكرهه. ابتسم وقال: أنت ابنتي و أفهمك جيدا و أعرف متي تحبين و متي تكرهين. أريدك يا إيمان أن تعامليه بطريقة أفضل من أجلي. إنه علي أي حال أبن عمك و ليس لك بعدي في الحياة إلا هو. فلو حدث لي شيء لن يبقي لك سواه. قلت في ذعر: أطال الله عمرك يا أبي. قال: إن شاء الله يا إيمان ... إن شاء الله.. والآن هيا أذهبي للنوم و اتركيني لأنام.
غادرت حجرته و توجهت لفراشي . أخيرا يمكنني النوم حقاً. فقد عاد أبي إلي و عاد معه الأمان. كم من الوقت نمت؟؟ لحظات أم ساعات؟؟ لست ؟ أدري و لكنني استيقظت علي صوت أنات خافته. قمت مذعورة ارتجف و جريت لحجرة أبي. أضأت نور الغرفة فوجدته مستيقظا يتألم . قلت له: ماذا هناك يا أبي؟؟ هل نذهب للمستشفي. قال: لا داعي يا لإيمان لقد حذرني الطبيب من نوبات الألم و أعطاني مسكن لها. هل يمكن أن تحضري لي المسكن؟. أحضرت له المسكن و بعض الماء و قبل أن أجلس بجواره أنقطع التيار الكهربائي. هذا ما كان ينقصني حقاً. حتى التيار الكهربائي يضطهدني. جلست في الظلام بجوار أبي وقلت: اعتقد أنه من الأفضل أن نذهب للمستشفي يا أبي. قال: لا تقلقي يا إيمان بعد لحظات إن شاء الله سأرتاح يا إيمان .. سأرتاح كثيراً. فقط تذكري ما وعدتني به.. ستعتنين بنفسك و ستعاملين زياد بشكل جيد و تذكري بأنه أبن عمك .. وقريبك الوحيد .. وسندك حاليا في الحياة.. قلت : لكنك أنت سندي في الحياة أليس كذلك؟ .. لم يرد أبي.. انتظرت طويلاً أن يرد ولكنني لم أسمع جوابه .. بدأت أشعر بالقلق.. لماذا لا يرد؟؟ سألته في قلق مرة أخري: أليس كذلك يا أبي؟؟ لم أسمع جوابا. مددت يدي في جنون أتحسس وجهه في الظلام. أحاول أن أجد أنفاسه .. لا أنفاس .. يدي الأخرى علي صدره .. صدره لا يعلو أو يهبط .. اقتربت برأسي .. وضعتها علي صدره .. لا أسمع دقات قلبه .. ماذا يحدث.. أخذت أهزه .. أناديه .. أصرخ .. لاشيء.. سمعت صوت الهاتف يرن . لا أدري إذا كنت رفعت سماعه الهاتف.. وربما قلت شيئا ما .. ثم .. ثم لم أعد أشعر بشئ حولي.
زياد
كنت أقود سيارتي عائدا للمنزل عندما شعرت فجأة بانقباض في صدري. تذكرت عمي فجأة . أشعر بأن مكروها قد حدث له. ربما كان هذا بسبب قلقي عليه فقط و لكني أريد أن أطمئن. هل أتصل به في هذا الوقت المتأخر؟؟ لقد حدثني منذ عده ساعات بالفعل وكان بصحة جيده . تري هل حدث له شيء. قررت أن أتصل علي أي حال. اتصلت و رفع شخص ما سماعه الهاتف ولكن لم يرد.. قلت آلو عده مرات و لم أتلقي ردا إلا صوت أشبه بالبكاء و عده شهقات. حولت اتجاه سيارتي بسرعة في اتجاه منزل عمي .. لازال الخط مفتوحا ولا أحد يرد.. ثم سمعت جمله واحده كادت تذهب بأنفاسي.. "زياد .. لقد مات أبي".
|