كاتب الموضوع :
ثم كانت الذكري
المنتدى :
الارشيف
الوقت يمر .. أشعر بالخوف.. تري كيف سأعود للمنزل؟ الساعة تقترب من السابعة ولازالت أزمة المرور مستمرة. السيارات تسير ببطء شديد..لا يوجد حل إلا استخدام الشوارع الجانبية و لست أعرف المنطقة جيدا فلا أدري كيف أستطيع الفرار من هذا الحصار. فكرت في أن أستقل تاكسي و لكنني أخاف من ركوب سيارة مع شخص غريب وحدي و الحوادث المنتشرة هذه الأيام تجعل الفتاة تفكر ألف مرة قبل أن ترتكب مثل هذه الحماقة. إذا كيف أتصرف؟ في هذه اللحظة أكره كثيرا كوني فتاة. أشعر أن الرجال غالبا ما يكونون أكثر قدرة علي التصرف في هذه المواقف. أما أنا فها أنا أقف معدومة الحيلة ولا أستطيع التصرف. رن هاتفي في تلك اللحظة كان المتحدث أبي. كنت أعرف أنه سيقلق علي لتأخري و لكني كنت آمل أن يشغله الاهتمام بزياد هذا عن ملاحظة غيابي. شرحت له الموقف و أنا أحاول تهوين الأمر لأقصي حد و أعده بانفراج الأزمة قريبا و بأنني سأعود في أسرع وقت فأنا أعرف بأن حالته الصحية لا تسمح بالخروج للبحث عني في هذا الجو البارد. أنهيت المكالمة و أنا أشعر بالمزيد من اليأس و الإحباط. وجدت الكرسي الخاص بمحطة انتظار الأتوبيس فارغا فجلست وحاولت أن أضم ملابسي جيدا حول جسدي لعلني أشعر بالدفء. عندما خرجت من المنزل كان الجو دافئا فلم أرتدي ملابس ثقيلة فلم أكن أتوقع أن يتحول إلي تلك البرودة الشديدة مع حلول المساء و الآن أشعر وكأنني سأتجمد من البرد. رن جرس الهاتف من جديد. إنه أبي مرة أخري لابد أنه يشعر الآن بقلق شديد. حاولت ألا يبدو القلق في صوتي. لابد أنه سيعرض علي من جديد أن يأتي ليصحبني. أصابتني الدهشة الشديدة لما أخبرني به علي الهاتف. ذلك الزياد سيأتي لاصطحابي؟؟؟ إنه أمر خارج نطاق توقعاتي لم أفكر به من قبل فلم أستطع إيجاد الرد المناسب. ليس لدي مجال للرفض في ظل الظروف الراهنة. خياري الوحيد هو القبول. علي أي حال لا يهم فالجو شديد البرودة بالفعل ولن أستطيع الانتظار لوقت طويل و ربما أمطرت أيضا. فليأت زياد هذا بسرعة. قررت أن أكافئه إن أتي بسرعة فسأحميه هذه المرة من ضربات لساني اللاذع و سأتحمل سخافته و أسلوبه السمج معي. ولكن هل سأستطيع؟ أعتقد أن الحل الوحيد هو أن أظل صامته تماما مهما قال أو فعل. نعم ربما هذا هو الحل الوحيد. بعد عدة دقائق وجدت سيارته قادمة. لقد جاء بسرعة إذا فهو يستحق مكافأتي بالفعل. ضغطت علي نفسي بشدة حتى استطعت أن أقول كلمة "شكرا" فخرجت سريعة خافتة وغير واضحة المعالم. جلست علي الكرسي المجاور له. كنت أتمني أن أجلس في الخلف لأن البعد عن مثل ذلك الشخص يعتبر غنيمة كبيرة ولكنني وجدت أن ذلك لن يكون مناسبا. بعد لحظات وجدته يسحب ستره ثقيلة من الكرسي الخلفي و أعطاها لي لأتقي بها بروده الجو. بصراحة نظرت إليه في ريبة شديدة. لماذا يتصرف هذا الشخص بهذه الطريقة؟؟ لست معتادة منه علي تلك المعاملة الحسنة. أزداد شكي فيه عندما لاحظت أنه ينظر إلي كثيرا من جانب عينه. تري فيما يفكر ذلك الشخص؟؟ أحسست بالخوف الشديد و وجدتني التصق بباب السيارة و أضع يدي التي أخفيها تحت سترته علي مقبض الباب. في حالة تفكيره في شيء غير لائق فسألقي بنفسي خارج السيارة. ولكن لراحتي وجدت نفسي أمام باب منزلي و وجدته يطلب مني في رقه الاعتذار لوالدي عن عدم تمكنه من الصعود. نظرت إليه في دهشة من جديد و أعدت له سترته. و شعرت للحظة أنا يبدو لي مثل الفارس المنقذ. أنقذني من ذلك الموقف السخيف الذي علقت فيه. ولكن بمجرد دخولي للعمارة و شعوري بالدفء المنتظر لشقتنا سخرت من تلك الفكرة وقلت لنفسي لو أن كل فرسان الأحلام مثل ذلك الزياد فكل الفتيات إذا يحلمن بكوابيس.ابتسمت ثم فتحت باب الشقة و دخلت و أنا مازلت ابتسم.
اتبعت إرشادات عمي بدقة. ابتعدت عن الطرق الرئيسة و مشيت في شوارع و طرق جانبية حتى وصلت إلي المكان الذي وصفه لي. إذا هنا تنتظر تلك الفتاة. شعرت بالقلق و بأن كل ذرة في جسدي تتحفز لتلك المشاجرة المتوقعة كالعادة. مجرد وجودها علي سطح الأرض يستفزني. بدأت أتلفت حولي لعلني أراها. وفجأة رأيتها لا أعرف لماذا أهتز شئ ما في داخلي بمجرد رؤيتها. كانت جالسة علي المقعد الخاص بمحطة انتظار الأوتوبيس واضعه يديها وقد بدت منكمشة من البرد. بدت لي في تلك اللحظة مسكينة, قليلة الحيلة, رقيقة وهشة جدا كطفلة صغيرة تاه عنها والديها. منظرها يجعل أمواج من الشفقة ترتفع في قلبك بالتدريج و تتزايد حتى تغرقه. نظرت إليها و كأنها المرة الأولي التي أراها فيها و ضاعت كل رغبة في داخلي للشجار معها. ناديتها فجاءت و فتحت باب السيارة وجلست في جواري. لم تقل إلا كلمة واحدة "شكراً" و لكنها خرجت مختلفة عن كل الكلمات التي اعتادت قذفي بها من قبل. نطقت تلك الكلمة برقة و انكسار يتناسبان كثيراً مع مظهرها الحالي الذي جعلني أشعر أنني أراها للمرة الأولي. ما الذي تغير فيها؟؟ كلما حاولت الانتباه للطريق أمامي وجدتني أختلس النظر إليها بطرف عيني علني أدرك ما الذي تغير فيها. كانت منكمشة بجوار باب السيارة كحمامة قد كسر جناحها و لم تعد تقوي علي الطيران. شعرت بتعاطف شديد معها و برغبة في حمايتها. أحسست أنها ترتجف من البرد. كان جهاز التكييف في سيارتي معطلا و لم أذهب لإصلاحه بعد. الحمد لله أنني أحتفظ دائما بسترة إضافية علي المقعد الخلفي. أعطيتها السترة فوضعتها علي كتفيها دون كلمة و ازدادت انكماشاً. إنها المرة الأولي التي أشعر فيها إنها أنثي بحق و تحتاج إلي حماية. ما هذه الأفكار الغريبة التي تدور في رأسي. تمنيت في تلك اللحظة أن تتشاجر معي كعادتها لكنها لم تفعل. بدلا من ذلك التزمت بصمت عميق زاد من شعوري بضعفها.
تصرفها هذا يربكني يجعلني اغتاظ بشده من نفسي و من أفكاري السخيفة يبدو أنني قد أصبت بالجنون. حمدت الله عندما وصلنا إلي منزلها. تنهدت في عمق و طلبت منها في كلمات سريعة و بعقل شارد الاعتذار لوالدها. شعرت بأنني يجب علي أن أفر الآن. بمجرد نزولها انطلقت بسيارتي. راحت صورتها منذ أول مرة رأيتها فيها تدور برأسي و مشاعر متضاربة من الغضب و الحقد تتصاعد في داخلي ثم تأتي صورتها و هي جالسة منكمشة علي نفسها لتمحو كل تلك الصور و تنبت في داخلي شعور بالعطف ممزوجا بالقلق و الخوف. صراع أصابني بالصداع لم ينقذني منه سوي جرس هاتفي الجوال. فتحت الخط بسرعة و كأنني أتعلق بقشه كالغريق. كان المتحدث هو هنري. مشاكل العمل من جديد ولكنني رحبت بها هذه المرة بشدة. و عندما أغلقت الخط نفضت كل الصور عن رأسي و صرت أفكر في العمل .. فقط العمل.
|