المنتدى :
التحقيقات
حكاية الكوفية الفلسطينية (المسابقة الكبرى)
حكاية الكوفية الفلسطينية
ترمز الكوفية الفلسطينية (بلونيها الأبيض والأسود) إلى فلسطين، فأينما وجدت الكوفية وجدت فلسطين وقلبها النابض في كل مكان لتفوح منها رائحة الزيتون والبرتقال والزعفران، وهي رمز دائم للرفض والمقاومة، وبالنسبة للعالم كله، رمز للكفاح والحق ورمز للفلسطيني.
لكن لا يعرف احدٌ منا حكايتها ومن أين جاءت، كل ما نعرفه أنها رمز لكفاح الشعب الفلسطيني في الثورات المختلفة دون أن ندرك عمرها الحقيقي، فطبقاً للروايات يتجاوز عمرها السبع آلاف سنة ولا تنسب لحزب معين كما هو معروف عند الكثيرين، ولا ندرك أيضاً الخطر الذي تواجهه الكوفية حالياً من محاولات يهودية لسرقتها.
لذا أترك بين أيديكم حكايتها وتاريخها
ورد في العديد من المراجع أن العرب قديماً كانوا يرتدون الكوفية فوق عمائمهم، وصارت تُلبس فيما بعد وحدها،لكن: من أين وصلتنا الكوفية؟ ذكر الرحالة العربي المعاصر "معن بن شناع" العجلي وهو باحث ورحالة عراقي في كتابه ( هكذا كنت في سيلان) :"إن الكوفية سميت بذلك نسبةً إلى الكوفة، وأنها عربية" ، فيما زعم "أنستاس" الكرمليوهو مؤلف لبناني أن الروم الأرثوذكس هم أول من أدخلها إلى بلاد الشام، ومنها انتشرت في جميع الربوع العربية، لكن لم يقدم أي من الاثنين أي تبرير للخطوط السوداء المتقاطعة مع بعضها البعض، الموجودة في التصميم الشائع للكوفية.
لكن ذكر الباحث العراقي أمين الزيدي من جامعة الناصرية جنوب العراق معلومة مدهشة وهي: "حقيقة أن أصل الكوفية يعود إلى عهود قديمة للغاية، إلى الحضارة السومرية تحديداً، حيث كان السومريون أصحاب أول حضارة في المنطقة العربية الحالية، وقد كانت حرفتهم الرئيسية هي الصيد، وافتخاراً بصنعتهم تلك قاموا بوضع تلك الخطوط السوداء المتقاطعة فوق كوفياتهم، والتي ترمز إلى شباك الصيد"، مؤكداً وجود العديد من الآثار التاريخية التي تثبت صحة ما يقول.
توافقت من آراء الباحثين، على أن الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 كانت هي السبب في نشر "الكوفية"، والتي عرفت بأسماء أخرى كـ "الحطّة" و"السلك"، حيث لم يكن يرتديها في ذلك الوقت سوى الفلاحين، والبدو، والثوار، الذين كانوا يستخدمونها في إخفاء ملامحهم، كي لا تتعرف عليهم السلطات البريطانية، التي كانت تقبض على كل من يرتدي الكوفية، ظناً منها أنه ثائر متخفٍ، مما دفع قيادة الثورة في ذلك الوقت إلى إصدار نداء إلى أبناء المدن للإقبال على ارتدائها.
ومن جهة أخرى سبق وأن قال الشاعر أحمد دحبور، كاتب سيناريو مسلسل " عز الدين القسام " في إحدى المقابلات التلفزيونية، إن باعة الكوفية أو الحطة والعقال كانوا يدللون عليها بقولهم: " حطة وعقال بخمسة قروش..والنذل لابس طربوش! "، ليستيقظ العساكر البريطانيون ذات يوم فيجدوا أن الطرابيش قد اختفى أجلها، وأن معظم الشعب صار يرتدي الكوفية والعقال، والتي نظم فيها الشعراء الشعبيون أغانٍ لا زال الكثير منها، إلى يومنا هذا، يجري على ألسنة الفلسطينيين: شباباً وشيوخاً، نساء ورجالاً، بل وحتى الأطفال منهم.
منذ ستينيات القرن الماضي، كَثُر استخدام الثوار الفلسطينيين للكوفية في مختلف الثورات والانتفاضات الفلسطينية، لتتالى فصول ارتباط شخصية الفدائي بوجود كوفية لا تظهر من وجهه سوى العينين، انتهاء بانتفاضة الأقصى الحالية، ولكن الفضل الأساسي في نشرها يعود إلى الزعيم الراحل ياسر عرفات -رحمه الله- ، الذي كان يرتديها بشكل دائم على شكل خارطة فلسطين، وصارت بعدها مرتبطة باسم فلسطين وحدها، رغم ارتدائها في كافة ربوع الشام والعراق، وأصبح المتضامنون مع قضيتنا يرتدونها للدلالة على تعاطفهم مع القضية الفلسطينية، وبدأت قصة الكوفية تدخل منعطفاً جديداً عندما عرضتها دور الأزياء الألمانية، وأصبحت الكوفية أو الشال الفلسطيني كما يسمى هناك رمزاً للأناقة، كما وصلت "موضة" ارتداء الكوفية إلى ايطاليا، حيث يكثر لابسو الكوفية في كافة أنحاء ايطاليا. أما كيف وصلت الكوفية إلى ألمانيا ومنها إلى مختلف أنحاء أوروبا، فيجيب على هذا السؤال الكاتب "غابي نصار" في إحدى مقالاته: " تنتشر الكوفية العربية أو ما يعرف بالشال الفلسطيني حالياً بين الشباب الألماني من كافة المستويات، فهو يعدّ وسيلة للأناقة حظيت بقبول شعبي غير مسبوق في ألمانيا. وقد وصل الشال الفلسطيني (الكوفية) إلى ألمانيا أواخر الستينات بواسطة اليساريين الغربيين الألمان، الذين عادوا إلى بلدهم بعد زيارتهم ومكوثهم في معسكرات المنظمات الفلسطينية في الأردن ولبنان، وتعدّت حمّى إعجاب الشباب الألماني بالشال من مجرد لفه حول العنق وإسداله على الكتف والصدر إلى استخدامه كقطع ملابس وحقائب، ودمجه سكان ولاية بافاريا الجنوبية مع ملابسهم التراثية التي يستعرضونها في احتفال الولاية السنوي الشهير في أكتوبر/تشرين الأول من كل عام " .
ورغم تحولها الى اكسسوار، الا ان الموالين لاسرائيل في العالم يحتجون فور استخدام اي من المشاهير للكوفية الفلسطينية. وكان جدل كبير قد اثير، بسبب اعلان ظهرت فيه المذيعة التلفزيونية الاميركية ريتشيل راي وهي ترتدي كوفية تشبه الكوفية الفلسطينية في اعلان لشركة «دنكن دونت»، وانتقد الكاتب ميشيل مالكين الاميركي اليميني الاعلان واتهمه بانه يروج لـ«موضة الجهاد» و«موضة الكراهية» عند تجاهله «الرمزية العنيفة للمعاني المعادية لاسرائيل». ويرفض الفلسطينيون اعتبار الكوفية رمزا للعنف. وقال "اياد الحروب" وهو مسرحي فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «الكوفية رمز لفلسطين والختيار (ابو عمار) وليس للارهاب».
وخلال العامين الماضيين ، نشرت صحيفة "جويش كرونيكل" اليهودية الصادرة في لندن، وعلى صفحتها الأولى تصميما لكوفية يهودية، حيث قام المصمم (الإسرائيلي) موشيه هاريل، بتحوير شكل الكوفية الفلسطينية، وذلك بتغيير لونها إلى الأزرق، كما صممت تطريزاتها على شكل نجمة داوود بالأزرق والأبيض، ويقول مصمّ الكوفية أنه لم يرغب أن تظل الكوفية عربية، وأن هذا التصميم يدخل في إطار الاندماج الإسرائيلي في حيّز الشرق الأوسط. وبحسبهما فان «الكوفية الإسرائيلية الجديدة تحافظ على مميزات أصلية، لكنها تحوي مميزات إسرائيلية ويهودية، فعند الخطوط الزرقاء على أطراف الكوفية ثمة ذكر للعلم الإسرائيلي، ونجمة داوود».ولهذا قام بإنتاج نسخة يهودية لها، مما يعني أنها عملية سرقة جديدة للتراث الفلسطيني
وقد سعى الإسرائيليين منذ تأسيس كيانهم إلى سرقة رموز الشعب الفلسطيني ومكوّنات هويته، من لباس ومأكولات شعبية وأغان تراثية، وذلك في محاولة لإيهام العالم بأن لإسرائيل جذوراً في المنطقة، ولتعويض الهوية المشوّهة والضبابية التي يعانيها القادمون الجدد إلى المدن المحتلة عام 1948.
ومن نافلة القول أن الكوفية أياً كان أصلها، فقد ارتبطت بفلسطين، وصارت بالنسبة للعالم أجمع رمزا فلسطينياً خالصاً، يتمنى كبار السن ممن يرتدونها أن ترثها الأجيال الصاعدة لأنها تراث مميز اشتهرنا فيه "كماركة مسجّلة" لهويتنا.
التعديل الأخير تم بواسطة jen ; 19-11-08 الساعة 02:09 AM
|