لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


4 - البديلة - فيوليت وينسبير - قلوب عبير القديمة ( كاملة )

رواية راائعة جدا وحبيت انقلها لكم وماأعرف صراحة من اللي كاتبتها المهم شكرا لها على مجهودها قراءة ممتعة:flowers2: لبديلة الرواية بالانجليزي The awakening of alice فيوليت

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (7) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-08, 09:35 AM   7 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي 4 - البديلة - فيوليت وينسبير - قلوب عبير القديمة ( كاملة )

 

رواية راائعة جدا وحبيت انقلها لكم وماأعرف صراحة من اللي كاتبتها المهم شكرا لها على مجهودها
قراءة ممتعة



لبديلة
الرواية بالانجليزي
The awakening of alice
فيوليت وينسبير
سلسلة روايات عبير القديمة





الملخص

"لايحق لك خطفي سيعاقبك القانون"
"القانون؟ لا اعرف غير قانون واحد.... هل سمعت؟ الثأر مازال الشكل الوحيد والاكيد للعدالة. عندما فتحت لي الباب مساء امس ادركت انه من اللباقة ان اعيد لدمسكيتوس عذراء مبللة بالعار، مهانة... فهمت في الحال مالذي جذبه اليك... هذه الحالة من الحشمة والبرءة التي تلقك انه مجمع الحجارة النادرة والخالية من اي خطأ،اليس كذلك؟
"اجهل ما يجعمه كم من مرة علي ان اردد على مسامعك انني لست خطيبته، لو رأيت اختي تستدرك خطأك انها شقراء جميلة تسحر الالباب وتجذب العديد من الرجال "
اجابها بنضرة احتقار
"هل تتصورين اننا نستلطف الفتيات اللواتي يعاشرن الرجال؟ دمسكينوس يوناني مثل ساجرح قلبه حتى الموت عندما اعيد له خطيبته بعد ان انال ما اريده
قالت بصوت متقطع:
"انت مجنون كليا، دمسكينوس لايعرف حتى من اكون!" منتدى ليلاس







ا
1/ اليس شيلدون تواجه اختها البيرتا التي قررت عدم الذهاب الى اليونان للالتحاق بخطيبها. وحين تذهب بدلا عنها تدهمها احلام لم تكن تعرف لها شبيها في حياتها الرتيبة...
السفر يفتح العقل... لكن ماذا ستجني اليس شيلدون من هذه الرحلة الى اليونان، سوى الاحساس الثيب بالدوران في الفراغ؟ يضيع نظرها وراء نافذه الطائرة، ولاترى الاوجه اختها الجميل المرتعب وصوتها الحزين:
-آه،سيقتلني!
كان صوت البيرتا العذب يرتجف قلقا وهي تقول:
-لقد وعدته بالزواج والان اتهرب في اخر لحظة ، بعد ان بعت خاتم الخطبة لاشتري به بطاقة السفر الى سيلان.... لا، يا اليس ، لاتحاولي تغيير رأيي، سأذهب الى سيلان للقاء هاري، توقيت زوجته واصبحنا قادرين على الزواج، فانا لا احب ايوتيدس، بل كنت مولعة بماله، ولاشك انه يعرف ذلك، لان احدا لايمكنه التعلق بهذا النوع من الرجال.
-ماذا تعنين؟
لم تكن اليس تعرف خطيب البيرتا، الرجل اليوناني الذي تعرفت اليه شقيقتها خلال رحلة قامت بها الى جزيرة كريت، كل ما تعرفه انه يكبرها بسنوات عديدة واضافت تقول:
-انت لم تحدثيني ابدا عن خطيبك الثري اذن ... ماذا تعنين؟...
-حسنا تيونيدس رجل معاق ، هذا كل مافي الامر. جزءه الاسفل مشلول كليا ، هل تريدني ان ارسمه لك ؟
فوجئت اليس بهذا الكلام غير المتوقع، ثم قالت:
-وكيف بامكانه اذن ان يقتلك؟
-انت لاتعرفين الطباع اليونانية!
هزت البيرتا شعرها الاشقر الناعم.
وبعينيها الزرقاوين المختبئتين وراء النظارات حدقت في وجه شقيقتها واضافت تقول:
-وخاصة ايونيدس بالذات-حراسه ومرافقوه يكرسون له روحهم وجسدهم . كلمة منه تكفي كي يضربوني حتى الموت!
صرخت اليس قائلة:
-لاتبالغي ، يااختي! الاشخاص المتمدنون لايتصرفون على هذا النحو.
-طبعا، الاشخاص المتمدنون، لكن اليونانيين ليسو متمدنين على النحو الذي تعتقدين. انهم يتمتعون بشيء وحشي وبدائي يرعبني. ايونيدس رجل ثري يربح امولا طائلة بمراكبه البترولية وشاحناته ويكفي ان يرفع اصبعه الصغير ، ليطعه كل من يتعامل معه... انا احب هاري، ياليس، واخاف ان ينتقم منه.
-انت تهزئين،يا البيرتا كيف باستطاعة رجل معاق الانتقام من شخص يعيش على مسافة الاف الكيلومترات من اليونان؟ هيا، اصمتي اذا كنت حقا لاتريدين الزواج من ايونيدس ، فما عليك الا مواجهته بالامر بصراحة قولي له ان هاري فقد زوجته وانك تعرفينه منذ زمن بعيد ومازلت تحبينه وتريدان الزواج، فسيفهمك جيدا ما دام ذكيا الى حد انه تمكن من الحصول على ثروة ضخمة .
اجبت البيرتا بيأس ومرارة:
-طبعا لا.
تعرف اليس تماما الانانية المخبأة وراء مظهر شقيقتها الملائكي.
وهذا الذي جعل هاري يتزوج من امرأة اخرى لكن زواجه لم يكن سعيدا. والان..... كلا، لاشك ان البيرتا تبالغ في الامر فاليونانيون ليسوا مهتمين للثار الى هذهالدرجة، لكن لم يسبق لاليس ان تعرفت على اي يوناني... كل ماتعرفه ان معظم الرجال بشكل عام يتجاهلونها وفي الرابعة والعشرين من العمر مازالت تعيش حياة رتيبة وبائسة:
-تابعت البيرتا الحديث قائلة:
-بالنسبة الى اليونانين، الخطبة تقيد مثل الزواج، لم يسمح لي ايونيدس بالعودة الى انكلترا الا من اجل شراء جهازي. ولما وصلت الى هنا تلقيت رسالى هاري من سيلان... وانا الان حرة للزواج منه و...
- اذن كل هذه الملابس التي اشتريتها هي من مال ايونيدس دسكينوس، اليس كذلك؟
-طبعا! ومن اين لي المال؟ معاشي لايسمع لي بارتداء الملابس الفاخرة! والمال الذي تركه لي والدي تبخر منذ زمن طويل، آه، يا اليس عليك مساعدتي للتخلص من هذه الورطة!
سألتها اليس بجفاف:
-وماذا تريدنني ان افعل؟ ان اذهب الى كريت واقترح على ايونيدس ان احل مكان شقرائه الجميلة؟
صرحت البيرتا قبل ان تفهم مزاح شقيقتها.
-ان تحلي مكاني؟ هل تمزحين؟ لاينظر الاثرياء الا الى النساء الجميلات... وهذا لاينطبق عليك ،ياعزيزتي المسكينة!
ابتسمت اليس من دون استياء،لقد اعتادت من زمان على سخرية اختها ثم ،اليس واضحا داخل العائلة ان اليس هي الذكاء والبيرتا هي الجمال؟
-اسمعي، يالبيرتا، انت التي وضعت نفسك في هذا المأزق وعليك انت وحدك الخروج منه . لايمكنك الا ان تتحلي بالصراحة الكاملة معه، ولن يجد صعوبة في لقاء امرأة اخرى بجمالك.
اجابت البيرتا بحزن: منتدى ليلاس
-انت تغارين مني لان الرجال يهتمون بي بينما لاحد يهتم بالنظر اليك ،نعم، انني اشعر بالنشوة اتجاه اعجاب الرجال بي ... ولكن هاري هو الرجل الذي اريد وليس شخصا اخر ولن اشعر ابدا بالشجاعة لاقول ذلك لايونيدس ، اعتقد انني سأطير الى ميلان مباشرة.
-وستحملين ثمن خاتم الخطبة!
لم تكن اليس تغار من اختها الجملية المدللة، لكنها مضطربة لرؤيتها ترقص رجلا معافا بهذه الطريقة الوقحة، طبعا لم يكن الحب واردا في هذه القضية. لكن من هو الرجل الذي لايغضب عندما تتركه خطيبته بهذا الطريقة؟ صحيح ان الاثريا لايبالون بالمصاريف عندما يغدقونها على النساء الجميلات، لكنهم لايحبون ايضا ان يذهب المال بهذا الشكل.
قالت لها البيرتا:
-ارسلت له برقية وامل ان يتفهم الوضع.
توقفت عن الكلام وعبر وجهها ظل قاتم فأضافت تقول:
-انا خائفة ،ياليس ،طبعه قاس وعنيف، وتروي عنه امور كثيرة، لقد انتقم من الرجل الذي عذب شقيقته الكترا بطريقة رهيبة، كما انه مهتم بقتل خادمة الاولاد لانه اعتبرها سببا في اغرق ابن اخته المذكورة....
قالت اليس مرتعبة:
-انها مأساة حقيقة!
-نعم ، ما اقوله صحيح، والكترا اكدت لي صحة هذه الاقاويل ، كان ايوبيدي يحب الصبي حبا كثيرا ويعامله كابنه، وانتهى التحقيق يان الخادمة انتحرت، ولكن الرأي العام متأكد بأن ايونيبدس قتلها...
هل تفهمين الان لماذا يرعبني؟
مهما تكن حيقيقة هذه القصة ، لاشك ان ايونيدس دسكينوس شخصية شديدة الخطورة:
اخيرا قالت اليس:
-نعم ، ومن الافضل لك الزواج من هاري، سأذهب بنفسي الى اليونان وسأشرح لهذا الرجل الثري الوضع بكامله.
هتفت البيرتا فرحا:
-آه، ستفعلين ذلك من اجلي؟ التخافين من غضبه؟
هزت اليس رأسها وقالت:
-في كل حال، من الصعب عليه ان يسبب ضرار لجمالي.
من زمان وهي مقتنعه بأن الفتاة التي ترتجي النظارات لاتجلب الرجال. ومن اجل ان تنسى حياتها العاطفية الفارغة،انصبت على العمل المتواصل، تخصصت في فن الرسم ونجحت فيه كليا، وكم من مرة جلست في المساء تحبك الصوف وتطرز الملابس ، وقرب الشاشة الصغيرة ، بينما تلبي البيرتا دعوات العشاء، والسهرات المنهمرة عليها من قبل المعجبين العديدين ، وكم من مرة سمعت كلمات الاطراء الكثيرة على اختها ورأت نظرات الاشمئزاز والشفقة حيالها، سمعت الضحكات الساخرة والمتآمرة ، لكن اليس المسكينة ، ذات القلب الدافئ والكريم ، كانت ترغب حتى الجنون في جذب انتباه الرجال اليها الا ان وجهها الصغير الهادئ والمتحفظ، المختبئ وراء النظارات لم يكن يجذب احد، لذلك من يستطيع معرفة حدة ذهنها ودفء عينيها؟.... هدنة تأسفات عاقرة....
الطائرة تحلق فوق مطار اثينا ، اقفلت حزام المقعد وبدأت الطائرة بالهبوط.
ماذا ستكون ردة فعل ايونيدس دمسكينوس عندما يرى اليس بدلا من البيرتا؟ وافقت على القيام بهذه المهمة الغامضة ؟ اليس هذا جنونا؟
بعد نصف ساعة، حل الليل واوصل التاكسي اليس الى فندق ميثروبوليس، في قلب اثينا ، حبث حجزت غرفة لمدة اسبوع في مثل هذا الفندق الفاخر يتكلم المواطنون الانكليزية بطلاقة.
الغرف كانت مشمسة ومريحة خلعت حذاءها وراحت تمشي على البساط الطري، ثم فتحت حقيبتها ووضعت امتعتها داخل الخزانة وقررت ان تتصل بمطعم الفندق وتكلب ان يحضر لها الطعام الى غرفتها. فرفعت سماعة الهاتق وقالت للصوت الذي اجابها:
-اريد منك احضار الطعام الى غرفتي هل تتكلم الانكليزية؟
-نعم، ياسيدتي، انا اتكلم الانكليزية،ماذا تريدين؟
قالت اليس بتردد، مستغربة لهجة الرجل القاسية والغريبة:
-اريد طبقا من "الموساكا" انه مصنوه من اللحم المفروم والباذنجان المقلي، اليس كذلك؟
-نعم، ياسيدتي ، انه طبق محلي لديذ الطعم هل بمكاني ان انصحك بتناول طبق من الكوسي المقلية معه؟
-تماما
-هل تريدين قطعة شمام اولا وصحنا من الحلوى والقهوة في اخر العشاء؟
احمرت وجنتاها ووافقت قائلة:
-حسنا
لماذا هذا الصوت المتعجرف يحدث فيها توترا غريبا؟
-هل بامكاني ان اسألك عن اسمك وعن رقم غرفتك؟
-غرفة رقم 120 اسمي الانسة شيلدون
بعد ثوان عديدة قال الرجل:
-الانسة اليس شيلدون ،اليس كذلك؟
-نعم.
-وصلت من انكلترا؟
اجابت باندهاش:
-طبعا.
-سيصل العشاء بعد قليل.
اخذت اليس دوشا سريعا، ونظرت الى عينيها في المرآة ، هاتين العينين الرماديتين الزرقاوين الحالمتين اللتين لاتفارقهما النظارات دات العدسات السميكة.
لماذا يعتبرها الاخرون مثل راهبة خالية من الانوثة, او فتاة صغيرة محتشمة وقبيحة؟ انها ترغب بالوقوع في الحب كأي انسان اخر . هل هي حقا غير جذابة؟ وعندما وقعت الدبابيس عن شعرها المرفوع انسدل شعرها الكستنائي على كتفيها كالحرير فوق بشرتها العاجية الملساء.
وكانت البيرتا تردد على مسامعها مرات عديدة قائلة:
-لاتعرفين الاعتناء بجمالك. لماذا ترفعين شعرك كعكة الى الوراء وتخبئين عينيك وراء هذه النظارات القبيحة ! من الافضل ان تضعي عليها الكحل والظل، فتصبحان كبيرتين وجذابتين!
وكانت اليس تجيبها:
-وما فائدة كل هذا ؟ الرجال لاينظرون الى امرأة ترتدي النظارات.
-اخلعيها اذن!
-وكيف ترى؟....
راحت اليس تستمع بماء الدوش الساخنة. بشرتها لم تلوحها الشمس مثل بشرة البيرتا التي تقضي عطلات الاسبوع على شاطئ البحر برفقة شلة من الاصدقاء. ولامرة دعيت اليس الى الانضمام الى هؤلاء... فوجود البيرتا يعني دائما المرح واللعب ، اما وجود اليس فيعني الكتب ودفاتر الرسم


وبيمنا كانت تتمتع بهذا الحمام راحت تفكر وتقول لنفسها : آه لو ابذل جهدي كي اتشبه قليلا باختي لو اعطر نفسي
وارتدي ثوب الموسلين الزهري الذي اشتريته خصيصا لهذه الرحلة
هل اجرؤ على الظهور بهذا الفستان الشفاف عندما يدخل خادم الفندق الى غرفتي جالبا لي العشاء؟ البيرتا لا تترد لحظة واحدة.
تحب ان تكون قبلة الانظار ... آه يالهي كم اتمنى ان ارى عيني رجل ترتجفان لدى رؤيتي .. عمري 24 سنه ولم اتمتع بعد بهذه السنوات لا ينظر الرجال الي الا بلا مبلاة وتهذيب هل صحيح انني غير قادرة ان اثير اعجاب الرجال ولهفتهم؟
بعد ان جففت جمسها وضعت البودرة ذات العطر الرفيع ثم ارتدت فستانها الزهري فوق بشرتها المعطرة واحتلها الخجل . لماذا هذا العطر وهذه الملابس الثمينه الوقحه ؟ اي حيوان احتلها لصرف هذا المبلغ من المال لشراء امتعة السفر؟ هل كانت تأمل بالسر لقاء الرجل المناسب في بلاد اليونان؟
نركت شعرها ينسدل على كتفيها وقررت عدم ارتداء نظارتيها لئلا تفسد مظهرها الجميل ثم ابتسمت لنفسها امام المرآة وقالت: الا تخجلين ايتها المجنونه ؟ اي لعبة تلعبين ؟ هل تلعبين دور اليس في بلاد العجائب ؟ ماذا سيفكر الناس عندما يرونك هكذا ؟؟
فجأة سمعت طرقا على الباب . فتحته ودخل الخادم دافعا امامه طاولة الطعام وشعرت اليس فجأة بالخجل . لمذا خطر ببالها ان تقلد اختها ؟
واحست نظرات الرجل تحدق بها ثم قال وهو يدل الى طاولة مستديرة صغيرة موضوعه بين نافذتين مفتوحتين على الليل والسماء المليئه بالنجوم:
-هل ترغبين في ان اضع الطعام على هذه الطاولة؟
يالهي! انه الصوت نفسه الذي سمعته على الهاتف! نظرت الى الخادم بطرف عينيها. كان ممشوق القامة. بشرته البيضاء تظهر بوضوح عينيه وشهره الاسود. اشتبكت نظراتهما وارتجفت اليس في داخلها . هل يعرف انها لاترتدي الا هذا الثوب ولاشيء سواه؟
-لقد... هل انت من اجابني على الهاتف ، منذ قليل؟
-نعم.
ثم توجه لتحضير الطاولة. وما ان انتهى حتى تجمعت رائحة الموساكا، ارجاء المكان، فتذكرت اليس انها تتضور جوعا.
-كل شيء حاضر...
وضع كرسيا امام الطاولة وترددت في اجتياز الغرفة امام نظراته الفاضحة، وفي فستانها الشفاف الضيق. لكنها اقتربت اخيرا من الطاولة في وقاحة لم يسبق ان شعرت بها من قبل ، قدماها تعترثا ببساط صغير لم تره وكادت ان تقع لو لم يقفز الخادم الى الامام ويوقفها. فاتعلقت ذراعاه حولها بقوة، كالفخ الحديدي.. وخلال لحظة قصيرة بدت لها ابدية ، شعرت بقبضته، فنظرت اليه وتفحصت ملامحه. بشرته السمراء وفمه الكبير وحاجباه العريضان وانفه المستقيم... حاولت التخلص منه بجهد وهي تقول:
-انا .... حسنا ... شكرا...
بعد ثوان عديدة بعدها عنه وتوجه الى الباب وقال:
-سأعود بعد قليل لاخذ الطاولة يا آنسة.
اختفى بسرعه ووجدت اليس نفسها وحيدة وسط الغرفة، ترتجف كورقة في مهب الريح ، لاول مرة في حياتها يضمها رجل بين ذراعيه بهذه القوة!
شيئا فشيئا استعادت برود اعصابها وراحت تؤنب نفسها. ثم جلست على الكرسي ووضعت الفوطة على حضنها وراحت تسكب لنفسها الموساكا. هذا الخليط الشهي الؤلف من الباذنجان واللحم المفروم والجبنة وخالصة الطمام، توجهت نحو النافذه وراحت تحتسي قهوتها وهي تتأمل اضواء المدينة.
غدا ستذهب لاكتشاف اثينا... امامها الوقت كله قبل الاتصال يابونيدس ديسكينوس.
القهوة التركية كانت حلوة ومرة في ان واحد، فجأة شعرت بالبرد، فاعلقت الستائر السميكة وتنهدت وملأت فنجان قهوة آخر,
عملها كان ينسيها الوحدة المزبرة التي تعيشها، لكن في هذا المساء بدأت تشعر بالوحدة القاسية، في هذا البلد الغريب وفي لباس انيق كانها على موعد... مع حبيب ما؟.
تثاءبت وجلست في المقعد وشعرت بالتعب بعد قليل ستتوجه الى فراشها تستغرق في النوم كل اشواق قلبها العطشان الى الحب، يا لسخرية القدر!
وضعت فنجانها على الطاولة واتكأت على الوسائد، عيناها ثقيلتان لكنها لاتريد الذهاب الى فراشها قبل ان يأتي الخادم ليأخذ الطاولة، اذا رآها هذه المرة في قميص النوم، الله وحده يعرف ما سيدور في رأسه تبا لك ولا حلامك السخيفة! لاشك ان لهذا الرجل زوجة واولادا يحبهم. هل لاحظ ما انتابها حين اقترب منها في اللحظة المناسبة؟
تعيش كبتا وحرمانا؟ حبست زفراتها. اي جنون ان تأتي الى اليونان... بلاد افروديت" رمز الحب الذي الشق من المياه وبلاد فيولون ، ابن الثورة رمز الجمال الكامل...
غداستعود الى قناعها الطبيعي ، بكعكتها المرفوعة ونظارتيها السميكتين ولباسها المحتشم ، تشعر الان بالوحدة اكثر من قبل نعم، غدا ستنسى هذا اللقاء القصير مع ابولون الجميل، ذي الشعر السميك والعينين اللوزيتين اما هي فليست سوى ابنة رزينة وجدية، تدعى شيلدون، فتاة لاتجذب الرجال.
اطلقت زفرة لا ارادية وتحددث في مقعدها بارتياح وتناثر شعرها حول وجهها وكتفيها وغطت في نوم عميق.
وراحت تحلم. وفي الحلم رأت ايولون الجميل من جديد هو يلفها بعباءة سوداء واسعة ، راحت تتخبط في البداية، لكنه في النهاية حملها الى جزيرته المشمسة
2/ استيقظت اليس في ... زورق العجائب لتجد نفسها خارج الفندق، خارج كل التوقعات، ومتوجهة الى مكان بعيد.... خارج العالم المتمدن مع رجل ينهش الثأر قلبه!

صوت جرس ايقظ أليس ، ثم عم الصمت من جديد. شعرت سريرها يتأرجح بها، تمطت وجلست نصف جلسة، فانزلق شيء احمر عن كتفيها. وفي اندهاش كلي راحت تنظر حولها هل تحلم؟ نعم، هذا حلم وليس حقيقة. لمست الغطاء، الذي يلفها... انه عباءة سوداء مبطنة بالحرير الاحمر.
يالهي! انها حقيقة وليست حلما! وبسرعة البرق استعادت ذاكرتها . القت نظرة جنونية على الغرفة المزخرفة حولها:البساط الصوفي السميك يفترش ارض المكان المصنوعة من قطع الخشب، على احد الرفوف كتب عديدة ، وعلى اخر ، ساعة حائط برونزية، تافذتان صغيرتان مستديرتان مجوفتان في الجدار التدخل منهما اشعة الشمس.
سمعت صوت خطوات وبعد قليل انفتح الباب ورأت رجلا ممشوقا يقف على العتبة. كان يرتدي سترة مصنوعة من جلد الغنم ويحمل بيده فنجانا ساخنا . قال بصوت اليف:
-صباح الخير. ها انت يقظة، كما ارى.
راحت اليس تتأمل باندهاش الرجل الذي رأته في فندق المترويوليس بلباس خادم المقهى، ثم قالت متعلثمة:
- اين... اين انا ؟ هل انا خارج الفندق|؟
- بالفعل، يا انسة شيلدون.
اقترب منها حتى كاد ان يلمسها،فالتفت على نفسها داخل العبارءة فأضاف:
-انت على متن زورقي، تبحر باتجاه جزيرةجزيرة سوليناريا. هيا احتسي قهوتك قبل ان يغمى عليك من شدة الصدمة.
مد لها الفنجان،فارتجفت قليلا وتراجعت الى الوراء وقالت:
-لاشك انك وضعت في داخله مخدرا كما فعلت بالقهوة التي شربتها مساء امس!
-عظيم! انت تتمتعين بذكاء حاد.
ابتسم بسخرية وقال:
-هذه القهوة لامخدر فيها. احتسيها لتستعيدي وعيك ونشاطك انت شاحبة حتى البياض ، ولا اريد ان اراك غائبة عن الوعي، هيا اشربي.
كان ذلك امرا مفروغا منه . كانت حنجرة اليس جافة، فتناولت الفنجان من دون مناقشة. اذن هذا اليوناني خطفها لكن لماذا؟ نظرت اليه بعينيها القصيرتي البصر وقالت:
-لا افهم ماذا...ماذا تنوي ان تفعل بي ؟اذا كنت مصما ان تحصل على فدية، فسيخيب املك.
بعد صمت قصير اجاب
- اطلب العدالة والانتقام . وانتظرت مدة طويلة لاحقق ذلك ، يا انسة شيلدون ليس في نيتي ان اطلب فدية كي احررك.
- لكن ماذا... انا .... انا....
راح قلبها ينبض بسرعة جنونية فقال ببطء.
-انت خطيبة ايونيدس دمسكينوس. ولهذا السبب انت هنا هزت اليس راسها وقالت:
-انت مخطئ! ادعى اليس شيلدون.... واختي هي التي كانت تنوي الزواج منه!
-اختك؟ انت ذكية وفطنة، لكنك غير قادرة ان تسخري مني بسهولة. عندما رأيت اسمك في سجلات الفندق ، عرفت تماما انكجئت الى اليونان لهدف واحد، وهو الزواج من رجل اكرهه حتى الموت.
وبوجه قاتم راح يزرع الغرفة الضيقة بخطواته السريعة . اما اليس فكانت تحدق به وتتساءل بقلق كيف تتوصل الى ايجاد طريقة لتهدئة روعة وافهامه خطأه. كان قلبها ينبض بقوة الى درجة الاختناق: فقالت بلهجة متوسلة:
-اسمعني، ارجوك، لم يسبق ان رأيت ابدا خطيب اختي...
-انت كاذبة.
اقترب منها وراح ينظر اليها بغضب ويقول.
-ولماذا جئت الى اليونان اذا كنت لاتنوين الزواج من هذا الرجل؟
لاضرورة للكذب يا انسة شيلدون ولا تتذرعي بالبرأة ، لاشك ان تمارا، هي ايضا، حاولت طلب الرجاء من جلادها، لكن هذا لم ينقذها من الموت.
رجعت اليس قليلا الى الوراء وسألته:
-ماذا... ماذا يقول؟
رأى الفنجان يرقص بين يدها ، فتناوله ووضعه بعنف على الرف وقال:
-آه، الا تعرفين؟ الم يخبرك احد الى اي عائلة ستنضمين؟
ضحك ساخرا وبمرارة واضحة ثم اضاف:
-لا؟لاشك انه اراد انتظار ان يتم الزواج قبل ان يقوم بهذا النوع من البوح.
قالت باصرار:
-لكن عليك ان تفكر جيدا. رجل ثري لايفكر لحظة واحدة بالزواج من امرأة مثلي!
-امرأة مثلك...
راح يتأمل وجهها من دون شفقة، ابتداء من شعرها المنسدل وانتهاء بصدرها اليانع . مد يده وشعرت اليس بالهلع وهو يلامس كتفيها باصابعه القاسية فجأة جذبها اليه، فسقطت العباءة ارضا.
فراحت اليس تتخبط، لكنه كان يمسكها بقوة ثم عانقها بوحشة ليرغمها على الخضوع. كانت تنوح كالاطفال والدمع ينهمر من عينيها. اطلق شتيمة وابعدها عنه فسقطت على الوسائد . ظل يحدق بها ويقول:
-من انت اذن؟ ممثلة بارعة ام طفلة في جسم امرأة؟
اجابت بتعلثم:
-انا... انا اليس شيلدون. لماذا... لماذا لاتريد ان تصدقني؟
-بل، انا اصدقك. جئت الى اليونان للزواج من رجل غني معاق ، محكوم عليه في البقاء على الكرسي المتنقل، هذا الامر يناسب ولاشك طبعك ومزاجك ، اليس كذلك؟ تنوين الحصول على ما تريدينه من هذا الرجل من دون ان تقدمي له شيئا في البديل، اليس كذلك؟ لكن الامر لم يتم كما خططت له، انت الان بين يدي، ايتها الفتاة الباردة، ومتى يعرف ايونيدس دمسكينوس ماحل بك، سيفقد عقله لشدة ما سيتألم.
انتفضت اليس لدى سماعها هذه الكلمات اللاذعة، وهمست بصوت مخنوق :
-وماذا يهمك ان عرفت؟ هل تشعرين بالمحبة تجاهه؟ آه،لن اصدق ذلك ابدا.
احتجت واجابت/
-انا لا اعرفه
-اعداؤه فقط يعرفونه
راح يداعبها بيد خبيرة، فانتفضت. فابتسم وقال:
-كأنما لم يلمسك احد من قبل! لكنني سمعت الكثير عن الانكليزيات بانهن يفقدن براءتهن باكرا. لن تدعيني اصدق بأن... هل بامكان ايونيدس ان يعثر على فتاة عذراء... املا في ان يحتفظ بها لنفسه؟ ولم لا؟
قالت اليس محاولة النهوض من دون جدوى...
-لا افهم ماتقوله.
ارتجفت اليس من لمسته للجوج وقالت:
-ارجوك... ابتعد عني!
هز رأسه وقال:
-هل انت جديه! بعد كل العذاب الذي عانيته كي اتمكن من خطفك! لن تتخلصي مني مهما فعلت وبكيت وتوسلت. واذا كنت حقا عذراء، فسأكون سعيدا ان آخذ وجهك. وسألقن ديونيدس درسا لن ينساه في حياته ...ولن يكون ذلك الا انتقاما عادلا للطريقة التي غرقت فيها تمارا في حوض السباحة. لقد اتهمها بانها هي التي سببت غرق ابن اخته!
تذكرت اليس ما اخبرتها به البيرتا عن موت ابن اخته وعن مقتل الخادمة والاقاويل التي تدور حول ذلك... فنظرت الى الرجل مثل عصفور مصعوق ينظر الى حية لتستعد لابتلاعه وقالت:
-تمارا... مربية الاولاد؟
-آه، انت على علم بذلك، كما ارى
بعنف امسك بشعرها وقال:
-ماذا سمعت عنها؟ الاشاعات الكاذبة نفسها؟ بأن تمارا خطيبتي، اخذت الصبي الى السباحة واغرقته؟ هذا امر غير معقول. انا اعرفها منذ الصغر. ترعرعنا جنبا الى جنب في القرية نفسها.
كانت جميلة وطيبة ، واي ولد يشعر بالامان معها. كلا. ان اليكترا دمسكيتوس هي التي اردات التخلص من ابنها، هذا الابن الحرام، وذلك للتهرب من العار وخوفا من انتقام اخيها. وبعد ان دبرت غرقه، اتهمت المربية بذلك.
راح يهزها بغضب وخافت اليس ان يقتلع شعرها. فراحت تبكي وتقول:
-انت قاس وفظ مثل دمسكيتوس!
-آه ، لو انني لا اضبط نفسي فأنا قادر على خلع عنقك!
صرخت من شدة الالم. فتركها فجأة، فتقوقعت على السرير مرتجفة وخبأت رأسها بين يديها كأنها تريد التخلص من جلادها. ثم نجحت بالقول:
-كل هذا لا يتعلق بي كليا، لقد... لقد جئت الى اليونان لاعلن لمسكيتوس ان شقيقتي تريد فسخ الخطبة.
لكنه لم يكن يسمع. تقدم خطوة نحو الباب ثم قال:
-صأصعد الى السطح للتأكد من ان الزورق يسير بالاتجاه الصحيح نحن وحيدان هنا ماعدا خادم صغير...
-لايحق لك خطفي .. سيعاقبك القانون..
- القانون؟ لا اعرف غير قانون واحد... هل سمعت... الثأر ما زال الشكل الوحيد والاكيد للعدالة. عندما فتحت لي الباب مساء امس ادركت انه من اللياقة ان اعيد لدمسكينوس عذراؤه مبللة بالعار مهانة... فهمت في الحال مالذي جذبه اليك... هذه الهالة من الحشمة والبراءة التي تلفك . انه يجمع الحجارة النادرة الحالية من اي خطأ، اليس كذلك؟
-اجهل مايجمعه، كم من مرة على ان اردد على مسمعك انني لست خطيبته، لو رأيت اختي ستدرك خطأك، انها شقراء ، جميلة تسحر الالباب وتجذب العديد من الرجال.
اجابها بنظرة احتقار:
-هل تتصورين اننا نستطلف الفتيات اللواتي يعاشرن الرجال؟
دمسكينوس يوناني مثلي. سأجرح قلبه حتى الموت عندما اعيد له خطيبته بعد ان انال منها ما اريد.
قالت بصوت منقطع:
-انت مجنون كليا، دمسكينوس لايعرف حتة من اكون!
-ومتى تكمل حجارته النادرة ويخف وهجها لن يعود بحاجة اليها. ولن يكون لك معنى بنظره بعد ذلك ، وسيتألم كبرياؤه اكثر مما لو خنقنتك في الحال من دون عنف او تعذيب..آه ، هذه البراءة، في عصر تحرير المرأة امر لايصدق، ام انك تمثلين علينا دورا ستندمين عليه!
-انا لا امثل، وسترتكب جريمة اذا
عضت على شفتيها. مافائدة الكلام؟ فهي تعرف الان الى اي درجة هو قادر ان يكون اسيا وعديم الشفقه. انه يكره دمسكينوس ولا احد يستطيع تغير رغبته الفادحة بالثأر منه، تغلقت بالعباءة السوداء المبقعه بالاحمر للتخلص من نظراته التي تعريها وقامت بجهد اخير لتقنعه بانه مخطئ.
-اسمعني ارجوك، انت تريد ان تعاقب شخصا بسبب موت خطيبتك، اليس كذلك؟ مهما فعلت بي ، هذا لن يؤثر على دمسكينوس ، لانني لا اعرفه ولايعرفني، سأكون وحدي من سيتحمل هذا العذاب... وسيؤنبك ضميرك اذا نفذت جريمتك البغضاء.
نظر اليها بإعجاب وقال:
-انت فتاة رائعه...
وبتأثير اشعة الشمس التي تدخل الان من نوافذ الزورق الى داخل الحجرة بدون شعرها المشعث بلمعان ذهبي ، وبين رموشها الطويلة المبللة بالدموع كانت عيناها تلمعان مثل الزمرد
-اعتقد بانني سأتدوق لذة في هذا الثأر، وسيكون ذلك تعويضا على ماعانيته خلال السنوات الماضية. كنت احب تمارا حتى الجنون لكنك لا تستطيعين فهم الامور.... وماذا تعرفين عن الحب يا انسة شيلدون، انت التي كنت على استعداد ان تسعي تسمي بنفسك لهذه الشخصية الحقيرة ؟
نعم، ماذا تعرف عن الحب؟ لم يسبق ان اعارها احد من الرجال اهتمامه، ماعدا هذا اليوناني الوقح الذي اعتبرها ليبرتا وخطفها الى زورقه.
زورقه؟ لكن ... امس ... كان يعمل في فندق متووبوليس كخادم في المطعم!
سألته فجأة:
- من انت؟
قال متأخرا:
- الشيطان بذاته، حاضر لخدمتك، ادعي ستيفان كسندروس ولست خادما في فندق متروبولس، انما صاحب الفندق بنفسه واملك سلسلة من الفنادق مثالي الاعلى انه لايوجود كالعمل المتواصل لاشغال العقل والجسد وبما انني فقدت امرأة حياتي وشريكة مستقبلي فانا اعيش حياة الشك ،لكن هذه الحياة ستعتبر عندما نصل الى جزيرة موليتاريا.. انها جزيرة موحشة، بعيدة عن كل شيء، صالحة في البحر الايجي. وهناك سانتقم بك من الوحدة الرهيبة التي عشتها منذ وفاة تمارا ستبقين معي حتى امل منك...
سأمتلكك جسدا وروحا هل هذا واضح؟
نعم، انه وضوح اعمى. هذه الشابة السادجة التي لم تجذب اي رجل في حياتها من قبل ، عليها ان تعيش الان في جزيرة يونانية في صحبة هذا القرصان الوحيد.
قالت له بحركة متواصلة:
-ارجوك ، دعني وشأني ! هذا امر حقير ومهين!
-لكنه مثير للغاية!
اقترب من الاريكة حيث كانت ملتصقه داخل العباءة السوداء مثل عصفور بردان فلاحظت حينئذ عينيه الجميلتين اللوزتين وملامحه الحادة ، وبشرته الناعمة السمراء. راح يلمس كتفها بيده، ثم عانقها وقال:
-لن اعود عن قراري وعليك الاعتياد على هذه الفكرة في الحال، ومن الافضل لك الخضوع.
وبنعومة غير منتظرة راح يلامس شعرها ببطء ويقول:
-لم يسبق ان رأيت شعرا بهذه الطراوة، وما حلمت يوما ببشرة ناعمة كالحليب، لاداعي للندم والاسف، فأنت الان على متن سفينتي...فات الاوان للشفقة... من زمان والحقد يحتوني...
ومهما تخبطت واحتجيت ، فأنت حقا عذراء تمكن دمسكينوس من جذبها بواسطة امواله الطائلة، لا، انا لا الومك على تعلقك بالمال، الجميع بحاجة الى المال. لقد بنيت الفنادق من اجل ايوا السياح المبهورين ببلادنا وتاريخنا واساطيرنا وآثارنا وسمائنا الزرقاء وجبالنا العطرة...
اندهشت اليس ورفعت عينيها نحوه، لم يسبق ان سمعت رجلا يتكلم عن بلاده بهذا الشغف المطلق الحسي.
اضاف يقول بلهجة تهديد:
-انت لي منذ اللحظة التي دخلت فيها الى شقتك مساء امس. كنت قد خرجت لتوك من الحمام، اليس كذلك؟... لقد تنشقت عطر جلدك عندما تعثرت قدماك وانقذتك من السقوط،آه ، كان بامكاني اخضاعك في احال لقد شعرت بذلك ، اليس كذلك؟ لكن ستشعر بالارتياح والالفة اكثر في سوليتاريا تقريبا وحيدان في جزيرة لاتحتوي الا حفنة من الفلاحين تهتم عائلاتهم بالاعتناء بمنزلي وحديقتي. هناك يمكنني ان افوز بالثأر وارى في عينيك الزرقاوين رغبة لامثيل لها.
كانت عيناه تشعان رغبة جامحه وشعرت اليس بتوتر يملأ جسمها كله، وراح قلبها ينبض بقوة، كأنها تعيش كابوسا رهيبا ، لاشيء سيمنع هذا الرجل من تحقيق مشروعه، لا الرجاء ولا الدموع. وجزيرة سوليتاريا تقترب حتما.
وخلال لحظة قصيرة حاوت ان تتخيل الجزيرة الصغيرة الصخرية التي تلعب الريح فيها حيث ينتظرها ولاشك بيت ذو جدران بيضاء مطلية بالكلس، هذا البيت الذي بناء ليؤوي حبه مع تمارا
اخيرا قالت:
-انت مخطئ تجاهي. انا ارتدي النظارات ويعتبرني الرجال غالبا كمنغصة للافراح....
توقفت عن الكلام لدى رؤية ستيفان كسندروس يقهقه من الضحك فقال بعد ان ابتعد عنها:
- بعد خمس دقائق ستقنعيني بأنك ترتدين الباروكة ووجه اسنان وصدرا اصطناعيا!
- انا لا ارى جيدا من دون نظارات ولم تتعثر قدماي في الامس بصورة ارادية اذا كنت تلمح الى ذلك.
- لا، لقد لاحظت اندهاشك ولذلك حاولت منعك من السقوط.
ابتسم واضاف :
-من زمان لم اضم امرأة بين ذراعي. ونسيت كم ان ذلك رائع.
وفي الحال ، لدى رؤيتك ارتسم قدرك امامي.
-ماذا تعني؟
-قررت حينذاك ان اخطفك كنت افكر في البداية ان اطلب من دمسكينوس فدية ضخمة يدفعها لمنظمة خيرية، لكن عندما شعرت ببشرتك والعطر... ياجميلتي، عرفت ان الحظ يحالفني في ثأر بالغ الروعة.
-انت انسان مجنون وخطر ولست جادا في الوصول الى اهدافك؟ هل تعتقد انني سأدعك تتصرف بي كما تشاء؟ مثل شيء... كي تهجرني مثل خرقة قديمة، بعد ان تحقق انتقامك؟
قال ساخرا:
-وكيف بامكانك منعي من تحقيق ذلك؟ انا اقوى منك بكثير ولا احد يصدني عندما اريد تحقيق امر ما. حرمني دمسكينوس من المرأة التي احببت وسأفعل الشيء نفسه بالنسبة اليه.
صرخت اليس قائلة:
-لكن دمسكينوس لا يحبني. وانا لست شيئا بالنسبة اليه, لا شيء، اردد لك ذلك وارجو ان تصدقني.
-انت على حق ، كيف بامكانه ان يحب امرأة لاتحب سوى المال؟
مهما كان الامر لاشيء يمنعني من امتلاكك. وسيعرف دمسكينوس وسيختنق غضبا. وانا اكيد من انني سأتمتع كثيرا بالحصول عليك.
احب ان اراك حساسة ومنفعلة... احب هذا العطش للمحبة الذي اراه في عينيك الشريتين احب...
انسحرت اليس بكلامه الجميل ولم تستطع ازاحة نظرها عن وجهه الوسيم الحالي من الرأفة. مضت ساعات منذ خطفها، ولا احد سيشغل باله عليها. سافرت البيرتا للالتحاق بحبيبها في آخر العالم وها هي الان تصغي الى خاطفها وهو يشرح لها بهدوء وبساطة انه يريد النيل منها.
-انت شخص حقير وقذر!....
هز رأسه وقال:
-عليك ان تعتبريني قديسا بالنسبة الى خطيبك. انا لست فاسدا مثل دمسكينوس. انا انسان طبيعي بكل مافي الكلمة من معنى .
-لانك تجدد طبيعيا ان ...
قاطعها قائلا:
-هيا ، لاتعتبريني مريضا مهووسا من دون فائدة! سأتركك فترة ، حقائبك موجودة تحت الاريكة . ارتدي ملابسك ووافيني على سطح الزورق. سأطلب من الطاهي ان يحضر البيض المقلي. هل انت جائعة؟
-كلا....
قال وهو يتوجه الى الباب:
-كاذبة! هيا، يا اليس، من الافضل لك الاستسلام للامر المحتوم، انا بانتظارك.
وما ان انغلق الباب وراءه حتى نهضت اليس معلقة بعباءتها لترى من خلف النافذه البحر الازرق الهادئ، والمركب بمخر الماء كأنه يحفر هاوية بين الفتاة والعالم المتمدن.
فوقها، على سطح هذا الزورق، الضائع وسط البحر الايجي، شاب يوناني مهووس يجتر ثارا رهيبا:
لكنها لن تجعله يهزأ منها. فستدافع عن نفسها حتى اخر نقطة من عنفوانها في البداية ستبرهن له انها ليست امرأة فاتنة. عندما يراها ترتدي نظارتيها وترفع شعرها كعكة الى الوراء وترتدي الملابس المحتشمة سيفهم خاطفها جيدا خطأه الفادح.
3/ ستيفان كسندر ومن يكشف عن قسوته الكاملة ويمنع اليس من رفع شعرها كعكه كما فعلت طيلة حياتها. ثم يذهب به الجنون الى محاولات اخرى ابعد خطورة بكثير...


الريح تعصف في شراع المركب الذي يبحر كالسهم بين الامواج صعدت اليس الى السطح من دون احداث اي ضجة. وخلف الرافعه وقفت تنظر الى ستيفان كسندروس وهو يقود المركب محدقا بالماء والافق البعيد. وبيد حازمة ينطلق الى اخر العالم، الى جزيرة نائية حيث ينوي ان يفعل بها مايشاء!
كان قد خلع سترته المصنوعه من جلد الخروف. ويرتدي سروالا قديما وقميصا بيضاء تظهر عضلاته القوية وحيويته ونشاطه. النظر اليه يعذبها كثيرا. هذا الرجل الوحيد ، اللامبالي، الذي يقوم بعمله في تمهل ومثابرة كما يفعل الزورق في الامواج الصاخبة، وراحت تتامل خاطفها بوضوح لاول مرة وهي تشعر بوميض غريب في صدرها ،
عمدما كانت منذ قليل ، تبحث في اغراضها،لم تجد نظارتها. لا شك انها نسيتهما على الطاولة في حمام الفندق، ولحسن حظها وجدت بين امتعتها نظارات الشمس ، فارتدتها كي تخفي عينيها الضائعتين. ارتدت تنورة غامقة وقميصا ازرق فاتح اللون ميكلا بالازرار حتى العنق. وبنظاراتها السوداء وكعكة شعرها المشدودة وغياب الزينة عن وجهها، عادت اليس شيلدون الى طبيعتها القديمة التي لا يلتفت الرجال اليها ابدا.
كانت تتمنى ان تهدئ من عزيمة خاطفها متى رآها على هذا الشكل، واخيرا قررت الاعلان عن وجودها فقالت:
-ها انا ياسيد كسندروس. لقد ارتديت ملابسي. وصعدت الى سطح الزورق كما طلبت مني.
نظر اليها بلامبالاة ثم انتفض لرؤية كعكة شعرها وقال:
-انزعي كعكتك الان وبسرعة، واتركي شعرك ينسدل على كتفيك.
كانت مصممة ان تخافظ على هدوئها... لكنها قالت بصوت اكيد:
-تبا لك ! شعري ملكي وانا اسرحه دائما على هذا الشكل ، فكه فقط عندما اذهب الى فراشي.
-لكن هذا تحريض واثارة... وانا احب شعرك منسدلا بحرية على كتفيك في كل ساعة من الليل والنهار، هيا، انزعي الدبابيس بسرعة ودعي الريح تلاعب شعرك الجميل!
وضعت اليس يديها خلف ظهرها وقالت ببرود:
-هل للقائد اوامر اخرى يريدني ان انفذها؟ من الافضل عليك ان تعرف حقيقتي ومن اكون حقا.
من جديد راح يتأملها من رأسها حتى اخمص قدميها. ولم يسبق لأليس ابدا ان رأت نظرات رجل، بهذا التوتر والاضطراب والقلق والسرية، كالبحر الذي يحيطها،فزاحت نظرها عنه وحدقت بالسلسلة الذهبية حيث تعلقت جوهرة من حجر الحاد وظهرت من تحت قميصه.
-اشبهي نفسك! هذا كل ما اطلبه منك!اسدلي شعرك الحريري.
-لست فتاة شيطانة واكره ان ارى شعري على وجهي.
سألها ساخرا:
-اذن، لماذا تريدينه طويلا؟ هل تريدين، ياليس ان اجيب عنك .. انت تعرفين جيدا . ان لديك شعرا جذابا ولا تجؤين على اظهاره انت فتاة معقدة؟
-الايكفيك ان تلعب دور الخاطف والمضيف والبحار؟وتريد ان تلعب دور طبيب النفس ايضا. شخصيتي لا تخص الا نفسي فقط.
-خطأ منذ الان انت تحت سلطتي، ويحق لي الرقابة عليك.
صرخت قائلة:
-انت عديم الوجدان! عندما تقبض الشرطة عليك.
-لا خطر علي ياليس، خطفتك من فندق متروبوليس ليلا واخذتك الى هذا الرزورق ، كما شطبت اسمك من السجلات ولم يعد هناك اي اثر لمرورك بالفندق.
- لكن ... موظف الاستقبال... الذي تكلمت معه؟
- انه احد ابناء عمي، وهو لايفشي بالامر لانه يريد وظيفته.
-و... الطاهي ؟ سيراني.
-طبعا. انه ابن خالي لا احد من افراد عائلتي قلق على ما سأفعله بخطيبة دميكينوس هنا، الصدق لا يتزعزع ، ونحن نعرف كيف نتكاتف مع بعضنا.
-انت انسان تافه، انت انسان فظ، متعجرف وحقير!.
-كمعظم الرجال. انا موافق, منذ الطفولة ينهمر الجميع علينا بالمديح والقول باننا اقوياء وارفع منزلة من الجنس الضعيف...
ونحن لا نفعل شئيا لايقاف الغريزة، اما انت التي تتحلين بصفات تدفعك الى الخضوع للرجل والاستسلام له، الظاهر انك لست واعية لسحرك ، يا اليس... ربما يجب ان تتعلمي استخدامه .
-وطبعا ستكون انت المعلم المختص؟ اخشى ان اكون تلميذة خائبة، ياسيد كسندروس.
-ليس ذلك اكيدا, وراء احتشام الانسة شيلدون، باحذيتها الولاذية وقميصها ذي القبة العالية والاكمام الطويلة، ارى انسانة مختلفة... فراشة جميلة ذات اجنحة ملونة لاتطلب الا الخروج من الظلمة ... هل انا مخطئ؟ اليس، اعترفي بذلك، عندما كنت صغيرة، هل اشعرك احد بانك انسانة عادية؟
-لست بحاجة ان يقال لي ذلك.
راح يضحك بفراسة وانطلاق جعلتها تضطرب بغرابة ، ابدا، وحتى في احلامها الجنونية، لم تتخيل اليس انها ستعيش مغامرة مماثلة. لقد قال لها منذ قليل:"ماذا تعرفين من الحب؟ انت التي كنت على استعداد لان تبعي نفسك لرجل ثري قذر؟"
نعم ماذا تعرف عن الحب؟ لم يكن يريد تصديق الحقيقة. ما العمل؟ هل تستمر في لعب دور انسان اخر؟ فهي تحت سلطته الا اذا قذفت بنفسها في الماء لتودي بحياتها.
ارتعشت وهي تشعر فجأة بيد ستيفان على شعرها . نزع الدبابيس وانسدل الشعر البني الحريري شلالا فوق كتفيها . ثم قال :
- انا على استعداد ان اسمح لك بألا تثقي بي . لكنني لن اقبل ان ترفضي لي هذه الرغبة في رؤية شعرك . هاهو الأن جذابا حتى الأثارة .
- انت انسان مستحيل ومن الصعب تحملك .

نظر اليها بسخرية ورمى الدبابيس في الماء وقال :
- لا اريد ان ارى بعد الأن هذه الكعكة الرهيبة !
- اكره ان ينسدل شعري ويغطي وجهي ..
- لقد سيق وقلت لي ذلك ! حسنا والأن دعيني اتأمل قميصك ..لونه رائع . لكن . هل افك بعض الأزرار العالية ام ستفعلين ذلك بنفسك ؟
- لا . لن اسمح لنفسي ان اتحول الى امرأة سهلة , فقط من اجل ارضائك . لايحق لك ان تطلب مني مثل هذا الأمر !

ابتسم ثم قال :
- ستفعلين ما اطلبه منك بالتمام والكمال . حان لك الوقت ان ترمي جانبا هذه المبادئ البالية التي تخنقك . وتدعي الريح تلاعب شعرك والشمس تلامس جلدك . في حياتي كلها لم أر مثل هذه البشرة الجميلة . الم تسمعي هذا الكلام من قبل ؟

احمرت أليس . نعم تعرف انها تتمتع ببشرة ناعمة ..
لكنها رفضت اظهارها للأخرين ...لكن ماذا عليها فعله لئلا تدعه يفك الأزرار العالية بنفسه ...وبعصبية فكت ازرار قبتها ونظرت اليه , فأسرع يقول :
- وزر آخر بعد !
فكته وقالت :
- تبا لك !

شعرت ان خاطفها يداعب عنقها بنظرته الحالمة , فخطت خطوة نحو الزورق فقال لها :
- الماء تحثك على السباحة , اليس كذلك ؟ لكن احذرك . فالماء هنا مليئة بالتماسيح .
- تقول لي هذا الكلام فقط لترعبني .
- حاولي اذا اردت ..

ارتعشت وقالت :
- انت عديم الرحمة .
- ما بالك يا اليس , هيا . كفي عن التخبط ضد التيار الذي يجرفك ! يجب ان تعتادي على فكرة ان تصبحي لي . انت لا تستطيعين مقاومة القدر , تماما كما لاتستطيعين مقاومة الريح والأمواج العاصفة . انا اريد الأنتقام , وسأناله .
- من دون اعتبار عواطفي ؟
- سأبذل جهدي لئلا اتصرف مثل رجال الكهوف ...
- هل تتصور انني سأخضع لك مثل ...عانس متعطشة للحب !
- في كل الأحوال , ستستسلمين لي,يا اليس , وهذا امر ضروري ..آه , هذا ميكي الطاهي , حامل فطور الصباح ..
- ابتسم لها الطاهي ببساطة كأن وجودها امر طبيعي فسأله ستيفان بالأنكليزية :
- اجلب هذا الصندوق لتجلس عليه الأنسة شيلدون .

ثم قال لأليس :
- ميكي يتكلم الأنكليزية واليونانية . عاش والده عدة سنوات في الولايات المتحدة الأمريكيه حيث تزوج وأنجب , لكنه عاد الى اليونان , كما يحصل مع الجميع ...

جلست اليس . فوضع ميكي امامها صحنا مليئا بالبيض المقلي والخبز المحمص والزبدة والمربى , ثم سكب لها فنجان قهوة .
قال ستيفان :
- خذ عني قيادة الزورق يا ميكي , بينما اتناول فطوري .
- نعم , كابتن .
نظر ستيفان الى اليس بشغف لايصدق ..كيف بامكان هذه الفتاة الباهته ان توقظ في هذا الرجل اليوناني هذه الرغبة المثيرة ؟ انه يريدها بوضوح من دون تعقيد ...لاشك انه كان فعلا مغرما بتمارا لأنه ابتعد عن جميع النساء بعد وفاتها ...اخفضت عينيها خوفا من ان يكتشف انجذابها اليه . وراحت تفكر بوضعها الغامض . يخطفها ستيفان الى جزيرة نائيه . فتنجذب بكتفيه العريضتين ووركيه الضيقتين ورأسه الكبريائي المتوج بالشعر الأسود الكثيف . يالغرابة هذا الوضع !

سألها فجأة :
- بماذا تفكرين ؟

قالت بعد ان احمرت وجنتاها بقوة :
- افكاري تخصني , اليس كذلك ؟
- تحيريني يا أليس . هل تتجاهلين مكر النساء ؟ كأنك عشت في صومعة حتى الأن . كيف نجحت في التسلط على دمسكينوس ...؟
آه سيجن عندما يعرف باختفائك , اليس كذلك ؟
- سيحاول نجدتي .

ضحك ستيفان بشكل تهديدي وقال :
- هل تتصورين انه سيرسل اشخاصا للتفتيش عنا ؟ انت مليئة بالأوهام ..سترسي سفينتنا في سوليناريا قبل آخر النهار . وقبل ان تصل فرقة النجدة يكون قد قضي الأمر ...

انتفضت وسألته :
- ماذا تعني ؟
- مابالك , يا ابنتي العزيزة , لاتجبريني على توضيح النقاط !

بضربة جافة قطع البطيخة التي بين يديه الى جزئين وقدم لها قطعه بابتسامة ساخرة فقالت له :
- هل ..هذا تهديد , اليس كذلك ؟
- هيا كلي بطيختك . الحلوة كالعسل انه العالم بالمقلوب, اليس كذلك ؟ على متن السفينه الرجل هو الذي يقدم للمرأة ثمرة التجربة .
- آه , مازلت تتذكر الحوادث التي جرت في الفردوس ...فما عليك الا ان تتذكر التتمه , جزيرة اليوم هي ربما مرفأ سلام . ماذا سيحل بها عندما تكون قد مارست انتقامك ؟ لن تمس سوىبطعم الرماد في الفم !
- انت متواضعه جدا , ياعزيزتي أليس !
كيف بأمكانك ان تفكري بأن هذا الثأر لن يجلب لي الفرح الكبير ؟
وراء النظارات الغامقة كانت اليس تتامل باندهاش وجه الرجل الكبريائي الواثق من نفسه .
اضاف يقول بعد لحظة :
- الا ترغبين في معرفة المزيد عن سوليتاريا ؟ هناك ستعيشين .
- الاتخشى يا سيد كسندروس , ان يكون وجودي على الجزيرة حافزا سيدفعك الى الأفشاء بالسر ؟ او انك تنوي القول بأنني جزء من عائلتك ؟
- الجميع يعرف بأنني اعيش من دون امراة منذ زمن بعيد . وهنا في جزيرتي , الناس منفتحون ويتمتعون بافكار واسعة ...

اشعل سيكارا صغيرا وأضاف :
- ما افعله , لادخل لأي انسان آخر به .
- كنت اتصور ان لي علاقة في الأمر . لكن تبين انني لست بشئ ! لكن لدي كرامتي وعزة نفسي . و ..ولا اريد ان يعتبرني الأخرون ...غانية ...
- كلمتك الأخيرة قديمة الأستعمال وبالية , ياعزيزتي !

ثم أضاف بعدما اخذ مجة من سيكاره :
- بالية ...مثلك , يا طاهرة ! بدأت افهم لماذا يجذبك دمسكينوس ... كنت تعرفين بأنه لايمكنه ان يطلب منك كل شئ . فكان بامكانك الأستفادة من ثروته من دون ان تدفعي شيئا من ذاتك .
- هل ...هل تفكر جديا هكذا بي ؟
- هذا امر حتمي .
- لنقل ان هذا رأيك . لكنني اردد لك منذ ان صحوت من دوختي , بأنني لست الأنسانه التي تبحث عنها , غير انك لاتريد ان تسمعني . فكر لحظة . انك تعتبرني من الطراز القديم ...نعم كلامك صحيح وينطبق في عدة وجوه . هل تتصور ان رجلا مثل ابونيدس دمسكينوس يفكر لحظة واحدة في الزواج مني . انا ؟

نهضت وتابعت بحدة :
- نعم . يا سيد كسندروس , انا فتاة خجولة ومعقدة وضد
المغامرات العابرة وحبوب منع الحمل والأجهاض , اعيش حياة
هادئة في شقتي اللندنية واكسب معيشتي بالعمل كرسامة في المجلات
النسائيه . ليس عندي أي نجاح . ينقصني ذلك الشئ الذي يجذب
الرجال . ومن زمان وانا مضطرة للعيش وحيدة ...وأذا احببت يوما
رجلا فليس لأنه يملك ثروة او لأنه ...معاق !وانا لست باردة كما تظن !

نظر اليها ستيفان كسندروس فترة طويلة بصمت , ثم هز رأسه ببطء واندهاش وقال اخيرا :
- انت تدهشينني حقا . كان عليك ان تصبحي ممثلة . هل تعرفين
- انني بدأت اشعر برغبة ماسة لأكتشاف أليس شيلدون الحقيقية ؟
- الا تصدقني ؟
- يا ابنتي العزيزة , لقد استعلمت عن خطيبة دمسكنوس , وقيل لي انها فتاة انكليزية نحيلة , في العشرين من عمرها , ذات شعر طويل رائع ...وتدعى أليس شيلدون .
- كلا تدعى بيرتا شيلدون .
- بل قيل لي انها أليس شيلدون . لقد تفحصت جواز سفرك خلال نومك , وتأكدت
من انك أليس شيلدون ذاتها , ومولودة في ميدليكس وعمرك 24 سنه . اذن
توقف عن الكلام وراح يتأملها بشغف وأضاف :
- كثير من النساء يبعن كل مالديهن ليملكن بشرة مثل بشرتك , والعديد من الرجال يفعلون الشئ نفسه لكي ينالوا الحق في لمسها ومداعبتها .

وبحركة جافة رمى سيكاره في الماء وأمرها قائلا :
- تعالي الى هنا .
- اذهب عني , من فضلك .

بريق تهديد ارتسم على وجهه وقال :
- افعلي ما يقال لك ...والا ..بامكاني ان اكون قاسيا ! هيا , قرري , حان الوقت!

اراك متقلصة مثل هرة غاضبة مستعدة للهجوم وأنشاب مخالبها !
لماذا زعمت البيرتا انها تدعى اليس ؟ هذا ماتساءلته الفتاة المسكينة . وتذكرت اليس , انها رأت مرة اختها الصغيرة تسأل والدها قائلة :" بشعري الأشقر وعيناي الزرقاوين كان عليك ان تسميني انا اليس بدلا من البيرتا " . يومها ضحك والدهما ثم التفت الى اليس بمحبة قلقة كأنه يشك بأنها ستكتشف يوما بلاد العجائب .
فجأة شعرت اليس بذراعي الرجل تلتفان حولها بقوة . فجن جنونها ورفعت عينيها الى وجهه القاسي , وبينما الدنيا تدور بها سمعته يقول :
- اذن هذه هي خطتك ؟ لاتريدين ان تهبي شيئا ؟ وأنا سآخذ ما اريد .
- هل تتصور انني سأرتمي في احضانك ؟..

راحت تتخبط بائسه لكنه ظل يشدها في ذراعيه بقوة الحديد فارتجفت وهمست بصوت قلق :
- آه ..لا ......ليس هنا . الطاهي بامكانه ان يرانا ...
- تفضلين الأختباء ؟

جذبها بقوة وراء تلة الصناديق . كادت ان تفقد عقلها . كلما تخبطت اكثر , كلما اصبح اكثر حماسا لكنه فجأة حملها بين ذراعيه وأدخلها الى الحجرة ووضعها على الأريكة وأقفل الباب بالمفتاح .
فصرخت بصوت مخنوق :
- لا .لا ارجوك ....

خلع نظارتية فاطلقت صرخة رعب وتخبطت بقوة ترجوه ان يتركها وشأنها . كان قلبها ينبض بقوة جنونية واحتلها الضعف وفقدت الوعي وارتمت على الوسائد , بيضاء كالأموات ...كدمية من رقع .
ولما رفعت عينيها كان جالسا قربها يبلل وجهها بالماء الفاتر . ادرك انها عادت الى صوابها فقال :
- هل افزعتك ؟ هل تشعرين بتحسن ؟
- لقد ..نعم .

رفعت يدها الى جبينها المبلل ونظرت اليه برعب وقالت :
- هذه اول مرة اشعر بالغثيان ويغمى علي .
- كنت اتصور ان هذه الأمور تحصل فقط في قصص العهد الماضي ! انت انسانة غريبة يا اليس !
- انها غلطتك . لقد خدرتني وخطفتني وجئت بي الى زورق بهدف ممارسة العنف معي . وتريدني فوق كل ذلك ان ارتمي بين ذراعيك ؟

ابتسم وقال :
- احتسي هذا المشروب . لتستعيدي نشاطك ولونك .

قالت له بنظرة متوسلة :
- انت ...انت تعرف جيدا ما اريد . اريد ان تعيدني الى اثينا .
- نحن الآن في منتصف الطريق ولا انوي العودة فقط لأرضائك , اعرف الآن انه لايجب علي ان اكون عنيفا معك . يا اليس , سأخذ الوقت المطلوب . آه , انت لاتشبهين الأنكليزيات ! انت لست امرأة متحررة !
- انت رجل عديم الشفقة ومنفر .
قال لها وهو يضع يده على كتفها :
- وأنت , انت فتاة حنونة مثل الندى . انك شديدة الحساسية , وانا اكيد بأني خدمتك في ان خلصتك من مخالب دمسكينوس . ولأنك ساذجة , لاتعرفين ما كان ينتظرك ؟
- تريد الآن ان تبرهن لي انك قديس ومهذب ! لاشك انك مثل دمسكينوس . تتمتع بموهبة استغلال الناس ولاتفكر الا بلذتك مهما كان العذاب الذي تفعله بالغير .

بريق خافت عبر عيني الرجل اليوناني , فتقلص وقال :
- انتبهي , لا اطيق مقارنتي بمجرم .

هزت كتفيها وقالت :
- انت ايضا تقوم بعمل جيدا , يا سيد كسندروس !
- ارجوك ان تعتادي على مناداتي بستيفان . نحن في طريقنا الى سوليتاريا . بامكانك ان تصرخي وان يغمى عليك وان تمزقي الوسائد هذا لا فائدة منه , لاشئ سيرغمني على العودة. استرخي وكفي عن شتمي .
- ان اشتمك هو الشئ الوحيد الذي احب في هذه الرحلة !
- اذن اترك لك الحرية في ان تشتميني , لكن وحدك !

نهض فجأة وقال لها :
- نامي الآن .
- تبا لك , يا سيد كسندروس , سأجد طريقة للتخلص من مخالبك .
- في هذه الحال اتمنى لك احلاما جميلة , لكن اخشى الا تستطيعي تحقيقها !
توجه الى الباب فقذفت عليه كأس الشراب الذي تحطم ارضا من دون اصابته .
فسألها بضحكة ماكرة :
- هل تشعرين الأن بتحسن ؟
- كثيرا , شكرا .

وما ان انغلق الباب حتى تقوقعت اليس على الأريكة تاركة نفسها تتأرجح مع حركة الأمواج . لقد حلمت بالحب بين ذراعي رجل محب وحنون ...لماا رماها القدر في طريق هذا اليوناني القاسي الذي قرر ان يشفي غليل انتقامه بواسطتها ؟ وكل هذا بسبب شقيقتها البيرتا المجنونة التي تكذب من دون ان تفكر بالعواقب .
واهتز كيانها وهي تتذكر عناقه . وادركت انه في المره المقبلة , لا شئ سيوقفه عند حده . لاصراخها ولابكاؤها ولاتوسلاتها ...
كانت ضائعة حتى العدم .





4- مع الوصول الى جزيرة سوليتاريا ازداد الموقف
حرجا ولم يعد امام اليس سوى ان تطلب الرحمة
عنوة وبلا خجل . اتفقت مع ستيفان على ارسال
برقية الى اختها في سيلان لتأكيد هويتها ...واعلنا
الهدنة مدة اسبوع !

اسندت اليس ظهرها الى حاجز السفينه , شاحبة اللون تنظر الى الزورق يدخل و
سط صخور البحر المنثورة حول شاطئ جزيرة سوليتاريا , و
الريح تلعب بشعرها والغسق يشارف على نهايته . وفي الأفق سحابات طويلة من اللهب تخطط السماء الليلكية .
هذه الصخور الغامقة المنبعثة من اعماق ايجيه تجعل الجزيرة شبه قلعة . والصخور الساحلية المحززة عميقا والمتأججة بنيران شمس المغيب , تنحدر عاموديا فوق الرمال الضيقة , اشار ستيفان بأصبعه الى منزله الذي اطلق عليه اسم " الفانوس " هذا المنزل المهجور الذي يطل على البحر من فوق قمم الصخور وقال :
- هاهي قلعتي ! منتدى لليلاس

و كان في صوته فخر واعتزاز لأنه مالك هذه الجزيرة وهذا المنزل ...وهذه الضحية الهشة..كان الزورق يبحر ملتويا ضد الريح بمهارة كبيرة , ويخترق الصخور . اخيرا دخل المرفأ , فنشل ستيفان المرساة محدثا قرقعة عنيفة , وبالرغم من كل الظروف كانت اليس تشعر بنوع من النشوة وهي تصل الى هذه الجزيرة الغريبة .
نزلت من السفينه الى زورق صغير وبعد عشرين دقيقة كانت تدوس الرمل الأبيض على الشاطئ الصغير المحدد بالصخور الحمراء الشاهقة . وفوق رأسها كانت السماء متوهجة .
كانت نظاراتها موضوعتان في جيب سترتها , لأنهما اصبحتا غير صالحتين للاستعمال من شدة الوسخ والرطوبة , ومن دون هذه العدسات لاتستطيع اليس ان ترى جيدا. كل شئ امامها تراه بمثابة ضباب يريح نظرها , هدأت عدائيتها تدريجا . نظر اليها ستيفان بتحد وكبرياء وقال :
- اذن ظ الا تشعرين بان الميرا تنتظرنا ؟

قالت بصوت مضغوط :
- لا افهم معنى هذه الكلمة .

بذلت جهدا كبيرا لئلا تفقد برودة اعصابها وخاصة كلما اشتبكت نظراتها بنظراته . فأجاب قائلا :
- " ميرا " يعني القدر . ماكتب قد كتب . والا ستحدث مشاجرة ....

قالت بلهجة احتقار :
- يالهذا العذر الجميل ! تخطفني مثل لص عات , ثم تسمي ذلك القدر .
- في ظروف اخرى يدفع السائح اموالا طائلة ليقوم برحلة على متن سفينة كالتي املكها . انا اعاملك باعتبار ومراعاة , حتى ولو اني افكر بالطريقة التي غرقت فيها تمارا في حوض السباحة !

قامت اليس بحركة غاضبة وقالت :
آه , ارجوك , كف عن تحميلي مسؤولية موت هذه الفتاة المسكينة !
اوقف حركتها واطبق يده على معصمها , ثم رفع يدها وراح يتأملها بسحر ويقول :
- يداك جميلتان , ياعزيزتي , بيضاوان وناعمتان , ولاشك انهما تعرفان المداعبة الساحرة . آه , هناك امور عديدة المفروض ان تتعلميها يا عزيزتي ...في المرة المقبلة عندما سأضمك بين ذراعي آمل الا تمزقني اظافرك كما حصل في السابق .
- آه , هل شعرت بالألم ؟ كم انا شديدة الفرح لذلك !

قال بضحكة ساخرة :
- كنت تتخبطين مثل هرة شرسة لذلك تستحقين العقاب المناسب .
- لكنك رجل مهذب , اليس كذلك ؟

ازاحت عينيها عنه ونظرت الى الصخور العالية وقالت :
- لاتقل لي ان علينا تسلق هذه الصخور للوصول الى قلعتك ؟
- كلا . اتبعيني .

امسك حقائبها وتقدمها ماشيا على الرمل الضيق الذي يتأجج بدوره تحت اشعة شمس المغيب القوية .
امامها لمحت اليس فجأة حجرة مصعد محفورة داخل الصخرة .
دخلا اليها . انها ضيقة ومبنية من الحديد السميك . اتغلق الباب وصعدا ببطء . لكن الخوف احتل اليس , فكانت ترتعش بقوة لوجودها داخل الصخور الضيقة .
قال ستيفان للحال :
- من النادر ان يتعطل المصعد . " الفانوس " كان في الماضي ديرا قديما ولم يكن الرهبان يخافون من التنقل من صخرة الى اخرى . لكنني فضلت الرخاء وبنيت هذا المصعد . هل تعانين من خوف الأحتجاز ؟ اعني هل تخافين من الاماكن المقفلة , ياأليسيا؟
- لا احب المصاعد كثيرا ....ثم افضل ان تدعوني اليس , كما من قبل , فأنا لست يونانية ولا انوي الزحف امامك .
- صحيح ؟ لكنني تصورت بأنك فهمت ان عليك الأستجابة لرغباتي , طوعا او كرها ...
قالت ببرود :
- آه نعم , انت لاتعرف الا العنف ! لكنك لن تتحمل طويلا عدائية وحقد وكراهية فتاة سجينة . المستبدون مثلك , بحاجة دائمه الى الحنان كأي انسان آخر , وهذا امر لايمكنك ان تجبرني على اعطائك اياه .

نظر اليها بسخرية وقال :
- اذا كنت تعتقدين بأنني اتوقع حنانك ومحبتك , فأنت مخطئة تماما . لم يكن في نيتي سوى شئ واحد عندما جئت بك الى هنا . هل هذا واضح ؟
- نعم . لكنني لا اريدك ان تنخدع نسبة الى مشاعري .

ضحك بسخرية وقال :
- انت لاتهوينني في قلبك , بالطبع ! كل مشاريع مستقبلك فشلت بسببي ! آه , كنت تحلمين بحياة ناعمة , قرب نصف رجل , غير قادر ان يطالب بحقه , اليس كذلك ؟

قالت اليس وصوتها يرتجف احتقارا :
- هل تنوي , انت , المطالبة بحقك ؟ لكنك لست سوى شخص ردئ يستحق ان يشنق , وطبعا لن تحمل حقك معك الى الجنة !
- لكن لا احد سيصدق ابدا بأن الملاك المحترم , صاحب سلسلة الفنادق الكبيرة , قد خدرك ثم خطفك الى زورقه !لست الأجنبية الوحيدة التي تأتي الى اليونان بحثا عن رجل ثري !هل تريدين تعويضا لذلك ! رجال القانون سيضحكون عليك ويسخرون منك ! وسترفض دعوتك رفضا اكيدا امام المحكمة!

قالت اليس باشمئزاز :
- انت شيطان كبير . انا لست هذا النوع من النساء , وانت تعرف ذلك تماما !
- كيف اعرف ذلك ! مساء امس , في شقة الفندق اظهرت لي بأنك فتاة محتالة , ومغرية تعرف كيف تقع بين ذراعي , نيتك كانت واضحة ...
- تعثرت قدماي بالبساط . الم تر ذلك بعينيك ؟
- ما رأيته يختلف كليا عما سأبوح به امام المحكمة . هل هذا واضح ؟
- انت رجل كريه وعفن ! سترميني في الوحل وانا سأكون الضحية ! ...الا تخشى انتقام دمسكينوس ؟
- هل تعتقدين ان دمسكينوس يتحلى بروح الفروسية ؟ عندما سيعرف بأنك وقعت بين يدي . سيتعذب كثيرا , لكنه سيتخلى عنك بسرعة . ياصغيرتي لاتتوهمي كثيرا . انا سأعوض عليك تلك الخسارة .
- تعوض علي ؟ ماذا تقصد ؟
قال بحركة راقية :
- المال , يا عزيزتي , اليس هو المال الذي جذبك نحو دمسكينوس ؟
- انا لم ...لم احضر الى اليونان من اجل ذلك .
قال بقوة :
- لاداعي للمكابرة فيما هو بديهي . القدر يسير ولاشئ يمنعني من ان ابلغ ثأري .

توقف المصعد وفتح ستيفان الباب الحديدي ودعى اليس للخروج . دخلا ساحة صغيرة وامامهما باب سميك .
فجأة شعرت اليس بالخوف يحتلها فرجعت الى الوراء كأنها تريد التخلص من هذا الرجل ومن السجن الذي سينغلق عليها .
فاصطدمت بخاطفها , بينما كان يبحث عن المفتاح في جيوبه .
قالت وهي تضع نظارتيها :
- انا ..المعذرة , نظري شحيح جدا مثل الخلد .
- لماذا تعتذرين لمثل هذا الأمر ؟ هذه النظارات تعطيك لمحة حنونة .
- بهذه العدسات .اعتدت ان ارى الرجال ينظرون الي وكأنني خالية من اي انجذاب وسحر .

ضحك بسخرية وقال :
- لم افعل شيئا حتى الآن كي تأخذين هذه الفكرة عني . في بلادي , ياأليسيا الصغيرة , ينصرف المرء بدهاء اكبر !..آه , اين وضعت مفتاحي ؟

احمرت اليس بعنف . وتذكرت المشهد عندما عانقها .لو لم يعتقد بأنها خطيبة دمسكينوس , هل كانت التقت به ؟
قالت بصوت عصبي :
- آمل ان يكون المفتاح قد سقط في الماء . انا لا ارغب في الدخول الى منزلك .
- لكن عليك الرضوخ للأمر الواقع , برضاك او بالقوة ,...آه هاهو المفتاح . هيا , اتخذي قرارا ! هل تدخلين امامي ؟ ام ترغمينني على حملك ؟
- هل انت متوحش , منذ صغرك ؟
- لنقل اني كنت ...اكثر لطفا في صغري .





انفتح الباب السميك محدثا صوتا وكاشفا عن ساحة واسعة مربعة , محاطة برواق من الأعمدة . شمس المغيب تسطع على نوافذ الطابق العالي , التي كانت تبدو مرصوفة بالألوان , معظم الجدران الخارجية تختفي وراء العرائش السميكة . قبب الرواق مصنوعة من الحديد المزركش حيث تتعلق النباتات المتسلقة , هبت نسمة عابرة فصعدت في الجو رائحة غريبة .
قال لها ستيفان وهو يدل على نبته مزهرة .
- "فلفل الرهبان" انها شجرة العفة . ولها مفعول تنويمي معين . اي انها تفقد الرغبة الحيوانية .

قالت من دون تفكير :
- في هذه الحال , عليك ان تجلس الآن بين اغصانها .
- من الأفضل ان اهرب من هنا ! آه , آه , تخجلين ؟

لمس خدها فرجعت الى الوراء . فضحك من جديد وقال ك
- تصورت ان الاحمرار لم يعد معروفا في بلادك .

فغضبت واحمرت اكثر وقالت :
- لقد سبق وقلت لك بأن الرجال عادة لايتغزلن بالفتيات اللواتي يرتدين النظارات مثلي .
- صحيح ؟ لقد سمعت عمي يقول مره بأن البحارة البريطانيين اللذين اتوا الى هنا خلال الحرب العالمية الثانية كانوا يطاردون اي امرأة في طريقهم .
- دائما تتكلم عن عمومك واولاد عمومك . اليس لديك أب وأم ؟
هز رأسه وقال :
- توفيت امي يوم ولادتي وكان والدي صياد سمك . وعندما بلغت التاسعة من العمر , غرق زورقه خلال عاصفة بحرية ومات , وكنت محظوظا , اذ كان لي عم وعمة حضناني من يومها فتربيت على يديهما بمحبة وكرامة .
- هل يعيش احد من اقاربك معك في المنزل ؟

انتظرت رده بقلق , فالوضع صعب اذا كان جوابه ايجابيا , وأذا كان عليها ان تعيش وسط عائلة !
شعرت بالأرتياح عندما اجابها قائلا :
- اعيش وحدي هنا و وابناء عمي يملكون مزارع صغيرة في الجوار .
- هل سألتقي بهم ؟
- هذا امر حتمي . على ما اعتقد .

الظاهر انه يسخر من الأقاويل والأشاعات .
- هل تخافين حقا ما سيقولونه عنا ؟

خلعت نظارتيها بعصبية ونظرت اليه بتوسل وقالت :
- لاشك انك تعتقد بأن الفتاة الأنكليزية لاتبالي بصيتها !
- لاتخافي . فسكان الجزيرة سيعتادون على وجودك بسرعة .

امسك بكتفها بقوة وقال :
- لاتحاولي ان تثيري بي الشفقة . فأنا لا اشعر بالرأفة تجاه خطيبة دمسكينوس . اقتنعي بأنك امرأتي في الوقت الحاضر . من زمان وانا اعيش وحدي وسأفرح برفقتك صحيح , ان هذا المنزل كان ديرا قديما , لكنني لا اتمتع بروح القداسه !

تخبطت للمسته وقالت :
- لاسبب في ان تلح علي , فهمت نواياك .
- انا لست الرجل الوحيد الذي يترك غرائزه حريه الأنطلاق . اعترفي بذلك بصدق . اليس هذا امر رائع ؟

جذبها اليه وشعرت بانفاسه فوق خدها وقال :
- حتى لو كنت مخطئا بالحفاظ عليك هنا , يا أليسيا , سوف افعل بك ما اريده من زمان وانا محروم من لمس امرأة . اريدك . هل تسمعين ؟ اريدك كلك لي . اريد ان افرح باستمالتك ياأيتها الخجولة . وقبل ان ارميك جانبا , سأعلمك الكثير عن الحب , سأجعلك تصرخين عاليا ...

شعرت اليسيا بالأرتخاء يحتل اعضاءها . كانت بين يديه مثل عصفور بلا دفاع . وفجأة تقلصت لئلا تدعه يشعر بقوة انفعالها , فهمس يقول :
- قفي عن التمثيل وتحملي البلاء . لو كنت انوي ان اتصرف معك بلطف , لما جئت بك الى هنا . لاتتصرفي كالطفله . وضعي في عقلك بأنني لم اقطف التفاحة من اجل النظر اليها !

قالت ببرود لطيف :
- انا لم اتصورك ابدا رجلا , وارجوك ان تكون اكيدا من ذلك .كما لم اعتبر نفسي ابدا مثل ...تفاحه ...
- انت متواضعة جدا . سأعلمك ما قيمة سحرك .
-ان تفعل بي ماتشاء، اليس كذلك؟
-انت تفاحة،وقدرك منذ الابد ان تشفي غليلي.... نعم، يا اليس الصغيرة، سيكون رائعا ان اعلمك الحب !
-لقد عرفت الحب، يا اليسيا! لكن في الماضي البعيد....
حمل الحقائب ودخل الى المنزل وتبعته الفتاة، مضطربة الى درجة رهيبة ماذا حل باليس الخجولة؟
دخلا غرفة عالية السقف، ذات جدران غامقة، الاثاث المنحوت والمقاعد المغلفة بجلد الحيونات كانت منثورة على الارض المنقطة.
قفال ستيفان:
-هذا جلذ الذئاب، مازالت الذئاب تتشرد في جبالنا، بحثا عن فريسة تقع بين اسنانها.
ارتعشت لهذا العالم الغريب، غير المنتظر، الذي ستواجهه رغما عنها، داخل المدفأة الحطب يشتعل ورائحة اللهب غريبة، اقتربت من المدفأة ومدت يديها فوق حرارة اللهب فسألها:
-كيف تجدين داري؟
وضعت اليس نظارتيها وراحت تتأمل الانية الفخارية المطلية المنثورة على اثاث يلمع ببطء في الظل، على البلاط بساط رائع من الصوف السميك, وعلى احدى الجدران، بين نافذتين تعلقت ايقونة بيزنطية محفورة بالحجارة النادرة.
اخيرا قالت:
-الايفكر المرء هنا انه في دير.
-هذا ماقصدته، لم اغير شيئا في ملامح القلعة من الخارج، لكنني فضلت جعل الغرف اقل تقشفا مما كانت عليه، وهكذا، حولت بعض غرف الطابق الاول الى حمامات.
نظرت اليس بامعان الى المدفأة وقالت:
-انه منول شاسع لرجل يعيش وحيدا:
-بالفعل، لكن الانسان الذي يتوصل الى كسب المال، يكون حلمه الوحيد ان يملك بيتا له.
قالت من دون ان تنظر اليه.

-طبعا وجزيرة حيث بامكانه ان يفرض سلطته على كل شيء...
قال بسخرية غير واضحة:
-هذا ينطبق علي، وانا لا انكر ذلك..
اقترب منها واسند ظهره الى المدفأة. كان قد خلع سترته الجلدية ومن فتحة قميصه رأت اليس عقد الجاد يلمع على صدره الاسمر. وتذكرت في الحال العراك العنيف الذي حدث في الزورق وخلاله شعرت بهذه الجوهرة تؤلم صدرها. رفعت نظرها الى ستيفان فرأته يراقبها بنظرة غريبة كانه يتذكر هو ايضا هذه الحادثة،فعاد يقول بعد لحظة:
-الجزيرة والمنزل ربما سيضللانك في البداية ، لكنك سرعان ما تعتادين عليهما، وبما انك تتحلين بموهبة الرسم، فأنا اكيد بأنك ستجدين هنا ما تودين رسمه.
قالت بسخرية:
- هذا معقول! هل ستسمح لي هذا النوه من التسلية؟ تصورت ان علي اطاعتك حرفيا طلية النهار.
- -لا،لا ، لن اصر على رؤيتك بصورة مستمرة الا في الليل احمر وجهها والتهب حلقها.. وبحركة غريزية خبأت وجهها.المشتعل بين يديها المرتجفتين. فقال لها بجفاف:
- -لاتتصنعي الخجل اكثر مما انت حقيقة. حان لك ان تصبحي امرأة بكل مافي الكلمة من معنى، وبكل مافي ذلك من لذة وسعادة لم تستائي، مساء امس، عندما دخلت الى غرفتك، وكم كان رائعا ان اضعك بين ذراعي، انت العطرة الناعمة! ربما كنت تفضلين الا ابالي لوجودك والا اجدك جذابة، اليس كذلك؟ دعك من هذه التفاهات! آه ، ارغب في ان ابرهن لك عن همي الان وفي الحال، لكني اخاف من حضور الخادمة في اي لحظة.
اجابته اليس بصوت مخنوق:
- انت رجل وقح!
هز كتفيه واجاب:
-من دون شك. لو كنت حقا امرأة حقيقة ولست عانسا مغقدة لفرحت بجنون لمجرد اثارة رجل مثلي.آه سأعرف كيف اجعلك تتقاسمين هذه الاحساس الرائع!
شعرت برغبة ملحة لطمر نفسها تحت الارض والاختفاء كليا، ثم قالت بصوت اتهامي:
-هل تسخر مني؟ انت انسان سادي.
-لايحق لك ان تتهمني بالساذجة!
-الحقيقة تجرح!
يني مثل دمسكينوس ، هل تفهمين؟ انا لم اسبب سوءا لاي امرأة في حياتي..آه، افهم الان لماذا انسحرت به... خوفا من الحب، اليس كذلك؟ لكنك لم تفكري،يا ايتها الحمقاء المسكينة ، بأنه سيفرض عليك امور اخرى...
-انا.... انا لم افهم ماذا تقصد...
ومن جدد شعرت بانجذاب لنظرة ستيفان هل سينفذ تهديده الان هازئا بكرامتها ويفتك بها في لحال؟
فجأة سألها:
-كم عمرك ، ياليسيا؟
-24 سنة.
-الم تسمعي من قبل بالانجرافات؟
-بلى ولكنك لا تريد ان تفهم...
-بل افهم الكثير. تريدين الزواج من دون القيام بالواجبات الزوجية. لو نجح دمسكينوس في اقناعك بانه يكتفي بلمس يدك، اسمحي لي بأن اقول لك بانك فتاة ساذجة الى حد بعيد. منذ موت تمارا عرفت عن هذا الرجل امورا كثيرة، لايمكنني ان اقولها لك من دون ان احمر خجلا.فوراء المظاهر المحترمة يخبئ غرائز مجرمة وفاسقة . انه انسان متعفن حتى العظم!
توقف لحظة قبل ان يضم اليه اليه بقوة ويقول:
-تجدين صعوبة في فهم كلامي، اليس كذلك؟ لكن هذه الحقيقة. ومن حسن حظك انك وقعت بين مخالبي انا، الذي سأعاملك مثل انسان بشري ، اما هو، لكان اعتبرك شئيا مثل اي شيء اخر، هل كلامي واضح؟
ارتجفت اليس ، اذا كان مايقوله صحيحا، فهذا من حسن حظ البيرتا. لكن ذلك لن يغير شيئا في مصيرها. فالقدر رماها بين ايدي هذا الرجل اليوناني الذي بعد في ان يبلغ ثأره مهما كان الوضع.
-اذا تمكنت من ان ابرهن لك بأنني لست خطيبة دمسكينوس، فهل ستدعني اذهب وشأني؟
-عدنا الى الموضوع من جديد. اذن يوجد في العالم فتاتان تدعبان اليس شيلدون.
-لدى شقيقة تدعى البيرتا. ذهبت الى سيلان لتتزوج من رجل احبته منذ سنوات عديده لكنه كان قد تزوج من فتاة اخرى، واثناء ذلك، كانت اختي قد تعرفت على دمسكينوس وخطبته ولما علمت بأن حبيبها فقد زوجته، قررت فسخ الخطوبة والذهاب الى سيلان بناء لطلبه لكنها لم تكن تتمتع بالشجاعة الكافية تتعلم دمسكينوس بالامر شخصيا فوكلتي انا بالامر...
-خطبة دمسكينوس تدعى اليس وليس البيرتا.
صرخت اليس فاقدة الامل:
-لقد كذبت...
يالهي كيف سأتمكن من اقناعه ان يصدق كلامي ويعيد الي حريتي؟
اضافت تقول:
-كانت البيرتا دائما تفضل اسمي. ولاي سبب استعلمت اسمي مع دمسكينوس؟ لا اعرف! لكن بامكاني الاتصال بها في سيلان وابرهن لك عن وجودها . ارجوك، اعطني خطا لابرهن لك الحقيقة، قبل ان ترتكب ما لايمكن التعويض عنه.
قال بقسوة:
-حسب رأيي انت تحاولين كسب الوقت. احب ان اصدق بأن لك اختا تعيش الان في ميلان، لكن قصة تغيير الاسم امر لا يصدق! الم تقولي لي ، عندما كنا في الرزورق بأن دمسكينوس سيرسل من يأتي لنجدتك؟
-كنت... كنت قد فقدت الامل، واعتقدت ان هذا النوع من التهديد سيجعلك تفكر بالامر وتعيدني الى اثينا.
-الظاهر انك حتى الان لم تتوصلي الى معرفتي، يا اليسيا ...
-وانت، ماتعرفه عني خطأ فادح، مادمت تتصور بأنني انجذبت الى دمسكينوس هذا، انا لا اشبه البيرتا، لا جسديا ولا فكريا..
-كيف تنوين برهنة كلامك؟
-هل... هل من الممكن ان ارسل برقية الى اختي؟ لدي عنوان هاري خطيبها. سأطلب منها ان تؤكد لك بانها كانت فعلا خطيبة دمسكينوس.
-آه ، فهمت، هل انت صديقة حميمة لاختك؟
-كلا، ليس تماما.
-هل بامكانها ان تكذب لتخلصك من... هذه الورطة؟
اجابت اليس بمرارة:
-آه لا ، لاتخف من ذلك، لاخطر ، لان البيرتا فتاة انانية... اذن هل بامكاني ان ارسل لها برقية؟
-سأرسلها بنفسي، ستعطيني عنوان اختك في سيلان وسأطرح عليها السؤال بنفسي، ومصيرك متعلق بجوابها. هل اتفقنا؟
شعرت اليس بارتياح وقالت:
- آه ، نعم ، كم من الوقت تحتاج للحصول على الجواب، حسب رأيك؟
- ربما اسبوع، ربما اكثر.. فسيلان بلد بعيد في اخر العالم.
- ومن الان حتى .... ذلك الوقت...؟
ابتسم بسخرية وهو يرى ارتجاف شفتي اليس وقال:
- حتى ذلك الوقت سأكف عن ملاطفتك ما دام ذلك يزعجك. لكني انبهك، اذا كانت البرقية تعكس اقوالك ، فلا مجال لطلب الامان او العفو ، هل فهمت؟
اشارت برأسها في حركة ايجابية . وشعرت بخوار في قدميها، فجلست على المقعد الجلدي بينما راح ستيفان يشعل سيكاره.
سألها بعد ان اخذ مجه عميقة:
- - والان ، قولي لي ، الم يحبك احد عندما كنت صغيرة؟
- -لكن ، بلى....
طبعا لم تحصل اليس على الدلال مثل البيرتا ، لم يمدحها احد وكانت عائلتها تدعوها الفتاة الجدية، لانها كانت تنصب على القراءة بنهم ولاتبالي بشيء اخر . وذات يوم سمعت عمتها تقول :"للاسف على هذه المسكينة ان ترتدي النظارات ، فهي قبيحة من دونها ايضا! وليس من الصعب التنبؤ بنجاح اختها تجاه الرجال اما هي..."
وببطء رفعت اليس نظرها المتكبر نحو ستيفان فقال لها ، مقطب الحاجبين:
-لاتنظري الي هكذا، لقد وعدتك بانني سأرسل البرقية وهذا ما سافعله ، اليوناني عندما يعد يفي بوعده.
اجابت بتهذيب:
-اشكرك.
وفي مقعدها المريح استرخت اليس وراحت تفكر بأن عليها الان قضاء عطلة قصيرة على هذه الجزيرة اليونانية بانتظار وصول رد البيرتا، في حقيبتها وضعت بزة السباحة وحجرا من الزيت الواقي لاشعة الشمس واقلاما ودفاتر... باختصار، كل ماتحتاجه لتمضية الوقت.
فجأة قال ستيفان:
-من زمان ولم اشعر برغبة في حضور انثوي ، الظاهر انك تحبين الملابس الجدية. اما انا افضل الملابس الريحة، الخفيفة... اتمنى الاتنقصك الملابس الخاصة بالسهرات كالتي ارتديتها مساء امس
افرحيني وارتدي واحده منها، ارجوك ايضا عدم رفع شعرك واتركيه حرا يتطاير فوق كتفيك...
-هل هذه اوامر؟
-اوامر؟ كيف بامكانك قول مثل هذه الكلمات! اني اقدم لضيفتي ببساطة استقبالا غير معقد هل اشتريت ثيابا فاخرة فقط لارتدائها في وحدة غرفتك؟ ياللاسف؟
-انا لست انسانة طائشة او هائمة ياسيد كنسدروس
-لكني لاحظت في حقيبتك عددا من الملابس توحي بعكس ما تقولينه..
رمى السيكاره في المدفأة وقال:
-اطلب منك ان ترتديها .... وان تناديني ستيفان.
- وماذا اذ رفضت؟
-قدمت لك خدمة، ياليسا لماذا لاتباديلني بالمثل؟
-الظاهر انه ليس لدي اختيار
-بالفعل..
ظهرت امرأة في عتبة الباب، وكانها من القرن السابق، ترندي قبعة مطرزة وثوبا حريريا اسود واللؤلؤه تتدلى من اذنيها ، نظرت الى اليس بامعان فقال لها ستيفان:
-الانسة شيلدون، ضيفتي، يا كاترينا...
ثم التفت بأليس وقال:
-خادمتي، ستكون تحت تصرفك كليا.
قالت اليس بلطف وتهذيب:
-تشرفنا.
احنت كاثرينا رأسها وسأل ستيفان:
هل آخذ الانسة الى شقة الشرق؟
-طبعا والان ، من اجل ان توضب حقيبتها وتتحضر للعشاء نهضت اليس بهدوء وسألته:
-اي ساعة تنناول العشاء؟
-في التاسعة ، يا اليسيا.
-اذن الى اللقاء ، في التاسعة... يا ستيفان
-اذكرك بان تغيري هندامك وترتدي الملابس الانيقة استعدادا للعشاء.
احنت رأسها بابتسامة مرغمة وتبعت الخادمة ، نحو سلم يقودها الى الطابق الاعلى.
5/ في قلعة القرصان تتعرف اليس الى خدمة وعالمة وتكتشف سرا من ماضيه مع تمارا الشهيدة التي تدفع هي ثمن موتها..... فغرفتها هناك وصورتها تشبهها الى حد لا يطاق....


كانت غرفتها رائعة . وفي قبة مقنطرة يقع سريرها المغلف بشرشف ملون بلابيض والاحمر والذهبي، يفترش الارض بساط من الالوان الغامقة التي تظهر بدقة نوعية الاثاث المصنوع من الخشب الغامق، كما تظهر بياض الجدران وروقة السقف.
سلم صغير يؤدي الى شرفة واسعة ، تحتوي على مفروشات من القش والدرابزين مغطى بالساتان المتسلقة، شرحت الخادمة قائلة:
-هل يعجبك المنظر؟
اجابت اليس وهي تنحني من وراء الدرابزين:
-انه حقا رائع!
الشرفة تطل على حديقة شاسعة حيث الماصبيح تلقى بنورها الشجي على الاشجار والعشب الذي يلوحه الهواء الخفيف.
وبعد قليل رافقتها الخادمة الى غرفة الحمام المتصلة بغرفة النوم.فدهشت اليس لروعة المغطس والمغسلة المصنوعان من البورسولين الابيض الرصع بالاكاجو وفي احدى زوايا الحمام سخانة ماء حديثى الصنع ، تتناقض مع الشقة القديمة العهد.
قالت الخادمة:
-لقد جهز سيدي المكان بمولد كهربايئة . فالماء الساخنة موجودة باستمرار. والان اصبح المنزل يتمتع بكل اساليب الراحة.... لم يكن هذا موجودا خلال وجود الرهبان في الدير
كانت الخادمة تحدق باليس باستمرار وتتابع قولها:
-من النادر ان يأتي سيدي بالضيوف الى هنا ، هل بامكاني ان اسألك ، يا انستي، منذ متى تعرفين سيدي؟
-ليس من وقت بعيد.
كيف بامكانها ان تقول للخادمة بان سيدها خدرها وخطفها وجاء بها الى هنا على متن باخرته؟ هي بنفسها تجد صعوبة في تصديق ما حصل في الواقع!
قالت كاثرين بنظرة غريبة:
-احب ان اريك شئيا، يا انستي، اذا تفضلت وتبعتني... اعتقد ان ذلك قد يثير اهتمامك
ابتسمت اليس بمضض واجابت:
-بالطبع.
تبعت اليس الخادمة في ممر واسع مضاء بالمصابيح الكهربائية المعلقة على الجدران وبثريا كبيرة نحاسية معلقة على السقف فوق بئر السلم . في اخر الممر توقفت امام باب كبير ، وترددت لحظات قصيرة، ثم قررت واشعلت ضوء الغرفة واشارت الى اليس ان تتبعها.
حبست الفتاة انفاسها وهي تدخل الى هذه الغرفة الشاسعة البيضاء والذهبية التي يتصدرها سرير له قبة تشبه العرش ، وينحدر على السرير، من قمته ، وشاح من الموسلين الابيض المزين بالزهور الطرزة وفي السقف لوحة جدرابية تمثل الحوريات بلباس خفيف
المقاعد معلقة بالحرير الفاخر. والكريستال ولانية الفضية تلمع على منضدة الزينة المصنوعة من خشب الورد.
قالت اليس وهي تدوس بمتعة البساط الابيض السميك الذي يفترش الارض.
-يالهذا الجمال الساحر! من ينام هنا، ياكاثرينا؟
-الشبح.
امسكت الخادمة بمعصم اليس واخذتها الى الطرف الاخر من الغرفة، امام كوة في الخائط فيها تمثال وزهرية، ثم كبست على زر كهربائي، فاضيء المكان عن لوحة كبيرة ترمز الى صورة فتاة واقفه على الشاطئ امام الصخور والامواج، الريج تلاعب شعرها الطويل الاسود وثوبها الخفيف، فوق جسم ممشوق ونحيل كانت قدماها عاريتين تنغرزان في الرمال وذراعها مرفوعة كانها تشيرالى شخص ما .
حدقت اليس بوجه الفتاة في الصورة، لم تكن جميلة بالفعل لكن هناك ماهو مثير في فمها الملئ وشفتيها الحمرواين وعينيها البحريتين ورموشها الطويلة الغامقة.
شعرت اليس كانها دخلت الى مكان محرم ، فهمتك بانزعاج:
-من تكون ؟
اجابت الخادمة وهي تحدق باليس باستمرار:
-تدعى تمارا انها لوحة مكبرة لصورة عادية، انظري الى خاتمها لونه لون عينيها ، انظري الى الدقة في سلسة يدها الذهبية يمكننا ان نرى كل التفاصيل ، حتى الكدمة الصغيرة في قدمها.
فتحت اليس عينيها الواسعتين وهزت رأسها مندهشة ، فتابعت الخادمة تقول:
-هل تلاحظين كم تشبهك؟
اجابت اليس بحدة:
-كلا.
-لكن الشبه ظاهر بوضوح ، العينان وبشكل الفم وخاصة لون عينيها...لاحظت الشبه في الحال، اعتقد لهذا السبب جاء بك سيدي الى سوليناريا.
رددت اليس وهي تهز رأسها:
-كلا، هذه الفكرة غير معقولة .. انا ... لقد جئت الى هنا لقضاء عطلة صغيرة وهذا كل مافي الامر، ولكي اقوم برسم الجزيرة ، انا رسامة وانشر رسومي في الكتب ولايمكنني ان اقيس لنفسي بالرجل الذي صنع هذه اللوحة، انها رائعة، لكنني لا ارى اي شبه لهذه المخلوقة بي.
اصرت كاثرينا قائلة:
-آه ، بلى... لكن علينا الخروج الان من هنا قبل ان يفاجئنا سيدي:
اطفأت الضوء، فتروجهت اليس نحو الباب وهي ترمي على الغرفة العربية نظرة اخيرة ، وتفكر بأنها تشبه مقبرة حقيقية .
ارتعشت ماهذا السريبر الفارغ ... ومنضدة الزينة اللافائدة لها .. و الخزانة الواسعة التي تحتل الجدار بكامله .
بحشرية سألت :
-الخزانة ... هل هي فارغة ؟
تريد ان ترى داخلها ، فتحت باب الخزانة وحبست انفاسها .
.... تعلق فستانا من الدانتيل العاجي المطرز بالزهور المختلفة الانواع والالوان..
اغلقت باب الخزانة وراء ثوب العرس الذي لايخدم لشيء وقالت لنفسها: هذا ليس جبا ، لكنه مرض!
قالت بصوت مرتفع:
-لماذا يرفض قبول موتها؟ وما فائدة كل هذا؟ لاشيء بامكانه اعادتها اليه لاشيء ، هل تسمعين؟
-من يدري؟ مازال سيدي شابا وفي عز شبابه، عندما ماتت كلن في الثالثة والعشرين من عمره. لماذا يتعلق بالماضي بهذه الطريقة اليائسة؟ من يدري ، ربما يبحث عن انسان يذكره بها... او يحل مكانها؟
صرخت أليس وقالت:
-هل تتصورين بانني هنا لهذا الهدف؟
-اليس هذا حقيقة، يا انسة؟
هزت أليس رأسها بعنف فتطاير شعرها ليغطي وجهها فقررت ان ترفعه كعكة لئلا تشبه تمارا، ويخطي اكيده خرجت الى الممر وشعرت بارتياح عندما سمعت كاثرينا تغلق الباب على اشباح الماضي.
ثم قالت للخادمة:
-انا هنا في سوليتاريا الاسبوع فقط. وسأعود الى منزلي في انكلترا ولا انوي البقاء هنا بحجة اني اشبه خطيبة السيد كسندروس القديمة، وحسب ما رأيت داخل غرفتها، ادركت انه مازال يحبها وهذا امر حتمي، واعتقد انه لايفكر ان يحل مكانها احد.
-لست اكيدة من ذلك، يا انستي.
توقفتا امام غرفة اليس سألتها الخادمة:
-هل ترغبين بخادمة خاصة بك، لتساعدك على ارتداء ملابسك وتسريح شعرك؟شعرك رائع يا انسة، كثيف ولماع مثل شعر اليونانيات، هذا نادرا لفتاة انكليزية.
-انا ايرلندية من جهة والدتي ، بشرتها اغمق من بشرتي، ماتت عندما كنت صغيرة ، لكني ما ازال اذكر وجهها ...كانت جميلة جدا... اجمل مني بكثير...
هزت كرثرينا كتفيها وقالت:
-آه ، الجمال...ليس وحده في الحياة! عندنا الشغف اهم شيء.
غيرت اليس الحديث قائلة:
-لا اريد احدا ليساعدني ، لقد كانت تربيتي بسيطة، وانا معتادة ان اهتم باموري بنفسي.
-كما تشائين ، يا انسة.
ابتعدت الخادمة ودخلت اليس غرفتها، مضطربة لما سمعت ورأت اقتربت من منضدة الزينة وراحت تتأمل مطولا لنرى ما اذا كان الشبه حقيقيا.
كيف ستتخلص من ستيفان؟
متى شاهدها للمرة الاولى؟ مساء امس فقط عندما دخل الى غرفة الفندق ورآها في الفستان الزهري والشعر المنسدل! مالذي خطر ببالها ان تلعب دور مغرية الرجال! لما كان لاحظها ابدا لو كانت رافعة شعرها كعكة ولابسة نظارتها وفستانها الكلاسيكي المزرر حتى العنق، اطلقت زفرة عميقة ونزلت في السرير محدقة في رسوم البساط، هل سيفي ستيفان كسندورس بوعدة ، ويتركها تغادر الجزيرة بعد ان يتلقى جواب البيرتا؟
ومطولا راحت تتذكر كل ما حدث على متن السفينة وكل ما سمعته من كاثرينا ، وانكشع الحجاب شيئا فشيئا. وفهمت اخيرا مالذي كان يميزها في تصرفات ستيفان ، نعم ، رؤية شعرها الكستنائي وعينيها البحريتين، تشبهان عيني تمارا ، كل هذا ايقظ عند هذا اليوناني جميع الاحاسيس المكتومة منذ مدة طويلة، ليست هي من ايقظ رغبته، انما الذكرى الحية لتمارا دفعته الى ان يضمها من جديد في ذراعيه ويعانقهاالى مالانهاية.
والان اصبح الوضع اكثر تعقيدا مما كان عليه في البدء، عندما كانت تجهل الشبه بينها وبين تمارا، لقد وقعت في المصيدة، كيف ستتمكن من الخروج من هذا المأزق؟
نظرت الى الساعة يدها ولا حظت ان الوقت مر بسرعة ، عليها ان تنصرف الى افراغ محتويات حقائبها و تحاول استعادة وعيها . ومن الافضل لها ، في الوقت الحاضر ، ان تتصنع الخضوع لاوامر خاطفها ، ربما تجد في الجزيرة انسانا مستعدا لاعارتها بعض المال لان المال يحقق العجائب .
فتحت حقائبها واخرجت منها كل ما وضعه ستبفان فيها من اغراض ، لقد امرها بان ترتدي الملابس الجميله وان تترك شعرها ينسدل على كتفيها ، لكنها لم تكن ترغب الا في فعل عكس ذلك .
وفكرت انه من الافضل لها الاستسلام والانصياع لازامره لانه قادر ان يرغمها على تغيير ملابسها وتسريحة شعرها ، مهما صرخت وترجت ، فلن يسمع لها .. والموظفون هنا سيتجاهلون صراخها ويستمرون باعمالهم كان شيئا لم يكن .
نعم يجب الخضوع للشيطان من اجل جعله اليفا، اذن قررت ارتداء البزة المثيرة التي اشترتها خصيصا لهذه الرحلة ، انه فستان من الحرير الطاط والمعرق بالالوان الزاهيةالتي تليق بلون عينيها، هل ستجرؤ على ارتدائه خلال العشاء مع ستيفان كسندروس؟ الن يكون ذلك تحريضا واثارة من قبلها؟ عدلت عن رأيها وقررت ارتداء بزة كلاسيكية محتشمة. لكنها تذكرت تمارا، نعم تمارا، وادركت ان ستيفان لا شك وجد فيها شبها لخطيبته، راح قلبها ينبض بسرعة جنونية وقررت الاتظهر بمظهر يشبهها بتمارا. لذلك عادت الى عدم تغير رأيها وارتداء الفستان المثير الذي سيجعلها بمظهر المرأة القدرية، والذي ربما سيحميها من هذا الرجل الذي يريدها بالرغم من كرهه الشديد لها ، فقط لانها تذكره بحلم لم يتحقق.
وقبل ان تدخل الى الحمام اعدت كل امتعتها ووضعتها على السرير ، الفستان والتنورة الداخلية والحذاء العالي المذهب . فتحت علبة مجوهراتها المتواضعة واختارت سلسلة عاجية تحمل قلبا ذهبيا.
وضعت في ماء الحمام كمية لا بأس بها من الزيوت المعطرة ودخلته وبقيت مطولا مسترخية في الماء الفاتر.
كان من عادتها ان ترتدي ملابسها بسرعة ، لكن في هذا المساء بالذات قررت ان تاشبه بالبيرتا فاخذت وقتا طويلا لتزين وجهها وترفع شعرها بشكل كعكة .
ولما نظرت الى نفسها في المرأة لم تصدق انها هي تلك الفتاة الممشوقة ، تنتعل الحذاء المرتفع والحرير الناعم المطاط.
زرعت الغرفة ذهابا ايابا، ثم خرجت الى الشرفة ، لتعتاد على المشي في الحذاء العالي ، لم يسبق ان كانت جذابة ومغرية هكذا ، هل ستجرؤ على الظهور هكذا او تغير ملابسها بسرعة في اخر لحظة؟ انتفضت لسماعها طرقا على الباب ، فقالت:
-ادخل
اطلت خادمة صغيرة على العتبة وقالت:
-آه ، الانسة ارتدت ملابسها!
لغتها الانكليزية ضعيفة لكنها مفهومة انها تشبه الخادمة الكبيرة، لاشك انهما قريبتان.
-عمتي ارسلتني فيما اذا كنت بحاجة الى مساعدتي لكن مادمت مستعدة الان سأخذك الى غرفة الطعام.
-هذا لطف منك.
ترددت اليس لحظة كانها ترغب في تغير ملابسها من جديد ، لكن الخادمة بانتظارها وقالت لها باعجاب:
فستانك رائع للغاية، يا انسة ، هل هو من صنع باريس؟
-كلا، لماذا؟ انه من لندن.
ابتسمت الخادمة وقالت:
-يدير اخي مطعما صغيرا في لندن وفكرت ان ازوره يوما ، كيف تجدين لغتي الانكليزية؟
-لابأس بها، اتمنى لو اتكلم اليونانية هكذا.
-لغتنا صعبة، وللتمكن منها جيدا يجب تعلمها منذ الطفولة .
العينان السوداوان تحدقان باليس بقوة غريبة ، ولاشك ان الفتاة وعمتها ناقشتا التشابه بين الفتاة الانكليزية وخطيبة السيد الراحلة.
-هل هي رحلتك الاولى الى اليونان، يا انية؟
-نعم.
توجهت اليس الى منضدة الزينة لتأخذ حقيبة يدها الذهيبة وسألت الخادمة:
-هل تعرفين اذا تمكن السيد كسندروس من ارسال برقية عبر لمحيط؟
-نعم ، انستي، الزورق غادر الجزيرة في الثامنة وعرفت من عمتي ان القبطان موكل ايضا ايصال رسالة ما .قالت اليس بارتياح:
-عال،، ان الرسالة تتعلق بعودتي الى انكلترا، في الاسبوع المقبل فوجئت الخادمة وقالت:
- آه، الا تبقين هنا مطولا؟
-اسبوع واحد فقط.... ما اسمك؟
اجابت الفتاة بعدما القت نظرة كاملة داخل الغرفة.
-اسمي هيلدا...كنت اعمل قبل الان في منزل امرأة انكليزيه تعمل في سفارتكم ، كنت غير مرتبه وو سخه ، لكن انت يا آنستي ، انا معجبة بترتيبك لهذه الغرفه .
- منذ الصغر وانا اتدبر اموري بنفسي ، ارى ان الترتيب يكسب الوقت ، وبالنسبه الي ، الوقت غالي الثمن ، العمل بانتظاري في لندن ولا يمكنيي ان اتاخر اكثر من اسبوع ، اقوم ببعض الرسوم للمحلات النسائيه.
- قالت لي عمتي بانك فنانه .
- انها كلمه كبيره . من حظي ان اعرف كيف اخط على الورق .
وهكذا اكتسب معيشتي بشرف . لكن لا مجال هنا للكلام عن المواهب . العبقريه ليست ملك الجميع .
- غيران ... اللوحة في الغرفه العاجيه ... انها لوحة رائعه ، اليس كذلك؟
- نعم ، انها رائعه حقا .
وخوفا من الاستمرار في الحديث عن هذا الموضوع ، اطقأت اليس الضوء وخرجت من الغرفه و قالت :
- لقد حان الوقت وياهليدا خذيني الان الى غرفة الطعام . لا اريد ان ادع السيد كسندروس ينتظرني كثيرا .
تبعت اليس الفتاه اليونانيه وهبطت السلالم الحجريه المضاءة بثريه نحاسيه تعود الى القرن الفائت ثم اجتازت البهو ، فتحت الخادمه بابا عريضا ودخلت اليس بعد ان قالت للخادمه
- شكرا
لم يكن ستيفان في الداخل ، اختفت الخادمه وتركت الباب مفتوحا . شعرت اليس بالبرد فاقتربت من المدفأة حيث يشتعل الحطب محدثا رائحه حلوة. راح قلبها ينبض بقوه . نظرت بمعان في انحاء الغرفه المضاءة بالمصابيح الخفيفه والستائر السميكه تخبى النوافذ كليا . الكراسي ذات المسند المنحوت تحيط بالطاوله المستطيله .
الشموع تثير كؤوس الكرستال بالالوان العديده . مزهريه تحمل زهورا تتصدر وسط الطاوله . الايقونات المرسومة على الخشب تلمع ببطء في لبغرفة ،بساط سميك اسود واصفر يفترش ارض الغرفة .
في هذه الغرفة الغريبة والرائعة ، شعرت اليس بالغربة بالرغم استلطافها الذوق والجو واثاث الغرفة.
شيء وحيد لفت نظرها من بين هذه المجموعة المثيرة هو المصباح .
صغير نحاسي، كانه لعبة طفل ، هل كان ملك ستيفان عندما كان صغيرا، هذا الولد الوحيد ، اليتيم منذ الصغر؟ وهذا الرجل الذي وقع في حب تمارا منذ نهاية طفولته.... تمارا.... ذكراها ماتزال محفورة في قلبه حتى الان؟
فجأة انتابتها ارتعاشة ، غريبة، اذ ظهر ستيفان كسندروس ومن على عتبة غرفة الطعام ، كان يرتدي بزة سموكنيغ عنابية وعقدة فراشة فوق عنقه ، تظهر بياض قميصه الناصع ، فجأة اصبح جو الغرفة مكهربا، فتقلصت اليس لاقتراب ستيفان نحوها الى حد اللمس وهو ينظر اليها بتفصيل في كل انحاء جسمها.
امسك بمعصمها بشدة وقال:
-هذا الثوب غير لائق كليا ، اذن، تصورت بانني بحاجة الي تناول العشاء مع فتاة عصرية، لو كنا وحيدين لامرتك ان تغيري ملابسك في الحال.
قالت بصوت متقطع.
-كيف اعرف ماتريديني ان ارتدي ، انت الذي طلبت من ارتداء ثوب انيق وخفيف...
-نعم ، لكني لم اطب منك ان يكون الثوب غير محتشم!
-حتى لو ارتديت ثيابي العادية لوجدت شيئا يقوله ، يجب ان تقبل بانني ، ببساطة، اليس شيلدون ولبست... واحده اخرى.
-الجواب على البرقية سيضع النقاط على حروفها ,, ارسلتعا اليوم بواسطة رسول صديق، سيجلب لك نظارتيك في الوقت نفسه اعتقد بانك ستحتاجين اليهما للرسم.
-شكرا.
وقال وهو يرفع ذقنها ليرغمها على النظر اليه:
-انظري الي جيدا ، انا رجل يوناني ، ولا احب ان يسخر مني احد عمدا.
احتجت قائلة:
-هل طلبت مني ان ارتدي ملابس انيقة للعشاء ، نعم ام لا؟
-لكني لم اطلب منك ابدا ان تخلعي ملابسك. ولنفرض اني اعتبر هذا المظهر كدعوة لاثارتي، ماذا ستفعلين ؟ سيغمى عليك من جديد؟
احمرت اليس وقالت:
-اذ كان فستاني يصدمك، فبامكاني ان اذهب لتوي الى غرفتي رابطه، وفي اسرع مايمكن...
-سيقدم العشاء في اي وقت الان...
نظر الى القلب الذهبي الذي يلمع على صدرها وقال بسخرية:
-هل ارتديت ذلك لتغطية قلة حشمتك...
احمرت اليس خجلا، اذ عرف كيف يقرأ افكارها. كادت ان تسأله اذا كان يأمل بتناول العشاء مع شبح مساء امس في الفندق، وصباح اليوم في الزورق، واذا كانت تذكره دائما بتمارا ، اما الان فلا شك انها وشوشت افكاره، واغاظته، قدم لها كريسا ، فجلست وقالت:
-الذي يسمع ماتقوله ، يعتبر انني انسانة مخته او محتالة، كم مرة يجب علي ان اردد على مسمعك بانني لست الافتاة عادية، قبيحة، لم يسبق ان اهتم بها رجل واحد من قبل؟
-لكن ، انا ، الا تعتبيرينني رجلا...
-بلى ، لانك ترى بأنني...:
عضت على شفيتها واضافت:
-كنت دائما ارغب في ان اشبه اختي البيرتا ، ولا شك ان ذلك هو السبب الذي دفعني الى شراء هذا الثوب.
-آه ، فهمت؟ اختك ترتدي ملابس من هذا النوع.
مد يده اليها ، فشعرت بتيار كهربائي عنيف يجتازها، فتقلصت ضحك ستيفان وابتعد عنها ليجلس على الطرف الاخر من الطاولة ثم راح يحدق بها بنظرات مليئة بالحيرة والارتباك ويقول:
-انت تصغرين اختك بكثير، اليس كذلك؟
-كلا ، انا اكبر منها بسنتين.
-فهمت منك انها تكبرك سنا وانها اكثر عصرية و....
ابتسمت اليس وقاطعته:
-اكثر عصرية ، نعم ، لاشيء يجمع بيننا ، ان من الناحية الشكلية او النفسية... في الحقيقة كنت ... دائما ... احسدها فهي تعرف اخذ الامور من الجهة الحسنة....و
-اصدقك ، انها فراشة اليس كذلك؟ وانت ، يا اليس ، من تكونينين اذن؟ حربا ، تتستر تحت الوان مختلفة؟
-لست بهذه الغرابة ، ابدا، انا فتاة جدية وباهتة جدا.. اي نقيض اختي كليا، البيرتا تجثم اراديا فوق اقدام الرجال. اما انا فكنت في زاويتي مع نظاراتي وظاهريا فرحة بقدري. لكنني كنت احب مثل اختي الصغيرة ان يقدم لي الرجل الحلى والمجوهرات بدل الكتب وعلب التلوين.
نظر اليها عميقا وسألها :
-قولي ، الن تتخاصمي ابدا مع شقيقتك؟
هزت اليس راسها سلبا وقالت:
-لم اكن اريد ان تشعر اختي بغيرتي القوية، عندما كانت البيرتا تعرض الهدايا امام رفاقها في المدرسة كنت اتصنع اللامبالاة كليا.
-كان من الافضل عليك ان تغضبي احيانا وتطلبي المساواة.
وضعت يدها على السلسة وعلى القلب الذهبي وقالت:
-كنت اكرهالتوسل فاشترى كل ما اريده مما اوفره...
-اذن اشتريت هذا العقد بنفسك، اليس كذلك ؟ واتصور انه يعني لك الكثير .. هذا القلب الرائع...البعض يعلقون قلبهم خشية من العذاب ...آه، لا شك انك ذقت امر العذاب... ازاحت نظرها وقالت:
-لكنني مازلت حية ارزق.
اجد الحديث مدارا غير منتظر . فأسئلة ستيفان احرجتها ووضعتها في موضع حيرة وانزعاج ، انها تكره ان تفضح بما خبأته طيلة حياتها عن قصد. فجأة شعرت بالارتياح عندما دخلت هيلدا لدفع طاولة الطعام ، تتبعها كاثرينا بثوبها الاسود الانيق وراحت تقدم لهما العشاء.
قال ستيفان:
-آه ، الرائحة ذكية وعظرة.
-الخروف طري ولذيذ الطعم، ياسيدي ، اتينا به من مزرعة اكيلو... على فكرة قال لي انه منذ قليل ان الكلب المتوحش ما زال يحوم حول خرافه، واذ لم تتوصل الى قتل هذا الحيوان المفترس ، اخشى من حدوث كارثة مؤلمة.
-سأتصل به واحدثه عن هذا الموضوع ، اخبريني، ماذا حل بالتحضيرات الخاصة بزواج ابنته؟
-حسب ماسمعت ، المزرعة اصبحت مكتملة والاعمال تجري بجنون ، الخياطة مستمرة ليلا نهارا والطبخ ايضا سيكون هذا الزواج حدث السنة.
-اريد ان اطلب من اكيلو ان يسمح لي بدعوة ضيفتي الى العرس، الاعراس اليونانية طريفة ومليئة بالالوان يا اليسيا!
شعرت اليس بالعيون تحدق بها ، فأسرعت تقول:
-لاتنسى، يا ستيفان ، بأنني عائدة الى لندن الاسبوع المقبل
-متى موعد العرس يا كاثرينا؟
فكرت الخادمة لحظة ثم قالت:
-بعد 20 يوما ، سيدي ...آه، ياللاسف ، الانسة مضطرة لمغادرتنا بهذه السرعة!
همس ستيفان قائلا:
-نعم
نهض ليملا كأس اليس، وران صمت قصير ، لم تجرؤ اليس عن النظر اليه ، نعم ، لقد وعد بترحيلها... اذا كان جواب البيرتا يؤكد اقوالها.
-لم يعد يلزمنا شيء، ياكاترينا . شكرا ، بامكانك ان تتركينا الان.
ابتعدت الخادمة وتبعتها ابنة اختيها وهي تقول:
-هنيئا.
وقف ستيفان امام كرسي اليس ، سألها:
-هل يعجبك هذا الشراب؟
لم ترد عليه وظلت محدقة بصحنها الملئ بالقريدس المحاط بالخبز والزبدة ، ثم قال:
-انظري الي.
نظرت اليه على مضض ، ولم تتمكن من معرفة مايدور في هذه النظرات المحدقة بها ثم قالت:
-ما رأيك لو عرف الجميع امك جئت بي الى هنا بالقوة؟
-لن يكون لكلامك اي صدى.
رفع كأسه ثم قال:
-في كل حال لاسبب للاعتراف بالامور للاخرين قلت لي بان اختك ستؤكد صحة اقوالك ، ومن جهتي انا سأفي بوعدي اذن.... الا تثقين بي؟
-اوه
عادت الى ذاكرتها الغرفة العاجية ، فكانه عرف ما يحزن في خاطرها، فقطب حاجبيه وقال:
-هيا ، لنأكل ولنحاول نسيان مايقرفنا... ولو لفترة قصيرة، في صحتك، يا اليسيا ، وارجوك ، نصيحة واحدة لو سمحت ، لا تقطفي التين قبل نضوجه.
-ماذا تعني ؟
-اليس واضحا ما اقوله ؟ في بلادي التين هو رمز الخصب ويجب ان تتركه لينضج.
احمرت اليس واجنت رأسها ثم راحت تأكل من صحنها بطريقة فوضوية فسألها:
-الم يسبق ان تذوقت القريدس قبل الان؟
-نعم
انحنى واخذ شوكتها من يدها وراح يساعدها على خلع قشرة القدريدس( الجمبري) القاسية ويقول.
-مابالك ياصغيرتي، ماعليك سوى خلع القشرة هكذا
-صحيح؟
-ليس ما تأكليه مسهلا للمعدة !
تذوقت القريدس المغمس بعصير الحامض فقال لها :
-حسنا ان طعمه جيد، كما ترين! اكملي وحدك الان!
عاد الى مكانه، بينما كانت اليس تتذوق فاكهة البحر كانت تفكر بالماضي عندما كان رهبان الدير يقطعون الخبز بايديهم ويأكلون حسائهم بانية من الخشب ... فقالت:
-الا تفكر بان هذا المنزل كان في الماضي مكانا للصلاة؟
-لماذا؟ عملت كثيرا كي اتمكن من شرائه، ولماذا تريدين مني ان اعيش هنا كالراهب؟ فالله هو الذي خلق المرأة ... وهو الذي اراد للمرأة والرجل ان يكملا بعضهما البعض... ولذلك اعطاهما الحب ... اليس كذلك؟
تذكرت اليس الحالة العاطفية التي حدثت لها في الزورق، حيث شعرت لاول مرة في حياتها بقوة الحب والرغبة.
ضحك ستيفان ثم اضاف:
-هل لديك رأي خاص بهذا الشأن؟
لم ترد عليه فاضاف يقول:
-انت تخافين من حقيقتك، ياليس، امل ان تتغيري في هذه الايام القلائل داخل الجزيرة.. اتركي نفسك تتملس بهذا الجو وانزعي عنك العقد والانحيازات والاراء السخيفة واركضي حافية القدمين على الصخر البري !
مثل تمارا، فتاة المصورة، العارية القدمين والشعر المنسدل الذي تلاعبه الريح...
-لاتخدع نفسك ، ياسيد كسندروس ومن الفتاة التي خطفها الى زورقك هي اليس شيلدون البريئة ذات النظارات والتي تنتظر ان تعود الى هدوء شقتها اللندنية.
نهضت وكأنها تريد ان تبرهن عن اقوالها ، فأمرها قائلا:
-اجلسي ، لن تذهبي الى اي مكان من دون اذني ..

6-كيف تتمكن اليس من تدجين هذا النمر الهائج ؟ انه يرى فيها صورة سواها وهذا وحده يكفي لاشعال غضبها وجنونها، الا ان مشاعر اخرى اخذة في النمو في قلبها ... تخيفها اكثر من اي شيء...
من صحة كلامك، بعدالذي حدث مساء امس؟
-ها انا سأشرب منها. انظري؟ آه ، انها لذيذة ، تماما، عليك ان تثقي بي؟
-ان نعيش معا! ارجو عدم المبالغة.
-بلى علينا ان ننام تحت سقف واحد . هل تريدينني ان انا في الزورق؟
-اتمنى ان يحدث لك . في كل حال انا هنا ضيفتك ولا اعيش في هذا المنزل.
-ليس هناك فرق شاسع بين ان نعيش معا وان نعيش تحت سقف واحد. ربما لغتي الانكليزية ليست صحيحة مئة في المئة.
-لا، بل تتقن اللغة الانكليزية بصورة جيدة.
-لقد درست المهنة الفندقية في انكلترا. وهناك العديد من اليونانيين يدرسون في بلادك المحاسبة، الدروس المصرفية ، مهنة الاسلحة، الخياطة..... وكل ما هناك من مهن اخرى .. في جزيرتي الكبيرة يمكن دراسة اي شيء... هذه الجزيرة التي ندمت على مغادرتا، اليس كذلك؟
-هذا الامر حقيقي وعليك ان تفهمه.
قال بسخرية:
-هل اليونان لمجيبك الى هذا الحد؟ تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا كلها ثروة غير متناهية... وفوق كل ذلك هناك الشمس . هل تريدين المزيد من القهوة؟
-نعم ، شكرا.
اقترح قائلا.
-لنتقل الان الى غرفة الاستقبال، المقاعد هناك مريحة وخاصة بالنسبة اليك وانت في هذه الملابس الضيقة.
عضت اليس على شفيتها وفضلت لو تأوي الى فراشها، لكنها فضلت طاعته لشدة انسارها بهذا اليوناني النشيط ، اليتيم الذي اصبح مديرت لعدةفنادق.
جلست على مقعد مريح وراحت تستنشق بفرح رائحة خشب الحور المشتعل والمنبثق من المدفأة ، كانت تحمل فنجانها بيدها ، وهو كان مستندا على المدفأة.
سألته:
-هل انت يوناني مئة في المئة؟
-لماذا هذا السؤال؟
-لا اعرف . العديد من اليونانيين فيهم دم تركي ، على ما اظن
-امي من جبال مقدونيا ، والشعب هنا يتمتع بطباع قاسية وشرسة . هل هذا التفصيل يكفي؟
-تماما
وبطرف عينيها نظرت الى هذا الشبح المرتدي السموكيغ العنابي، الشيء الوحيد العصري فيه ، الباقي كله موحش وشرس. ازاحت نظرها عنه لتتأمل النار في الموقد. قال لها وهو يشير الى صحن الحلوى الدسمة والعسلية؟
-بصراحة اجن بها.
-عندما اردت تأثيث هذا المنزل اشتريت يوما في المزاد العلني عدة كتب ووجدت بينها كتبا بالانكليزية لمرلف يدعى برتون. اذا كنت تحبين المطالعة لاشك بأنها ستعجبك. انها مجموعة من القصص الفكاهية والرسوم المؤنسة حول الحريم الشرقي. وما كان يجري هناك كان حقا رائع.
نظرت اليه اليس نظرة باردة وقالت:
-ولماذا تريدني ان استحسن الحريم التركي؟ اليس لديك موضوعا اخر للحديث؟
-هل تعتقدين، يا اليسيا، ان المرأة تحب العيش هنا في هذه الجزيرة؟
هذا السؤال حيرها ، فلم ترد ، ماذا يجري في دماغه؟ هل يعتبر نفسه القائد او الباشا؟
اضاف يقول:
-المنزل ينقصه دائما شيء، في غياب المرأة التي تمنحه الحياة، المرأة تشع بالحرارة وفرح العيش، وتغير الامور السخيفة لمجرد حضورها، الرجال يتمتعون بطاقة خلاقة، لكن النساء هن اللواتي يوقدن الشعلة.
ران الصمت وبداعلى مضض جلست في مقعدها وعيناها مشرثبتان غضبا.
فقال ستيفان :
-انا لا اصدق كلمة واحد مما تقولين... وانت ايضا ، في كل حال!
-انما هذه هي الحقيقة.
-لكنك تشوهينها.
-انت حقا انسان مقيت.
-دعك من هذا الكلام التافه، يا عزيزتي ... والان لنأكل طعامنا قبل ان يبرد.
قدم لها قطعة من لحم الخروف المحمر وبعض الارز والباذنجان المقلي
وقال:
-هل هذا مايكفي؟
نظرت اليه بغضب واجابت!
-نعم ،شكرا
- الا تعجبك ضيافتي؟
-ضيافتك؟ هل تمزح؟ انا لست هنا برضاي، كما تعلم!
ملأ كأسها وقال:
-ليتسي ملك الان، استرجي. وتصوري اني السيد الانيق والمضياف الذي لم يسبق ان شاهدت مثله في العالم كله، الاتحبين لحم الخروف؟
-لحم الخروف ،بلى
آه، لو انها اكيده وواثقة منه تماما، لكان ذلك ممتعا ورائعا ان تقضي في هذه الجزيرة المشمسة اسبوعا جميلا.
فجأة سألته:
-هل تأتي الى سوليناويا غاليا؟
-اتي الى هنا لمدة قصيرة، عدة مرات في السنة وذلك كلما سمحت لي الظروف ان اتخلص من دوامة الاعمال.، لكن النجاح يفرض ذلك...
.............................................كلما ربحت اموالا، كلما دفعت ضرائب عالية، وكلما اردت العمل للتخلص منها! انها دائرة مفرغة. احيانا افكر ان ابيع كل شيء لاتقاعد هنا نهائيا وازرع الحامض والمشمش، بامكاني ايضا ان احسن وضع البساتين والتين والزيتون التي تزدهر هنا من ايام الرهبان، لكن ليعيش المرء هذا النوع من الحياة، فهو بحاجة الى الشعور بالاستقرار و..السعادة...
-وليست هذه حالتك؟
-ربما تكون حالتك انت. لاتقولي بانك حققت كل احلامك!
تعرف اليس ماذا يقصد ستيفان بهذا الكلام . لكنها لن تحاول مرة اخرى الخوض في هذا النقاش. فسيعرف عما قريب انها لم تكن خطيبة دمسكينوس الفاسد.
ولتوضيح السؤال قالت:
-حدثني عن جزيرتك الان ، ياسيد كسندروس. لاشك انها روعة ان يملك المرء بعض الاراضي في بحر ايجيه.
وحتى نهاية العشاء دار الحديث عن سوليتاريا وما يمكن للجزيرة ان تقدم من تسليات. السباحة شرط تحاشي الاماكن الخطرة حمامات الشمس، تسلق الصخور. لنزهات بين اشجار الزيتون والصنوبر والحور تحت السماء الزرقاء... كان يصف جزيرته بشوق وحنان وتمنت اليس لو لم يكن ستيفان قد خطفها، بل لو كان صديقها، دعاها لقضاء عطلة جميلة في جزيرته الساحرة.
-هل تحبين قليلا من القهوة؟ ليس فيها اي مخدر!
-كيف بامكاني ان اتاكد المنزل صامتا. لاشك ان الخدم انسحبوا الى غرفهم واليس وحيدة كليا مع صاحب المكان.
قالت بصوت قلق:
-الوقت متأخر. اعتقد انه من ...
-هل تريدين النوم؟
صوته كان مليئا بالشغف وشعرت اليس برغبة قوية قوية في ان تنهض لتوها وتخرج من الباب هاربة الى غرفتها. لكن بامكانه ان يلتقطها بسرعة خاطفة . احتلها توتر غريب وقالت بصوت رشيق:
-نعم ، انا متعبة. هل تسمح لي با لانسحاب؟ حرارة النار توحي لي بالنعاس.
-وتخشين ان اضمك بين ذراعي مثل طفلة نائمة وان استغل الموقف ؟
غمزها بسخرية واضاف يقول:
-لكن هناك الثقة.
-ولماذا لا اكون قلقة وخائفة؟ انت جئت بي الى هنا بالقوة ولن تحررني الا بعد ان تتحقق من اقوالي ، اي بعد وصول جواب اختي
-اذا كذبت على اليسيا، فستدفعين ثمن ذلك غاليا... ربما تريدين كنت الوقت، املة ان ياتي احد لنجدتك... لكن تأكدي ان ذلك مستحيل ، لا احد رآني وانا احملك في مصعد الفندق، ثم الى سيارتي ولم يكن هناك انسان واحد في المرأفا عندما صعدنا الى الزورق.
-هل.. هل ستحررني حقا عندما يأتيك جواب اختي؟ انا لم اخترع القصص وانت تعرف ذلك ، اليس كذلك؟
-امل ذلك من اجلك .. والا... هيا، تعالي، سأوصلك الى غرفتك.نهضت ثم قالت:
-لا سبب لذلك ، سأجدها بنفسي، ارجوك ، لاتعذب نفسك.
-هل تخافين من ان الحق بك؟ انا مصر ان اكون حسن الضيافة، وليس لائقا ان اترك ضيفتي تصعد وحدها الى غرفتها.
ارتجفت اليس عندما لمست اصابع ستيفان ذراعها، وهو يقودها الى خارج الصالون، مصباح البهو كان مطفئا، فقط المصابيح الجانبية تلغي بلمعانها اخافت على السلم.
وحين وصلا امام باب غرفة اليس، توقف ستيفان من دون ان يتركها ، ثم قال:
-اتمنى لك ليلة سعيدة. امل ان يكون سريرك دافئا وعطرا كما اوصيت خادمتي بذلك. كما امل الا تشعري بالوحدة كثيرا، ياليسيا الصغيرة.
وللحظة قصيرة اشتكيت نظراتهما. الرغبة تشتعل في عيني اليوناني السوداوين ، وشعرت اليس جيدا بانه تكفي اشارة بسيطة من جانبها كي يتبعها ، فراح قلبها يخفق بقوة في صدرها ، من السهل تخيل ما يمكن ان يحصل فيما بعد... سيفك ستيفان شعرها المرفوع وسيغرق في بحر نظراتها الزرقاء الرمادية وسيتخيل انه يضم تمارا بين ذراعيه ...
لا... تركت يده بحركة جافة وتقلعت من الباب وفتحته ، ثم قالت بصوت لاهث:
-تصبح على خير .
ثم اغلقت الباب بعنف واستندت وراءه وقلبها يخفق بجنون وقدماها ترتجفان وخلف الباب سمعت انفاس ستيفان اليرسعة ، المهم ان يرحل من هنا، يالهي ، المهم ان يرحل! بعد لحظات بدت لها ابدية ! سمعته يبتعد عن الباب ، فاطلقت زفرة مخنوقة وارتمت على السرير متذمرة، حياتها الوحيدة الخالية من الحب لم يسبق ان اعدتها لمثل هذا النوع من الوضع المعقد ، البيرتا! لو كانت مكانها ، لتصرفت حسبما تقدم لها الظروف . اما اليس ، فجن جنونها...
ولسبب واضح ومعين ، لانها رأت فجأة في عيني ستيفان شعورا بالضيق ونوعا من الاستغاثة، اوشكت لثانية ان تضمه في ذراعيها كأم تؤاسي ابنها ، ناسية جلادها يريد فقط ان ينتقم منها.
يالهي، ماذا جرى لها؟ ماهذا الانجذاب الحسي الذي كاد ان يرميها بين ذراعي خاطفها؟ تجتاحها الان عاصفة من الانفعالات المعاكسة التي تنبع من دمها لتنصب في عروقها وكل انحاء جسمها الملتهب. نزعت الدبابيس من شعرها وتركته ينسدل فوق كتفيها .لم يسبق ان رأت من قبل رجلا تنبع منه رجولة قوية هكذا . اين تلك الفتاة الصغيرة الطاهرة، التي ترعرعت في ضباب انكلترا؟ من هي تلك السجينة الوحيدة، ضحية انفعالات لاتجرؤ على وصفها ؟ هل للحب، ايتها الفتاة الصغيرة الوحيدة ؟ الاتحلمين في الذوبان بين يدي رجل؟ لن يؤذيك ، ايتها الناعمة ، لكني استطيع ان ارجفك من الفرح.
-اذهب من هنا ودعني وشأني وكف عن شتمي.
-كنت اعتقد انني امدحك، الم ترددي على مسمعي مرارا بان الرجال لم يتفتلوا ابدا بك وانت مخبأة وراء كعكة شعرك ونظارتيك وملابسك المحتشمة!
وببطء متوتر داعبها بنظراته واضاف
-ربما لست جميلة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة ، لكنك تتمتعين بجاذبية سرية تذكرني بالازهار العريبة التي تحرسها الفراشات
-انا لا افهم ماتقوله...
- لا، ياعزيزتي اليسيا ، لا تدعيني اخذ نفسي مضطرا لوضع النقاط على الحروف ، انت في سن الرابعة والعشرين ، ولا اقدر ان افهم سذاجتك او تواضعك السخيف او تمثيلتك . انت تعرفين ، وانا اكيد من ذلك، بان الممثلين اليونانين يرتدون الاقنعه؟
-اليس كل واحد منا يرتدي قناعا؟ لمجرد الحذر والربية...
لم يرد انما نظر حوله ليرى تنورتها المرماه على ظهر الكرسي والجوارب على البساط قرب الحذاء. وعلى منضدة الزينة حيث تناثرت مساحيق الجمال وفرشاة شعرها.
اقترب من منضدة الزينة وتناول فرشاة الشعر ورأى اسمها محفورا عليها فقال:
-اتذكر فتاة كانت تسرح شعرها الكستنائي تحت فرشاة الى ان ينسدل كالحرير على كتفيها .
رفع نظره وحدق باليس ، الجامدة والمرتابة ، الى اين يريد الوصول ؟
-انك تشبهينها ببعض الملامح ، لكنها كانت فتاة منفتحة ، عفوية وصادقة ...
-انا... انا اكيدة انني لا اشبه ابدا الفتاة التي احببتها ! لا شك ان خطيبتك كانت يونانية مءه في المءة . اما انا ، فانني عانس انكليزية محض...
هز رأسه وقال:
-كلا .
اقترب منها خطوة وغريزيا رجعت الى الوراء فقال:
-... بقميص ذي اكمام واسعة ، وتنورة محزمة وشعر منسدل...
صرخت بقوة:
- لا ! انا لست تمارا ! دعني وشأتي... انا اليس شيلدون ولست واحد اخرى ! لاتطلب مني ان ابعث شبحا ... دعني وشأني والا اصرخ!
- فقدت السيطرة على نفسها وظلت ترجع الى الوراء حتى تعثرت بكرسي صغير وسقطت على الارض محدثة ضجة مخنوقة.
وفي الحال ركع ستيفان قربها وحملها واضعا رأسها على كتفه وراح ينظر اليها بقلق. كانت غائبة عن وعيها ، فقال لها:
-لقد اذيت نفسك ايتها الحمقاء الصغيرة؟
وبصوت مرتجف ومتقطع قالت:
-لقد .. لقد اخفتني ، تصورت انك تمد يدك اليها ... الى تمارا اعرف انك حزين لفقدانها ، لكن ماذنبي انا ، فانا لا استطيع بعثها من اجلك . لا يمكنني الا ان اكون نفسي انا ...
-ان تكوني اليس كذلك؟
بنعومة راح بذلك الكتف التي سقطت عليه . كانت يده ساخنة وقوية على بشرتها . وهي تشعر بين يدي ستيفان بانها امرأة مليئة حرارة وحياة... وضعها على السرير وانحنى فوقها واضعا اصابعه في شعرها ومحدقا مطولا في وجهها القلق.
واجتاحتها رغبة قوية في ان تضع ذراعيها حول عنقه وتضمه اليها . يالهي ، اصبحت حقا مجنونة ! ... لا تريد ان تتصرف مثل البيرتا التي ما عرفت في حياتها الفرق بين ارغبة والحب ...
تراجعت قليلا فنهض في الحال ونظر اليها وسألها في حيرة:
- من انت ، ياليسيا؟ تريدين الزواج قبل اي شيء ، اليس كذلك؟
وقبل ان يتسنى لها ان ترد عليه ، ادار ظهره وفتح الباب بعنف ، تردد لحظة على العتبة ثم اختفى من دون كلمة صافقا الباب وراءه.
ظلت لحظة ممدة على سريرها وانفاسها السريعة تخفق في قلبها ماهذا التلميح للزواج الذي صدر من فم ستيفان؟ هل وجدته مريرة الى درجة انه يفكر بزواج مصلحة؟
الزواج من ستيفان كسندروس ومن بدأت هذه تفكره تأخذ طريقها ببطء الى عقلها . فجأة نهضت وجرعت الشراب العطربنهم ، ثم وضعته من جديد على الطاولة وهناك لاحظت كتابا ، فتحته ، كان عنوانه " الحريم " لبورتون.
راحت تقلب صفحاته ببطء والدم يرتفع الى وجههاوهي ترى الصور في داخله ، انها رائعة وغزلية حتى الجنون.
وبحركة جافة اغلقت الكتاب ووضعته على الطاولة . ثم تمددت في سريرها وقلبها ينبض بانفعال رهيب ، تنهدت بعمق وهي نصف نائمة وتخيلت نفسها من جديد بين ذراعي ستيفان واستسلمت لمخيلتها هذه المرة بسهولة وحذر.
7/ أليس ترتدي بزة السباحة وتنزل في البحيرة متجهة نحو المركب ... هناك يحاول ستيفان اغواءها من جديد ... وفي طريق العودة سباحة يتبعهما تمساح كاذ ان يقضم ستيفان ... لو كانت وحدها لما نجت !
شعور غريب ان يستيقظ الانسان في سرير مجهول.. انتفضت اليس ونهضت بعصبية، عاقدة اليدين على الشراشف ومحدقة بالايقونة التي نصبتها اشعة الشمس . كم هي بعيدة عن شقتها العارية المغلفة، جدرانا وارضا ، باللون البيج الباهت! قفزت من السرير وارتدت مئزرا خفيفا وخرجت الى الشرفة لتتنشق هواء الصباح المنعش، فرأت ستيفان واضعا على كتفه منشفة ويتحدث مع رجل عجوز حاملا المجزر الذي يقطع العشب. وبعد قليل اختفى ستيفان وراء قنطرة، ربما لاخذ حمام صباحي .
مسكت بشدة بدرابزين الشرفة وتساءلت ، لماذا لم يقترح عليها مرافقته؟ كان الصباح رائعا ولضوء خافتا بعض الشيء ، وراء سحابة حقيقة اتية من البحر في الحدائق ، المليئة بالاشجار البرتقال والحامض والاكاميا والزعرور والياسمين ، تزقزق العصافير بقوة ووراء اشجار الصنوبر التي يلاعبها النسيم الخفيف ،كانت ترى زرقة البحر الزمرية.
يالهي، كم هذا مثير وشديد الاغراء ! لم لا؟ لقد قال لها ستيفان ان تعتبر نفسها ضيفته، هي تحب السباحة وليست مثل البيرتا ، تذهب الى البحر ، فقط من اجل عرض بزتها الجديدة...
ارتدت بسرعة بزة السباحة البيضاء ، وانتعلت صندلا ملونا. لم تجرؤ عن اخذ المصعد وحدها، فنزلت من التلة ، في الطريق الصخري واضعة منشفة زرقاء على كتفيها، توقفت لحظة على الساحل وخبرت بها رائحة الصنوبر. الامواج ترتطم بالصخور فيتطاير الزبد الكثيف.
لم تنس اليس تحذيرات ستيفان حول وجود التماسيح في البحر ، لكنها ستسبح هي بحذر ومن دون خوف ، الم يكتب اوسكار وايلد مرة ان الخوف قلقل الوجود؟
الخوف من التماسيح... ومن يوناني شرير ... كل ذلك جعل قلب اليس يخفق بسرعة جنونية ,.. وما ان وصلت الى الشاطئ حتى رست بمنشفتها على اغصان شجرة التمر الهندي وخلعت حذاءها وركضت نحو الساحل .. دخلت الامواج .. دخلت في الفاتر بلذة كبيرة وتركت نفسها تتأرجخ داخل الامواج ، ثم غطست وسبحت في عرض البحر باتجاة الزورق الراسي على بعد بضعة مئات امتار من هنا.
يالهذا الهدوء الرائع ، وهذه النعومة وهذا السكون !
حاولت جاهدة ان تفرغ راسها من كل الهواجس والاوهام وتستمع بعذوبة الهواء وروعة المياة، لكنها لم تحمل . كانت ترى من جديد حياتها الرتيبة في لندن، بحيث العمل كثير والتسليات نادرة. ثم تذكرت حادثة خطفها الى هذه الجزيرة النائية ، على يدي يوناني عديم الذمة... من المستحيل ان تطرد من رأسها مشهد مساء امس...
لاشك ان ستيفان سخر منها عندما حدثها عن الزواج .. هل فقد عقله؟ لمجرد التأكد من الشبه الغريب بينها وبين خطيبته الراحلة؟
ظلت تسبح والافكار تطاردها من تحت المياة العذبة . وفجأة انتفضت لادراكها المسافة القليلة التي تبعدها عن الزورق . قررت العودة الى الشاطئ . لكن فات الاوان، اذا سمعت صوتا يقول:
-اياك من الزورق!
مسحت عينيها ورأت ستيفان مستندا على داربزين السفينة.
اضاف يقول:
-ها، ها، هل جئت للقاء الذئب الكبير الشرير؟
هزت رأسها سلبا، فاكتفى بالضحك ثم رمى في الماء سلما من الحبال، ترددت وهي تسبح فقال:
-هيا، اسرعي والا ستجذبين التماسيح!
اطاعته وصعدت الى السلم ، فرافقها الى سطح الزورق. وفي ابتسامة ساخرة لف ذراعية خصرها وضمها اليه وقال:
-لو عرفت انك تحبين النهوض باكرا لاقترحت عليك ان ترافقيني . هل نمت جيدا؟
قالت بصوت بارد ومتوتر:
-جيد جدا ، شكرا.
-هل تمكنت من النوم بسرعة؟ من الصعب احيانا النوم بسهولة في سرير جديد . هل تقلبت كثيرا في فراشك؟
-كلا ، ابدا .
-كانت تعرف جيدا ان اهتمامه لم يكن الا ظاهريا ، ثم اضافت تقول:
-كنت مرهقة، وما ان وضعت رأسي على الوسادة حتى نمت كالقتيلة.
رفع حاجبيه بسخرية وقال:
-كنت اتصور بأنك من النساء اللواتي يقرأن قبل الذهاب الى عالم الاحلام:
-لكن هذا غير وارد عندما اكون متعبة.
لاتريد ان تصرح له انها رأت الكتاب الموضوع على الطاولة قرب سريرها ، قالت:
- عندما لا اتوصل الى النوم ، اقرا قصة بوليسية.
- -كنت اتصور بان النساء يحببن قرأة القصص العاطفية، اي قصص الحب والنهاية السعيدة؟
- بالنسبة الى فتاة عانس ، الكتب البوليسية تمنحها هربا ومخلصا غير سيء، الحب الابدي في ديكور ساحر... وقصص الحب...
- والحب الكبير ، امور لا اؤمن بها...
- ضمها اليه بشدة وقال:
-اشعر برغبة في ان ابرهن لك عكس ماتقولين ، واجعلك تصرحين لي بأنك قلبت صفحات هذا الكتاب...
احمرت بعنف وقالت:
-انا ... الاتخجل من اقتناء كتاب كهذا، ثم وضعه في متناول الجميع!
-لايوجد في هذا المنزل اولاد، يااليسيا... اي في الوقت الحاضر. لايوجود هنا الا رجل... وفتاة ناضجة في الرابعة والعشرين من عمرها . حان لك ان تتعلمي الا تخجلي من اشياء الحياء ، يا ايتها الطاهرة الصغيرة... تحبين ان تدعي البحر يداعبك ... اذن لماذا لا تسمحين لي ان افعل كالبحر؟
-انت تعرف كيف تسخر مني، اليس كذلك؟ اتركني ، ارجوك.
-لماذا جئت الى الزورق، اذا لم يكن في نيتك ان تكوني وحدك معي؟
لم ترد ،فاضاف يقول من دون ان يبعدها عنه:
-هل جئت الى هنا لاقناع الطاهي ان يعيدك الى اثينا؟ وماذا ستقدمين له اتجاه هذه الخدمو؟ هذا الجسم الجميل النحيل الذي يرتجف تحت اصابعي؟
قالت بذعر.
-كيف تجرؤ على قول هذا الكلام البذئ؟ هل تتصور لحظة بانني سأتزوج من رجل كريه مثلك!
-ابعدها عنه فجاة ، فأحست بارتجاف في قدميها، وكادت ان تسقط لكنها تمسكت بالدرابزين ، لا تجرؤ على النظر اليه ، فقال بصوت هادئ:
-هل اهنتك، اذ رغبت في الزواج منك؟
كان متوترا وغاضبا وهو ينظر الى المياة الجامدة، فقالت:
-لاشك انني فتاة غير عصرية وذات نظرية قديمة، لكنني امن بالحب وبالحب المتبادل.
-وتخافين الانطلاق في المجهول؟
بلعت ريقها وقالت:
-طبعا.
فقال ساخرا.
-هيا ، لا تتدعي بالبراءة ، فالجواب على البرقية سيوضح لي في ما اذا كنت تمثيلين علي ام لا . في كل حال ، ايقظت في مشاعر كنت احاول جاهدا خنقها. انت تعيشين في انكلترا حياة ضيفة ومن دون قائدة . اذن لماذا لا اطلب منك ان تحبيني حتى العبادة. لكنني اريد منك الاخلاص . بالنسبة الى اليونانين، الزواج شيء مقدس
كانت نبرة صوته جافة وخالية من اي حرارة وحنان ، انه يقترح عليها صفقة بسيطة ، حدقت اليس فيه بنظرة ضائعة . هذا الرجل لا يحبها ولن يحبها ، لا يرغب الا بشيء واحد وهو ان يجد بين ذراعي اليس قليلا من تمارا المرأة التي احبها من كل اعماقه.
شعرت فجأة برغبة ملحة في التخلص منه والهرب ، فلن تدعه يقنعها بأن الانجذاب الخارجي بامكانه ان يحل مكانه الحب القوي الذي حلمت به كل حياتها، صحيح ان اليس تشعر بوحدة غريبة، لكن ذلك ليس سببا لتقبل عرضه الغريب والخطر.
ومن دون تردد غطست في البحر وابتعدت عن الزورق كأن الشيطان يلاحقها. بعد ثوان سمعته يتبعها . كانت اليس سباحة ماهرة، لكن ستيفان رياضي كبير.
بعد قليل اقترب منها فصرخت باعلى صوتها.
-لاتحاول ايقافي!
-هذا ما لا انوي فعله.
اكملا السباحة بعزم وعلى بعد 400 متر من الساحل ، لاحظت اليس انه يبطئ وهو يسبح وراءها. وفجأة امرها بصوت هادئ:
-والان اسبحي بسرعة قدر المستطاع ولا تخافي ، تصوري انك في صدد الحصول على ميدالية ذهبية.
القت نظرة خاطفة اليه للاستفهام وفهمت انه لا سبب في ان تسأله لماذا طلب منها الاسراع ، لانها رأت على بعد امتار وراءهما زعانف تمساح ، فاحتلها الخوف وشلت لحظة، فأنتبه ستيفان لحالها .
فاقترب منها وهزها قائلا بصوت ملح:
-اسرعي ، لكن بنعومة ، انا سأتبعك
كان ستيفان يتبعها وقدماه الطويلتان معرضتان لفم التمساح الذي وراءهما ، بحياتها لم ترى اليس انسانا يتصرف بشجاعة مترفعة دون مبالاة بحياته كانت تبكي بعصبية وهي تسبح بكل قواها ، كلما اسرعت ، كلما كان ذلك افضل لستيفان الذي كان يحميها من التمساح ، مجازفا بحياته، يالهي شرط ان يصلا الى الساحل قبل ان تنغلق اسنان الحيوان على قدمي ستيفان.
صرخ ستيفان قائلا:
-تحلي بالشجاعة بضعة امتار و ننجو
ولما خرجت اليس من الماء كانت فاقدة الانفاس . ارتكت على الرمال وهي تنتفض ارتعاشا، في الهواء الساخن كل شيء يبدو خانقا، ولما استعادت انفاسها رفعت عينيها نحو مخلصها الواقف قربها بشعره المبلل الذي يقطر على وجهه والشمس تلمع على كتفيه العريضين المبللتين.
قال وهو ينظر اليها.
-السماء كانت معنا ، ربما هذا التمساح لم يكن جائعا . لكن هذا السباق يستحق ميدالية.
اشتبكت نظراتهما وبحركة سريعة اوقفها وضمها بشدة اليه وراح يعانقها وهي تعانقه بشغف، وهذا مايحصل لها لأول مرة، ثم دفعها فجأة وقال:
-الخطر بامكانه ان يحرر المرأة من الغرائز المكبوتة . حافظي على فضيلتك يا اليسيا الصغيرة، لن استغل اي لحظة ضعف تأتي منك.
باضطرابنظرت اليه مطولا . ثم ازاحت نظرها خوفا من ان يقرأ داخل افكارها. فقالت له بصوت متقطع:
-تسبح جيدا كالابطال كان باستطاعتك وبسهولة ان تتركني ولا احد يعرف ماجرى حتى ولو ابتلعني التمساح
-لا احد، بالفعل، لندخل الان الى المنزل ونأخذ دوشا ونتناول الفطور، تعالي.
تقدمته وحين وصلت قرب شجرة التمر الهندي ، تناولت اليس منشفتها ومدتها اليه كي يلف جسمه ، فقال بجفاف:
-شكرا ، هل بادرتك للحشمة او عناية بي؟
-انت تعرف جيدا ولا سبب للسخرية، اعتقد بأنني لا اتصنع الحياة
-امل ذلك، ياليسيا، من اجلك انت.
ادخلها الى غرفة المصعد وهي ترتجف من لمسته.
-لاتنظري الى نفسك بخفة، ياليسا، بحجة ان اختك جميلة وتلفت الرجال، الجمال الحقيقي عند المرأة هو القدرة على الحس بالاشياء بعمق.
-نعم ، الجمال ليس كل شيء.
وراح يداعب عنقها ويهمس قائلا:
-حسب رأيك ، ماذا يطلب الرجل من المرأة؟
-ان تكون مبهجة ومنفتحة وقابلة للتأثر لمديحه.
-ارى انك فكرت جيدا بالسؤال!
-لو لم يكن لديك سببت وجيها للتعرف الى اليس شيلدون لما لفتت نظرك فتاة مثلي باهتة نزلت في فندقك.
امسكها بخصرها وهزها وقال:
-لكن المرأة ليست قبيحة الا عندما تكتم عواطفها وتخبئها كالمجوهرات النادرة! لقد اسدلت شعرك، ذلك المساء وخلعت نظارتيك. لأي سبب؟ هل فعلت ذلك لمعرفة ردة فعل الخادم الذي يدخل الى غرفتك؟
-كلا!
-كذبة بسيطة! لقد استحميت وتعطرت وارتديت ثوبا خفيفا شفافا هل فوجئت لدهشتي؟
كنت تريدين ذلك. كنت تريدين تجربة اسلحتك . اعترفي بالامر!
-ماتقوله خطأ . لقد اشتريت هذه الملابس الجميلة وشعرت برغبة في ارتدائها.
-لتشعلي قلوب الخدام ، وفي غرفتك ايضا ! آه ، انه خبث المرأة التي تتصرف في الظاهر كانها محاطة بحاجز مكهرب.
هذه القسوة الرهيبة جرحتها عميقا، وعبر ظل حزين في عينيها البحريتين . فارتعشت لا اراديا . فابتعد عنها وفتح باب المصعد .
ولما دخلا البهو التقيا بكاثرينا التي لم تخف دهشتها لرؤية ستيفان لافا جسمه بمنشفة . فقال لها ببساطة:
-كنا نسبح . ستأخد الانسة شيلدون فطورها في غرفتها . فأجلبي لها شيئا مريحا وقهوة ساخنة . لاشك انها جائعة لشدة الانفعال ، لقد التقت للمرة الثانية في حياتها بتمساح. ولحسن الحظ ان هذا التمساح لم يكن راغبا في قضم شبء باسنانه....
حبست اليس انفاسها ورمقها بنظرة غامضة قليلا:
-اصعدي الى غرفتك وخذي حماما ساخنا واسترخي ، سأراك
بعد ساعة واخذك في زيارة في ارجاء المكان.
-جيدجدا ..ز وشكرا.
-ياليسيا، انت لاتعرفين مقاومة انفعالاتك ، لو قررت البقاء على متن الزورق ، لسبحت باتجاة التمساح دون ان تريه ، انت ضعيفة النظر لا تنسي...
كانت اليس متوترة ولا ترغب في مناقشته ، فصعدت الى غرفتها وقدماها ترتجفان. لكنها شعرت بفرح لهدوء غرفتها ... وهدوء افكارها...
استحمت وهي تدير تقلب راسهاالمشكلة التي لا حل لها . فجأة ادركت امرا مهما ، لماذا رمت حالها خارج الزورق لو لم تكن تشعر بأن مقامتها بدأت تضعف، هذا الرجل اليوناني ايقظ فيها عالما واسعا من الاحاسيس التي كانت تجهلها.
ومرة اخرى تساءلت اليس فيما اذا كان سيسمح لها ستيفان بالذهاب متى جاء رد البيرتا مؤكد انها لم تكن ابدا خطيبة ايونيدس دمسكينوس.
ارتدت فستانا خفيفا من القطن المقلم بالاخضر والابيض ورفعت شعرها لئلا تشعر بالحر ، ثم جلست على الشرفة بانتظار فطورها.
وبعد دقائق دخلت هيلدا حاملة صينية الطعام، في عيني الخادمة فضول واضح. لاشك ان خالتها اخبرتها بان رب المنزل عاد من الشاطئ برداء خفيف، هذا يعني ان بينه وبين الفتاة صداقة حميمة...
سألتها هيلدا وهي تسكب لها القهوة الستخنة:
-آمل الايكون التمساح قد اخافك كثيرا يا انسة؟
جلست اليس امام الخبز المحمص والفجة المعطرة وقالت:
- لحسن الحظ ،لم اكن وحدي عندما ظهر التمساح فجاة ، والا لشعرت بالدعر ولفت انتباه هذا الحيوان الكريه ، كان علي ان احافظ على برودة اعصابي والا اضطر السيد كسندريوس ان يصرعني بضربه على راسي.
- بدات تفهمين رجال بلادي .
- هل تعني بذلك ان على النساء الانحناء امام الرجال؟
- في الحقيقة ، لا ترغب النساء الا ذلك ، لماذا لا تترك للرجال حرية ادراتنا؟ انهم الاقوى ، لكن دور المرأة ليس اقل اهمية ، بل هو مختلف وحسب ، الطبيعة تعرف ما تصنعه.
- ابتسمت اليس وقالت:
- -في كلامك حكمة كبيرة. لكن ليس على المرأة الخضوع للرجل كليا ، فهي متساوية معه ولسيت عبدته.
- على المرأة ان تشعر الرجل بانها سعيدة في الارتكاز عليه ، يا انسة.
اجابت اليس بزفرة صغيرة:
-لم يحدث لي ذلك ابدا ، هل انت مغرمة ، ياهيلدا؟
-نعم ، انا مخطوبة.
لمعت عينا الخادمة اليونانية واضافت:
-كان عمري 15 سنة عندما تواعدنا على الزواج ، الياس يعمل في الخارج ، سنتزوج عندما يحصل على المال الكافي لبناء منزلنا .
-هل انت مشتاقة اليه.
-آه، كثيرا ، يا انسة ، البعد قسوة ، لكننا مصران على بناء منزلنا قبل البدء في تأسيس عائلة. نحب بعضنا ونفضل ان نتظر ان ينضج التين قبل قطفه .... فيصبح حلوا كثيرا.
بعد ذهاب هيلدا فكرت اليس بموضوع الحديث الخاطف بصدق وبالحاح ، نعم، الطبيعة تعرف ما تصنعه، كانت اليس معجبة بالجمال، والفلك كانت تستمتع بكل احاسيسها بعظمة الجزيرة ونقاوة الهواء البحري وحفيف النسيم في الصنوبر، وبارتجاج الضوء على الازهار الغامقة.
وكل هذا الجمال الساحر... لاي سبب؟ ولمن؟ بالنسبة الي ستيفان التين مازال اخضر وتمارا ماتت. ولم يعد قادرا على العيش وحيدا... مثل اي انسان يريد الزواج وانجاب البنين... لكن، بالنسبة اليه ، الحب غير وارد ، استرخت اليس في مقعدها وفي ذهنها تدور الحوادث التي حدث في الصباح . مازالت ترى كيف عرض عليها ستيفان الزواج ... الصفقة...
يأمل حقا في اقناعها ؟ ومن جهتها هل ستتمسك كل حياتها بالحلم الذي يتوق الى حب قوي ؟ منزل كهذا ... وزوج كستيفان كسندورس ... وجزيرة نائية هادئة .... امور تدعو الى التفكير ...
وماذا اذا كان لا يحبها ؟ وهذا لن يمنعه من انجاب البنين / فكرت بعناقه ، فاجتاحتها رعشة حلوة ، عبرت في كل انحاء كيانها .
لكن هل بمكانها ان تتحمل وجود ظل تمارا في هذا المنزل كتهديد مستمر ؟ لن تحصل على قلب ستيفان ابدا
كلا ، هذا الزواج غير وراد ، وعليها ، عليها ان تنتهي اقامتها في الجزيرة ، المقاومة قدر المستطاع ضد الانجذاب الذي تشعر به اتجاه ستيفان . لا شك بأن حياة وحيدة موحشة بانتظارها . لكن ذلك افضل بكثير من تقمص شخصية فتاة ميتة.
راحت تذرع الشرفة بخطوات عصبية . مادام لايحبها ، فلت تتزوجه . ستعود الى لندن وهو لن يتأخر في ايجاد فتاة من جنسه ، فتاة بسيطة وغير متطلبة.
اسندت ظهرها الى الدابزين مانحة وجهها للشمس . كل كيانها يتوق الى حب قوي متبادل ولن تهمل ابدا حلمها .
8-
بين الطقس الصافي و العاصفة وجبة عشاء كشف خلالها احد أبناء عم ستيفان حقيقة مؤذية حول تمارا. وكانت أليس تشعر طوال الوقت انه تلقى الرد من شقيقتها لكنه يكتمه...

الطقس صاف ولا ريح في الأفق. رائحة الصنوبر الزكية تعبق في الجو الحار و السماء تتوهج فوق الصخور الحززة. النوارس تحوم فوق الماء مطلقة اصواتها الحادة.
ويوما بعد يوم يزداد تأثر أليس بهذا المنظر الرائع وحماسها لهذا الجمال الخارق. فلا تمل لحظة من تنشق رائحة الازهار العطرة التي تفوح من شجر الليمون و الزيتون و الصنوبر.
وخلال اسبوع تمكنت اليس من اكتشاف ابعاد واعماق هذا الدير القديم: بيوت المؤن في السقفيات الزوايا الغربية والتي تصل بالشرفات الصغيرة تطل على البحر بمناظرة الخلابة المتنوعة اما خزائن المطبخ الشاسع المبنية من البلاط الأحمر الغامق فكانت مليئةبمحتويات ومنتوجات الجزيرة: زجاجات الشراب و المربى والأوعية الزجاجية التي تحتوي على الفاكهة المجففة و الخضرة على أنواعها.
كما كانت أليس تعشق ايضا التنزه في الحدائق المحاطة بالجدران الصغيرة المتصدعة وفي المروج مزيج من الألوان : زهر اللوز الأبيض وزهر الرمان الأحمر و الفستق الوردي... وتحت الحجارة و الحصى تنبت الأزهار و النباتات التي تتراوح الوانها من الزهر العاجي الى الازرق الغامق مرورا بالأحمر الغامق و البرتقالي الناري.
في هذه الجنة الغربية يتوصل الانسان الى الايمان بالاساطير الخرافية. الم تظهر افروديت من الامواج و الزبد لا ترتدي سوى شعر ذهبي؟
خرجت أليس الى الشرفة ورفعت نظرها نحو السماء المخططة بالأحمر الاقحواني. كانت شمس المغيب مصبوغة بالأحمر وتنعكس على ثوبها الحريري الأخضر المخرم. في الجو الثقيل تفوح رائحة الصنوبر و الطحالب البحرية. ارتعشت لرؤية السماء التي تنذر بعاصفة. فهي قلقة ربما لأن الزورق ابحر اليوم لاستلام الرد على البرقية التي ارسلها ستيفان قبل ايام معدودة. فسيعرف عما قريب اسم خطيبة دمسكينوس الحقيقي وسيضطر للسماح لها بالرحيل.
فجأة ارعدت السماء معلنة بدء العاصفة. السماء و البحر اخذا لونا واحدا وهو الأحمر البرتقالي. الشمس اختفت وراء الغيوم السوداء الكثيفة. تهيأ لأليس ان الأرض ترتجف تحت قدميها... ام هي ترتجف لمجرد التفكير بما سيكملها به ستيفان بعد ان يستلم برقية البيرتا؟
آتية ادركت أليس سبب توترها. ففي الجزيرة لا يشعر الانسان بمأمن من الخطر. قررت التوجه الى قاعة الاستقبال . في المدفأة يشتعل باستمرار حطب الحور العطر. ربما تشعر هناك بالدفء و الاستقرار.
وقفت جامدة مكانها فجأة في منتصف السلالم اذ رأت الثريا النحاسية تتأرجح فوق رأسها كجرس صامت ضخم. امسكت طرف تنورتها الطويلة وهبطت السلالم الباقية كأن حيوانا مفترسا يتبعها.
وصلت الى الطبق الأرضي لاهثة فاقدة انفاسها.
واذا بها تسمع صوتا. فظهر ستيفان في الحال من الباب المقنطر . لم يكن وحده بل يرافقه احد ابناء عمه ويدعى الكسندر كسنروس المسؤول عن المحاسبة في سلسة الفنادق التي يملكها ويديرها ستيفان نفسه.
جمد الرجلان لدى رؤية أليس في هذه الحال من ضيق النفس فقالت بصوت لاهث:
- انظر انظر ما يحدث.
وباصبعها كانت تشير الى السلم. لكنها لم تصدق ما رأت كانت الثريا جامدة كجمود الحجر. هل كانت تهلوس؟
سألها ستيفان:
- عماذا تتحدثين؟
- رأيت الثريا تتأرجح بشكل يدعو الى القلق و... و.... وتصورت ان هزة ارضية وقعت.
تقدم الكسندر بضع خطوات ورفع عينيه ثم التفت بأليس بابتسامة لطيفة وساخرة وقال:
- لا شك ان ذلك من صنع مخيلتك. كنت اقول دائما لستيفان ان هذا المنزل في الليل يعطي انطباعا بانه مسكونا. وذات مساء رأيت في الممر ظل راهب يلحق بي!
عضت أليس على شفتيها ورمقت ستيفان بنظرة سريعة. لما رأت فمه المشدود وعينيه القاسيتين فضلت عدم الاصرار وقالت:
- هناك على الاقل عاصفة ألي كذلك؟ ولا يمكنني ان اكون مخطئة هنا. غياب الشمس كان منظرا رائعا. رأيت البرق وسمعت الرعد.
وافق معها الكسندر اذ قال:
- نعم السماء مشتعلة.
قال ستيفان وهو يحدق بأليس:
- ربما يكون نهار غد يوما لن تنساه.
راح قلب الفتاة يخفق بضربات سريعة. وتأكد لها ان ستيفان حصل على رد البيرتا الذي لا شك يؤكد اقةالها. مظهر ستيفان القاسي لا يمكن ان يعني سوى شيء واحد: خاب امله من تحقيق الثأر وسيضطر ان يفي بوعده ويطلق سراحها.
اقترح ستيفان وهو يتوجه نحو الصالون قائلا:
- لنأخذ شرابا الآن.

ولما دخلت أليس امامه الى قاعة الاستقبال راح ينظر اليها بتفصيل ثم قال:
- انت رائعة هذا المساء يا اليسيا... ومن يراك يعتقد انك ارتديت هذه الملابس الانيقة للاحتفال بشيء كبير...
رمقته أليس بنظرة سريعة. ما باله هذا المساء ؟ لماذا هذه النظرة التهيديديه؟ عليها الحذر.
ابتسم الكسندر وقال:
- هل المرأة بحاجة لحجة او لسبب كي تبدو بمظهر جميل؟ لو لم تتمتع المرأة بشيء من النرجسية لكانت حياتنا تافهة نحن الرجال. لا تدع جو الدير يؤثر بك حتى العدوى ياستيفان!
- ليس هناك اي خطر ياصديقي!
قدم ستيفان الشراب وجلست اليس في مقعد مريح وتساءلت:
لماذا ارتدت ملابسها هذا المساء بشكل انيق كأنها تستعد لسهرة كبيرة؟ ولماذا رفعت شعرها كعكة معقدة؟ للاحتفال برحيلها من سوليتاريا؟ اذا حصل ستيفان على جواب البيرتا ستكون هذه الليلة ليلتها الاخيرة على الجزيرة. ربما تعود غدا الى أثينا مع الكسندر.
كان ستيفان مستندا الى المدفأة وفي يده كأس . فقال الكسندر ملاحظا:
- أصبح هذا المنزل مريحا جدا ياستيفان. انا شخصيا لا احب العيش في دبرة قديم. يجب ان يكون الانسان عاطفيا لينطل في مهمة كهذه. أفضل ان اقتني شقة حديثة في وسط العاصمة.
- انت دائما تتحلى بالذهن العملي. لا اعتقد ان اليس تشاطرك الرأي. فهي تعتبرني قرصانا أليس كذلك با أليسيا؟
- للنجاح بالمهنة كالتي تمارسها لا يكفي ان كون الانسان مهذبا! بل سفاحا على ماأظن.
ضحك الكسندر وقال:
- انت مخطئة. نعم يجب ان يكون الانسان عنيدا ليصبح سلطانا في الفندقية. لكنني اندهش كيف لم تكشفي التاحية العاطفية عند ستيفان انت الرسامة الفنانة. لا تبدين كالسياح الوقحين الذين يحتلون بلادنا. بعض النساء يرتمين باحضان الرجال من دون حشمة وحياء. ولا اعتقد انك من هذا النوع يا أليسيا... والآن قولي ما هي جذور اسمك الرائع؟
- في الواقع انا ادعي أليس... لكن ستيفان يجب ان يدعوني أليسيا المرادف اليوناني لأليس. ولا ارى اي سبب في ذلك ما دمت انكليزي ونصف ايرلندية.
- آه ولهذا السبب اذن عيناك زرقاوان خضراوان ورماديتان في آن واحد... او بالاحرى عيناك بحريتان... لانهما تشبهان الوان البحر...
توقف عن الكلام فجأة كأنه كان يريد ان يقول شيئا وعدل عنه. لكن أليس عرفت انه يريد ان يذكر لها شبهها الغريب بتمارا. ثم قال مبتسما:
- ان عينيك رائعتان حقا. تشبهان لون البحر في مختلف مراحله... مارأيك بهذا المنزل المبني على صخر وكأنه يشبه النسر؟
- انه منزل غريب وموحش. لقد قمت ببعض الرسوم عن المنطقة لأخذها معي كذكرى.
سألها ستيفان بصوت متعجرف:
- هل كانت اقامتك حقا لا تنسى؟ انا فرح لأنك تحملين ذكرى هذه الجزيرة معك. هل رسمت سيد المكان للمناسبة نفسها؟
- لم استطع رسمك كما يجب.
نعم هذا صحيح كلما حاولت كلما حاولت أليس رسم وجهه كانت يدها ترتجف و النتيجة بدت رهيبة. أليس تملك الموهبة لرسم الوجوه ذي الملامح المتعلقة و الشفاه الساخرة وعمق نظراته الحالمة و الحزينة؟
قال الكسندر:
- في نظري ليس صعبا رسم صورة ستيفان هو الذي يتمتعبملامح ظاهرة.
هزت أليس كتفيها وغيرت الحديث وقالت:
- هل كنت تقول الآ بأنك تفضل العيش في المدينة؟ انا اعيش في المدينةسألها الكسندر بريبة:
- هل تحبينهذا النوع من الحياة ياأليسيا؟ الظاهر انك لا تحبين الرفقة مثل ستيفان هل انا مخطئ؟
اجاب ستيفان ببساطة:
- الذي يسمعك يعتقد بأنني لست رجلا اجتماعيا . لكنني اعمل كثيرا وليس لدي الوقت للخروج.
- اعتدت على سماع هذا الكلام منك يا ستيفان انه عذره الوحيد و الدائم!
اكتفى ستيفان برفع حاجبية فصرخ الكسندر قائلا:
- العمل من دون التسلية كالعيش من الماء و الخبز فقط.
اجاب ستيفان.
- اعتقد ان الانسان يمل ايضا الحياة الصاخبة وبسرعة رهيبة. لكنه من الصعب ايضا ايجاد البين بين او قضاء حياة متفتحة من دون توحش او ذل وانحطاط. ربما افضل العيش من الخبز والماء...
قال الكسندر:
- المهم الا يعمل الانسان بدون انقطاع او يعيش كالناسك. الا تخاف الا يؤثر هذا الجو الذي يفوق الطبيعة داخل هذا الدير؟
- حتى ولو كنت برفقة امرأة؟ مارأيك ياأليسيا؟ هل تجدين الجو ظالما طاغيا وقلقا في هذا المنزل وهذه الجزيرة؟
- لم اجد شيئا فوق الطبيعة ... كما لا اؤمن بالقدرات السرية.
- صحيح ان ظلا على الجدار لن يجعلك تصرخين... لكن رجل من لحم ودم...ماذا؟ ... كوني صريحة...
- مثل كل النساء الوحيدات اخاف ان يهجم علي احد. وليس سهلا عليك فهم مثل هذه الأمور لأنك رجل واثق من قوته. لكن مجرد التفكير بأن رجلا ما سيهجم علي وبعنف اجفل...
- افهمك جيدا. كما في مثل هذه الأحوال يمكن للمرأة ان يغمى عليها من شدة الخوف.
هزت أليس رأسها حالمة وراحت تتخيل الحادثة في الزورق وعنف ستيفان ورغبته الواضحة في تعذيبها. فقط الاغماء عليها خلصها من برائته. هل تلقى ستيفان جواب البيرتا ويدرك الأن انه عاملها ذلك اليوم بطريقة غير لائقة.
حان موعد العشاء فجلس الثلاثة امام الطاولة. و كالعادة كان الطعام شهيا ... ودار الحديث حول العادات و التقاليد التي كانت سارية في الماضي و التي على المرأة الخضوع الكامل.
قال الكسندر:
- عينان جميلتان واتخيلهما ظل وجه محجب... أليس هذا هو الاإراء بعينه. ما رأيك ياستيفان؟ تصور أليس متحجبة. وبشعرها الكيتنائي وعينيها اللتين تشبهان الحجارة النادرة لا شك ان الناس سيعتبرونها شرقية.
شعرت أليس بالأحمرار يعلو وجهها. وبدلا من الرد بسخرية راح ستيفان ينظر اليها بقوة ويقول:
- هذا صحيح. لا يرى الانسان كل يوم مثل هذا اللون من العيون البحرية. تتمتع أليس بعينين ساحرتين وغريبتين. انا اشاطرك الرأي يا الكسندر.
- الا تذكرك...؟
ترك الكسندر سؤاله معلقا. فحمل ستيفان زجاجة الشراب بعنف نحو ابن عمه و قال له:
- هل تريد مزيدا من الشراب؟
وفي تلك الاثناء بدأت الكؤوس تطنطن وترن. وتطايرت الستائر مثل اشرعة نفختها الريح وصعد الدخان من المدفأة. وبعد لحظات دوى الرعد في أرجاء المنزل.
قال ستيفان وهو يتأمل الحركة حوله:
- انها العاصفة!
رفع كأسه وقال:
- هل تخافين العاصفة يا أليسيا؟
أجابت بهدوء:
- ليس تماما. لكنني لم ار في حياتي هزة ارضية.
- ولماذا تتحدثين عن الهزة الأرضية؟
- أنا أكيدة بأنني رأيت الثريا تتأرجح... واتساءل في مااذا ...
- الهزات الأرضية تحصل احيانا. لكن المنزل يحتوي على ملاجئ وكهوف متينة ومقنطرة. وفي حالة الخطر يمكننا ان نلتجئ اليها. لكن من الصعب التنبؤ بحدوث الهزات الأرضية . اذا انفتحت الأرض فجأة تحت اقدامنا...
قالت مرتعشة:
- آه ارجوك. لمجرد التفكير بذلك اشعر بالبرد في كل كياني. اتذكر الهزة الأرضية التي حصلت في تركيا و التي خضت العلم بكوارثها. رأيت الصور في التلفزيون . كانت شنيعة ورهيبة.
- نعم الطبيعة بامكانها ان تكون عدوة قاسية وصديقة حقيقية. الطبيعة لها جانب انثوي مهم يجعلها قابلة للتغير باستمرار...
- لماذا؟
سأل الكسندر:
- لماذا الطبيعة تعتبر انثوية؟
- لأنها تلد .الاشجار و النباتات وآبار النفط و البراكين كلها تأخذ جذورها ونبعها من الطبيعة.
قال الكسندر ضاحكا:
- ومادور الرجل هنا؟
- الرجل هو الريح التي تحمل البذور و المطر الذي يخصب الأرض و الشمس التي تنبت كل شيء.
قال الكسندر:
- بالنسبة اليك اذن الريح والمطرو الشمس هي عناصر الخلق انها هي الفلسفةاليونانية البدائية.
ثم اضاف وهو ينظر الى اليس:
- الم اقل لك ان ستيفان رجل عاطفي عنيد؟ انه مثل ابوبون...
قال ستيفان بصوت لا مبالي:
- اترك لك هذا النوع من التسلية.
- من الأفضل ان يبدأ الانسان شبابه بالطيش اليس كذلك؟ من الجنون ان تنظر الى الحب بهذه الجدية!
- وماذا تعني بكلامك؟
- انت تعرف جيدا ما اعنية يا ستيفان. من الأفضل ان يعشق الانسان بعد ان ينضج تماما وعندئذ يحب بجدية.
قاطعة ستيفان بلهجة ساخرة وقال:
- مثل العنب؟
- بالضبط. ومن الخطر ان... ان نرفع الفتاة الى الأوج...
قاطعه ستيفان قائلا:
- وماذا تريد ان تقول ياستيفان؟
تقوقعت أليس في مقعدها فالرعد يدوي في كل أنحاء المعموورة.
جرع الكسندر من كأسه وقال:
- آه... من المفروض ان تعرف جيدا ما اريد قوله! كنت دائما تعتبر تمارا فتاة مثالية لكن هذا الملاك الصغير لم يكن افضل من غيره وانت تعرف ذلك. بالمناسبة لم تكن تمارا تخاف من مغازلتي مثلا...
نظر ستيفان الى الكسندر نظرة هجومية وقال:
- انت تكذب ! وتكذب بوقاحة مريرة!
- ابدا. عليك ان تنظر الى الحقيقة بصورة مباشرة. كانت تمارا عادية تحب التسلية كالجميع. كانت سعيدة لانك كنت تعتبرها مميزة وكانت فرحة ان تتزوج من شاب جذاب وطموح. لكنها في الوقت نفسه كانت تحب ايضا ان اغازلها.
- اذا كان ماتقوله حقيقة لماذا انتظرت طويلا لتحدثني بالأمر؟
- لم يكن هناك سبب لذلك...
- ولماذا تجد الأن سببا؟ لأن أليسيا موجودة هنا؟ربما لأنك تتخيل امورا غير صحيحة؟
- هذا أمر طبيعي.
- وتريدينا ان ننجذب لبعضنا قهرا؟ اسألها رأيها ارجوك؟ وستقول لك بأنني آخر رجل تحلم في الوقوع بحبه.
نهضت أليس وقالت لستيفان:
- ماذا لو نقوم الأن بزيارة السقفيات؟
كانت ألس تشعر بالذعر تجاه كلام الكسندر . مسكين ستيفان هو الذي عشق خطيبته حتى العبادة ووصفها بكل الفضائل الممكنة...يا لخيبة الأمل كم هي قاسية ومؤلمة!
دفع ستيفان كرسيه وأجاب:
- فكرة حسنة .هل تأتي يا الكسندر؟
اجابه ساخرا:
- اذا لا مانع لديكما.
- كفى ارجوك. اعتبر نفسك محظوظا أنك لم تتلق ضربة مني على وجهك...
- لأنني قلت لك الحقيقة؟ ارجوك لا تتعود على رفض النظر او الاستماع. انظر الى الاشياء كما هي!... تبا لك ايها الأحمق!... انت تعرف محبتي لك وارجوك ان تفهم الحقيقة حتى ولو كانت قاسية.
كانت السقفيات المقنطرة شاسعة ومثيرة للنظر تشبه الكهوف الزجاجات والأواني تحت شبكة العنكبوت. تناول ستيفان مجمع تين وقال للفتاة:
- تذوقي مربى التين هذا!
كان رائعا حقا. صحيح ان الرهبان كانوا يعيشون بعزلة عن العالم لكن ثروات الحياة الطبيعية كانت كلها في متناول ايديهم.
قال ستيفان بسخرية:
- سأروي لكما قصة ذكرني بها هذا الجو الكهفي. انها قصة زوج خانته زوجته فقرر الانتقام فوضع في قهوة عشيقها المخدر. ولما عاد العشيق الى وعيه وجد نفسه مصوبا حيا على جدار غرفة نوم عشيقته. هذا النوع من العذاب جيد الاختيار...
- اسمع يا ستيفان لن نتشاجر من اجل قصة كهذه. انه الماضي الا ترى . لو عرفت انك ستنزعج لكتمت عليك الحقيقة.
- لكان ذلك امرا عاقلا.
- هل تلوم نفسك ياستيفان لأنك لم تكن غنيا في الماضي كي تتزوجها ولأنها اضطرت الى ايجاد عمل لها في منزل بعيد كي تكسب معيشتها.
قال ستيفان ساخرا:
- أرجوك ولا تلعب دور المحلل النفسي ايضا. انت تعرف كيف تحصل هذه الأمور في القرى كان مفروضا على الخطيب ان يؤمن لخطيبته سقفا قيل ان يسمح له بالزواج منها. انا ذهبت الى انكلترا ودرست هناك الدروس الفندقية. وهي ذهبت لتعمل كخادمة اطفال في منزل دمسكينوس. وعندما كنت ما ازال في انكلترا علمت بوفاتها. فجئت في الحال شاعرا بالذنب لأنني هجرتها... ربما كان من الأفضل ان اخطفها بالرغم من......
لم يكمل كلامه بل أمسك أليس بمعصمها وقال:
- تعالي البرد قارس هنا. أراك ترتجفين بردا. لنصعد قرب المدفأة.
ولما اصبح الجميع في الصالون وضع ستيفان الموسيقى. وجلست أليس في مقعد مريح مسترخية تسمع ايقاع البوزوكي الذي يعبر عن الفرح والألم معا. كانت تنظر الى ستيفان الواقف قرب النافذة. كان مأخوذا بالموسيقى لكنه لا شك انه كان يفكر , يفكر باستمرار بحبيبته اليونانية التي كان يعتبرها القداسة بحد ذاتها بينما كانت تغازل من خلف ظهره صديقا له اقل احتراما منه... الملاك الساقط... وفكرت أليس فجأة بأن تمارا ربما كانت تشبه البيرتا.... اي مثلها كانت تحب ان تلعب بالنار....
ومن طرف عينها رأت يد ستيفان تتقلص في جيبه. فانعقدت حنجرتها. لا شك انه استلم برقية البيرتا لماذا يريد ارجاء هذا الخبر مطولا؟ هل ينتظر ان يكون وحده معها؟ نعم من دون شك... لا يريد ان يعرف الكسندر حقيقة مغمرتهما.
من وقت الى آخر كان الرعد يقصف في أرجاء الدير حاجبا بضجته القوية صوت الموسيقى. ماذا يحدث في حال وقوع هزات ارضية؟ هل تنهمر القلعة على البحر؟
توقفت الاسطوانة. الرجلان يدخنان بصمت. فقط دوي الرعد وتكتكة الساعة.
تثاءب الكسندر ونهض واقفا وقال:
- الهواء البحري يدفعني الى النعاس سأذهب الى النوم. هل بامكاني ان اقودك الى غرفتك يا أليسيا؟
قال ستيفان بصوت هادئ:
- لو سمحت لدي شيء سأقوله لأليسيا على حدة.
- اذن تصبحين على خير يا أليسيا. آمل الا تمنعك العاصفة الصاخبة من النوم. تصبح على خير ياستيفان.
اختفى فرفعت أليس نحو ستيفان عينيها المليئتين حذراً.
9_... ولم تكن البرقية صادقة فالبيرتا خافت من زوجها وأنكرت معرفتها بالقصة ,مما جعل ستيفان يتشبث برأيه ويعلن رغبته بالزواج من أليس. وجاء الزلزال يحطم الغرفة العاجية ويقلب الامور راسا على عقب .


اقترب ستيفان ببطء نحو المدفأة ورمى سيكارة فوق الحطب المشتعل ونظر الى اليس بوجه قاس وقال:
-تعرفين ولا شك لماذا أريد ان اكلمك على حدة؟
قالت بصوت مخنوق:
-استلمت الجواب , أليس كذلك ؟
احنى رأسه واخذ من جيبه ورقة زرقاء وأعطاها لها,فتحتها بيدين مرتجفتين واتسعت عيناها وهي تقرأ.
"المذكور دمسكينوسغير معروف مني ومن زوجي.محبة البيرتا".
- ماذا عندك للتعليق على هذا؟
صرخت قائلة:
- البيرتا تكذب.لا شك أنها تخاف من غيرة زوجها.في الماضي ابتعد عنها لشدة تعلقها بالرجال ولا تريد أن يحصل هذا الامر مجددا.ولهذا السبب تنفي معرفتها لدمسكينوس.أرجوك أن تصدق كلامي, يا ستيفان.لم تفكر أبدا أن هذه الكذبة ستدمر حياتي.
- هذه الكذبة؟ لماذا ادعت اختك انها تدعى أليس امام دمسكينوس؟ وما دامت تحب اتلمغامرة , لماذا خجرت دمسكينوس الملياردير من أجل مزارع بسيط؟
- لأنها أدركت ,في الوقت المناسب, بانها تحب هاري.
- الا تخجلين من التستر وراء أختك لمحاولة التخلص مني! انا اسف يا عزيزتي,لكن حيلتك لن تخدعني. لو قلت لي الحقيقة لتركتك تذهبين وشانك.أما الان , فلم يعد ذلك واردا على الاطلاق. انت اذن الفتاة نفسها التي اتت الى اليونان لتبيع نفسها لرجل ثري حقير.
تناول البرقية من يدها بقوة ورماها في النار, قم أضاف :
- انا ايضا املك المال ,واكثر من اللزوم لارضاء رغبات فتاة مرتزقة مثلك.
- مرتزقة؟ لا يحق لك قول مثل هذا الكلام ! ابدا لم ...
قال باحتقار:
- لا تعرفين النطق الا بهذا الكلام. لم تفعلي شيئا.انت فتاة عاقلة ومسكينة . آه تحملت في شبابي ان انخدع امام تحفظ المراة ولطفها , لكن السذاجة لا تليق بي الان,بعد هذا العمر ولن يتمكن احد من خداعي ،بعد الان.
اقترب من أليس ، فرجعت الى الوراء ،فأمسكها بكتفيها بقسوة ،فاصدرت صرخة ذعر وحاولت التخلص منه . تمزق ثوبها من ناحية الكتف، فقالت لاهثة:
- آه ،انظر ماذا فعلت . انت رجل قبيح وكريه.
-هل ستبكين الان من اجل ثوب تافه.سأشتري لك العشرات منه.
جذبها بقوة بين ذراعيه القويتين وقال:
- كدت أصدق بأنك فتاة صادقة وبنت اندم لما فعلته بك او حاولت فعله.راقبتك في هذه الايام الاخيرة وانت ترسمين على الشاطئ،وتتنزهين في المنزل ،وتتنشقين ازهار حديقتي وكأنك "اليس في بلاد العجائب". كما اعتقدت بأنك فتاة بريئة لا تفكر لحظة في أن تبيع نفسها لرجل كريه مثل دمسكينوس.
نظر ستيفان في عينيها مباشرة واضاف يقول :
-آه لقد خدعتني بنظراتك المتحفظة !ساريك نجوم الظهر!سأتزوجك اذن،لان دميسكينوس لم يعد يريدك، في كل الاحوال.بعد هذا الخطف سيستنتج بنفسه النتائج التي تفرض نفسها.
وبينما كانت تتخبط في محاولة للتخلص من قبضته،راحت تقول:
-كيف يمكنك أن تتكلم عن الزواج ...عندما ..عندما تكرهني الى هذا الحد؟
-لاني أرغبك واريدك.وهذا يكفي.
اصبح عليها ان تبذل كل جهدها كي تعارض هذا الزواج الخالي من الحب. ستيفان لا يحبها ولن يحبها ابدا. فضل تصديق رواية البيرتا على حكايتها.بالنسبة اليه ليست سوى فتاة ترتشي ،فقرر ان يشتريها ، فقط لا غير .
-لا جدوى في أن تقاويميني ،يا اليسيا. انت لي . نحن انسانان تعبنا من العيش في الوحدة الرهيبة ، ومن الافضل ان ننعيش معا.انت تحبين منزلي ولا شك هذا ما اشعر به . وبامكانك ان تجعليه منزلنا بما في الكلمة من معنى.
-اعتقد ان خادمتك كافية لان تقوم بادارة هذا المنزل على احسن وجه.
ضمها بقوة اليه وقال:
- لم التق ابدا بامرأة مثلك. وأتساءل احيانا اذا كانت الطريقة الوحيدة لقهرك هي في الحصول عليك بفظاظة ،حتى ولو صرخت واغمي عليك.
شعرت أليس بأنفاسه فوق خدها.فجأة احنى رأسه وعانقها بنعومة وقوة وهمس قائلا:
- آه ، كم هو عظيم امتلاكك هنا ، الان، على هذا البساط .... نعم ،سافعل ذلك اذا ما استمريت بالارتجاف مثل هرة غاضبة،كلما حاولت لمسك ومداعبتك.
- آه ، ستيفان ،لم اعد قادرة على المقاومة. انت عديم الشفقة . اعرف بأنني سأخسر وانت ستكون الرابح.
-هذا ما كنت اتمنى ان اسمعه من فمك.
عانقها بحنان فتجاوبت كغريقة الى أن همس قائلا:
-حسنا ،ارى تحسنا ملموسا...لم يغم عليك...عندما تنسين عقدتك ،يا اليسيا الصغيرة،تصبحين امرأة في كل ما في الكلمة من معنى ...خطبتنا لن تدوم كثيرا...اريد وصمك بوصمتي.تعالي الى مكتبي.لدي كل ما يلزم في خزنتي.
امسك بمعصمها ،لكن خطت خطوة الى الوراء وقالت:
-لا داعي لذلك ،يا ستيفان.
-بلى. انا آسف لثوبك الممزق. قريبا ستملكين الملابس بغزارة والحلي العديدة .
-لكنني ... لا اريد شيئا...
نظرت اليه بتوسل وقالت :
-الشيء الوحيد الذي اطلبه منك ، هو ان تصدق كلامي . هل هذا معقول؟
-هذا امر غير وارد على الاطلاق.
جرى داخل البهو،وسط البرق والرعد وادخلها بقوة الى مكتبه.على الطاولة الملبسة بالجلد ، تمثال بروني نصفه الاعلى بشر ونصفه الاسفل ماعز ، يعرز على العود وهو يلاحق الحوريات.
كبس على زر،فزاحت اللوحة المعلقة على الحائط ،فظهر باب خزنة حديدية . كل شيء يبدو خرافيا للفتاة الواقفة قرب الطاولة... هل هذه مشيئة القدر؟لن تعود ابدا الى شقتها اللندنية حيث امضت ساعات طوال في الوحدة الثقيلة.من الان فصاعدا ستصبح ملكا لهذا الرجل الجذاب الذي يعاملها كشيء تملكه... لا تستطيع التصديق بانها ستصبح زوجته.تقلصت عندما راته يحمل في يده صندوقا جلديا صغيرا.رجعت الى الوراء، فراح يحدق بها بسخرية ويقول:
-عادة المجوهرات تثير النساء ... لا تدعيني اعتقد بانك لا تبالين بهذه الهدية!
هزت كتفيها قائلة:
- تنقصني الخبرة! لم يسبق ان اهداني احد الحلى او المجوهرات.
فتح الخزنة بحركة جافة.فلمعت الحجارة النادرة الخضراء المعلقة بالسلاسل الذهبية:عقد واسوار وخاتم. حبست اليس انفاسها امام هذه الروعة، فسألها:
- ما رايك بهذه الزمردات يا عزيزتي؟
حمل العقد بيده ،ولمعت حبات الزمرد على ضوء المصباح .
-انها افتح واجمل من الزمرد العادي، وستليق بك جيدا لانها تتناسق ولون عينيك.
رمقته أليس بنظرة عدائية وقالت:
-تريد ان تقول : تليق بعيني تمارا ... هذه الحلى تخصها!
قال بصوت بطيء:
-تمارا ماتت وهذا الزمرد لك، يا اليسيا.هيا ، خذي الهدية من دون تصنع. ربما تخفف من برودتك.
نظرت اليه اليس بصمت. كادت ان تحتج ، وان تقول له بانه مخطئ تجاه احاسيسها وانه يثيرها كثيرا.فردد يقول :
- هيا...
احمرت خجلا وهي تلمس المجوهرات باصابعها الباردة المرتجفة . ثم همست :
- لقد ... لا ،لا تطلب مني المستحيل . لا يمكنني ابدا ان احل مكان فتاة راحلة .
وضعت العقد على الطاولة وولت هاربة كالمجنونة.
وبينما كانت تنزل بدا السلم يتارجح تحت قدميها مثل جسر سفينة. فاندفعت الى الامام، متمسكة بدرابزين السلم ، والارض تستمر في الارتفاع كالامواج الهائجة تحت حذائها الخفيف.
هزة ارضية ! ضجة مرعبة دوت في اذنيها وانقصاف قوي لفت نظرها . فتحت فمها لتصرخ ، لكن لا شيء خرج من شفتيها .
السقف تصدع ثم انشق . والسلسلة التي تعلقت بها الثريا بدات تتفكك... بعد قليل، ستقع عليها .ذعرت لكنها شعرت فجاة بانشداد الى الوراء بعنف كبير . فخطفت صرخة الم.وسقطت الثريا على الارض محدثة دويا رهيبا.

الايدي التي خلصتها من موت اكيد دفعتها الى ممر مقنطر.فتقوقعت اليس من الخوف وشدت نفسها الى مخلصها. الدير يتارجح على ركائزه والارض تنشق والماء يتصاعد من الانابيب المحطمة.الحجارة تنهمر من الجدران وتسقط محدثة غيمة كثيفة من الغبار.الاثاث ينقلب مفرقعا ،فتتناثر محتوياته على الارض المليئة بالانقاض.
وفي هذه المعمعة كان ستيفان بالنسبة اليها عوامة الانقاذ. تتعلق به بشدة .فجأة ،وعلى بعد متر واحد منهما ،انشقت الارض مبتلعة خزانة محفورة .اطلقت اليس صرخة رعب .حملها ستيفان وجرها بعيدا،خلف جدار سميك وتمدد فوقها كدرع ليحميها ووسط هذا الانهيار ادركت اليس امرا حتميا:رغبتها الوحيدة ان تكون مع ستيفان وان تبقى معه،حتى ولو لم يحبها،كما احب تمارا.
- تشجعي ،يا اليسيا. الهزة الارضية ستنجلي قريبا.كانها نهاية العالم ،اليس كذلك؟
كانت ترتجف كورقة ، بالرغم منها.لكنها لم تكن خائفة لكونها مضمومة الى صدره. فجأة سمعا صوت امرأة .تقلص ستيفان استعدادا للنهوض. فتمسكت به اليس متوسلة:
-لا ، ارجوك ، يا ستيفان ، لا تتركني.
بدأت الهزات تتباعد والضجة تخف تدريجيا.ثم ران الصمت،صمت غريب،تتخلله فرقعة القرميد والحجارة التي تنحدر من السقف والجدران. عادت الارض الى جمودها . فجأة راى ستيفان دخانا يتصاعد من باب الصالون ، فانتفض واقفا واسرع باتجاه الدخان ،فلحقت به اليس. لهب النار يتصاعد ، تناول ستيفان الستائر المرمية ارضا ليحاول اطفاء الحريق بها.اما اليس فراحت تحاول بقدميها اطفاء اللهب الاخذ بالامتداد. صرخ بها قائلا:
-انتبهي الى فستانك والا امتدت النار اليك!
رفعت اليس تنورتها الواسعة ومزقت ثوبها واسرعت لتجلب ابريق الماء الموضوع على الطاولة وافرغت محتوياته فوق اللهب.
- التقطي هذا.
كان استيفان قد انتشل الستائر بقوة ورماها ورماها صوب اليس. اخيرا تمكنت اليس من اطفاء النار بعدما امتلات عيناها بالدخان والغبار.ثم اسندت ظهرها الى الباب متعبة وراح الدمع ينهمر على خدها .
- با الهي ، يالهذا المنظر وهذا الخراب.
ربت ستيفان على كتفيها وقال:
- لا اهمية لذلك،كل شيء يمكن تعويضه . لكنني قلق لما يمكن ان يكون قد حدث لبقية سكان المنزل.هل سمعت الصراخ،انت ايضا؟ خذي ضعي سترتي.
اطاعته من دون مناقشة وتبعته. وما ان وصلا الى اسفل الدرج حتى شاهدا الكسندر مدمى الوجه ومستندا الى الدرابزين.
صرخ ستيفان قائلا:
- هل من امر خطير؟
- كلا، جرح بسيط.
-ماذا جرى فوق؟ سمعت صراخ امرأة .هل اصيب احد بجروح؟
-كلا. انه صراخ الخوف.
ظهرت فجأة الخادمة وابنة اخيها هيلدا،المنهمرة في بكاء مرير.
فقالت كاترينا بهدوء:
- كل شيء على ما يرام يا سيدي. تمددنا تحت السريرعندما بدأت الهزة . اما هيلدا فخافت وهرعت الى الممر. كان شيئا مخيفا للغاية.
شرح الكسندر قائلا:
-جزء كبير من السقف سقط مدمرا الغرفة العاجية كليا. من الافضل لنا ان ننزل الى الكهف في حال عادت الهزات من جديد .
المولدة الكهربائية لم تصب باس ضرر مما جعل الكهرباء تشتغل.
اضاء ستيفان المكان ،وتدريجيا بدا العمال الذين يسكنون المنزل بالظهور،الواحد تلو الاخر شاحبي الوجوه كالاشباح. وبعد لحظات من الذعر الصامت، ادرك الجميع انهم نجوا. فانطلقت صرخات الفرح وانهمرت القبل الى ما لا نهاية.
اخيرا قال ستيفانن بصوت امر:
- علينا الان البدء بالتنظيم . اولا ،احتساء قهوة جيدة ساخنة لنستعيد قوانا.ثم علينا ان نمسح الارض لازالة المياه المتراكمة . وانت، يا ميكلوس ، ستاخذ مصباحا وترافقني الى الكهف.علينا ان نقفل مصدر الماء الاساسي والا غرق المنزل..
همست اليس بصوت ناعس موجهة الحديث الى الخادمة:
- هذه الغرفة... الغرفة العاجية...كل شيء فيها تدمر...لم يبق حقا شيء...
هزت كاترينا ابنة اخيها المذعورة والجامدة وقالت لها:
- هيا، يا هيلدا.انتهى كل شيء الان ونحن كلنا احياء.عودي الى رشدك.
قال ستيفان متفحصا الفتاة:
-انتبهي. لقد حصلت للفتاة صدمة قوية.وعليها ان تتمدد قليلا.
قالت هيلدا متلعثمة:
- انا ,,, كل شيء على ما يرام ... لم يبق شيء من غرفتها ، يا سيدي... رحمها الله!
قالت كاترينا:
-هدئي من روعك يا هيلدا، لا تعرفين ما تقولين.
قال الكسندر وهو يبحث عن ستيفان بنظره:
-آه ، بلى ّ انها تتكلم عن الغرفة العاجية...بالفعل هذه الغرفة اختفت كالشبح الذي تضمر له الاجلال كالعبادة.
ران صمت ثقيل . الكل يحدق في ستيفان لمحاولة قراءة افكاره.لكن لا شيء ظهر على وجهه القاتم . اخيرا قال بصوت حازم :
- لنشكر السماء لاننا نجونا جميعا من هذه الكارثة . كاترينا ، حضري لنا القهوة . وانتي يا اليس ارجو الاهتمام بهيلدا.
ومن دون كلمة امسكت اليس الفتاة بذراعيها واخذتها الى الصالون. مددتها على الاريكة بعد ان ازالت عنها الغبار.ثم توجهت الى غرفة الطعام وسكبت لها شرابا مقويا وعادت قربها.
فراحت هيلدا تقول:
-سيدي رجل لطيف ومحب . وكلنا نريد سعادته . منذ مجيئك، يا انسة، ونحن نتمنى ان تبقي معه. العيش في الماضي امر غير صحي. تدمرت غرفتها كليا.وهذه اشارة اكيدة، اليس كذلك؟ السرير، الصورة،الانية الفضية على منضدة الزينة، الخزانة ... كل شيء نحطم اربا.عندما يرى سيدي ذلك ، سيصاب بالدهشة والذعر.
- لكن يا هيلدا ، لم يصب احد باذى ، وهذا اهم ما في الامر وهذا ما قاله ستيفان بنفسه . الاثاث والحجارة كلها يمكن التعويض عنها...
اخيرا قررت اليس البقاء في الجزيرة فهي تحب ستيفان بصورة اكيدة. لكنها اكيدة ايضا بان ستيفان لا يشاركها هذا الحب.
وفي هذا اليوم والايام التالية,اهتم الجميع باعادة الامور الى طبيعتها. ارسل ستيفان وراء متعهد بناء من اثينا، مع فرقة عمال، للسهر على ترميم المنزل بصورة جيدة.
لا احد ذكر الغرفة العاجية المتلفة ، المفتوحة للرياح كالجرح العميق... واليس تعمل بنشاط مع الموظفين، مسرورة لانشغالها جسديا وعقليا.
الهزة الارضية دمرت عددا كبيرا من المزارع.بعض الحيوانات اختفت او لاقت حتفها، لكن لا ضجة في كل الجزيرة. فقط بعض الجرحى الذين توجهوا الى احدى مستشفيات العاصمة اليونانية.ورافقهم الكسندر.وجدت اليس نفسها وحيدة من جديد مع ستيفان.وذان يوم عثرت على المجوهراتالمصنوعة من حجارة الزمرد على طاولتها قرب السرير. انها طريقة ستيفان في طلب وعد منها.في المساء ارتدت الاساور وبعد العشاء ذهبا معا للتنزه في المروج. توقف ستيفان تحت شجرة حامض واخذ اليس بين ذراعيه. فلم تقاومه فتعانقا بحب.ثم قال ستيفان وهو يداعب شعرها الطويل:
- لقد فهمت ماذا اريد،على ما اظن... نعم اريد امرأة محبة وراضية...نهار السبت سترافقينني الى حضور عرس ابنة اكيلو.سيكون تمرينا لعرسنا. عندنا،الزواج تكريس محترم. ستكونين لي كليا ، بلا قيد ولا شرط.
- انها العدالة ! الزواج وعوضا عنه ، هذه المجوهرات الفاخرة ... قالت لي كاترينا ان على الفتاة المخطوبة ان تجلب مهرالزوجها.انا لست غنية، يا ستيفان وانت تعرف ذلك.ولن املك جهازا مطرزا. القليل الذي املك متواضع للغاية. وهذا امر غير مرغوب فيه هنا.
- مهرك هو عذريتك.
كيف بامكانك ان تكون متاكدا من ذلك؟رفضت ان تصدق كل كلمة قلتها لك.ولماذا تصدق ... براءة فتاة انكليزية في الرابعة والعشرين من العمر؟
- أقرأ ذلك في عينيك، في تصرفاتك. عديني بالا ترفضي لي شيئا يا اليسيا.
عانقها من جديد، فاغمضت عينيها ناسية كل ما يحيطها . ارتعشت فجأة، فاعتبر انها انزعجت من مداعبته، فتركها وقال:
- ستصبحين لي يا كنزي . وساعرف كيف اذيبك، اعدك بذلك.
لم يعرف بعد بانه اذاب قلبها حتى الان. وببطء اخذا طريق المنزل. افترقا في اسفل السلالم. وفي منتصف الطريق التفتت اليه،كان واقفا من دون حركة. كادت ان تنزل من جديد وتنسى كبرياءها وخجلها وترجوه الا يرى فيها انعكاسا لفتاة ميتة، بل ان يحبها لذاتها.
وفي هذه اللحظة، استدار واختفى في الظل.تجهم قلبها واكملت صعودها. لاشك انه ما يزال يعتبرها قبلت الزواج منه، من اجل ماله فقط. الن يثق بها ابدا؟
ولما مرت امام الغرفة العاجية،رات الخراب. وتساءلت اليس.
هل كان حب تمارا صادقا؟ الى من كانت تشير ذلك اليوم على الشاطئ المشمس؟ الى الكسندر المتشكك؟
لمست اليس الاساور ومدت ذراعها كانها تريد للشبح ان يرى الزمردات. وكانها تريد ان تقول: انه لي، هل فهمت؟ سافعل المستحيل كي ينساك، يا تمارا، اقسم لك بذلك.

10/ ارتدت اليس فستانا يوناينا قديما لحضور حفلة العرس في القرية. لكن ستيفان صدها بعنف فهربت الى التلال حيث وجدت كلبا متشردا ... وحيث اكتشفها ستيفان في اللحظة المناسبة...
-حاولي اذن!
ارتعشت قلقا وهي تسمع هذا الهمس الساخر، جوابا لهاجسها الخفي. هل هي الريح تعصف في ارجاء الغرفة المدمرة.
-حاولي اذن!
ظل الصوت يتبعها حتى غرفتها. خلعت الاساور ، وضعتها على اليرير. انها اشباح بلا روح ... ليست عربون حب، بل عملة تبادل ببساطة...
راحت تمشي طولا وعرضا، ممزقة بين السعادة الكبرى لحب ستيفان والخيبة لانه اعتبرها فتاة ترتشي. كيف تنسى الطريقة التي نظر بها اليها؟ هل كان يحلم باليوم المقبل حيث سيصعدان جنبا الى جنب السلالم التي تؤدي الى غرفتهما... كزوج وزوجة؟ نعم، من دون شك.
هذه الفكرة جعلتها ترتمي على طرف السرير ، كم سيكون رائعا ان يحضنها بين ذراعيه . لكن ، اين الحنان الذي طالما حلمت به؟ لن يفكر الا في اشباع غليله الشرعي منها. اليس هو الرجل المناسب لأليس شيلدون المسكينة ؟ كلا، لا يحق لها ان تفكر بامر مماثل . ومهما كانت اسباب اخياره، فما يزال الزواج بالنسبة الى ستيفان امرا جديا، كأي يوناني اخر.
ولان ... ماذا سترتدي يوم السبت لحضور العرس؟ ربما تشتري فستانا من الطراز اليوناني البحت. لكن الن تذكره هكذا بتمارا ؟ ولماذا ترغب في ارتداء الزي اليوناني؟ لحاجتها في التظاهر، ولو ليوم واحد ، بانها تلك الفتاة التي وهبها ستيفان قلبه؟
وبيأس اخفت وجهها في الوسادة . فهي تشتعل رغبة في ان تمتلك قلب ستيفان . وبكل قواها كانت تتمنى ان تكون الهدف الوحيد لحبه الشغوف. لا تطلب شيئا من الحياة الا ان تكون كل شيء بالنسبة اليه.
وفي الغد اعربت لكاثرينا عن رغبتها في شراء زي محلي لترتديه نهار السبت ، بمناسبة حفلة الزواج. فوجدت الخادمة الحل السريع، اذ كانت تملك زيا منذ سنوات عديدة تحفظه في مكان امين . ومن كل قلبها ، قدمته لأليس . فتساءلت هذه الاخيرة بتردد:
-لكن ... هل سيسخر الناس مني ، اذا ارتديت الزي اليوناني؟
-ابدا. بالعكس ، سييتأثرون لرؤية ضيفة سيدي ترغب في ان تكون واحدة منهم. سآتي بالفستان في الحال، يا انسة ، لعل هناك بعض التصليحات الضرورية . لكنني لا اعتقد ذلك لانني كنت نحيفة مثلك في الماضي.
-وحسب رأيك ، ماذا ستكون ردة فعل ستيفان؟
-يفرح الرجل دائما اذا تحاول المرأة ان تكون جميلة من اجله. لو كنت شقراء لما لاق بك الزي. انت انسانة طيبة ، يا انسة . فرحت هيلدا كثيرا لمساعدتك لها ليلة الهزة الارضية... طبعك الهادئ مريح...
-هذا هو الطبع الانكليزي. نحن الانكليز نعرف استعمال برودة اعصابنا في المناسبات الكبيرة. كما لهذه الميزة الحسنة عيوب اخرى لاننا لا نعرف كيف نطلق مشاعرنا وعواطفنا . تنقصنا العقوبة.
ابتسمت كاترينا وقالت:
-هذا الامر لا ينطبق فقط على البريطانيين . كلما كانت العواطف عميقة ، كلما كان من الصعب التعيبر عنها.
عبست اليس حالمة:
-نعم ، الانسان بحاجة احيانا الى هزة ارضية لاكتشاف الذات...
-سآتي بالثوب لتجربيه.
-لا،لا، انتظري . لقد غيرت رأيي . سأرتدي .... ثوبا اخر...
-لك وحدك القرار، ياانسة . كن جربيه فقط . ربما اعجبك؟
-لكن ماذا لو لم يعجب ستيفان؟
-سيعجبه بلا شك ولاتنسي الفرح ، سعادة الحب ... طبعا، الرجال سلطويون ، انانيون لكن قلبهم دافئ، انهم بحاجة الى الحب والحنان ، كما الارض بحاجة الى الشمس والمطر. لا تبحثين عن المصاعب حيث لاتوجود.
-كل هذا اعرفه جيدا ، لكن ، مقاومة شبح ميت امر غير سهل...؟
-الشبح ضعيف وعاجز امام انسان حي يرزق.
-هل انت اكيدة من ذلك؟
-نعم ، كل التأكيد ، يا انسة.
-لماذا اذن لم تتزوجي مرة ثانية ، ياكاثرينا؟
-هذا امر مختلف
-لا، ليس مختلفا . كنت تحبين زوجك ، اليس كذلك؟ ومازلت تنتمين اليه...
تنهدت كاترينا وقالت:
-كنا لبعضنا البعض تماما . ولايمكنني ان اجد رجلا اخر مثله. عندما يعيش المرء حبا عميقا ودائما ، كيف يمكنه القبول بشيء اقل من ذلك؟
تقلصت اصابع اليس على نارتيها . اذا تزوجت ستيفان ، فلن تحصل الا على فتات الوليمة... لكنها ليست اقل شغفا من نساء الجزر المشمسة . في كل اعماقها كانت تتوق الى النحام الحقيقي مع رجل حياتها.
التقت بنظرات كاترينا المحدقة بها . لاشك انها عرفت مايدور بين معلمها والفتاة الانكليزية. لكن الخادمة لم تطرح عليها الاسئلة المحرجة ، بل اكتفت بالقول:
-عليك ان تجربي الثوب ياآنسة . يجب التحلي بالشجاعة لمقاومة ... لمقاومتها....
-من ؟ تمارا؟
-عليك ان تبرهني لسيدي انك ساحرة.
-انا ... انا فتاة عادية، ياكاثرينا .
-لن تقولي ذلك متى رأيت نفسك في هذا الزي الوطني . سيفتخر بك، يانسة ، انا اكيدة من ذلك .
-انت امرأة طيبة ، آه ، انتم في اليونان ليس من السهل معرفتكم! تخبئون قلبا من ذهب تحت دراع الريبة واللامبالاة.
-سيدي هكذا ، يا انسة . من لايعرفه يعتقد انه قاس وصارم وعنيف، غير قادر على التأثر او الاحساس بالعاطفة. ثم نكتشف بأنه رجل وحيد وكريم . ونتمنى له ان يجد السعادة اخيرا . النساء اردن الزواج منه لمركزه وماله. لكنه يستحق امرأة جديرة به ، تعرف ان تعطي نفسها جسدا وروحا. الرجل الغني ليس اكيد من ان المرأة تتزوجه من اجله فقط. كم من امرأة رفضت ان تعطي نفسها الا بعد الحصول على شبء بديل! لكن، انت، لست هكذا، يا انسة . لمحت ذلك فيك من النظرة الاولى . يشعر المرء تجاهك بانك ترغبين في العطاء بصمت ومن دون تردد. ومعلمي يكون مجنونا اذا لم ...
قاطعتها اليس بصوت متردد:
-لقد طلب يدي.
تلألأت عينا كاترينا وصرخت:
-آ÷ ، ووافقت ؟
-لقد .. الامر خطر للغاية . انه لايحبني حقا. ربما يكون زواجنا جحيما...
-هل تكونين اكثر سعادة من دونه ، يا انسة؟
-هل اكون سعيدة اذا شعرت بأنه يقارنني باستمرار... بانسان اخر ؟ ليس الزواج كل شيء في الحياة ياكاترينا . لدي مهنة...
هزت كاترينا رأسها ببطء وقالت:
-الفتاة اليونانية تعرف ان القدر يخصها برجل وبرجل واحد. وهي تعرفه في الحال، عندما تراه. ولا تتردد لحظة في الزواج منه.
حتى لو لم يكن يحبها بالشغف نفسه ، او لانه انجذاب بالمهر ، هذا الرجل مرصودا لها. فتتزوجه وتبذل جهدها كي يصبح هذا الزواج زواج حب حقيقي.
-نعم .لرفع التحدي..
-نعم ، المقاومة للربح، يا انسة هذا هدف مثير ؟ اذن .... سأجلب الثوب؟
-نعم ، اتفقنا.
اخذت القرار النهائي ولمعت عيناها فرحا. نعم ستكون جميلة في حفل الزواج وستتعلق بذراعيه كانسانة مغرومة. وسيعرف الجميع بانها تحبه وتريده وبأنها تجد الوقت طويلا قبل زواجها . نعم ، يجب ان تسيطر على خجلها وتحفظها . عليها ان تنسى ان عدم حب ستيفان لها مشكلة عليها احتمالها...
بعد قليل عادت كاترينا حاملة الثوب اليوناني، تتبعها هيلدا التي اصرت ان ترى الفستان على الفتاة الانكليزية . كان الزي مؤلفا من تنورة من الحرير المطرز وعدد كبير من الكشاكش الداخلية ، فوق قميص من الحرير ذات الاكمام الواسعة المطرزة وسترة فضفاضة مخملية واكليل مزين باللألئ...
ولما انتهت اليس من ارتداء الثوب راحت تدور حول نفسها كي تتمكن المرأتان من تفحصها كليا. ثم نظرت اليهما بقلق وقالت:
-ماذا؟ هل هذا معقول؟ ارجو ان تكونا صريحتين معي؟
قالت كاترينا بابتسامة مبتهجة:
-انظري الى نفسك في المرآة، يا انسة كأن الثوب صنع خصيصا لك.
ولما نظرت أليس الى نفسها في المرأة حبست انفاسها . والالوان المتناسقة تظهر وضوح لون عينيها البحريتين وشعرها الطويل الحريري. كانت تبدو مليئة بالبهجة والحماس والشوق وتضج بالحياة.
قالت كاترينا بعد ان ازاحت التنورة:
-هذا الزي يليق بك تماما . كيف تجدين ذلك، ياآنسة؟
-كالفزاعة! هل اجرؤ على ارتدائه ؟ لا اصدق انني انا من يرتدي هذا الزي . كأنه يكشف جانب مخبأ من شخصيتي...
-ربما تنظرين اخير الى نفسك ، كما انت بالذات.
-اعتقد بأن هذا الزي يليق بي لانه يعود الى القرن الفائت.
ولست مندهشة بعد الان لانني اعتبر نفسي فتاة محافظة.
قالت هيلدا:
-اذا ارتديت هذا الثوب في حفل زفاف مارينا ، ستبدين مثل فتيات بلادنا . ولاشك بانك ستجدين رجلا سيقعون في غرامك.
قالت كاترينا :
-لا تقولي امورا سخيفة ، ياهيلدا. الانسة ضيفة سيدنا . ومن الافضل لبقية الرجال ان يقفوا على حده وبعيدا جدا .
نظرت هيلدا الى عمتها متسائلة وقالت
- .... في العرس سترقص. وستتلقى الانسة الدعوات العديدة .. انها ضيفة سيدي ، لكن ذلك ليس سببا كي تبقى جالسة مع النساء العجائز بينما الجميع يلهو ويفرح
قالت اليس حالمة:
-احب كثيرا ان اشترك في الرقصات اليونانية. هل تعتقدين ان ستيفان سيعارض؟
اجابت كاترينا:
-سنرى ذلك في حينه.
قالت أليس:
-في بلادنا ، الجميع يرقصون في الاعراس، والسيد كسندروس ضيف الشرف. هل سيبقى جالسا في زاويته؟ الموسيقى اليونانية حماسية جدا.
-سيدعو العروس الى الرقص ، يا انسة هذه التقاليد..
لكنك لاتقدرين ان ترقصي مع رجل اخر الا اذا سمح لك بذلك .
نظرت هيلدا مندهشة ، ثم ابتسمت وقالت:
-آه ، وراء الاكمة ما وراءها ، على ما ارى...
حذرتها كاترينا قائلة:
-عليك ان تحتفظي بالسر، يا ابنتي . لم يعلن اي شيء رسميا .
الانسة وثقت بي واعلنت لي الامر الان...
صرخت هيلدا قائلة:
-آه، كنت اعرف ذلك! لقد رأيت الشبه مع...
قاطعها كاترين وقالت في لهجة تهديد:
-اذهبي حالا الى المطبخ وابدأي بتقشير البطاطا للغذاء . الظاهر انك لاتعرفين حفظ السر.
ولما اختفت هيلدا قالت أليس:
-هيلدا غير مخظئة . انا هنا لاحل مكان تمارا . لقد صرت مقتنعة بذلك والجميع يعرفون اذن لماذا التصنع :" الفانوس" بحاجة الى ربة منزل لادراته . والسيد كسندروس غني جدا وقادر ان يدفع ثمن رغباته ... في كل حال ، الثوب يعجبني وسأرتديه ، نهار السبت وشكرا جزيلا لاعارتي اياه.
-هذا فرح كبير ، يا انسة.
كانت كاترينا تنظرالى أليس بلقلق كأنها عرفت الحزن المكبوت وراء نظراتها البراقة وصوتها المرتجف.
ولما نزلت أليس على السلم ، السبت الموعود، كان ستيفان بانتظارها في اسفله . كان انيقا ببزته الزرقاء وقميصه الزهري الفاتح. كان اسمر وجذابا اكثر من العادة ولشدة انفعالها كادت اليس ان تنسى الدرجات الاخيرة . فمد يده لئلا تقفد توازنها وقال:
-انتبهي!
امسكها بطرف ذراعيها وتأملها مطولا. من شعرها المسندل حتى اخمص قدميها . كان قلب أليس ينبض بقوة . المهم شرط ان يحبها بهذا الزي! ماذا لو اعتبر بأنها حاولت تقليد تمارا والتشبه بها! كانت تتمنى ان يتصرف معها بطيبة وحنان ومحبة كما كان يتصرف مع خطيبته اليونانية الراحلة .
قالت بصوت ساخر:
-ها ، ها . اين الكعكة الضيقة والنظارات؟ كنت ترددين على مسمعي مرارا بانك فتاة صغيرة محتشمة وبسيطة! وهذا الصباح تبدين مزينة كريش الطاووس!
تقلصت يد اليس النحيفة في يد الرجل القاسية . كان ينظر اليها بنوع من الاحتقار ، كانه يقول بوضوح ان مافعلته للتشبه بانسان اخر امر غير مرغوب فيه وعديم الذوق.
-هل تريد ان اصعد الى غرفتي واغير ملابسي ؟ لم... لم اعرف اذا كنت مخطئة في ارتداء هذا الثوب.
قال بجفاف:
-لقد فات الاوان وعلينا الذهاب الان.
-لقد تصورت بأنك ستفرح عندنا تراني اشبه بنات ونساء بلدك .
-لكنك لست واحده منهن! انت فتاة انكليزية قررت الزواج منها لم اطلب منك ابدا ان تتنكري هكذا!
قالت متوسلة:
-اذن دعني اغير ملابسي بسرعة . سأكون حزينة طيلة النهار ما دمت لاتحب ثوبي.
-يالهي ، كيف تصورت بأنني سأحبك بهذا الباس الغريب؟
هيا، تعالي والا سنتأخر!
امسكها بخصرها وساعدها على الصعود في عربة الخيل، ثم صعدقربها وراح يقود الحصان. تطايرت الفرشات حولهما وعبق الجو برائحة الازهار العطرة . كانت اليس تفكر بالمستقبل وندمت لانها لم تذهب الى اثينا برفقة الكسندر . زواجها سيجلب لها خيبة الامل .
والالم والحزن . الحب ليس كل شيء ، خاصة اذا لم يكن مشتركا
تلاشت قواها تجاه تصرف ستيفان الجاف والبارد ، فظلت صامتة مكتفية بالنظر الى البيوت الصغيرة المطلية بالكلس الابيض، التي تختفي جزئيا تحت العرائض والنباتات المتسلقة . السماء الليلكية محتجبة بضباب خفيف والحر ثقيل . توقفت العربة امام كنيسة مزينة بالقباب الصغيرة، المصنوعة من حجارة القرميد المدورة والتي تلمح تحت الشمس ببريق نحاسي.
رفع ستيفان اليس ووضعها على البلاط وصرخ قائلا:
-لقد تأخرنا . الجميع اصبحوا في الداخل.
العرس كان غريبا وساحرا بنظر الفتاة الانكليزية . امام المذبح المضاء بالشموع والمزين بلايقونات وقع العروسان. كانت العروس ترتدي فستان العرس التقليدي المطرز وطرحة من الدانتال تصل حتى كاحلها . اما الجو فكان يوحي بأن هذا الزواج ينم عن حب وليس لان الفتاة غنية وتملك مهرا.
وكان الاكليلان من الازهار البيضاء المتصلة ببعضها بواسطة شريط ابيض حريري. وضعها القس على رأسي العروسين بينما كانا يتبادلان المحابس الذهبية.
ثم قام العروسان بثلاث دورات مع مضيفات الشرف حاملات الشموع المضاءة. وبعد قليل بدأت الاجراس ترن اعنف الرنين.
ارتعشت اليس ، لكنها لم تجرؤ على النظر الى ستيفان الذي لاشك انه يفكر في مكان بعيد جدا من هنا... وهو مع المرأة التي حلم منذ صغره ان يتزوجها.
ولما خرج العروسان الى باحة الكنسية . رشقهما الجمهور بالرز والورود . فدعيا الحضور للتوجه الى حانة قريبة حيث مدت الطاولات تحت ظل الصنوبر وزينت بسلال الخبز وزجاجات العصير على مختلف انواعها . وعلى النار الحملان الصغيران تشوى ببطء
انشغلت النساء في اخراج كل الطعام المتوفر من السلال.
كان مشهدا ملونا والسعادة تقرأ على الوجوه . كانت أليس تود ان تشارك هذا الفرح العام، لكن قلبها كان مثقلا وابتسامتها متقلصة، وهي ترد على تحيات الاشخاص.
بزتها نالت اعجابا كبيرا . وسألت عمة العروس ما اذا كانت اليس من اصل يواناني لان الثوب يليق بها تماما. ولما ترجم لها ستيفان ما قالته المرأة ، احمرت كي تخبئ اضطرابها وكي تجد حجة في الاقتراب منه ، فتأبطت ذراعه ، لكن قلبها تألم حزنا لردة فعله الباردة وتقلصه، قال لها بجفاف:
-لست مضطرة ان تتصنعي بأنك فتاة مغرمة!
وبحركة فجائية ، افلتت يدها منه . مازال يعتقد بانها تمثل.يا لهذا الوضع الشنيع. ولانها لم تعد تطبق التصنع بالفرح ، ابتعدت عنه بصورة آلية...
فجأة وجدت نفسها في طرق الحديقة ، تحت اشجار، امام باب صغير مقنطر، عيرته وعيناها دامعتان . لم تكن تفكر الا بشيء واحد ان تخطط للابتعاد عن جلادها ... تقدمت في الممر من دون النظر الى الوراء ، بعيدا عن الضجة والضحك.
لم تعد تسمع الا صوت الزبزان في الحقول، الجبل يعبق برائحة خلابة. ثم وجدت نفسها على تلة صغيرة حيث تنصب طاحونه هوائية قصيرة وعريضةذات سقف مخروطي واجنحة ثابتة . لا احد يعمل هناك اليوم بسبب العرس . انه عيد للجميع ماعدا اليس المسكينة التي تبتعد عن الحانةبقلب محطم وكتفين يهتزان من البكاء والدمع المر يسيل على خديها الشاحبتين ولما وصلت قرب بناء صغير، تمددت على العشب ، في ظلة.
يالهي، كم احب ستيفان وكم هذا مؤلم . ملاحظاتخ الخشنة ونظراته الساخرة وتصرفه العدائي المفتعل، كل هذا عذاب لامثيل له.
لا، هذا مستحيل لن اتمكن من تحمل كل هذا حتى النهاية.
وتذكرت بلادها وشقتها الصغيرة الهادئة حيث كانت تعيش بأمان وسلام قبل اسابيع قليلة.
سمعت فوقها صوت حجارة تتحرك. الحصى تتدحرج على الممر الضيق الذي يحيط بالطاحونة. التفت وراءها لكنها لم ترى الا اشجار الزيتون بجذوعها المعقودة ، الناتئة على سفح التلة ولم تسمع الا النسيم الخفيف يلوح بالاغصان المزهرة.
ومن جديد سمعت صوت ردم وانقاض . لاشك انها عنزة ترعىى . نهضت ومدت يدا ناعسة الى جبينها الرطب ... عليها ان تفكر في العودة الى الحانة . لن يفرح ستيفان ابدا اذ لاحظ ان ضيفته اختفت من دون انذار.
كانت تمسح عينيها بمنديل مطرز عندما رأت فجأة الحيوان يظهر من بين اشجار الزيتون . تجمد دمها في العروق . انه كلب وسخ ينظر اليها بنهم . وشعرت بأنها اذا قامت بأي حركة سيقفز الحيوان عليها ، فظلت جامدة.
اخرجت أليس من جيبها السندويش الذي وضعته من دون تفكير وهي تهرب من ستيفان . وببطء حذر اخرجت قطعه الدجاج المشوي من داخله ورمتها للكلب . لكنه لم يتحرك وظل ينظر الى الفتاة بحذر وعدم ثقه.
فقالت له:
-هيا ، تعال وكل . انت تموت جوعا، يا ايها الكلب المسكين وانا ارى ذلك جيدا.
تقدم الحيوان بحذر ، فقالت له بصوت ناعم:
-كن لطيفا. لا اريد ان اؤذيك . والدجاج لحم اطرى مني
تقدم الحيوان من قطعة الدجاج وهو ما يزال ينظر اليها ، ثم وثب على الطعام والتقطه وقذفه الى فمه وابتلعه بلمحة بصر . وهذا ما حل بالخبز الذي رمته أليس بعد ذلك. ولما انتهى من الطعام تقدم بضعة خطوات منها . ماذا سيحدث الان، ولم يبق معها شيء لتقدمهللكلب"
مدت يدها وقالت:
-تعال ، انت لست شريرا، بل وحيد وجائع . لا احد يحبك ، على ما اظن ، اعرف بماذا تشعر ايها الكلب الصغير. تريد ان يهتم احد بك ، لكنك تخاف ان تشعر بالرفض. اليس كذلك؟ رجموك بالحجارة وقذفوك ضربا وطردوك من كل مكان فأنت لا تثق بأحد وهذا واضح وجلي بامكانك ان تأتي معي ، فأنا لن اؤذيك . لكنني اسفة فقط فليس معي ما اقدمه اليك. هل انت الكلب المتوحش الذي ستكلم الجميع عنه.. الكلب الذي يخيف الماعز؟ اعرف انك كلب طيب... لكنك بحاجة الى المحبة والحنان.
تقدم الحيوان شيئا فشيئا، ولمس اصابع الفتاة الانكليزية المدودة امامه ثم ترك اليس تداعب رأسه المشعث فجأة اصدر نواحا حزينا وتمدد على العشب قرب الفتاة.
سمعت صوتا وراءها يقول:
-يالهي! يالهذه المخاطرة!
التفتت اليس نحو الرجل المستعد لنجدتها وقالت بصوت هادئ:
-لاتتكلم بصوت مرتفع . هذا الحيوان جائع ومحروم من العطف وعلى استعداد ان يؤذي اي كان... لكن لايعرف المرء...
رفع الكلب نظره نحو الرجل الغريب ، لكنه سرعان مااعاده الى حضن اليس.
فقال ستيفان:
-لاشك انه مصب بالمرض وعلى جلده تعيش الحشرات التي تمص الدم
-بعد حمام جيد ، لا احد يمكن ان يعرفه. هل تسمح لي بأخذه الى المنزل وتقديم الطعام له؟ انه ليس مفترسا ، لكنه بحاجة الى الحنان .
سألها بصوت غريب
-هل تفهمين اخيرا بماذا يشعر الكائن الذي لايحبه احد؟
رفعت اليس نظرها نحو ستيفان مندهشة وانتفض قلبها في صدرها . وفي وجهه المنحني امامها لمحت تعبيرا جديدا ... حنانا مضطربا ناعما، خفف من حدة الاناينة والكبرياء في ملامحه .
ركع قربها وسألها
-لماذا هربت بسبب ماقلته قبل قليل... الم تتصنعي...
-لم امثل عليك ، ابدا ياستيفان. كنت تعتبرني خبيثة ومرتشية، لكنني ، تماما، مثل هذا الكلب المسكين الذي يتسول سقفا ... وبعض الحب . لن .. لن اتحلى بالشجاعة لاتزوجك ، ياستيفان ، لايمكنني ان اعيش مع رجل لايثق بي.
-لايمكنني ان اعيش من دونك يا اليسيا اعرف ذلك منذ ان جئت بك الى سوليتاريا . لقد تصرفت مثل نذل الان. كنت اعتقد انك ...
-لست تمارا ولا اطيق انه اشبه بها دائما . اعرف انك كنت تحبها هي ، ولم تكن تحبني...
-لكنني احبك حتى الجنون! اقتلك ولا ادعك ترحلين! انت لي ، ياليسيا ، ولا يوجد مثلك اثنتين . اريد ان اصرح لك بامر ما ...
كنت اعرف منذ مدة طويلة انك لم تكوني ابدا خطيبة دمسكينوس لكنني كنت بحاجة الى حجة كي ابقيك قربي...
-وكيف عرفت الحقيقة؟
-بواسطة الكسندر. لقد سبق وعرفه في عدة حفلات ويعرف خطيبته جيدا . لقد وصفها الي بأنها شقراء ذات عينين زرقاوين مكحلتين بوقاحة ... لاشيء لمقارنته بك ، بالطبع!
-عندما رأيتني بهذا الزي ، تهيأ لي بأنك ستنزعه عني!
-لست مخطئة . كنت كالمجنون ! ! تصورت انك تريدين التشبه بتمارا .
-لكنك كنت تحبها ...
-نعم وكنت احترمها الى درجة اني اعتبرتها لا تخطئ . لكن ذلك هو خطأي ، فهي لم تكن تستحق كل ذلك . معك ، يا حبيبتي وجدت مايمكن للرجل ان يتمنى ، العمق و الذكاء و الطيبة و الرأفة ...
نظر الى الحيوان الناعس نظرة لطيفة واضاف :
-لكن، اخشى الا يأخذ هذا الحيوان مكاني ...
-ليس الآن ، في كل حال . هل تغار من كلب مسكين جائع حتى الموت !؟
-انا جائع ايضاً . لن أدعك ترحلين ابداً ، ياحبي ستبقين معي وسأتزوجك سأنعمك بالحلى وبكل ماترغبين وسأحبك كثيراً الى درجة ستتوصلين الى حبي !
-آه يا حبيبي ، لكنك لم تفهم شيئاً ! فأنا أحبك ! وستفعل بي ما تشاء . سأكون زوجتك بما في هذه الكلمة من معنى.
همس وهو يلمس شعرها:
-زوجتي... منتدى ليلاس
نظر الى الفتاة الجالسة على العشب والى الحيوان النائم وقال:
-الان تمكنت بنجاح من تدجين هذا الحيوان وتريدين الاحتفاظ به اليس كذلك؟
-حتى الان ، لم اكن اعرف بأنني اتمتع بموهبة خاصة في تدجين المتشردين ...
نظر اليها بمحبة كبيرة وقال:
-انت ساحرة ، ياحبي !

تـــــــــــمـــــــــت

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس

قديم 09-11-08, 12:26 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 35468
المشاركات: 53
الجنس أنثى
معدل التقييم: موني الاردن عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 17

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
موني الاردن غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

روعععععععععععععة تسلم ايدك على الرواية

 
 

 

عرض البوم صور موني الاردن   رد مع اقتباس
قديم 09-11-08, 01:15 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موني الاردن مشاهدة المشاركة
   روعععععععععععععة تسلم ايدك على الرواية

العفو حبيبتي انتي اللي أروع

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 09-11-08, 10:54 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الله يعطيك العافية تمورة
الرواية فعلا رووووووووعة

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
قديم 12-11-08, 10:00 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو قمة


البيانات
التسجيل: Sep 2007
العضوية: 44675
المشاركات: 6,796
الجنس أنثى
معدل التقييم: majedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسيmajedana عضو ماسي
نقاط التقييم: 4832

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
majedana غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

تسلم ايدك

من زماااااااان حابة اقراها ... من كتر ما سمعت عنها

ااااااااااااااااالف شكر يا عسسسسسل

 
 

 

عرض البوم صور majedana   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البديلة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, the awakening of alice, عبير, عبير القديمة, violet winspear, فيوليت وينسبير, قلوب عبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t97971.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
4 - ط§ظ„ط¨ط¯ظٹظ„ط© - ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± - ظ‚ظ„ظˆط¨ ط¹ط¨ظٹط± … - ظ…ط®ظ…ظ„ظٹط© ظ…ظ†ظپطھط­ط© This thread Refback 30-04-16 11:21 PM
4 - ط§ظ„ط¨ط¯ظٹظ„ط© - ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± - ظ‚ظ„ظˆط¨ ط¹ط¨ظٹط± … - ط§ط±ظٹط¯ ط§ظ† ط§طµط±ط® ط¨ط§ط¹ظ„ظ‰ طµظˆطھ This thread Refback 18-03-16 05:02 AM
ط§ظ„ط¨ط¯ظٹظ„ط© ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± This thread Refback 03-09-14 12:02 PM
ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط£ط­ظ„ط§ظ… ط§ظ„ط¬ط¯ظٹط¯ط© ظ„ظ… طھظ†ط²ظ„ This thread Refback 02-09-14 02:18 PM
ظ…ط¹ط°ط¨ظ‡ ظ‚ظ„ظˆط¨ ط§ظ„ط±ط¬ط§ظ„ ظƒط§ظ…ظ„ظ‡ This thread Refback 16-08-14 08:46 AM
ظ‚طµطµ ظ‚ط¨ظ„ ط§ظ„ظ†ظˆظ… ط·ط§ط­ظˆظ†ط© ط§ظ„ط§ط³ط±ط§ط± ظ…ط­ط·ظ… This thread Refback 13-08-14 05:11 PM
ط§ظ„ط¨ط¯ظٹظ„ط© ظپظٹظˆظ„ظٹطھ ظˆظٹظ†ط³ط¨ظٹط± This thread Refback 04-08-14 07:06 PM


الساعة الآن 05:16 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية