لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


123 - وجوه الغيرة - ليليان بيك - عبير القديمة ( كاملة )

هذي الرواية كمان للكاتبة عذووب وحبيت تشاركوني اياها:flowers2: العنوان الاصلي لهذه الرواية بالانكليزية RUN FOR YOUR LOVE الكاتبه ليليان بيك سلسلة روايات عبير

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-11-08, 10:26 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي 123 - وجوه الغيرة - ليليان بيك - عبير القديمة ( كاملة )

 

هذي الرواية كمان للكاتبة عذووب وحبيت تشاركوني اياها



العنوان الاصلي لهذه الرواية بالانكليزية
RUN FOR YOUR LOVE
الكاتبه ليليان بيك


سلسلة روايات عبير





الملخص :
كانت تعني كل شيء بالنسبه لرجلين.... دانيال الرقيق الهادئ
الذي يحلم بأن تكون زوجته, وماك ديلاني الموسيقار المعروف
الذي اصيب بحادث اصطدام وعاش وحيدا في مزرعه مهجوره
جاقدا على العالم, فاقد الثقه بالنساء ولا سلوى له الا مرارة الذكرى.
وبينهما... اوليفيا التي فتحت قلبها لسمفونية الحب ذات ليلة عاصفه.
منحت الفنان المعذب كل شيء, فلم يقابلها الا بالسخريه. وعلمها معنى
الغيره. ولكن المعركه الحقيقية كانت بين عقلها وقلبها. حتى طوفان
الغيره الاعمى لم يكن كافيا ليطفىء نيران النشوة الحلوه اللاحفه التي
تتقد في اعماقها.....




وجـــوه الــغــيـرة


العنوان الاصلي لهذه الرواية بالانكليزية
RUN FOR YOUR LOVE
الكاتبه ليليان بيك


سلسلة روايات عبير



1- غريب في الغابة

كانت السماء تنذر بسقوط المطر والثلج حين توقف محرك السياره. فامسكت اوليفيا بالمقود بشده. وحاولت ان تقنع نفسها بأن كل شيء على مايرام وادارته من جديد دون جدوى.
عندها تذكرت ماقاله لها الاصدقاء بأن بداية شهر آذار فترة غير ملائمه للسفر, لكنها رغم ذلك ارادت ان تزور الحقول والتلال الخضراء في شمالي انكلترا.الا انها في تلك اللحظة ادركت انها اختارت وقتا غير ملائم للقيام بمثل هذه الرحله ولكنها للمرة الاولى في حياتها,ارادت ان تقوم بعمل اخرق.فقد امضت ايام صباحها بالعمل المتواصل.... ممرضه تعتني بسيدة عجوز او ابنه اخت مخلصه لخاله متطلبه ومحبه...
عبثا حاولت ان تدير المحرك قبل هبوط المطر.لكن خيوط الماء انهمرت وتساقطت قطرات الماء انهمرت وتساقطت قطرات كبيره كبيره على زجاج السيارة. ومع صوت المطر تذكرت أمر الوقود !!
لن تسير السيارة على الهواء! وهي لم تملأ خزان الوقود. وقد سارت ساعات بعد ان تناولت طعام الغداء ونسيت انه لا وجود لمحطات البنزين في تلك المناطق النائية التي كادت تخلو من السكان .
تنهدت اوليفيا ونظرت حولها. ثم اغمضت عينيها وتخيلت بهاء الهصاب الجنوبيه ودروبها الجميله ولوحات الاتجاه. ثم فتحت عينيها لكنها لم تر أية لوحه اتجاه . ولاحظت انه لا يحيط بها سوى كلسية جرداء.فانتابها شعور بالخوف والقلق . وتمنت لو تستطيع ان تهرب من تلك الورطه بغفله عين .
لكن الى اين تهرب , واي اتجاه تسلك ؟
الحقول الشاسعه تمتد امامها الى ما لا نهاية .لكنها لا ترى أي كائن حي غير الطيور التي تمر بها غير مبالية, او الخراف المبعثرة على الروابي البعيده.
كبر فيها القلق لكنها استسلمت للامر الواقع, وادركت انها لن تستطيع ان تدير المحرك, فان السيارى لن تتحرك من مكانها.فجأة توقف المطر فغادرت السيارة. اقفلت الابواب ثم توجهت الى الصندوق فأخرجت حقيبة تحتوي على بعض أدوات الزينه ووعاء فيه شيء من القهوة وعلبه صغيره من الكريما , كان هذا كل ما تملكه من طعام .
كانت السيارة تقف في مكان امين, بعد ان ابعدتها اوليفيا عن الطريق العام واوقفتها على العشب. التفتت حولها بخوف وتذكرت انها خلال ساعه كامله لم تلتق الا بيارتين. ورغم ذلك شجعت نفسها, واملت ان يمر بها احد قريبا.
عضت على اسنانها وحملت حقيبة طعامها بيدها ثم علقت حقيبة يدها بكتفها وسارت باتجاه المجهول. لكن الظلام هبط باكرا لأن السماء كانت ملبده بالغيوم السوداء. لم تكن تقصد أي مكان لكنها كانت تسير فقط كي لاتفقد الامل.
ومر الوقت بطيئا واوليفيا وحيده فجأة رات على جانب الطريق حجرا قديما حفرت عليه كلمات استطاعت ان تقرأ منها القسم الاول:على بعد 3 اميالمن... فقد محت السنون الجزء الاخير من العباره واضاعت اسم المكان .
على ذاك الحجر الصغير جلست اوليفيا بحذر وتناولت ما تبقى لها من قهوة وكريما بينما المطر ينهمر. لكنها لم تبال لأن قبعه سترتها المبطنه كانت تقيها من البلل .
كانت ترتدي بنطالا من القماش المتين لا تتسرب اليه الماء بسهوله وتنتعل حذاء مريحا لذلك صممت ان تتابع السير علها تجد نهاية لهذه الرحله المضنيه ....
دقائق طويله ولاح لها في البعيد ضوء. فاعتقدت للوهلة الاولى ان النور لم يكن الا وهما. لكنها استطاعت ان تلمح بريقه البعيد بين خيوط المر وتأكدت ان مصدره بيت ناءٍ في هضبه بين الاشجار . فراحت تتقدم شيئا فشيئا باتجاه الضوء حتى بانت على مقربه منه وكان خوفها يزداد كلما اقتربت.
عند مدخل الطرق المؤديه الى مصدر النور توقفت قليلا وتساءلت.... هل تتابع سيرها في تلك الدرب المهجورة؟ ترددت للحظات لكنها كانت تأمل بان تلتقي اناسا طيبين يستضيفونها ريثما يتوقف المطر.
لذلك تابعت خطواتها حتى ادركت النور. واكتشفت انها امام مزرعه فتحت بوابتها الكبيره فأثار الامر دهشتها وتساءلت كيف يمكن لمزارع حريص على حيواناته ان يترك بوابة مزرعته مفتوحه.؟
لذلك تخيلت ان المزرعه لابد ان تكون مهجوره لا سيما وان سقفها يكاد ينهار, ونوافذها مخلعه كاد املها يتلاشى لكنها فجأة سمعت نباح كلب .
من اين تراه اتى ؟... ومن اين يتسرب النور؟.... لا بد ان يوجد انسان في داخل المزرعه وهذا هو المهم !
كان المطر يهطل بغزاره ويبلل ثيابها حين طرقت اوليفيا الباب وطلبت النجده. لكنها لم تسمع سوى صدى طرقاتها الملحه. طال وقوفها وابتلت من رأسها حتى اخمص قدميها , فقررت ان تدخل بأية وسيله حتى ولو اضطرت ان تقفز من احدى النوافذ المخلعه. لكنها اكتشفت ان الباب لم يكن مقفلا. دفعته امامها. ودخلت , واذا بكلب حجمه مخيف يبرز انيابه الحاده .
وتأهب لينقض عليها فاحست وشعرت ان الدم تجمد في عروقها . ولكن قبل ان يهجم الحيوان الشرس علا صوت من الداخل :
- اهدأ ياراف ! اهدأ !
وعلمت ان هذا اسم الكلب لذلك مدت يدها الى رأسه وحاولت ان تهمس :
- مرحبا ياراف .
فتوقف الكلب عن النباح وراح يحرك ذيله بسرعه ويمد لسانه ليلمس به يدها. فشعرت اوليفيا بشيء من الاطمئنان وهي تلاعبه وتناديه بأسمه .
وبينما يدها تمسح رأسه لاحظت حول عنقه طوقا يحمل قطعه معدنيه ذات لون ذهبي حفر عليها اسم ما .
فحبست انفاسها حين اكتشفت ان القطعه لا تحمل اسما فقط. بل ختما يشير الى انها من الذهب الصافي. فحاولت بجهد ان تقرأ اسم صاحب الكلب وعنوانه لكن صيحه قويه منعتها من ذلك :
- قف مكانك ياراف! هل تسمعني ؟
فانحنى راف نحو الارض وسقطت القطعه من يدي اوليفيا التي رفعت نظراتها الخائفه نحو الزائر وقد ارعبها منظره اكثر من زمجرة الكلب عندما دخلت الى الغرفه .
كان الغضب يلمع في عينيه البنيتين القاتمتين فشعرت اوليفيا بأن الرجل يكاد ينفجر غيظا لأن احدا تجرأ واقتحم حرمة منزله حين صرخ بها :
- بحق الجحيم ماذا تردين ؟
في تلك بدا الرجل وكأنه يوجه كلامه الى الكلب لكن نظراته الساخطه حطمت اوليفيا فتملكها خوف شديد .






كان شكله يشبه شكل ناسك. بنطاله ممزق عند ركبتيه وكذلك قميصه عند كوعيه, وقد وضع يديه في جيوب بنطاله ولاحظت ان قدميه شيه حافيتين. كان ممشوق القامه طويل الشعر حالكهغطت وجهه لحيه سوداء وانتصب رأسه فوق كتفيه العرضتين .
ورغم نبرته القاسيه بدا صوته مهذبا , لذلك قالت له اوليفيا :
- انا متأسفه . اني حقا متأسفه .
وحاولت ان تشير الى مكان سيارتها وهي تضيف :
- لقد تعطلت سيارتي , فرغت من الوقود .
فأجابها :
- حاولي على الاقل ان تجدي عذرا مقنعا .
فخلعت قبعتها وكشفت عن عينين اضناهما التعب, وعن شعرها الكستنائي الذي يغطي وجهها الشاحب, فلاحظ الرجل بنطالها المبلل الملتصق برجليها وهي تقول له :
- هذه هي الحقيقه. لقد اوقفت السياره على مقربه من هنا .وقطعت المسافه سيرا على الاقدام علني اجد محطة بنزين .
توقفت عن الكلام والتفتت اليه فأرعبها منظره وهو يقول لها :
- يجب ان تخافي مني ايتها السيده. انا مجرم قاتل هارب من السجن. انظري الي جيدا لأني مازلت قادرا على القتل .
ثم اقترب من اوليفيا وصرخ :
- هيا اخرجي .
لكنها بقيت واقفه مكانها وهتفت قائله :
- اني مبتله ومتعبه وجائعه. ارجوك ياسيدي ... لا ابالي ان كنت مجرما ام لا. دعني على الاقل اجفف ثيابي. انا اكيده ان لديك موقدا فلقد رأيت دخانه لا اريد الا القليل من الماء وبعض الطعام .
- اسمعي ايتها السيده. اني مصاب بداء الطاعون ومرضي معدٍ وكل ما المسه يصاب بالعدوى. والان اترغبين بالخروج بعد ان عرفت حقيقتي ؟
امام عباراته تلك خاطبت اوليفيا نفسها قائله :
- يا الهي . انه حقا مريص وهو وحيد بحاجه الى من يعتني به .
فقال لها وكأنه ادرك ما يجول بخاطرها:
- اخرجي ! هيا اخرجي ! ماذا علي ان افعل لأقتعك اني رجل خطير ؟
لم تخف من نبراته لكن لم يكن بوسعها اقناعه ببقائها. همت بالخروج فلحق بها الكلب وكأنه يرافقها في نزهة لكنها اغلقت الباب في وجهه وخرجت .
ماذا تراها تفعل ؟
هل تكمل سيرها لتضيع في العتمه ام تعود ادراجها لتعرض نفسها لمرض الطاعون ؟
وبينما هي تسير حائره سمعت نباح الكلب وراءها. فالتفتت فرأته يدعوها للعوده. كان الكلب يلتفت وراءه من حين الى اخر ليتأكد من انها تلحق به .
عندما وصلا الى باب المزرعه بدا لها الرجل هو الذي فتحه بعد ان انتصر عليه الكلب فدخلت الى الغرفه البارده .
كان سقفها عاليا جدا وجدرانها رطبه داكنه اللون. وقد امتدت في ارضها قطعه بساط ممزقه وفوقها في وسط الغرفه طاوله من خشب وراءها كرسي شبه محطم .
فجأة خيم هدوء كامل على المكان فتساءلت الصبيه المبلله عن سبب اختفاء الكلب وصاحبه وقامت تبحث عن موقد نار لتجفيف ثيابها فشاهدت الحيوان الضخم قابعا امام باب غرفتها يتربص بكل حركه تقوم بها. فنادته بصوت خافت .
- راف ّ قل لي اين اجده انه بحاجه الى مساعده . انه يحتضر اذا مات ياراف ...
توقفت قليلا ثم تابعت :
- ان حياة الانسان غاليه خصوصا اذا ....
توقفت ثانية وتساءلت ماذا عساها ان تقول ؟ من يكون بالنسبة لها ؟ انه ليس سوى غريب خاطبها بلهجة قاسية. لكنها تابعت رغم ذلك قائله :
- ان مات يا راف فسوف تبقى وحيدا ولن يعتني بك احد...
وبينما هي تخاطب الكلب سمعت صوت الرجل ينادي :
- راف تعال الى هنا . واياك ان ترجع الى هذه العدوه....!
تعجبت اوليفيا وتساءلت كيف يمكن ان تكون عدوه وهي لا تعرف شيئا عن الرجل ؟ ثم اقتربت من باب الغرفه التي جاء منها الصوت وقالت:
- ارجوك ياسيد ان تدلني على مكان المقود فثيابي ما زالت مبتله .
وانتظرت الجواب ولكن صمتا رهيبا ملأ المكان حتى خيل اليها ان الرجل لم يسمعها. فتقدمت خطوتين الى الداخل فرأته ممددا على السرير.
عندما ابصرها قال لها بلا مبالاة :
- تستطيعين ان تمضي الليله هنا . لكن عليك ان ترحلي عند الصباح.
- هذا كل ما اريد. ان اجفف ثيابي وان اكل شيئا. سوف ادفع لك الثمن الذي تطلبه اذ تبدو بحاجه الى المال لتشتري لنفسك ...
التفتت من حولها لتتأكد من كثرة الاشياء التي يحتاجها وتابعت :
- لتشتري لنفسك اشياء كثيره .
- افهم من كلامك انك تملكين الكثير من النقود وتريدين ان توزعيها على الفقراء... مثلي .
تمهلت قبل ان تجيبه فهي تملك مبلغا لابأس به من المال أوصت لها به خالتها عند وفاتها, لكنها رغم بلوغها الـ26 لم تفكر يوما بتبذير المال . وكان مجرد التفكير في الثروة التي هبطت عليها أمرا يزعجها ويعكر صفو مزاجها . وبسبب هذه الثروه تركت المنزل الذي ورثته عن خالتها والذي عاشت فيه 11 سنه بعد وفاة والدتها . وقررت ان تقوم برحله الى شمال العراق شرقي انكلترا بعد ان اصبحت حره طليقه ومسؤوله عن مصيرها .
ورغم البرد القارس ورغم الصعوبات التي اعترضتها شعرت بأن شيئا يدفعها لتنفيذ قرارها.
هل كتب لها القدر ان تدخل هذه المزرعه المهجوره وان تلتقي هذا الرجل ؟ واية قوة غريبه قادتها الى هذا المكان ؟ كانت تفكر بكل هذه الامور بينما الرجل يتأمل وجهها وينتظر جوابها . وبعد تفكير قالت له :
- ما الذي يجعلك تعتقد اني بأني املك ثروة ؟
فأطبق جفنيه وقال :
- من يعلم ؟
عندما اغمض عينيه خافت اوليفيا ان يستسلم للقاد قبل ان يدلها على الموقد فهتفت :
- ياسيد.... علي ان اجد لك اسما اناديك به .
- لماذا ؟ على أي حال لن تمضي هنا اكثر من ليله واحده وعلي الآن ان اجد لك غرفة تنامين فيها .
فعادت تسأله :
- بربك قل لي اين اجد النار ؟
- في الموقد طبعا .
وحين اكتشفت ان لا وجود للموقد الا في غرفته خلعت سترتها وبحثت عن كرسي تلقيها عليه . فرأت كدسة من الكتب رمت الستره عليها. ثم اخذت تخلع الثياب المبتله كلها حتى كادت تتعرى والتفتت الى الرجل قائله :
- ارجوك ياسيد ..
- ديلاني , ماك ديلاني .
- ارجوك ياسيد ديلاني ان تعطيني ثيابا جافه ريثما تجف هذه .
بعد تردد نهض عن السرير وجاءها ببعض الثياب من الخزانه في الغرفه المقابله وسألها :
- بحق الجحيم, ما الذي تفعلينه في هذه المناطق وفي مثل هذا الطقس؟ هل ارسلتك احدى المجلات لتفتحي ملفا قديما ؟
سألته بدهشه :
- هل تعني اني مراسله صحافيه ؟
- حسنا . قولي لي الحقيقه !
- انا صادقه. واذا اردت ان تعرف حقيقة امري فأنا في عطله لبضعة اسابيع .
- في عطله ؟ ولكن ما هي مهنتك ؟
اجابت بهدوء :
- لا امارس أي مهنه .
- اذن لماذا لا تبحثين عن عمل عوضا عن التجوال في المناطق النائية تطرقين ابواب غرباء تجهلينهم ؟
- لست بحاجه الى عمل في الوقت الحاضر . هذا كل ماعندي لأقوله .
وتوقفت عن الحوار عند هذا الحد, وراحت اوليفيا تنظر الى الخزانه المليئة بالثياب. فقال لها الرجل :
- انها ثياب مسروقه .
تناولت قميصا ازرق اللون, وطلبت منه ان يغمض عينيه ريثما ترتديه :
- ارجوك اغمض عينيك ياسيد ديلاني . وكف عن التحديق بي . أي نوع من الرجال انت ؟
- سبق ان اجبت عن هذا السؤال ياسيده . اني مجرم وقاتل .
- لا اصدق ما تقوله .
- هل تريدين اثباتا على ذلك ؟
انتاب اوليفيا شعور بالخوف وقالت :
- ارجوك ان تدعني وشأني . لم اقصد اطلاقا ان ازعج خلوتك .
لكنه ظل يحدق بها وفي عينيه بريق من الحقد والضعف في الوقت نفسه .
غدا سوف ترحل وتتركه مع عزلته ولن تزعجه ابدا .

2- الخيبة

لم تكن قادره ان تخلع بنطالها المبلل بينما عينا الرجل تحدقان بها لذلك اخذت بنطالا له وخرجت لترتديه في الغرفه المجاوره. فسمعته ينادي كلبه ضاحكا :
- راف ! عد يا راف , ابق هنا !
لحظات ثم عادت الى غرفة ديلاني الذي كان واقفا امام النار يحدق بألسنتها الراقصه وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه ساخره حين رأى اوليفيا تلبس بنطاله الواسع. فقالت هذه الاخيره :
- اني آسفه لأزعاجك مرة اخرى . واعلم انك قد لا تمتلك زنارا لكني اريد شيئا من هذا القبيل اخزم به البنطال, لي لا ينزلق عن خصري .
جلس على جانب السرير وقال :
- ولماذا ؟
اجابت بنرفزة :
- اريد أي شيء ارجوك ! الديك خيط او حبل رفيع مثلا ؟
- قد تجدين خيطا في الطبخ كما قد تجدين فيه مسدسات وخناجر . لكن ايك ان تصوبيها الي .
- انت مجرم ياسيد ديلاني بقدر ما انا مجرمه .
في احدى زوايا الغرفه,رأت اوليفيا تلك اللحظة حشرة صغيره فقامت وداستها بقدمها. فقال الرجل :
- هذا برهان على وجهة نظري . انت ايضا قاتله لكن ضحاياك تختلف عن ضحاياي.
ثم اقترب منها ووضع ذراعه حول عنقها, لم يكن امامها أي خيار سوى ان تحدق بعينيه وتهمس :
- انك تؤلمني ياسيد ديلاني .
لكنها تأكدت انها مهما كانت نواياه فلم يكن بوسعها ان تتخلص منه وتهرب . احست انها سوف يفمى عليها فأحنت رأسها الى الوراء وتملصت من بين يديه لتسقط فوق السرير وهي تتمتم:
- اعتذر ليس من عادتي ان يغمى علي .
ظلت على السرير الى ان فارقها الغثيان. وعادت لتفتح عينيها فرأت ديلاني واقفا اما الموقد وقد انتابه سعال شديد. فهرعت اليه وامسكت بيده وقادته الى السرير وقالت :
- ياسيد ديلاني, ان السرير هو المكان الوحيد الذي يجب ان تكون فيه. لابل من المفروض ان تكون في المستشفى او على الاقل يجب ان يعتني احد بك .
نظر اليها وقال :
- هل افهم انك تقدمين نفسك للعنايه بي اذا كان هذا حقا ما تنوين فاني اؤكد لك اني لا املك شيئا. فبالله عليك اخبريني من هي المرأة التي تقوم بأي عمل كان دون مقابل ؟
من خلال عبارته تلك بدأت الحقيقه تتضح في ذهنها . واعتقدت ان ديلاني يكره النساء . لأن ثمة امرأة في ما ضيه سببت له ألما كبيرا جعله يحمل كل هذا الحقد في قلبه . فقالت في نفسها لابد ان شخصية ديلاني كانت مختلفه في السابق عما هي عليه اليوم .
القت نظره خاطفها على الكلب الرابض بجانبها, وراحت تداعبه قائله :
- انا جائعه ياراف ! هلا ارشدتني الى مكان الطعام ؟
وفيما هي تتحدث اليه التفتت الى ديلاني الذي قال لها :
- بما انك سألت الكلب عن مكان الطعام فدعيه يجيبك يا آنسه ....
اجابته وقد ازعجها كلامه :
- اوليفيا بارنز ! شكرا على النصيحه. وبما انني اعتبر درجة ذكاء الكلب تفوق درجة ذكاء صاحبه فسوف اذهب حيثما يرشدني .
- سوف تندمين يا آنسه بارنز على قولك هذا طيلة حياتك .
- انا مسرورة لأنني سأعيش حياتي يا سيد ديلاني .
- لكني لم احدد لك كم من الوقت سوف تعيشين يا آنسه بارنز .
لم تجبه على تهديده الكاذب وقامت لتتوجه الى المطبخ فأكمل بنبرته الغاضبه :
- اني احذرك , لن يعجبك مطبخي على الاطلاق .
لم يكن مخطئا بشأن مطبخه. كانت رائحه كريهه تملأ ارجاءه وبدت معظم ادواته ... قديمة الطراز وقذره رغم ان الغرفه واسعه كأنهاصممت لعائله كبيره .
وبينما كانت اوليفيا تجول بنظرها في ارجاء المطبخ احست بأن احدا يحدق اليها. فالتفتت بسرعه الى جهة الباب ورأت ماك ديلاني واقفا امامه وهو يقول :
- الطعام يا انسه بارنز هو ماتبحصين عنه الان . اليس كذلك ؟
- اجل. الا قلت لي من فضلك اين اجده ؟
- اسألي الكلب طالما انه يفوقني ذكاءا !
لم ترد وقامت تبحث بنفسها عن أي شيء يسد جوعها فوجدت اصنافا عديده من الملعلبات وكميه كبيره من الخبز. فأدهشها الامر للوهلة الاولى وسألته :
- من اين جئت بكل هذا طالما ان مظهرك وتصرفاتك تدل على فقر حالك ؟
- الم اقل لك انني مجرم ؟ لقد سرقت هذا الطعام لأروي غليلي واشبع شهيتي .
ومن جديد مد ذراعه واحاط خصر اوليفيا وجذبها اليه حتى التصق جسمها بجسمه , فباتت لا تستطيع ان تتنفس بسهوله .
رفعت اليها عينيه المتوقدتين فأصابت بنظرها انفه المستقيم وشفتيه . ولكن ديلاني ما لبث ان نزع يديه فأطبقت جفنيها وسمعته يقول :
- يجيب ان تخافي مني يا سيدة بارنز . انا استطيع بيد واحده ان انزع الحياة من جسدك. ولن يدري بك احد ولن يسمع صيحاتك أو يأتي لنجدتك أي انسان؟
لكن اوليفيا لم تكن تسمع تهديداته . وتذكرت حين خرج من المطبخ ان خفقات قلبه كانت متسارعه كخفقات قلبها, فلحقت به الى غرفة النوم لتسأله عله يشاؤكها طعامها .
حين دخلت الغرفه رأته ممددا على السرير وبدا وجهه الشاحب اقرب الى الموت منه الى الحياة فسألها :
- ماذا تريدين ثانية؟ هل انت ممرضه تقوم بواجبها ؟
- انا لست ممرضه ولا اقوم بأي واجب. ولكني قضيت 10 سنوات اعتني بخالتي المريضه الى ان اسلمت روحها .
- والان على ما اعتقد ,تردين ان تعتني بي حتى اسلم روحي بدوري .
- لن تموت ياسيد ديلاني. ربما لو لم اجئ الى هذا المكان كان من الممكن ان تموت . ولكن ....
لم يدعها تكمل قولها فقاطعها جازما :
- غدا تتركين هذا المكان وترحلين .
- اطمئن ياسيد ديلاني . ما من شيء يجعلني ابقى عندك . والان قل لي ماذا تفضل ان تأكل ؟
- لا شيء على الاطلاق . واذا كنت اريد شيئا فسوف اجلبه بنفسي .
فنظرت اوليفيا الى ذراعه اليسرى وحاولت ان تتكلم لكنه قاطعها قائلا :
- لست بحاجه لمن يشفق علي. لقد صدمت سيارتي جدارا .
- ولكني لا افهم طريقة حياتك ! لماذاا ؟ لماذا؟
- ليس من الضروري ان تفهمي أي شيء . انت مجرد عابرة سبيل. إذا ترحلين وكأن شيئا لم يكن . اما الان فأريدك ان تخرجي من غرفتي. لست بحاجه اليك ايتها المرأة. اتسمعينني ؟ لست بحاجه الى أي مخلوق باستثناء كلبي المخلص .



خرجت اوليفيا من الغرفة واتجهت الى المطبخ وجلست تفكر بأمر ديلاني .
لا بد انه فشل في حب امرأة مما جعله يستيلم الى اليأس والعذاب . ولكن الا يجوز ان يكون في حياته شخص اخر يتعدى تصورها وخيالها .؟
على اية حال من عساه يكون ؟ اية رياح حملته واية عواصف حطت به في هذا المكان الموحش النائي ؟
اجالت اوليفيا ناظريها في الغرفه المجاورة تبحث عن حمام تغتسل فيه, وعندما وجدته خلعت ثابها واغتسلت بالماء الساخن الذي كان يؤمنه مولد كهربائي .
خرجت من الحمام ودخلت غرفة النوم حيث استلقت على السرير وحاولت ان تغفو لكن البرد كان يطرد النوم من عينيها المتعبتين.
فجأة علا صوت في الخارج ايقظها من غفتها. سمعت ديلاني ينادي كلبه:
- هيا ياراف 1 الى الداخل !
واقترب الصوت من غرفتها ثم شاهدت الرجل يدخل مع كلبه. فتملكها رعب شديد وبرحت مكانها عاجزه عن القيام بأية حركه .
كان ديلاني يحمل شيئا في يده لم تستطع ان تميزه. وقالت لنفسها :
- يا الهي ! هل يمكن ان يكون مجرما حقا ؟ هل يريد ان يتخلص مني ؟
وحاولت ان تحبس انفاسها لكنها صرخت رغما عنها. الا ان دبلاني اقترب من سريرها وانزل ماكان يحمله ووضعه فوق جسمها المرتجف .
كان يحمل سترة من الصوف. اراد ان يحميها بها من البرد القارس .
تنفست اوليفيا الصعداء وقالت :
- شكرا ياسيد ديلاني . انك لطيف حقا .
لم يرد على شكرها بل خرج من الغرفه ولحقه الكلب واستسلمت اوليفيا للرقاد .
عندما استيقظت في الصباح الباكر , كانت حالة الطقس قد ازدادت سوءا ولم تنس ان عليها الرحيل . لكن كيف تفعل ذلك في مثل هذا الطقس ؟
قامت من سريرها ونزلت الى المطبخ فوجدت ان ديلاني قد اشعل نارا, بعد ان نظف الموقد وازال الرماد المتراكم فيه .
واقتربت من الطاوله فوجدت عليها ثيابها المجففه وفوقها ورقه تركها لها ديلاني وكتب عليها :
- تناولي ما تشائين من الطعام. شكرا لتنظيفك المطبخ . وداعا .م . د.
جمعت اوليفيا اغراضها وحملت حقيبتها وتأهبت للخروج كان بودها ان تودع ديلاني لكن باب غرفته المغلقة ردعها عن المحاوله .
فألقت نظره اخيره على الكلب وخرجت بعد ان اغلقت الباب وراءها. وسارت في العاصفه وهي لاتدري الى اين تذهب, وكأنها تركت الامر للعاصفه لكي تحملها حيثما تشاء .
منتديات ليلاس
على بعد 3 اميال عن المزرعه شاهدت حانوتا صغيرا الى جانبه مكتب للبريد. دخلت وطلبت مساعدة البائع بعد ان شرحت له امرها واخبرته بأمر سيارتها المعطله .
كان البائع لطيفا معها وطمأنها قائلا :
- لا تخافي. سوف احضر مزارعا يملك جرارا ينقل سيارتك الى اقرب محطة بنزين. لكن لا استطيع ذلك الان اذ ليس هنالك أي مزارع يقبل الخروج من منزله في مثل هذه العاصفه. خصوصا ان اقرب محطة بنزين تبعد 7 اميال من هان .
سألت اوليفيا بلهفه :
- وكم ستدوم العاصفه حسب اعتقادك ؟
- من الممكن ان تهدأ غدا .
- قل لي من فضلك يا سيد ... لقد لمحت مزرعه على مقربه من هنا اتعلم من يقطنها ؟
- كانت تسكنها عائلة تدعى اثرلاي. مات بعض من افرادها ورحل البعض الاخر. فبقيت المزرعه مهجوره الى ان جاء رجل منذ سنه تقريبا, واتخذ منها بيتا له يلازمه ليل نهار .
- حسنا اشكر لك اهتمامك. سأعود فور هدوء العاصفه . الى اللقاء .
خرجت اوليفيا من الدكان واتجهت الى نزل صغير تطلب غرفة تقضي فيها الليلة. لكن صاحب النزل اجابها معتذرا وقال لها انه لم يعد يملك غرفا للايجار .
سكرته وغادرت المكان دون ان تدري ماذا ستفعل .
قررت ان ترجع الى سيارتها, وحين وصلت اليها دخلت وادارت جهاز الراديو والدموع تنسكب على وجنتيها الشاحبتين .
لماذا تبكي ؟ الم تمح صورة ديلاني من ذاكرتها ؟ ولم البكاء عليه ؟ فهو لي سوى مجرم بائس .
توقفت عن البكاء وفكرت ان اماها الان خيارين.. فاما ان تبقى مكانها حتى الصباح واما ان تعود الى المزرعه وتطلب من ديلاني قضاء ليلة اخرى .
خرجت من سيارتها. وفيما كانت تقفل ابوابها شعرت بحركه غريبه ورائها. واذا براف يقفز وينبح ويدور حولها دون توقف.
فرحت به كثيرا وقررت ان تعود برفقته الى المزرعه .
حين وصلت اليها كان ديلاني واقفا اما الباب. فسارعت الى القول :
- لقد عدت ياسيد ديلاني .
- اذا رفضت ان تدخلي فان كلبي سيلحق بك وابقى انا وحيدا .
فنظرا اوليفيا الى الكلب وقالت :
- علي ان ارحل يا راف . ان معلمك يريد ذلك .واستدارت, لكن صوتا خلفها صرخ بها :
- ادخلي يا اوليفيا .
3- الحمىّ امرأة

انغلق الباب , وتلاقت نظرات اوليفيا بعيني ديلاني وكأنهما يلتقيان للمرة الاولى, ودار حوار صامت بينهما. قطعه صوت اوليفيا قائله :
- شكرا يا سيد ديلاني . شكرا لقبولك بقائي .
ثم مدت يدها نحوه, تبحث عن يد دافئه تأخذ بها وتضمها. واذا بيده اليسرى الذي اصيبت بحادث سياره اصابه بالغه تلتقط يدها الممدوده, وكأنها تمنعها من المغادره .
طافت نظراتها حول عينيه الحزينتين وكأنهما معبد قديم هجرته الصلوات فانقلب نهاره ليلا وليله نهارا.
وهاهي اوليفيا تطل ومعها بريق حياة شحيح شاحب .
خفق قلبها فجذبها ديلاني الى جسمه النحيل الذي احتله المرض وهمس في اذنها :
- اريدك ان تدفئي جسمي . دعي حرارتك تلفني , علها تبعث فيّ الحياة من جديد. لقد فقدت اشياء كثيره. ويلبت مني الحياة امرأة دمرت عالمي بأكمله .
تسرب كلامه الحزين الى قلبها فأغرورقت عيناها بالدموع وانسكبت على يدي ديلاني. فضمها الى صدره حتى كاد يخنق انفاسها .
لكن الحله لم تدم طويلا فقد قطعها صوت ديلاني الساخط:
- يا آلهي ! لست بحاجه الى الشفقه !
عن أي شفقة كان يتحدث؟ ماذا يقصد ؟ والى ما يهدف؟ سألت اوليفيا نفسها وهي تجيب :
- ولكني ....
ثم توقفت هنيهه واكملت :
- ولكنني اردت ان ..... اردت ان تضمني بين ذراعيك . لم يدفعني شعوري بالشفقه للعوده الى المزرعه. الحاجه كانت هي دافعي الوحيد . لم اجد مكانا ابيت فيه . على كل حال انا متأسفه .
لم يسألها عن سبب اسفها ولم يعتذر عن تصرفه الاحمق وكأنه كان يصر على ان عناقها لم يكن سوى رأفه وشفقه. تركها وسار نحو غرفته, فدخلها واغلق الباب .
عندما غاب احست اوليفيا بحزن عميق يهز كيانها وملأها فراغ كبير لم يسبق ان شعرت بمثله من قبل .
ارادت ان تنسى ما حدث وتخلد الى النوم حتى ترحل في الصباح الباكر هن تلك المزرعه المشؤومه.

تمالكت اعصابها ودخلت الى غرفة الموقد فوجدت النار تتأجج فيها. من تراه اشعلها غير السيد ديلاني ؟
ابتسمت اوليفيا واتجهت لتغتسل في الحمام فوجدت منشفه نظيفة بانتظارها . كان كل شيء يشير الى ان عودتها كانت مرتقبه .
بعد ان انتهت من الاغتسال, راحت تجول في المنزل. زارت الغرف الست المجاوره لغرفتها ووجدت ان باب الغرفه السادسه كان موصدا. فسألت اين المفتاح , ياترى ؟ لماذا اقفل الباب ؟ ماذا يوجد داخل تلك الغرفه ؟ اسئله عديده تبادرت الى ذهنها دون ان تجد لها جوابا .
فجأة سمعت خطوات تقترب منها فاستدارت مضطربه ورأت ماك ديلاني واقفا وراءها.
سألها بلهجة ساخرة :
- عم تبحثين يا آنسه بارنز؟ بم عساك تفكرين ؟ ابمحتوى الغرفه ؟ هل هذا ما يشغل بالك ؟ اجيبيني علني استطيع مساعدتك !
ثم التقط خصله من شعرها شد بها اوليفيا اليه وقال :
- ماذا تعتقدين انه يوجد بها غير الاسلحه التي اقتل بها وكل ما يتعلق بعمليات السلب والنهب والقتل التي اقوم بها ؟ اتعلمين ماذا انوي ان افعل بك ؟
- ولكن ...!
- لا ! لا ! لن يهرع راف لنجدتك. لقد حبسته في المطبخ .
- لا اصدقك .
- وهل يعقل هذا ؟ لا تعرفين عني شيئا. بربك اخبريني مالذي قاله السكان في القرية عني ؟ الم يحذروك من الاقتراب من المزرعه ؟ اجيبي !
وشد على شعرها فصرخت :
- آه ! دعني ! انك تؤلمني !
لم تستطع اوليفيا ان تحبس دموعها فأجهشت بالبكاء لكنه تابع عنفه وقال :
- لا يهمني انك تتألمين. انت امرأة مثل غيرك . انت كسائ النساء.... يعطين ولا يعطين. وكلما قدمنا لهن, طلبن المزيد .
- ان ماتقوله غير صحيح ....
لم يدعها تكمل حديثها. شدها اليه ثانية بطريقه انستها الألم والخوف .
- ماذا تظن انك فاعل ؟
- اني اخذ منك كل ما تقدمينه. لقد عشت مده طويله وحيدا. وبما انني رجل فاني استفيد من وجود امرأه الى جانبي. هل لديك أي اعتراض على ذلك ؟
- اعترف بأنني لم استجب لك تماما والسبب في ذلك يعود الى طريقتك المتوحشه .
- يا آلهي ! يبدو ان ليس لديك اية خبره على الاطلاق .
- كنت اعتقد ان الرجال يتصرفون بلباقة عندما يغازلون امرأة لكنك انت لا تريد مغازلتي.
- انت على حق .
اجابت وقد اغاضها كلامه كثيرا :
- على كل حال لن اتزوج الا من رجل يحترم وجودي ومشاعري احتراما لا تملكه انت !
- وما ادراك ما املك ؟
قالها بصوت مرتجف وكأن حمى محرقه قد عصفت بجسمه, ثم تركها ودخل الى غرفته فلحقت به لكنه سرعان مانفر منها وطردها صارخا :
- لست بحاجه الى ممرضة .
- انا اتصرف هكذا مع كل من يحتاج الى العون. انت مريض ويجب ان تلزم فراشك .
- انا افعل ما اشاء . هلا خرجت من غرفتي ؟!
- من غرفتك ام من المنزل ؟
- اختاري بنفسك .
- حسنا سوف افعل .







قالت اوليفيا ذلك وخرجت من الغرفة . فتوجهت الى المطبخ لتعد الطعام .
لم تكن جائعه ولكنها رأت ان تعد له حساء ساخنا يتناوله ساعة خروجه من الغرفة. لكن ساعات طويله مرت دون ان يبرح غرفته.وحين تعبت اوليفيا من الانتظار صعدت الى غرفتها واندست في الفراش البارد. لم تكد تخلد الى النوم حتى احست بالكلب راف يقترب منها وكأنه يدعوها لأن تلحق به ففعلت .
سارت وراءه واذا بها اما ديلاني.كان العرق يتصبب من جسمه وحرارة جبينه مرتفعه جدا . واما منظره المريع هذا هرولت اوليفيا الى المطبخ فجاءت منه بوعاء ماء وراحت تبحث في الخزانه عن سترة جديده. فوجدت قميصا من الحرير اخذته وعادت الى ديلاني.
حاولت ان تخلع عنه كنزته الصوفية . ثم مسحت عرقه دون ان يستيقظلأن نومه كان عميقا بسبب الحمى الشديدة التي تعصف به .
كانالعرق يتصبب بغزارة من جبينه, لذلك قررت ان تعطيه دواء دون علمه علها تزيل عنه الحراره, فجاءت بحقيبة يدها. اخرجت الدواء وذوبته في كوب من الماء, ثم رفعت رأس ديلاني وبهدوء وخبره , سكبت القطرات بحنان على شفتيه وجلست الى جانبه تراقب انفاسه طوال الليلفتلمس جبينه. لتعرف درجة الحرارة ... ثم تعطيه المزيد من الدواء .
حين شعرت بتحسن حالته, اغمضت عينيها وحاولت ان تنام قليلا.
عندما استفاقت, وجدت نفسها وحيده في الغرفه. لم يكن ديلاني في السرير. راح راف يداعب قدميها. لكن معلمه زجره قائلا :
- انزل عن السرير ! هيا !
نظرت اوليفيا اليه فرأته يتأمل الوعاء وكوب الماء وعلبة الدواء وقبل ان تقول أي شيء قال لها :
- اذن يا عزيزتي انت ممرضه تداوي مريضها خلال الليل .
- يجب ان تلزم فراشك. مازلت مريضا .
- حسنا سوف افعل . ولكن بشرط واحد ..... اريدك ان تبقي معي .
- كم انت احمق ! انا.... ولكني ...
تلعثمت وهي تتابع :
- لقد نمت الى جانبك طوال الليل لكي اعتني بك فقط. كيف اعتني بك ان كنت في غرفة اخرى ؟
سألها ديلاني :
- قولي يا آنسه بارنز, لماذا تعتنين بي ؟
ردت على الفور:
- لأنني اكره ان ارى رجلا يتألم .
ثم صمتت وقالت لنفسها:
- ان فيك جاذبا يشدني اليك .. انا لا اؤمن بالحب من اول نظره ولكني ....
واذا بصوته يقطع تفكيرها ويقول :
- ربما كنت على حق !
فأكملت :
- لقد امضيت الليل كله اراقب تنفسك ودرجة حرارتك بينما انت نائم تتحدث عن ..
- عما تحدثت ؟ اجيبيني .
- كنت تتكلم مع امرأة. لم تكن تريدها ان تتركك .
- هل ذكرت اسمها ؟
-لا. لم تفعل . ولكن لا افهم كيف مازلت تفكر بها بعد كل الذي فعلته بك .
- وماذا فعلت بي ؟
- فهمت من كلامك يوم البارحه ان تلك المرأة تركتك لأنك تعرضت لحادث سيارة .
اندس ديلاني في الفراش الى جانب اوليفيا التي حاولت ان تشاركه . لكنه منعها , وضمها الى صدره وسألها :
- اوليفيا بارنز . اتقبلين بي زوجا لك ؟
لم يكن بوسعها ان تجيبه بل اكتفت بقولها :
- ارجوك يا ماك ! انك تؤلمني .
وعاد يسألها :
- ايوجد ثمة رجل في حياتك ؟
فهزت رأسها مجيبه بالنفي .
- الديك اقارب ؟
- لقد ماتت والدتي منذ بضع سنين. وتزوج والدي من امرأة اخرى. من يومها لم اعد اراه الا نادرا . عشت عند خالتي المريضه وتركت المدرسه في سن الـ16 لكي اعتني بها وقضيت بجانبها 10 سنوات. لكنها توفت منذ مده قريبه .
- مازلت انتظر الاجابه على سؤالي .
- كيف اتزوج منك وانا اكاد لا اعرفك ؟ حتى اننا لا نحب بعضنا . ان طباعك حقا غريبة .
اشار الى يده اليسرى وقال :
- اهذا ما يخيفك ؟ ولكني استطيع ان احبك بيد واحدة .
لكنها ابعدته وقالت :
- دعني افكر على الاقل .
- ولكن يا اوليفيا اسأل نفسي ان كانت لديك اية خبرة في الحب ؟
- لا . ليست لدي اية خبره. كنت تفضل امرأة ذات خبرة اليس كذلك ؟ لم اعد ادري شيئا .
قال بينما انامله تداعب شعرها وتلمش بشرتها الناعمه :
- ما الذي تجهلينه يا حبيبتي؟ صدقيني. لن تندمي على زواجك مني . لن اجعلك ابدا تندمين .
لم يكن في حياة اوليفيا رجل تحبه باستثناء دانيال والتنغ الذي طلب يدها. كان يحبها ويحترمها. هو مختلف تماما عن ديلاني. ولكنه لم يعد يعني لها كثيرا .
في تلك اللحظة شعرت بأنامل ديلاني تدغدغها. فحاولت اوليفيا ان تغادر السرير لكنه اوقفها وسألها :
- الى اين انت ذاهبه ؟
- ماذا يوجد في تلك الغرفة ياماك ؟
- هذا لا يعنيك... مازلت انتظر جوابك. اتتزوجينني؟
فاقتربت اوليفيا منه وقالت :
نعم سوف اتوزجك ...
لم يدعها تنهي كلامها بل ضمها الى صدره كالمجنون ...

4- زواج ومفاجأة
رغم ان المطر كان ينهمر بغزارة , اصر راف ان يخرج من المنزل غاب قليلا بين الاشجار التي كانت اغصانها ترتجف من شدة البرد. قم رجع الى المنزل فدخل الى الغرفة يقطر ماء.
عندما رأت اوليفيا حالته المحزنه جلست تجفف فروته بينما وقف ديلاني يحدق في الموقد بنظرات شارده. وحين لاحظت اوليفيا انشغال باله قالت له :
- اني اعلم حقيقة ما يشغل بالك. اعتقد انك تفكر في سني صباي العشر التي قضيتها الى جانب خالتي المريضه, ولم استمتع خلالها بعذوبة الحياة ومباهجها . انك تتساءل كيف استطعت ان احرم نفسي من اشياء كثيره لمي ابقى بقرب سيدة عجوز متطلبه اتحمل مشاكلها, واعتني بها ؟ لكن مرضها كان شديدا ولم يكن لديها احد غيري. بالاضافه الى ذلك كنت احبها حبا كبيرا .
رد ديلاني بعفويةومسحه من السخرية تلف صوته القاسي :
- ربما كانت روح المساعدة عندك هي ميزة طيبة وعفوية اصيلة الجذور في اعماق نفسك .
وبسرعه ادركت اوليفيا قصده . فردت :
- ربما .
ثم رمقته بنظرات حنونه قبل ان تدنو لتجلس بالقرب منه ...
- ان قلبك يشبه قلب طفل صغير . هل تعلمين ذلك ؟
ابتسمت واجابت :
- ليس قلبي وحده ما يجعلني اشبه الاطفال.
ادرك قصدها فضحك :
- لا تخافي من هذه الناحية! فسوف اتجاهل الامر حين يحين الوقت المناسب .
فالتقت نظراتهما وضحكا. ثم قاما عن الموقد واتجها معا الى المطبخ حيث تناولا طعام الغداء .
ذاك النهار التهم ماك طعامه بشهية كبيره. وما ان انتهى من الاكل حتى استأذن اوليفيا قائلا :
- سوف اصعد الى غرفتي لأنام قليلا بعد الغداء. ارجوك ان توقظيني قبل موعد طعام العشاء .
كانت تفضل ان يبقى الى جانبها لكنها فهمت حاجته الى الراحة . واجابت :
- حسنا الى اللقاء .
تركته يصعد درجات السلم وبقيت وحيده تنظف المطبخ وتعيد ترتيب محتوياته . لم تشعر بالوقت يمر بسرعه وهي تعمل بكد وتعب .
وحين شارفت الشمس على المغيب واضمحل النور في المطبخ , كانت قد انتهت من العمل فأسرعت الى الحمام لتغتسل قبل ان ترتدي ثوب النوم.
كان التعب والارهاق قد اضنيا جسمها النحيل فتمنت ان تخلد الى النوم. لكنها قبل ذلك فضلت ان تعد طعام العشاء الى وان توقظ ديلاني فور خروجها من الحمام.
وما ان خرجت حتى فوجئت به ينتظرها عند اسفل الدرج , فقالت والدهشة تملأ عينيها :
- تبدو الآن بحاله جيده .!
فابتسم واجاب :
- شكرا ان الفضل يرجع الى ممرضتي النشيطه .
تقدمت منه قليلا وهي تتوقع ان يقبلها لكنه لم يفعل بل تابع كلامه قائلا :
- اعتقد انك تودين مشاطرة فراشي اليس كذلك ؟ على كل ليس لدي مانع. على العكس انني ارحب بك بكل طيبة خاطر واعدك بأن احتفظ بيدي , اعني بيدي لنفسي. لن ازعجك ابدا فيما لو شاركتني سريري .
توقف عن الكلام لحظه ثم اكمل :
- اؤكد لك انك لن تزعجيني ابدا .
لم تبخل اوليفيا عليه ببسمة ساخره توازي نبرات صوته المتهكمه. ثم اجابت :
- اني اشكر لك ترحيبك الحار بي, ولكني في الواقع افضل ان انام في الغرفة المجاورة .
حاول ماك ان يقنعها بشتى الوسائل لكن دعوته لم تلق غير الرفض القاطع, فسألها :
- الا تثقين بي ؟ انسيت اننا على وشك الزواج ؟
لكن اوليفيا اكتفت بالصمت وادارت له ظهرها ثم توجهت نحو غرفتها.
كان المساء عاديا تهزه الامطار وتمزق العواصف واغصان الشجر. وانعكس الجو العاصف على سهرتهما فأوى كل منهما الى فراشه باكرا .
سرعان ما ارتمت اوليفيا في احضان الليل بينما ظل ديلاني ساهرا في سريره فأمسى وكأن الغيرة قد دبت فيه وبات يحسد الليل الذي يلف حبيبته .
حاول مرات عديده ان يذهب اليها ويطرد الليل من فراشها لكنه بعد تردد وصراع تغلب عليه النعاس فغفا عند منتص الليل .
طلع الصباح رويدا رويدا كأنه يخاف ان يطل مرة واحده, وفرش ثوبه المبلل بالندى على الارض الغارقه في النوم. وما ان لمست القطرات الرطبه وجه الارض حتى افاقت الطبيعه وصحا النهار وغردت الطيور فاستيغظت اوليفيا وتبعها ماك .
قصد كل منهما المطبخ وكأنهما تواعدا بالامس على ان يلتقيا هناك .
فاقترب ماك من اوليفيا حاملا علبة مخملية صغيرة , وحين كاد يلامس جسمها توقف وفتح العلبة ثم اخرج منها خاتما وقدمه لها قائلا :
- لم اشتر هذا الخاتم لك بل كنت اشتريته لامرأة اخرى, ارجو ان ينال اعجابك. جربيه ! هل يلائم اصبعك ؟
وبعد ان لبسته سألها :
- هل اعجبك يا حبيبتي ؟
ترددت اوليفيا يعض الشيء, ولكنها ردت بصدق :
- اني بكل صراحه افضل ان يكون خاتما بسيطا, فالخاتم الذهبي لايعني لي الشيء الكثير .
اعجبه صدقها ولفتت بساطتها نظره فقال مبتسما :
- حسنا يا شريكتي اني اوافق على ذوقك الرفيع .
وبعد ان صمت قليلا اكمل كلامه :
- بالمناسبه لقد صممت على الخروج . سوف اركب اليوم القطار فهو يمر من هنا كل 3 ايام تقريبا. اريد ان اذهب الى المدينه. علي القيام ببعض الاعمال .لن اتأخر .






كان بودها لو ترافقه الى المدينه لكنها يرعان ما ادركت انه يفضل ان يذهب بمفرده فقال له :
- حسنا يا حبيبي. اتمنى لك رحلة موفقه. لكني ارجوك ان لا تتأخر فأنا بانتظارك .
التفت الى كلبه قائلا :
-راف ! ارجو ان تقوم بواجبك على اتم وجه . اياك ان تعصى اوامر السيدة ! مفهوم ؟
فتبح الكلب وكأنه فهم اوامر معلمه ولحق يه الى الخارج .
ذهب ديلاني وبقيت اوليفيا وحيده في ذلك البيت المهجور .
وللمرة الاولى بدا لها البيت خاليا وكأن الموت اجتاح ارجاءه . واحست بالفراغ عندما اشتد البرد .
فمكثت حزينه في غرفتها الموحشة تنتظر عودة حبيبها. كانت قلقه, لذلك راحت تلوم نفسها لأنها لم تسأله عن ساعة رجوعه .
احست وكأن الوقت يريد ان ينتقم من شوقها, فتوقف عن السير , وتوقفت معه الثواني والدقائق .
لم تكن تعرف من قبل هذا الحب الذي يختلج الآن في داخلها, وكأن الحب لا يعرف عمقه الا ساعة الفراق .
الفراق ! يا الهي !
ماذا تفعل اذا لم يرجع لها ؟
اهو حقا ذاهب الى المدينه ؟ ام انه اختلق عذرا ليتخلص من وجوده ؟ وتركها ضحية العاصفه والقلق والشوق والخوف ؟
ارادت اوليفيا ان تهرب من تلك الاسئله السوداء فأسرعت الى جهاز الراديو وادارته علها تسمع بعض الموسيقى التي تنسيها وحدتها وتؤنس وحشتها وتشغلها عن التفكير بالرجل الغائب .
وخطفتها الموسيقى لدرجة انها لم تسمع صرير الباب وهو ينفتح ولم تنتبه لدعسات ماك وهو يقترب منها ويقول :
- مرحبا .
ارتعبت لأنها فوجئت بعودته وكأنها كانت واثقه من انه لن يعود . فقالت :
- هذا انت ؟ لقد اخفتني !؟
ثم نظرت الى ساعة يدها وقالت :
- لقد تأخرت كثيرا ياماك .. كنت خائفه من .....
ولكنها لم تفصح عن مشاعرها فسكتت وكأن حنجرتها حبست الكلمات التي ماتت قبل ان تولد .
فاقترب ماك منها وسألها :
- ومم الخوف ياعزيزتي ؟
لم تجد ما تقوله ثم خطرت ببالها حالته الصحيه فقالت :
- ان صحتك لم تكن جيده هذا الصباح. ثم كنت اخشى من ان تسبب لك ذراعك اليسرى مشكله .
لقد اثرت فيه هذه الحجه لا سيما ان الكلام عن يده اليسرى يزعجه كثيرا ويثير في داخله ثورة غضب واشمئزاز. فصرخ فجأة :
- اللعنه عليها ! لتذهب يدي اليسرى الى الجحيم ! تبا لك ولها ! اطفئي جهاز الراديو على الفور !
لم تفهم اوليفيا سبب غضبه المفاجئ فأجابت :
- ولكني استمع الى الموسيقى الكلاسيكية, الا تحبها ؟ كنت دائما اسهر بالقرب من خالتي المريضه وانا استمع الى الموسيقى الكلاسيكيه التي يعزفها عازف شهير لا اظنه بغريب عنك .
ثم نظرت اليه وقد فاجأها منظره فبدا شكله مختلفا بعد ان قص شعره وحلق لحيته. ورغم دهشتها لصورته الجديدة اكملت قائله :
- لا اعتقد انك تجهل عنم اتكلم . اسمع ! اسمع كم هو ماهر في العزف . انه الموسيقار المفضل عندي. اظنك سمعته يعزف مرارا عديده في حفلات مختلفه وكثيره واسمه كونال. لقد علقت صورته على جدار غرفتي .
وتطلعت اوليفيا الى وجهه فرأت شرارا في عينيه وسألته متعجبه :
- لم انت غاضب ؟ هل انت زوج غيور ؟
فأدار ديلاني ظهره وخرج من الغرفه دون ان يجيب على سؤالها.
عندها نظرت اوليفيا الى راف وقالت بصوت كئيب :
- كنت انتظره بلهفة وشوق طوال النهار وها هو يعود حاملا معه الغضب. وبدل ان نتعانق تشاجرنا وتخاصمنا . اتراه يحبني ياراف ؟ اهو حقا يغار علي ؟ ام انه ...
ثم اجهشت بالبكاء.. وسط تقطر الدوع راح تطرح على نفسها اسئلة واسئلة ... لماذا لم يجيبني بحنان ساعة دخل ؟ لماذا لم يقبلني ؟ لماذا قضى طوال النهار وحيدا في غرفته ؟ ثم لماذا قصد المدينه ؟
جاء الماساء ولكنه لم يحمل معه الاجوبه التي كانت تشغل بال اوليفيا . وحين التقت به رأته انه عاد ليرتدي سترته الرثه القديمة التي كان يلبسها يوم لقائها الاول. فقالت له :
- لماذا ترتدي هذه السترة الممزقة ولديك الكثير من الثياب الجديدة ؟ اخلعها عنك وهاتها لأخيطها لك .
فنظر اليها والغضب لايزال في عينيه وقال:
- الشفقة الرأفة, مرة اخرى ! لقد سبق وان قلت لك انني اكره الاشفاق وارفض رفضا قاطعا ان يرأف احد بي حتى ولو كان انت .
عبثا حاولت ان تقنعه بحقيقة شعورها الكبير وقوة حبها. لكنه اصر على انها لا تكن له غير الشفقة.
فقالت له بعد ان تعبت من اقناعه :
-لا ! انك حقا حاقد قاس . ان خالتي رغم ثرائها كانت توفر مالها دون ان تشتري ثيابا جديده . لذا كنت اخيط لها الثياب بنفسي. فكما ترى لقد اعتد على ذلك. ولم افعل أي شيء لها بدافع من الشفقه .
لم يشأ ماك ان يزيد من حدة النقاش وقد ادرك انه هو الذي بالغ منذ البداية وان اوليفيا ربما كانت على حق . فقاطعها واقترب منها ثم اخذ بيدها وقال :
- لقد تذكرت الآن اننا سوف نتزوج غدا .
وتابع كلامه دون ان يدعها تبدي أي رأي :
- ذهبت الى المدينة من اجل هذا الغرض . سوف يكون زواجنا زواجا مدنيا اعني ستحل دائرة سجل النفوس مكان الكنيسة. اتمنى ان لا يكون لديك أي اعتراض على ذلك , وان لا يشكل ذلك حجر عثرة لزواجنا .
فأجابت اوليفيا بشيء من اللامبالاة :
- لا. ليس لدي أي اعتراض على ذلك .
عندها اضاف ديلاني قائلا :
- لقد حجزت سيارة لتنقلنا الى هناك في الساعه الـ11 .
ثم خطا خطوة نحوها وقال :
- لقد استريت خاتما جديدا . ارجو ان ينال اعجابك .
لكن اوليفيا تجاهلت امر الخاتم وسألته :
- ماذا بشأن الشهود ؟ اليس لديك اقارب يا ماك ؟
فطمأنها قائلا :
- لا تخافي سوف نجد شاهدين . اما فيما يتعلق بالاقارب فقد توفي والدي منذ زمن بعيد وكان من اصل ارلندي . وبعد موته غادرت امي البلاد ورحلت الى استراليا. سافرت اليها لتزور بعض الاقارب .
ثم حدق في عينيها وقال بلهجة ساخرة :
- اننا نشبه بعضنا كثيرا من هذه الناحية. فكلانا بلا عمل وبلا اقارب .لم تبتسم اوليفيا وفكرت في الاشياء الكثيرة التي تجهلها عن عريسها كما انه كان يجهل الكثير عن حياتها .
فهي لم تذكر له الثروة الكبيرة التي ورثتها عن خالتها ولم تحدثه عن البيت الكبير عند الساحل الجنوبي.
وسبب ذلك ان ماك لم يسألها يوما عن حياتها ولم يهتم بهذه الناحية . والآن لم تعد تجرؤ على ان تخبره بكل ذلك بعد ان سمعته يتكلم عن حياتهما المتشابهتين وبأنهما عاطلان عن العمل .
ولكنها تلك اللحظه تذكرت قمصان الحرير المعلقه في خزانته . وتساءلت :
كيف اشتراها من اين له المال ؟

منتديات ليلاس

فقطع ماك شرودها وسألها :
- ماذا سترتدين غدا ؟ هل عندك ثياب ملائمة ؟
انتظرت دقائق قبل ان تجيب :
- طبعا لا تنس اني كنت اقوم برحلة عطلة طويلة ومعي حقائب مليئة بالثياب وبما اقد احتاج اليه . وماذا سترتدي انت غدا ؟ ليس عندي أي مانع فيما لو ارتديت بنطال الجينز .
فضحك ديلاني من سخريتها وقال :
- ايتها الكاذبه ! لا اظنك تقبلين ان ارتدي هذه الثياب يوم زفافنا !
فتلاقت ضحكتهما ودخل كل منهام الى غرفته ليرتب اغراضه استعدادا لاستقبال يوم الغد الذي قد يكون من احلى ايام الحياة . بل ربما من اجمل يوم في الحياة .
في المساء تلاقى الحبيبان وتناولا طعام العشاء . حاولت اوليفيا عدة مرات ان تتكلم ولكنها ترددت واثرت الصمت. فسألها ديلاني :
- ما بالك صامته ؟ في عينيك كلام فلم لاتنطقين به ؟ ماذا يدور في ذهنك يا اوليفيا؟
- ماك ! هل تعتقد حقا اننا نقوم بعمل عاقل ونسير على الطريق الصحيح ؟
لم يجبها واكتفى بأن طبع قبلة حارة على سعرها . لكن اوليفيا اصرت على سؤالها فعادت وقالت :
- هل تعتقد ان ما نقوم به هو عين الصواب ؟
تطلع ماك الى عينيها واكتفى بالصمت مرة اخرى وكأنه يقر بأن قرارهما صحيح . فشعرت اوليفيا بشيء من الحزن لكنها كبحت عواطفها .
بعد العشاء عاد كل منهما الى غرفته ينتظر طلوع الشمس بشوق وبفراغ صبر. لكنهما عبثا حاولا النوم .
وعندما عجز ديلاني عن الرقاد نهض من فراشه وقصد غرفة اوليفيا. فقالت له متعجبه :
- ماك هذا انت ؟ انا ...انا ...
لكنه لم يدعها تكمل كلامها بل قاطعها قائلا:
- جئت اقول لك بأنني ملأت خزان سيارتك بالوقود . انت حرة الآن تستطيعين ان ترحلي اذا شئت .
ولكنها اعترضت على كلامه وردت بنبرة جازمة:
لكنني لا اريد ان ارحل عنك ياماك . اريد ان ابقى الى جانبك مدى الحياة .
ثم دنت منه ورمقته بنظرة مشحونه بالحنان والشوق تتوسل اليه ان يضمها الى صدره . لكنه اكتفى بأن طبع قبلة على جبينها وقال :
- حسنا . والآن اتمنى لك احلام سعيده .
وخرج .
عن اية احلام كان يتكلم ؟ فهذه الليلة تختلف تماما عن كل الليالي . انها حلم حياتها. وراحت وهي عاجزه عن النوم تنتظر الفجر ... وتنتظر الحب يضمها الى الابد .
وطلع النور واطل الفجر يحمل معه نهارا جديدا. واقتربت الساعه المنتظرة فهئأن اوليفيا نفسها وارتدت فستانا ابيض . وما لبث ماك ان وافاها الى الغرفة فنظر كل منهما الى الاخر مبتسما بسمة حياء وحب .
وحين وصلت السيارة المستأجرة وتوقفت امام مدخل المزرعه خرج الاثنان من البيت وجلسا في المقعد الخلفي فتوجه بهما السائق الى دائرة سجل النفوس.
فور وصولهما , تقدم منهما شاب وسيم وقال :
- اسمي بيتر يشرفني ان اكون احد الشاهدين على زواجكما .
واضاف :
- هذا طبعا اذ كنتما بحاجه الى شاهد .
فابتسمت اوليفيا فيما راح ديلاني ينظر متعجبا الى الشاب الغريب ثم قال له :
- نحن بحاجه الى شاهدين. ونرحب بك كشاهد على زواجنا.
دخل الـ3 الى المكتب حيث تجرى العمليات الرسمية. فوجدا شاهدا اخر وبدأت مراسيم الزفاف .
شعرت اوليفيا وكأنهما في حلم جميل لكن حركة ماك المفاجئة اعادتها الى عالم اليقظة. فحدقت في عينيه وقبلته بنظرة حنان بينما القاضي يسأل ديلاني . لكنهما لم يسمعا الا الشطر الثاني من السؤال القائل :
...... هل تريد اوليفيا سارة بارنز زوجة لك ؟
لم يدعه ماك يكمل السؤال فرد بحماس :
- انا ماكير كونال ديلاني اقبل اوليفيا بارنز زوجة لي .
وحين سئلت اوليفيا بدورها. اجابت :
- انا اوليفيا سارة بارنز اقبل ماكير كونال ديلاني زوجا لي .
وسمعت اوليفيا نفسها تردد اسما تعرفه حق المعرفه. لم يكن بغريب عنها ابدا . ماكير كونال ديلاني. يالهي ! ماكير كونال ديلاني !
لم تعد قادره ان تقف على قدميها وتمنت ان تنتهي حفلة الزفاف باسرع وقت ممكن... لكن بيتر استوقفهما ليأخذ لهما الصور التذكارية . وقال :
- فور حصولي على هذه الصور سوف ابعث بها اليكما. ارجو ان تعطوني العنوان المناسب .
وبعد ان حصل على عنوان المزرعه ودعهما وتمنى لهما زواجا سعيدا وشهر عسل جميلا وسعيدا و....
ثم توجه العريسات الى مطعم انيق حيث تناولا طعام الغداء.
وعندما دخلا الى المكان دهشت العروس وقالت لزوجها :
- ولكن ياماك ان الطعام في هذا المطعم غالٍ جدا. هل لدينا ما يكفي من المال ؟ ثم . اني . اني.....
فقال ماك عندها :
- اعرف ماتودين قوله . واعتقد انك اصبحت تعرفين هويتي الحقيقية. نعم انا ماكير كونال ديلاني عازف البيانو الشهير او الموسيقار المفضل لديك والذي علقت صورته على جدار غرفتك . وكما تعلمين انا رجل ثري وبامكاني ان اشتري المطعم بأكمله لو اردت. تعلمين كذلك انه لم يبق لي سوى الاسطوانات والمال .
لم تعلق اوليفيا على كلام زوجها واكتفت بقولها:
- لا تنس ياماك بأنني انا ايضا الى جانب اسطواناتك ومالك .
فأخذ ماك بيد اوليفيا وقبلها. ثم شربا نخب المستقبل السعيد .
وفي نهاية الغداء قدم ديلاني الى زوجته خاتما من الماس والذهب عربون محبة مخلصة وصادقه. فسألته اوليفيا:
- لماذا توقفت عن العزف على البيانو؟ اعلم ان يدك اليسرى اصيبت بحادث سيارة ولكن بوسعك ان تعالجها على ما اعتقد . فالجمهور يتشوق لسماعك من جديد .
- اعتذر لما سأقوله . ولكني ياعزيزتي لا اعزف من اجل ارضاء الجمهور بل لأعبر عما يختلج في اعماق نفسي .
لم تصر اوليفيا على موضوع العزف بل حاولت ان تبدل وجه الحوار وقالت :
- حين افكر بما اخبرتني عن جرائمك..... اضحك .
- ولكن الم اخفك في البداية حين اخبرتك ذلك ؟ ولماذا بقيت في المزرعه ؟
لم تكن بحاجه الى الاجابه . فهو يعلم سبب بقائها بقربه والا لما كانت الآن الى جانبه وما كان ليطرح هذا السؤال .
فتنهدت وقالت :
- اني مرهقة واود لو نذهب الآن الى البيت .
فوافقها ماك ولكنه وضع شرطا لذهابه اذ قال :
- لكني احذر من الآن . اعلمي انك سوف تمضين لياليك في غرفتي . ان كان لديك أي اعتراض اخبرني فورا.
فاحمرت وجنتاها خجلا وهمست قائلة :
- اخفض صوتك قد يسمعنا احد .
ولكن ديلاني ضحك وقال :
- لا يهمني امر الاخرين على الاطلاق .
ثم خرجا من المطعم وتوجها الى المزرعه حيث كان راف ينتظر وصولهما. وقبل ان يدخلا قال ماك فجأة:
- اعتقد انك لا تحبينني .
فأجابت اوليفيا بلهجة ساخرة :
- اذن لما تزوجتني ؟
كان لسؤالها وقع كبير على نفس ماك الذي سألها والغبرة تلهب عينيه :
- هلا اجبت بنفسك على هذا السؤال ؟
ادركت اوليفيا غيرة الوةج واجابت مطمئنة اياه :
- لأني احبك طبعا .
تلك اللحظة شعرت اوليفيا ان الغيرة انطفأت في عينيه واشتعلت نيران الشوق وقال :
- انت كاذبه ! اني لا اصدق ما تقولينه .
ولكنه في الحقيقه كان يصدق شعور حبيبته المخلص فأمسك بيدها ودخلا سوية الى المنزل .






5- العازف على الأسرار

بينما كانت اوليفيا تعد طعام العشاء عرض عليها ماك المساعدة والحّ قائلا:
- اني اصر على مساعدتك. قد اكون بطيئا بعض الشيء ولكننا لسنا على عجلة من امرنا .
فنظرت اوليفيا الى ذراعه اليسرى وقالت:
- ولكن ذراعك يا ماك .
فرد بسرعه :
- اريد ان امرنها على الحركة .
وسألته واللهفة تلهب عينيها :
- لماذا يا ماك ؟
فأجاب با تسامة مصطنعة وكأنه ادرك قصدها :
- كي اتمكن من ان اغازلك وان واحبك بطريقة اجمل وافضل .
ثم جذبها اليه بحركة رشيقة. وقبّل خدها الارجواني .
لكن اوليفيا لم تفكر بالقبلة بل بيده التي كانت تقلقها فسألته :
- ماك ! أليس من علاج ناجح تداوي به ذراعك ؟
- لا تجزعي . لن تكون حاجزا بينك وبيني . كفي عن التفكير بذلك . الا يشغل بالك غير ذراعي ؟
فاجابته بلهفة :
- ولكن ياماك ان هذا الامر لا يزعجني اطلاقا . انما... انما كنت اقصد موسيقاك ومهنتك. ان مستقبلك هو الذي يقلقني . انت لا تقوم بأي جهد لا ستعادته وكأنك تريد ان تثير شفقة الجمهور على حالتك هذه .
لم يتحمل ماك كلامها فصاح قائلا:
- لقد تزوجتيني اذن بداعي الشفقة !
كلما ارادت ان تعبر له عن حقيقة مشاعرها اتهمها بالرأفة والشفقة . اجابت :
- لا . يا ماك! لقد اسأت فهمي مرة اخرى. انك تتكلم دائما عن الشفقة و ....
فقاطعها :
- فهت الآن سبب زاجك مني . اذا لم يكن بدافع الشفقة كما تقولين, فهو بدافع من.... لا أعرف ما هذا الشعور أو باية صفة انعته . على كل حال , ان كل ما اعرفه هو انني اذكرك بالعازف الشهير الذي مازالت صورته معلقة في غرفتك ومطبوعة في ذهنك. ولكن هذا الانسان للأسف مات من زمن بعيد. لقد زال من الوجود يا عزيزتي وانا اختلف عنه تمام الاختلاف ! اختلف عنه تمام الاختلاف ! لقد مات ! لقد مات !
صرخت اوليفيا :
- ارجوك ان تسكت وان تكف عن تعذيبي .
ولكنه تابع قائلا:
- انت يا اوليفيا لا تحبين الرجل الحاضر امامك الآن, انك تحبين العازف الشهير. وانك تحاولين جاهده وعبثا احياءه في شخصي . لكنه مات ومزقه الموت اربا ونخرت الديدان عظامه فجعلتها مجرد تمثال للذكريات. لن تلتقيه ابدا ابدا !
فأجهشت اوليفيا بالبكاء وعلا صوت نحيبها وهي تقول :
- كيف تجرؤ على ان تخاطبني بهذه اللهجة وبأي حق تقول ما قلته ؟ انسيت اني اصبحت زوجتك ام انك لم تعتد بعد على وجودي ؟ انسيت ان الموسيقى هي العالم الوحيد الذي تحيا به وتعيش من اجله ؟ اني مستعده لأن اضحي بحياتي كلها كي اعيدك الى عالمك الجميل .
وامام دموعها الساخنه وشعورها الجارف... أدار ماك وجهه غاضبا ثم خرج من الغرفة وراح ينادي راف. بينما بقيت اوليفيا وحيدة تخلع ثيابها وتضع قميص النوم وهي تقول لنفسها :
- يا آلهي ! هل تراه سيعود الي ؟ كم انا تعيسه في ليلة زفافي الاولى !
ولكن ماك لم يكن قاسيا الى هذه الدرجه. فهو يحبها حبا كبيرا ولا يريد ايذاءها . رجع بعد قليل الى الغرفة حيث كانت تنتظره اوليفيا بشوق ولهفة . دخل وهو يهمس باسم حبيبته :
- اوليفيا ! اوليفيا !
اراد ان يعتذر لها عن تصرفه الاحمق ولكنها لم تدعه يكمل نداءه فركعت ليضمها الى صدره وقالت :
- سامحني يا ماك . اما زلت غاضبا مني ؟
فابتسم ماك وقال :
- كان علي ان اعتذر منك بنفسي ! دعينا ننس الامر ونطوِ الصفحة !
ثم سار بها الى غرفته قائلا :
- تعالي يا حبيبتي ! دعينا نفتح صفحة جديدة .
وسألها :
- هل اعجبتك الهدية ؟ أعني الخاتم الذي قدمته لك .
فأجابت والفرح يغمر قلبها :
- طبعا يا حبيبي . كل ماتقدمه لي رائع .
حدق ماك في عينيها وقال :
- اذن عليك ان تقدمي بدورك هدية اخرى بالمقابل . وكم اتمنى ان تكوني انت الهدية .
لم يكن طلبه امنية بالنسبة الى اوليفيا التي كانت تنتظر لكي تهب حياتها كلها لحبيبها. فهمست في اذنه :
- انا لك ياحبيبي ! انا لك ! خذني الى حيث تشاء فأنا من الآن ملك لك .
لم ينتظر ماك ان تقولها مرة ثانية فأخذ زوجته الى حيثما شاء, الى عالم الحب الجميل الذي لا يعرف حاجزا ولا حدودا . وظل يردد اسمها واصداء الليل تردد معه :
حبيبتي .... حبيبتي ... حبيبتي .






وعندما استقظت اوليفيا في الصباح الباكر , كانت المزرعه غارقة في السكينة بينما الطبيعة في الخارج تعزف سمفونية الحب للزوجين السعيدين. كل شيء يبدو جميلا فاتنا وسعادتها في تلك اللحظات تفوق سعادة الأم بمولودها الجديد وفرحة الطفل بحنان أمه .
قبل ان تلتقي حبيب العمر كانت اشبه بنهر جاف أو وردة ذابلة, او شمس غاربة . وكان ماك قبل مجيء اوليفيا, اشبه بطفل فقد امه او بنجمة رحل منها البريق او بزهرة اضاعت عبيرها.
لقد خلقت لتكون له وخلق ليكون لها. كانت ولادتها مرتبطه متشابكة, لامعني لبقاء الواحد منهما دون الأخر .
كانت هي البحر وكان هو الموج, كانت الصوت وكان الحنجرة. كانت الحياة وكان الأمل . كانت الموسيقى وهو العازف . وعقب الليل نهار ساكن وهادئ مفعم بالحب , لم تفارق خلاله يدا اوليفيا يدي ديلاني .
ثم المساء حاملا معه المزيد من الهيام والعشق . ألقت اوليفيا رأسها على كتف حبيبها وامست تفكر بماضيه وبالمرأة التي احبها قبل ان يتزوجها. وبدا لهما زواجهما حلما, لا بل وهما او ضربا من الخيال يفوق تصور انساني عادي .
كان اسمى من كل شيء. كان اجمل حدث اعترض حياتها .
وكان ديلاني , من جهته, يفكر في حياة زوجته الماضيه. وراح يطرح عليها اسئلة عديدة :
- اخبريني عن حياتك السابقة يا آنسة اوليفيا بارنز .
فأجابت ببطء :
- سيدة اوليفيا ديلاني , من فضلك .
فضحك ثم سألها :
- الم يكن في حياتك رجل اخر ؟
انتظرت اوليفيا قليلا قبل ان تجيبه :
- طبعا ! كنت اعرف رجلا طيبا. كان يحبني كثيرا ومازال. ولكن علاقتي به كانت بريئة وسطحية .
بدا ماك مهتما بأمر ذلك الرجل فسألها :
- هل طلب مرة يدك للزواج ؟
فضحكت اوليفيا عندما رأت فضول زوجها المتزايد واجابت بشيء من الكبرياء :
- طبعا ! لقد طلب ان يتزوج مني مرات عديدة وكثيرة . ولكني رفضت منذ البداية .
توقفت عن الكلام ثم اجابت قائلة :
- اعتقد انني لم اكن احبه كثيرا .
عندها سألها ماك :
- كيف تزوجتني وانت بالكاد تعرفينني ؟ انك تجهلين امورا كثيرة عن حياتي .
لكن اوليفيا لم تعد ترغب في متابعة الحديث فأخذت يد حبيبها وراحت تتأملها بدقه. كانت تتخيلها وهي تعزف برشاقة. ولكن عن اية رشاقه تتكلم بعد الحادث الذي اصابها ! فجأة نزع ماك يده من بين يديها بعد ان ادرك حقيقة ما تبادر الى ذهنها وقال :
- لا تطلبي مني أن .....
فتابعت اوليفيا ما كان ينوي ان يقوله :
- ان اراها تعزف من جديد ؟ طبعا لن اطلب منك ذلك .
كان بوده ان تطلب منه شيئا اخر . لكنها لم تفعل وتركته يخمن وحده .
فاقترب منها وأمطرها حنانا وكانت اوليفيا نبعا لا ينضب وفي نفس زوجها ظمأ لا يرتوي .
وتمنى كل منهما ان تتوقف عقارب الساعة عن الحركة. ولكن الوقت يمر بسرعه. الوقت لايرحم بل يخطف من الاخرين كل قانية .
لقد طرد الليل من المزرعة فتلاشي الظلام وطلع الفجر من وراء الجبال والحبيبان غارقان في نبع الحب .
قررت اوليفيا في ذلك اليوم ان تنظف المنزل . وانصرف ماك الى اعمال كان قد اهملها منذ وقت طويل. بينما راح راف يتنقل بين الاثنين فكان تارة يلحق باوليفيا وطورا يبحث عن معلمة .
وحين اشرفت اوليفيا على الانتهاء من التنظيف والترتيب وجدت نفسها امام باب الغرفة المقفلة التي طالما شغلت بالها. وفوجئت حين رأت المفتاح فيها للمرة الاولى. ولشدة دهشتها سمع ماك صوتها وظن انها تعرضت لمكروه ما فلحق بها .
وحين وجدها تحدق بمفتاح الغرفة راح يراقبها عن كثب . توقفت اوليفيا للحظات تسأل نفسها عن سبب وجود المفتاح. هل كان ماك يقصد ان تفتحه وتدخل الى الغرفة؟ هل رأى انه لم يعد بحاجة لحجب أي سر عنها طالما اصبحت زوجته الشرعية ؟ وبعد تردد وتفكير قررت ان تفتح الباب. ففعلت ودخلت الغرفة الغامضة. بدت لها الغرفة, للوهلة الاولى, وكأنها مجرد مكتب عادي لا يتعدى محتواها ... الطاولة والكرسي والمرآة . ثم اكتشفت في احدى زوايا الغرفة, جهاز موسيقى حديثا تكدست الى جانبه اسطوانات عديده.
كانت احدى الاسطوانات على الطاولة, وكان على غلافها صورة ماكير كونال عازف البيانو . فأمسكت اوليفيا بقصاصات جريدة كانت ملقاة على طرف الطاولة . وشرعت تتصفحها واذا بها ترى صورة زوجها والى جانبه امرأة لم يكن وجهها بغريب عنها , لأنها كانت شهيرة في عالم الموسيقى ... وفي اسفل الصورة قرأت ....
تربط العازفين الشهيرين علاقة صداقة متينة وحميمة . وقد تسرب نبأ مشروع زواجهما في المستقبل القريب .
كان اسم تلك المرأة انيتا براميلا . وضعت اوليفيا الجريده على الطاولة واخذت قصاصة اخرى تروي قصة الحادث الذي وقع لماك .
وقرأت.... ان خطيبته تركته بعد الحادث من اجل رجل اخر . ولم يعرف سبب الحادث الحقيقي لأن كونال رفض الأدلاء بأي تعليق .
ولكنه علم من مصدر موثوق بأن السبب يعود للخلاف الذي نشأ بينه وبين خطيبته قبل 3 ايام من موعد زفافهما .
ونقل المقال عن لسان كونال :
- لن اتزوج ابدا . لن تستطيع اية امرأة ان تمس مشاعري .
وبينما كانت اوليفيا مسترسلة في القراءة دخل ماك فجأة وقال :
- كنت متأكد من انني اجدك هنا بالذات .
فأسرعت اوليفيا واجابت :
- ولكني وجت المفتاح في الباب و....
فأكمل ماك قائلا بشيء من السخرية :
- ولم تستطيعي مقاومة الرغبة .
حدقت اوليفيا في وجهه, وادهشتها نظراته. لم يعد ذاك الحبيب الحنون الذي عرفته منذ مدة قصيرة. لقد تغيرت لهجته وتبدل موقفه منها , فبدا وكأنه رجل غريب تجهل هويته وهو يقول بصوت حازم :
- هل انت سعيده الآن بعد ان عرفت كل شيء ؟
فصرخت اوليفيا بانفعال شديد :
- لا! لست سعيده, خاصه بعد ان علمت ان تلك المرأة التي احببت كانت سبب ارتكابك حادث السيارة. ومن يدري , ربما ما زلت تحبها !
ثم حدقت بعينيه وسألته :
- قل لي بربك لماذا تزوجتني ؟
واشتدت حدة الحوار بينهما واجابها قائلا :
- كنت امر بفترة عصيبة, كنت فيها بحاجة الى امرأة تعزيني في وحدتي وتؤنسني في وحشتي .
واضاف بصوت ساخر مزق فؤاد اوليفيا :
- كنت اريدك . وكان الزواج الوسيلة الوحيدة التي تمكنني من ان احصل عليك لاشباع حاجاتي ورغباتي و...
صرخت اوليفيا بأعلى صوتها :
- اخرس آيها الحقير ! اني اكرهك! اني اكرهك ! ياماكير ديلاني ! اكرهك.... ليتني لم اتزوجك ! اللعنه عليك .
وخرجت من الغرفة المشؤومة ودخلت غرفتها حيث راحت تبكي حتى ارهقها البكاء فاسترسلت في النوم .



حين استفاقت بعد ساعة تقريبا, وجدت ماك بقربها يقول :
- لقد جئتك ببعض الطعام . انهضي وتناوليه , هيا !
اجابته بنبرة جافة :
- اني لا اشعر بالجوع .
لكنها لم تكن قادره ان تستمر على هذه الحالة الكئيبة . كان حبها اقوى من الغضب , واكبر من روح الانتقام. حتى في هذه اللحظات, اجتاحتها رغبة شديدة في ان تعانقه .
وحين رأت انه ما زال بقربها ألقت ذراعيها حول عنق حبيبها وراحت تمسح دموعها بكتفيه وهي تقول :
- انني تائهة حائرة . ان المستقبل يخيفني. واشعر كأن علاقتنا اقتربت من النهاية وان الحساد يتربصون بنا و....
راحت انامله تداعب شعرها لتهدئ خوفها وتطمئن قلبها. وهي تتابع قائلة :
- لم اعد افهم طباعك يا ماك . فتارة انت قاس وتعاملني بظلم وطورا انت محب .
ثم اضافت :
- ضمني يا ماك ! ارجوك ان تضمني .
لم يدعها تكرر طلبها فأخذها بين ذراعيه. وبينما هما غارقان في حلمهما الهادئ سمع فجأة طرق على الباب. فقام ديلاني ليفتح واذا به امام امرأة عجوز تقول :
- مرحبا ! اهذا منزل السيد ماكير كونال ديلاني ؟
وحين اجابها :
- نعم .
تابعت السيدة :
- اني زوجة ساعي البريد في القرية. ان زوجي مريض وقد كلفني بأن اسلمك هذا الظرف. واظن ان فيه بعض الصور التي تتعلق بزفافك يا سيدي .
وبينما ديلاني يتحدث الى السيدة انظمت اوليفيا الى زوجها وقالت للزائرة :
- شكرا لك يا سيدتي تفضلي بالدخول .
فابتسمت العجوز وقالت :
- اني اشكرك يا عزيزتي , لا يسعني البقاء وقد ازورك مرة اخرى . الى اللقاء .
فأستوقفها ديلاني وسألها :
- كيف عرفت يا سيدة انني كونال ديلاني بينما اهل القرية لا يعرفون عني الا اسم ديلاني ؟
فأجابت المرأة :
- لقد قرأت اسمك ياسيدي على ظهر احدى الصور التي حملتها اليك .
ثم اخرجت من من حقيبتها صورة اخرى لهما كانت قد احتفظت بها وطلبت منه ان يوقع عليها اسمه الكامل .
وقع على الصورة فشكرته السيدة ثم حيّت اوليفيا ورحلت والبسمة تعلو شفتيها . عندها التفت ديلاني الى زوجته وقال:
- اني خارج يا اوليفيا لأقوم بجولة صغيرة . لم اتأحر .
لكن اوليفيا سألته :
- وكم ستتأخر يا ماك ؟
تنهد ماك واجاب :
- اوه ! ارجوك ألا تكثري من الاسئلة .
فالتزمت الصمت خوفا من اغضابه. ودخلت تنتظره ساعات طويلة . جلست تنتظر رجوعه ومر الوقت وكأنه دهر لا ينتهي .
وعندما رجع ماك كان الظلام قد هبط وازداد قلق زوجته الى درجة انها لم تستطع ان تضبط اعصابها أمامه فقالت :
- لقد تأخرت كثيرا ! اعني انك اخفتني . كدت اعتقد انك لن تعود وانك هجرتني .
فهز ماك رأسه ودنا منها وقال :
- لا تخافي ! انا الآن بقربك ولن اغيب عنك طويلا مرة ثانية . لقد اظطررت الى اجراء مكالمة هاتفية . هل هدأ روعك الآن ؟
لم تعد خائفة مادام ان حبيبها بجانبها لكنها لم تجرؤ ان تسأله عن تلك المكالمة .
فجأة سمع , من جديد طرق على الباب. فقام ماك ليفتحه واذا بصوت الزائر يلعلع من مدخل المزرعه فيصل الى أذن اوليفيا التي اصيبت بالذهول حين سمعته يسأل زوجها :
- اين تلك المرأة اللعينه التي تعيش معها ؟ اتيت لأخبرك ان أنيتا قد طلقت زوجها وهي تستعد للارتباط بك من جديد !
فاقتربت اوليفيا منها وقالت :
- مرحبا! انا هي المرأة اللعينة . اني زوجة ماك .
فتمتم الزائر كلمات :
- اني اعتذر يا سيدتي ... ولكني ....
وقاطعه ماك وقدمه لزوجته :
- انه السيد فالتون هالينغر .
فأضافت اوليفيا:
- ارى للسيد فالتون انشغالات عديده منها مثلا انه يسعى الى طلاقنا . ارجوك يا سيدي , اني انتظر منك كلمة واحده لأخرج من حياته نهائيا .
فصرخ ماك ساخطا :
- اخرج فورا يا فالتون ! اخرج من هنا ! لم تكن بحاجه للمجيءالى منزلي. كان عليك ان تفهم من خلال مكالمتي الهاتفية .
ثم التفت الى زوجته وقال :
- اتذكرين ايفنس , الشاهد على زواجنا ؟ لقد كتب مقالا عني وتحدث فيه عن عودتي الى عالم الفن واختلق أكاذيب كثيرة عن قصة ظهوري بعد اختفاء طويل .
وبينما ماك يشرح الوضع لزوجته تدخل فالتون ليقول :
- لقد بحثت عنك كثيرا وفي كل مكان وكم اتمنى ان تعود للعزف من جديد .
اضافت اوليفيا :
- ولم لا تعزف من جديد , يا ماك ؟
اجاب ماك :
- ارأيت زوجتي يا فالتون ؟ انها معجبه بعزفي كسائر المعجبين الآخرين . وهي تتمنى ان اعود للعزف .
قال فالتون :
- اذن اترك لها مهمة اقناعك وانسحب .
- فرد ماك :
- لا تنس يا فالتون انه حتى زوجتي قد تعجز عن اقناعي !

منتديات ليلاس
6- جو الغيرة
بعد ان غادر فالتون هالينغر المزرعه , نظرت اوليفيا الى زوجها قائلة :
- ماذا كنت تقصد من كلامك هذا ؟ لم افهم ما الذي تعنيه ؟!
لكن سؤالها لم يلق جوابا فتابعت قائلة :
- ان كنت تريدني ان ابتعد عن حياتك نهائيا فسوف افعل . ان كنت تريد العوده الى انيتا فافعل دون تراجع . ولكن بالله عليك قل لي ماذا علي ان افعل ؟ اتريدني ان ارحل ؟ هل انت غاضب مني لأنني اريدك ان تعزف من جديد ؟
بقي ماك صامتا , ولم ينطق بكلمة واحده وكأن اوليفيا تتحدث الى نفسها او انه لم يكن الى جانبها .
وقف بذهول وعيناه شاخصتان الى زوجته . وحين ادركت اوليفيا ان كلامها واسئلتها تسقط كالماء على الصخر تابعت قائلة :
- انك تنظر الي وكأنك تنظر الى خائن او عدو . لم افهم بعد ما الذي علي ان افعله ؟
ماذا تنتظر مني ؟ هل تسمعني ؟ اتريدني ان اكذب , واقول بأنني لا اهتم بعودتك الى العزف على البيانو؟ لا! لن اكذب !
لم يدعها ماك تكمل كلامها وكأنه غير مكترث لما كانت تقوله. فقاطعها بلهجة غير مبالية وكأنه يريد ان يبدل الحديث :
- هلا تناولنا الطعام ؟
عن أي طعام يتكلم ؟ وهل الطعام يسد حاجتها ورغبتها الى مو سيقاه ؟
لم يكن جوعها ماديا بل كانت تتحرق للحظة حنان وعاطفة. احلى امنياتها تلك الساعه, كانت كلمة ناعمه من شفتي زوجها تعيد البهجة الى فؤادها الحزين بعد ان ساءت علاقتهما بسبب زيارة فالتون .
جلسا يتناولا طعامهما بصمت , ولم يحاول احدهما ان يتحدث الى الاخر . وعندما انتهى من وجبته قام ماك فارتدى سترته وكأنه يتأهب للخروج .
نظرت اوليفيا اليه بتردد وانتظرته حتى فتح الباب فصرخت من اعماقها :
- الى اين انت ذاهب يا حبيبي ؟ هل تذهب لنزهة وتتركني ساعات وساعات وحيده في المنزل ؟ كم اتمنى ان اقوم بنزهة ايضا .
وامام انسياق عاطفتها اجابها ماك بلهجة ساخرة :
- ومن يمنعك من القيام بها ؟لم تفهم اوليفيا قصده فسألت :
- ولكن اتعني ان يتنزه كل منا في طريق ؟
فأجابها ماك دون ان يبدل صوته الساخر :
- تماما يا عزيزتي .!
ثم تقدم نحو الباب ففتحه قال :
- يجب ان تتعودي على الوحده . لا تنسي انك زوجة ناسك يسعى دائما الى الوحده وينشد الانفراد .
وخطا خطوة نحو الخارج لكن اوليفيا استوقفته ونادته بصوت عال :
- خذني معك يا ماك . ارجوك لا تتركني وحيده !
لكنه اصر على الانفراد وقال :
- آسف يا اوليفيا! لا استطيع ان اصحبك معي لأنني لن اكون وحدي . لو كنت الى جانبي سوف يبقى هاجس وجودك يشغل بالي ويلهيني عن التفكير والتأمل .
واضاف :
- كنت تعلمين منذ البداية انني اعيش كناسك . فأنا احب الوحدة. انا انشد الوحده واسعى اليها . وما كان عليك ان تقبلي بي زوجا اذا كنت تكرهين هذا النمط من الحياة .
ولكنه لم يفهمها , ولم يدرك حقيقة قصدها لذلك حاولت ان توضح افكارها فقالت :
- ولكني يا ماك لا اكره الوحده . كل ما احاول ان اقوله, هو اننا اصبحنا شخصا واحدا . لقد اصبحت جزءا منك واصبحت انت جزءا من ذاتي . وكما قال جبران لقد ولدنا معا وسنظل معا الى الابد. لقد بعث فينا الزواج حياة جديدة تربطنا ببعضنا حتى تبدد ايامنا اجنحة الموت البيضاء .
- ولكن لاتنسي ما قاله جبران حين تكلم عن الزواج في كتابه النبي حين قال ... غنيا وارقصا معا, كونا فرحين ابدا ولكن فليكن كل منكما وحده ... كما ان اوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده ولكنهما جميعا تخرج نغما واحدا .
- انني ادرك جيدا حقيقة ما يعنيه وكل ما اطلب منك هو ان تدعني ازور عالمك واتعرف اليه .
لم يعد يتحمل ماك المزيد من المناقشات فقال ساخطا :
- ابتعدي عن عالمي . افهمت ؟! اريدك ان تبقي بعيده عنه.
قالها وخرج . ولكنه عاد بعد لحظات واضاف :
- لقد نسيت ان اخبرك بأمر مهم .... يمكنك ان ترحلي ساعة تشائين فالقرار لك وحدك .
فقالت اوليفيا بصوت حزين صادق :
- لم اكن اقصد ذلك يا ماك . لم افكر يوما بالابتعاد عنك.
ولكن ماك كان قد ابتعد مئات الامتار عن المنزل فلم يسمع صوتها المتوسل .
هل حمل اليه الهواء صوت زوجته ونداءها البائس, هل تستجيب السماء لصلاتها وتضرعاتها؟ وكيف يستمع الى ما قالته اذا ما لم يكترث لدموعه وبكائها ؟ فقد تابع سيره وتركها وحيده في ذلك المنزل المهجور .
ولكن مانفع البكاء والندم ؟ قالت اوليفيا لنفسها وهي تحاول ان تنسى الوحده القاتله التي تمزقها بأن اخذت تستمع الى اسطوانات زوجها. وراحت تبدل الواحده تلو الاخرى, فمر بها الوقت من دون ان تشعر ولم تنتبه لنور الشمس وهو يخفت وتوشك الاشعة ان تغيب .


كان المساء قد اطل بعتمته حين فتح الباب ودخل ماك عائدا من نزهته الطويلة التي كادت الا تنتهي.
اقترب من زوجته وسألها غاضبا :
- من سمح لك ان تستمعي الى تلك الاسطوانات او ان تدخلي الى هذه الغرفة ؟
ارادت ان تقول شيئا لكنه لم يترك لها المجال بل تابع :
- انك تحاولين ان تبعثي في من جديد روح الموسيقى والعزف . ولكنك لن تنجحي . لن ينجح احد في اقناعي بأن اعود الى العزف على البيانو. لم يعد يهمني ان اجمع ثروة.
ولكن اوليفيا لم تكن تفكر بالثروة او المال فقالت :
- ولكن الثروة يا ماك لا تهمني ابدا . كل ما يهمني هو موسيقاك الجميلة التي تعكس ذاتك.
كانت تكلمه بصوت حنون بينما نبراته قاسية وكلماته مؤلمة ... مما جعل اوليفيا تفقد السيطرة على ذاتها . فرمت الاسطوانه من يدها بحركة غير واعية . وهمت بالخروج, ولكن لسوء حضها اصابت الاسطوانه جبين ماك وجرحته فهرعت اليه تعتذر وتقبل جرحه وهي تتمتم :
- يا آلهي ! لم اكن اقصد ان اجرحك. ارجو ان تسامحني .
كانت الكلمات ترتجف على شفتيها لكنها لم تؤثر في ماكالذي ابعدها عنه بحركة خشنة قاسية .
تلك اللحظة انتبهت اوليفيا الى انه كان يستعمل يده اليسرى للمرة الاولى ولكنها لاحظت ايضا ان طباعه قد تبدلت وساء مزاجه وظهر وجهه الشرس فعاملها بقسوة لم تعهدها من قبل .
خرج من الغرفة بينما اجهشت هي بالبكاء .
لحظات ثم دخل اليها من جديد وقال بلهجة صارمة:
- احزمي الامتعة, سوف نغادر المزرعة فورا. سوف نعود الى منزلي .
فاجأها بكلامه فقالت :
- كيف نرحل ونترك المزرعة ؟ قد يأتي احد ويسرق ما فيها وربما يتخذ منها منزلا له .
- لم تعد المزرعة تهمني الآن بقدر ما كانت تهمني قبل ان تأتي اليها .
ولكن هل نسي من تون بالنسبة اليه؟ نظرت في عينيه تبحث عن بريق الحب الذي جمعهما لكنها لم تره. وارادت ان تعيد اليه ذاك البريق فقالت :
- ماك ! انا لست بغريبة عن هذا المنزل. انا زوجتك ! انا شريكة حياتك .
لكنه بدا وكأنه لم يسمع كلامها وكأنهما اصبحا من عالمين مختلفين يجهل احدهما الأخر ...!
ومن دون ان يجيب توجه ماك الى غرفته وشرع في حزم امتعته.
وفعلت اوليفيا الشيء نفسه اذ لم يكن بوصعها ان تعصي اوامره .
ثم استغلا السيارة وتوجها نحو المدينة بعد ان تركا المزرعة غارقة في البضاب .
قطعا مسافة طويلة حتى خيل لاوليفيا ان الطريق لن ينتهي. لكن خوفها تبدد حين وصلا بعد منتصف الليل الى المنزل المنشود والواقع في مدينة ساراي .
توقفت السيارة اما منزل جميل يشبه قصور الامراء. فنزل ماك منها وقال:
- هيا بنا ! علينا ان ننام ولو قليلا .
ثم توجه الى صندوق السيارة واخرج منه الحقائب. لم يكن بوسعه ان يحملها كلها بسبب يده اليسرى. فالتفت الى اوليفيا التي ما لبثت ان ادركت ما ينوي وقالت :
- دعني على الاقل احمل حقيبتي .
سارا عبر ممر صغير تحيط به حديقة لم تستطع اوليفيا ان تميز ازهارها من شدة الظلام.
حين وصلا الى الباب اخرج ماك المفتاح, وفتح ثم دعاها للدخول. لكن اوليفيا توقفن ومظرت اليه والبريق يداعب عبنيها وقالت :
- ان العادات تقضي بأن تحملني. انها المرة الاولى التي ادخل فيها الى بيتك, اعني الى بيتنا ؟
ولكن جوابه خيب املها:
- انه ليسعدني ذلك كثيرا, ولكني للآسف غير قادر على حملك. على كل حال اني اعدك على ان احملك في يوم من الايام.
تطلعت الى يده اليسرى التي عجزت ان تقوم بالواجب طبقا للعادات والتقاليد وقالت :
- آسفه يا ماك لم اكن اعني ما قلته .
فقبل اعتذارها وقال :
- لا بأس ! هيا ادخلي الآن .
فدخلت اوليفيا وراحت تجول بنظرها في منزل حبيبها الذي اصبح منزلها وادهشتها نظافته. فنظرت الى ماك لتسأله , ولكنه سبقها وقال :
- ان ثمة امرأة تدعى فابر تعتني بالمنزل وتخدمني. انها تهتم بأمور التنظيف والترتيب والطعام. وهي تسكن بالجوار مع زوجها الذي يعتني بالحدسقة ....
عندها سألته اوليفيا :
- وهل كانت تعلم بمجيئنا ؟
ضحك ماك ضحكة ساخرة واجاب :
- لا لم تكن تعلم بمجيئنا ! حتى انها لم تعلم بزواجي بك .
- اني اسفه اذا كنت سأحرج موقفك امام السيدة... فابر على ما اعتقد .
فأمسك ماك بيد زوجته وقال :
- ولكنك يا عزيزتي لن تحرجي موقفي ابدا . سوف تفهم السيدة فابر انك اصبحت حاجة ملحة بالنسبة لي .
بدا كلامه وقحا فاحمرت وجنتا اوليفيا خجلا, ثم قادها الى غرفة نوم الضيوف وقال :
- اعتذر لأنك سوف تقضين الليلة هنا. لأن غرفتي ليست معدة بعد لاستقبالك .
- لا بأس .!
ثم تركها وخرج من الغرفة فراحت تخلع ثيابها وارتدت قميص النوم.






وقبل ان تأوي الى فراشها فوجئت به يدخل الى غرفتها ويقول :
- كنت اتنزه قليلا في الخارج. اني حقا متعب .
وراح يخلع ثيابه ويرمي بها على كرسي قريب. فسألت اوليفيا متعجبه :
- ولكن هل تريد ان تنام هنا ؟
فنظر اليها بدهشة وسأل :
- وهل لديك أي مانع ؟
لم تتردد بل قالت بدلالال:
- ولكني مرهقة .
اجابها ماك وقد فهم قصدها :
- لكني انوي النوم فقط . كنت اريد ان اشاطرك الفراش .
وخلع ثيابه كلها قطعة قطعة اما زوجته الخجولة التي لم تعتد عليه بعد . ثم ناداها بشوق :
- تعالي يا حبيتي . اعلم حق المعرفة انك مشتاقة الى كما انا مشتاق اليك .
لقد تبدلت نبرة صوته. لم يعد ذاك الرجل القاسي الذي امرها منذ بضع ساعات بمغادرة المزرعة. فجأة تذكر انها زوجته وامتلكته رغبة شديدة بأن ضم جسدها المرهق الى صدره .
زالت عن اوليفيا كل المخاوف وتبدد حزنها وعاد اليها الامل وتساءلت ...
كيف تقاوم تلك الرغبة المضطرمة في داخلها وفي احشاءها؟ كيف تقاوم او ترفض حرارة صوته الصادقة ...؟
لم تقرر مصير تلك اللحظة وتركت الشوق يتلاعب بعواطفها .
وجاءت شمس الصباح الضاحكة فاستفاقت اوليفيا على زقزقة العصافير وكأن الطبيعة تعزف لها اغنية العشق والحياة .
قامت من فراشها واعدت نفسها لاستقبال يوم جديد مليء بالاحداص .
كان ماك قد افاق باكرا وخرج من الغرفة ولم تكن تعلم الى اين . لكنها لم تعر الامر اهتماما . خرجت من الغرفة الى الدار فوجدت ماك يتكلم على التلفون ويقول :
- الا يحق لي ان انعم بشيء من الهدوء والسلام ؟ ثم كيف علمت بوجودي في المنزل ؟ اما زال ذلك الصحفي اللعين الخبيث الذي يدعى بيتر ايفنس اخباري؟ هل تتجسسون على اعمالي وتلاحقون كل خطوة اقوم بها؟ ماذا؟ تسأل عن حالة يدي؟ اهذا كل مايشغل بالك؟ نعم اني اتابع العلاج الضروري. اجل . اجل, كما قال لي الطبيب.
كاد ينتهي من الكالمة حين انتبه لوجود شخص يقترب منه فالتفت وراءه وهو يعيد السماعة الى مكانها وقال:
- اهذا انت اوليفيا!؟ ومنذ متى تتجسسين عليّ ؟ انت ايضا تراقبينني كالآخرين .
ترددت اوليفيا قبل ان تجيب ثم قالت :
- لم اكن انوي ان اتجسس عليك. ولكني كنت ابحث عنك ثم سمعت صوتك يتسرب من الباب فجئت اليك ولم اشأ ان ازعجك.
ثم صمتت قليلا. اردت ان تقول شيئا لكنها لم تجرؤ فصاحت:
- لقد سمعته ! كان فالتون على الهاتف اليس كذلك ؟ لقد سمعته ! يريدك ان تتركني . هز ماك برأسه وقال :
- ولكنك سمعت بما اجبته. او انك لم تصلي في الوقت المناسب . اسمعتني اتحدث عن الهدوء الذي احتاج اليه ؟ ام انك مثلهم لن تتركني وشأني ؟
لم يكن ماك يريد ان يستقبل هذا اليوم بالمناقشات والخلافات .
فحاول ان يبدل الموضوع ويخفف من حدة التوتر الذي ساد بينه وبين زوجته فقال لها :
- انني جائع. هيا بنا الى المطبخ. ان السيدة فابر قد اعدت لنا طعاما لذيذا.
بعد ان تناولا الطعام سوية عرض ماك على زوجته نزهة صغيرة كي تتعرف اكثر على موقع المنزل الجديد وما يحيط به .
وبعد ان عادا من جولتهما سألته اوليفيا :
- لم اخترت هذا البيت بالذات ؟ اقصد لم اشتريت بيتا كبيرا كهذا ؟
ضحك ماك وقال :
- لم اختره بنفسي , فخطيبتي السابقة انيتا قررت ان نشتريه .
حين ذكر اسم انيتا شعرت اوليفيا برعشة تجتاح جسمها. ولكنها تمالكت نفسها وقالت لذاتها... وما يعني اسم انيتا بالنسبة لنا ؟ انها من عالم الماضي والذكريات. ولكن هل تموت الذكريات؟ هل مازال ماك يفكر فيها ؟ فهذا المنزل منزلها وانا مجرد دخيلة غريبة شوشت عليه شريط الذكريات. ثم التفتت الى ماك وكأنها تبحث في عينيه عن جواب مطمئن, يعيد اليها الثقة بحبهما وقالت :
- بالمناسبة يا ماك ! لقد سمعت ان انيتا اوشكت على الاطلاق من زوجها, لا بل طلقته.
فالتفت ماك اليها وتساءل عن قصدها. لكنه قبل ان يقول كلمة واحدة قاطعه جرس الهاتف .
فأسرعت اوليفيا ورفعت السماعه قائلة :
- الو ! نعم , من يتكلم ؟
واذا بصوت السيد فالتون يقول :
- اعتقد انك تذكرين السيد فالتون ياسيدة ديلاني . اريد من فضلك ان اتحدث الى زوجك .
لكن اوليفيا لم تمتنع عن طرح السؤال الذي كان يحرق شفتيها فقالت:
- في أي موضوع تريد البحث مع زوجي ياسيد هالينغر ؟
لم يكن باستطاعته ان يجيبها مباشرة عن السؤال واكتفى بقوله :
- لا تنسي ياسيدة ديلاني انني مدير اعمال زوجك .
فنادت اوليفيا ماك وخرجت من الغرفة لتدعه يتحدث مع فالتون. وتوجهت الى السيده فابر لتتحدث اليها وتتعرف اليها اكثر .
فدار بينهما حوار يتعلق بقاء اوليفيا الاول بماك . حتى ان اوليفيا لم تبخل على السيده فابر برواية تفاصيل وصولها الى المزرعه, وحالة السيد ديلاني السيئة بسبب المرض ومعاملته القاسية لها في البداية.
وكيف هددها واخافها... وحتى يوم زفافهما. بعدها رافقت السيدة فابر الى بيتها المجاور كي تتعرف الى زوجها جاك .
كان جاك في ذلك الوقت يعتني بالحديقة ويروي ارضها الخضراء المزروعة بأصناف مختلفة من الخضار . وقد بدت الدهشة على وجه اوليفيا وسألت :
- اراك تزرع الخضار يا سيد جاك !
فنظر اليها مبتسما وقال:
- طبعا يا سيدة ديلاني . فالسيد ماكير يفضل ان ازرع الخضار في ارضه .
فأستوضحته :
- تعني ان السيد ماكير يحب الخضار ويفضل ان يقطفها من حديقته .
فهز الرجل رأسه ايجابا وعاد الى الارض العطشى ينعش تربتها .






عندما رجعت اوليفيا مع فابر الى المنزل كان ماك قد غادره الى مكان مجهول. لكن اوليفيا لم تعر الامر اهتماما بل استغلت فرصة غياب زوجها لتجري مكالمة هاتفية. وبعد ان حصلت على الرقم اتصلت بدانيال والتنغ الذي فاجأته المكالمة وقال :
- اوليفيا؟ اهذا انت! ولكن من اين تتكلمين ؟ هل تقضين ايام عطلة سعيدة؟ لقد طال غيابك عنا ونحن مشتاقون لرؤيتك .
ولكن اوليفيا قاطعته قائلة :
- اسمع يا دانيال انا بحالة جيدة واقضي ايما سعيدة لا بل انها اجمل ايام حياتي . دانيال! علي ان اقول لك امورا كثيرة. اجل يجب ان تعلم قبل كل شيء انني تزوجت. دانيال! دانيال ! امازلت تسمعني ؟ اجبني !
فأجاب بعد صمت دام بضع لحظات :
- اجل, اجل اني اسمعك جيدا.
عندئذ تابعت اوليفيا قائلة :
- سوف اشرح لك الامر فيما بعد . وارجو يا دانيال ان تزورنا في وقت قريب .
بدا شيء من الغضب في لهجته واجاب :
- ولكن ليس عليك ان تشرحي أي شيء .
توقف ثم تابع :
المهم ان تكوني سعيده .
- ان الظروف يا دانيال هي التي توجه سعادتي .
لم تكن تريد ان توضح ما قالته فأضافت بارتباك :
- الى اللقاء! سوف احدثك فيما بعد . الى اللقاء يا دانيال!
ورد صوت من الخارج على وداعها قائلا:
- الى اللقاء يا عزيزتي .
فوقعت السماعه من يدي اوليفيا واستدارت واذا بها ترى زوجها واقفا خلفها والبسمة الساخرة ترتسم على شفتيه , وقال :
- اعتذر ان كنت قد ازعجتك. اكنت تتحدثين مع حبيبك؟
كان لكلامه وقع قاس على اوليفيا التي اجابت بغضب :
- انك تعلم جيدا ان دانيال ليس حبيبي بل هو مجرد صديق .
فاقترب منها وجذبها اليه وقال لها :
- سمعتك تتكلمين عن السعاده ... وسمعتك تحدثينه عن ارتباط سعادتك بالظروف. لذلك فسوف اجعلك الآن يا عزيزتي تشعرين بسعاده لم تشعري بها من قبل. تعالي !
وضمها ماك بقوة حتى كاد يخنقها بين ذراعيه ويسحق جسمها النحيل. ثم رماها على الاريكة... فهتفت معترفة:
- ولكن يا ماك قد يدخل احد ما في أي وقت كان .
فطمأنها قائلا :
- لا تخافي ! لقد اقفلت الباب. انك الآن معي ولن يزعج احد خلوتنا هذه بل لن يستطيع احد ابدا ان يزعجها او يعبث بها .
كان ماك على حق فلم يقاطع احد عليهما رحلتهما على متن سفينة الحب . وبعد ساعات حين اشرفت الرحلة على نهايتها ورست السفينة على شاطئ اليقظة ...قال ماك :
- هل انت سعيدة الان ياحبيبتي ؟ او انك تفضلين الحب مع دانيال هذا !؟
فأجابته اوليفيا بكل هدوء :
- لا اعلم ايهما افضل . سوف احاول الحب مع دانيال وبعدها اقارن بينكما واقول لك من الافضل واشبع بذلك فضولك .
لم يكن ماك ينتظر مثل هذا الجواب فأجاب باندهاش :
- ماذا ؟ ماذا تقولين ؟
لكن صوت فابر طقع سؤاله وسمعها تقول له :
- عفوا يا سيد ماك. هناك سيده تريد مقابلتك . انها السيده انيتا . انها بانتظارك في الدار وترفض ان تغادر المكان قبل ان تلتقي بها .


7- لن احب احداً سواك

بعد ان خرجت الخادمة من الغرفة , التفت ماك الى اوليفيا وقال لها :
- اريدك ان ترافقيني الى الدار .
لكنها لم تكن راغبة في ذلك على الاطلاق. وما ان سمعت اسم انيتا حتى شعرت بخوف غريب يجتاح قلبها . لذلك اجابت :
- افضل ان تذهب وتجابهها بمفردك , قد يزعجها وجودي الى جانبك . ثم اني لا احتمل رؤيتها .
لكن ماك اصر على موقفه وقال بلهجة صارمة :
سوف ترافقينني شئت ام ابيت .
واضاف بلهجة اقل تصلبا :
- اني اريدها ان تقابلك لكي تفهم انها خسرتني الى الابد .
بعث كلامه في قلبها شيئا من الشجاعة. فأمسكت بيد زوجها واتجها معا الى الدار حيث كانت انيتا تنتظر .
كانت انيتا قد جلست في احدى زوايا الغرفة الكبيرة بعد ان اشعلت سيكارة راحت تنفخ دخانها الابيض حتى ملأ الغرفة .
حين سمعت الخطوات تقترب منها, رفعت أنيتا رأسها وبدت على وجهها علامات الدهشة وبدا واضحا ان وجود اوليفيا ازعجها .
فقالت لماك بكل وقاحه :
- اني اريد ان اتحدث اليك على انفراد .
وأمام جرأتها هذه تساءلت اوليفيا :
- ما هذه المرأة الوقحة ؟ انها حتى لم تلق التحية .
لكن ماك تدارك الموقف المحرج والتفت الى الزائرة العنيفة فوجه اليها نظره معاتبه وقال :
- هل اعجبك اختياري لاوليفيا زوجة لي ؟
تجاهلت انيتا سؤاله واجابت :
- لقد طلبت ان اقابلك على انفراد .
فأجابها ماك :
- ولكن يا سيدة اعني آنسة انيتا , لا توجد اسرار بيني وبين زوجتي .
امام موقفه الجازم لم يعد بوسع انيتا ان تصر على رغبتها فاستسلمت رغما عنها للامر الواقع وقالت :
- حسنا! اذا كنت مصمما على موقفك هذا . ولكني أعدك بانك سوف تندم عليه تمام الندم .
ثم اقتربت منه قليلا ورمقت اوليفيا بنظرة اشمئزاز . ودنت منه اكثر فأكثر , حتى كاد جسمها ان يلتصق بجسمه وقالت دون أي تردد :
- مازلت احبك ياماك ولم اتوقف يوما عن حبك. وما اريده الآن منك هو ان تطلق زوجتك كي نستعيد العلاقة الحميمة التي كانت تربطنا ببعضنا البعض .
اطلق ماك ضحكة عالية وقال بلهجة ساخرة غلفها الحقد وحب الانتقام :
- يا آلهي ! لقد حطمت فؤادي بطلامك الجميل والمؤثر هذا .
واكاد اجهش بالبكاء . ولكن الأوان قد فات الآن . لقد تأخرت كثيرا يا عزيزتي فسبقك القطار .
ثم اقترب من زوجته واضاف قائلا :
- لقد اخترت زوجة تليق بمقامي وتسهر علي وتعتني بي لدرجة انها اصبحت حاجة ماسة لا بل ضرورة أولية في حياتي. لم اعد استطيع ان اتخلى عنها لحظة واحده ولا غنى لي عنها .
وبعد ان حدق في عيني أنيتا, اضاف قائلا :
- ارى انك تجهلين معنى السهر والاعتناء بشخص. انك تجهلين تماما معنى الحاجة واعني بها حاجة المرء الى مساعدة الغير .
وبحركة لا شعورية أمسكت اوليفيا بيد زوجها وأشارت اليه بأن يلتزم الصمت, ففعل . عندها ردت أنيتا وقد تجاهلت كل ما قاله لها :
- اريدك يا ماك ان تعود للعزف على البيانو.
فأجابها ماك ساخرا وسائلا :
- كم دفع لك فالتون ثمنا لمهمة اقناعي بالعودة الى العزف ؟
ازداد غضب انيتا وهي تجيبه :
- سوف استعمل كل الوسائل من اجل استعادتك . وقد الجأ الى اقبحها اذا ما اضطرتني الظروف لذلك . اجل! يمكنني ان اشوه سمعتك, خاصة بعد ان حصلنا على معلومات قد تشوق الجمهور الى معرفتها . فان السيدة فابر اطلعتنا على امور كثيرة وزودتنا بأخبار قد تهم الصحافة كثيرا. أذكر منها على سبيل المثال الحالة المرضية السيئة التي كنت تتخبط فيها لدى وصول زوجتك الى المزرعة . اضف اليها ادعاءاتك بارتكاب جريمة ما ومن يدري ربما قد تكون جرائم متعددة, وتهديدك باغتصاب تلك المرأة التي تدعي انها زوجتك .
أمام كلامها المهدد هذا, لم تعد اوليفيا قادرة على الاحتمال فقد عيل صبرها وصرخت بوجه زائرتها الوقحة :
- اخرسي يا سيدة انيتا ؟ يكفي ما قلته حتى الان ! لقد ربحت الجولة. واذا كان ماكير يريدم فاني انسحب ويبقى لك بكليّته. ولكني اتساءل كيف يستطيع ان يحب امرأة مثلك ؟
لم يعد باستطاعة ماك ان يحتمل اكثر. فتدخل لوضع حد لتلك المناقشه التي بدا انها اخذت طابع الانتقام الشرس وسارع يقول لزوجته :
- مهلا اوليفيا ! لا تتسرعي في اتخاذ موقف قد تكون ردة فعله سيئة علينا ميعا. ثم من قال لك اني احبها؟ وما ادراك اني اريدها ؟
فأجابت اوليفيا وقد شعرت برياح الامل الخائب تلفح قلبها :
- لو كنت تحبني حقا لقلت لي ولو مرة واحده احبك. ولكني لم اسمع منك هذه الكلمة التي طالما اشتقت الى سماعها. اتذكر ليلة سألتك عن الحب وبشكل خاص عن حبك لي حينما اكتفيت بالقاء قصيدة صغيرة عن الحب وامتنعت عن الاجابة المباشرة على سؤالي .
وتوقفت قليلا وأرسلت تنهيدة عميق ثم تابعت قائلة :
- انيتا لك الآن . تستطيع ان تمزق زثيقة زواجنا ان شئت فأنا راحله عنك , اقصد عنكما.افضل العيش مع رجل يتلو على مسامعي كلمات الحب الجميلة ولا يعاملني بلا أية مشاعر وكأن الحب مجرد شهوة عابرة تزول عند اشباعها. سأعود الى دانيال فهو على الاقل يحبني حق المحبة ولن يتركني ابدا .
بعد ان قالت اوليفيا ذلك صعد الى غرفتها وراحت تحزم امتعتها... بينما بدأت عيناها تغرقان بالدموع. كان الدمع يفيض مثل نهر يغمر كل ما يحيط به .
منتديات ليلاس

7- لن احب احداً سواك

بعد ان خرجت الخادمة من الغرفة , التفت ماك الى اوليفيا وقال لها :
- اريدك ان ترافقيني الى الدار .
لكنها لم تكن راغبة في ذلك على الاطلاق. وما ان سمعت اسم انيتا حتى شعرت بخوف غريب يجتاح قلبها . لذلك اجابت :
- افضل ان تذهب وتجابهها بمفردك , قد يزعجها وجودي الى جانبك . ثم اني لا احتمل رؤيتها .
لكن ماك اصر على موقفه وقال بلهجة صارمة :
سوف ترافقينني شئت ام ابيت .
واضاف بلهجة اقل تصلبا :
- اني اريدها ان تقابلك لكي تفهم انها خسرتني الى الابد .
بعث كلامه في قلبها شيئا من الشجاعة. فأمسكت بيد زوجها واتجها معا الى الدار حيث كانت انيتا تنتظر .
كانت انيتا قد جلست في احدى زوايا الغرفة الكبيرة بعد ان اشعلت سيكارة راحت تنفخ دخانها الابيض حتى ملأ الغرفة .
حين سمعت الخطوات تقترب منها, رفعت أنيتا رأسها وبدت على وجهها علامات الدهشة وبدا واضحا ان وجود اوليفيا ازعجها .
فقالت لماك بكل وقاحه :
- اني اريد ان اتحدث اليك على انفراد .
وأمام جرأتها هذه تساءلت اوليفيا :
- ما هذه المرأة الوقحة ؟ انها حتى لم تلق التحية .
لكن ماك تدارك الموقف المحرج والتفت الى الزائرة العنيفة فوجه اليها نظره معاتبه وقال :
- هل اعجبك اختياري لاوليفيا زوجة لي ؟
تجاهلت انيتا سؤاله واجابت :
- لقد طلبت ان اقابلك على انفراد .
فأجابها ماك :
- ولكن يا سيدة اعني آنسة انيتا , لا توجد اسرار بيني وبين زوجتي .
امام موقفه الجازم لم يعد بوسع انيتا ان تصر على رغبتها فاستسلمت رغما عنها للامر الواقع وقالت :
- حسنا! اذا كنت مصمما على موقفك هذا . ولكني أعدك بانك سوف تندم عليه تمام الندم .
ثم اقتربت منه قليلا ورمقت اوليفيا بنظرة اشمئزاز . ودنت منه اكثر فأكثر , حتى كاد جسمها ان يلتصق بجسمه وقالت دون أي تردد :
- مازلت احبك ياماك ولم اتوقف يوما عن حبك. وما اريده الآن منك هو ان تطلق زوجتك كي نستعيد العلاقة الحميمة التي كانت تربطنا ببعضنا البعض .
اطلق ماك ضحكة عالية وقال بلهجة ساخرة غلفها الحقد وحب الانتقام :
- يا آلهي ! لقد حطمت فؤادي بطلامك الجميل والمؤثر هذا .
واكاد اجهش بالبكاء . ولكن الأوان قد فات الآن . لقد تأخرت كثيرا يا عزيزتي فسبقك القطار .
ثم اقترب من زوجته واضاف قائلا :
- لقد اخترت زوجة تليق بمقامي وتسهر علي وتعتني بي لدرجة انها اصبحت حاجة ماسة لا بل ضرورة أولية في حياتي. لم اعد استطيع ان اتخلى عنها لحظة واحده ولا غنى لي عنها .
وبعد ان حدق في عيني أنيتا, اضاف قائلا :
- ارى انك تجهلين معنى السهر والاعتناء بشخص. انك تجهلين تماما معنى الحاجة واعني بها حاجة المرء الى مساعدة الغير .
وبحركة لا شعورية أمسكت اوليفيا بيد زوجها وأشارت اليه بأن يلتزم الصمت, ففعل . عندها ردت أنيتا وقد تجاهلت كل ما قاله لها :
- اريدك يا ماك ان تعود للعزف على البيانو.
فأجابها ماك ساخرا وسائلا :
- كم دفع لك فالتون ثمنا لمهمة اقناعي بالعودة الى العزف ؟
ازداد غضب انيتا وهي تجيبه :
- سوف استعمل كل الوسائل من اجل استعادتك . وقد الجأ الى اقبحها اذا ما اضطرتني الظروف لذلك . اجل! يمكنني ان اشوه سمعتك, خاصة بعد ان حصلنا على معلومات قد تشوق الجمهور الى معرفتها . فان السيدة فابر اطلعتنا على امور كثيرة وزودتنا بأخبار قد تهم الصحافة كثيرا. أذكر منها على سبيل المثال الحالة المرضية السيئة التي كنت تتخبط فيها لدى وصول زوجتك الى المزرعة . اضف اليها ادعاءاتك بارتكاب جريمة ما ومن يدري ربما قد تكون جرائم متعددة, وتهديدك باغتصاب تلك المرأة التي تدعي انها زوجتك .
أمام كلامها المهدد هذا, لم تعد اوليفيا قادرة على الاحتمال فقد عيل صبرها وصرخت بوجه زائرتها الوقحة :
- اخرسي يا سيدة انيتا ؟ يكفي ما قلته حتى الان ! لقد ربحت الجولة. واذا كان ماكير يريدم فاني انسحب ويبقى لك بكليّته. ولكني اتساءل كيف يستطيع ان يحب امرأة مثلك ؟
لم يعد باستطاعة ماك ان يحتمل اكثر. فتدخل لوضع حد لتلك المناقشه التي بدا انها اخذت طابع الانتقام الشرس وسارع يقول لزوجته :
- مهلا اوليفيا ! لا تتسرعي في اتخاذ موقف قد تكون ردة فعله سيئة علينا ميعا. ثم من قال لك اني احبها؟ وما ادراك اني اريدها ؟
فأجابت اوليفيا وقد شعرت برياح الامل الخائب تلفح قلبها :
- لو كنت تحبني حقا لقلت لي ولو مرة واحده احبك. ولكني لم اسمع منك هذه الكلمة التي طالما اشتقت الى سماعها. اتذكر ليلة سألتك عن الحب وبشكل خاص عن حبك لي حينما اكتفيت بالقاء قصيدة صغيرة عن الحب وامتنعت عن الاجابة المباشرة على سؤالي .
وتوقفت قليلا وأرسلت تنهيدة عميق ثم تابعت قائلة :
- انيتا لك الآن . تستطيع ان تمزق زثيقة زواجنا ان شئت فأنا راحله عنك , اقصد عنكما.افضل العيش مع رجل يتلو على مسامعي كلمات الحب الجميلة ولا يعاملني بلا أية مشاعر وكأن الحب مجرد شهوة عابرة تزول عند اشباعها. سأعود الى دانيال فهو على الاقل يحبني حق المحبة ولن يتركني ابدا .
بعد ان قالت اوليفيا ذلك صعد الى غرفتها وراحت تحزم امتعتها... بينما بدأت عيناها تغرقان بالدموع. كان الدمع يفيض مثل نهر يغمر كل ما يحيط به .



وبعد ان انتهت من حزم اغراضها , توجهت الى الدار حيث كان ماكير يواجه بصمت انيتا اللامبالية.
حاولت ان تخفي دموعها قبل ان تدخل عليهما وقالت:
- الوداع يا ماك ! اتمنى لك حظا سعيدا مع من اخترت. واتمنى النجاح لمهنتك في المستقبل القريب .
ثم هرعت الى سيارتها ورمت الحقائب في الصندوق الخلفي وأدارت المحرك. وغادرت المكان دون ان تلتفت الى زوجها الذي لحق بها واخذ يصرخ :
- تمهلي يا اوليفيا ! تمهلي ايتها المجنونة !
وقطعت طريقا مزدحمه بالناس حتى وصلت اخيرا الى منزلها بعد غيتب دام بضعة اسابيع .
وكانت الشمس قد اشرفت على المغيب وغاب معها الامل والبسمة. وراحت تنسج اخر وهج من النهار حول الافق. فنظرت اوليفيا الى الوشاح الذي كانت تنسجه الخطاطيف حولها وهي تسبح بطيش في كبد السماء.
ثم ترجلت من السيارة. اخرجت حقيبتها ودخلت الى المنزل. جلست وحيده فعادت اليها الذكريات وعاد الى ذهنها شريط الايام الغابرة.
تذكرت خالته مولي التي ترعرعت الى جانبها منذ نعومة اظافرها والتي اورثتها كل ماكانت تملكه من مال وثروة بالاضافة الى هذا البيت الجميل.
لن اوليفيا لم تكن تأبه بالمال. فماذا ينتفع الانسان لو ربح مال العالم وخسر من يحب !
اضاءت النور ثم هرعت الى غرفتها حيث كانت صورة ماكك معلقة على احد الجدران. فاقتربت منها وراحت تتأمل ماك الذي كان يعزف على البيانو.
ثم مدت يدها نحوه وحاولت ان تلمس يديه, لكنه لم يلتفت اليها. لم يبتسم لها او يضمها الى صدره كما كان يفعل . فشعرت اوليفيا بوحدة غريبة تلفها وتكاد تسحق قلبها.
كان حلما جميلا وتبدد. كان سرابا واختفى. كان بريقا وانطفأ .
لقد هربت من حبها وهجرت حبيبها. رحلت من اجله ومن اجل وحدته بالذات. كان حبهما صرحا فهوى, ولم يبق منه سوى الاطلال التي شتتتها الرياح وبعثرتها العواصف .
الآن بات عليها ان تعتاد على الوحده. ولكنها لم تكن سعيده بعد لتحمل هذا العبء الثقيل الجديد. لذلك خرجت من المنزل وقررت ان تزور جيرانها آل والتينغ .
لكنها حين بلغت باب المدخل ترددت قليلا ثم دقت الجرس .
سمعت خطوات بطيئة تقترب من الباب لتفتحه. واذا بالسيدة والتنغ والدة دانيال تقول والدهشة في عينيها :
- يا الهي ! هذه انت يا اوليفيا! اهلا وسهلا بك تفضلي يا عزيزتي . ما هذد المفاجأة السارة !
قبلتها ثم نادت على ابنها دانيال قائلة :
- دانيال ! دانيال ! اسرع الى هنا. ثمة شخص في انتظارك .
وصل دانيال بعد دقائق قليلة فتفاجأ بوجود اوليفيا . وتلعثم في كلامه ثم قال :
- اوليفيا ! ما الذي جاء بك الى هنا ؟ هل انت بمفردك ؟ اعني هل بقي زوجك في البيت ؟
فابتسمت اوليفيا له وقالت:
- لقد اتيت بمفردي الى المنزل. علي ان اقوم ببعض الترتيبات اللازمة .
ولكن عذرها لم يكن كافيا لغياب زوجها وعدم حضوره, على الاقل بالنسبة للسيدة والتنغ. وبينما كانت السيدة تحدق اليها متسائلة , اضافت اوليفيا قائلة :

- ان زوجي منكت على عمله . الوقت يداهمه وعليه ان ينهي بعض الاعمال المستعجله. لذلك لم يستطع ان يرافقني .
فسألها دانيال :
- ومن يكون صاحب الحظ السعيد الذي حظي بأمرأة مثلك ؟
احمرت وجنتا اوليفيا واجابت :
- ان اطراءك لطيف . حبذا لو كانت اللطافة في قلب كل انسان .
ثم توقفت هنيهة واجابت :
- لقد تزوجت بماكير كونال.
وبعد ان لاحظت الدهشة التي ارتسمت في عيون السيدة والتنغ وابنها, اوضحت قائلة :
- اجل , ان زوجي هو العازف الشهير الذي تملكان الكثير من اسطواناته.
فقالت السيدة والتنغ :
- انني ابارك اختيارك لهذا الشخص الكبير العظيم. ولكن .... ولكنه ....
توفت السيده عن الكلام ولم تجرؤ ان تطرح السؤال. لكنها اصرت على معرفة كل شيء وقالت :
- لقد كتبت الصحف ان السيد ماكير تعرض لحادث سيارة كاد ان يقضي على حياته.
واظن انه اصيب خلاله لعاهة في يده اليسرى على ما اذكر. وقيل ان الحادث وقع بسبب امرأة كان على وشك الزواج بها.


اجابت اوليفيا بعد ان ادركت انه لابد لها من ان تواجه هذه الاسئلة وتشبع فضول الناس, وقد اصبحت زوجة العازف الشهير والذائع الصيت ماكير كونال:
- انت على حق يا سيده والتنغ. لقد اصيبت ذراع زوجي اليسرى بعد ان تعرض لحادث سير خطير. ولكنه الآن بصدد معالجتها. وهو يهيئ نفسه لكي يرجع الى العزف من جديد .
- ولكني لا افهم كيف تتحملين فراقه وانتما في اول عهد زواجكما ؟
عندها ارادت اوليفيا ان تضع حدا لهذا الحوار فأجابت :
- اعتقد ان الظروف تتغلب في بعض الاحيان على رغباتنا وتسيرنا في طريق لا نختارها .ارجو ان تكون قد اسافدت من الغرفة التي خصصتها خالتي لك .
فأجابت الام :
- طبعا, طبعا ! انه يقضي أوقاته في هذه الغرفة المظلمة.
ردت اوليفيا:
- ارجو ان لا يمنعك وجودي في المنزل من التردد على الغرفة . والآن ارجو المعذرة, لكني اشعر بنعاس رهيب. الى اللقاء ياسيدة والتنغ .
فقالت العجوز :
- طبعا عزيزتي, لقد اضناك السفر. ارجو ان تأخذي قسطا من الراحة يعيد اليك النشاط والحيوية اللذين عهدناهما فيك .
ثم خرجت ورافقها دانيال الى منزلها لأن الوقت كان قد تأخر واشرفت الساعة على 9 ليلا.
وحين وصلا الى المنزل, دعته للدخول ففعل. وعند الباب , امسك بيدها وقال :
- رغم ابتعادك عنا, مازلت أملك الامل في عودتك الينا. اشعر انك غريبة عن عالم الرجل الذي اخترته .
وبعد ان حدق في عينيها الشاردتين , اضاف قائلا :
- ارى انك لست على ما يرام يا اوليفيا , ما الامر ؟ اخبريني ما بك , ربما استطيع مساعدتك على تجاوز المحتة التي انت فيها. اني اراك تتخبطين في اليأس وتصارعين الكآبة, لا تحاولي ان تخفي حزنك عني. هل صحيح ان زوجك لم يتمكن من مرافقتك بسبب علاجه واعماله المتراكمة ؟ ام انك اخترعت هذا العذر الكاذب ؟ هل استخلص ان زواجكما قد فشل ؟ اجيبي يا اوليفيا ! ارجوك ان تجيبيني ! اتوسل اليك ان تردي علي !
سحبت اوليفيا يدها من يديه وصرخت بوجهه :
- اجل ! اجل! اجل ! لقد فشل زواجنا. لقد فشل لأسباب يجهلها الجميع , حتى انت يادانيال لن تفهمها ابدا .
لم يكمل المناقشة لأنه لم يشأ ان يزعجها ويزيد من حزنها.فاعتذر منها وودعها قائلا:
- اعدك يا اوليفيا بانني لن اطرح عليك أي سؤال بعد اليوم.
فالتفتت اليه وشعرت برغبة جامحة لأن يغمرها بذراعيه ويلفها بحنانه , وقالت :
- ما زلت تستطيع التردد على غرفتك واستعمالها ساعة شئت . اعلم انك بحاجة اليها فيما يتعلق بفنك التصوري. لا تتردد في استعمالها .
فشكرها دانيال قائلا:
- شكرا لك يا اوليفيا . والآن طابت ليلتك. اتمنى لك احلاما سعيده .
ودعها دانيال وعاد الى بيته فدخلت اوليفيا الى الدار واشتعلت سيكارة وراحت بدخنها بهدوء. تحاول ان تنسى همومها. فجأة رن جرس الهاتف فرفعت السماعة وقالت :
- آلو ! من المتكلم ؟
واذا بصوت غريب يجيبها قائلا :
- ادعى ديك هارفي. انا صحافي وأرغب بالتحدث الى السيدة ماكير كونال .
- انك تتحدث الى السيدة اوليفيا ديلاني. هلا اخبرتني من فضلك, كيف حصلت على رقم هاتفي ؟
- لقد طلبته من السيدة فابر . كنت اود ان اطرح عليك بعض الاسئلة .
فقاطعته اوليفيا قائلة :
- ولكني لا أملك الوقت للاجابة على اسئلتك السخيفة هذه.
لكن السيد هارفي اصر على موقفه وسأل :
- قيل انك على وشك الطلاق من السيد ماكير, فهل هذا الخبر صحيح ياسيدة ديلاني ؟
فأجابت بغضب :
- لا !لا ! هذا غير صحيح ابدا .
فاستطرد الصحافي :
- ولكن خطيبة زوجك السابقة قد اكدت لنا الخبرد هذا. فما هو تعليقك على ذلك ؟
- ليس لدي أي تعليق. اسكر لك فضولك وارجو ان لا اسمع صوتك مرة اخرى .
ثم اشعلت سيكارة ثانية ودخلت غرفتها وحاولت ان تنام .



وتوالت الايام, فبدت وكأنها دهر لا نهاية له. احست اوليفيا ان الوقت يمر دون ان يطرق بابها. وشعرت وكأن الزمن نسي او تناسى وجودها, لا بل ان العالم كله تجاهلها . لم يتصل بها زوجها ولو مرة واحده. ولم تردها أية معلومات بشأنه ولم يشأ آل والتنغ ازعاجها فتركوها تتخبط في وحدة مؤلمة موحشة .
وذات يوم , بينما كانت تغتسل في الحمام سمعت طرقا على الباب . فأسرعت تسكب الماء على جسمها لتزيل عنه رغوة الصابون, ولفت منشفة حول نفسها . ثم هرولت الى الباب لترى من الزائر. كانت متأكده من هويته . فمن عساه يكون غير دانيال.
وحين وصلت الى الباب وجته مفتواحا وابصرت زوجها ماثلا امامها .
فقالت والدهشة في صوتها دون ان تعي ما تقول :
- اعتقد انك دانيال .
فسألها ماك بلهجة ساخرة :
- لقد خيبت املك . اعتذر عن ذلك . ولكن الا تدعينني للدخول ؟
فقالت بعد تردد :
- تفضل ّ ادخل .
فعاد ليسألها ساخرا :
- ارى انك كنت باتظار شخص اخر. هل انت تتمتعين برفقته ؟ هل تواعدتما على الاغتسال سوية ؟
فصرخت اوليفيا:
- هلا خرجت فورا من بيتي !
لكن ماك تابع كلامه بكل هدوء وسألها :
- اهكذا تستقبلين زوجك بعد غياب شهرين ؟ انك تلومينني وكأنني انا الذي هجرتك. هل نسيت انك اخترت الرحيل بنفسك ؟ ام انك ما عدت تذكرين ذلك ؟
ثم جذبها بيده اليسرى اليه. فتراجعت وقد انتبهت الى ان يده قد شفيت. لكنه عاد يتقدم منها شيئا فشيئا واحست بأن قلبها يخفق بسرعة وتركض دقاته تسابق الوقت والحقيقة .
وبينما تعلو الرعشة في اطرافها, تابع ماك اقترابه حتى التقطها ونزع المنشفة عنها, فصرخت :
- اعطني المنشفة ايها الوقح ّ ايها الجبان ! اني اشعر بالبرد .
فسألها:
- الا تريدين ان ادفئك ؟
وحين لاحظ صمتها قال بكل هدوء :
- اني امتع نظري بما حجب عنه لمدة شهرين .
فقالت اوليفيا والحسد يزيد من بريق عينيها المتأججتين :
- ولكن انيتا كانت دوما الى جانبك . لتشبع نظرك وربما غرائزك ايضا. انت لم تعد بحاجة الي بعد رجوعها. لذلك فضلت ان ابتعد عنك حين اكتشفت انك مازلت تحبها .
فصرخ بها قائلا :
- انت كاذبه ! كاذبة ! لا تجيدين غير الكذب! لقد تركتني لتعودي الى حبيبك السابق, ايتها الحقيرة !
فأجهشت اوليفيا بالبكاء وراحت تتمتم :
- انك مخطئ. ان دانيال ليس حبيبي, بل انه مجرد صديق. وهويأتي الى هنا بسبب الغرفة التي اورثته اياها خالتي. فهو مصور محترف وبحاجة الى غرفة مظلمة, يقوم فيها بالاعمال التي تستلزمها مهنته .
فضحك ماك ساخرا وقال لها :
- عذر اقبح من ذنب ! وهب تريدينني ان اصدق هذه الحماقات التي ترددينها ؟
لكن اوليفيا اوقفته عند حده وسألته :
- ماذا جئت تفعل هنا ياماك ؟
ظل صامتا لحظات ثم اجابها :
- لماذا جئت ؟ لقد اتيت لاصحبك معي . ولكن بعد ان علمت بوجود دانيال, لم اعد ارغب في ذلك . لن اجرؤ على طلب ذلك منك .
وبينما كان ماك يتكلم, انحنت اوليفيا الى الارض لتلتقط منشفتها , فأوقفها ثم حملها بالقوة.
حاولت ان تتخلص منه لكنه كان اقوى منها وسيطر عليها وتوجه بها الى غرفة النوم, دون ان يأبه لصراخها المتواصل :
- اتركني يا ماك !لا! لا!لا ! تفعل! اتركني ! ابتعد عن طريقي ! عد اليها !
لكن ماك لم يكن يبالي بما تقوله ورمى بها فوق السرير ثم التفت الى صورته المعلقة فوقه وقال بسخرية :
- اهذا انا ؟
ثم عانقها كما ينقض نمر شرس على طريدة ضعيفة. فصرخت :
- دعني يا ماك ! ارجوك الا تفعل !
فرد ضاحكا :
- لم يكن هذا ما قلته ليلة زفافنا ! اليس كذلك !
ثم اخذها الى عالمه.....
وحين استفاقت من حلمها الرائع, رأت ماك يرتدي ثيابه ويستعد للخروج فقالت :
- هل انت ذاهب ياماك ؟
- لماذا تسألين ؟ هل تودين ان ... اعني هل تريدينني ان ابقى ؟ هل انت بحاجه الى المزيد من الحب ؟
فردت عليه بغضب :
- انك مخطئ بشأني . اني مازلت احبك يا ماك. ولن احب احدا سواك. انت, انت حياتي .
فنظر اليها نظرة لا مبالاة وقال :
- قولي ذلك للصورة المعلقة فوق سريرك لا بل قوليه لحبيبك حين يأتي ويندس في فراشك هذا المساء .
وخرج .




8- حين كنا سوية...

بينما كانت اوليفيا تتصفح كعادتها جريدة الصباح لفت نظرها على الصفحة الاولى, صورة زوجها والى جانبه انيتا,فأنتابها شعور عارم لم يسبق لها ان عرفته من قبل. كان مزيجا من الغيرة والحقد وانتقام.
احست وكأنها تختنق من شدة دقات قلبها. رمت الجريدة على الارض ثم اشعلت سيكارة علها تخفف من غضبها وتهدئ ثورة اعصابها. بعد قليل انحنت فلمت الجريدة بشيء من العصبية والضغينة قرأت :
عوردة الحبيبين ماكير كونال وانيتا برامبلا بعد فراق طويل. وبعد الفشل الذي عرفه كل منهما في زواجه.
في تلك اللحظة كانت تتمنى لو تستطيع ان تمزق جميع الجرائد التي نشرت الخبر. رمت الصحيفة من جديد وراحت تلعن الصحافة والناس وتفكر مليا في وضعها هذا.
وقبل ان تقدم على اية خطوة مجنونة قد تقضي نهائيا على حلمها الجميل, ترددت طويلا. كانت تدرك في قرارة نفسها انها لن تتخلى عن ماكير لأن حبها له اقوى من الغيرة واقوى من الحقد. لذلك جلست تستعرض الحلول التي يمكن ان تنتابها لتنقذ زواجها. وبعد تفكير طويل... قررت ان تسافر الى لندن حيث مكتب فالتون هالينغر . ارادت ان تقابل مدير اعمال زوجها عله يرشدها الى مكانه.
قبل ان تغادر المنزل اطلعت دانيال على مشروعها فحاول عبثا اقناعها بأن تتراجع عنه وتمكث في البيت وتنتظر. فأجابته:
- لا ! لن انتظر ان يأتيني الوقت بالحل المناسب. بل سوف اسعى وراءه مهما كلفني الامر .
وعندما رأى دانيال عنادها واصرارها على السفر الى لندن قال:
- حسنا يا اوليفيا افعلي ما تشائين وما ترينه مفيدا. لكني احذؤك من مغبة هذه الزيارة واحذرك بشكل خاص من فالتون بالذات.
طمأنته اوليفيا قائلة :
- لا تخف يادانيال. لن ينجحو ابدا في ابعاد زوجي عني. اني متأكده من حبه لي ومن حبي له. ولذلك انا مصره على رؤيته لاقناعه بالعودة لي .
فقال دانيال مودعا :
- انك تعلمين منزلتك في قلبي. ان كل ما اتمناه لك هو السعاده حتى ولو كانت على حساب علاقتنا.
شكرته اوليفيا وراحت تعد نفسها للسفر الى عاصمة الضباب. فور وصولها الى لندن, توجهت مباشرة الى مكتب فالتون. انتظرت بضع دقائق خارج المكتب قبل ان يستقبهما السيد هالنغر. ثم فتح الباب وخرج منه فالتون مبتسما وقال :
- ماهذه المفاجأة السارة ياسيدة ديلاني. انه ليسعدني استقبالك في مكتبي المتواضع. ارجو ان تتفضلي بالدخول .
دخلت فأغلق الباب وراءها وجلس خلف مكتبه, وجلست اوليفيا على المقعد قبالته. قالت له:
- ان سرورك بمشاهدتي ياسيد فالتون لا يفوق سروري برؤيتك .
ثم ابتسمت ابتسامة ساخرة واضافت :
- لن آخذ الكثير من وقتك .
فأجابها :
- طبعا لا ! ولكن اية عاصفة حملتك الينا يا سيده ديلاني ؟
فأجابت اوليفيا بهدوء تام :
- ان الذي جاء بي الى هنا ياسيد هالنغر, هو حبي لزوجي وشوقي اليه . فأنا ابحث عنه اذ انه لم يترك لي عنوانا او رقم هاتف لأتصل به . وانا اكيده من انك تعرف عنوانه وباستطاعتك ان ترشدني الى مكان وجوده .
فأجابها قائلا :
- ولكنني في الوقت الحاضر, لا اعرف شيئا عن مكان وجوده فهو....
فسألته اوليفيا بلهفة :
- اتعني انه خارج البلاد ياسيد فالتون ؟ هل سافر الى بلد ما ؟
- لا! ل اظن انه في الخارج .
كانت نبرة صوته تفقد هدوءها شيئا فشئا, لذلك قالت اوليفيا غاضبه :
- اين تعتقد انه موجود ؟ هل تحاول ان .....
- ارجوك ياسيده ديلاني ....
واشتد غضبها فصاحت به :
- تريدني ان اخرس امام كذبك ووقاحتك .
فصرخ فالتون بوجهها وقال :
- لا! لقد بالغت في ....
فردت اوليفيا بجرأة توازي غضبه :
- اتسمي ذلك مبالغة... حين تبحث امرأة عن زوجها ؟ انه زوجي ياسيد فالتون .
عند هاذا الحد فقد فالتون السيطرة على هدوئه وقال لها بكل وقاحة وجرأة :
- اسمعي جيدا يا سيده اوليفيا . اكان زوجك ام عشيقك فلا فرق عندي . ان كل ما يهمني هو ان ابعدك نهائيا عن ماكير. وسوف ابذل كل جهدي في سبيل تحقيق هدفي حتى ولو اضطرتني الظروف لاستعمال اقبح واشنع الوسائل. ان السيد ماكير قد شفي تماما من الاصابه التي لحقت بيده اليسرى. وهو الآن يستعد للعوده الى العوف. لا تكوني انانية... فالجمهور بحاجه اليه كما هو بحاجه الى الموسيقى والفن. دعيه وشأنه. ان امامه سفرا طويلا الى الخارج وقد يسافر عما قريب الى اوستراليا والولايات المتحدة وبلدان اخرى . لا اريد ان تقيديه كما لا اريد ان تقيدا اية امرأة كانت. اريده حرا.
وهل يعتبر اوليفيا حجر عثرة امام مهنة ماكير كونال ؟ هل ان وجودها الى جانبه, يمنعه عن العزف وعن الاعتمام بالموسيقى؟ لم تعد اوليفيا تدري ماتقوله او ما تجيب به لكنها اكتفت بقولها :
- ولكن ياسيد فالتون اذا تركته انا فلن تتركه الآنسة انيتا .
فأجابها فالتون على الفور :
- دعك من انيتا . سوف اتولى امرها بنفسي .
كانت حدة غضبه قد خفت فأضاف بهدوء :
- والآن ارجو ان ترافقيني . اردي ان اريك شيئا .
قام وخرج ولحقت به اوليفيا. وسارا باتجاه ردهة طويلة, وبعد ان قطعا بضعة امتار توقفا في زاوية مظلمة. ثم رفع فالتون يده واشار بها الى الجهة المقابله فنظرت اوليفيا الى حيث اشار ورأت زوجها يعانق انيتا . وبنما كانت الدهشة تمسح وجهها , امر فالتون احد المصورين الذي كان واقفا عند اسفل السلم, ان يأخذ صورة لاوليفيا وهي تنظر الى زوجها وانيتا .
احست اوليفيا وكأن المشهد صفعة سقطت على خدها ايقظتها من حلم جميل واعادتها الى الواقع المرير. فالتفتت الى فالتون باشمئزاز وقالت له :
- يالك من .... حقير ! ايها الكاذب اللعين ! كان هنا طوال الوقت ولم تخبرني بوجوده !
واما شدة غضبها , احس فالتون بانها قد تنقض عليه وتمزق وجهه باظافرها . فقال لها بشيء من الخوف :
- ولكن ! ولكن السيد ديلاني هو الذي طلب مني ان اقابلك . واصر ان اخفي عليك مكان وجوده .
فحدقت اوليفيا في عينيه وتمنت في تلك الساعه لو انها تملك خنجرا تغمده في صدره ثم قالت :
- طبعا ! لا شك في ان السيد ديلاني هو الذي امر وانت اطعت الاوامر .
فتجاهل فالتون غضبها وقال :
- كل ما يمكنني قوله هو ان السيد ديلاني يعد نفسه لحفلة عزف قريبا جدا. سوف يجريها على المسرح الملكي بعد حوالي 3 اسابيع .
كانت نار الحقد متأججه في قلب اوليفيا فردت بعنف :
- سوف انتقم منك ومن هذه المرأة اللعينه انيتا, سوف انتقم منكم جميعا .
وغادرت المكتب والحزن يحطم قلبها .
عادت الى منزلها خائبه الأمل وكانت يائسة حتى انها فكرت بأن تضع حدا لحياتها التعيسه .

منتديات ليلاس




وفي صباح اليوم التالي, اتصلت بدانيال وطلبت منه ان يأتي عله يخفف من حزنها. ولبى دعوتها بسرعه وفور وصوله اطلعته على نتائج سفرها فقال :
- الم احذرك يا عزيزتي ؟ اريدك ان تنسي ما حصل .
وردد مرة اخرى :
- اريدك ان تنسيه . ليتك تنسيه يا اوليفيا الى الابد .
فجالت بنظرها في ابعاد الغرفة وكأنها تبحث عن شيء . وقالت والضياع يقطع صوتها :
- انسى ! انسى ! كيف انسى من علمني معنى الحب الحقيقي ومعنى السعاده ؟كيف انسى من ارشدني الى طريق الحيا ة؟
فأخذ دانيال يدها وراح يداعب اناملها وقال :
- سوف احاول ان اشتري بطاقات لنحضر الحفلة . اعدك انني سوف افعل ذلك من اجل ان تعود البسمة الى شفتيك الجميلتين .
ومرت الاسابيع الـ3 لم تعرف فيها اوليفيا طعم النوم او الراحة . لم يتوقف ذهنها عن التفكير والتحليل. وحين حل موعد الحفلة اصطحبها دانيال الى صالة المهرجانات الدولية في المسرح الملكي حيث كان من المقرر ان يعزف ماكير بعد غياب طويل .
كانت الصالة تغص بجمهور كبير جاء من محتلف انخاء البلاد للاستماع الى العازف الشهير ... الى العزف الذي تشوق لرؤيته من جديد .
فجأة غمر الصمت الصالة المليئة, فالتفت الجميع الى المسرح المقابل ورأوا ان الستار يرتفع شيئا فشيئا. كانت ألة البيانو في وسط المسرح تنتظر وصول سيدها الذي ظهر بعد 5 دقائق وجلس اليها بعد ان حياه الجمهور بتصفيق حار وطويل .
شعرت اوليفيا ان الناس يصفقون لها .. يصفقون للرجل الذي اصبح جزءا لا يتجزأ من كيانها .
ثم انتظر ماكير حتى انتهى التصفيق فرفع يديه واستعد للعزف.
راحت انامله تداعب البيانو وتعزف قطعه لأشهر مؤلفي الموسيقى ... موزار.
كان عزفه اجمل من الماضي. كان اشبه بنسيم عليل يلفح وجه صبيه فاتنه تركض وراء الفارشات وتلملم عبير الازهار ... تهيم حالمة لتلتقط اشعة قوس قزح وتخيط منها ثوبا ترتديه قبل لقائها بحبيبها .
في تلك اللحظة شعرت اوليفيا انها هي نلك الصبيه العاشقه. وقد علت صهوة جواد الاوهام وسافرت الى بلاد سحرية حيث جمعتها الذكريات بحبيبها ماك .
كانت تتذكر الايام السعيده القليلة التي قضتها الى جانب زوجها. ومازالت نار الحب تضطرم في اعماقها والحنين يخبلج في كل خلية من خلاياها .
وفيما هي تحلم ناداها دانيال قائلا :
- اوليفيا ! اوليفيا ! هل تشعرين بأي سوء ؟
اجابت بعد هنيهة :
- لا ! اني بحالة جيده! اعتذر عن شرودي . كنت افكر .
لم يطلب دانيال منها الاعتذار فقال :
- اردت فقط ان انبهك الى ان موعد الى ان موعد الاستراحه قد حان. يمكننا الخروج قليلا اذا شئت واني ارغب في فنجان قهوة, وانت كذلك ؟
فأجابت اوليفيا برجاء :
- اني في الحقيقة يا دانيال . ارغب في ... ارغب في ... وسرعان ماقالها دانيال :
- اعلم انك ترغبين في مقابلته. ولكن من المستحيل ان... اقصد انك يا اوليفيا لن تستطيعي .
تشجعت عندها وقالت :
- ارجوك يا دانيال ان تساعدني . اريد ان اراه ولا بد من ذلك. كما اني اريد ان ترافقني .
واصر دانيال على موقفه. فقال:
- ولكن لا يحق لأي كان ان يقابله الآن. فلقد اتخذت تدابير واجراءات مشدده بهذا الخصوص .
فأجابت والكلمات تذوب على شفتيها من كثرة الشوق المتأجج في داخلها :
- انسيت انني زوجته ؟ لن يمنعني احد من مقابلة زوجي .
فرضخ دانيال للامر الواقع وقال :
- حسنا ! ان كنت ترغبين في ذلك ! هيا بنا .
غمرت الفرحة قلب اوليفيا وطبعت قبلة شكر وامتنان على خد صديقها الوفي. واتدها الى الغرفة التي كان ديلاني يستريح فيها قلب ان يعود للعزف. وبعد ان اجتازا الممر الأول وقطعا الحواجز العديده . بقي امامهما حاجزا واحدا هو حارس غرفة السيد ماكير كونال الشخصي . استوقفهما الحارس قائلا :
- الى اين من فضلكما ؟


لكن اوليفيا لم تبال بسؤاله واقتربت من باب الغرفة فتقدم منها الحارس وسألها من جديد:
- الى اين يا سيدة ؟ لا يحق للجمهور ان يدخل الى غرفة السيد ديلاني . ولا يمكن لأي شخص ان يقابله اذا لم يحمل تصريحا موقعا بذلك .
فالتفتت اوليفيا الى الشاب الوسيم وابتسمت ثم قالت له :
- ولكني لست من الجمهور ولست أيا كان ايها الشاب. اني زوجة السيد ماكير . وانا اصر على مقابلته لأمر عاجل وضروري يتعلق به شخصيا . ارجو ان تدعني ادخل .
حين ادرك الحارس صدق ما تقوله , قال لها :
- حسنا اتبعيني من فضلك .
فلحقت بالحارس الذي رجا دانيال بالبقاء خارجا وطرق على باب احدى الغرف . ثم دخل اليها وسمعته يوقل :
- في الخارج ياسيدي سيدة تدعي انها زوجتك وهي تصر على مقابلتك شخصيا .
فعلا صوت ديلاني قائلا :
- دعها تدخل يا سندي. انها حقا زوجتي. اشكرك لأنك ارشدتها الى مكان وجودي .
فخرج الحارس ودعا اوليفيا للدخول . ففعلت. لحظات ووجدت نفسها اما زوجها الذي كان يقف قرب نافذة تطل على الباحة الخارجيه .
لم يدعها تنطق بكلمة واحده حتى انه لم يلق عليها التحية ولم يرحب بها بل اكتفى بالقول :
- لماذا كنت مصرة على مقابلتي ؟ ماهو المرسال المستعجل الذي تحملينه الي ؟
فقالت اوليفيا بهدوء :
- اريد ان اهنشك قبل كل شيء فلقد كان عزفك رائعا ثم اني, اني ...
فقال ماك بصوت حازم :
- ارجو ان تسرعي وتقولي مالديك فأنا على عجلة من امري . فوقت الاستراحة قد ينتهي بعد لحظات .
لم تدر من اين تبدأ فسألته :
- اتذكر يا ماك اليوم الذي زرتني فيه اخر مرة؟ الم تقل حينها انك تريدين ان اعود اليك ؟ اني ياماك اردي ذلك من كل قلبي , انا ... اريد ان ابقى بقربك واعيش الى جانبك كل حياتي المقبلة .
لم تكن تتصور انه سوف يضمها الى صدره بهذه السرعه ولم تخف انذهالها حين راح يقبلها بشوق وحرارة .
لكنه ابعدها عنه فجأة . وارتسمت على شفتيه بسمة سخرية وقال:
- انا اسف يا عزيزتي. ولكني لست بحاجه اليك ولا الى وجودك بقربي .
ولشدة دهشتها التزمت اوليفيا الصمت ولم تجد اية كلمة تقولها فتابع كلامه وسألها :
- هل جئت بفردك ؟
ولم تكن تريد ان تذكر اسم دانيال أمامه فأجابت قائله :
- اجل لقد جئت بمفردي .
عندئذ دخلت انيتا وكأنها كانت تستمع الى الحوار بأكمله وقالت لماك :
- لا تصدقها ياماك. انها تكذب . لقد رأيت رجلا يرافقها الى هنا . وهو بانتظارها في الخارج. اظن اسمه دانيال.
فالتفت ديلاني بغضب الى زوجته وقال بنبرة قاسية :
- اخرجي ايتها الكاذبة! اخرجي فورا من غرفتي ! هيا ! .
ولكن اوليفيا احتجت قائلة:
- ولكن ياماك دعني اشرح لك الامر.
لكنه راح يدفعها الى الخارج وكأنه يطرد كلبه راف من غرفته وصاح في وجهها :
- امرتك بالخروج فورا فان لم تفعلي, سوف اخرجك بالقوة.
وعلى الفور خرجت اوليفيا واتمت بين ذراعي دانيال الذي كان ينتظرها. وراحت تبكي على كتفه. ولاحظت ان حشدا من الصحافيين قد احط بهما وراح يأخذ الصور ويطرح الاسئلة. فحاول دانيال ابعادهم وهويمسك بيدها ويجرها وراءه. وحين تخلصا من عدسات المصورين لم يكن أي منهما يرغب في حضور القسم الثاني من الحفلة الموسيقية. فاستقلا السيارة ورجعا الى المنزل .
وحين وصلا اليه دعت اوليفيا دانيال للدخول . لكنه رفض ازعاجها وتفهم رغبتها في الانفراد فقبلها وقال :
- كلانا بحاجه الى الراحة هذه الليلة . افضل ان اذهب الى البيت. انتظرني غدا, سوف نتناول معا طعام الفطور .
- حسنا اني بانتظارك . اني اسفة على هذه الامسية التي قضيتها معي يا دانيال! لا تنس ان تأتي بالجريدة يوم غد .
وعدها بالا ينسى ذلك وسار نحو بيته المجاور بينما سارت اوليفيا نحو غرفتها ورمت بنفسها فوق السرير لتخنق صوتها الصارخ ودموعها الجارفة .
لم تستطع ن تنام فسهرت مع الليل وظلمته. وراحت تحدثه وتردد كلمات اغنية تحبها ...
- حين كنا سوية , كان صوته في الليل يقول لي وانا استمع الى همسه... احبك, احبك حتى تقع نجمة الليل نجمة , نجمة .
ولكن الحب انتهى وسكت الصوت ولم تقع اية نجمة. فالكلام كلام والاحلام احلام وتبقى الايام اياما تجرف معها امانينا .
ثم قامت عن سريرها فحدقت بالمرآة ورأت وجهها المضطرب. بدت شبيهة بمجنونه, نسيت من تكون ونسيت نفسها الحقيقية . ودنت من الصورة المعلقة على الجدار وراحت تقول وكأنها تحدث ماك :
- لماذا فعلت بي هذا ؟ هل استحق كل هذا العذاب ؟ انا التي انقذتك واعدتك الى الحياة !
ثم اجهشت بالبكاء وظلت تبكي حتى استسلمت للرقاد.



في صباح اليوم التالي , استفاقت على دقات الباب, فاسرعت لتفتحه. واذا بدانيال يقول :
- صباح الخير ياسيدتي الجميله . صباح الجمال و....
توقفثم تابع قائلا :
- ولكن مابك؟ هل كنت لا تزالين نائمة ؟ انك حقا كسولة, لقد قاربت الساعه الـ10 . هل نسيت انك دعوتني لطعام الفطور ؟
فقالت اوليفيا وهي تضحك :
- تقصد انك انت الي دعوت نفسك لطعام الفطور .
اخذا يضحكان وسارا نحو المطبخ حيث راحت اوليفيا تعد الطعام ثم سألته :
- بالمناسبة هل اشتريت لي جريده الصباح ؟
- طبعا ! ولكني لم اقأها بعد. على كل حال, سوف اطلعك على محتواها . اما انت فعليك ان تهتمي بالطعام اذ انني اشعر بجوع شديد .
وبينما اوليفيا تعد طعام الفطور , راح دانيال يقرأ لها العناوين ثم توقف عند احدها وحاول ان يقلب الصفحة. لكن اوليفيا انتبهت الى وسألت :
- ما بالك يا دانيال , توقفت فجأة ؟ هل نسيت خبرا ؟
فأجاب بارتباك :
- انه, انه خبر سخيف , لا يهمنا ابدا .
- ولكني احب الأمور السخيفة. هيا اقرأه لي .
لم يفعل دانيال ماطلبته منه. فنزعت الجريده من يده وقرأت العنوان السخيف . ولكن سخافته ازعجتها كثيرا خصوصا عندما رأت الصورة التي نشرت تحت العنوان . وقد ظهر فيها دانيال وهو يعانقها وماكير يعانق انيتا .كان القسم الأول من الصورة مأخوذا يوم الحفلة, حين طردها ماك من غرفته ولجأت الى دانيال المنتظر في الخارج . اما القسم الثاني منها, فقد اخذ يوم قصدت اوليفيا مكتب فالتون في لندن ودعاها الى الردهة حيث اشار بيده الى انيتا وهي برفقة ماكير.
عندها التفتت اوليفيا الى دانيال واعتذرت منها قائلة :
- اني اسفة يا دانيال . لم اكن ابغي توريطك في مشاكلي .
فاقترب منها دانيال وقال :
- ارجوك الا تعتذري. فانني لا اكترث الى ما ترويه الصحافة من سخافات . وكل ما يحاولون فعله هو تحطيمك. ولكني لن اسمح لهم بذلك . لا تخافي ياحبيبتي, اني دوما ال جانبك, ولن اتركك ابدا .
كم تمنت لو كان هو الذي يقول ما قال دانيال. ولكن الامال لا تتحقق دائما بسهولة .
فجأة رن جرس الهاتف فاخذت اوليفيا السماعه وارتعشت حين سمعت صوت انيتا يقول :
- اسمعيني جيدا يا سيدة اوليفيا . اياك ان تحاولي رؤية ماكير ! اني اهددك. واعتقد انك قرأت جريدة اليوم. فان كنت تهتمين بالمحافظة على سمعة ماكير, ماعليك الا انتبتعدي عن طريقه. والا فاني في المرة القادمة, سوف انشر في الصحف قصة لقائك الاول به ... كيف كان في حالة يرثى لها واجبرك على الزواج منه. سوف تصدق الصحف كل ما اقوله فاياك ثم اياك ان تحاولي رؤيته من جديد .
توقفت انيتا عن الكلام قليلا واضافت :
- قد لا اكون احب ماكير بقدر ما تحبينه انت ولكني اريده لي , ولي انا وحدي , افهمت !؟
واقفلت السماعه دون ان تترك لاوليفيا مجالا للرد . فعادت الى المطبخ حيث كان دانيال قد اعد المائدة وجلس اليها. فقالت له :
- اعتذر يادانيال. كانت مكالمة سخيفة مثل العنوان السخيف الذي نشرته الصحف .
وما ان انتهيا من تناول الفطور حتى غادر دانيال المنزل وهو يقول :
- لدي بعض الاعمال . سوف امر بك بعد الظهر .
وفور خروجه اتصلت اوليفيا بالصحافي بيتر وقالت له بعد ان قدمت نفسها :
- ارجوك يابيتر ان تساعدني. اريد ان انتقل الى المزرعه. وعليك ان تهتم باعادة ترميمها. اني املك ما يكفي من المال لذلك .
- حسنا سوف اساعدك. ان لوالدي خبرة كبيرة في هذا المجال وسوف اجعله يهتم بالامر .
فعادت اوليفيا لتضيف :
- سوف اطلب منك طلبا اخر يا بيتر . اني اريدك ان تنشر القصة التي سوف اخبرك بها . ان انيتا وفالتون يهدداني باستمرار. وقد قالت لي اني اذا لم اكف عن ملاحقة ومقابلة زوجي فسوف تنشر قصة تسيء الى سمعته . لذلك اريدك ان تنشر قصتي قبل ان تفعل هي وقبل ان يفوت الاوان .
- حسنا ! اعدك بذلك ياسيده ديلاني .
وعندما انتهت من حديثها مع الصحفي, اتصلت بمنزل زوجها . وحين رد بنفسه على التلفون قالت له بارتباك :
- اريد ان اتحدث الى السيدة فابر , من فضلك . اني اريدها ان تحزم ما تبقى لي من اغراض كي امر واخذها .
فأجابها ماكير بلهجة هازئة:
- اذن انت تستعدين للانفصال النهائي عني . هل شجعك صديقك دانيال على القيام بهذه الخطوةالجريئة ؟
واضاف بعد ان ضحك :
- كيف تدعين انك تحبينني وانت تتركينني بهذه السهولة ؟
فقالت بغضب :
- ماذا ينفع حبي لك وانت تحب امرأة اخرى؟ ارجوك, اريد ان اتحدث الى السيدة فابر .
فطمأنها بلهجة ساخرة :
- لا تخافي سوف تتحدثين اليها يا عزيزتي عندما تحضرين لتأخذي امتعتك , لن تجديني هنا لأني ذاهب , اعني مسافر الى امستردام وباريس وميونخ ...
فسألته بارتباك وقلق :
- كم ستدوم رحلتك ياماك ؟
اجبها بكل هدوء :
- طويلا ! الوداع !
ثم نادى على السيده فابر لتتحدث الى اوليفيا.
وبعد ان انتهت من كلامها, استقلت اوليفيا سيارتها وقصدت منزل ماكير لكي تستعيد اغراضها. وعندما انتهت من مهمتها,ودعت السيده فابر والدموع في عينيها واتجهت الى سيارتها حيث وجدت راف بانتظارها على المقعد الخلفي. فقالت لنفسها وللسيده فابر :
- ولكني لا استطيع ان اصحبه معي . قد يغضب ذلك السيد ماك. لا استطيع .
لكن السيدة فابر اصرت عليها ان تصحب راف وقالت :
- لن يرجع السيد ماك الا بعد مدة طويلة. وراف الآن بحاجة الى من يعتني يه ومن يحبه .
فقبلت اوليفيا واجابت بعد تردد :
- حسنا سوف يبقى كعي . وحين يعود السيد ماك من سفره, لن يجده ولن يجدني ابدا . نكون قد رحلنا سوية الى مكان يجهله تماما .
بعد ان قالت اوليفيا ذلك ... ادرات محرك سيارتها ورحلت .



9- حفلة امستردام
ومن جديد انطلقت اوليفيا من الجنوب نحو الشمال, باتجاه مقاطعه قصدتها للمرة الاولى منذ 3 اشهر تقريبا . وكان شهر اذار ينذر بالمطر والعواصف آنذاك, ويلف الضباب المنطقه فيحجب عنها نور الشمس .
اما اليوم فأن رحلتها الثانية تختلف تماما عن الاولى. فقد بدا شهر حزيران ولملم المطر خيوطه وهدأت العواضف والرياح .
وبالرغم من ان درجة الحرارة مرتفعة فالغيوم الداكنه لا تزال متلبده في السماء .
وحين اقتربت السيارة من المزرعه, اخرج راف رأسه من ناافذه المقعد الخلفي وراح ينبح معبرا عن فرحته بالرجوع .
كان في المزرعه بضعة عمال يعملون على ترميمها وبعضهم يركب النوافذ والبعض الاخر يهتم بالهندسه الداخليه .
ثم تقدم من اوليفيا رجل هرم تأكدت انه والد بيتر فقالت له :
- مرحبا يا سيد ايفنس .
- اهلا ياسيده ديلاني . لقد جئت باكرا. مازال عندنا بعض الاعمال نقوم باتمامها .
فأجابته مبتسمه :
- اعرف ذلك جيدا لكني لم اعد احتمل الانتظار .لا بأس لن ابارح غرفتي قبل ان تنتهو من العمل. هل يوافقك ذلك ؟
فقال معتذرا :
- ولكني يا سيدة ديلاني لم اقصد ذلك , كنت على العكس اخشى ان يزعجك الضجيج. يسعدنا كثيرا بقاؤك معنا واشرافك على العمل .
فشكرته قائلة:
- شكرا ياسيد ايفنس. ارجو ان ينتهي العمل في هذه الورشه في اقرب وقت ممكن .
فطمأنها قائلا :
- تأكدي ياسيده ديلاني انها مسألة ايام قليلة !
بعدها تعرفت على المهندس الذي يشرف على عمل الترميم فقدم لها نفسه قائلا :
- اسمس بيشوب. اني متعهد البناء والمهندس المشرف عليه . لقد ابرمت عقدا مع السيد بيتر بناء على طلبك على ما اعتقد .
فهزت رأسها وقالت :
- اني على علم به .
ثم سألته :
- ارجو ان يكون العمل سائرا على وجه حسن. هل ثمة مشكله تعترضكم؟
- لا! لا توجد اية مشكله يا سيدة ديلاني. الا ا البيت بحاجه الى اثاث ومفروشات. اعني ...
فقاطعته اوليفيا:
- اعرف ماتعنيه . بالطبع سوف نشوتري الاثاث الضروري لا سيما انه سوف يكون منزلا لي, اقطن فيه بقية ايام حياتي. المهم انه بدأ يتخذ من الخارج شكل منزل على الاقل .
وضحك الاثنان على ملاحظة اوليفيا التي اضافت قائلة :
- سوف اشتري المفروشات فور انتهائكم من الترميم .
- سوف ننتهي منه هذا الاسبوع ان شاء الله ونجعله يليق بملكة او اميرة .
ثم سألها السيد ايفنس قائلا :
- ان المنزل يلزمه الكثير من الاثاث . وقد يكلفك ذلك غاليا. اعتذر على فضولي. ولكني اردت فقط ان اطلعك على الامر .
فشكرته اوليفيا وقالت :
- لا تشقل بالك من هذه الناحية. لقد ماتت خالتي وتركت لي ...
وقاطعها قائلا:
- لقد اخبرني ابني بيتر ولكني اردت اطلاعك على الامر فقط .
ثم ابتسم وتابع كلامه وفي عينيه بعض الكبرياء :
- تعالي لأريك المطبخ الذي صممته .
وحين دخلا اليه قال :
- الا يعجبك؟ انظري الى الجدران, ان ورقها جميل وقابل للغسيل .
كان السيد ايفنس فرحا جدا بالمطبخ الجديد الذي صممه ويشبه في فرحه صفلا انتهى من رسم صورة امه .
ابتسمت اوليفيا للعجوز وقالت :
- انه جميل جدا . هل اخترت كل ذلك بنفسك ؟
سكت لحظة ثم قال :
- في الحقيقه ان زوجتي هي التي اختارت الالوان ولكني انا الذي اخترت النوعية والجوده .
ردت اوليفيا:
شكرا لك ولزوجتك اللطيفة .
ثم التفتت الى السيد بيشوب وقالت :
- لا اعرف كيف اشكركم جميعا ياسيد بيشوب .
فقال ايفنس :
- الفضل يعود لك يا سيده ديلاني . اذ لم يفكر احد في اعادة تشييد هذه المزرعه المهجورة . انك حقا جديرة بامتلاكها فقد اهلمتها عائلة اثرلاي بعد ان ماتت الزوجة وتشتت الاولاد كل منهم في بقع من هذه الارض الطيبة .
فجأة سمع صوت محرك سيارة في الخارج . فاسرعت اوليفيا الى الباب الذي كان مفتوحا لتستقبل الزائر المجهول . وشاهدت الصحفي بيتر ايفنس الذي حياها قائلا :
- مرحبا ياسيدة اوليفيا ! ماهذه المفاجأة السارة! منذ متى وصلت الى المزرعه ؟ وراف ايضا معك !
فنبح راف وكأنه يلقي التحية على الزائر الجديد , وقالت اوليفيا:
- وصلت منذ وقت قليل. ما الذي جاء بك الى هنا ؟ هل تحمل رسالة الى والدك ؟



- لا! لقد اتيت لأقابلك انت بالذات والرسالة التي احملها تخصك انت. لقد اتصلت بك في المنزل ولكنك لم تجيبي فقلت لنفسي انك ربما اتيت الى المزرعه وكنت على صواب .
توقف قليلا ثم اضاف :
- جئت اطلعك على المقال. اريدك ان تقرأي القصه التي رويتها لي الابرحه على التلفون .
عندها قاطعهما والد بيتر قائلا :
- يمكنكما البقاء في المطبخ فهو نظيف .
وبعد ان قبلا دعوة العجوز, اخرج بيتر من حقيبته 3 اوراق وضعها على الطاولة وشرع يقرأها على مسمع اوليفيا.
ثم قال بيتر :
- ارجو ان تكون القصة مطابقة لما قلته لي البارحه. فلم اشأ ان تطول المكالمة الهاتفية نظرا للتكاليف وثمن الاتصتلات باهظ وكنت اخشى ان …
- لا يجب ان تخشى شيئا يابيتر فأنا ….
اكمل عنها قائلا :
- اعرف ان خالتك الثرية تركت لك كل ثروتها. ولكني اردت ان اقول ان قصتك كانت قصة حب على ما اعتقد, ولم اشأ ان تكون للقصة …
توقف قليلا ونظر اليها ثم تابع كلامه :
- لم اشأ ان تكون نهايتها نهاية حزينه ومؤلمة بل اردتها ان تكون سعيده. لنقل اني لم اشأ ان تكون للقصة اي نهاية .
ثم حدق في عينيها وسألها :
- لا اظن ان القصة انتهت, اليس كذلك ياسيدة اوليفيا ؟
فحدقت اوليفيا في الاوراق التي تروي حكاية حبها وقالت ونبرة من الحزن تمسح صوتها :
- ان لم تنته الآن فسوف تنتهي حتما عما قريب .
اخذ بيتر يدها وشد عليها ثم قال :
- هيا ابتسمي . ان الحزن يخفي جمال عينيك. هل تعتقدين انني قد ادع شيئا من هذ القبيل يهدد الزواج الذي كنت احد شهوده, وكأنني مجرد متفرج على فيلم انتهت احدى حلقاته؟ اقرأي ياسيده ديلاني ماكتن على هذه الصفحة .
فنظرت اليه وقالت :
- ارجو ان تناديني اوليفيا.
ثم اخذت تقرأ الكلمات التي خطتها يد بيتر. وبدأت القصه منذ اليوم الذي ضاعت فيه اوليفيا في الضباب, حين توقف محرك سيارتها في قلب مقاطعة بوركشاير, يوم راحت تبحث فيه عن مكان يؤويها ريثما تهدأ العاصفة ويضمحل الليل . وتروي كيف رأت النور من بعيد وكأنه سراب نسجه خيالها . ولكنها حين سمعت نباح الكلب القريب , سارت باتجاه الضوء ودقت على الباب الذي يتسرب منه. وتحدثت عن الرجل الذي يسكن في هذه المزرعه وعن الاكاذيب التي ذكرها بشأن جرائمة وسرقاته, ليخيف الزائرة الغريبة التي ازعجت وحدته وانفراده. وكيف خافت الزائرة من تهديداته للوهلة الاولى .
ولكن شعورا غريبا في داخلها بدد خوفها واحست, منذ اول لحظة كلمها فيها, انها تحبه وتميل اليه كثيرا . كان حبها له حبا من النظرة الاولى .
وتابعت اوليفيا المقال الذي كتب ….
- شعرت ان هذا الرجل يختلف عن كل الناس الذين تربطني بهم علاقة سطحية او مجرد صداقة. اما هو فكانت علاقتي به تختلف تماما . كانت حالته الصحية سيئة بسبب المرض. لقد اعتنيت به وسهرت الليالي قرب سريره حتى تحسنت صحته. وحين طلب يدي للزواج, لم تصدق اذناي ما سمعته. وكان ذلك اليوم اسعد اسام حياتي .
وكتب المقطع الاخير من المقال :
- وكان حبي له يزداد يوما بعد يوم فكنت احبه حبا كبيرا وما زلت .
عندئذ نظر بيتر اليها وقال :
- كيف وجدته؟ هل اعجبك المقال ؟
- اني لا ادري كيف اشكرك يابيتر .
- انني اقوم بواجبي, انسيت انني شاهد زفافكما ؟ لذلك سوف ابذل جهدي للمحافظة على هذا الزواج . لقد حاولوا ان يهددوك ولكن هذا المقال اقوى من تهديدهم ومن سلاحهم الحقير. اني احاول ان اتصور وقعه عليهم .
ضحك الاثنان وسمعت اصداء ضحكاتهما من الخارج. فوافاهم والد بيتر الى المطبخ وسأل:
- هل انتهيت من صنع القهوة يا سيدة اوليفيا ؟
فاعتذرت وقامت تعدها لهم. وبعد ان شربوا القهوة, قال بيشوب :
- اني اعتذر ياسيدة ديلاني. يجب ان اذهب فلدي بعض الامور اسويها. الى اللقاء.
فودعه الجميع وخرج .
ثم رمق السيد ايفنس ابنه بنظرة استفهام وسأله :
- هل حدثت السيدة ديلاني عن هذه الامسية ؟
- لا يا ابي, لمافعل بعد . ولكني لم انس ذلك .
والتفت بيتر الى اوليفيا فقال لها :
- اني بأسم العائلة ادعوك الى سهرة في منزلنا هذه الليلة, حيث تعد والدتي طعام العشاء على شرفك .
فسألته اوليفيا بابتسامه :
- وما المناسبة يا سيد ايفنس ؟
اجابها الابن :
- سوف يقدم التلفزين برنامجا شيقا, ارجو ان تشاهديه معنا. وهو عن عازف شهير في بلادنا, يعزف اليوم في امستردام . وان التلفزيون ينقله مباشرة من امستردام عبر الاقمار الاصطناعيه .
فهتفت اوليفيا قائلة :
- اتعني ماكير ! ؟
فاستفسر بيتر:
- هل تحبين مشاهدته ؟
قالت والدموع تملأ عينيها :
- اوه ! ارجوك يا بيتر ...فاقترب منها وقال :
- اذن ما عليك الا ان تحضري في المساء عن الساعه الـ7.30 تقريبا, فالبرنامج يبدأ في تاما الساعه الـ8 .
ثم اضاف قائلا :
- سوف اذهب الآن لأكمال هذا المقال, اقصد ان اضع عليه اللمسات الاخيرة قبل ان اسمله الى المطبعه. سوف ينشر خلال يومين على الاكثر .
لكن اوليفيا كانت خائفة من ردة الفعل التي قد تنتج عن نشر هذه القصة فقال له :
- اني خائفه يابيتر. لا احد يعرف مكان وجودي الا انت . ارجوك الا تعطي عنواني لأحد حتى لو طلبه منك ديلاني .
لكنه طمأنها قائلا بشيء من السخرية :
- لا تخافي, لن اخبر احدا عن مكان وجودك ولكنني اخشى فضول الصحافيين الذين قد يهتدون اليك . ولكني اعدك بمعالجة الامر. فلا تخافي فأنا بجانبك .
فشكرته اوليفيا وقالت :
- سوف نلتقي عند المساء في منزلك .






بعد ان ذهب العمال, بقيت وحدها في المنزل . وحين بلغت الساعه الـ6 اسرعت فارتدت ثوبا ابيض يشبه فستان زفافها . وتوجهت الى منزل بيتر .
كانت دقاتها على الباب تمتزج بدقات قلبها. واحست رغم بعده عنها بأنها ستلتقبه بعد لحظات فالساعه ستبلغ الـ8 بعد 10 دقائق .
وبعد ان تعرفت على السيدة ايفنس, اتجه الجميع الى غرفة الجلوس حيث كانت المذيعه تعلن موعد افتتاح الحفلة الموسيقية ونقلها مباشرة من امستردام ارضاء لجمهور ماكير الكبير .
حينرأت اوليفيا صورة زوجها احست بأن لقلبها اجنحة طارت اليه. ولم تعد تشعر بالمسافات التي تفصل بينهما. واحست انها بالقرب منه. وتعزف معه انشودة الحب . واتحدت يداها بيديه وهما تداعبان البيانو وسرت في عروقها نشوة .
كانت عائلة ايفنس تنظر تارة الى العازف الماهر وطورا الى الحبيبه العاشقه. وحين انتهى العزف . وعاد الطائر الحزين الى عشه وطوى اجنحته المتكسهر .
حطمت السيده ايفنس طوق الصمت وقالت لاوليفيا :
- انه عازف ماهر يا سيدة ديلاني. اني فخورة جدا بان تكونا في جيرتنا .
شكرتها اوليفيا وعيناها شاخصتان الى زوجها الذي وقف لينحني مرتين امام الجمهور الذي كان يردد اسمه بالهتاف :
- دي. لا ! ني ! دي. لا ! ني ! دي. لا ! ني !
لكن لم يكن بوسعها ان تسمع فرفعت يديها ووضعتها على اذنيها كي تحجب الصوت... ثم اغمضت عينيها لتنسى صورته وتخفف من الآلم الذي افعم قلبها .
وعلى الفور ادرك بيتر حقيقة ما تشعر به اوليفيا فقام واطفأ جهاز التلفزيون وقال :
- اني اشعر بالجوع, هيا بنا الى المائده! هل انت جائعه يا اوليفيا ؟
هزها صوته وكأنه ايقظها من حلم فأفاقت منه رغما عنها. لم تكن تشعر برغبته في تناول أي طعام ولكنها لا تستطيع ان تخيب عائلة ايفنس بعد ان عاملوها وكأنها واحده من افراد الاسرة .
جلسوا الى المائده فحاولت اوليفيا ان تأكل قدر المستطاع من طعام السيده التي سألتها بعد وقت قصير :
- الم يصب زوجك في ذراعه خلال حادث سيارة على ما اذكر ؟
اجابتها اوليفيا بشيء من الازعاج :
- اجل , ولكنها شفيت تماما , والحمد لله .
واضافت :
- اني اشكركم على هذه الامسية الجميلة. سوف اذهب الآن لأني متعبه . ارجو ان تعذروني .
وقامت لتخرج وقد تفهم الجميع شعورها. ورافقها بيتر الى منزلها لأن الساعه كانت قد تجاوزت الـ11 ليلا .
دخلت المنزل ولم تجد فيه غير العتمة وراف الذي كان ينتظرها امام باب غرفتها. توجهت مباشرة الى الحمام لتغتسل علّ المياه تزيل عنها الكآبه. ثم تمددت على السرير واشعلت سيكارة .
وراحت الذكريات تعبر خيالها. تذكرت الليالي القليلة التي قضياها على هذا السرير. كان صوته مازال يهمس في اذنيها وفمها ما زال يذكر طعم شفتيه... ليتها كانت بقربه الآن .
كم هي بحاجته ! ليتها سافرت الى امستردام ! عندما غفت كانت الساعه قد قاربت الـ3 بعد منتصف الليل .
وما هي الا ساعات قليلة حتى اطل الصباح وجاء معه العمال والمهندس بيشوب . فاستيقظت اوليفيا على اصواتهم وضجيج المطارق . نهضت من فراشها لتلقي عليهم تحية الصباح وتعد لكل منهم فنجانا من القهوة .
مر الوقت بسرعه وبعد ان تناولت طعام الغداء برفقة المهندس, خطر ببالها ان تسمع اسطوانه من اسطوانات زوجها. فيما راحت تستمع الى الموسيقى العذبه سمعت صوتا يناديها :
- اوليفيا! اوليفيا ! اين انت ؟
فأجابت باعلى صوتها نظرا للضجيجي الذي كان يحدثه العمال:
- انا هنا يا بيتر! تعال !
فدخل بيتر الى الغرفة وهويحمل جريدة اعطاها لاوليفيا قائلا :
- خذي واقرأي ثم ابدي رأيك .
فأجابت ضاحكة :
- اعطني لأقرأ .
وصرخت صرخة اندهاش حين قرأت المقال الذي يروي قصتها ويتضمن صورة لديلاني وهو يعانقها يوم زفافاهما . وقالت :
- انك رائع يابيتر. ولكن المقال يتعدى الصفحتين وهذا غير معقول. لقد قدمت لي الكثير .
- ولكن الصفحتين غير كافيتين للتحدث عن حب امرأة عظيمه لعازف بيانو عظيم .
فقالت بشيء من الخوف :
- ان المقال جيد والكلمات صحيحه ولكني ...
لم يدعها تتابع كلامها :
- لكنك تخافين من الاعداء, اليس كذلك ؟
تنهدت عميقا واجابت :
- ليس فقط من الاعداء. بل اني اخاف من ردة فعل ماكير .
فطمأنها بيتر قائلا :
- ان كان ما كتبته حقيقة فليس عليك ان تخافي أي شيء.
ظل الحوف يسيطر عليها وعبثا حاولت ان تتجاهله. وازداد خوفها حين هم بيتر بالانصراف, فعرضت عليه فنجان قهوة, ولكنه رفضه قائلا :
- اني على عجلة من امري. قد اعود في المساء واشرب قهوتك الطيبة. ولكني الآن على موعد مع ندوة صحفية تتعلق بالمقال الذي سوف ينشر غدا. جئت فقط اريك الصيغة النهائية, وغدا ننشره في الصحف الدولية والمحلية .
ثم توقف قليلا وسألها :
- هل تعلمين انني اتقاضى مبلغا كبيرا من وراء هذه القصة؟ اني اشعر ان من واجبي اقتسامه معك .
فضحكت وقالت :
- ولكني لست ...
فقال مقاطعا :
- اعلم انك لست بحاجه الى المال فأنت امرأة ثرية. على كل حال كل ما اتمناه هو ان يساهم هذا المقال في رجوع ديلاني اليك.فتكون نهاية سعيدة لقصة حب جميلة .
فأجابت اوليفيا بصوت حزين :
- ان امنيتك وهم يابيتر. فماكير لن يعود الي بعد الذي حصل بيننا. انه على وشك الزواج من تلك المرأة الرهيبة . انه يريد تلك اللعينه الى جانبه .
فسألها بيتر:
- وهل انت متأكده من ان ماكير يريد ذلك ؟ لماذا تزوجك اذن ؟ كان باسطاعته ان يتزوج حين هلم بأمر طلاقها. لقد رفض الزواج بها بسبب ايتها الغبية !
ضحك قليلا وهو يضيف :
- هل نظرت يوما الى المرآة؟ الت تشاهدي جمالك الفاتن ؟ انت مثال الانوثه يا اوليفيا ولا افهم كيف تخشى امرأة مثلك, امرأة كأنيتا. الانسة برامبلا هي التي يجب ان تغار منك وتخشى جمالك .
قال لها ذلك ثم خرج وقد زرع الامل في قلبها من جديد. وبعد خروجه , عادت اوليفيا تستمع الى الاسطوانات وغفت على المقعد في الزواية.


منتديات ليلاس



في صباح اليوم التالي, استيقظت على صوت والد بيتر يناديها:
- سيدة ديلاني ! صباح الخير, هل نمت على هذا المقعد ؟
فابتسمت له وقالت :
- لقد غلبني النعاس ونسيت نفسي هنا .
رد لها الابتسامه وقال:
-جئت ابحث معك مسألة هندسة الحمام واسألك عن الالوان المفضله لديك .
وحين بدأت تجيبه, سمعت في الخارج اصواتا غريبة ورأت من النافذة سيارات عديده تصطف اما المزرعة. كان معظم القادمين من الرجال, وسرعان ما بدا لها انهم صحافيون .
فقالت للسيد ايفنس:
- يا آلهي! ارجوك ساعدني على مجابهتهم! ماذا علي ان افعل ؟ كيف اتخلص منهم ؟ كيف عرفوا عنواني ؟ انا لم اعطه لأحد كما ان السيدة فابر وصديقي دانيال لم يكن لديهما اية فكرة عن وجودي في المزرعة .
- ارجو ان تهدئي من روعك ياسيدة ديلاني . لا تخافي. اذهبي وقابليهم فأنت قوية ولديك القدرة على مجابهتهم, مهما كانت الاسلحة التي يصوبونها اليك .
تشجعت اوليفيا ونزلت الى الدار حيث احتشد عشرات الصحافيين والمصورين. ثم لحق بها راف وهو ينبح وكأنه يدافع عن سيدته التي سألها احد الصحافيين:
- هل هذا الكلب معتاد على الغرباء ؟
فأجابته اوليفيا بلهجة قاسية :
- لا ! ليس معتاا عليهم وهو يستعد لينقض عليكم جميعا ويرمي بكم خارج منزلي .
فقال احدهم بشيء من السخرية :
- لن يخيفنا الكلب يا سيدة ديلاني , ولن يردعنا عن الهدف الذي جئنا من اجله .
فنظرت اليه اوليفيا طويلا وسألت :
- ماهو الهدف الذي تريد تحقيقه ايها الشاب ؟
فأجابها بكل هدوء :
- القصة يا سيدة ديلاني ! تلك القصة التي رويتها لزميلنا بيتر .
فقالت وشيء من الغضب يسكن صوتها :
- انها ليست مجرد قصة. انها الحقيقة .
فسألها صحافي اخر :
- يقولون انك على وشك الطلاق من زوجك. هل هذا صحيح ايضا ؟
قالت ساخطة :
- ليس لدي أي تعليق على هذا القول .
وحين ادركت انهم قد يظنون هذا الخبر صحيحا, لأنها لم تعلق عليه , اضافت :
- انها مجرد اشاعة يتداولها الناس الذين لا يملكون أي عمل يقومون به .
- وهل صحيح ان السيدة انيتا ستتزوج بماكير ديلاني بعد ان يطلقك ؟
فصرخت بوجهه :
- ومن تكلم عن طلاق بيني وبين ماكير!؟ سبق ان قلت لك ان قضية الطلاق مجرد اشاعه, لا اكثر .
وحين رأتهم يكتبون, تساءلت عما يكتبونه ويدونونه فهي لم تقل الشيء الكثير , وتابعت قائلة :
- ان السيدة انيتا مجرد صديقة لزوجي. وتربطها به علاقة عمل وثيقة..فهي عازفة موسيقى كما تعلمون وقد جمعهما عالم الفن بزوجي منذ زمن بعيد .
وسألها صحافي ثالث :
- نرى انك تعيدين بناء هذه المزرعه. هل ستعيشين فيها بمفردك ؟
اجابته اوليفيا وكانت ثورة غضبها قد هدأت قليلا :
- لا ! لن اعيش هنا بمفردي. عندي راف .
واشارت بنظراتها الى الكلب الذي راح ينبح حين سمع اوليفيا تردد اسمه .
وفجأة علا في الدخل صوت مألوف يقول :
- فقط راف ؟ الم تنسي احدا ؟
واذا بالرجل صاحب الصوت, يدخل ويصب جام غضبه على الصحافيين . قائلا :
- بحق الجحيم, ماذا تفعلون في منزلي ؟ ومن اذن لكم بالدخول ؟
فصرخت اوليفيا بدهشة , قائلة :
- ماكير ؟! ماكير ؟!
علق احد الصحافين على المشهد فقال :
- النهاية السعيده .
فالتفت ماكير اليه وقال ساخطا :
- اخرج من بيتي والا ستكون نهايتك سعيده ! اخرجوا كلكم من بيتي ! هيا !
فأجابه بكل وقاحه :
- قد تندم على ذلك يا سيد ماكير .
- اني نادم لأني لم اصل قبل الآن لأمنعكم من الدخول .
فأصر الصحافي قائلا :
- قد نسيء الى سمعتك .
رد ديلاني على الفور :
- اني لا اكترث لسمعتي اطلاقا .
واضاف بعد ان عانق اوليفيا:
- ان كل ما يهمني بقائي الى جانب زوجتي .
ثم نظر اليهم وكان الغضب قد تبدد من عينيه وقال بلهجة ساخرة :
- ارجو ان تتفهموا وضعي الدقيق. فأنا بحاجه الى زوجتي . لقد وصلت لتوي من هولندا ولم ار زوجتي منذ فترة طويلة وانا مشتاق اليها, واعتقد انكم فهمتم قصدي .
فضحك الجميع وخرجوا من المنزل تاركين الحبيبين وحدهما .



10- سمفونية العوده
ابتعدت السيارات عن المزرعه فترك ماك اوليفيا ودخل الى المطبخ ليعد القهوة. لحقت به وقد احست بانه تبدل وغير مزاجه . دنت منه فسألها :
- هل تريدين بعض القهوة ؟
تجاهلت سؤاله وردت عليه بسؤال اخر :
- ماك هل انت بخير ؟
صب القهوة من فنجانه ثم اخذ منها رشفة واقترب من النافذة. اجل نظره في الخارج. ولكن اوليفيا عادت تسأله :
- ماك, لماذا لا تجيبني ؟ اريد ان اعرف سبب عودتك الى المزرعة ؟ ولماذا رحت تلعب امام رجال الصحافة دور الزوج الحنون؟ هل اردت ان ينشروا صورة الزوج المحب ويطبعونها في اذهان الناس؟ ام انك تريد ان تجعل عشيقتك تغار؟
فالتفت اليها وقال بشيء من اللوم :
- كيف تجسرين على اتهامي بالتمثيل؟ انت التي تلعبين دور الزوجه الحزينة التي تنتظر عودة الزوج بفارق الصبر .
توقف هنيهة ثم اضاف :
- هل انت سعيده الآن؟ لقد اخذوا منك كل ما ارادوه وسوف يشرحون حياتك . بل حياتنا ويحولونها الى كلمات. مجرد كلمات يطبعونها على الالة الكاتبه وينشرونها لتقرأها العيون اللامبالية ولتسخر منها الاذان غير المكترثة. انها حياتي ولم يكن لك الحق في التصرف بها. ان هذه القصة تعنينا انا وانت وحدنا ولا تعني احدا سوانا. كانت الصحافة سبب في خلافي مع انيتا وسبب وقوع الحادث واصابة ذراعي .
فصرخت اوليفيا:
- ارجوك ماك, لا تبالغ في ذلك. ولا تلق كل اللوم على الصحافة. ثم انك لا تعرف السبب الحقيقي الذي رويت من اجله هذه القصة واطلعت بيتر ايفنس عليها .
اجابها ساخرا :
- طبعا هناك سبب وجيه . كنت تغارين من الشهرة التي نلتها واردت ان تلفتيالانظار اليك, لأنك زوجة العازف الشهير .
حدقت به اوليفيا طويلا, ولاحظت ان غضبه لم يدم الا قليلا.
ورأت في عينيه بريقا هادئا, تساءلت ان كان بريق الحب الذي عهدته في عينيه. اما زال يجبها ؟
خطا ماك بضع خطوات نحو اوليفيا التي راحت ترتجف عندما وضع ذراعيه حول جسمها النحيل ثم رفع رأسها ليحدق بعينيها. وراحت انامله تداعب خصلات شعرها المسترسلة على كتفيها وتلمس اطراف جفنيها التي بدت وكأنها تردد انشودة فرح .
وحين داعبت انامله عنقهه ........ كانت تذوب من الرقة وتشعر انها عاجزة عن المقاومة . واحنت اوليفيا رأسها على كتف حبيبها وراحت تردد:
- ما احلى الرجوع اليه! ما احلى الرجوع اليه !
لكنه همس في اذنها :
- اريد عناقك .
ليته طلب منها اكثر من ذلك. فهي كانت على استعداد لتهبه كل شيء. وبعد ان عانقها قال وكأنه يسخر من زوجته :
- هيا ! اخبري الصحافة انك قبلت العازف الشهير. هل كنت تعتقدين ان القصة التي نشرتها الصحف قد تؤثر على مشاعري وتعيدني اليك ؟ هل كنت تعتقدين انها كافية لاسامح كل الاكاذيب التي قلتها لي في الماضي؟ ثم من دفع للمهندس والعمال؟ من اين لك كل هذا المال؟ هل يملك حبيبك مصرفا ؟
عندئذ صرخت اوليفيا باعلى صوتها:
- اني انا من دفع المال وليس غيري ! صدقني !
فسخر من كلامها قائلا :
- كذبة اخرى .
- لا ! انها ليست كذبة . صدقني , انها الحقيقة! لم تعرف يوما ان خالتي كانت ثرية وقد ورثت كل اموالها واملاكها بعد موتها. لقد دفعت من هذا المال لأرمم المزرعه .
فضحك ضحكة مصطنعه وقال :
- كم انا سعيد الحظ بزواجي من امرأة ثرية وكريمة .
اوقفته عن الكمال وقالت :
- لم اعد احتمل كلامك اللاذع وسخريتك المستمرة, المؤلمة. ان كنت تجهل كل شيء عن ثراء خالتي فهذا يعود الى اهمالك وعدم اهتمامك بحياتي السابقة. حين جئت الى المزرعه لأول مرة كنت بحاجة الى امرأة تفي حاجاتك المادية . فوجدت في تلك المسكينه التي فقد عائلتهاولم يكن لديها مأوى تلجأ اليه. وحين ادركت انني لست سهلة المنال قررت ان تلبسني خاتم الزواج لاستسلم لك . ولكني كنت مجنونه حين اعتقدت انك تحبني . كنت معتوهة ومجنونه !
جلست على المقعد وتقاطرت الدموع من عينيها. لكن دموعها لم تؤثر في ماك الذي قال:
- كنت انا الهدف الاساسي من نشر قصتك ولكنك فشلت في تحقيق الهدف .
- هل تظن انك كنت انت فعلا الهدف ؟
كيف تخبره الحقيقة ؟كيف تقول له ان انيتا كانت هي الهدف ؟ لو اخبرته ذلك لازداد غضبه, لا سيما انه يحب تلك المرأة .
فسألته :
- ماذا تريد ان تفعل الآن ؟ هل تريد ان تطلقني ؟
- اعتقد ان الطلاق كان الهدف الوحيد من انفصالنا . كنت تريدين ان تطلعي العالم على اننا ما زلنا متزوجين لذلك فضلت ان احضر الى هنا واعلن طلاقنا . سأمنحك الحرية الكاملة واتركك تركضين الى احضان صاحبك . ولكني آسف ان اخبرك بأنني قررت البقاء هنا, هذه الليلة فقط. ومعك انت بالذات .
تركها وصعد الى الغرفة فلحقت به اوليفيا. وراحت تراقبه وهو يخلع ثيابه فالتفت اليها وقال :
- ما بالك الا تستطيعين ان تنتظري بضع دقائق .
- لن اسمح ليدك ان تلمسني, لن ادعك تفعل ذلك .
فسألها متعجبا :
- ولكن لما لا ؟
فأجابت وهي تحدق به :
- لقد اصطحبت معك انيتا في جولتك الاخيرة. لا تحاول ان تقنعني بانك لم تشاطرها الفراش . ولا تعتقد انني انتظرتك بشوق لتأتي الي, بعد ان كنت مع تلك الحقيرة. اريد الطلاق ياماك . الحقيقة هي انني انا التي امنحك الطلاق لتذهب اليها وترتمي في احضانها .
فهتف بتعجب :
- وتلومينني ايضا ؟ وتتهمينني ؟
فصرخت بوجهه :
- اني لا الومك. ولا اتهمك . اعرف انك تحبها وتفضلها علي. لذلك اطلب منك الطلاق, وافعل ذلك من اجلك .
سألها ضاحكا :
- من اجلي ؟ كم انت لطيفة وحساسة ! لم ار في حياتي نزاهة تفوق او تنافس نزاهتك. ما من حنان يوازي او يعادل حنانك, يازوجتي العزيزة !
ثم اضاف غاضبا :
- انت تفعلين ذلك من اجلك وصاحبك والتنغ !
فصرخت مرة اخرى :
- لا! لا تذكر اسمه كلما تنازعنا وتشاجرنا. انني للمرة الاخيرة, اقول لك ان دانيال صديق لي , لا اكثر .
- قولي ذلك للكلب. قد يصدقك راف, اما انا فلن اصدقك مهما قلت ومهما فعلت .
وامام عناده وصراخه, خرجت من الغرفة وتوجهت الى المطبخ لعد طعام الغداء الذي تناولاه بصمت. وبعد ان شربا القهوة بدأت اوليفيا الكلام :
- لقد رأيت ليلة عزفك في مدينة امستردام . كان عزفك .. كان عزفك جيدا لا بل انها اجمل مرة سمعتك تعزف فيها .
انتظر لحظات ثم اجابها :
- شكرا لك على هذا الاطراء .
- كنت تعزف في هولندا, فكيف عدت بهذه السرعه ؟
- ولكني لم اكن في الطرف الاخر من الارض .
- ولكنك ذكرت ان سفرك طويل وقد يستغرق اسابيع .
فابتسم دون ان يقول لها شيئا فتابعت :
- كنت اذن تكذب علي حين قلت انك ستبتعد لفترة طويلة عن البلاد ؟
سألها بانزعاج :
- ولكن الا تكفين عن الاسئلة والكلام ؟ ثم هل ازعجتك عودتي الباكرة المفاجأة؟ هل اساءت الى خططك ومشاريعك ؟ هل كنت بانتظار ....؟


فصرخت اوليفيا:
- اخرس ! انك حقا لسافل .
ونهضت لتخرج من الغرفة. حاولت ان تركض لكنه استوقفها وشدها اليه , فراحت تضربه وتقول :
- اني اكرهك! اكرهك! اكرهك! يا ماكير كونال ! اني اكرهك .
لكنه حملها رغما عنها وصعد بها الى الغرفة فرماها على السرير .
عبثا حاولت الهروب من بين يديه. ورغم شوقها, حاولت اوليفيا ان تبعده عنها وظلت تصرخ :
- جعني ياماك!لا , لا تفعل! ارجوك ان تدعني! اني لست , اني , قد اكون حاملا .
قالت ذلك بعد تردد ولكنه بدا وكأنه لم يهتم لما قالته فأجابها:
- وهل تعتقدين انني اهتم لذلك ؟
فأغمضت اوليفيا عينيها لتحبس دموعها. كيف تخبره بانها اسعد امراة في العالم؟ كيف تقول له ان لا شيء بات يهمها اكثر من انجاب هذا الطفل الذي تحمله في احشائها ؟
ياله من طفل تعيس بسبب والده القاسي! ارادت ان تصرخ في وجهه وتقول :
- اني اريد هذا الطفل! اني اريد طفلك .
ولكنها لم تجرؤ على ذلك. فنهض ماك عن السرير وارتدى ثيابه وخرج من الغرفة. لحقت به وسألته :
- الى اين ؟ الى اين انت ذاهب ؟
- اني خارج للنزهة ولست بحاجة الى من يرافقني .
- اعرف ذلك. اعرف انك تحب الوحده.فأنت ناسك يرفض ان يدخل احد الى عالمه . لابأس ! اذهب وحدك. فأنا ايضا تعودت على الوحده. اذهب وان شئت لا ترجع ابدا .
قالت ذلك دون ان تعي ما تقوله... من شدة غضبها وحزنها .
خرج وبقيت وحيده تنتظر الليل وتراقب قعارب الساعه تشير الى الـ8 ثم 9 فـ 10 وبعدها 11 حاى اعلنت منتصف الليل . لكن ماكير لم يرجع بعد الى المزرعه .
لم تغف اوليفيا ولم يغمض لها جفن . كانت خائفة , مرتعبه . وعند منتصف الليل, خرجت من غرفتها وقررت ان تترك المزرعه , ان تلحق به وتبحث عنه. لم تعد تحتمل الانتظار اكثر من ذلك .
فخرجت تبحث عن زوجها في ظلمة الليل الحالكه. لبست ثيابا دافئه لكنها نسيت ان تنتعل حذاء ملائما, وراحت تسير حتى ابتعدت عن المزرعه. واخذت تنادي اسمه :
- ماك ! ماك ! ماك!
حاولت ايضا ان تنادي الكلب :
- راف! راف ! راف !
وبدأ الخوف يسيطر عليها وظنت ان ماك قد تاه في الغابة او انقض عليه حيوان مفترس . كانت تصرخ اسمه فيرد عليها الصدى :
- ماك ! ماك !
كانت تركض كالمجنونه وتتسلق الصخور حالا وصلت الى قمة التلة. وبحركة لا شعورية داست على حجر فوقعت على الارض محدثه ضجه . واصطدم رأسها بالحجر, فصرخت بصوت لا واع:
- ماك !
وغابت عن وعيها لبضع ثوان. ثم فتحت عينيها حين سمعت راف ينبح بالقرب منها. ودنا منها ماك وسألها :
- مالذي جاء بك الى هنا , وفي مثل هذه الساعه ؟
اجابته وهي ترمقه بنظرة حنان :
- لقد تأخرت كثيرا وخفت ان ....
سكتت وتأوهت من شدة المها, ثم تابعت قولها :
- لماذا تركتني وحيده كل هذه المده ؟
- اردت ان افكر .... علي ان ابتعد عنك وانساك .
ورغم الجفاء الذي ارتسم في عينيه, حملها وعاد بها الى المزرعه .



حين وصلا, صعد بها مباشرة الى الغرفة فوضعها على السرير وتمدد الى جانبها دون ان ينطق بأي كلمه .
لكن اوليفيا لم تستطع ان تبقى صامته. كانت تريد ان تشرح حقيقة مشاعرها فسألته :
- ماك ! لماذا تعتقدانني لحقت بك ورحت ابحث عنك ؟
فالتفت اليها وحدق في عينيها دون ان يجيب فتابعت قائلة :
- لقد دفعت ثمن الاثاث من مالي او مال خالتي , اذا اردت. ان دانيال مجرد صديق كان يعزيني في وحدتي ويسليني بعد ان تركتني .
توقفتت وترددت قبل ان تضيف :
- لقد ذهبت ذات يوم الى مكتب فالتون لأبحث عنك فوجدتك برفقة انيتا وانت تعانقها .... هل كنت تعلم بوجودي ؟
اجبها بصدق :
- اجل
سألته من جديد :
- اذن لماذا رفضت ان تقابلني ؟
فأجابها بشيء من اللامبالاة :
- اردت ان انتقم منك وان اثأر لحبي .
سألته مرة اخرى :
- لماذا اصطحبت انيتا معك الى امستردام ؟
فنظر اليها بصمت ثم اجاب :
- لم اصطحبها معي بل انها هي التي ارادت ان تأتي وتلحق بي .
واضاف ببرود :
- لماذا اطلعت بيتر على قصتنا ؟
اجابته بعد تردد :
- هل تريد ان تعرف الحقيقة ؟
فهز رأسه فقالت :
- حسنا ! سوف اطلعك عليها. لقد هددتني انيتا ومنعتني من رؤيتك. وقالت انها سوف تسئ الى مهنتك اذا حاولت ان اراك .
ارتسم التعجب على جبين ماك وقال :
- اردت اذن ان تحفظي على مهنتي وسمعتي. وهل تعنيان لك الكثير ؟
فأجابت اوليفيا بصوت خافت , مفعم بالصدق :
- كيف لا اهتم بهما وانا زوجتك ؟
واما صدقها الذي لم يكن يقبل أي شك , نهض عن السرير واشعل سيكارة ثم قال :
- لقد جمعت انيتا كل اغراضها التي اشترتها ورحلت . وانا الآن سعيد برحيلها عني .
وتابع وكأنه يحدث نفسه :
- يوم تركتني انيتا لتتزوج من رجل غيري, خاب املي واصبحت في حاله يأس وكآبة وشيئا فشيئا بدأت اكرهها واكره كل النساء. وحين تعرضت لحادث السيارة اردت ان ابتعد عن كل معارفي وان اعيش في مكان ناء حيتة ناسك . لذلك اشتريت هذه المزرعه لأنعم بالوحده التي كنت بحاجه ماسه اليها. ثم جئت انت .
ومنذ اللحظة الاولى التي رأيتك فيها شعرت نحوك بشيء من الحب. حين غادرت منزلي في اليوم التالي جعلت راف يلحق بك ليعيدك الي .
كانت الحمى تهز جسمي وتلهب شفتي وكنت اردد اسمك. وعلمت يومها انك الفتاة الوحيدة التي كنت ارغب في ان تبقى الى جانبي مدى حياتي وطوال عمري.
بالامس , وانا في مدينة امستردام عزفت لك , عزفت لحبنا.
اجهشت اوليفيا بالبكاء وقالت :
- حبذا لو تعلم كم احبك ! لن اتركك ابدا ! لن اتركك ابدا يا حبيبي. خذني بين ذراعيك وضمني الى صدرك. اني احمل طفلك يا ماك ولن اتخلى عنه ابدا. لن اتخلى عنكما ابدا .
راح يقبلها ويقول :
يا حبيبتي, يا زوجتي ويا حياتي , سوف تحمل احشاؤك طفلنا ولن اتخلى عنك ابدا. لن ادعك وحدك منذ الآن !
ثم ضمها اليه وغرقا في احلى سمفونية حب عرفها العالم !

منتديات ليلاس






تـــــــــمــــــــت

 
 

 


التعديل الأخير تم بواسطة تمارااا ; 09-11-08 الساعة 09:41 AM
عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس

قديم 08-11-08, 11:11 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 64394
المشاركات: 246
الجنس أنثى
معدل التقييم: redroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداعredroses309 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 217

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
redroses309 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

مشاء الله عليكي يا تمارا زوقك مرررررة يجنن
الرواية من الملخص باين عليها روووووووووعة
مشكوووووووووووووووورة يا قمر

 
 

 

عرض البوم صور redroses309   رد مع اقتباس
قديم 08-11-08, 11:15 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

[QUOTE=redroses309;1723420]مشاء الله عليكي يا تمارا زوقك مرررررة يجنن
الرواية من الملخص باين عليها روووووووووعة
مشكوووووووووووووووورة يا قمر
[/QUOTE


العفو ياقلبي انتي وانشالله تعجبك

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 09-11-08, 02:15 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Feb 2008
العضوية: 63504
المشاركات: 44
الجنس أنثى
معدل التقييم: insaf عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 16

االدولة
البلدMorocco
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
insaf غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

 
 

 

عرض البوم صور insaf   رد مع اقتباس
قديم 09-11-08, 04:43 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Sep 2008
العضوية: 94676
المشاركات: 496
الجنس أنثى
معدل التقييم: رومنسية زمانها عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
رومنسية زمانها غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تمارااا المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

شكراااااااااا على الرواية ويعطيكي الف عافية من جد رائعة

 
 

 

عرض البوم صور رومنسية زمانها   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليليان بيك, lilian peake, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير المكتوبة, run for your love, عبير القديمة, وجوه الغيرة, قصص
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:26 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية