المنتدى :
المنتدى الاسلامي
مصارع العشاق
مصارع العشاق
الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني
مقدمة
من هو الله ؟
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد واله وصحبه أجمعين .
يا من يرى مد البعوض جناها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في مخها *** والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبد تاب من زلاته *** ما كان منه في الزمان الأول
يقول الله لموسى ، عليه السلام ، وهو يرسله للطاغية فرعون الملحد يقول له ، ويثبته على العقيدة الصحيحة ، قبل أن يقوم بمهام الدعوة : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) (طه: من الآية14) . فهذا تعريف الله عند أهل السنة والجماعة ، وهذا أحسن تعريف لصاحب النعم تبارك وتعالى ، وهذه هي أحسن الصفات أن تسميه : الله الذي لا إله إلا هو .
* سيبويه صاحب أعظم كتاب في النحو رؤي في المنام ، فقالوا : ماذا فعل الله بك ؟ قال : غفر لي وأدخلني الجنة .
قالوا : بماذا ؟
قال : لما وصلت إلى باب : الله لفظ الجلالة ، قلت : هو أعرف المعارف ، لا يعرف ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّ ) (مريم: من الآية65) .
* في قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) قد سئل أبو حنيفة رحمة الله من الملاحدة والزنادقة ، عن دليل قدرة الباري ، جل وعلا .
فقال أبو حنيفة لهم : سفينة تجوب عباب البحر ، بلا ربان ، وبلا قائد في بحر دجلة .
فقالوا : هذا لا يكون أبداً ، يا أبا حنيفة .
قال : سبحانه الله ! ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، وبحر يزجر ، ونجوم تزهر ، ألا تدل على السميع البصير .
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فيا عجباً كيف يعصى الإله **** أم كيف يجحده الجاحد
أما سألت الزهرة من أنبتها وجملها ؟
أما سألت الليل من كساه وأعطاه ؟
أما سألت من رفع السماء وبسط الأرض ؟
أننا جميعاً أو معظمنا نعيش ركوداً فكرياً عن التدبر في الكائنات ، قد أركدتنا أصوات الآلات ، وهدير المصانع ، والمشروبات ، والملبوسات ، والمطعومات .
* قيل للإمام أحمد : ما دليل القدرة ؟
قال : سبحانه الله ! بيضة الدجاجة ، أما سطحها : ففضة بيضاء ، وأما باطنها : فذهب أبريز ، تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير .
وقال هارون الرشيد للإمام مالك : ما دليل القدرة ؟
قال : سبحان الله ، اختلاف الأصوات ، وتعدد النغمات ، وتباين اللهجات .
* قالوا لابن الراوندي الزنديق : اكتب كتاباً في تفسير القرآن .
قال : بل أكتب كتاباً ، أرد به على القرآن ، وأدمغ به القرآن !
فدمغه الله على أم رأسه : ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت: من الآية16) .
وأتى أبو العلاء المعري ، أعمى القلب والبصر ، يعترض على الشريعة يخاطب رب العزة ويقول :
يد بخمس مئين عسجدٍ وديت *** ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض مالنا إلا السكوت عليه *** ونستعيذ بمولانا من النار
يقول : ما بال اليد اليمنى إذا قطعت وديت بخمسمائة دينار ذهب ؟ وهي تقطع إذا سرقت ربع دينار ؟
فنقول له ولأمثاله : يا عدو الله ، هذا شرع الله ودينه ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) فما كان لأعمى القلب والبصر أن يعترض عليه . ولكن .. قد رد على هذا الأعمى كثير من أهل السنة ، وبينوا الحكمة في هذا الحكم الإلهي .
يقول أحدهم :
عز الأمانة أغلاها وأرخصها *** ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
ويقول عبد الوهاب المالكي :
قل للمعري عار أيما عار *** جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري
لا تقدحن بنود الشرع عن شبه *** فشرائع الدين لا تقدح بأشعار[
* أعرابي يصلي في الصحراء ، مر به زنديق ملحد ، فقال له لمن تصلي ؟
قال : اصلي لربي .
قال : هل رأيته ؟ قال سبحان الله ، البعرة تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ، وسماء ذات أبراج ، وليل داج ، ونجوم تزهر ، ألا تدل على السميع البصير ؟ فبهت الذي كفر .
* قال ابن كثير : رؤي أبو نواس في المنام ، فقالوا له : ما فعل الله بك ؟ قال غفر لي .
قالوا : ماذا ؟
قال : بقصيدتي في النرجسة التي يقول فيها :
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على كثب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
* في الحديث أن أنس بن مالك قال : كنا جلوساً مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المسجد بعد صلاة العصر ، فدخل أعرابي ، قائلاً : أين ابن عبد المطلب ؟
قالوا : هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق .
فدخل ، فوقف على رأس المصطفى ، عليه الصلاة والسلام ، وقال : يا محمد .
قال : ( قد أجبتك ) .
قال : أني سائلك ، فمشدد عليك في المسألة .
قال : ( سل ما بدا لك ) .
قال الأعرابي : من رفع السماء ؟ وكان ( صلى الله عليه وسلم ) متكئاً ، فقال : ( الله ) .
قال الأعرابي : ومن بسط الأرض ؟ قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الله ) .
قال الأعرابي : ومن نصب الجبال ؟ قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الله ) .
قال الأعرابي : أسألك بالذي رفع السماء ، وبسط الأرض ، ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً ؟ فاحمر وجهه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وتربع ، وقال : ( اللهم نعم ) .
قال الأعرابي : أسألك بمن رفع السماء ، وبسط الأرض ، ونصب الجبال ، آلله أمرك بأن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة . قال : ( اللهم نعم ) .
وأخذ يسأله ، حتى انتهى من أركان الإسلام ، ثم قال في الأخير : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص ، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر .. ثم ولى !
فالتفت عليه الصلاة والسلام إلى أصحابه يتبسم ويقول : ( من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) (1) .
* عمير بن الحمام رضي الله عنه ،خرج مجاهداً في سبيل الله ، وترك أهله، وماله وأولاده وكل ما يملك .
فسمع الرسول (صلى الله عليه وسلم ) وهو يقول في المعركة : ( يأهل بدر ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء ) .
فيقول عمير بن الحمام : يا رسول الله ، ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء ؟
قال (صلى الله عليه وسلم ) : ( إي والذي نفسي بيده ) .
فأخذ تمرات كانت بيده ، وألقاها ، وقال : والله ، إنها لحياة طويلة ، وإذا بقيت كي آكل هذه التمرات ! ثم كسر غمد سيفه على ركبته ، بالسيف مسلولاً وهو يقول : اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى (2) .
من ذا الذي السيوف ليرفع *** أسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما *** سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذننا *** قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها *** سجداتنا والأرض تقذف نارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة *** خضراء تنبت حولنا الأزهارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا *** نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
* وقف عقبة بن نافع بفرسه على المحيط الأطلنطي ، قال : والله الذي لا إله إلا هو ، لو أعلم أن وراءك ، يا بحر ، أرضاً لخضتك حتى أصل إليها ، لأرفع لا إله إلا الله محمد رسول الله .
* سليمان بن مهران ، الأعمش ، لما حضرته الوفاة ، بكى أطفاله قال : أبكوا أو لا تبكوا ، والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة ، فبيض الله وجهه ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوه) (آل عمران : من الآية106) .
ألا لا أحب السير إلا مصعدا *** ولا البرق إلا أن يكون يمانيا
وهذا سعد بن المسيب ، حضرته الوفاة ، فبكت ابنته ، قال : يا بنتي لا تبكي ، فو الله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في مسجده ، عليه الصلاة والسلام .
* رفع عمار بن ثابت بن الزبير يديه بعد صلاة الفجر ، وقال : يا رب أسألك الميتة الحسنة ، فقال أبناؤه : ما هي الميتة الحسنة ؟ قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد .
فحضرته سكرات الموت ، وقد صدق الله ، فصدقه ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) ، فقبضت روحه ، وهو في السجدة الأخيرة في صلاة المغرب !
* يقول الذهبي : أن عبد الملك بن مروان لما حضرته الوفاة قال : أنزلوني من على سريري ، فأنزلوه ، فسمع بجانب القصر غسالاً يتغنى .
فقال : يا ليتني كنت غسالاً ! يا ليتني ما توليت الخلافة !
قال ابن المسيب لما سمع ذلك : الحمد لله الذي جعلهم يفرون إلينا وقت الموت ، ولا نفر إليهم .
* قالوا أن بعض الصالحين كان نجاراً ، فإذا سمع الصلاة وكان رافعاً المطرقة ألقاها قبل أن ينولها وقام إلى الصلاة .
وصح عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) إذا سمع الأذان قام كأنا لا نعرفه ولا يعرفنا .
وقال وهو في سكرات الموت ( الصلاة الصَلاة ) (3) وقال عمر بن الخطاب ، ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ) (4) .
وإذا كان مهتماً أو مغتماً يقول : ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) (5) .
وقل لبلال العزم من قلب صادق *** أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصا ً **** به تلقى أبواب الجنان الثمانيا
* شاب من الجزائر ، البلد المسلم ، أصيب في حادث تصادم ، فأغمى عليه أربعة أيام ، فظل يكرر الفاتحة حتى مات .
مات عليها ؛ لأنه عاش عليها .
( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) (إبراهيم:27) .
* ذكر أهل العلم أن الإمام أحمد كان يصلي غير الفرائض ثلاثمائة ركعة فمن مثله منا ؟ اللهم لا تؤخذنا بتقصيرنا .
* الخشوع في الصلاة ، هو : أن تدخل الصلاة ، وأنت متيقن بأنه لا أعظم ولا أجل من الله ، وأن ترسل أشواقك إلى الحي القيوم ، وأن تصلي وكأنك ترى الحي القيوم ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
* قالوا لأحد الصالحين : هل تتذكر أحداً وأنت في صلاتك ؟ قال : والله لو اختلفت الأسنة وراء ظهري ، ما تذكرت إلا الله .
قالوا عن أبي بكر الصديق : أنه كان إذا قام ليصلي كأنه الظل الذي لا يزول ، تأتي الطيور فتقف على رأسه من خشوعه .. فأين نحن من هذا الجيل ؟
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم *** والحرب تسقي الأرض دماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا *** في مسمع الروح الأمين فكبرا
* قال الرسول عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن مسعود : ( اقرأ على القرآن ) .
قال : أقرأ عليك وعليك أنزل .
قال : ( أقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري ) .
فبدأ ابن مسعود يقرأ في سورة النساء حتى بلغ إلى قوله تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء:41) .
قال عليه الصلاة والسلام : ( حسبك الآن ) .
قال : فنظرت فإذا عيناه تذرفان (6) .
من الآثار المترتبة على ترك الصلاة :
1- المقت والغضب من الله ن والكفر لمن تركها ، فقد صح عنه (صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) (7) .وصح عنه أنه قال : ( بين المسلم والكافر ترك الصلاة ) (8) .
2- البغضاء والبعد بينه وبين الخلق ، فإن أبعد الناس إلى الناس : أبعدهم عن رب الناس تبارك وتعالى .
3- قسوة القلب ، وضيق الصدر ، وسواد الوجه ، وظلمة القلب ، وضيق الرزق واللعنة ، والشؤم ، وكل مصيبة في الدنيا والآخرة .
4- انقطاع الحبل بين العبد وربه الحي القيوم ، وعدم الولاية .
* يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في منظومته :
خذ واضح الحل ودع ما أشتبه *** مخافة المحذور يا من فقه
وازهد في دنياك وأقصر الأمل *** واجعل لوجه الله إجماع العمل
وزهرة الدنيا بها لا تفتتن *** ولا تغرنك وكن ممن فطن
تالله لو علمت ما وراءكا *** لما ضحكت ولأكثرت البكا
إلى أن يقول :
والموت فاذكره وما وراءه *** فمنه ما لأحد براءه
وإنه للفيصل الذي به *** ينكشف الحال فلا يشتبه
والقبر روضة من الجنان *** أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي بعده *** أفضل عند ربنا لعبده
وإن يك شراً فما بعد أشد *** ويل لعبد عن سبيل صد
هذه الكلمات كالمقدمة لكتابي هذا ( مصارع العشاق ) وسيظهر بعد قليل ، من هم العشاق ، ومن عشقوا ، ولماذا عشقوا ، فإن ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم وأسأل الله تعالى أن ينتفع بها من كتبها وقرأها وساهم في نشرها ، أنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
يتبع
المجنون
التعديل الأخير تم بواسطة نونو ; 06-11-08 الساعة 09:24 PM
|