2- نجمة بلا بريق
الباخرة "فايسون" تتجه نحو نيويورك ,أول ميناء ترسوا فيه أثناء رحلتها بعد ثلاثة
أيام في البحر0 أدركت وندي أن شو أصبح مرتبطا بها فعلا أكثر مما هو يجب ,وصممت ألا تتسبب له في أي اذى, لذلك واجهتها مهمة صعبة أن تبعده عنها قبل أن يصبح متعلقا أكثر رغم أنها أحبته لكنها لن تشجعه ليس في هذه الأحوال فإذا كانت ستدفن في البحر فأنها لا تريد أن تترك وراءها شابا جريح القلب0
أذهلتها أفكارها في ذلك الوقت وهي تنظر إلى الموقف بمثل هذه الطريقة الموضوعية الحذرة ,كما لو كان ذلك ليس موقفها بل موقف شخص آخر وبما أنها كانت ستقابل شو بعد دقائق قليلة اتخذت طريقها إلى حمام السباحة حيث تقابلا في اليوم السابق في الساعة نفسها وتناولا القهوة معا على أحد المناضد المصطفة حول الحمام وكأن هو هناك بالفعل وأكد وجهة شكوكها,إذ أضاءت عيناه الواضحتان حالما رآها تقترب وكانت ابتسامته طبيعية تلقائية0
- رائعة 0
هتف من دون إن يهمه إذا كان الآخرون سمعوه ثم أضاف:
- اللون الأخضر يلائمك تماما 0
ابتسمت وشكرته لإطراءه وهي تدرك أنها تبدو جذابة بصفة خاصة في السروال القصير ورداء الشاطئ المنسجم الألوان, القته علي كتفيها جزافا لكن بطريقة مغرية, وسألت:
- هل ستسبح هذا الصباح 0
أخبرها إنه كان في حمام السباحة بالفعل وقال بعدما طلب القهوة :
- كنت أفكر أننا يمكن أن نلعب لعبة حلقة الرمي" على سطح السفينة هذا الصباح وإذا كان يناسبك نذهب معا إلى المطعم الذي يقدم مأكولات باردة في جناح "مشروبات المحيط" ويعني هذا أننا لن نضطر إلى الافتراق لتناول الغداء00
حبس أنفاسه في انتظار ردها وهو متشوق تبدو عليه لهفة الشباب0
وعبست في داخلها وهي تشعر بالغضب من نفسها لأنها سمحت بقضاء كل وقتها بهذا الشكل فقد ضلا معا 3 أيام بأكملها00 3 أيام تحدثا خلالها وضحكا معا وسبحا ورقصا وتناولا المشروبات في "مطعم المسرح" وشاهدا أحد الأفلام واستكشفا الباخرة وقضيا وقت مريحا في الكازينو 3 أيام مشحونة بالعواطف0 والآن! نظرت إليه وقالت :
- شو00 لدي شئ سيخيب آمالك لا أستطيع أن أقضي وقتي كله معك بهذا الشكل أريد أن أكون وحدي أحيانا 00
وارتسمت الكآبة على وجهه وأحست بأسف عميق إذا كان لطيفا إلى درجة لا يجب معها عدم إيذاء شعوره مع ذلك لو سمحت باستمرار الأمر لوقعت في حبه بعد وقت قصير مما يعني إنه سيتعذب عذابا أليما بعدئذ وغمغم قائلا:
- أحيانا
وكأنه يقدم تنازلا, أضاف:
- فليكن لا أريد أن أحتكرك تماما لكن0 00وسكت عندما ظهر المضيف يحمل القهوة ويضعها أمامهما ثم واصل كلامه قائلا بجدية وهو ينظر في عينيها مباشرة :
-إنني أميل إليك يا وندي أميل إليك كثير في الواقع0
وتنهدت لأن تلك النظرة كانت تحمل كل آماله والتقطت فنجانها وبدأت ترتشف القهوة وبصعوبة بالغة سلمت بالواقع لكنها قالت في حزم :
لا يمكن أن نكون أكثر من رفاقي يا شو0 أشار بيديه قائلا:
- لكنك غير مرتبطة بأحد كما أخبرتني0
وفي نبرة فتور تعمدت أن يكتسب بها صوتها ردت قائلة:
- ولا انوي أرتبط بأحد, لأنني ميالة للوحدة 0
وأردف بحدة :لا00 لا 00أعتقد أن فتاة مثلك يمكن أن تكون كذلك -ويندي- يجب أن تكون صديقتي العزيزة جدا 0
ثم مد إحدى يديه إليها عبر المائدة متوسلا0
و أومأت برأسها فهي لم تتسبب طول حياتها في إيذاء أحد كما تؤذي هذا الشاب , مع ذلك عليها أن تفعل, يجب ألا يتعلق بها قلبه إلى هذا الحد ,قالت:
- أرى الأفضل لنا ألا نلتقي على هذا النحو أو نخرج معا كما كنا نفعل فكما قلت أني مياله إلى الوحدة, أرجوك لا تقاطعني إنني أشعر بسعادة أكبر وأنا هكذا0
وهنا حدقت فيه مباشرة وهي تقول:
- أنت نفسك ستكون أسعد حالا0
ومرة أخرى منعته من مقاطعتها وهي تواصل كلامها:
- إنني أعرف ما أتحدث عنه كذلك ستعرف أنت أيضا يوما ما0
- أن لا أفهم 00
هكذا بدأ حديثه عندما قاطعته قائلة وصوتها يفقد نبرة الفتور متسما بنبرة رقيقة:
- ستفهم وستفهممني0
وانفجر قائلا:
- اشرحي لي , لا حاجة بك إلى هذه الطريقة الغامضة في الكلام 0وأطل الغضب من عينيه لكنها لا يمكن أن تتخذ موقف الهجوم فإن غضبه نابع من شعوره بالإيذاء , ومرة أخرى تحدثت بنبرة ناعمة رقيقة :
- التفسير الوحيد الذي أقدمه أنني أفضل أن أكون وحدي0
كانت تلك كذبة فهي لا ترغب أن تكون وحدها خلال الرحلة وحدها على مدى الأسابيع القليلة الباقية من حياتها0 قال والمرارة تقطر من صوته:
- فهمت وينبغي لي أن أقبل قرارك لكنني أريد أن أخبرك بصدق أنني كنت آمل في أن نصبح أكثر من صديقين0
وقالت وهي تبتلع غصة أصابت حلقها:
- أنت لم تعرفني منذ مدة طويلة ولا تعرف أي نوع من الأشخاص أنا 0
هز رأسه ثم نظر في عينيها البنفسجيتين الجميلتين وقال:
- أعرف أي نوع من الأشخاص أنت أعرف أيضا أنه كان ممكنا أن تكوني الفتاة الملائمة لي 0
وانتظر وكان واضحا إنه يتوقع ردا منها ربما راوده الأمل في أن تغير رأيها 0وعندما امتنعت عن الكلام قال مرة أخرى:
- يجب أن أتقبل قرارك 0 وتوقف لحظة وهو يلهو بالملعقة ثم استطرد:
- ألا يمكن أن نتقابل بين حين وآخر؟ ونذهب للرقص أو لمشاهدة فيلم0
وفي الحال هزت رأسها وهي تقول :
- أنا آسفة هذا لن يجدي على الإطلاق 0
وخفت صوتها عندما لمحت الرجل الذي يوشك أن يغطس في حوض السباحة ,غارث ريفيز الرجل الذي يجلس أمامها أوقات تناول الطعام 0عرفت شيئا أو شيئين عنه في الأيام القليلة الماضية بعضها لم يعجبها على الإطلاق منها إنه كان يبدي الفتور والسخرية عندما يدور الحديث حول النساء وبينما كان صديقه ثرثارا كان هو متحفظ0 بدا فريزر مستعدا لتقديم بعض المعلومات عن نفسه كان غارث متحفظ تماما إنه اعزب يراوح عمره0 كما قدرت وندي بين الثلاثينات والخامسة والثلاثين0 ودائما يحيط نفسه بجوا من الغطرسة والتعالي وجدت ويندي أن هذا غير محتمل0 وكي تنسى كانت تغوص في حديث مع مارجي سترومبرغ 0 وعندما كانا يحدث هذا , كانت لدهشتها تلاحظ تجهما في بعض الأحيان على وجه غارث ريفيرز المتعالي 0ويكون هذا التجهم واضحا للغاية إلى درجة لا يمكنها أن تخطئه للحظة كان يبدو متبرما إلى أقصى حد0 بالسيدتين الموجودتين على مائده ويعتبر حديثهم تافها0 يدل على الغباء0 كل شيء تافه0 كل تعليق بدون هدف ومن جانبها كانت ويندي تود لو أنه طلب تغيير مكانه لكن ما رجي سلبت لبها نظراته الرقيقة ومظهر الأستقراطيه الذي يحيط به نفسه0
وذات ليلة وهي خارجه من المطعم مع مارجي بادرت الأخيرة بقولها :
- ألسنا سعيدتي الحظ بوجوده على مائدتنا ؟ ألا تلاحظين أن الإناث ينظرون إليه نظرات ولهة 0 لكنه محصن تماما ضد مناوراتهن, أراهن أنك أنت وأنا محسودتان من كل سيدة في هذا المطعم0
وهزت ويندي كتفيها ولم تقل شيئا فهي لا تحب ذلك الرجل إلى حد كبير لذلك رأت أن طريق الدبلوماسية أنسب الطرق0
وقطع شو سلسلة أفكار ويندي حين قال :
- لا أعرف لماذا أنت واثقة إلى هذا الحد من إن الأمر لن يجدي؟ يمكننا بالتأكيد أن نكون متآلفين معا 0
- متآلفين, أجل 0
ردت ويندي بالموافقة وعيناها لا تزالان تتابعان غارث الذي أصبح الآن يسبح بقوة0
ثم أضافت:
- لكن ينبغي أن لا نكون متاحبين0
ونظر إليها شو باستغراب وفتح فمه ليقول شيئا لكنه أغلقه ثانية وأرخى كتفيه مستسلما, ثم غير الموضوع , لكن ويندي لم تدرك مما قاله شيئا إذ إن اهتمامها كله كانا مركزا على غارث ريفيرز الذي نظر إلى أعلى فجأة فباغتها وشعرت أن وجهها أحمر خجلا وارتفع حاجباه قليلا قبل أن ينشف الماء ويتقدم نحو الطرف الأقصى من الحوض0
وأعادت ويندي اهتمامها إلى شو محاولة أن تنصت إلى ما يقول لكنها -للغرابة- كانت مشغولة البال وارتاحت عندما استأذن شو بالانصراف بعدما انتهى من تناول القهوته0 وتركها جالسة هناك وحدها 0سكبت لنفسها فنجان آخر من القهوة وتركت الرداء ينزلق عنها واستلقت تتمتع بأشعة الشمس الدافئة0....منتديات ليلاس
" "
كانا شيئا لطيفا أن تراقب الناس في الحوض وشعرت بالاسترخاء التام0 ومع ذلك أدركت بحدسها أنها سجينة, وأنها قريبا جدا ستتطلع إلى رفاق لإنقاذها من التفكير المستمر في الظلام الذي ينتظرها ,وقررت أن تختار لها صديقة ومع ذلك فأنها في هذه اللحظة قانعة بأن تحيا في الفراغ الذي لا يوجد فيه مكان للماضي ولا للمستقبل هذه اللحظة هي هذه اللحظة وعليها أن تعيشها0
ومن حين لآخر كانت عيناها تلمحان غارث الوسيم وتصبح عاجزة عن تحويلهما عنه 0 خرج من الماء وجلس على حافة الحوض بضع لحظات ثم امسك منشفة كان واضحا أنه أحضرها معه واستلقى على كرسي وبدأ يجفف نفسه ثم ألقى نظرة حوله فرأى ويندي وحدها ولدهشتها اقترب من المائدة التي كانت تجلس إليها وتساءل:
- وحدك تماما؟
وعندما أومأت بالإيجاب سأل مرة أخرى:
- أيضايقك أن أجلس معك0
- لا على الإطلاق 0
ردت ويندي بذلك وهي تحاول أن تبدو اجتماعية بينما تحاول أن تكبت مشاعر الضيق التي انتابتها لاقتحامه خلوتها, وبعدما طلب القهوة وقال:
- ما الذي حدث لصديقك كان السؤال عرضيا واعتقدت أنه يتسم بالسخرية أيضا0
- شو؟ ذهب إلى مكان ما 0
وظهرت تقطيبة خفيفة على جبهتيه ثم قال:
- كنت أتصور أن الموضوع يتخذ صفة الجدية0
مرة أخرى ظهرت لهجة السخرية التي يتسم بها حديثه وحيرها أن يعاملها هكذا فقد أظهر موقفه الاحتقار الخفيف من اللحظة الأولى للقائهما حول مائدة العشاء0 ليلة أبحرت الباخرة0 وبدأ كأنه يعلم شيئا عنها لا يعجبه أما موقف فريزر فكانا مختلف عن موقف تماما لكنه محير بالقدر نفسه فهو أيضا كأنما لديه بعض المعلومات عنها لكنه تقبل الأمر وصمم على أن يعاملها بطريقة ودية رغم ذلك0
داخليا هزت و يندي كتفيها بلامبالاة0 لاتهم الطريقة التي يعاملانها بها ومع ذلك ,نظرت إلى رفيقها ورأت جانب وجهه بعدما استدار لسماعه ضحكة آتية من ناحية الحوض كم هو وسيم ومن غير المعقول ألا يكون وقع في شباك الزواج حتى الآن كان ينظر بطريقة تنم عن الاستغراق في التفكير إلى فتاة شقراء رائعة ترتدي أقصر ثياب البحر وتجلس برشاقة واسترخاء على حافة حوض السباحة ,وتربت برفق على شعرها بمنشفة ذات ألوان بهيجة وبينما كانت ويندي تراقبه رأت وجهه يتغير, وابتسامة خفيفة تلمس شفتيه وتذكرت أنها رأت غارث يرقص مع هذه الفتاة ويلعب أيضا معها بعض اللعب على سطح الباخرة ووصلت قهوته ووضع السكر في فنجانه لكنه كان شارد الذهن ورفعه إلى فمه 0 توقف وانتبه إلى نظرة ويندي المحدقة فيه وأدار رأسه والتقت عيناه بعينيها ,لسبب مبهم تصاعد الدم إلى وجهها 0 وأسدلت رموشها الطويلة الحريرية , وبدأ كما لو كان يصدر صوتا بفمه لكنه صوت مكتوم0
تحركت بقلق وهي تشعر كأنها تلهث في مواجهة تلك النظرة الفاحصة المتعمقة وكأن هذا غريبا , وأدركت أنها رغم شعورها بالسعادة منذ لحظات قليلة بأن تبقي وحدها فترة من الوقت فقد شعرت الآن بنوع غريب مبهم من السعادة لأنه يجلس هناك على الجانب الآخر من المائدة 0
وتحركت عيناه القاتمتان لتتفحصا ثنيات عنقها الجميل, ثم تلك الثنيات الحلوة أسفلها , وتغير لون وجهها ولدهشتها مزقت رعشة خفيفة الجمود البارد على وجهه ومرت لحظة قبل أن يفتر ثغرة عن ابتسامة مترددة , ورأت عينيه تتسعان, وأدركت إنه يحاول جاهدا إخفاء اهتمامه بها وأخيرا قال:
- لم تأتي وأنت مستعدة للسباحة , لكنني أنصحكي بغطسه ما رأيك ؟
وتضاعفت دهشتها من هذه الدعوة وقالت متلعثمة:
- أتعني00 أن أذهب وأغير ملابسي؟
وانفجرت الرعشة البادية على وجهه في ضحكه أجاب بعدها قائلا :
- إنه شيء واضح0
تحولت نظرته إليها الآن إلى نوعا من التقدير السافر ثم أضاف:
- لا يمكن أن تغطسي للسباحة وأنت هكذا0
وبعد ربع ساعة كانت في حوض السباحة وغارث يسبح قربها وعندما خرجا بعد مدة وجلسا على حافة الحوض يتجففان هتفت قائلة:
- كم كان الحمام رائعة أشكرك على النصيحة 0
وبلهجة رقيقة مهذبة تتسم بالفرح قال :
- إنها متعة لي ينبغي أن نكررها مرة أخرى0
وأسرعت دقات قلب ويندي بشكل أذهلها وألقت نظرة خاطفة حولها وكلها أمل ألا يلحظ غارث ارتباكها وفي تلك اللحظة ظهر فر يزر وسأل هل يمكنه أن يجلس, وكما يحدث دائما حينما تكون موجودة 0أبدى نوعا غريبا من الاهتمام بها , وحدق لحظة خاطفة في وجهها وعينيها وركز على شعرها وقطب جبينه كأنما يحيره شي بشأنها يحاول أن يسبر غوره0 وكالعادة عبر اهتمامه المدروس بسرعة وبدا يثرثر بالطريقة التي أصبحت الآن مألوفة لديها, وفكرت كم من الغريب سرعة تعارف الناس في رحلة بحرية كهذه, يرجع هذا بالطبع إلى الصلة المستمرة مع أولئك الذين يجد المرء نفسه بينهم, أما نتيجة المصادفة كما يحدث عند المشاركة في مائدة واحدة, أو بالاختيار, كما يحدث الذين يختارهم المرء أصدقاء وبعد 3 أيام فقط شعرت ويندي كما لو كانت تعرف هذين الرجلين منذ أسابيع إذ من البداية استخدمت أسماءهم الأولى على المائدة0
كان فريزر يتحدث إلى غارث بينما ويندي تجلس في مقعدها سعيدة بالإنصات تركزت عيناها على تلك اليد الممدودة بتكاسل فوق المنضدة يد غارث الطويلة النحيلة يمكن أن يكون صاحب هذه اليد عازف بيانو أو فنانا هكذا فكرت لكنه بالطبع مجرد تخمين وعلي مدى الدقائق القليلة التالية ,ولعدة مرات أصبحت ويندي واعية تماما لعيني غارث وهما تتحولان إلى وجهها من آن لآخر- ويتبادلان النظرات -نظرات خاطفة لكنها متكررة 0وسرى في جسدها إحساس بدغدغة غريبة لم تشعر بها من قبل إطلاقا 0
خفت الحديث بين الرجلين عندما جالت ببصرها تحاول اكتشاف مهن الناس, هذا الرجل القوي هناك يمكن أن يكون أحد كبار رجال الأعمال وذلك الطويل البارز العظام من المحتمل أن يكون مدير بنك متقاعد , والزوجان الشابان اللذان يسبحان في الحوض , وهزت ويندي برأسها عجبا من أن يكون في مقدور مثل هذين الشابين أن يتحملا الآلاف العديدة من الجنيهات التي تتكلفها الرحلة البحرية0 إن وجود الأشخاص المسنين فوق الباخرة يمكن تفسيره بطرق عدة فهي تعرف زوجين متقاعدين أنفقا مدخراتهما على رحلة بحرية حول العالم من هذا النوع وقطع صوت غارث السريع الحاد سلسلة أفكارها حينما سأل :
- فيما تفكرين يا ويندي؟
ارتسمت ابتسامة تلقائية على شفتيها وهي ترد قائلة :
- كنت العب لعبة التخمين0
وعندما لاحظت إنه رفع حاجبيه تساؤلا مضت تفسر ما كانت تفعل 0
فقال مضيفا:
- إنك تتساءلين كيف ولماذا يوجد هؤلاء الناس على متن هذه سفينة 0
وأومأت بالإيجاب, ومن دون أن ينتظر الرد استطرد وهو يلقي نظرة حوله بلامبالاة:
- كثيرون يملكون المال والوقت الكافي لقضاء 3 أشهر فوق باخرة للترفيه 0
وتوقف لحظة وحدق مع صديقه فيها بدقة إلى حد أنها بدأت تشعر بشيء من الضيق وبدأ عقلها يناقش السبب في تحديقهما المفاجئ وأرادت تحويل اهتمام الرجلين عنها فقالت بلهجة التسليم:
- الواضح أن بعضهم من المتقاعدين في حين أن الآخرين من الأثرياء لكن بعضهم حيرني امره0
أضافت هذا القول من دون تفكير وفي الحال تدخل غارث قائلا وقد ضاقت عيناه :
- اعتقد أنك بنفسك تحيرين البعض , إذ ليس من المعتاد أن تشترك شابات وحيدات في مثل هذه الرحلة الباهظة 0
واحمر وجهها , لكنها امتنعت عن ذكر أية معلومات عن نفسها0 وهذا طبيعي وبعد لحظة قال غارث برقة, بطريقة شعرت أن لها مغزى :
- من المحتمل جدا أن هناك سيدات من نجوم السينما فوق السفينة ربما يقمن بالرحلة تحت أسماء مستعارة 0
وهزت رأسها وتذكرت أول حديث سمعته عفوا بين الرجلين ثم نظرت إلى غارث وقالت:
- أجل هذا ممكن وأتوقع أن يناضلن من آجل الحياة في عزلة لبعض الوقت بعيدا عن الأضواء والدعاية المستمرة التي تحيط بأمثالهم0 أعقب ذلك صمت غريب ثقيل غامض ولسبب مجهول رغم أنها لم تستطع بأي حال أن تفسر مشاعرها أو تفهم لماذا تتأثر بالصمت بمثل هذا العمق شعرت أن الرجلين يثيران فيها الحزن0 وقال غارث بلهجة المقتضبة نفسها:
- ويندي لو كنت نجمة سينما , هل كنت تناضلين من أجل العزلة قليلا؟
ومرة أخرى أومأت برأسها وردت بدون تردد :
- أجل, اعتقد أنني كنت سأفعل ذلك, فالإنسان أولا وقبل كل شيء ينبغي أن يعيش حياته , وغض النظر عن مهنته ألا توافقني ؟
- أجل 00اوافقك0
وظلت عيناه مركزتين على وجهها لمدة طويلة قبل أن يلتفت بعد نظرة سريعة في اتجاه صاحبه ثم نظر حوله بفضول متأفف إلى أولئك المجاورين له وقال :
- الرجل الكبير على يميني هو بولدريك ستافورد رايمان عملاق صناعة الغزل والنسيج0 وأكمل فريزر بجدية سريعة:
- والسيدة التي معه هي سكرتيرته0
- والسيدة التي ترتدي البكيني الأزرق اللامع مليونيرة , تقيم في البواخر دائما0
واستدارت ويندي تنظر إليه باستغراب وهي تهتف :
- دائما ! دائما !
- هذا صحيح , مواعيد جميع الحفلات البحرية ترسل إليها فتنتقل من سفينة إلى أخرى , وهناك كثيرون يفعلون هذا 0
واستطرد يبدد نظرة الشك التي تبديها ويندي ويقول مبتسما:
- إنهم الناس الوحيدون في العالم الذين يجدونها الطريقة الفضلى للعيش0 لكن ويندي كانت تهز رأسها إعرابا عن رفض كلامه وأكدت قائلة :
- لا يمكن أن تكون جذابة دائما0 لا بد أنهم يعيشون في وحدة قاتلة ويحاولون الهرب منها0 أنها مأساة0 قالت هذا الكلام بصوت قلق مع نبرة إشفاق , وارتسمت تقطيبة على حاجبين غارث أدت إلى اقترابهما الواحد من الآخر بينما كان ينظر إليها نظرة فاحصة من عينيه اللتين ازدادتا ضيقا 0
- الواضح أنك سريعة التأثر بالانطباعات الخارجية 0
قال هذه الكلمات بنبرة دلت على أن اكتشافه هذه السمة الخاصة أثارت عجبه0 لكن لم يكن لديها ما تقوله ردا 0 وكأن أسلوبه متسما بالسخرية فتصاعد الدم إلى وجهها 0 لماذا يتخذ هو و فريزر هذا الموقف الخاص أزائها 0؟ ما الذي يجدانه مضحك فيها ؟ قالت أنها ستسأل غارث والآن صممت على ذلك حين وجدت نفسها وحدها معه مرة أخرى , فقد كانت تلحظ نظرة مرح في عينيه أحيانا وتشعر بوجود طرافة طول الوقت 0لكنها الآن تستشعر ضيقا إلى حد ما 0
استأذنت بالانصراف وحينما وصلت السلم تبعها شو وقال بنبرة اتهام:
- ألم تقولي إنك تفضلين البقاء وحدك؟ ومع ذلك كنت تجلسين مع هذين الاثنين لمدة 20 دقيقة وقبل ذلك كنت مع واحدا منهما 0؟
كان وجهه عابسا وصوته متسما بالاستياء ورثت لحاله وهي تدرك مدى كآبته لكنها رأت أنها لمصلحته يجب أن تتخذ أسلوبا متباعدا فاترا معه وقالت :
- ليس بوسعي عمل شيء لو أتى فبعضهم وجلس معي, إنني لا أحجز طاولة لي وحدي 0
واحمر وجهه ونظر إليها بضع ثوان0 ثم استدار0 وراقبته بأسى يعود إدراجه لقد كانت القطيعة مؤلمة لها لأنها استمتعت تماما بالأيام الثلاث التي كانا فيها معا ولو استمر هذا بقية الرحلة لكان أنسب لها للغاية0
إذ إنها كانت تستمتع برفقة مرحة لا يصبح لديها أدنى متسع من الوقت للتفكير في حالتها اليائسة, ومع ذلك مشاعرها الخاصة يجب إبعادها عن مشاعره هو0 فإن شابا ساحر كهذا ينبغي ألا يعكر حياته شئ يعاني منه وبالتأكيد فإن وفاتها ستصبح مصدر معاناة في حياته لو وقع في حبها 0
ومرت الأيام بلا هوادة زارو نيويورك ثم غادروها كذلك كميناء الفردي فالذي وصلوا إليه بعد 8 أيام من إبحار الباخرة وعثر شو على فتاة أخرى مما أسعد ويندي أما غارث ريفرز فكان يقضي معظم وقته مع الفتاة التي رأتها من قبل وهي نيكول رنتون التي أصبحت متعلقة به بلا شك لكن مما لا يزال مثارا للشك أن يظل غارث منجذبا إليها بالقدر نفسه وقد استبعد فريزر هذه الفكرة عندما سألته ويندي عنها بلا سبب وقال ضاحكا :
-غارث يقع في شباك أية في فتاة كلا على الإطلاق إنه أعزب بالفطرة0
كذلك عثرت مارجي على صديق وهو أمريكي توفيت زوجته من 6 سنوات تاركة له فتاتين ينشئهما وأصبحت كلا الفتاتين تعملان الآن وأستأجرتا شقة خاصة لهما تاركين والدهما حرا يستمتع بأول إجازة له من سبع سنوات وأخبر مارجي أنها ستكون حسب رأيه إجازة طيبة تلك الرحلة البحرية 0
أما بالنسبة إلى ويندي فبقيت وحيدة معظم الوقت لذلك وجدت نفسها تتطلع بشوق إلى مواعيد تناول الطعام حيث يصبح حضور رفاق معها شيئا مؤكد0 كانت مارجي مازحة دائما بينما احتفظ فريزر بأسلوبه الودود الثرثار وحتى غارث بدأ كأنه يصبح معقولا تدريجيا ,وقد صدق في كلمته فكانا بجوار حوض السباحة مرة أو مرتين أثناء وجود ويندي هناك وسبحا معا وخرجا وطلبا القهوة, لكن كان هذا كل شيء وظلت طيلة الوقت الباقي وحدها0 وهي تحمل معها كتابا أينما ذهبت, وكثيرا ما كانت النظرات الفضولية تتجه نحوها وهي نظرات بدأت تستاء منها رغم أنها كانت تحدث نفسها بأنها غلطتها هي 0 لم يكن ينبغي لها أن تشتري في الرحلة البحرية منذ البداية فكونها تقضي أيامها الأخيرة على الباخرة في وحدة المطلقة أمر غاية في الغباء00 على أرض بلدها كان يمكن أن تقوم بوظيفتها كالمعتاد حتى النهاية0
....منتديات ليلاس
وفضلا عن زملائها في العمل فإن لها أصدقائها لكن هذا فات أوانه الآن إلا إذا قررت أن تترك الباخرة في أحد المواني التي ترسو فيها وفي هذه الحالة ستعود إلى إنجلترا حيث لا تملك بيتا تلجأ إليه ولا أموالا تحصل بها على البيت فكل ما تبقى لها بعد دفع نفقات الرحلة البحرية كانت مصاريفها الشخصية ,وفكرت أن تدخل دار التمريض قبل الموعد المحدد0 لكن هذه الفكرة لم تلق قبولا لديها بأية حال0 هتفت مارجي بأسلوبها المؤكد المعتاد:
- نصل إلى كيوروساوا في ساعة مبكرة من صباح الغد !
وسألت ويندي :
- مالذي ستفعلينه ياعزيزتي؟ لم تقومي بجولات في نيويورك وميناء ايفرغليدز 0
-لا لم أكن أعتقد أنها ممتعة إلى هذا الحد0 ثم أنني اوفر مالي لشيئا أفضل0
أضافت هذه العبارة وهي تبتسم وأدهشتها أن ينظر إليها الرجلان تلك النظرة السريعة0 وغضا النظر في الحال لكنهما تركاها حائرة للغاية إزاء ما حدث خلال تلك الثواني القليلة0
-هل ستقومين بجولة في الغد0 ؟ لقد زرت كيوراساو من قبل وأحب الجزيرة كثيرا في الواقع0
- اعتقد إنني سأقوم بالجولة0
وقال غارث :
-يمكنك أن تقومي بجولة في العاصمة ,ربما تكون ممتعة, لكن لا تنسى أن الصناعة الرئيسية في كيوروساوا هي تكرير البترول0
- لهذا نجد شاهدا على ذلك في جميع أنحاء الجزيرة0
- ليس في جميع ألإنحاء لكنك ستجدين الدليل على ذلك بالتأكيد0
وقالت ويندي بلهجة من أتخذ قرارا:
- بهذه الحال سأتجول وحدي لأوفر مالي لجولات أمريكا الجنوبية0
الجولة في كيوروساوا لاتكلف كثيرا0
قال فريزر هذه الكلمات بنبرة من يهون من قدرا الشي, ثم اختلس نظرة إلى غارث الذي لاحظت ويندي أنة زم شفتيه تعبيرا عن الاستخفاف, وتجهمت في حيرة قبل أن تدرك أن الرجلين يمكن أن يعتبرا هذا التردد دليلا على البخل , داخليا شعرت بالضيق من هذه الفكرة لذلك حدجت غارث بنظرة غاضبة لكن بعد فترة وجيزة صارت تفكر إنه لا يهم كثيرا ما يعتقدانه بشأنها0
وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي رست الباخرة في الميناء0وبعد التاسعة بقليل نزلت ويندي الى الجزيرة وبدأت تتجول في شوارعها حيث تسطع أشعة الشمس الاستوائية الحارة ويسودها الطابع المعماري الهولندي ويرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر فمبانيها تتوهج بألوانها البهيجه وكأنها مبان يصفها كتاب قصصي قديم والسبب في ذلك أن أحد حكام الجزيرة يكره التأثير المبهر لأشعة الشمس على المباني البيضاء لذلك أمر بطلاء المنازل بألوان مختلفة 0
وبعدما تجولت ويندي بجوله حول منتزه فيلهميتا قررت الاسترخاء بعض الوقت مع فنجان قهوة وكتابها 0 وجلست في مقهى في فندق كيوروساوا انتر كنتونتننال وهو مبنى فخم تم بناؤه بدقة داخل جدران قلعة ضخمة يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر عندما دخل ميناء فيلمستاد عاصمة الجزيرة 0وإذا ألقت نظرة خاطفة حولها , لمحت غارث بقامته الطويلة ,وتسارع نبضها وكادت إن تخفض رأسها لولا إنه رآها 0 لذلك اضطرت إلى الرد على التحية عندما رفع يده, وتأرجحت ابتسامة على شفتيها وهي تراقبه يقترب من طاولتها 0 كم هو طويل ووسيم , قطعت خطواته الواسعة المسافة بسرعة أكبر مما يلزمها لتستعيد سيطرتها0
وأخذت تضم يديها ثم ما تعود فتفردهما بطريقة عصبية بعض الشيء رغم أنها لم تستطع أن تتبين سببا لتوترها0 ووقف غارث قربها يلقي نظرة فاحصة ناقدة للقاعه0
- هل يمكن أن أبقى معك ؟
سألها برقة وجلس بدون أن ينتظر الرد , وسرعان ما امتدت ساقاه الطويلتان أمامه واتكئا إلى الخلف على المقعد بتلك الرشاقة الفاتنة التي لاحظتها من قبل ثم سأل:
- هل قمت بجولة لطيفه ؟
- أجل شكرا لك
وتوقفت ويندي قبل أن تسأل:
- أين صديقك ؟
ابتسامته المفتعلة شقة فمه الصارم وجاء رده التهكمي:
- وجد لنفسه فتاة0
ورفع يدا آمرة فأقبل أحد المضيفين وبعدما طلب القهوة استدار نحو ويندي وأخذت عيناه الداكنتان تجوبان وجهها الذي احمر خجلا وظلت على هذه الحال لحظة طويلة بلامبالاة قبل أن يقول:
- أين كنت ؟ تراقبين الجسر الشهير يفتح لمرور السفن كما أتوقع ؟
وردت بضحكة:
- لا00 لم أكن أراقب الجسر بل كنت أتمشى في المنتزه0
- حقا لكنك بالتأكيد تعرفين إن أول شيء يفعله أي زائر لميناء فليمستادا هو أن يقف مشدوها تماما وهو يراقب جسر الملكة إيما إذ يفتح للسفن؟
ولم تقل ويندي شيئا ومضى غارث في حديثه ليخبرها بأن ذلك كان في وقت من الأوقات أحد الجسور التي تجمع عندها ضريبة الأسواق وقال لو كنت ترتدين الحذاء لكان هذا سيكلفك سنتين, أما بالنسبة إلى الحفاة فكان المرور مجانا0
ونظرت ويندي إليه باهتمام وهي تقول:
- يا لها من فكره غريبة 0
- الفكرة الأصلية كانت طيبة0 فالمرء يدفع حسب وضعه الاجتماعي لكن كان هناك بالطبع أناس ذو كبرياء ,يستعيرون أحذية لمجرد أنهم لا يريدون التعرض لمهانة اعتبارهم فقراء من ناحية أخرى هنأك أمريكيون أثرياء يحملون أحذيتهم تحت أذرعهم ويمرون دون أن يدفعوا شيئا وذلك لمجرد المزاح0
وضحكت ويندي ضحكة صافية رائعة أدهشتها واجتذبت اهتمام غارث إلى درجة إنه ظل يركز على فمها الجميل مدة طويلة0 جعلها تحس بالقلق , وكان تعليقه غير المتوقع على الإطلاق
:
- انك فتاة غريبة جدا في الواقع0
وفكرت إن الوقت مناسب لسؤاله عما يضحكه فيها لكن كل ماقالته هو :
-إنني لا أفهمك0
وارتفع حاجباه قليلا وفي هذا الوضع كان أسلوبه تهكميا لكنه لا يخلو من الرقة والكياسه 0 وقال بدون توقع جواب مرة أخرى:
- اخبريني ألا تعتبرين نفسك غريبة ؟
وتجهمت وهي تشعر بذهول تام من كلماته وسألت:
- هل أبدو غريبة حقا ؟
كانت تريد أن تعرف وهي تسأل نفسها إذا كانت تتصرف بالفعل بسبب ما تنوء به من أفكار , بطريقة غريبة , وقال:
- ظاهريا, لا, لكن 0
وبعد فترة تردد أضاف :
- لكن هذا كله ليس ظاهرا أليس كذلك؟
ومرة أخرى تجهمت لا لأنه عبارته محيرة فقط ولكن لأنه تردد لسبب غامض قبل أن ينطق باسمها وفكرت- لو لم تكن الفكرة مضحكة إنه ربما اعتقد أن هذا ليس اسمها علي الإطلاق!
وقالت :
- إنك تتكلم بالألغاز فلا أستطيع أن أفهم شيئا مما تقول0
والتقت عيناه بعينيها في تحد وقال :
- لا 0 إذا لا تشغلي بالك , سنطرح المسألة جانبا 0
وغير الموضوع قبل أن تتمكن من توجيه سؤال آخر , وأخذ يتحدث كيفما اتفقا على الأماكن الهامة التي ينبغي زيارتها , في أنحاء الجزيرة لكنها كانت لا تزال تفكر في كلماته الغامضة , فلم تشترك في الحديث إلا لماما, وبدا انه تضايق إذ أصبح الجو بينهما ثقيل الوطأة الى درجة أنها عندما تكلمت كانت نبراتها متكلفة , وأخيرا قال:
- حسنا سأذهب, لا تظلي الطريق وبذلك تفوتك الباخرة0
وجلست حيثما كانت و أخذت تراقبه يبتعد , لاحظت طريقته المهيبة في السير, وخطواته الطويلة الرشيقة التي قطعت المسافة بينهما وبين الباب بسرعة ومن دون أن يلتفت ورائه مضى0
وفجأة أدركت أن الإحساس بالفراغ بدأ يزحف إليها وعضت شفتيها خوفا من وحدة اليوم المقبل, هل تعود إلى السفينة؟ لن تبحر قبل السادسة لذلك لا جدوى من العودة والبقاء فوق سطحها , هل تستأجر سيارة إجرة ؟ أجل يحتمل أن يكون ذلك هو الرد 0 وبما أن غارث دفع حساب القهوة نهضت وغادرت الفندق إلى أقرب موقف لسيارات الأجرة ووجدته خاليا وهو أمر طبيعي إذ فكرت في مئات الأشخاص الذين نزلوا من الباخرة لذلك معقول أن جميع السيارات المتوفرة استؤجرت من فترة طويلة0
وبعدما قررت أن تمشي اتجهت نحو البوندا وهو أقدم جزء في المدينة حيث أخذت تتجول بين المحلات التجارية التي تراوحت بين أماكن صغيرة شبيهة بالأسواق الشرقية ومحلات كبرى على أحدث نظام شهدته , وكانت الأسعار رخيصة حيث أن كيوراساو ميناء حر تقريبا غير إن ويندي لم تشتري شيئا على الإطلاق متسائلة: ما الفائدة وخيم القنوط عليها0 ونتيجة لذلك تثاقلت خطواتها, ما فائدة أي شيء وقطع تساؤلها بحدة صوت بوق سيارة وقفت بجوارها وهي تتأهب لعبور الطريق0
- هل تحبين مرافقتي؟
جاءت الدعوة من غارث الذي جلس أمام عجلة القيادة وأكمل:
استأجرت سيارة للنهار كله 0
وأضاءت عيناها0 لو علم فقط مدى ثقل الهم الذي أزاحه عن قلبها, وقالت بضحكة صغيرة مرحة:
- شكرا لك يا غارث بالطبع أود مرافقتك , إنه كرم زائد منك 0
وكانت تلهث قليلا ونظر إليها بتعبير مندهش ونزل ودار حول السيارة وفتح لها الباب , ثم قال:
- لا حاجة لعبارات الشكر المسرفة , إنني سعيد بهذه الرفقة0
ولأنها كانت تعلم إنه يعني ذلك انتابتها موجة سريعة من المرح والعرفان بالجميل:
- ينبغي أن أشكرك يا غارث 0
غمغمت بهذه الكلمات في خجل هذه المرة بسبب الطريقة الغريبة التي نظر بها إليها , وأضافت في سرعة عندما لاحظت إنه بدأ يحرك شفتيه استعداد للكلام:
- لا تسأل لماذا ,أرجوك 0
ربما لم تكن تستطيع أن تخبره بأنها هابطة في أعماق إلياس وسابحة في مجاهل الخوف وهي ضائعة ووحيدة تماما, ولا يمكنها أيضا أن تشرح لها أن عرضه جاء كنجمة مضيئة لامعة لتنقذها مؤقتا من تلك الوحدة, ودون أن يتحدث تحدت بدأ يتحرك بها تارك المدينة خلفه في طريقه الى الريف حيث ي عيش القرويون بعيدا عن ألأضواء البراقة وعمن مباني العاصمة0 بعيدا عن معامل تكرير البترول وفنادق السياح0
وأخيرا قطع غارث الصمت المخيم وقال:
- لا داعي للادعاء بأنها تتمتع بالجو الساحر الغريب مثل بربادوس أو سانت توماس ومضى يشرح أن السبب في ذلك هو أن كيوراساو جزيرة صخرية داكنة بعض مناطقها جرداء والمياه واحدة من أكبر مشكلاتها , وأضاف:
- يتم تقطير مياه البحر إلى مياه عذبة لكن هذه العملية باهظة التكاليف إلى حد كبير0 وعلي كل فإن الحكومة واجهت المشكلة وأصبحت المياه العذبة متوفرة الآن لأفقر طبقات الشعب في الجزيرة0
علقت بقولها:
- يبدو أنك تعرف الكثير عنها وعن الجزر الأخرى, هل قمت برحلات كثيرة في الكاريبي ؟
- مضت بضع سنوات منذ أن قمت برحلات0
كان هذا جوابه المقتضب وجذبها شئ في نبرته إلى إلقاء نظرة على يديه اللتين تمسكان المقود بسهولة مهملة 0 لم تفكر في إنه عازف البيانو لأن تلك المهنة لا تتناسب مع مظهره العام ومع ذلك كانت يداه حساستين بأصابعهما الطويلة النحيلة وأظافرهما المقصوصة القصيرة جدا0 خمنت إنه رسام لكنها استبعدت هذه الفكرة 0إذا ما هو عمله؟ وفجأة ابتسمت ابتسامة عريضة لنفسها وهي تتعجب , لماذا تتناقش بمثل هذه الطريقة الغريبة حول عمله يحتمل إنه لا علاقة له على الإطلاق بهاتين اليدين الطويلتين الحساستين00