المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
وأصبح ذكري
ا اختفى الناس تحت مظلاتهم وأخذوا يهرولون إلى منازلهم هربا من هذا الجو الممطر، حتى القمر بسواده الحالك في هذا الوقت من الشهر بدا وكأنه يختبئ من الأمطار الغزيرة التي تبكيها السماء،إلا هي.. شقت طريقها وسط الأمطار غير آبهة بها وكأنها تتلذذ بها كي تطفئ النيران التي تتأجج داخل قلبها، وفي عينيها نظرة شاردة تسبح بها في عالم آخر، فها هي الآن أصبحت زوجة لإنسان أحبها وتفانى في حبها، بل وأكثر من ذلك لقد منحها الحياة بعد أن كانت تعيش بقلب مريض، بعد أن كانت تحيا يومها دون أن تنتظر غدها، ولكنها لم تكن تحبه، لقد عجزت عن حبه حتى بعد أن أجرى لها الجراحة التي قتلت مرض قلبها وأزالت علته، فقد كان قلبها ملكا لغيره، حتى في لحظات مرضه كان حبه هو الأمل الذي أشرق بين جوانبه، كان الشمس التي أضاءت ظلمات كيانه، نعم أحب، أحب رغم ضعفه، أحب رغم مرضه، أحب ضاربا عرض الحائط بقوانين البقاء والوجود، أحب إنسان بادله الحب حبا، فكان البلسم الذي يوقف آهاته، والمسكن الذي يخفف آلامه، حتى جاء الطبيب وأحب مريضته، فوجدت نفسها مدينة له ـ بعد خالقها ـ بحياتها التي تحياها، وبقلبها الذي ينبض بداخلها، لقد أعطى حقا لقلبها الحياة ولكنه لم يستطع أن يعطيه الحب والدفء الذي عرفهما مع حبه الأول، هذا الحب الذي تجاهلت نداءا ته واستغاثاته واستمعت فقط لصوت ضميرها وعقلها..
وبينما هي في شرودها إذ بعينيها تصطدم بعينيه، فاهتز جسدها وارتج كيانها، فها هو حبيبها، حبيب عمرها وقلبها واقفا أمامها تراه بعينيها وتحسه بوجدانها، فها قد مر شهرين منذ زواجها ولم تره، وكم اشتاقت لهذا اللقاء وتجنبته، وكم تمنت هذه المقابلة وخشيتها، وها هي ترى حقا ما خشيته وتجنبت حدوثه، ترى نظرة اللوم والعتاب في عينيه، ترى القسوة في قسمات وجهه، ترى استخفافه بنظرات الشوق واللهفة في عينيها، ترى حبها في قلبه وقد انهار وتحطم، ترى أجمل حقيقة في عمرها وقد صارت أوهام وسراب.. فأدارت عينيها عنه، فهي لن تحتمل منه أكثر من ذلك، نظرة عينيه أنبأتها بفداحة ما فعلت، لقد قتلت حبهما وهو ما ليس من حقها، اختارت الفراق وهو ليس اختيارها وحدها..
فوجئت به وقد واصل طريقه وابتعد عنها، وكم ودت لو ارتمت بين أحضانه وطلبت منه الصفح والغفران، لكنها لم تحرك ساكنا، وتركت لدموعها العنان فاختفت وسط دموع السماء، وقالت بصوت خافت باك:" سامحني يا حبيبي واغفر إساءتي لقلبك، وأنت يا قلبي لقد قتلتك قبل أن تهنأ بفرحة الشفاء، قتلت فيك أجمل ما كان فيك، فسامحني، سامحني أنت الآخر.."
منتدى ليلاس الثقافيقالت ذلك وبدأت في مواصلة سيرها مرة أخرى بعد أن ألقت نظرة أخيرة على حبيبها الذي أصبح ذكرى لأجمل أيام عمرها....
بقلم ابراهيم فواز 2004
|