تحتل حكايات الغيلان مكانة مرموقة في مجموعات الحكايات الشعبية العالمية، فلا تكاد تخلو حكايات شعب من الشعوب من ذكر الغيلان ومن محاولات "لتصورها" كما أنه من الملاحظ أن هذه الحكايات تستأثر باهتمام خاص من السامعين وعلى الأخص الأطفال، لما يجدون فيها من أحداث غريبة ومفاجآت وأنشطة غير مألوفة في الحياة العادية، تشد انتباههم وتدفعهم للاستماع لهذا النوع من الحكايات الشعبية.
وحكايات الغول غالبا تتركز حول بطل أو بطلة، وغالباً ما يكون البطل فقيراً أو مضطهداً أو يتعرض لامتحان عسير تتوقف عليه حياته أو حصوله على فتاة أحلامه، أو على دواء غريب لعزيز لديه، وبعد سلسلة من المخاطـــرات يقــوم بـها ذلك البطــل بشجاعة، أو يــمر بها بــهدوء نتيجة لطيبة نواياه أو حسن حظه، فإنه وبعد أن تلعب "الخوارق" دورا ملموساً -والخوارق دي يعني الأشياء الخارقة عن الطبيعة وغير المألوفة للإنسان- يستطيع أن يصل إلى غرضه فيحضر الدواء أو يجتاز الامتحان.
وبعد ذلك وفي الغالب فإنه يحصل على كنز أو فتاة رائعة الجمال أو الاثنين معاً، ويعيش حياة سعيدة إلى النهاية، وفي العادة فإننا نلاحظ أن الغول شخصية أساسية في هذه الحكايات وهو يؤثر بالإيجاب أو السلب على أحداث القصة، ويساعد على تطويرها سواء أكان في جانب البطل، يعاونه ويسهل له الصعاب أمام المعسكر المعادي الذي يهدد حياة ذلك البطل، أو يحول دون حصوله على مبتغاه.
والغريب أن حكايات الغول وجدت من يهتم بها من العلماء والباحثين..... أيوه ما تستغربوش... لأن هذه الحكايات غالبا ما تعكس الثقافة الشائعة، كما أنها مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية.... ويعتقد الباحثون الاجتماعيون أن حكايات الغول من أقدم أنواع القصص الشعبية، فهي تتناول التصورات الغيبية للإنسان والجانب غير اليقيني من حياته، وتعتبر هذه الحكايات أثر من آثار العالم القديم حملته إلى أندونيسيا تيارات الثقافتين الهندوكية والإسلامية، ثم حمله الغرب إلى شرق إفريقيا وحمله الهولنديون إلى جنوبي إفريقيا وأذاعه المستعمرون الأوروبيون في العالم الجديد.
التصور الشعبي للغيلان:
هناك تصور شعبي كامل للغيلان تؤيده عادات وممارسات شعبية وأساطير وحكايات تجزم بوجودها، وتنتشر حكايات الغيلان والقصص والأخبار المتواترة عنها في كل قرية وداخل كل بيت ومع كل راوٍ.
إن الشعب يتصور الغيلان على هيئة بشرية موحشة، فبينما يتصورها تأكل وتتكلم وتحب وتكره وتحارب، فإنه يرسم لها وجوها مرعبة وشعراً كثيفاً يكاد يحجب الرؤية، وأظافر غاية في الطول (قد تكون مغروزة في الأرض أمامها في بعض الروايات) وحجما ضخما وعيونا لامعة وقدرة حركية عالية وصوتا أجش وذكاء كبيراً (أحياناً) ودهاء بالغا ومعرفة غير محدودة.
الغول الطيب
في حالات قليلة نسبياً نصادف الغول الطيب المؤمن في ثنايا الحكاية الشعبية، ويبدو هذا الغول على غرار الغول الشرير من حيث القوة والمقدرة على الحركة السريعة وحتى على افتراس الآدميين وأكل لحمهم البشري إذا لم يحسنوا التصرف، ويصادف البطل هذا الغول وهو في رحلته الميمونة للحصول على الدواء العجيب أو فتاة الأحلام أو إحضار ماء الحياة، فيكون له خير عون على تحقيق ما يريد.
وتتركز المعونة التي يقدمها الغيلان للبشر في النقل السريع -على اعتبار أن للغول مقدرة على اختراق المسافات في ثوان قليلة- وهذه السرعة تهيئ فرصة عظيمة للبطل يستطيع بها أن يعود بالدواء للمريض العزيز قبل أن يموت، وتستطيع البطلة أن تسبق زوجها الذي هجرها إلى حيث يقصد، أما المعونة الأخرى التي يقدمها الغول الطيب للبطل فهي النصيحة التي بدونها لن يستطيع البطل تحقيق أي هدف، فيحدد الغول للبطل المكان المناسب الذي يجد فيه مبتغاه أو اللحظة المناسبة للانقضاض على خصمه، أو الطريق المناسب للقيام بذلك.
الغول الشرير
والغول في معظم الحكايات الشعبية يكون شريرا يؤذي البشر ويعوق حركتهم، ويخوض البشر صراعاً طويلاً مع هذا النوع من الغيلان تتخلله أعمال بطولية وتحركات "فهلوية" وقد يساعد الغيلان "المؤمنة الطيبة" أبطال الحكايات ضد الغيلان "الشريرة".....
والعصبية هنا ليست عصبية الجنس بل عصبية الإيمان والمبدأ، وتنتهي الحكاية عادة بانتصار البطل الذي غالباً ما يحسم المعركة بضربة ذكية من سيف خشبي غالباً ما يكون سيف الغول نفسه، وفي معظم الحالات يتعرف البطل على الوسيلة الناجحة للقضاء على الغول بمعونة رفيق أو خادم كان قد أسدى له معروفاً مسبقاً. ونلاحظ أن الحكايات الشعبية لا تعرض لنا قصة الإنسان المهزوم أمام الغول، ولا تصور لنا كيف يفترس الغول ضحاياه من البشر، وتكتفي هذه الحكايات بأن تصور لنا ذلك الجانب من الأحداث الذي يكون فيه البطل الإنسي قادراً على أن يصرع الغول أو يسيطر عليه، ولا يمكن تفسير هذا الإصرار من جانب الرواة إلا من ناحية الرغبة في التمشي مع إبراز ما انطبع في الوجدان الشعبي من خوف مستأصل من الغيلان، ورغبة عارمة في تأكيد الانتصار عليه ومنع استغلاله للإنسان.
ويرجع البعض انتشار تلك الحكايات في بلادنا العربية إلى العصر الإقطاعي الذي كان سائدا أيام الأتراك والعثمانيين، حيث شبهت الشعوب الإقطاعيين بالغول الذي يأكل الحيوانات ويمص دمائها ويرعب البشر في كل مكان، كما أنه يأكل كثيرا وينام كثيرا، وفي كل هذا تصور لحياة الإقطاعيين ومدى معاناة الشعب منهم.
وهكذا معظم الأساطير والحكايات الشعبية غالبا ما نجد لها أصلا في الحياة، فهذه الحكايات تكون تعبيرا حقيقيا عن الشعوب وحياتها وظروفها ومشكلاتها.