المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
مفتاح النور
( دعوة خاصة للمصريين)
جملة غريبة كتبتها... ولكنني أعرف سبب كتابتها...
فالقصة تقع في مصر....
وأظن ان القارئ المصري هو من سيتخيل الأحداث بعمق أكبر...
وبالطبع.. فأنا أرحب بجميع الأعضاء..
وكالعادة فأنا بانتظار الردود( التي عادة لا يأتيني منها الا القليل القليل..)..
ولكن .. لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس..
وبانتظار ردودكم... فمن يقرأ القصة أرجو منه ان يعطيني رأيه عنها وانطباعه فلا تكفي مشاهدتها..
و...
بسم الله أبدأ
منتدى ليلاس الثقافي
_________________
-مفتاح النور-
اسمي حسن...
وحسن هذا من الممكن ان تقابله في اي مكان....
هناك ذلك الحسن الجالس على تلك القهوة التي ترأست زاوية الشارع، وهو ممسك بتلك الشيشة التي ركعت تحت قدميه وقد مدت له خرطومها بينما هو أخذ يصدر تلك الأصوات الشبيهة بالكركرة وقد أخذت يداه الغليظتان اللتان نسيتا العمل منذ زمن بلعب تلك اللعبة المشهورة ... الطاولة!!
وهناك ذلك الحسن المسكين الذي صعد الحافلة وقد بدأت أنامله بالعبث في جيوب الركاب بحثاً عن الرزق، وهي ذات الأنامل الخفيفة التي ستدافع عن نفسها بعد قليل وذلك لاكتشاف أحد الركاب تلك اليد الخفية التي امتدت نحو محفظته السوداء المهترئة لتدافع عن نفسها تجاه تلك الركلات والصفعات التي ستنهال عليه!!
وهناك ذلك الحسن ذا الشارب الأسود الكث والذي صفف بشكل أنيق وتلك الذقن الحليقة وقد تربع على عرش المال ، وقد استقر في المقعد الخلفي لتلك السيارة الفارهة والتي تدل على ذلك الثراء الفاحش ، تلك السيارة التي ما أن يراها عامة الناس والفقراء منهم حتى تمتد يد كل منهم محاولة المساعدة بينما تلك العبارات قد تناثرت في الهواء هنا وهناك: " هل هناك أي خدمة أؤديها لك يا بيه؟؟" " خير يا باشا ؟؟ أي خدمة؟؟"!!!
وهناك ذلك الحسن .... والذي هو ببساطة انا!!
ذلك الحسن الذي بلغ من العمر ثلاثون عاماً، ثلاثون عاماً فعل بها كل ما يمكن فعله في أربعين سنه، ولا أقصد بذلك المال والثراء والجاه... لا أبداً " حاشا لله"!!!
فهو يستيقظ صباحاً ويشرب الشاي كأي مواطن عادي مع ذلك الخبز بالجبنة ، ومن ثم يحمل تلك الحقيبة البنية في يد ، والجريدة في اليد الأخرى وينطلق نحو ذلك الميكروباص المزدحم ، الذي ما ان يفتح حتى يكافح المرء ليجد مكاناً مريحاً بحيث لا يلتصق بك ذلك المدخن أو ذلك الطفل البشع الذي أخذ بمص مصاصته الحمراء اللزجة غير عابئ بمشاعر من حوله المتقززة.
ثم ينزل من الميكروباص لينطلق كأي موظف عادي نحو مكتبه المتواضع الذي اشترك معه فيه كثير من الموظفين حتى بات يعتقد أن المدينة كلها قد احتلت ذلك المكتب.
يخرج ذلك المنديل الذي غسلته له زوجته صباحاُ بعد مشاجرة طويلة كالعادة ويمسح به عرقه الذي تشكل على شكل حبات ممطرة أخذت تتساقط بغزارة على جبينه، ومن ثم يتجه نحو ذلك الباب الزجاجي وذلك الحارس العجوز الذي أخذ يرتشف الشاي رشفة بعد رشفة بهدوء شديد.
ومن ثم يدخل عن طريق تلك الأبواب الى تلك الشركة ، وهناك يرى عادل في استقباله .
ولن أعدد كم من عادل موجودين في الدنيا، ولكنني سأكتفي بقولي أنه من الأصدقاء المقربين لي في العمل.
وهو شاب مسكين عمره لا يتجاوز الثالثة والعشرين، هزيل البنية وذا نظارة تحوي ايطارات رفيعة سوداء استقررت على انفه، وكان يرتدي كشباب هذه الأيام هذا البنطال الغريب وذلك القميص الذي لا تعرف ان كان قد أصابه الحول وهو يشتريه وأحضره من القسم النسائي.
أتستغربون لأنني أتكلم بلهجة كهل في الستين من عمره ، لا تستهينو بتلك الحياة التي تستطيع تعليم المرء ما يتعلمه الآخر في ستين سنه ويتعلمه هو في ثلاث سنوات فقط.
يقول عادل وهو يمارس تلك العادة الغريبة في تعديل وضع نظارته بتوتر كلما أراد أن يقول شيئا يقلقه: يا حسن، المدير طلب مقابلتك.
انظر بسخرية واضحة له وأقول بلهجة من باع كل شئ ولم يعد يخيفه شئ: اوه حسنا حسنا، ولكن ماذا يريد هذا العجوز مرة أخرى؟؟
ينظرلي عادل باعجاب شديد ، فقد قلت مالا يمكن هو أن يقوله عن مديره ولو بعد عشر سنوات، ولطالما كان عادل معجبا بشجاعتي ، ولهذا فقد قال: احذر، فهو هذه المرة يضمر لك السوء، فقد تأخرت عن عملك مرة أخرى.
أقول في ملل واضح: حسنا حسنا سأتجه لمكتبه الأن.
لا تفهموني بشكل خاطئ، فأنا لا أقصد بتلك الجملة الأخيرة أن أحاول اثارة اعجاب ذلك الصبي المسكين، ولكنني حقاً ما عاد يهمني شئ ، ولا عاد يخيفني شئ!
وهكذا أخذت أمشي في ردهات الشركة المتواضعة بلا مبالاة شديدن بينما أخذ الجميع ينظرون لي بزوايا أعينهم ، وأكاد أجزم أنهم يدعون لي في سرهم بأن يسترها الله معي، فعلى حد قولهم فأنا الأن أتجه نحو عرين الأسد الغاضب – الأبله- على حد قولي أنا!!
ان هؤلاء الموظفين الثرثارين لا يكفون عن المبالغات، ها أنا ذا أقف في الردهة بعد خروجي من مكتب المدير، وقد مر الموضوع بسلام ، لا شئ أكثر من صراخ وبعض الوعيد والتهديد وخصم من المرتب لمدة يومان، فلماذا اذن تلك المبالغات ؟؟
عندها أعود لأمشي في الردهة بكل ثقة أمام هؤلاء الموظفين لأثبت لهم أنه لم يفترسني بعد وأنني لا أزال أقف على قدمي.
بعد تلك الواقعة تمر الساعات والدقائق ببطء مستفز لدرجة غير معقولة ، حتى تأتي الساعة الموعودة، فيأتي العقرب النحيل كأغلب الموظفين هاهنا على الرقم المفضل لدى الجميع.... الخامسة بعد الظهر.
فأتناول حقيبتي وأوقع في ذلك الدفتر وأنصرف لأخرج لذلك الشارع، وهنا تأتي المعاناة الأخرى وهي سيارات الأجرة التي لسبب لا تدريه تأبى وبشدة أن تقلك لذلك المكان الذي تريده ، وكأن ذلك المكان الذي تريده قد انفصل عن الاسكندرية وأعلن استقلاقه.
ولكن الله الرحيم رحيم بعباده، لذا فإنك تجد ابن الحلال الذي يقف لك ويقلك الى حيث تريد.
ويتوقف فأنزل أنا وأتجه لذلك المحل الذي اصطفت في واجهة عرضه علب الشيكولاته الأنيقة ، فأخرج بعض النقود متجاهلاً ذلك الخصم المستمر في المرتب لمدة يومان وأبتاع احدى تلك العلب.
فكل شئ يهون في سبيل اسعاد زوجتي اللطيفة الرقيقة....
مهلاً مهلاً.... لا تفهم الموضوع بشكل خاطئ، فأنا لن أحضرها لزوجتي تلك التي تذكرك دائماً بأن العلماء كانوا على خطأ عندما قالوا أن الديناصورات المتوحشة تلك قد انقرضت.
بل أنا أتكلم عن زوجتي الثانية الرقيقة ... هويدا، والتي بالطبع لا تعلم عنها زوجتي الأولى شيئاً.
وهكذا تنتهي سهرتي معها فأنزل وتكون عقارب ساعتي تكاد تغفو عند الساعة الثانية صباحاً.
عندها أسير في تلك الشوارع المظلمة الكئيبة المرعبة التي تكون مأوى لتلك الكلاب الضالة التي أخذت تمزق سكون الليل بعوائها الذي يبعث الرعب في نفس أي شخص، أي شخص الا أنا!!
فأنا لا يثير رعبي ذلك الظل المظلم الكامن بانتظار الانقضاض عليك، ولا تثير رعبي تلك العيون الامعة لتلك القطط التي لا تنام، ولا تلك الكلاب المسعورة التي أكاد أشعر بأنفاسها المضطربة الساخنة اللاهثة والتي تود أن تفتك بي ، لا يثير رعبي أي من هذا اطلاقاً.
وأخيرا أصل الى المنزل ، فأدير المفتاح في القفل وأدلف الى الشقة المظلمة ، وأضع يدي على مفتاح النور الذي يضيء ذلك المصباح الصغير الذي علق بجانب الباب، والذي لا يصدر الا شعاع كافي لأهتدي الى طريق السرير.
أضع يدي عليه وفجأة يصيبني التوتر، فأنا أسمع صوت أنفاس معي في الغرفة؟!
أسمعها بوضوح تام، أنفاس غاضبة ولكنها هادئة، عندها فقط أعلم ما ينتظرني، فأفتح مفتاح النور...............
هنا فقط وعلى ضوء ذلك الشعاع البسيط أتبين مصدر تلك الأنفاس الغاضبة، فهاهي زوجتي جالسة على ذلك الكرسي الخشبي، بينما لمعت عيناها في الظلام، فعيناها مفتوحتان على وسعهما وتحدقان بي بشكل مخيف...
عندها فقط أعيد التفكير في أنني ما عاد شئ يخيفني....
أعيد التفكير فقط عندما ينسدل ذلك الضوء على وجهها بشكل درامي معطياً وجهها لمحة مخيفة، فقد ألقى الضوء على وجهها المرعب ذاك ظلالاً مخيفة ، وقد زاد الطينة بلة تلك اللمعة التي كشفت عن ابتسامة خبيثة صفراء لا تنبأ بخير ...وقالت بصوت من صر على اسنانه غضباً : أين كنت الى هذه الساعة؟؟
عندها فقط أغير رأيي....
بشأن جملة غبية تفوهت بها اليوم..
أنه ما عاد شئ يخيفني!!
تمت بحمد الله وتوفيقه
|