سيد الشمس
_ كايس قلت لك اكتفيت.
كان الجو في مؤخرة السيارة التي يقودها السائق متوتراً, و هذا كل ما يقال.. و كانت الجميلة أماندا هاموند تلتف بمعطف الفراء السيمك و رغم التدفئة المركزية في السيارة كانت ترتجف, أما كاسدي لايتبون فحاول جهده الظهور بمظهر المستريح المطمئن على أمل أن تؤثر تصرفاته في الممثلة الجالسة قربه فينجو من غضبها.منتديات ليلاس
تابعت أماندا و هي ترتجف: أريد الذهاب إلى منزلي لأستحم.. أريد أن أغسل لمساته القذرة عن بشرتي!
أبتعلت ريقها بصعوبة, ثم أردفت همساً :
_ لا أستطيع تحمل المزيد اليوم.
قال كايس بطريقته المصطنعة:
_ أنها المرة الأخيرة, يا حلوتي.
نظرت إليه باستغراب! ألا يكفي ما تعرضت إليه اليوم على يدي ذلك ال******************************** لتغيير برنامج اليوم؟.
_ اتركي كيفن لوكهارت الدمث يلتقط لك صوراً جميلة ثم بعد ذلك اذهبي إلى منزلك وانقعي جسدك بالحوض, و انسي كل شيء لشهر كامل !
فكري في الأمر.. ساعة واحدة من ابتسامات أماني الحلوة, و ينتهي التصوير.. و إلا اضطررت يا حلوتي لمرافقتي غداً.
لاحظت أماندا بمرارة أنها ورقته الرابحة , فلدى كايس دائماً ورقة رابحة .. إنه قادر على قضاء تسعة و تسعين بالمئة من حياته و هو يلعب دور الأبله و لكن ذاك الدور ما هو إلا غطاء يخفي وراءه قرشاً آكلا للحوم البشر في داخله.. و لهذا كان كايس من أنجح العاملين في دنيا الفن.
إنما هذا لا يعني شيئاً لأماندا هاموند في هذه اللحظات.. أنها غاضبة و متكدرة بحيث لا تهتم بمن يكون كايس.. ارتدت إليه بغضب:
¬_ ألا تفهم ؟ لا أستطيع تحمل المزيد! و لن أطيق معاملة سيئة أخرى اليوم!
سارع كايس يقول:
_ لكن السيد لوكهارت رجل هادئ! هادئ و بارد.. بارد! إنه لا يخاشن السيدات مثل كارتر, ولا يلمسهن إلا مضطراً. إنه عبقري في عمله.. لكنه يكره من يصورهن.
_ لست ممن يصورهن.
¬_ يا الله ! لا.. أنت ممثلة جميلة.. لكن الأمر سيان بالنسبة إليه يا حلوتي.. أنت سيدة جميلة خلابة.. و جمالك أشبه بجمال من نسج الخيال.. و هذا ما لا يستطيع لوكهارت تحمله.. إنه لا يطيق النساء الجميلات و مع ذلك يلتقط لهن صوراُ رائعة.
تنهدت بنفاد صبر:
_ و ماذا لديه ضدهن؟
_ زوجة.. زوجة سابقة, عملت موديلاُ له, وهي فائقة الجمال ! و قبل أصابعه الأنيقة لزيادة التركيز.
_ أتذكرين سوان كورتيز..؟ لوكهارت هو الذي اكتشفها و دربها و زينها و جملها , ثم تزوجها والتقط لها أروع الصور, و دفعها لتحلق فوق القمة . ثم راقبها و هي تنقلب عليه يوم جاء الرجل السمين ليعدها بالنجومية في عالم السينما! أما لوكهارت فلم يسامحها قط بل لم يسامح جنس النساء كله, خاصة النساء المتألقات.. و لكنه أمهر العاملين في حقل مهنته. لديه قدرة العجيبة على إظهارهن أجمل و ابهى.. آه ! لا أقصدك أنت, حلوتي !
و أرسل لها إحدى ابتساماته السخيفة :
_ لا يمكنه تحسين ما هو كامل.. تعرفين هذا !
آه ! أصمت كايس.. أنا غاضبة و أشعر بالقرف و الضجر.. و لكنني لست حمقاء ! أفهم كل هذا.
_ آه حقاً ؟
و بدا أن مشاعره قد جرحت! يا للشيطان اللعين يعرف بالضبط ماذا يفعل, إنه يلعب على شفقتها.
_ قلت سوان كورتيز ؟
هز رأسه إيجاباً.
سبق أن سمعت أماندا بها.. بل من لم يسمع بها ؟ في وقت ما كانت تعم صورها جميع إعلانات مستحضرات التجميل تقريباُ.. أما الآن فلا ترى صورها . عبست و حاولت أن تتذكر متى توقف وجه الجميلة سوان كورتيز عن الظهور على صفحات المجلات.. كان لها تلك الجاذبية السوداء الشهية التي تضعف الرجال.. لا عجب إذن أن يكره كيفن لوكهارت النساء ! فكرت أماندا بمرارة .. هل هناك من تستطيع أن تخلفها ؟
حذرت كايس بطريقة توحي بالقبول :
_ لا تجرؤ على تركي لحظة كايس!
ارتفعت يده و وعدها قائلاً :
أعدك !
ابتسمت أماندا رغم انزعاجها.
قرأت نص فيلم لكارتر كرمى لكايس فالمخرج الأميركي الشهير سميتي كارتر كان قد طلبها بالاسم و يومذاك قال لها كايس إنه لا يمكن إغضاب رجال من هذا المستوى في مهنة الفن , و لم يخطر ببالها إلا بعد فوات الوقت ما نوى ذلك الخليع العجوز فعله حين شاهدها فوق الأريكة و بدأ يسيء معاملتها .. كادت تضحك على مدى سذاجتها .. فقد كان عليها تحرز نواياه في تعابير وجهه الجائعة.. و لكنها لم تنتبه . و لا شك أن الإرهاق النفسي والجسدي أخمد أحاسيسها.. يا للغرابة لقد وقعة في فخ قديم العهد ! سخرت من نفسها بمرارة. الحمد لله لأن كايس كان قريباً فأنجدها من موقف لعين..
قرأ كايس أفكارها ككتاب مفتوح:
_ انسي أمر كارتر.. إنه شخص منحط .. يظن أنه هبة السماء للنساء.. يعاني من عقدة نفسية.. يجب أن يهتم به أحد.. لا يمكنه المضي هكذا .. فهو يحسب نفسه زير نساء, و لكنه لم يعد كذلك.. لأنه لا يستطيع أن..
_ اصمت كايس!
_ آه .
لقد جرحت مشاعره مرة أخرى:
_ .. أجل.. بالتأكيد .. لم أفكر.. لم أقصد..
كررت بوضوح هادئ.. اصمت.
نجحت هذه المرة في إسكاته فنظرت إليه برضى و تجهم,و حاولت يائسة جمع ثقتها بنفسها لمواجهة المحنة القادمة في التصوير.
_ وصلنا.
وعت أماندا ما يحيط بهما بدهشة خفيفة ظهرت على وجهها حين كانت السيارة تلج بين بابين خشبيين نحو ما بدا لها قصراً خاصاً.
إنه قصر قديم يعود طرازه إلى العهد الفيكتوري فهو مبني من الحجارة الحمراء, و نوافذه قرميدية اللون قاتمة, و سقفه مثلث هائل.. بدا لها مسكن كيفن لوكهارت مكاناً مريحاً.. ثم لمحت أرجوحة معلقة في شجرة إجاص قديمة في مؤخرة المنزل.
وقف باحترام ينتظر نزولها, فسحبت نفساً عميقاً و دفعت أطرافها المترددة و ضمت معطفها حولها تاركة الياقة المرتفعة تخفي شعرها الأشقر الطويل.. و الحقيقة أن بشرتها الشقراء الرائعة أخفت حقيقة ذعرها الذي جعل الدم يجف من عروقها.. بدت كما هو.. مميزة جداً, ناجحة جداً, و شابة جميلة جداً. من يعرفها يلاحظ اشتداد عضلات فكها الصغير و التعب في عينيها الزرقاوين المشعتين.
ارتفعت إحدى أصابع كايس الطويلة الأنيقة فضغطت زر الجرس.. الذي أعقبه نباح كلب من الجهة الأخرى للباب ووقع أقدام ونبرة تأنيب.. ثم انفتح الباب إلى الداخل فظهرت امرأة عجوز نحيلة صغيرة الجسم, فضية الشعر وجهها يشبه وجه عمة عجوز عزيزة.
ابتسمت لأماندا بلطف: آنسة هاموند ؟.
هزت أماندا رأسها مبتسمة, ففتحت العجوز الباب ورفعت بصرها إلى كايس و لكن ملامحها تغيرت ما إن رأته و راحت تنظر إليه بذهول:
_ حسناً.. رأيت كل ما يمكن دخوله من هذا الباب.. لكنك أيها الشاب تنتصر عليهم جميعاً.
كبتت أماندا رغبة في الضحك.. كايس رجل طويل رشيق القوام نحيل.. أرسل لها ابتسامة مشرقة ساحرة. و قال: شكراً لك.
و دخل إلى الردهة و هو ينظر إلى الكلب الضخم بكره.
هز الكلب رداً على كراهية كايس فراءه الأشعث, و نظر إليه بازدراء.. ثم نبح نباحاً بدا لأماندا نباحاً ساخراً.. و جلس في أسفل الدرج بتكاسل.
قالت المرأة: مشغل التصوير في الأعلى..لاكي !
دفع الصوت الباتر رأس الكلب إلى الارتفاع و لكنه عاد فأخفضه و تابع تكاسله. صاحت العجوز مجدداً:
ابتعد عن الطريق أيها الكلب العجوز الغبي !
و لكنه لم يطعها فتجاوزته ساخطة و لكن ما هي إلا لحظات حتى تعالى عواؤه فقد وقعت صفعت قوية على مؤخرته, ثم ارتد ليلعق اليد التي ضربته و توجه إلى فناء المنزل الخلفي.
عاد الوجه اللطيف إلى سابق عهده و ارتدت العجوز إليهما:
- اصعدا إلى الطابق الأول ثم توجها شمالاُ على طول الرواق.. في الطرف الآخر ستريان باباُ مزدوجاٌ, اقرعاه ثم انتظرا حتى يأذن لكما بالدخول.. لن أرافقكما وإلا غضب السيد كيفن.
كانت ابتسامتها شريرة, ثم ابتعدت في الجهة التي ذهب إليها الكلب.
عندئذٍ لاحظت أماندا تصلب ساق المرأة الذي كان يجبرها على العرج.. و فكرت أن السبب التهاب المفاصل.
تمتم كايس: مكان رائع.
و أشار لأما ندا أن تتقدمه صعوداُ على السلم العريض.
كان الرواق الذي أشارت إليه العجوز طويلاُ و مهيباُ . جدرانه مغطاة بلوحات أصلية قديمة موضوعة في إطارات ذهبية ضخمة عليها رسمات لوجوه متجهمة تنظر بتعالٍ للمارين بها.
أهم أسلاف كيفن لوكهارت؟
هذا أمر غير مشجع فقد بدا معظهم قادراُ على القيام بعمل مشين أعادت الفكرة إليها صورة سميتي كارتر الخبيث, فأبعدتها عنها بقرف.
بعدما قرع كايس الباب ران صمت طويل, ثم انفتح أحد البابين إلى الداخل فظهر رجل في حجم عملاق له أغرب عينين صفراوين رأتهما أماندا.. يا ألهي ! إنه إله الشمس الوثني و قد تجسد أمامها!
إنه رجل طويل يزيد طوله عن ستة أقدام و ثلاث إنشات.. يخالط شعره الأسمر البني خصلات ذهبية و هو كث ناعم يلتف حول وجهه الوسيم.. قسماته الشبيهة بصخر منحوت بدقة, تظهر رجلاُ تشكل شخصيته تحذيراُ لكل قادم.. كما يقال: قوة فكر و جسد.
كان يحيط بعينيه الغريبتين رموش ذهبية أما أنفه فكان متشامخاُ إنما ليس كثيراُ و كشف فمه عن حساسية موجودة فيه في مكان ما.. و إلا ما كان ليكون المصور المبدع الذي هو عليه الآن.
بدت بشرته تبرق كالذهب المصقول و قد ظهرت بوضوح للعيان من فتحة ياقة قميصه..
أخذ ينظر إليها ببرود و راح يجيل بصره فيها من رأسها إلى أخمص قدميها و لكنه ما لبث أن صرف النظر عنها و صب اهتمامه كله على كايس.
_ لقد تأخرت !
و صوته الذهبي أيضاُ يثير الاضطراب.. في غضبه يزأر كالأسد.
رفع كايس يديه باستسلام: آسف.. آسف.
دلت تعابير وجهه عن أفضل ما عنده ليظهر بمظهر الأبله:
_ اضطررنا للتأخر.. وقع أمر مزعج في الموعد الأخير.. أماندا غاضبة وأنا غاضب وأنت غاضب! إنه يوم الغضب.
راح كيفن ينظر إلى تعابير وجه كايس المدّعي بعينين ضيقتين, ثم وجه خطابه لأماندا:
_ أتشعرين بالبرد أيتها السيدة؟
انتفضت أماندا فارتفع بصرها إلى كيفن لوكهارت بدهشة.
أضاف ببرود: ألعلك لا ترتدين تحت جلد هذا القط البري شيئاُ؟ إذا كان الأمر هكذا فمن الأفضل أن أحذرك أنني لا أتعامل مع العراة.. حتى لو كان الشخص امرأة مغرية مثلك.
قاطعه كايس الذي حرك إصبعه تحت الأنف المتعجرف:
_ أيها المزعج! من لديه كاميرات غالية الثمن لا يرمي الإهانات جزافاُ.. إنه سوء تصرف ينقلب عليك و على الجميع..
أمسكت أماندا ذراعه: فلنذهب من هنا كايس.
وارتدت على عقبيها تعود على الطريق التي دخلت منها. ما تنويه كان جلياً للرجلين. لن تبقى هنا لتتلقى الإهانات من هذا المتعجرف.. فليستخدم كايس لسانه الأملس ما شاء له ذلك .. لكنها اكتفت!
و لكن كان لكايس أفكار أخرى و ظهر في عينيه بريق خطير و هو يمنع رحيلها بإدارتها لتواجهه و تواجه كيفن لوكهارت الكريه.. أمسكت يده بيدها الباردة التي تضعها على ذراعه.
_ فلندخل أهذا ممكن؟
أعلمتها لمسته أنه يعي مشاعرها وأنه هنا ليدعمها.. رفع بصره إلى عيني الرجل الآخر بسرعة حاسمة, ثم دخلا إلى قاعة ضخمة جدرانها بيضاء و نوافذها زجاجية.. رأت على كل قطعة من أرضها ألات غاليات الثمن.. و على جدرانها ظهرت صور قديمة و حديثة و كأنها جناح في مسرح, سقفها كسقف مسرح.
كانت زاوية واحدة في الغرفة فارغة و ليس في هذه الزاوية إلا منصبة مرتفعة قليلاً تضيئها عدة أنوار, و حولها ثلاثة أشخاص مشغولين بعمل ميك********************************ي. إما اللإضاءة, و إما في معدات التصويرالفخمة.. أقفل الباب المزدوج خلفهما, و أحست أماندا بعودة محنتها الداخلية.. كان الأجدر بها ألا تتعرض لما تعرضت إليه اليوم.
_ أسدلوا الستائر.
هب من مكانه شاب شبه أقرع يضع نظارة سميكة لينفذ الأوامر.
_ اخلعي هذا المعطف أيتها السيدة.
و كان هذا الأمر لأماندا.
_ حركي الكاميرا الكبيرة.. اديث.
كانت الكاميرا الكبيرة مثبتة إلى رافعة وإلى هناك توجهت فتاة نحيلة تحركها عبر جهاز سيطرة آلي.. ثم أشار لوكهارت إلى كايس:
_ أنت.. اخرج عن مدى نظري, وأنس أنك هنا حتى أذكرك أنا بوجودك.. المعطف أيتها السيدة.
صححت له ما يقول دون أن تتحرك: آنسة هاموند.
نظرت إليه باستخفاف بارد مسمرة اياه في مكانه و نظر إليها و كأنه يراها للمرة الأولى.. شخصاً حياً يتنفس.
كررت ببطء متعمد:
_ أنسة هاموند.. أنا إنسانة لي إسم و لست آلة.
ران صمت مفاجئ في الغرفة .. نظر إليها كيفي لوكهارت بعينين صفراوين ضيقتين راحتا تنظران إليها بتحد.. امتد الصمت المتوتر حتى بدأت أذناها تطنان.
انطلق شيء كالشرر بينهما, شيء جعلها تنتفض في أعماقها و لكنها رفضت هذا الشعور.. ثم اشتد اللون الأصفر في عينيه فقد شعر هو أيضاً بتلك الشرارة الشديدة الحرارة.
قال ببطء ورقة:
_ أنسة هاموند.. هلا نزعت معطفك رجاء؟
إنه أميركي .. في تلك اللحظة فقط أدركت أنه أميركي.
_ لا أنكر أنه معطف جميل.. و لكن عليك أن تفترقي عنه و ستقوم أديث على حراسته لك بحياتها.. ألن تحرسيه لها يا عزيزتي أديث؟ ثم ستعيده إليك لاحقاُ سالماً.. آنسة هاموند.
أحفلتها لهجته الساخرة فالتفتت إلى كايس تتوسل إليه بصمت أن يخرجها من هنا قبل أن تذل نفسها إما بالاستسلام إلى الغضب أو إلى الإجهاش بالبكاء.
ابتسم كايس لها.. و هي ابتسامة تبدو للجميع سخيفة ملؤها الخنوع.. لكن أماندا رأت الرسالة في عينيه, و ارتفع ذقنها.. كانت تلك النظرة تقول: أنت ممثلة فابدئي عملك و أظهري لهذا الخنزير المتعجرف حقيقة معدنك!
خلعت المعطف و تركته ينسدل عن كتفيها.. فسارعت أديث بنظرها الثاقب تلتقطه قبل أن يقع أرضاً.. و وقفت أماندا جامدة, و عيناها تنظران مباشرة إلى العينين الذهبيتين الغريبتين.. و لم يظهر شيء مما يعتمل داخلها إلا في ارتعاشة ثغرها الرقيق.
كان فستانها من الحرير الخالص, أحمر اللون يلتف برقة حتى خصرها حيث تنسدل بلطف تنورة طويلة.. كان فستان بسيطاً و أنيقاُ, طويل الأكمام, مستدير الياقة.. بعد ابتعاد المعطف عنها بان طول شعرها الأشقر الشاحب الذي انسدل على كتفيها.
تمتم العملاق الساخر:
_ حسناً .. أنا لم..
و صمت تاركاً فمه يأخذ انحناءة جانبية إلى الأعلى أما عيناه فمرتا بها بمكر.. سبق أن رأت مثل هذه النظرة على وجه سميتي كارتر قبل أن يرمي بثقله عليها.. تنحنح كايس بصوت مرتفع كأنه يذكرها أنه موجود معها
قال الصوت الكريه:
_ كرسي للآنسة هاموند.
و بدأت نبضات أماندا تخفق بعنف.. فجأة عمّت الغرفة الصامتة الحركة فقد هبّ الجميع ليطيع أوامر لوكهارت و كادوا يصطدمون يبعضهم بعضاً و هم يتسارعون.. أما هي و هو فوقفا جامدين لأن شيئاً ما بينهما كان يحدث.. شيئاً قوياً و خطيراً.
كانت نظراتهما متشابكة كأنهما في معركة و لكنها لم ترد الاعتراف بالمعركة.. فما هو الوقت أو المكان المناسبين و لا هو الشخص الذي تريد أماندا أن تتشارك معه مثل هذا التجاذب القوي.
فرش الصبي ذو النظارة السميكة الأرض بورق أبيض, أما الشاب الآخر فتقدم ليضع مقعداُ ذهبي اللون فوقه.. فجأة انكسر التوتر المثير لأن كيفن لوكهارت نقل عينيه من أماندا لينظر بنفاذ صبر إلى المقعد ثم صاح بصوت أجفل الجميع:
_ ليس هذا ! بول, ألم تتعلم شيئاً في السنتين اللتين أمضيتهما معي؟ لا يمكنك حجب الجمال بإجلاسه على عرش ذهبي.. الذوق والتواضع أيها الرجل! و اترك ما تبقى للإضاءة.. الإضاءة!
تمتم المسكين التعس الحظ بول: أجل كيفن.
_ الإضاءة قبل الديكور.. الجمال الطبيعي قبل مساحيق التجميل.. تذكري هذا أديث.. ضعي فراء القط البري من يدك, و ابحثي عما تمشطين بها شعرها.
رمت الفتاة الفراء بشيء من الألوان.. إلا إذا تمكنا من جعلها تتورد مجدداَ.. و هذا ما أشك فيه. فالآنسة هاموند على ما يبدو ليست ممن تتورد وجنتاها خجلاُ بسهولة.
ضحك الجميع ضحكة مصطنعة , أما أماندا فعبست وانشغلت بتهدئة غضبها و قاومت لتحتفظ برباطة جأشها و لتتعامل مع موجة الجاذب غير المتوقعة التي اختبرتها للتو تجاه هذا العملاق الكريه. قالت لنفسها: أنت تبالغين و تستجيبين للعدوانية بسبب ما جرى لك مع كارتر.
_ كارل! الإضاءة الأولى و الثانية و الخامسة, لون وردي ناعم.. الثالثة و الرابعة والسادسة ليلكي شاحب.
التفت إلى أماندا :
_ آنسة هاموند بعدما تنتهين من إعطاء الانطباع بأنك تمثال رخامي , سأكون شاكراُ لك إن جلست على الكرسي لتتمكن أديث من العناية بشعرك.
جاء صوت الفتاة الهادئ قرب أذنها : من هنا آنسة هاموند.
تحركت آلياً إلى الكرسي, أما كيفن فتحرك بنشاط حي و ركّز الكاميرات عليها و ألقى أوامره على الصبي الإضاءة فتغيرت ملامح المكان كلياً.
شعرت بدوار كان سببه صدمة متأخرة ولكن أماندا استجابت للأوامر التي كان كيفن يلقيها من وراء دائرة الأنوار.. سبق أن مرت بعدة تجارب تصوير و استمتعت يبعضها, لكن ما تمر به الآن هو كابوس حقيقي..
أوامر قاسية وترت أعصابها و جعلتها تصرّ على أسنانها, ثم وجدت و يا للهول أنها غير قادرة على الحراك.
تنهد كيفن عندما فشلت في الوقوف كما أراد:
_ ليس هكذا .. ليس هكذا! أنت ممثلة ! ألا تستطيعين التحرك بحسب الأوامر؟ أريدك هادئة جليلة ولا أريد أن تظهري بمظهر التلميذة المذهولة العينين التي توشك على التعرض لمحنة مخيفة !
راقبته عبر دوار ضبابي و هو يمرر يده في شعره البني الأشقر و يشده بإحباط ساخط, ثم دنا منها و قفز إلى المنصة, و وقف يشرف عليها و كأنه وحش ذهبي من الماضي.
بدأ العرق يتفصد من بشرتها, و أحست ببرودته تتسلل إلى ظهرها و تبلل جبينها..
عبثت يداه الكبيرتان بشعرها و هذا ما سمح للخصلات الحريرية بالانزلاق بين أصابعه.. تصلبت أماندا و لكنها تمسكت بسيطرتها على ذاتها.. لن تسمح بالانهيار أمام هذا الرجل ! لن..
_ شعر رائع .. من هو مصفف شعرك؟
_ فنان ذكي.. أليس كذلك ؟ تركيبة الألوان ممتازة.. يصعب على المرء أن يعرف أنه مصبوغ.
ظلت أصابعه في شعرها تدلك جلدة رأسها عندئذ شعرت بأنها ستصرخ.. قالت بصوت جاف لأن فكها لم يسترخِ:
_ كايس.. هل أنت هنا؟
_ أنا هنا حلوتي.. استريحي و اجلسي كالولد العاقل كما قال الرجل.
_ إذن هل تسمح بأن تقول له هذا.. قل لهذا المهرج الأعمى أن يبعد يديه عني!
ارتفع صوتها تدريجياً و ارتفع معه جسمها إذ نهضت من المقعد تريد الابتعاد.
قاطعها كيفن لوكهارت مقطباً:
_ أرجوك عفوك.. أيتها السيدة ؟
صرخت: قلت .. أبعد يديك عني ! أبعدهما !
الذعر الذي شعرت به منذ ساعة في شقة كارتر صدمها الآن بقوة .. ثم تلاشى كل شيء.. فقد أطبق كل شيء من حولها و لفها ظلام من العذاب.
* * *