علي ظهرها ببطءفاخذت عيناه الزرقاوان الثاقبتان تطوفان بطول جسدها الناعم المنحني..
همست بنعومه عندما شاهدت شرارات الخطر تتطاير من عينيه . ومدت يدها تلامس وجهه: فيدل عانقني.
تحركت بقلق بين يديه، تتجاوب مع تصاعد مشاعرها..اه .. هذا لايحصل لها حقا.ز كل هذا حلم.. انها غير مستلقيه تحت الاشجار،بين ذراعي رجل رائع لم تشاهده من قبل ولكنه الرجل الوحيد الذي ترغب فيه.. لم يحدث لها شي كهذا من قبل، او ما يشابهه.. كانت تغرق في الحب.. وتأوهت ثانيه متمسكه بكتفيه العريضتين.
اطلق من مكان غير بعيد مركب ما صفارتين قصيرتين، ولم يكن ذاك الصفير بغيه مقاطعتهما فهما امنين في مكانهما السري هذا علي الجزيره الخضراءالبارده.. لكن فيدل تأوه , ورفع رأسه علي مضض.
متصلب الوجه ، جامد الملامح ثم راحت عيناه تتعقبان وجهها . فرأتا البراءه ، الاثاره والرغبه ... والخوف؟
ابتعد عنها, ومد يده الي سله الطعام يصب لنفسه كوب عصير ..حدقت اورسولا الي ظهره العريض.. ماذا حدث؟ مالخطاء الذي اقترفته؟ هو بكل تاكيد لايعتقد ان ربان المركب شاهدهما؟
اسندت جسمها الي مرفقيها ثم لامست كتفه فوضع الكوب من يده ساكبا بعض العصير علي العشب. قال بصوت لطيف حازم :
-يجب ان نعود .. الوقت متأخر اورسولا.. عندي عشاء عمل..
كانت عيناه طول الوقت مسمرتين علي حانايا قدها الشاب الفتي
-هيا بنا
صرت علي اسنانها وعبست حائره لانها شعرت انها تعرضت للخيانه والنبذ.
رفع لها ذقنها .. وجعلتها ارادته الصلبه السحريه الخطيره تنظر الي عينيه :
لاتغضبي مني جميلتي .. صدقيني.. ليس الوقت مناسبا.
الوقت؟ وهل لديهما وقت اخر؟ غدا الخميس وهو سيغادر باريس في اليوم التالي.
وكأنه قرأ ماتفكر فيه فابتسم، ثم لثم جبهتها .. وقال هامسا في شعرها :
-لدينا وقت العالم كله
لم تقاوم فترنحا وشعرا بالدفء والامتزاج ،والثقه المتبادله بامشاركه.
-اعتقد هذا.
وعاد وجهها الي صدره لا اراديا.. وكانها تود ان تضع الختم علي اتفاق ثمين يدوم مدي الحياه.
وهكذا ظل اليوم ورديا حتي وهما يحزمان كل شئ فوق المركب الصغير. جلست اورسولا في المركب الصغير مغمضه العينين نصف اغماضه بحيث لم تعد تري سوي النور و الظلال والعتمه والحركه،واشعه الشمسالمنتشره فوق البقاع.
كادت الساعه تبلغ السابعه عندما توقفا اخيرا امام شقتها لثم فيدل خدها ، ثم ضحك حين احمر وجهها، وهمس: غدا.
هزت رأسها فاردف انه ات غدا في الثامنه. لدينا وقت العالم كله ..هكذا قال.. انه يحبها.. بالطبع يحبها.
كانت الشقه فارغه، فشعرت بالسرور .ادارت الرديو وغنت مع اغنيه شعبيه.. كان كل شئ حلما تنيره الشمس .. انه افضل ايام حياتها.. وفيما هي تهم بالدخول الي المطبخ شاهدت رساله علي اللوح ، وكاد قلبها يتوقف.
تقول الرساله: ايما في باريس .. اتصلي بها فورا.. وتحت الرساله عنوان فندق انيق ،ورقم غرفه.
ايما هنا .. في باريس .. لماذا؟
ردت ايما بطريقتها المعتاده علي طرف الهاتف الاخر:
-اورسولا.. اين كنت طوال النهار؟ حاولت الاتصال بك
-كنت خارجا .ماذا جري؟حاولت الاتصال بك في لندن
-تعالي الي هنا وساخبرك بما جري.
تنهدت اورسولا:الان؟
-الوقت متاخر.. فلتكن زيارتك غدا في الخامسه بعد الظهر .
واقفلت الخط لكنها كانت مسروره في اليوم التالي.
-ياالهي . تبدين رهيبه.. ماذا دهاك لتاتي بهذا الجينز القذر.. انه عابق برائحه التربنتين.
-جئت مباشره من اللوفر.. كنت ارسم طوال اليوم.
-حسنا..علي هذا كله ان يتوقف
تناولت ايما تريمان سيكاره .. كانتا في شقتها الخاصه، ولم تكن اورسولا تعرف ان لديها المال الكافي لمثل هذا الترف المبالغ.
-ماذا تقصدين بقولك؟اتوقف عن الرسم؟ هذا مستحيل..ساصبح عما قريب رسامه كتب للاطفال.
-كوني ماشئت..انما لن يكون هناك كليه فنون بعد الان كما لن تكونلك باريس ..ما اقوله اورسولا عزيزتي، هو اننا لا نملك المال.
-لا افهمك
-ولا يدهشني هذا..اليست صدمه؟
سحبت زوجه ابيها نفسا عميقا من سيكارتها،فاتجهت عينا اورسولا الي فاخمه هذا الجناح.لاحظت ايما الي اين تتجه افكار اورسولا ، فانفجرت شفتاها الحمراوان عن ضحكه قاسيه:
-لا تظني ان لهذا كله علاقه بي.. اني اقيم هنا مع صديقه قديمه، وهي تدفع النفقات كلها. نحن نقوم بجوله في اوربا.. انها امراءه ثريه.. الم احدثك قط عن كلير كاندليف؟
وقفت بقلق تطفئ السيكاره:
-الان جاء دوري ..اعتقد والداك اني بلهاء، اورسولا. لكنني لن انخدع مرتين.
ردت اورسولا:لا تتحدثي عن ابي بهذه الطريقه؟
اصبحت عينا ايما شريرتين:
-اه يالك من متعجرفه .. اذن حان الوقت لتكتشفي وضع دادي العزيز الثمين.. كان عظيما.. اليس كذلك؟ مثال الرجل الرائع. ولكن هل عرفت ان موسسه الهندسه التي كان يمتلكها كانت تخسر منذ عشر سنوات؟
اتسعت عينا اورسولا دهشه: لا ...
-بلي ..والمنزل الكبير في سواري مرهون .. كان غارقا في الديون حتي هنا
واشارت بيدها الي انفها, فشهقت اورسولا:لا اصدقك..
هزت ايما كتفيها:
-ولماذا تصدقين ؟انا نفسي لم اصدق.صديقيني اه.كانت المظاهر المحدقه به خداعه، ابنه تدرس دراسه خاصه وفي كليه الفنون في باريس وسيارات فخمه وعطلات،ولكنه كان فاشلا عاظيما في عالم التجاره. ان اصبعي هذه تملك عقلا اكبر من عقله.
تقدمت اورسولا من زوجه ابيها، تحدق اليها بغضب:
-توقفي عن هذا كانت السيارات والعطلات لان هذا ما كنت تريدينه انت .. لم يكن الامر هكذا من قبل. كم شركه تحطمت في السنوات الاخيره بسبب الركود الاقتصادي.
تابعت ايما ما تريد قوله ،وليس علي خطوط وجها القاسيه المتحجره اثر للشفقه وقالت بلوم:وبعت البيت والسيارتين ..
-لا يمكنك ذلك
-بلي.. يمكنني.. لقد ذهب كل شئ..وليس ما فيها ما كان يمكن ان يفيدنا ..وقد تمكنت بما بعته من شراء شقه.
لا.. بيتها.. المكان الذي ترعرت فيه.. لم يختف،هكذا بلمحه بصر؟ماذا عن اثاثها المفضل ؟اه ..بل ماذا عن لوحات امها؟ شالت مشدوهه اين؟
-انها شقه في ايسلنغتون لك فيها غرفه.لا تقولي انني لم اقم بواجبي . قرأت الوصيه بامعان كما تعرفين . وقد نصت انه سيوول الي كل شئ مادمت اومن لك مسكنا. هه وياله من مسكن وياله من ميراث
شحب وجه اورسولا :وماذا عن اغراضي الخاصه
-انها اغراضي انا بعت جميع التحف التي لا احتاج اليها وما تبقي رميته في صفيحه الزباله.
كادت اورسولا تتتحب:واللوحات؟
-جاء سمسار اشتراها كلها بثمانين جنيها لانها لوحات عديمه القيمه.
وقفت اورسولا مصدومه .. لقد ولي اخر رباط هش لها مع امها التي لم تعرفها قط .لم تكن اللوحات بذات قيمه ماديه لانها ليست سوي تجارب فنانه مبتدئه .. واستدارت وعينها مغروقتان بالدموع. ولكنها قالت في ثبات :
-لن اعود الي لندن .لقد بنيت صداقات هنا واذا لم استطع تحمل نفقات الكليه سعيت الي العمل.
-بصراحه اورسولا لايهمني الي اين تذهبين .. فلو عدت الي لندن لاضررت الي مشاركه برودي الشقه . اتذكرينه؟ تعرفت اليه عندما جئت الي لندن في الميلاد الماضي ؟انه لذبذ لكنه مفلس.وانت لست من الطراز الذي يعجبه علي اي حال.ولكن بما انني لن اكون موجوده طوال الصيف فقد يفيدك قليلا.. حان وقت النضوج اورسولا.. وقت التعرف الي هذا العالم القاسي الذي عليك مقاتلته لتعيشي.
احتاجت اورسولا الي ما لديها من تصميم وعزم لئلا تستجيب لهذا الهجوم القذر..
-ماذا عن اغراضي الاخري..؟ملابسي كتبي وروسماتي؟
ارتدت ايما عنها بلا اكتراث.
-نقل برودي كومه كبيره من اشياء عديمه القيمه من غرفتك وحملها الي الشقه . قلت له انه طيب القلب. ربما لو نظفت نفسك قليلا ...
-اسمعي قلت انني كنت ارسم طوال اليوم
-اجل ..حسنا عودي الي حيث تريدين . احتاج الي الراحه قبل الخروج هذا المساء. ستعود كلير بعد دقائق ،ولا اظنها ترضي ان تعبق رائحه الغرفه بالطلاء
-صحيح ..لاتقلقي.. انا ذاهبه.
لقد حان الوقت فعلا . واحست اورسولا بالحرمان .. كانت ايما كل ما لديها من عائله.
التقطت زوجه ابيها مجله وقعدت علي كرسي قرب النافذه المفتوحه..
-علي فكره .. سنبقي هنا حتي نهايه الاسبوع .. اعلميني بقرارك فان قررت العوده الي لندن فعلي ان احذر برودي المسكين.
عادت اورسولا الي الشقه سيرا.. تحس بالدوار لقد فقدت كل شئ والده منزلها واغراضها الحميمه والانكي من هذا كله انها خسرت اللوحات التي كانت صله الوصل الوحيدة مع أمها.
كانت الشقه تعج بالناس فشعرت اورسولا بانها بحاجه الي مكان هادئ..الحمام في فوضي ،ولكنها استحمت وغسلت شعرها، بحركات بطيئه اليه. تحاول ان تشعر بالحماسه استعدادا لهذه الليله التي ستكون ليلتها الاخيره مع فيدل .
رن جرس الهاتف وكان المتكلم فيدل الذي قال انه سيتاخر بسبب اجتماع ثم سالها ان كان من الممكن ارسال سياره تقلها اليه في الثامنه؟
ابتسمت لنفسها بقلق:طبعا
-هل انت بخير اورسولا؟
-نعم بخير..لكن الشقه تعج بالساهرين.
ويبدو انه رد سبب حزنها الي حيائها ولكن ماذا يهمه حقا؟ ان علاقتهما مجرد لعبه بالنسبه له فسرعان ما سيبتعد عنها.
ارتدت فستانها وتبرجت وعندما دقت الساعه تعلن انها تمام الثامنه نظرت الي صورتها في المراءه فاعترفت: ليس مظهري سيئا. كان الفستان الناعم المنسدل يبرز لون بشرتها التي لوحتها الشمس، ويحاكي لون عينها الاخضر. ثم ادركت انها لا تريد صعود السائق الي هنا. فهي ترفض ان تظن الفتيات.. تظن ماذا؟ انها وجدت لنفسها راعيا عجوزا ثريا ؟ امسكت حقيبتها وهرعت الي الاسفل وكان من حسن حظها ان التقت بالسائق وهو صاعد الي الشقه ، كان قصيرا، مستديرا.
السياره علي مايبدوا ملكا للموسسه التي يعمل فيها فيدل ، فهي ليموزين. ركبت السياره التي راحت تجتاز الشوارع الفرعيه المهجوره ثم وصلت الي شارع تكتظ فيه البنايات الشاهقه ولكن لم تلبث ان توقفت السياره في شارع جانبي ضيق امام مبني جبار. ترجلت من السياره فأسرع السائق يفتح بابا ضخما محفورا، وادخلها بسرعه الي ردهه صغيره مكسوه الجدران بالخشب المصقول.
قال السائق باللغه الانكليزيه:
-مسيو زاراكوتشي فوق.
وجدت اورسولا نفسها تصعد الي فوق بسرعه صامته..ماهذا المكان بحق الله؟
مانفتح باب المصعد حتي كان فيدل في انتظارها، كان شعره مبللا وكأنه اسرع لتوه من الحمام.أمسك يدها يلثمها في حنان . امسكت اورسولا انفاسها ، فلم يسبق ان لثم يدها احد
- اورسولا.. حبيبتي.. انا اسف علي كل هذا..لقد امضيت نهاري كله في روان ان تلك الاجتماعات لا تنتهي ابدا..ادخلي..لنتناول المثلجات.
اقتادها من ردهه الاستقبال الانيقه الي مكان مذهل هو افضل ما يمكن ان يسمي غرفه جلوس . وكانت علي مستويين ..جزء منها للجلوس وهو مكسو بسجاد ابيض. ثم هناك درجتان منخفضتان تفضيان الي مائده طعام زجاجيه دائريه . رأت نباتات خضراء في كل مكان وهي بلونها الاخضر تتناقض مع المقاعد الجلديه البيضاءومع طاوله القهوه الزجاجيه والكروم .. انه مكان انيق ولكن طابعه رجولي والمميز فيه نسخه من لوحه لموندريان معلقه فوق المدفأه.. لكن ما كان اجمل من هذا كله الابواب الزجاجيه التي تصل الارض بالسقف . اقتادها فيدل الي الخارج ، حيث تقبع حديقه ومسبح صغير
-لا اصدق هذا ..انه جميل
بدا راضيا ودهشا من حماستها واكملت تسأل:
-اهي شقه تابعه للشركه؟
هز راسه ايجابا .. ثم تركها لحظات ليعود وبيده كوبين من العصير. وبدا انه لايريد ان يتحدث عما هو ممل كحديث الشقه.
وقف معها قرب حاجز الشرفه ينظر الي سطوح الابنيه المحيطه والي النهر المتعرج من بعيد:
-فكرت في الخروج للعشاء في مكان مميز.
شاهدت من مكانها برج ايفل الذي يلفه الضباب من حراره و رطوبه النهار،ودخان السيارات ..لمس ذراعها العاريه باصابع خفيفه.. ثم همس وانفاسه دافئه في شعرها واذنها:
-اشتقت اليك..تمنيت طوال النهار لو كان اليوم كيوم امس.. لم ارغب في البقاء بين جدران غرفه الاجتماعات . بل اردت ان اكون معك.
اغمضت اورسولا عينيها واستندت الي جسده الصلب وكتمت انفاسها .
-جميله..جميله .. اتشعرين بما اشعر اورسولا؟ قولي لي ان هذا ليس من وحي الخيال.
اه.. كيف .. كيف ستعيش بعد ان يرحل غدا؟ تصاعدت مشاعرها ولكنها حاولت كبحها وفشلت في ذلك.
امسك رأسها بين يديه، وراحت اصابعه تلامس وجهها فقد لاحظ تساقط اولي قطرات دموعها.
-اورسولا.. صغيرتي.. ما بالك؟ لم استياوك؟
انسلت من بين يديه غاضبه من نفسها بسبب ظهورها بمظهر الطفله الساذجه امامه وهو المعتاد علي النساء الخبيرات مثله وقالت:
-تستخدم الفاظا المانيه كثيرا.
-صحيح ؟ نحن نتكلم في الوطن اللغه الالمانيه والايطاليه ولكنك فعلا كئيبه.
واحتواها بين ذراعيه ، فاهتزت كتفاها بنحيب صامت:
-..اخبيريني
-لا استطيع
-بل تستطيعين.
قادها الي اريكه هي عباره عن ارجوحه تظللها ستاره ملونه وجلسا يتأرجحان بلطف.
اخبرته بكل شئ. اخبرته عن المنزل الذي بيع وعن مسأله التوقف عن كليه الفنون ثم اخبرته بصوت كسير عن لوحات امها التي لن تراها ثانيه.عندما كانت تتحدث راحت يده تلمس شعرها اما انفاسه فكانت عميقه ، بطيئه،وكأنه يفرض الهدوء علي نفسه.. تركها تبكي قدر ما تشاء.ولكنها لم تستطع ان تقول له ان نصف دموعها المنهمره كانت بسببه لانها بعد غد ستكون وحيده..
دقت اجراس الكنائس حولهما. دقت تسع دقات.. ثم استمرت ربع ساعه ونصف ساعه .. واخيرا ساد الهدوء .. وارادت اورسولا ان تمتد هذه اللحظات الي الابد .. لكن فيدل اخبرا ، تحرك الي جانبها ، فاستوت جالسه ، ترجع خصلات شعرها الاشقر الي الوراء وهي لاتعرف ماذا تقول.
مرر اصبعه بخفه علي وجهها: امازلت راغبه في الخروج؟
يالله .. العشاء.. انه بدون شك يتضور جوعا.. ولكنها لم تكن قادره علي مواجهه مطعم انيق قالت تنظر الي منديلها:
- افضل البقاء هنا.
تسللت اصابعه الي ذقنها، يرفع وجهها. عكست العينان الخضروان المتعبتان صوره المها فتجهم وجهه ثم لان:
-ربما هذا قرار غير حكيم ياصغيرتي.
فجأه احست انها لاتريد ان تكون حكيمه، فقالت:
-لا استطيع مواجهه الناس
ولم تكن تعرف ماذا كان يفعل الانكسار في صوتها به.
نبض عرق في خده، ورفعت يدها تهدئه ..فابتسم .. اه.. يالها من ابتسامه.. ثم همس: ساتصل بالمطعم لالغي الحجز.
3-ابقي معي
تلالات المدينه الرماديه الناعمه بالانوار . تقدمت اورسولا الي حاجز الشرفه وهي تسمع فرنسيه فيدل الرائعه وهو يتحدث علي الهاتف.انه رجل كامل حقا،وهو بدون شك يملك مركزا هاما في الشركه والا لما سمح له باستخدام هذه الشقه..
سالها عندما عاد الي الشرفه ووقف قربها:
- اتستطيعين تناول الطعام الان؟ ولكنه سيكون طعاما خفيفا . بيضا مقليا؟
هزت رأسها ايجابا بيد انها لم تستطع الجلوس في الخارج بعيده عنه . دقت الساعه العاشره.ساعتان قصيرتان تفصلانها عن يوم الجمعه..
وهكذا اعد الطعام مما هو موجود في البراد .. وامتلات طاوله الطعام بالسلطه والجبن والفاكهه والبيض المقلي السميك. تناولا الطعام بهدوء.
سألها وهو يقطع خوخه:
-امن الضروري ان تذهبي الي كليه الفنون؟
-لا اريد ذلك من اجل الوظيفه بل من اجل تنميه موهبتي .. والرد اجل قطعا ولكنني استطيع الدراسه بشكل جزئي وسيكون ذلك سببا في اطاله الدراسه ليس الا.
-ومن الضروري البقاء في باريس؟هل هناك استاذ معين ،ربما؟
ابتسمت اورسولا له, وبشرتها الناعمه التي لوحتها الشمس تكاد ان تكون شفافه امام نور مصباح الطاوله ..وقالت:
ان الحياه في باريس تكلف كثيرا، ومن الافضل ان ادرس في لندن.
-ولكنك لا ترغبين في العوده الي شقه زوجه ابيك؟
-اه
ساد صمت متوتر . ثم لم يلبث فيدل تناول القهوه علي الشرفه. وفي هذه المره ،لم يضع سوي ملعقه سكر واحده في فنجانه..غريب.
كان الظلام في الخارج قد اسدل ستارته السودا الحالكه التي لن تدوم سوي ساعات قصيره في مثل هذا الوقت من السنه ..كانت انوار المدينه تحتهما تتلالا وكانها سجاده من الاضواء. وقفا يحتسيان القهوه بصمت يراقبان المنظر ..ثم جلسا علي الارجوحه المزدوجه المقعد .اخذ يتلاعب بأنملها بلطف.ويرفعها الي شفتيه.
اغمضت اورسولا عينهيا ،تحس بالم داخلي.. ارادت ان يعانقها بشكل ملائم .. انها بحاجه يائسه الي حبه.فبيس امامهما سوي ساعات قليلات .لم يقل شيئا عن رويتها ثانيه.. في الواقع بدا وكأنه يختفي داخل نفسه .. هل ندم علي اصطحابها الي هنا؟هل وجد انه لايرغب في التورط؟ تأرجحت بهما الارجوحه بلطف متزامنه مع دقات الحياه النابضه في اعماقها.. بدأت الساعات حولهما تعلن عن منتصف الليل ،فحبست اورسولا انفاسها . لقد بدأ يوم الجمعه.
قال فيدل بهدوء :
-عشت يوما كئيبا ضاغطا وانت بدون شك متعبه .. يجب ان اعيدك الي منزلك.
لم ترد ولكنها ادارت راسها تنظر اليه .بعينين متسائلتين.
-اورسولا .. صغيرتي..لا تنظري الي هكذا..انا احاول..
ارتفعت يده تلامس خدها..فهمست:
-لا اريد الذهاب
-ولا اريد انا ايضا ان تذهبي
-حسن.. اذا؟
-نحن بحاجه الي الكلام .. لم نناقش شيئا حتي الان كما انك لا تعرفين شيئا عني.
سألت بصوت ضعيف:هل انت متزوج؟
بدأ و كأن السوأل ادهشه وسلاه في ان واحد
-لا .. اورسولا ..لا ..لست متزوجا.. اليس الامر عجيبا؟ ..
اجل ..فكيف استطاع الهرب من حبال العديدات ..فجأه غني قلبها فرحا
اردف يقول : لكن .. انظري الي .. كم عمرك ؟واحد وعشرين ؟اثنان وعشرون؟
همست تنظر اليه بسرعه:
-تسعه عشر
شاهدته يغمض عينيه رعبا فأردفت:لكنني سابلغ العشرين بعد اسابيع
-اه
فتح عينيه ثانيه، وعلي شفتيه طيف ابتسامه .
-وهل لهذا فرق؟
انه يضحك منها، واحست بالارتباك .. بدأت الساعات تعلنانها الثانيه عشره وربع ،انها فعلا ساعات غير متزامنه .. فهي تريد من كل ساعات العالم ان تتوقف .. تريد ان تبقي هنا ، في هذه الحديقه مع فيدل الي الابد .. احني رأسه يعانقها ، وتمتم علي شعرها:
- انا في الثالثه و الثلاثين .. الفرق بيننا كبير.
- اتقول اني صغيره؟
لا بل انا اكبر منك بكثير
مررت يدها علي صدره ، فشعرت بقلبه يخفق محاكيا قلبها .. شعرت بالصدمه لانه متأثر عاطفيا ..وهذا ما عطاها الشجاعه لتقول ، بشئ من الاغراء:
- علي ان احكم ان كنت كبيرا ام لا ، في الواقع لا اظنك كبيرا ابدا..
امسك يدها ورفعها الي فمه :الا تظنين هذا؟ حقا؟
ثم احتوتها ذراعاه وتمتمت شفتاه بلطف وهما متعانقان:
-لقد اردتك كثيرا .. اورسولا ..لكنني الان .. الان..
وتلفظ بكلمات المانيه لم تستطع فهما ،ثم ابعدها قليلا عنه ، متنهد تنهيده عميقه ،سألها وهو يمسد شعرها:
-اتريدين البقاء هنا؟
همست تخفي وجهها في كتفه: اجل ارجوك
-اتعرفين ماذا سيحدث ان بقيت هنا؟
هزت رأسها ايجابا.
قوليها لي.
-اجل فيدل .. انا واثقه انني اريد قضاء الليل معك.
ضمها بشغف اليه ثم راح يعانقها ويعانقها بجوع وهيام ولكنه لم يلبث ان تراجع عنها قائلا :
لا ,يجب الا يحدث ذلك.
ثم ابتعد عنها قائلا:اورسولا نامي هنا الليله ولكن لاتتوقعي مني شيئا فانا لااستطيع القضاء علي طهارتك.
وحملها بين ذراعيه الي الداخل.
-لماذا؟ اتخشي ان اطلب منك بعد ذلك الزواج؟ نحن في القرن العشرين وانا راشده.
-ماذا تقصدين؟
لااريد ان تظن انني اتوقع ..
-تتوقعين مني ان اطلب منك الزواج؟
-اجل .. اتري .. لست بحاجه الي هذا حتي وان حدث بيننا شئ.
-بل هناك حاجه ملحه لانني اريد فعلا الزواج بك ورغبتي هذه بدأت منذ الاسبوع الماضي.انت اجمل من الموناليزا .. هل تحبينني؟
شهقت, واطرقت الرأس مغروقه العينين بالدموع فضمها اليه.
-وهل الزواج بي سئ الي هذا الحد؟
-سخيف
-اذن .. ابتسمي لي .. هذا يكفي .. نامي الان وغدا لكل حادث حديث.
استيقظت في الصباح التالي تنظر الي ما حولها بدهشه ولكنها لم تلبث ان تذكرت ما حدث البارحه . نهضت من الفراش واسرعت ترتدي ملابسها ،ثم توجهت الي غرفه الطعام فوجدت فيدل قد اكل حصته. جلست الي المائده تتناول الطعام ثم لما انهت وجبتها قصدت غرفه الجلوس وهناك لفتت انتباهها من جديد اللوحه . انها فعلا تحب فن موندرايان .. وهذه فعلا نسخه رائعه .. ولكن عندما اقتربت منها ادركت مجفله ان اللوحه اصليه لا ولكنها اصليه دخل فيدل الي الغرفه ،فراها مهتمه باللوحه .
قالت له بعينين متعبتين عجبا: انها اصليه.
ضحك: انها احدي نقاط ضعفي.
-ولكنها تساوي..
رد بهدوء جاد وراح يراقبها مفكرا:اعتقد هذا
سحبت نفسا عميقا.
-اخبرني بالظبط لمن تعمل؟ وماهو نوع الشركه التي يمكنه شراء
ديكور فاخر كهذا؟ ماهو هذا المكان بالظبط؟ من انت فيدل؟
-انا .. مصرفي
-اه. تعني انك تعمل بالمال ، هذا يفسر الكثير.
-انا اعمل جاهدا.
-اجل
-جاهدا الي درجه اضطراري الي مغادره باريس بعد الظهر ..ولا سبيل للهرب من السفر حبيبتي.
نظرت اليه من بين اهدابها:اعرف.
مد يده الي جيب سترته واخرج ورقه:- يجب ان اكون في بروكسل .. هذا رقم هاتفي هناك ،ثم هذا رقمي في لندن.
-وهذا رقم روما علي ما اظن.
-صحيح.
دنا منها يضمها مجددا ،واصابعه تعبث بشعرها، ثم همس:
-احبك .. واتمني لك يوما رائعا.
دفنت راسها في قميصه الازرق وردت هامسه ايضا: وهذا ماتمناه لك ايضا.
ابعدها عنه بحزم:
- سأتصل بك يوميا. سأغيب اسبوعا او عشره ايام بعد ذلك سنكون معا..
ثم، وكأنه تذكر شيئا ، فأخرج محفظته : سأترك لك بعض المال.
ارتدت الي الوراء ،وقد راعتها الفكره:لا.
-لكنك قلت ان ايما حبست عنك المال .. ستحتاجين الي المال حبيبتي.
-لا..لا.. انا بخير ..علي ما يرام .. حقا لدي بعض المدخرات ، والشقه مدفوع ايجارها عده اسابيع اخري.
قرر فيدل الا يلح عليها. ثم فجأه قرع جرس الباب وكانت السياره قد زصلت لتقله الي مكان الاجتماع في روان . عانقها بسرعه،ثم تمتم شيئا بالالمانيه..
احست بالخجل وهي ترتدي ثوب السهره في التاسعه صابحا. خاصه وانه السائق نفسه الذي اقلها ليله امس . ولكن وجهه لم يتحرك وهما يخطوان من المصعد في الطابق الارضي ، وقال فيدل بالفرنسيه :
- اود ان اقدم لك السيده زاراكوتشي العتيده.
ارتجفت يد اورسولا ، وتلقت التهنئه من السائق .. وظل فيدل ينظر اليها بفخر .في تلك اللحظات احست انها قريبه منه ولم تكن قادره علي الانتظار لتخبر العالم كله.
ضحكت ايما تريمان بصوت حاقد:
-تتزوجين ؟ انت؟ هذا امر مفاجئ عزيزيتي اورسولا ..؟
-اعتقد هذا
مضي عليهايومان قبل ان تجمع مالديها من شجاعه لتعود الي الفندق.
-منذ متي تعرفينه؟
- منذ وقت غير بعيد.
- اتظنينه ينوي الخير ؟
تحجر وجه اورسولا: ماذا تعنين بكلامك؟
-ايخال نفسه قد وجد وريثه غنيه ،ارسلها دادي الي كليه الفنون في باريس ، لتستمتع قليلا ...؟
كانت اورسولا ترسم طول اليوم في اللوفر وهاهي ماتزال بالجينز نفسه فقالت: اابدو كوريثه؟
سحبت ايما نفسا عميقا من سيكارتها،وجلست في مقعد .. ثم قالت اورسولا:
-ظننتك ستكونين راضيه.. اقصد انكبذلك تتحررين من مسوليتك تجاهي.
-حسنا .. قررت ان يكون لي ركود اقتصادي خاص ..لقد بعت كل شئ بعت الشركه او ما تبقي منها
-انا غير مسووله عنك سوءتزوجت ام بقيت عزباء.الم اوضح ذلك؟
-اوضحته كل الوضوح.
-جيد.. ولكن هذا لايعني انني سأدعك تتزوجينمن شخصك لا يناسبك ابدا . من هو هذا الشاب؟ ماسمه ؟ ما عمله؟ ومن اين هو ؟
-انه ايطالي.
-يالهي . لاتقولي انه عامل ماقهي ايطالي وضيع .. العالم يعج بهم .
لا ، ليس عامل مقهي .. مع العلم انني لا اكترث وان كان كذلك.
ان سحر فيدل لايكمن في مركزه او غناه بل في جرأته وثقته بنفسه وغروره الرجولي الذي يدفعه الي النجاح .. وتابعت في سرعه:
انه رجل اعمال . اسمه فيدل
برقت عينا ايما بخبث ، وكأنها تقوم الموقف من وجهه نظرها . وسألت بصوت ملوه السخريه : فيدل ماذا؟
لماذا التردد
-فيدل زاراكوتشي.
جمد وجهه ايما : زاراكوتشي . اهو من عائله زاراكوتشي؟
ابتلعت ريقا :لا ادري
-ماذا تعنينب لا ادري؟
توجهت ايما الي النافذه،ثم عادت وعلي وجهها العداء، الحقد والذهول والتردد:
-اذا كنت ستتزوجين به فأنت تعرفين.
-اعرف انه يعمل في مصرف ...
قاطعتها زوجه ابيها:
-لا اصدق .. ها انا ذا افتش اوروبا كلها عمن يوفر لي وجبه في مطعم فخم .. وها هو احدهم يهبط في حجرك انت .. لاتقولي لي انك لم تسمعي بعائله زاراكوتشي . انها عائله من اقوي عائلات فيينا في عالم المصارف في اوروبا .كانت كلير صديقتي تتحدث عنهم منذ ايام فهي تملك اسهما في شركه ملاحه في روان ترغب ببناء حوض ضخم لبناء السفن. انه مشروع يحتاج الي ملايين لاحصر لها ، وطلبو من عائله زاركوتشي التمويل. ولقد نشرت الصحف كلها الخبر. الم تقرئيه؟ هناك صوره ايضا ..
تمتمت اورسولا : لا لم اقرأه بل انا لا اقراء الصحف . كان فيدل في روان الاسبوع الماضي
بدأت ايما تضحك بهستيريا وقالت:
-انها مزحه ..لا شك انه شخص يحاول التغرير بك .. يظنك تملكين مالا او يحاول معاشرتك .. اين هو الان ؟ اريد رويته .. اريده ان يعرف انه لن يتزوج ابنه زوجي بهذه السهوله . ثمه شروط محدده.
انها تفكر في مال تجنيه من الامر، ولم تستطع اورسولا ان تصدق .
-لقد تجاوزت الثامنه عشر وهذا يعني انني لا احتاج الي موافقتك.
-ثمه اعتبارت اخري .. قد اخبره عن افلاس والدك وعن اعالتي لك قائله اني انفقت كل ماملكه عليك ..ثم ها انت تكبرين وتنبذينني .. لا اضن ان عائله زاراكوتشي يحبون هذا النوع من الفضائح.
شهقت اورسولا :لن تجروي
-بدأت تقلقين وتخافين ان تخسري تأثيرك فيه ؟
عادت الي الطاوله حيث تركت سيكارتها تشتعل:
-حسن جدا .. ربما انت محقه .. ربما سأنتظر حتي تتزوجي بسلام .. ولكنني سأمهلك سنه واحده فقط .. انت حمقاء اذا ظننت ان فتاه لا شأن لها مثلك قد تسعد اي رجل .
التوي فمها بسخريه حاقده ،ثم اردفت :
-لكن الله وحده يعرف سبب رغبته في الزواج بك .. هل انت حامل منه ؟ ولكن هذا لايشكل فرقا .. فبامكانه بسهوله ان يدبر لك ..
صاحت اورسولا :لست حاملا
لم تظهر الدهشه علي ايما التي طالما اوضحت انها تعتبر اورسولا غبيه وغير جذابه . سألت فجأه :
-كم عمر فيدل زاراكوتشي هذا ؟انه كبير بالنسبه لك؟ولكن يبدو ان لديه شغفا بالفتيات الصغيرات؟
وكان هذا اكثر من ان تطيقه اعصاب اورسولا التي التقطت حقيبتها وهرعت الي الخارج بسرعه.
عادت الي شقتها سيرا ، غاضبه من ايما لحظه، مرتبكه ومششوشه اخري. اخيرا دخلت الي الشقه .. ربما ليس فيدل هو الشخص نفسه اين هو دليل الهاتف ؟ وجدته تحت المقعد ،وفتشت صفحاته ز .. فيينا .. هاهو زاركوتشي .. فيينا .. انه الاسم نفسه.
تنهدت تنهيده عميقه وقعدت علي وساده فوق الارض والشك يسكن قلبها ..اذن هو بالفعل فيدل زاراكوتشي ..فجأه شعرت بالعجز .. فان كان لايمكنها حتي التفكير بكلمه مليونير فاكتفت بكلمه ثري فلماذا يزعج نفسه بها ؟
اتراه يريد الزواج لسبب اخر .. ففي هذا الرجل ماهو خطير . حين كانا معا احست انه رجل متكبر ، وعدواني ، مسيطر ومميز . فكيف تحب شخصا ، وتريد الزواج به ثم في الوقت نفسه تخافه وتحار بأمره ؟
هل ينذرها حدسها ثانيه او ما تشعر به هة التوتر الذي يسبق الزواج عاده .
4- اليوم الذهبي
غاب فيدل اسبوعين كان المناخ خلالهما قد تغير قليلا فتلبد الجو بالغيوم . قضت ايامها في حيره واضطراب اما ليلها فقضته ساهره تحاول معرفه ما اذا كان ما جري حلما . هل طلب رجل كفيدل يدها ؟ايريد حقا الزواج بها؟
اغمضت عينها بشده وتقلبت فوق الوسائد .. ارادت ان تحضنه بقوه . ارادت ان تحس به بين ذراعيها .. ارادت ان تحس بقوته تسيطر عليها وان تحس به يقمع نفسه بقوه ارادته .
كان يتصل معظم الايام . في المره الاولي اتصل من بروكسل ثم من لندن ،وفي الاسبوع التالي اتصل من روما وكان الوقت منتصف الليل تقريبا وقد استطاعت اورسولا سماع صوت موسيقي اتيه من مكان قريب . شعرت انه لايتصل من فندقه .
سألها بهدوء : انت في الفراش ؟
-لا.
لم تستطع ان تقول انها لم تتمكن من النوم قبل ان يتصل .. وقالت:كيف حالك؟
-اشتقت اليك.
كان صوته منخفضا مثيرا منكسرا .. ثم تكلم معه شخص ما ، وكان رده جمله طويله باللغه الايطاليه . فسألته وهي تحاول الا تظهر تطفلها ،فالصوت لانثي:
-اتقيم عند اصدقاء؟
-اتعشي مع اصدقاء .. ولم الحظ الوقت .. كنت انوي ان اتصل بك من شقتي .
ايعني هذا انه لن يعود الليله الي شقته ؟
-امازلت معي اورسولا ؟
-اجل.
-أبك شئ؟
-انا .. متعبه ، هذا كل شئ.
ثم بدا غاضبا من نفسه , وشرح لها انه مسافر الي فيينا في اليوم التالي ثم قال انه لن يتمكن من العوده الي باريس حتي مساء الثلاثاء.
حتي ذلك الوقت الطويل ؟ ثم انخفض صوته متمتما بدعوه حميمه :
-هل ستطهين عشائي؟
نضحت راحتا اورسولا عرقا واخد نبض كليل مخدر يضرب ضرباته المألوفهفي عروقها .
يوم الثلاثاء .. انه بعيد ،بعيد . ودعته متمنيه له ليله سعيده . احتبت اورسولا فوق الاريكه ،منهكه ، تحس تقلصا غريبا في معدتها ..لماذا لم يقل لها من تكون المرأه؟
ثم ، غمرها نوع اخر من القلق وهي تتامل ذلك التغيير الهائل الذي جري في حياتها في الاسابيع القليله الماضيه .. الان هي .. اورسولا التي تنتقد دائما صديقاتها وحياتهن العاطفيه . هل اصبحت ، صدقا ،مختلفه كثيرا ؟
اتصل بها من المطار ليقول لها انه عاد الي باريس ، وان السياره ستصل لتقلها بعد السابعه .. بدا لها علي عجله من امره . صوته ملكا لغريب الذي في داخله والذي لم تلتق به حتي الان . اهي مفرطه الاحساس اكثر من الللازم ؟ ام انه بدأ يغير رأيه ؟
زجرت اورسولا نفسها وكانت تبتسم ابتسامه مشرقه عندما انفتحتابواب المصعد ودخلت الي الشقه.
لكنه لم يكن في الردهه بانتظارها .. بل كان هناك شخص اخر .. شاب في مثل سنها ، يرتدي بذله انيقه ويتحدث هاتفيا باللغه الفرنسيه . التفت ما ان خطت اورسولا الي الردهه ، وابتسم لها ابتسامه سريعه.
لكنه في الواقع كان يصغي الي من يتكلم معه،هز رأسه ، قال اجل ، اجل ، ثم رد مجددا ، وكان غاضبا ، مصرا .. في صوته اكثر من لمسه سلطه .. ثم تكلم عن ستوكهولم وعن بعض الاسهم ... فرفرفت اورسولا عينيها ثم سارت الي غرفه الجلوس المتصاعده منها اصوات كثيره.
كان فيدل هناك ، يستخدم الهاتف الاخر وحول عنقه ربطه غير مستويه . كان حاله كحال الاخر . كان يدلك موخره عنقه ،ويهز رأسه .. لم يشاهدها .. في الغرفه بضع رجال وعلي الطاوله مستندات كثيره وجهاز تسجيل ،اما الجو فمثقل بدخان السكائر .. لم تعرف اورسولا لبرهه ماتفعل ،ثم رفع فيدل رأسه فجأه وشهادها .
ابتسم فخفق قلبها .. ثم اخذ يتحدث بالامانيه ،كان صوته فاترا باردا وخطيرا ولكنه حرك اصبعه يشير اليها ان تتقدم، فجأه وقف الرجال المنكبين علي الاوراق .
همست اورسولا وقد اصبحت قربه :لم اكن اعلم
لف ذراعه حولها واكمل حجيثه هاتفيا ،ثم توقف ليعانقها مشيرا اليها ان تجلس .
قدم لها شخص ما كوب عصير ،وجلست في احد المقاعد الجلديه البيضاء الفاخره ، محاوله الابتعاد عن الطريق .. الان ، وبعد ان عرف زملاوه عن انفسهم رسميا عادوا الي اجتماعهم .
ظهر الرجل الذي كان في الردهه ، ونادي فيدل الذي قطع حديثه وخرج الي الغرفه الاخري ،حيث سمعت نبرته القويه المفعمه بالسلطه.
مضت نصف ساعه ،تلقي خلالها فيدل مكالمات هاتفيه عديده.سمعته يقول ردا علي طلب ما :
-قل لهم اننا لن ندفع اكثر من عشرين مليونا.
انتفضت اورسولا وظلت هادئه ..فالعشرين مليونا .. مبلغ ضخم في جميع العملات.
هذا هو عالم فيدل . ولكنها عندما نظرت الي تنورتها البسيطه والي سترتها القطنيه تساءلت للمره الالف ،لماذا انا ؟
اخيرا غادر الجميع الغرفه ،وعاد فيدل الي غرفه الجلوس ،يمد يده الي اورسولا يقودها الي المكتب كان يجلس اليه. سحب وثيقه امامه والتقط قلما ..
-لم ارغب ان تكتشفي امري بهذه الطريقه ..لكن حدثت مشاكل لم نكن نتوقعها ..
-هذا مافهمته ..ولكن لا يهم لقد عرفت.
-عرفت ؟
وبدا ..ماذا ؟ يشك؟
-من ايما
-اهاه
-ليتك اخبرتني بنفسك.
ترك يدها ودلك موخره عنقه.
-اردت اطلاعك علي الامر ،لكن الامور خرجت عن ارادتنا .
حاول ان يبتسم ،ولكنه لم يفلح ..فتوتر وجهها :
-قلت لك لا حاجه الي ان تطلب يدي . وكنت مستعده لاعطيك ماتريد بدون زواج .
بدا علي فيدل التعب و سأل : اتحاولين قول شئ ما لي؟
ارتدت عنه متوجهه الي ابواب الشرفه ،تفتحها .. فدخان السكائر العابق يشعرها بالضيق.
احست بكل شكوك الايام والمها تضغط عليها :انا لا اعي ما اقول .
-لماذا لاتدخلين الي المطبخ لتطهي لنا العشاء ؟ الم تأت لهذا الغرض .. سأنظف المكان هنا .وبعد ذلك سأستحم.
وقفت اورسولا في المطبخ تفكر ماذا دهاها ؟ هل اساءت التصرف لانها توقعت منه الكثير في لقائهما الثاني . انه حتي الان ورغم رحيل الجميع لم يعانقها . اهو واثق منها الي هذه الدرجه ؟اكان يعامل نساءه جميعهم المعامله ذاتها ؟وماذا عن تلك المرأه في روما؟ ..
تنهدت غاضبه من نفسها ومنه في ان . ثم فتحت البراد ،فارتاعت. ثم راحت تبحث في خزانه المطبخ المليئه بأدوات الطعام ،وفناجين القهوه والشاي ..ولكنها لم تجد طعام .فليس في الخزانه او البراد سوي بيضه واحده وبعض حبوب القهوه .اهذه حياه مليونير مثله ؟ ايعجز حتي عن تنظيم مطبخه؟
عادت غاضبه الي غرفه الجلوس فوجدته هناك جالسا يكتب شيئا ما .اما تنظيف المكان فتركه غير عابئ ،من الواضح انه مازال مشغول البال بشأن الازمه الماليه . الا يعني الطعام له شئا ؟ اليس لديه وقت للتفكير فيه ؟ربما لهذا السبب يريد الزواج بها .. ربما تعب من العوده الي المنزل الذي لا يجده الا خاويا ..رفع رأسه عندما احس بها ، فقالت :
-ليس هناك طعام
مرر يده ببطء علي وجهه : ساطلب طعاما صينيا . اتحبين الطعام الصيني ؟
ثم ضحك بقلق ،ووضع القلم من يده ، ينظر اليها بعينيه الزرقاوين الساحرتين .. كان اسمراره قد ازداد ، وهذا يناسبه اكثر فقالت : الا تريد متابعه العمل ؟
دفع الاوراق جانبا : ليس الان فلينتظر العمل
-كيف كانت لندن ؟فانا لم اذهب الي هناك منذ الميلاد الماضي .
بدا فيدل متكتما وكانه لا يريد التحدث عن لندن.
-عظيمه .. بت هناك ليله واحده ..لقد امطرت.
ابتسم لها كأنه يغير موضوع الحديث
-وامطرت هنا كذلك.
-وفي بروكسل ايضا.
-اذن ، من اين اتيت بهذا الاسمرار ؟
-الاحظت هذا ؟
ضحكت :بالطبع لاحظت.
بدت السعاده عليه :لوحتني شمس روما .
اضفت لكنته الايطاليه علي اللفظ بعدا عذبا ، واحست اورسولا بالاضطراب لانها تذكرت تلك المرأه.
وقف فيدل يداعب ذراعها قليلا .. ثم تمطي قائلا انه بحاجه الي حمام ..خرجت الي الشرفه وهي لا تدري مرغوبا فيها ام لا .
ثم تذكرت زيارتها الاولي الي الشقه ، ولاحظت انها تجلس امام لوحه موندريان بدون ان تلاحظها . اهكذا تجري الامور ؟ ايصبح المرء معتادا علي الترف والثراء ؟ وهل ستعتاد علي سمعه فيدل العالميه ،وكل ما يتعلق به بالطريق ذاتها؟
نزعت سترتها ثم توجهت الي المطبخ وهناك رأته يضع الاكواب في غساله الصحون .. وقفت في الباب تنظر اليه .. تبتسم له ..وعرف . عرف مخاوفها ، وحيرتها .كان كمن يستطيع رويه كل شئ في اعماق نفسها .. وكان هذا مبهجا ،ومخيفا في ان . ابتلعت ريقها وهو يجفف يديه ويرمي المنشفه علي الرف .
تقدم ليمسك بكلتا يديها ،يضمها اليه ويطبع قبله علي شعرها :
-لست جائعا .. وانت ؟ اتريدين ان اطلب الطعام ؟
همست مغمضه عينيها ،تحس بجسدها يستيقظ امام اثاره خطيره :لست جائعه في الواقع
تمتم :انتظرت هذا اليوم بفارغ الصبر.
مالت اليه ،تغرق في ظلمه احاسيسها .. تعقد ذراعيها وراء عنقه ..
تزوج فيدل واورسولا في باريس في نهايه شهر تموز ، وقد اخرا الزواج فتره بسيطه لان فيدل رغبا في ان يقضيا اسبوعا كاملا كشهر عسل .. وقال لها : سيكون لنا شهر عسل اخر .
اما الشهر الذي سبق زواجهما فكان مجنونا ولم تكد تراه فيه .
انتقلت اورسولا لتعيش في شقته في هذا الشهر وكانت فتره رائعه للتكيف فهي بحاجه الي هذا التكيف لتعتاد علي فكره الانضمام الي عائله صيتها ذائع في انحاء اوروبا كلها .
كان فيدل ياتي بسرعه ويذهب بسرعه ، وهكذا قضت ايامها في وحده.
كان حفل زفافهما مدنيا وبسيطا وعندما سألها فيدل عما اذا كانت تفضل احتفالا في كنيسه كبيره .. تحضره عائلته وحشد كبير من الناس قالت انه تفضله بسيطا . والسبب بكل بساطه انها غير جاهزه لمواجهه عائلته.
حدثها عن عائلته : امه الارمله نمساويه وهي تعيش في فيينا . فيالواقع ، بدا ان كل افراد العائله نمساويين حتي دفع بهم تغيير الحدودالي ايطاليا .. كان منزل العائله في بلده دولوميت وقال لها انها ستحبه ..ففيه بحيره كبيره .ولكنه لم يضف شيئا اخر ،ثم قال انه من هناك يدير المكاتب في ميلانو وروما.
قدمت ايما من نيس لحضور الزفاف برفقه رجل . قالت لها: في الواقع سنكون جيران.
احست اورسولا ان زوجه ابيها تنوي البقاء في نيس فتره.
وكان يوم العرس حار ارتدت فيه اورسولا ثوبا حريريا بسيطا فيه ورود صغيره زرقاء وخضراء اشترته من غاليري لافاييت الضخم الموثر وما سهل لها ذلك ، المبلغ الضخم الذي وضعه فيدل في حسابها المصرفي، لقد قال لها:
-انه من الملائم ان يكون لك السبيل الي مالنا.
حاولت الاحتجاج فمازالت تستغرب فكره اخذ المال منه .ويبدو ان مشاعرها ظهرت علي وجهها لانه بدا ضجرا من الموضوع واضاف :
-ساغيب عنك كثيرا يا ارسولا.. وهذا يعني ان من المنطقي ان تسددي فواتيري بنفسك في اثناء غيابي واعلمي ان ذلك سيدفع عني بعض الضغط.
وهكذا اشترت الفستان ومايحتاج اليه من اكسسورات . عندما شهدها ذلك الصباح نظرت الي عينيه وماشهادته فيهما كان يساوي كل شكوكها مجتمعه.
همس حين جاءت السياره لتقلهما الي مكان الزفاف :
-تبدين جميله..
ودت اورسولا لو يطول هذا اليوم الذهبي الي الابد. لكنه لم يدم اذ انهت المراسم بسرعه ، وخرجا ثانيه الي حيث الشمس المشرقه . في الخارج لاحظت اورسولا شخصا ما يصورهما بكاميرا متطوره وقرب هذا الشخص مراسلتان تحملان اوراقا سألتها احداهما بالانكليزيه عما اذا كانت صنعت الفستان بنفسها فسارع فيدل بدفع عروسه الجديده الي داخل السياره قبل ان ترد .. واتسعت عيناها الخضراوان دهشه وغضبا :
-أسمعت ما قالت ؟ ايبدو انني صنعت الفستان بنفسي ؟ لو تعلم كم ثمنه ..
ضحك فيدل بلطف ،يلف ذراعه حولها :
-لاتنسي انهم يعرفون انك طالبه فنون .. وربما ظنوا انك تدرسين تصميم الازياء .
-لكن كيف عرفوا انني طالبه فنون ؟ ولماذا يهتمون بهذا ؟
بدت الحيره والجد علي تعبير وجهه فرفع يدها يلثما ولكنه ظل صامتا .
تنهدت اورسولا تنهيده طويله ثم شقا طريقهما الي الفندق لحضور حفل الاستقبال بمناسبه زفافهما .. هل ستكون حياتها دائما غنيه بمثل هذه المفاجات ؟ جلست صامته تحدق الي ماهو امام رأس السائق ..
بات كل شي مختلفا .. ذهب الطيش وجاء وقت الحقيقه . تري هل ستكتشف قريبا نوع الرجل الذي تزوجت به؟
5-صديقه وعشيقه
كانت قمم الجبال المكسوه بالثلج مظلله بأشعه الغروب الحمراء. هكذا بدت القمم في الطائره النافثه الخاصه الصغيره .. تطلعت اورسولا بذهول الي الجوهره الزرقاء الرائعه . انها اروع بحيره تراها . تابعت الطائره هبوطها ،واصبح المنظر اروع الان ،فحول البحيره ارتفعت الجبال . كان هناك قريه صغيره رائعه .
قالت من بين انفاسها:انها جميله.
فقد حدثت امور كثيره منذ زفافها في الصباح .. ولم تكن لتصدق ان من الممكن ان يقوم الانسان بهذا كله في يوم واحد .
قاما برحله جويه الي انسبروك وجدت طائره نفاثه خاصه تنتظرهما لتقلهما شمالا فوق برينر في ايطاليا ... وها هما الان في دولوميت وفوق بحيره فيرنو المرتفعه.
تساءلت اورسولا اين ستحط الطائره . ثم نظرت من فوق كتف الطيار ، فشاهدت منبسطا من الارض الي جانب البلده .. وهناك نهر .. وملعب غولف .. طافت الطائره الان فوق اسطح المنازل ..
كان امامهما مباشره مدرجا . راحت الطائره تحط ببطء علي المدرج . وجدت بانتظارهم سياره وهذا امر متوقع ولكن مالم تكن تتوقعه هو ان تقلهما السياره الي مرفأ صغير حيث يقبع فيه مركب سريع .
-لا اصدق هذا . اتعني انك تعيش هنا؟
واشارت الي البحيره التي تقبع في وسطها بقعه خضراء هي جزيره صغيره بين المياه الزرقاء
انتسم فيدل : انها مفاجأه.
-مفاجأه
اردت ان تحضنه .. ولكن ، ايتوقع فيدل زاراكوتشي مثل هذا التصرف من زوجته في العلن ؟ وكان ان تراجعت وعندما ساعدها علي الصعود الي المركب لم تفعل سوي الضغط علي اصابعه .. بدا لها هذا كافيا ، فقد التقطت عيناه الزرقاوان عينيها في لحظه سحريه ، خاصه بهما.
قال وهو يمرر اصابعه علي وجنتها :
- انت متعبه .. كان يوما طويلا .. ولكنني كنت مظطرا للعوده بك رأسا الي هنا.
انطلق المركب بهما .. فجأه احست اورسولا انها انتزعت من عالم الواقع . وابتعدت عن البلده الصغيره بمقاهيها وفنادقها الملونه ، واصبحت علي مقربه من الجزيره الخضراء البارده . احست انها عالقه ما بين حياتها القديمه وحياتها التي تلوح امامها ... شعرت برغبه في الوثب من المركب لتس
لتسبح الي الشاطئ .. ولكنها لا تجيد السباحه