استيقظت على صوت المنبه الذي يوقظها كل يوم حتى تقوم بواجباتها كأم و استاذة في جامعة مانهاتن.. لذلك تفيق مع اول خيوط الفجر تجهز الافطار لفيكتوريا و فيكي و من ثم تتجه الى حجرتيهما لتوقظهما
- " حبيبي فيكي هيا استيقظ "
شاح بوجهه عنها واضعا الوسادة فوق رأسه يحجب النور عن عينيه لكنها جرت الوسادة و اخذت تدغدغ خاصرته كان يصرخ و يضحك و بعدها استسلم
- " ها انا استيقظ اذهبي الان .. ابتعدي عني .. ماما.. توقفي ... اسيقظت كليا .. كليا .."\
كم تهوى ان تجعله يغضب و من ثم تجعله يبتسم لها بإذعان .. انه يشبه والده بتصرفاته و شكله فكلما تحاول ان تنسى صورة جيمي ياتي فيكتور ليذكرها به فيشتعل الحزن بصدرها من جديد .. طيلة العشر سنوات لم تتمكن من نسيانه ...
دخلت حجرة فيكتوريا لتجدها نائمة كالطفلة البريئة .. قبلت وجنتها برقة و همست في اذنيها
- " استيقظي يا حبيبتي .. يوم جديد حافل امامك "
فتحت عينيها بتثاقل و ابتسمت بصعوبة
- " صباح الخير .."
و كم تحب رقة فيكتوريا التي تذكرها بطفولتها و مراهقتها .. انها تعيش قصة حب كما عاشت هي مع جيمي عندما كانا صغارا و تلك الصور التي قلبتها بالامس زادت لوعت الفراق .. و كل شيء لايزال يذكرها به حتى عندما تتذكر نفسها تشمله بالذكرى ...
و في المطبخ جلست معهم لتناول الافطار عندما قالت فيكتوريا باعتراض
- " امي .. ماذا اخبرتك اخر مرة عن استيقاظك في الصباح الباكر .. خاصة و انت في اجازة للراحة "
- " لكنني مرتاحة يا حلوتي لا عليك "
- " قلت لك باني اضع منبه كل يوم لي و لفيكي "
- "و تمنعيني من متعة ايقاظكما كل صباح و التبسم بوجهكما ؟ "
- "لا احد يمنعك .. لكن ليس في فترة اجازتك .. عندما تعودين للعمل يمكنك ايقاضنا "
- " لا استطيع ان انام .. لقد اعتدت على هذا الايقاع "
- " لكن .."
قاطعتها و هي تقبل رأسها
- " لا تكثري الحديث يا فيكتوريا .. هيا انهي طبقك.. سابدل ثيابي لاخذكما الى المدرسة "
توقف فيكي عن الاكل و ناد والدته قبل ان تصعد الدرج
- " سأذهب بدراجتي مع أصدقائي .. ماما "
- " و انا كذلك .. سيمر براد ليأخذني "
عادت الى المطبخ و في وجهها خيبة امل فهي تحب ان تصطحبهما بنفسها كما تفعل على الاغلب لكن مادام يسعد ذلك ابناءها فسيسعدها بالطبع
- " هل لبراد رخصة قيادة ؟ "
- " بالطبع يا امي .. انني انتظر عيد ميلادي حتى اخرج رخصتي "
- " لا لن تفعلي .. ليس قبل دخولك الجامعة "
- " جدي لن يمانع .."
- " لا علي من جدك .. انا والدتك "
- " اه لقد نسيت .. لكنك انت من اخبرتيني بأنك اختي الكبيرة "
- " فقط في الاماكن العامة .. لكن ليس بالمنزل "
لا تستطيع كبح ضحكة لتعليق فيكتوريا .. فهي تفعل ذلك بالحقيقة ..
صوت بوق سيارة براد في الخارج نبهت فيكتوريا لانهاء ما تبقى من طبقها ثم اسرعت و قبلت والدتها و جذبت من يدها علبة الغداء
- " يجب ان تتوقفي عن اعداد الغداء لي ..."
- " ل.."
- " االى اللقاء ماما "
خرجت و قفزت داخل السيارة المستانغ المكشوفة .. و ذلك الفتى الذي ابتسم بإفتتان عندما رأى فتاته تقفز بسيارته الرياضية .. سعدت سارا لهذا المنظر البريء الذي يجب ان يبقى على براءته و ان لا يخطآن مثلها .. صاحت بهم تودعهم
- " لا تسرع يا براد .. و لا تتأخري بالعودة .. إلى اللقاء .."
استدارت ناحية فيكي
- " و أنت يا شقي الم تتاخر عن المدرسة "
- " لا .."
- " هيا اسرع .."
- " اعرف يا ماما باننا نعيش في عصر السرعة بالأخص انت .. لكنني ضد هذا المبدأ .. ارى من الحكمة يا امي العزيزة هو التريث و اخذ متسع الوقت للراحة و من ثم الذهاب الى أي مكان وقتما نشاء "
لا تعرف هل تضحك ام تصرخ بوجهه لكنها قررت ان ... تركض خلفه و تقبله كالمعتاد .. و الشيء الذي يزعجه كثيرا لكنه يبهجها .. فتح الباب و خرج لكنها تبعته الى الخارج ناسية بانها ترتدي قميص نوم خفيف فوقه كمشير مفتوح و أخف منه
- " فيكي .. فيكتور ماثيو بروكس .. توقف "
رجع الى الخلف بإذعان فلقد نادته باسمه الكامل و عندما تناديه باسمه الاوسط .. تناول كيس الغداء من يدها
- " لا تعدي لي الغداء .. لن آكله و سيرجع الى البراد حيث يجب ان يكون "
- " بل ستأكله و إلا أكلتك و أقبلك الآن إمام أصدقائك "
- " حسنا حسنا كل شيء إلا ذلك الشيء "
يقصد التقبيل الذي يعتبره أكثر الأمور إحراجا بالنسبة له .. قاد دراجته منطلقا مع اصدقائة الى المدرسة ..وقفت ترقبهم حتى تواروا عن انظارها عندها استدارت لتدخل المنزل لكن الصوت خلفها اوقفها في مكانها بلا حراك
- " صباح جميل ... "
استدرات لتنظر اليه بإحراج فملابسها و منظرها غير ملائم لان يقابلها جارها تود الذي يعتبر اشهر رجل في المنطقة و أوسمهم و نقطة ضعفه النساء الجميلات .. التي تعتبر سارا احداهن في نظره
تصاعد الدم الى وجنتيها و هي تجيبه بسرعة حتى تنهي من هذا الاحراج فتدخل الى المنزل
- " صباح الخير تود .. "
أشاحت عنه و فتحت الباب مجددا لكنه خلل يده عبر فتحة الباب قبل ان تغلقه كان ينظر اليها و ابتسامة افتتان على وجهه و عيناه الواسعتين تلمعان بإعجاب
- " اتساءل اين الشمس اليوم ؟ "
استغربت سؤاله فهل هذا نوع جديد من الغزل ؟!
- " ها ؟!!"
- " لابد انها غارت منك ... و على الرغم من انها غائبة إلا ان نورك اشرق اليوم .. و صدقيني انني افضلك على الشمس "
اجبرها كلامه المعسول على الابتسام و القهقهة ..
- " من اين تاتي بهذا الكلام يا تود ؟ "
- " انها الحقيقة "
- " على اية حال اشكرك .. يتوجب علي ان اذهب .. "
- " توقفي يا سارا و دعينا نتحدث قليلا "
- " لكن .."
- " حسنا اقبلي دعوتي على العشاء و اتركك تذهبين الان .. ارى انه من الافضل لك خاصة و ان وجهك قد تقلب الى اللون الاحمر "
تعليقه الاخير زاد تورد خديها فهي واقفة امامه شبه عارية بقميص نوم خفيف يغطيه كمشير اخف منه مفتوح .. و لا شعوريا لفت جسدها به تحاول ان تخفي ما استطاعت من جسدها خاصة و ان نظراته تلتهمها
- " اخبرتك برأيي مرار يا تود .. و انت تعرف ذلك جيدا "
- " لا تكبري الامور .. كل ما اريده هو ساعة او ساعتين من وقتك "
- " تود ..انا لا استطيع .. الابناء ...."
- " يستطيعون ان يأتيا معنا .. هيا يا سارا اقبلي دعوتي هذه المرة .. لن تندمي .. اوعدك بأنني لن أتصرف بطريقة غير مناسبة .. مجرد جاران يتناولون العشاء"
إن تود معروف بالمنطقة فهو قد خرج مع كل النساء هنا تقريبا و كان يتركهن في اليوم التالي بعد خروجه معهن .. فهو دون خوان .. ارادت ان تعتذر منه بطريقة لبقة لكنه لم يترك لها المجال...
- " لا اعرف ماذا اقول لك ؟ "
- " قولي بأنك موافقة .. أعطني فرصة لأبرهن لك عكس الإشاعات التي تطلق علي "
- " لكنها إشاعات تصدق احيانا"
- " لا تحكمي علي من الإشاعات يا سارا.. ماذا قلت ؟!"
- " حسنا .. موافقة "
اشرق وجهه بابتسامة كبيرة جمعت الخطوط حول عينيه .. انه فعلا وسيم جدا لا عجب بأنه زير نساء ...
- " سأصطحبك اذا غدا في التاسعة.. "
- " جيد يناسبني ذلك .. هل استطيع ان اذهب الان ؟"
- " اتريدين الافلات مني بهذه السرعة ؟ "
- " لا لم اقصد ذلك "
- " اعرف ما قصدتي .. اسمح لك بالذهاب .. لكن لا تخرجي بتلك الثياب مرة اخرى.. حتى لا تذوبي الرجال .. اظهري رحمة من قبلك "
عاد التورد الى وجنتيها دفعته برقة الى الخلف
- " آسفة لانني سأغلق الباب .. الى اللقاء "
اغلقت الباب و بقي هو واقفا يحدق فيه لفترة ثم ابتعد الى حيث سيارته و انطلق بها .. انه رجل رائع على عكس الاشاعات .. كما ان له وسامة و رجولة طاغية متمركزة في ملامح وجهه الحادة و جسده الرياضي العريض الذي يجعل النساء تتهافت عليه من كل الاجناب .. نقطة ضعفة النساء .. يلاحقهن .. به مرض عضال اسمة ( الحسناوات ) ... كل يوم له امرأة .. و من ذلك الكلام ..
هي لا تريد ان تعطيه المجال لان يتمتع بها في يوم ثم يتركها في اليوم التالي خاصة و انها لا تريد ان تخسر الجيرة بينهما فهو جار رائع على الرغم من نظراته الفاحصة لها .. و بالاضافة الى ذلك هي لم تخرج في مواعيد مع رجال في السابق الا جيمس فهو الرجل الوحيد الذي خرجت معه و هو الرجل الوحيد الذي كسب حبها فهي لا تتوقع ان تبدأ قصة حب مع شخص آخر بينما حبها أزلي لجيمس بروكس و مهما حاولت لن تستطيع ان تسيطر على هذا الحب الذي لايزال يلاحقها طيلة العشر سنوات .. لذلك سيكون من الصعب عليها ان ترتاح في موعد مع تود فال الذي لم يكف عن طلب الخروج معها .. لقد اعتمد كل الطرق الملتوية لان يصل الى مراده و ها قد حصل عليه ..
دخلت المنزل و قامت بترتيبه و تنظيفه ثم صعدت الى حجرة فيكي و فيكتوريا و قامت بتنظيفهما و تغير الملاءات ... و بعد ساعتين و نصف كانت قد أنهت كل شيء فاتجهت الى الحمام حتى تستحم و تستعيد نشاطها من جديد ..
وقفت أمام المرآة تنظر الى الجرح الملفوف بشاش أبيض تأملته و قد ملأت الحسرة صدرها فتنهدت بعمق ..رأته و قد تلطخ بدمها الاحمر هذا كله بسبب الحركة الزائدة التي قامت بها اليوم و قد نهاها الطبيب عن أي مجهود بدني و كل ما فعلته هي مخالفة اوامر الطبيب و اوامر فيكتوريا ..
جلست في حوض الاستحمام البارد لتنتعش قليلا و توقف الدم عن الخروج بعدها غيرت الضمادة ثم ارتدت جينز و قميص أبيض ضيق يلتصق بجسدها ليظهر نحافة خصرها و رشاقتها فتحت اول ثلاث أزرار ثم ربطت شعرها البني المبلل بهيئة ذيل الحصان ليعطيها منظر الفتاة الصغيرة .. و اردت قرطين فضيين صغيرين لكنهما يبرقان كلما تحركت .. اكملت لباسها العملي الانيق بحذاء بلا كعب يناسب مظهرها .. و كعادتها حجبت جمال عينيها الواسعتين بنظارة سوداء لكنها مع ذلك لم تتردد بوضع احمر شفاه له فاتح كلون شفتيها لكنه اضفى عليها لمعانا مثير ..
دخلت المطبخ و كتبت ملاحظة صغيرة ( قد اتاخر .. الغداء في الفرن .. احبكما ) علقتها على البراد ثم اخذت مفاتيح السيارة و انطلقت بها ..
ركنت سيارتها ثم ترجلت منها بخفة .. صعدت الدرجات و هي تعي بأن العيون تتلافت حولها منهما المتعجب و منه المفتتن بجمالها .. و هذا ما جعلها تصمد و تصر على ان تبقى شابة مدى الحياة ..
اقتربت منها احدى الفتيات التي يبدو عليهن المثابرة و الاستكانة ..
- " بروفيسور مولر .. هل عدت الى العمل ؟ "
ابتسمت لها قائلة
- " ليس بعد .."
- " اتمنى ان تعودي في اقرب وقت .."
- " و انا كذلك .. اشكرك "
ابتعدت عنها و هي تلوح لها بيدها و ابتسامة مشرقة على وجهها ..تأمل بعد ان وقفت امام الباب الذي كتب عليه ( مكتب المدير مايكل كهان ) ان يقبل بعرضها .. قبل ان تمد يدها لتطرق الباب التفتت ما ان سمعت صوت المنادي خلفها
- " سارا مولر .. بروفيسور .. "
- " سيد كهان .. مرحبا .. كنت .."
- " تفضلي سيدة مولر "
فتح لها باب المكتب لتدخل جلس امامها ينظر اليها بابتسامة
- " كيف حالك يا سارا؟ "
- " على احسن ما يرام يا سيدي كما ترى "
- " ارى بانك فقدت وزنا .. فهل هذا يدل على انك على ما يرام ؟"
- " بالطبع .. "
- " لم انت هنا يا سارا ؟ "
فركت يدها بالاخرى فهي دائما تتوتر امام هذا الرجل الأصلع دون ان تعرف السبب فهو له شخصية غريبة جدا و صعب الارضاء و حاد الطبع
- " كنت اود .. اعني .. اتمنى ان .. اريد ان اعود الى العمل "
لم تتغير ملامح وجهه بل حك رأسه الخالي من الشعر و كانه يفكر بقضية يصعب حلها
- " اين التقرير الطبي الذي يسمح بعودتك الى العمل ؟ "
اخفت خيبة املها بابتسامة مصطنعة
- " ليس لدي تقرير طبي سيد كهان .. لكني أؤكد لك بأني استطيع ان ازاول عملي بشكل طبيعي و على أحسن وجه "
- " آسف يا سارا .. انت تعرفين القوانين هنا جيدا "
- " لكن..."
- " اسف مرة اخرى اعذريني لا استطيع مساعدتك .. احضري لي تقريرا طبي يسمح لك بالعودة الى العمل و سأقبل بأسرع وقت .. انا اهتم بتلك الامور و هي من الاساسيات هذا قانون الجامعة بل انه قانون جميع الجهات .. اعتقد بانك تعرفين ذلك جيدا "
- " حسنا سيد كهان دعني اعمل ليومين لاثبت لك بأني فعلا بخير و ان لم يعجبك الامر تستطيع ان توقفني عن العمل "
- " سارا هل ينبغي لي ان اعيد كلامي مجددا "
- " لا يا سيدي .. اقبل عرضي "
- " اسف "
- " لا مجال في تغير رأيك ؟ "
- " ابدا .. انت اكثر واحدة تعرف بأني لا اغير رأيي خاصة فيما يتعلق بهذه المواضيع "
- " ابدا ابدا .."
- " لا محالة .. "
خيبة امل حادة لكنها مع ذلك وقفت و صافحت السيدة كهان بكل كبرياء
- " حسنا سيد كهان .. سأعود قريبا مع التقرير الطبي الذي تريده "
- "هذا جيد .. فرصة سعيدة لان اقابلك مجددا "
- " و انا كذلك "
- " اراك قريبا اذا "
- " كن متأكدا .. الى اللقاء "
خرجت من كمتبة و في رأسها فكرة اخرى و امل آخر .. فانطلقت بسيارتها و هي تفكر بخطاب تلقيه قد يغير من أراء مرؤسيها .. ترجلت من سيارتها و سارت بخطى واثقة تعيد الخطاب الذي اعدته قبل قليل في السيارة .. ابتسم لها المارون بالقرب منها و حياها آخرون .. جذبت أنظارهم بأناقتها المعتادة و تصفيفة شعرها .. ملأت أرجاء الممرات برائحتها العطرة فأذابت بذلك قلوب الرجال ..و سارت غير مكترثة بنظراتهم حتى توقفت عند الباب الكبير وطرقت بتهذيب ثم فتحته و ألقت نظرة على المرآة السمراء الجالسة خلف المكتب تتحدث على الهاتف و تكتب أشياء على الاوراق التي امامها .. رفعت بصرها الى حيث تقف سارا و ابتسمت و اشارت لها بالدخول و ما هي الا لحظات حتى أغلقت السماعة و نظرت اليها
- " اهلا سارا.. ما الذي جاء بك الى هنا ؟"
نسيت الخطاب الذي اعدته و ألقت بقنبلتها و رجائها
- " الملل .. كلوديا ساعديني لا استطيع البقاء بالمنزل دون عمل اقوم به .. صدقيني سأجن"
- " لكن يا سارا لم يمر اسبوعان على العملية التي اجريتها .. "
- " انني على احسن حال كما ترين "
- " بالفعل أراك قوية ..على الرغم من انك تبدين ضعيفة.. لكن ذلك لا يمنع ان تأخذي قسط من الراحة .. هذه أوامر الطبيب و هو ادرى "
- " أعرف ذلك .. لكن عودتي للعمل لن تؤثر .. بل انها افضل من ان ابقى في المنزل و اقوم بالترتيب و التنظيف في كل مرة اشعر بها بالضجر خاصة و ان الاطفال لا اراهما الا وقت العشاء ففي اغلب الاوقات اكون وحدي و لا شيء يسليني غير العمل .."
تنهدت كلوديا و اخذت تلعب بخصلات شعرها الاسود الطويل و هي تفكر فهي بالفعل تحتاج الى سارا خاصة مع تكدس الاعمال عليها
- " حسنا موافقة .."
صفقت سارا بيدها سعيدة بموافقتها عانقت صديقتها بقوة كادت تكسر ضلوعها
- " لكن .. سارا .."
- " ماذا يا عزيزتي ؟ "
ابتعدت عنها و هي تعدل من هندامها
- " عمل مكتب فقط لا غير .. أي لن تتحركي كثيرا .."
- " يناسبني ذلك "
- " حسنا اذا اهلا بعودتك عزيزتي الى العمل "
- " اه كم احبك "
قبلت صديقتها و خرجت الى حيث باقي الموظفين يعملون بانشغال تام وقفت و تكلمت بأعلى صوت لديها
- " لقد عدت .. الان سيبدأ العمل الحقيقي يا اصدقاء .."
ترك الجميع ما بيدهم و اقتربوا من سارا يهنئونها بعودتها محدثين جلبة عارمة تعبر عن فرحتهم بالعمل معها مجددا فهي مثابرة و تحب العمل الذي تقوم به فهي منسقة و مستشارة لكلوديا رئيسة المنظمة النسائية لمساعدة الفقراء و المحتاجين .. لقد تطوعت للعمل معهم لانها كانت بحاجة الى العمل خاصة بعد الضغوطات التي تعرضت لها و هذا لانها تريد الاعتماد على نفسها دون الحاجة الى نقود والدها الذي اصر لان يساعدها في كل الامور بالاخص في تكملة دراستها الجامعية و حصولها على الماجستير و الدكتوراة في مادة الاحصاء حيث اصبح عملها الاول و الذي تعتمد عليه في حياتها و مع ذلك لم تترك وظيفتها كمنسقة عامة للمنظمة النسائية فبفضلها اصبح لها هدف للعيش و اكمال مسيرتها و كما استطاعت ان تنسق الاعمال في المنظمة استطاعت ان تنسق حياتها بين المنزل و الجامعة و المنظمة .. وبغضون سنتين ترقت و اصبحت الساعد الايمن لكلوديا و اصبحت من افضل صديقاتها و هذا بجهدها المتواصل .. بل انها تقوم بكل شيء بنفسها الامر الذي يريح به الآخرون خاصة كلوديا التي تعتمد عليها اعتماد كلي و هذا ما جعل المنظمة النسائية تكبر و يذيع صيتها في انحاء الولايات كلها..
قررت بعد هذا اليوم السعيد ان تصطحب فيكي و فيكتوريا لتناول وجبة الغداء في الخارج يحتفلون بعودة والدتهم الى العمل في اللجنة النسائية الذي لطالما احبته على الرغم من انه لا يدخل لها الكثير و لا يساعد في سداد الفواتير لكنه يبقى عمل انساني تسعد بمكافآته المعنوية و الذي تعتبره افضل بكثير من المادة
نزلت من السيارة و وقفت تنتظر فيكي عندما اقترب منها احد الاباء
- " مرحبا سيدة مولر كيف حالك ؟ "
- " اهلا .. انا بخير .."
- " لابد انك لم تتعرفي علي .. انا والد نورا صديقة ابنك فيكي "
- " مرحبا .. تشرفت بمعرفتك.. كيف عرفت بأنني والدة فيكي ؟! "
- " كما قلت لك انت لم تتعرفي علي .. لكني سأوفر عليك العناء .. انا هنري بيلد صديق جيمي في الثانوية "
توترت ما ان ذكر اسم جيمي وضعت يدها على فمها فهذا شيء اخر غير الصور يذكرها بزوجها و عشيقها .. ابعدت الفكرة المشئومة من رأسها و ابتسمت بسعادة لان هذا الرجل كان يوم ما زميل لها في الثانوية
- " نعم نعم تذكرتك .. كيف حالك ؟ "
- " بخير شكرا لسؤالك .. كيف حال جيمي ؟ لم اسمع عنه منذ فترة طويلة لقد قابلته اخر مرة في احدى المعارض و ذلك قبل سنوات .. و اخبرني بأنه متزوج منك و له طفلان و اليوم تصبح ابنتي الصغيرة زميلة لابنكما "
اضطرب كيانها كله فكل ما ارادت ان تبعد جيمي عن رأسها لا تستطيع لان كل شيء حولها يذكرها به اغمضت عينيها حتى لا تنزل دمعتها فينتبه هذا الرجل لمعاناتها تمنت ان يسحب الكلام الذي قاله حتى يوفر عليها حزنها
و بالفعل اتى فيكي في الوقت المناسب لان يقطع عليهما حديثهما اقترب من والدته و جذب يدها بهدوء
- " امي ماذا تفعلين هنا ؟ "
فتحت عينيها و نظرت له باشتياق كأنها لم تقابله منذ سنوات و ليس هذا الصباح
- " جئت لاصطحبك يا عزيزي "
- " لكني اتيت بالدراجة هذا الصباح الا تذكرين ؟ "
- " اعرف ذلك .. لكننا لن نذهب الى المنزل ؟ "
- " الى اين اذا؟ "
- " اسرع باحضار دراجتك و لنذهب .. "
ركض مسرع لاحضار دراجته فالتفتت هي ناحية هنري رأته يقبل فتاته الصغير فاقتربت منها و مسحت على شعرها
- " اهلا نورا كيف حالك ؟ "
- " بخير "
عاد فيكي بدراجته فحملتها سارا بصعوبة لكن هنري اتى بالوقت المناسب ليضع الدراجة في دولاب السيارة
- " شكرا لك هنري .. و صدفة سعيدة "
صافحها و هو يبتسم
- " و انا ايضا سعدت بمقابلتك ثانية .. اوصلي سلامي الى جيمي "
يا الهي مرة ثالثة ينطق اسمه فيعتصر قلبها ركبت السيارة و ودعته ..لوح لها بيده و هو يراها تبتعد ..
توقفت عند مدرسة فيكتوريا التي كانت تقف ملتصقة ببراد تتحدث معه عندما رأت والدتها شعرت بالامتعاض و ابتعدت عن براد ..
- " انتظر براد هذه امي "
- " ماذا تفعل هنا ؟"
- " لا اعرف .. انتظرني.."
اقتربت من نافذة والدتها و هي تنظر اليها بعصبية بينما سارا كانت مبتسمة و سعيدة
- " هيا اركبي يا عزيزتي "
- " امي .. سأعود مع براد .. اخبرتك بذلك صباح هذا اليوم "
- " نعم اتذكر جيدا.. و اسفة لذك "
- " لا افهمك.. لم تقومي بهذا ؟ "
- " لانني اريد ان اخذكما الى مكان ما "
- " الى اين ؟ "
- " اصعدي الان و ستعرفين ذلك لاحقا .."
- " انتظري ريثما اخبر براد "
- " سأنتظر .. هيا اسرعي "
رأتها تحدث براد و في عينيها خجل لكنها رأت ردة فعله هو الابتسام لسارا و لوح لها بيدها عندها صعدت فيكتوريا الى السيارة و هي تودع براد و كأنها لا تود فراقه .. فهمت سارا ذلك جيدا فهي بيوم من الايام كانت تعاني من داء الحب الذي دوخها ..
توقفت عند احد المطاعم الكبيرة الفاخرة التي تحبها فيكتوريا جدا فابتهجت لانهم سيتناولون وجبة لذيذة في مطعم رائع..
جلسوا على طاولة تطل على منظر خلاب لمنهاتن .. التفتت فيكتوريا الى سارا و نظرت اليها باستغراب
- " لابد انك تحملين اخبار رائعة ؟"
- " و لم انت متأكدة من ذلك ؟"
- " لان المكان جميل جدا "
- " انا دائما اصطحبكما الى اروع الاماكن .. ما رأيك يا فيكي ؟"
- " سأوافق فيكتوريا هذه المرة "
- " انكما قاسيان جدا .. حسنا ساخبركما .. احضرتكما هنا لنحتفل بعودتي الى العمل في اللجنة "
ضربت فيكتوريا على المائدة غير مصدقة كلام والدتها
- " امي بالله عليك لم يمر عليك اسبوعان "
- " اعرف ذلك .. لا تقلقي .. انه مجرد عمل مكتب أي انني لن اتحرك كثيرا من مكاني "
- " اتمنى ان اصدقك .. "
- " صدقي ذلك .. اذا اردتني ان اتشافى بسرعة يجب ان اكون سعيدة .. و العمل في اللجنة يجعلني اشعر بقمة السعادة .. فابتهجي من اجلي "
- " فيكتوريا .. لا تكدري صفو امي .. هيا ابتهجي .. فماما عادت الى العمل .. ياهوووووو "
كان بصوته شيء من السخرية لكنه مع ذلك جعلها تبتسم و تقبلة بقوة
- " لا تعترض .. فلم اقبلك امام اصدقائك "
- " لا بأس ... ساسامحك هذه المرة "
التفتت الى فيكتوريا و هي تلكزها
- " هيا اريني ابتسامتك "
ابتسمت بتثاقل لكن سارا اقتربت منها تدغدغها حتى تضحك و تبتسم
- " نعم هذه الابتسامة الصادقة "
تناولوا وجبة غداء لذيذة جدا و باهضة الثمن لكن الامر يستحق ذلك بالنسبة لسارا ..
بعد عودتهم الى المنزل من السوق و دفع ثمن اخر للمشتريات التي حملوها الى المنزل ,
ركنت سيارتها في المرآب و صدمت عندما وجدت تود واقفا و بيده باقة زهور ينتظرها على الكرسي في الشرفة وضعت يدها على فمها فلقد نسيت موعدها مع تود تورد خداها عندما اقتربت منه ..
- " يا إلهي تود أنا آسفة جدا "
- " لا عليك "
- " هل أنت هنا منذ مدة ؟ "
- " لا.. عشرة دقائق "
- " أنا جدا آسفة "
- " هل غيرت رأيك ؟ "
- " لا .."
- " اذا هيا لنذهب .."
نظرت إلى ثيابها العملية التي لا تليق بسهرة في الخارج مع رجل تخرج معه لأول مرة
- " لكنني .. "\
فهم بانها تريد أن تغير ثيابها إلى أخرى أكثر أناقة ..
- " لا بأس سأنتظرك .. "
ركضت ناحية الباب و فتحته
- " تفضل .. لن أتأخر .. دقائق و سأكون جاهزة "
صعدت حجرتها و جذبت فيكتوريا معها
- " ساعديني .. ماذا ارتدي ؟"
- " هل ستخرجين مع تود ؟ لا أصدق بانك قبلت دعوته "
- " لقد أصر علي "
- " أنه وسيم .. لا أعرف لم لم تقبلي دعوته من قبل "
- " لا أعرف .. هيا الان كفي عن الثرثة .. ما رأيك بهذا الفستان ؟ "
كان فستان أبيض بلا أكمام و قصير جدا
- " قصير جدا .."
سحبت آخر ..
- " و هذا ؟ "
- " لا يليق بأول موعد "
- " ماذا عن الازرق هذا ؟ "
- " نعم هذا .. مناسب جدا "
- " جيد .. "
ارتدت فستان أزرق يصل إلى ركبيتها و له كم قصير جدا و ياقة مفتوحة إلى الصدر .. وضعت على خصرها حزام أسود عريض يبرز نحافتها أسدلت شعرها البني و زينته برباط أسود و قرطين بلون الفستان و مكياج خفيف أكمل زينتها
نزلت الدرج و حذاءها العالي محدث جلبة و تصفيق لجمالها ... وقف تود منبهرا بمنظرها الخلاب اقترب منها رافعا باقة الزهور التي يحملها
- " تبدين ساحرة كالعادة "
- " شكرا لك "
- " هلا اسرعنا بالذهاب "
- " بالطبع "
تعلقت بذراعة اليمنى و سار بها الى حيث السيارة فتح لها الباب و ودع ابنائها بغمزه من عينيه قبل ان تصعد الى السيارة التفتت على فيكتوريا و صاحت لتسمعها
- " انتبهي لنفسك و لأخوك .. لا تتأخرا في النوم "
- " حسنا .. استمتعي بوقتك "
ترجلا من السيارة بعد أن فتح لهما رجل الاستقبال .. سار معها إلى حيث طاولتهم التي حجزها عبر الهاتف .. و في خلال دقائق كانت الاطباق أمامهم مستمتعين بتذوقها و بالجو الرائع تحت ضوء الشموع و الموسيقى الهادئة لعازفة الكمان , تبادلا العديد من الاحاديث التي تسر بها النفوس و كان هو دبلوماسي لأقصى درجة الحدود فلم يسألها عن علاقاتها السابقة و أي شيء قد يوتر الجو بينهما هذا ما جعلها ترتاح و تستمع بهذه الامسية الظرفية .. كما أنها اكتشفت تود من نواحي جديدة و بالفعل صدق بأن ما أطلق عليه كان مجرد إشاعات فهو رجل محترم جدا و مشاكس بعض الشيء و له إسلوب منطقي و جاذب .. بعد الانتهاء عاد بها الى المنزل و كان الوقت متأخر جدا أراد أن ينزل معها حتى الباب لكنها استوقفته ليبقى داخل السيارة دون أن يتكبد عناء النزول .. اقترب ليطبع قبلة على خدها جعلتها تبستم
- " شكرا لك تود لقد استمتعت كثيرا "
- " و أنا كذلك .. أتمنى أن أكون قد غيرت نظرتك بالنسبة لي "
- " ليست هناك نظرة سلبية مني تجاهك فأنت جار رائع و وسيم أيضا "
- " إذا هل ستقبيلن الخروج معي في المرة القادمة "
- " لا أجد ضير من ذلك "
- " رائع .. ما رأيك بيوم الأحد ؟! "
- " لا أمانع .."
- " حسنا إذا .. على الموعد "
- " الى اللقاء .. اعتني بنفسك "
- " و أنت كذلك .. عمتي مساءا"
دخلت المنزل و أغلقت الابواب و النوافذ و كذلك الانوار ثم صعدت الى حجرتها تستعد للنوم بدورها بعد أن تأكدت بأن فيكتوريا و فيكي نائمان , لكنها بدل من ان تندس تحت الاغطية الوثيرة كعادتها طرأ شيء برأسها أتى وجه هنري و هو طالب صغير .. ثم تذكرته مع جيمي و هم في الثانوية .. الامر الذي جعلها تصعد الدرج الى العلية و تتجه الى احد الصناديق الذي كتب عليها ( ثانوية نيوجيرسي) فتحت الصندوق و بدات بإفراغه .. اخرجت كتابها السنوي و فتحته و اخذت تقلب صفاحته لتجد صور مؤلمة جدا دمعت عينيها لرؤية صديقاتها كريستين و دورثي و بياتريس و الكثر منهن الاتي قضت معهن اروع اللحظات .. كما رأت صور لديفيد .. و هنري .. و جيمي
اسندت ظهرها على الحائط و بدأت تتذكر كل لحظة قضتها في الثانوية تذكرت عندما اكتشف والدها بانها تقوم بإعطاء دروس خصوصية لجيمي كيف انه ثار و فقد اعصابه و امرها بالابتعاد عنه لكنها لم تطعه فهي متعلقة به و تعشقة منذ سنوات و لا يستطيع احد ان يبعدها عنه .. لكن عندما أحس جيمي بأن الذي قام به أصبح أكثر جيدة و قد يؤدي إلى مشاكل هو في غنى عنها مع والدها قال لها في تلك الليلة
- " سارا لا احتاج الى الدروس الخصوصية بعد اليوم "
- " ارجوك يا جيمي لا تهتم لكلام والدي .."
- " لكني بالفعل لا احتاج لها "
- " لا تقلق سأحاول ان افهمه بان لاشيء يجري بيننا فهذه هي الحقيقة "
و كانه تلقى صفعة منها فصاح بها متسائلا
- " حقا ؟!! "
لم تنسى نظرة الحزن في عينيه و الالم عندما اخبرته بأن لا شيء يجري بينهما .. وقف بشموخ و كبرياء و قرر الذهاب محمل بالجراح فهي تعتقد بعد مرور شهر يدرسان و يمرحان مع بعضهما البعض بأن لاشيء يجري بينهما .. جذبت يده و هي تنظر اليه يبتعد عنها فتوقفه
- " الى اين يا جيمي ؟"
- " اخبرتك باني لا احتاج الى دروسك .. بل انني لم احتاج لها ابدا .. "
كان بصوته شيء من العصبية جعلها ترتاب من كلامه
- " ماذا تعني ؟! "
- " اعني بأنني لم احتاج يوما الى دروسك الخصوصية .. لقد فشلت بالامتحان لانني لم اكترث لانجح .. و ان اردت فعلا ان انجح لكنت الاول .. انت تعرفين بانني الافضل و لقد اخبرتيني بذلك بنفسك"
كانت لا تزال مستغربة من هجومه عليها فجأة و هي التي قضت معه أجمل ثلاثين يوما ..
- " اذا لم فعلت كل هذا ؟ "
- " لانك ... انها الطريقة الوحيدة التي استطيع ..."
سكت لبرهة و اخذ نفسا عميقا و اعلنها و هو يجذبها إليه
- "التي بها استطيع التقرب منك "
- " لكنك كنت تستطيع ان تتكلم معي اذا اتيت و بدات بحديثك بتحية"
- " كيف و انت تعتقدين بأن أي شيء اقوم به هو انتقام .. الا تذكرين ؟ "
تحشرج صوتها في حنجرتها و اغروقت عيناها بالدموع
- " و انت كنت تفعل الشيء نفسه ... انت تكرهني .. انا اعرف ذلك .. "
وضع يده على رأسه غير مصدق كلامها فلقد اخبرها بانه يريد التقرب منها و هي تتهمه بانه يكرهها
- " الا تسمعين ما اقوله لك يا سارا ؟! "
- " انت لا تقول شيئا "
غطت وجهها بيديها و بدأت تبكي جذب يديها و اجبرها للنظر اليه
- " اسمعي سأقول هذا و لن اكرره و ان اردت تصديقي فافعلي و ان لم تفعلي فاسترك المكان و اذهب "
- " اذهب .. اتركني "
كانت تحاول ان تبعده عنها و هي تبكي و تدفعه للخلف لكنه نهرها بصوته
- " ليس قبل ان تسمعي ماذا اريد ان اقوله لك "
- " لا اريد ان اسمع شيئا اتركني .."
- " بل ستسمعين لي..سارا .. توقفي عن هذا الهراء .."
صدمها صوته فهو لم يكن حازما معها كاليوم لذلك رضخت له و توقفت عن البكاء لكنها لم تنظر اليه مسك وجهها بهدوء و تكلم بصوت رقيق
- " سارا انظري الي .. انظري الي "
في البداية لم تفعل لكن صوته الجاد الحازم جعلها تنظر الى اجمل عينين راتهما في حياتها
- " انا لا احتاج الى دروس خصوصية .. بل لم احتاج لها ابدا .. لاني احب مادة الرياضيات بل هي الشيء الوحيد الذي اجيده دون ان ادرس .. و الكل يعرف ذلك .. لقد اصطنعت فشلي فيها لانني اريدك ان تكوني مدرستي الخاصة و بذلك اقترب منك .. اريد ان اقترب منك .. فأنا .. انا ..انا يا سارا .. احبك .. نعم .. و منذ زمن طويل ..طويل جدا .. منذ ان كنا اطفالا .. كل هذا الشجار بيننا كان طريقتي الغريبة لاعبر لك عن حبي .. على الرغم من انها فشلت .. لكنني احبك و لطالما فعلت و لا انوي ابدا.. بل لم اشعر برغبة للانتقام كما تزعمين .. "
كلامه جعلها تنظر اليه و كأن ماء بارد قد القي عليها .. دمعت عينياها مجددا و هي تذكر كل كلمة قالها .. لقد قالها .. انا احبك .. انه يحبني .. و كررها أكثر من مرة .. انه يحبني ..
- " جيمي .."
ابتسم فهو يحب أن تنطق بأسمه بطريقتها التي تدغدغه
- " نعم يا حبيبتي "
لم تعتاد عليه يعسلها بكلامه فأنزلت رأسها خجلا و كانت منزعجة من شيء فقالت له
- " لم تريد ان توقف الدروس ؟"
- " لانني لا احتاج لها .. اخبرتك بذلك "
- " اعرف .. لكنك بذلك تقول بانك لا تحتاج لي "
ضمها إليه و قبل رأسها
- " بل احتاج لك .. انا احبك يا سارا احبك .. ارجوك افهميني "
- " اذا دعنا نكمل الدروس حتى و ان كنت لا تحتاج لها .. فبذلك سنكون مع بعض "
- " لكن لا اريد ان افتعل مشاكل بينك و والدك .. انا اعرف بأن والدك لا يحبذ وجودي بالقرب منك و كذلك والدي اذا عرف بذلك "
- " ارجوك اترك هذا الامر لي سأعالجه بنفسي "
- " حسنا سنتقابل لكن دون الدروس الخصوصية "
- " سنفعل .."
رفع ذقنها بإبهامه و هو يبتسم و اخيرا ارتاح ..
- " و الان ماذا ؟ ألا تريد أن تخبريني بشيء .. "
أنزلت رأسها خجلا مرة أخرى و عضت على شفتيها
- " سأخبرك باني احبك ايضا و لطالما فعلت "
تعلقت برقبته و قبلته بشغف و ببراءة الحب بينهما حملها بين يديه و بادلها حرارة القبلات .. لن تنسى ذلك اليوم ابدا فهو اليوم الذي اعترف لها بحبه و بصدق مشاعره ..
تطورت علاقتهما أكثر و أكثر و توطدت مع الأيام و كانا يتقابلان في السر حتى لا يكتشف والديهما الأمر فيبعدانهما عن بعض و ذلك كله بسبب خلاف العائلتين منذ سنوات دون ان يعرفا هما سبب ذلك الخلاف و غير مكترثين لان أن يعرفا .. و مع ذلك تركا لعلاقتهما ان تنمو و تتقدم مع الأيام و الأسابيع و الأشهر.. كانا حبيبين أكثر من روميو و جوليت بل هما روميو و جوليت ..
شعر الجنرال ادوارد ان ابنته تتسلل في الليل و انها لم تطعه .. فكان دائما ا يتحقق من صحة اقوالها عندما يسألها عن سبب تأخرها او المكان الذي ستذهب اليه و من هم اصدقائها الذين سترافقهم و من تلك الاسألة التي تزهق النفس .. حتى اتى ذلك اليوم الذي اكتشفهما في احدى الحدائق يتبادلان القبلات و كان ذلك بعد مرور عام على مقابلتهما لبعضهما خلسة و بالسر دون علم احد الا بعض الاصدقاء المقربين جدا .. تذكرت بأن والدها انزعج كثيرا و جر سارا بعنف من يدها مصطحبا اياها الى السيارة و بعدها انطلق تاركا جيمي واقفا بمكانه محتار ماذا يفعل؟! بل الاكثر من ذلك كان مستاء جدا لتصرف والدها بتلك العدوانية تجاهه و كأن الحب اصبح جريمة بشعة يعاقب عليها القانون ..
عاد ادراجه الى المنزل مغتاظا و كأنه يحمل كل هموم العالم و لا يعلم بانه في هذا اليوم سيفعل سيحمل هموما كبيرة على كاهله .. توقف مستغربا عندما وجد سيارات الشرطة بأضواءها الحمراء تركن امام منزله دخل و هو مرتاب بل مرتعب فلا احد بالمنزل الا هو ووالدته ..
التفتت اليه المحقق ما ان دخل المنزل .. حاول ان يبحث من بين الوجوه على وجه مألوف يعرفه و بالفعل وجده .. انه والده .. لكن ماذا يفعل هنا ؟
- " ابي .. ماذا يحدث هنا ؟ "
- " اجلس بني "
- " ابي .. يفترض ان تكون في واشنتون .. ماذا تفعل هنا ؟ "
- " جيمي ..."
- " اخبرني هل من خطب ؟؟ "
- " لن اتكلم .. اجلس "
تصلبت رجلاه لكنه مع ذلك جلس متوترا يطقطق بأصابع يديه و ينقل نظراته بين وجوه الشرطة و المحقيقن و بالاخص وجه والده الذي طغى على ملامحه الحزن بل انه رأى شبح دموع في عيني والده للمرة الاولى
- " الان هل ستخبرني بما يجري هنا ؟ أكاد اجن "
اقترب المحقق منه و ربت على كتفه بحنية يفترض بأنها تجعله يهديء لكنه عوضا عن ذلك وقف بعصبية و كأن الريبة و الخوف اعمى بصيرته فلقد احس بشيء مزعج .. لم الشرطة هنا ؟ و والده عاد من مهمة و يفترض ان يكون في واشنتون ... و اين والدته ؟!!! زاد جنونه .. و بدأ يدفع الشرطي عنه .. اقترب من والده و ضغط على كتفه و هو يصرخ بوجهه
- " هل امي بخير ؟ اخبرني بان امي بخير .. اين هي ؟ اين امي ؟ "
ابتعد عن والده و هو يركض يبحث في ارجاء المنزل عن والدته
- " امي .. امي.. اين انت .. امي .. اخبروني اين امي ... اين هي .. تكلم .. ابي .. تكلم "
كان يصرخ كالمجنون حتى اقترب مجموعة الشرطة منه و اوقفوه حتى يهدأ لكنه كان يحاول الافلات من يدهم يريد ان يركض و يصرخ .. لقد احس بذلك خاصة عندما اقترب والده و هو يبكي و انها لاول مرة يرى والده بتلك الحال اذا فمؤكد بان الامر يتعلق بوالدته
- " لقد تعرضت لحادث سيارة ... و ..فارقت الحياة .. "
رفع يده على رأسه يتحسس وجوده فهل هو كابوس مزعج ام ماذا ؟ هل ما يقوله والده هو مسرحية او مقلب مدبر ؟ لا لا يعقل ان يرى والدته هذا الصباح و يخرج من المنزل ثم يعود ليجدها قد فارقت الحياة .. انه لم يودعها .. لم يقبلها .. لم يخبرها بأنه يحبها و بانها المراة الاولى في حياته .. لم يخبرها بأنه احب سارا .. حب الطفولة .. و انه يريدها ان تسانده كما تفعل دائما .. اراد ان يضمها الى صدره و يقبلها بقوة ..
- " لم اودعها .. انا .. لم ... أودعها هذا الصباح "
كان ماثيو بروكس يبكي بحرقة و هو يرى ابنه الوحيد مأخود بأثر الصدمة و انه بدأ يهذي كان يتمتم بكلمات غير مفهومة .. ابتعد عنه فهو يحتاج الان الى من يواسيه لا لشخص يقف امامه يبكي .. بهدوء غير طبيعي مشى بطريقة جعلت المحقق و والده ينظران اليه ليشاهدا على ما يقوم به .. ترك المنزل و مشى بعيدا .. لحق به والده
- " جيمي .. توقف .."
لكنه لم يتوقف بل سار بعيدا .. لا يعرف الى اين يذهب .. ترك رجليه تقودانه .. حتى توقف عند نافذة حجرتها .. لم يعرف هل يدق الجرس ام الباب ام يصرخ .. وقف ساكتا تحت ضوء القمر متسمرا امام نافذة حجرتها بقلب مفجوع .. انه مستغرب من عينيه التي خانته .. تمنى دمعة ان تنزل لتطفيء الغليل الذي اشتعل بداخله .. كالتمثال وقف متحجر بقلب متكسر دون دموع .. حتى فتح ضوء الحجرة و من ثم الباب امامه ليجد الجنرال واقفا امامه بهيبته يصرخ بوجهه
- " بروكس ... اذهب الى منزلك "
لكنه لم ينبس ببنت شفة .. بل انه لم يرمش حتى ..
- " انا آمرك بالذهاب .. هيا ابتعد "
كالصنم .. انسان بلا روح مما زاد من غضب الجنرال
- " هل تتحداني يا بروكس .. انا اقول لك ابتعد و عد ادراجك .. الى منزلك هيا .. "
نزل الدرج و وقف بالقرب منه ينظر اليه لكنه جيمي لم يبادله حتى النظرات كان مسمرا ينظر الى مكان ما خلف الجنرال .. نزلت سارا عندما سمعت صياح والدها و كذلك فعلت والدتها و اخيها ستيف ...
- " ابي .. جيمي .. ما الذي يجري هنا ؟ "
اقتربت من جيمي الذي حرك رأسه و اخيرا ناحيتها دون أي ملامح تعكس مشاعره
- " سارا ... الى حجرتك "
نهرها الجنرال .. لكنه ابتعدت عن والدها و اقتربت من جيمي
- " ابي .. ارجوك "
- " سارا .. لن اعيد كلامي "
- " انظر اليه .. انه ليس على ما يرام .. جيمي هل انت بخير ؟ "
هز رأسه نفيا و احس بنبض قلبه يعود له من جديد .. يا الهي ان صوتها يفعل العجائب .. يعيد الحياة الى الأموات
- " لا تتحدثي اليه يا سارا و ادخلي المنزل .. كارلا خذيها الى الداخل "
حاولت ان تجرها كارلا إلى الداخل لكنه جذبت يدها و صاحت
- " لا لن اذهب .."
اقتربت اكثر من جيمي و ضمته بقوة الى صدرها .. تدارك الامر بعد فترة و بالكاد رفع يده ليحاوط جسدها الدافيء في هذه الليلة الباردة
- " جيمي حبيبي انت لست بخير .. اخبرني يا حبي ماذا بك ؟ تكلم ارجوك "
تمتم بكلمة واحدة سمعها الجميع..
- " امي .. "
اراد ان يبعدهما والدها عن بعض لكنه عندما سمع نبرة الالم الذي تكسر القلب من صوته توقف ليسمع الى هذا الصبي المتوجع
- " ما بها امك يا عزيزي؟"
- " لم اودعها هذا الصباح "
شعرت بالقلق و الاضطراب مسكت وجهه بيديها امام مرأى والديها و اخيها
- " جيمي .. "
- " لقد .. شرطة .. يبكي .. انه يبكي .. و انا .. لم اخبرها بانني احبها..امي.. "
وضعت يدها على فمها تكبح صرخة تكاد تخرج منها لكنها تمالكت نفسها من اجله و ضمته بكل ما تملك من قوة كانها بذلك تعطيه من قوتها حتى يتماسك و لا يتهاوى بالسقوط لكنه بالفعل سقط ارضا لان رجليه لم تتعد تتحملان الهم الذي يحمله ساعدته على الجلوس و هي متعلقة بجسدة قبلته كانها تبث فيه الروح .. و اخيرا استطاع ان يبكي .. بكى .. كطفل صغير .. طفل خائف تائه يلقى برأسه على صدر امراة يبحث فيها دفء والدته .. تكسر قلبها ألما على حال حبيبيها و لم تستطع ان تمسك دمعة سقطت على رقبته .. كانت تهدأه و تمسح على رأسه .. بدأ بالهذيان فكان يكرر كلماته السابقة .. تركهما والدها فقط هذه المرة ..فالصبي ليس على طبيعته و لقد فقد امه للتو لا يمكن ان يكون بتلك القسوة .. كما ان زوجته بدأت بنوبة بكاء من نوع آخر فلقد كانت دورثي صديقة عزيزة لها على الرغم من خلاف العائلتين الا انها كنت لها مشاعر صادقة و في هذا اليوم تنتهي حياتها .. و ابنها الوحيد يبكي بحرقة على صدر ابنتها ...
كان صباح بارد و جاف كقلب جيمي و ممطرا كعينيه التي لم تتوقف عن البكاء .. تفطر قلب سارا حزنا على حبيبها الذي فقد والدته مؤخرا .. وقف بأحزانه بالقرب من والده و الكاهن الذي وقف يتلو صلاة على جثة دورثي بروكس .. كان الجنرال و زوجته من بين الحضور لكنهما أخذا مكانا منعزلا حتى لا يراهما ماثيو بروكس فينشب قتال بينهما ..
بعد الدفان و في المأتم وقف الاثنان رجال بروكس يستقبلون المعزين.. و وقفت سارا بجانبه طوال الوقت بعد أن اخذت إذنا من والدها الذي رفض الامر في البداية لكنه رضى به بعد أن رأى حال جيمي المأساوية ..
اقتربت من جيمي بعد انتهاء المأتم الذي يجلس في الحديقة و بيدها طبق صغير به شطيرة تبدو شهية
- " جيمي.. أنت لم تأكل منذ الصباح "
- " لا اريد "
- " لكن يجب ان تأكل .."
- " سارا .. ارجوك .. قلت لك لا اريد "
- " قضمة واحدة من أجلي "
نظر الى عينيها فابتسمت له و مدت الشطيرة تجاهه أخذها منها بلا نفس لكنها ترجته و هو لا يحب ان يكسر بها .. تناول قضمة و ثانية و ثالثة حتى انهى الشطيرة كلها .. شعرت سارا بأنها سعيدة لأول مرة منذ خبر وفاة والدة جيمي .. فها هو جيمي يعود للحياة مجددا
- " هل انت راضية الآن ؟ "
- " انا دوما راضية يا حبيبي ما دمت معي"
شيء ما جعله ينسى حزنه و يقترب منها ليقبل شفتيها التي بدت أشهى من الشطيرة التي تناولها طار بتفكيره بعيدا عن الجنازات و الدفان و المأتم و والدته و الجنرال و كل شيء في حياته إلا هذه اللحظة ... فهي بالقرب منه و لا يريد أن يخسرها هي أفضل شيء حدث في حياته و وجدها بالقرب منه تشد من عزمه و تسند ظهره هو أسعد شيء بالنسبة له ..
توقف عن تقبيلها بعد أن أحس بأن هناك من يراقبهما رفع رأسه و وقف ينظر الى الجهة المقابلة لحديقتهما من بين الأشجار فوجد شخص يركض و يختفي عن الأنظار .. جذبت يده
- " جيمي ما بك ؟ "
- " كان هناك شخص ما يراقبنا "
قالها مسارا ناحية الاشجار.. فنظرت بتلك الناحية حيث اشار
- " أين ؟؟ لا أرى شيئا "
- " ركض مبتعدا بعد أن رأيته "
- " لا علينا منه "
أخذت وجهه بيديها و أكملت تقبيله لم يتفاعل معها فلقد كان تفكيره المرتاب بالشخص الذي يراقبهما ؟ ماذا كان يفعل ؟ و ماذا أراد ؟ بل من هو ؟!
حاولت أن تؤثر فيه فقبلت رقبته و نجح الأمر تأثر بجاذبيتها و بقبلتها التي أثلجت الدم في جسده فسارت قشعريرة لها شعور جميل .. فحملها بين يديه و دخل بها المنزل بهدوء حتى لا يستيقظ والده كانت تشعر بشيء من الخوف عندما أدخلها إلى حجرته و أوصد الباب خلفه.. وضعاه على الفراش و أخذ ينظر إليها كأنه مغترب ينظر إلى دياره بعد طول الغياب .. أنهل عليها بقبلات عذبتها فأطلقت أهه جعلته يستثير فحلق معها إلى عالم النسيان عالم لا يوجد به إلا الحب و الغرام ...