المنتدى :
التاريخ والاساطير
اليونان مهد الأولمبياد ...منها انطلقت وترسخت
يلاحظ المشاهد لحفل افتتاح الالعاب الاولمبية تقدم الوفد اليوناني علي جميع الوفود، وأيا كان موقعه من أبجدية البلد المنظم للدورة. وهو الامر الذي سيكون تقليدا دائما ما دامت هذه الالعاب، والسبب في ذلك هو أن أهل اليونان هم اول من اخترع هذه الألعاب، وكانوا أول أمة في التاريخ تهتم بالرياضة كرمز جوهري في حياة الإنسان وحياة الأمة. ويعود الأولمبياد بتسميته إلي وادي الأولمبياد الذي كان يشق مدينة بيرغوس اليونانية في شبه جزيرة باولوبونيسو في جنوب البلد. وهي المدينة التي كانت تشكل مركز الثقل الثقافي والسياسي- وبخاصة الرياضي- في المنطقة. حيث كان يدور حول الجمنازيم- في قلب هذه العاصمة الحضارية وعلي ضفاف الأولمبياد- أهم ما شهدته الحركة الرياضية اليونانية في ذلك العهد.
وأولومبي فهو كما يرد في الميثولوجي اليوناني اسم أحد الآلهة الأثني عشر الكبار الذين استقروا فوق جبال أوليمبيوس. بينما يعبر مفهوم أولمبياد عن قياس زمني، هو مقدار الفترة الزمانية التي تفصل بين دورتين متتاليتين للألعاب الأولمبية، والتي كانت أربع سنوات.
وكانت الألعاب الأولمبية في قمة اهتمامات الإغريق القدماء، الذين كانوا يشغفون بالرياضة ويجعلون لها مكانة جوهرية في حياتهم اليومية. حتي أنهم كانوا قد رفعوا شعارا يجعل "العقل السليم في الجسم السليم"، وكانت الرياضة هي الوسيلة لتنمية الجسد وبالتالي علي تنمية العقل وانفتاحه علي الفكر والمعرفة.
وقد تحولت اليونان بفضل الأولمبياد في ذلك العصر إلي مركز جذب نوعي، حيث يتوافد إليها الشباب و الرياضيون من مختلف أصقاع الأرض، ليشاركوا في سباقاتها التي كانت تجعل من يفوز بها بطلا في عيون كل الارض. الأمر الذي أكسب فترة الألعاب الاولمبية قداسة نوعية- كانت تتوقف خلالها الحروب والمنازعات أو الخلافات التي كانت تباعد بين المدن والبلدان- حتي أنه إذا ما فاز أحد الشباب من مدينة ما يقوم أهلها بهدم أسوارها لأنها لم تعد بحاجة لحماية فعندها في الدار بطل قادر علي حمايتها من أي تهديد.
الألعاب الأولمبية تبعث من جديد
مع سقوط الحضارة اليونانية التدريجي اخذ هذا الموعد في التلاشي حتي تُرك نهائيا، إلا أن القدر أراد أن يلتفت رجل فرنسي كان قد عشق اليونان وتاريخه، إلي فكرة بعثها من جديد في نهايات القرن التاسع عشر. حيث كان البارون بيير كوبيرتون، الذي ولد في باريس عام 1863، قد تخصص في الحضارة الإغريقية، ودفعته سنوات البحث للإستقرار في اليونان فترة غير قصيرة. هنالك تبلورت لديه فكرة ضرورة إحياء هذه الألعاب بكل مناخها الفلسفي التنافسي والروحاني علي السواء- والذي كان ساهم في حينها في تقريب المسافات بين الأمم والشعوب والأطراف المتصارعة- في لحظات الألعاب وما يجمع في جنباتها من محبة وسلام وآخاء. وهو ما رأي فيه البارون من مناخ ضروري لخلق أرضية للسلام العالمي الذي صار يتهدد بأكثر من حرب وكارثة. ورغم ان هذا الحلم قد أخذ من البارون كوبيرتون جهدا ووقتا وقد بدأت له الأمور غاية في الصعوبة، إلا أن جهوده قد أسفرت عام 1894 علي أقناع اللجان الرياضية التي كانت تشارك في مؤتمر الرياضة الدولي بباريس، علي بعث الاحتفال بالألعاب الأولمبية من جديد وتشريف اليونان بإقامة أول دورة للألعاب الحديثة في أثينا عام 1896.
بالقياس إلي هذا الجهد أعتبر الجميع البارون كوبيرتون الأب الروحي لهذا الموعد اليوناني/العالمي الجديد، واختير رئيسا للجنة الأولومبية الدولية، التي أستمر علي رأسها حتي العام 1925، كما تم الاحتفاظ بالعد الزمني للأولمبياد، إي أربع سنوات بين كل دورة، وأقرت اللغة الفرنسية اللغة الرسمية لهذه الألعاب تكريما للرجل الذي بعث فيها الروح بعد أن كادت تندثر نهائيا. وقد أستطاع البارون كوبيرتون بشخصيته المعاندة أن ينقذ هذه الألعاب مرة أخري بعد أن حالت الحرب العالمية الأولي دون تنظيمها العام 1916 علي النحو الذي صار أبا روحيا لها مرتين. وعندما توفي البارون بيير كوبيرتون عام 1973، وجد أقاربه أنه قد ترك وصية بأن يدفن قلبه في هضبة الأولمبياد، التي تعلق بها قلبه عندما كان علي قيد الحياة، ليستمر عالقا بها بعد أن فارق الحياة واليوم، يحتضنا نصبا تذكاريا صغيرا علي هضبة كرونيا في أولمبيا اليونانية صديق اليونان دي كوبيرتون، تحقيقاً لأمنية الرجل الذي أحيا فكرة الألعاب الأولمبية وناضل من أجلها وحافظ عليها حتي وصلت إلي شكلها الحالي.
المصدر: جريدة الراية القطرية
|