المنتدى :
كتب التاريخ والحضارة و القانون و السياسة
ي-إ-كيتشانوف , حيات تيموجين جنكيز خان
حيات تيموجين ..جنكيز خان ..
تأليف -ي-إ-كيتشانوف
جنكيزخان
كان والد جنكيزخان أميراً على 13 قبيلة من المغول تحت رعاية الخان الأكبر ملك التتر بعهود متبادلة بينهما. ولد جنكيزخان سنة 548هـ فسمّوه تموجين وهو اسمه الذي كان يعرف به في نشأته الأولى. وبعد أربع عشرة سنة توفي أبوه فاستخفّ رؤساء القبائل بتموجين وتمرّدوا عليه وأصبح كل منهم يطلب السيادة لنفسه. وكان تموجين شديد البطش من حداثته فجمع رجاله وحارب الثائرين وتغلّب عليهم، وحارب تموجين بعد ذلك حروباً فاز فيها فازداد أمراؤه تعلّقاً به فاحتفلوا بتهنئته احتفالاً أعظم من ذاك في سهل على ضفاف سلنكا فاجتمع الأمراء والخانات فوقف فيهم وكان قوي العارضة فأبدع، ثم جلس على لبادة سوداء فرشوها له هناك وأصبحت تلك اللبادة أثراً مقدساً عندهم من ذلك الحين. ثم وقف بعض الحضور وكان من أهل التقوى والنفوذ فقال: (مهما بلغ من قوتك فإنها من الله وهو سيأخذ بيدك ويشد أزرك فإذا فرطت في سلطانك صرت أسود مثل هذه اللبادة ونبذك رجالك نبذ النواة). ثم تقدم سبعة أمراء أنهضوه باحترام وساروا بين يديه حتى أقعدوه على عرشه ونادوا باسمه ملكاً على المغول. وكان في جملة الحضور شيخ يعتقدون فيه الكرامة والقداسة فتقدّم وليس عليه كساء وقال: (يا أخوتي قد رأيت في منامي كأن رب السماء على عرشه الناري تحدق به الأرواح وقد أخذ بمحاكمة أهل الأرض فحكم أن يكون العالم كله لمولانا تموجين وأن يسمى جنكيزخان أي الملك العام) ثم التفت إلى تموجين وقال: (لبيك أيها الملك فإنك تدعى منذ الآن جنكيزخان بأمر الإله) ولم يعد يُعرف بعد ذلك إلا بهذا الاسم، فلما تهيأ له تأسيس دولته وتدريب جنده إلى فتح العالم فسار أولاً نحو الشرق إلى مملكة الصين وكان لإمبراطور الصين جزية من المغول يؤدونها كل سنة فلما استفحل أمر جنكيزخان أبى الدفع ومعنى ذلك الإباء إشهار الحرب. فحمل جنكيزخان بجيشه على الصين واخترق سورها العظيم وأمعن فيها قتلاً ونهباً والصينيون يومئذ أسبق الأمم في الاختراعات الحربية فاستخدموا النار اليونانية التي استعان بها اليونان على دفع العرب وقذفوا على المغول كرات فيها البارود قبل أن يعرفه أهل الغرب بأزمان. على أن ذلك لم يكن ليرد غارات تلك القبائل فمازال جنكيزخان زاحفاً حتى احتل بكين عاصمة الصين وسائر بلادها الشمالية، فازداد ذلك الفاتح رغبة وقوة فتحوّل بجنده الجرّار نحو الغرب أي غربي بلاده وهي مملكة الإسلام. فحمل جنكيزخان نحو الغرب وجنده يزيد على (700.000) مقاتل واكتسح تركستان وما وراءها وأوغل فيها قتلاً ونهباً مما تقشعر له الأبدان. فلم يكن همّهم غير القتل والنهب كالوحوش الكاسرة وليس هنا محل الإفاضة في سيرة هذا الرجل وإنما يُقال بالإجمال أنه تمكن في حياته من إنشاء مملكة لم يوفّق لمثلها أحد من الفاتحين قبله ولا بعده لا الاسكندر المقدوني ولا يوليوس قيصر الروماني ولا نادر شاه الفارسي ولا نابليون بونابرت الفرنساوي، أنشأ مملكة تمتد من البحر المحيط إلى البحر الأسود ودخل في سلطانه ملايين من الصينيين والتنكوت والأفغان والهنود والفرس والأتراك وغيرهم.
أنشأ جنكيزخان هذه المملكة الواسعة وهو لا يعرف الكتابة ولا القراءة. توفي جنكيزخان سنة 624هـ وهو في السادسة والسبعين من عمره وقد تولى الملك 22 سنة، وبعد وفاته اقتسم أولاده مملكته.
هولاكو
وهو ابن طلوي بن جنكيزخان تولى بعض المقاطعات في مملكة أبيه واستقل بها وملك فارس سنة 654هـ وعرفت دولته فيها بدولة ايلخان، ولما استقر له الملك في فارس حمل على بغداد.
هولاكو وسقوط بغداد
والسبب في ذلك أن المنافسات بين السنّة والشيعة ببغداد تكررت في أواخر الدولة فلا تمضي سنة لا يقع فيها بين الطائفتين قتال تتوسط الحكومة في إصلاحه وبما أن الحكومة سنّية فالضغط كان يقع غالباً على الشيعة وكانوا يقيمون معاً في الكرخ ببغداد وهم صابرون على ما يكابدونه من الاضطهاد، والحكومة مع ذلك تُوليهم مصالحها وتعهد إليهم بتدبير شؤونها. وكان الخليفة في أيام هولاكو المستعصم بالله تولى الخلافة سنة 640هـ وكان ضعيف الرأي ووزيره رجل من الشيعة اسمه مؤيد الدين بن العلقمي ذو دهاء ومكر. فاتفق وقوع فتنة بين السنة والشيعة على جاري العادة وكان للخليفة ولد اسمه أبو بكر شديد العصبية على الشيعة فاستعان بقائد الجند (الدوادار) وأمر العسكر أن يفتكوا بالشيعة فهجموا على الكرخ وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي ولم يعد يستطع صبراً فكتب إلى هولاكو سراً وأطمعه في ملك بغداد سراً فجاء بجيشه وفتح بغداد(1)
تيمورلنك
ينسب هذا القائد إلى دولة جنكيزخان وليس هو من نسله ولكنه من عائلته وكان جدّه وزيراً عند جقطاي بن جنكيزخان. ولد تيمور سنة 736هـ ولما ترعرع تولى بعض الأعمال في دولة اقطاي بما وراء النهر ثم ترقّى إلى رتبة الوزارة فطمع بالملك وحمل على العالم كما حمل جنكيزخان قبله ففتح بلاد فارس بعد حروب كثيرة سُفكت فيها دماء غزيرة ولم تمض سبع سنوات حتى دوّخ خراسان وجرجان ومازندران وسجستان وأفغانستان وفارس وآذربيجان وكردستان ثم جاء العراق فاستخرج بغداد من الجيلادية وكانوا قد تملّكوها بعد هولاكو ثم حوّل أعنة خيوله شرقاً نحو الهند فغزا كشمير ودلهي وتحوّل غرباً لفتح آسيا الصغرى وكانت في حوزة العثمانيين وسلطانهم يومئذ (بايزيد) فبلغ تيمورلنك في فتوحه إلى أنقرة وحارب بايزيد وأسّره سنة 804هـ واكتسح سائر بلاد المشرق إلى آخر حدود الشام وبايعه سلاطين مصر على الطاعة فتحول لمحاربة الصين فمات في الطريق سنة 807هـ قبل أن ينظّم حكومته فذهبت فتوحه هدراً فعادت البلاد التي فتحها إلى ملوكها الأولين وعادت الأحوال إلى ما كانت عليه قبله، على أن الدولة التيمورية طال حكمها في ما وراء النهر إلى سنة 906هـ وبوفاة تيمورلنك ينقضي العصر المغولي وبانقضائه ينقضي الدور الأول من تاريخ الإسلام.
1ـ يظهر من الدقة في التاريخ أن هذه أسطورة نسجها وهم الخيال، كأسطورة كون إنشاء الشيعة من ابن سبأ، فإنه لو كان ابن العلقمي هو الذي استقدم هولاكو، فلماذا لم يأخذ منه العهد للشيعة؟ ولماذا احترقت الشيعة والسنة بنار الحرب؟ لكن قاتل الله التعصب الأعمى. وهدى الله الكذابين والوضّاعين.
انحلال المملكة الإسلامية
من قيام جنكيزخان سنة 603هـ ـ إلى وفاة تيمورلنك سنة 708هـ
قد رأيت في ما تقدم أن الدولة العباسية لما فسدت أحكامها وضعف شأن خلفائها واستبد بها جندها وخدمها ضعفت علاقة أطراف مملكتها بدار الخلافة فتفرّعت إلى فروع بعضها فارسي وبعضها تركي أو كردي والبعض الآخر عربي. فلما رأى أعداء الدولة الإسلامية المحيطون بها ضعفها وانقسامها عمدوا إلى الانتقام منها فأغاروا عليها من الشمال والغرب والشرق وكل منهم يريد اغتيالها. فهاجمها الكرج والأرمن واللان من الشمال هجوم الغُزاة للسلب والنهب حتى أنهم كثيراً ما كانوا يدخلونها بعشرات الألوف فيكتسحون آذربيجان وما جاورها يقتلون وينهبون ويعودون بالأسرى والسبايا والغنائم وكانت سبايا المسلمين تزيد أحياناً على عدة آلاف غير القتلى كما كان العرب يفعلون بهم في أوائل دولتهم، على أنهم لم يستطيعوا فتحاً ولا رسخت لهم قدم في مملكة الإسلام.
وهجم عليها من الغرب أمم الإفرنج الصليبيين هجوم الفتح وقد تكاتفوا لاكتساح المملكة الإسلامية بحجة الدين لأن القبر المقدس فيها ففتحوا فلسطين وبعض سوريا وملكوا بيت المقدس حيناً.
أما من الشرق فجاءها التتر أو المغول بقبائلهم وبطونهم وهم في خشونة البداوة وقوة الأبدان وقد توفّقوا إلى رجل شديد البطش هو جنكيزخان القائد الشهير فحمل بهم من أواسط آسيا على العالم المتمدن في أوائل القرن السابع للهجرة ففتح جنكيزخان مملكة الإسلام من أقصى أطرافها الشرقية إلى حدود العراق غير ما افتتحه من بلاد الهند والصين حتى بلغت مساحة مملكته 400.000 ميل مربع.
المغول
المغول أو المُغل قبيلة من التتر كانت تقيم حوالي بحيرة بيقال في جنوبي سيبيريا ولم يكن لهم شأن بين الأمم حتى في أيام جنكيزخان لأنهم كانوا لا يزيدون على 40.000 خيمة فإذا حسبنا في الخيمة عشرة أنفس لم يزد عددهم على 400.000 نفس فحمل جنكيزخان بهذا العدد القليل من بدو المغول على ما يحيط ببلادهم من الممالك العامرة واكتسحوها في بضعة عشر عاماً.
رابط آخر
|