لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


أعيــاد بلا فرحـة الكاتبه ليتني غريبة

السلام عليكم يأحلى اعضاء في احلى منتدى ما اذا افعل وانا عشقي ليتني غريبة كاتبة الواقع بجدارة وتميز اذا تكلمت من الان الى مشاء ربي بحق

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-06-08, 08:51 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي أعيــاد بلا فرحـة الكاتبه ليتني غريبة

 

السلام عليكم يأحلى اعضاء في احلى منتدى

ما اذا افعل وانا عشقي ليتني غريبة
كاتبة الواقع بجدارة وتميز
اذا تكلمت من الان الى مشاء ربي بحق ليتني غريبة لا افيها حقها في الابداع
اضع بين ايديكم رائعة اخرى من روائعها




اعياد بلا فرحة














بسم الله الرحمن الرحيم


°•˘●،،’’₪][ أعيـــــــــاد بلا فرحــــــــــة ][₪’’,,●˘•°

للكاتبة : ليتني غريبة


.
.
.

الديـــــــــــــــــــــــار

تعبير يشمل كل شيء ألفناه في أيامنا ..

البيت ..

الأهل .. الأصدقاء ..

و مشاعرنا ..

ضحكاتنا الحلوة بلا هموم ..

حتى أحزاننا ..

أحلامنا الغير دارجة تحت الواقع ..

الهموم ..

عبراتنا حبيسة مآقينا ..

و ذكرياتنا ..

الديار تعبير عما نحن عليه

ذواتنا .. شخصياتنا ..

فإذا تجردنا عن كينونتنا ..

أصبحنا غرباء ..

ديارنا خاوية ..

أيامنا بلا معنى ..

تزيد آلامنا ..

و تغتال آمالنا ..

أما الذكريات و الأحلام ..

فتكون مجرد خدعة كبيرة ..

و ترياق مؤقت ..

ليزول في وهلة ..

و نعيش أعيادنا بلا فرحة ..

.
.
.

¨°••“« الجـــــــــــــزء الأول »”••°¨


بسم الله الرحمن الرحيم ..

.
.
.



يجيل النظر فيما حوله .. تلك الجدران ذات الطلاء الرمادي .. المتشقق الكئيب .. و جوها العطن الرطب .. يضيق صدره من رائحة العفونة في أرجاء المكان .. يشيح بصره عنها لتقع عينه على تلك القضبان الحديدية .. صلبة .. قاسية ..
هذه الزنزانة القذرة .. كم من آهة حوت بين جدرانها ؟؟!! كم من حلم لقى حتفه على أرضها ..؟؟!! .. كم من أمل وئد ها هنا قبل أن يملأ جوها ..؟؟!! كئيبة يا زنزانة ..
أكره رائحتكِ .. أكره جوّكِ .. و أكره ضيقك .. و أكره إحساسي البائس بالعجز ..
تنفرني هذه الوجوه الخشنة الكالحة التي تطالعني ...
رغم النظرات المسالمة ..
سنحات و كأنما لم تخلق إلا للسجون ..
إقترب من السرير ذو طابقين بتردد و بيده حقيبته ..
ليرميها أعلى الفراش .. لم يرد أن يصعد و هذه العيون المتوجسة تراقبه بفضول ..
- الإسم يا الطيب ..
إلتفت للرجل الذي تلفظ بالكلمات ..
ظل صامتا لبرهه .. بما أجيبه ؟؟!! ..
خيم الصمت على المكان انتظارا لإجابته ..
أزواج العيون الثلاث ما زالت تراقب .. و لا يخرق السكون سوى صوت أنفاسه المتردد ..
- ذياب ..
- و النعم و الله ..
التفت للرجل الآخر .. قصير القامة .. ممتلئ الجسم .. يبدو في العقد الرابع من العمر ..
- النعم بحالك ما عليك زود ..
و عاد يجيل النظر في من حوله ..
ليعود الأول فيتحدث ..
- أنا حمد بو شهاب .. - و أشار للرجل القصير - و هذا خوييك عبد الخالق .. - ثم أشار للرجل الهادئ الذي لم ينبس ببنت شفة من دخوله - و الريال سيف الشاعر ..
لم يعلم لما راودته رغبة في الضحك .. شاعر ؟؟!! عجيب .. ما الذي أتى به إلى هنا ؟؟!! ..
- و النعم و الله حييا الله الشباب ..
و رددت الجدران صدى همهماتهم المجيبة .. بعدها عم الصمت مجددا .. ظل واقفا مكانه مترددا لا يعلم ما الذي يفعله حيال هذه النظرات الفضولية ؟؟!!
و بصوت عميق .. إرتجف على إثره ..
- إقرب الشيخ .. حيياك الله ..
كان هذا الشاعر و قد نهض من مكانه ليفسح له المجال ليصعد إلى سريره .. لا يدري لما يشعر بهيبة هذا الرجل ترسل الرعشة على طول ظهره ..
تسلق السرير و استلقى عليه و هو يشعر به يئن تحت وطأة ثقله ..
نظر إلى الوجوه في الأسفل مجددا .. فقال حمد و هو يتسلق الفراش المقابل ..
-وط راسك و استريح يا بوو ..............
- بو شمااا ..
- و النعم .. ارقد باكر أول يوم لك هنيه .. كم حكمولك ؟؟!!
و نكئ جرحه .. ليجيب متألما ..
- خمس سنين و ست شهور ..
استقر حمد في فراشه و أمال رأسه إتجاه عبد الخالق ..
- لا عيل عبد الخالق بيظهر قبلك ..
لم يعرف بما عليه أن يجيب .. شعر بالشاعر يستلقي على فراشه في الأسفل و رأى عبد الخالق أيضى يجلس عل طرف سريره و هو يسحب كتابا من تحت مخدته و يقرأ فيه .. اعتدل على السرير و نظر إلى سقف المتقشف ..
شعر بالقنوط يجتاح نفسه .. اللعنة .. هذا ليس مكاني .. أنا لست مجرما ..
أراد أن يصرخ بشدة .. أراد أن يسمع الجميع ما يود قوله .. أراد أن يشعروا بما يخالج روحه في تلك اللحظة ..
تلك ثورة تصاعدت في نفسه بسرعه .. لتصل ذروتها ..
شعر بأنه على وشك الإنفجار ..
كتم ونة متألمة كادت تفلت منه ..
لن أحتمل البقاء هنا ..
سيقتلني الحبس ..
سأموت قبل أن تمر الخمس سنوات .. سأموت خلال أسابيع معدودة ..
انتفض بذعر ..
- ليلك طويل يا بو شما ..
كان هذا صوت سيف يأتي من أسفل ..
.. يعلم هذا .. يعلم هذا جيدا
بلع غصة كادت تخنقه ..
هذه أطول ليلة في حياته ..
سيرقد هنا و هو يعد الثواني البطيئة ..
يعاكسنا الوقت دائما ..
.
.
.
ينصت إلى تنفس حمد العميق و قد إستغرق في النوم ..
.
.
.
لن ينام ..
لن ينام ..


.
.
.


مجرد بداية ..
.
.
.

يتبع
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
تتمـــــــــــــــــة


.
.
.

كان قد قضى الليل كله يتقلب على فراشه .. أفكار .. و أفكار .. كل شيء مر في حياته استعاده الليلة الفائتة .. تذكر إصابته بالتهاب السحايا في صغره .. المدرسة الابتدائية التي كان يرتادها .. عيسى صديق عمره .. تذكر يوم وفاة والده .. تخرجه من المدرسة الثانوية .. شقيقته حسنا ..
كان الوقت يمر بطيئا .. بطيئا جداً .. لم يكن كذلك حين كان ينتظر الحكم عليه ..!!
تذكر صوت بكاء أمه العالي .. تذكر وجه ابنته الصغير الحائر .. تنقل نظرها بين الجميع ..
لا تفهم شيئا مما يحدث ..
و لكن سيل الذكريات قطعه صوت عذب انتشله من مستنقع الماضي ..
صوت أذان الفجر مناديا للصلاة .. و لكنه ظل مستلقيا دون أن يقوم بأي حركة .. حتى علا صوت آخر أكثر نشازا .. كان هذا صوت منبه الشاعر انطلق يشق عذوبة الأذان .. استيقظ سيف بسرعة ..
سمع ذياب صوته الهادئ يقول بثقة ..
- صبحك الله بالخير يا بو شما ..
كيف علم أنه مستيقظ .. هل يتجاهله و يتظاهر بالنوم ؟؟!! .. غير رأيه ..
- صبحك الله بالنور و السرور ..
رآه يتقدم من مكانه إلى السرير الآخر .. ليهز الرجل القابع بالأسفل ..
- عبد الخالق .. عبد الخالق .. صلاة الفير .. نش خلنا نوضي قبل الزحمة ..
رد عليه عبد الخالق بتمتمة نائم .. فهزه سيف مجددا حتى استوا جالسا .. ثم التقط سيف قنينة ماء بلاستيكية خالية .. ليضرب بها ذراع حمد المتدلية من الأعلى ..
- بو شهااااب .. بو شهاااب .. الصلاة .. الصلاة .. نش بارك الله فيك ..
و لكن حمد لم يتحرك قيد أنملة ..
- بو شهااااااااااااااااااااااااب .. أدريبك تسمعنيه نش لا و الله بالماي ع راسك ..
بدأ حمد بالتحرك في مكانه قليلا .. ليمسك عبد الخالق بطرف يده و يجره ..فهب حمد جالسا و هو يجر يده من قبضة عبد الخالق .. فقد أصابه الذعر من أن يقع ..
نزل حمد من الأعلى و وقف مع الاثنين عن باب الزنزانة الذي لاحظ ذياب للتو أنه مفتوح ..
تثاؤب حمد بنعاس في حين وجه عبد الخالق الحديث لذياب ...
- بو شما ما تبا تصلي ؟؟!!
- أكيد ..
- انزل عيل خلنا نلحق نوضي قبل لا يوعون الخلق و ما نلقى مكان ..
نزل ذياب من مكانه .. لا يعلم لماذا يراوده شعور بالخجل .. تقدم معهم يعبر الدهاليز التي بين الزنزانات الضيقة .. رأى البعض مازال يغط في النوم .. و القليل منهم بدءوا بالاستيقاظ .. كان الرجال الثلاثة يمشون بسرعة .. فحث ذياب الخطى ليلحق بهم .. انعطفوا في نهاية الطريق ليدخلوا دهليزا أضيق من سابقه ..
ثم فجأة وجد ذياب نفسه يقف أمام حوض ضيق طويل جداَ يمتد على طوله صنابير الماء توزع عليه عدة رجال يتوضئون .. و على الجانب الآخر ما يقارب الخمسة عشر بابا .. خمن أنها حمامات .. ولج كل واحد من الثلاثة بابا منها .. و ظل ذياب واقفا مكانه .. يشعر بالغثيان .. لم يكن المكان متسخا .. و لكن فكرة أنه سيستخدم حمام السجناء هذا .. أرسلت في حناياه شعورا لا يوصف بالتعاسة ..
انطلق صوت صفارة يشق السكون .. فكر ذياب .. لا بد أنها صفارة لإيقاظ السجناء .. سرعان ما سيحتشد الكثيرين هنا .. اتجه بسرعة إلى أقرب باب إليه ليدخله ..
فكر في نفسه و هو يتخيل استيقاظه على صوت هذه الصفارة المزعجة .. جيد أنني لم أغفو .. لست ممن يجيد الاستيقاظ بهدوء فجأة ..


.................................................. ................

اصطف المصلين يؤمهم إمام .. وقف ذياب بين عبد الخالق و حمد الذي ما زال النعاس يعلو محياه ..
- اللــــــــــــــــــــــــــــــــــه أكبــــــــــــــــــــــــــــــر ..
ارتعشت الأطراف ..
و ارتجفت الأفئدة ..
الله أكبر ..
شعر ذياب ببروده تجتاح أطرافه .. هاهم يملئون المصلى العملاق .. ما يقارب السبعمائة رجل .. يقفون جنبا على جنب .. لا يعرف أحدا منهم .. و لا يعرفه أحد .. الخشوع يسود المكان و صوت الإمام العذب يخترق الهدوء .. سواسية هم هنا .. هنا الكبير و الصغير .. و هنا المالك و المملوك .. هنا الفقير و الغني .. هنا الملتزم و العاصي .. شتى الأشكال و الألوان .. وجوه لا يمكن أن تراها مجتمعة إلا في طاعة الله ..
- {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأرض}
للحظات شعر ذياب بالسكون يتغلغل في نفسه .. و صوت الإمام يجبره على الخشوع .. لم يعهد نفسه قط بهذه السكينة .. ما فاجأه حقا هو شعوره بدفء لامس خديه .. ما هذا ؟؟!! .. دموع ..؟؟!!
إنه يبكي .. رحماك يا رباه .. لا اعتراض على ما قدرت .. لا اعتراض ربي على ما أمرت .. اللهم امنحني صبرا جميلا .. و عفوا منك .. و تقبلا لما أنا فيه ..
شعر بدموعه تزداد غزارة ..
لا اعتراض يا ربي .. و الحمد و الشكر لك على كل حال .. و ..........
- سمــــــــــــــــــــــــــــع اللــــــــــــــــــــــــــــــــــه لمـــــــــــــــــــــــن حمــــــــــــــــــــــــــــده ..

.................................................. ...........

تتسلل أشعة الشمس في خجل .. يراقب ترددها .. شعر ببعض الدهشة .. أتشرق الشمس هنا ؟؟!! ..
لا .. الشمس لا تشرق هنا .. لا يوجد منها سوى أشعتها الخجول ..

.................................................. ..........

كان يجلس على مائدة الفطور بين حمد و أحد المساجين .. انكب الجميع على الطعام بنهم .. بينما نظر ذياب إلى فطوره .. الخبز و البيض المسلوق و الجبنة و العدس و الفول الساخن و عصير البرتقال ..
لم يجد في نفسه رغبة بالطعام .. فجلس يراقب من حوله و هم يلتهمون فطورهم .. عندها رفع من يجلس أمامه رأسه و نظر له شزرا .. قبل أن يوجه الحديث لحمد قائلا ..
- بو شهاب .. خويكم اليديد هب عايبنه الريوق ..
إلتفت حمد نحو ذياب و فمه مليء بالطعام ..
- أفااا .. بو شما .. سم و مد ايدك .. ترى ماشي غير هالعيشة بتطب ثمك إلين الغدا ..
ما زالت عينيه إلى الأسفل .. لا يرد ..
صمت الجميع و لم يعد أحد يعلق .. شعر بالعبون معلقه عليه .. أليس لهم غيري ينظرون إليه .. ضيق شديد يغزو صدره .. قبل أن يسمع صوت يتردد عبر القاعة ..
- أحمد خصيف .. أحمد بدر .. حسن مسعف .. حمد ناصر ..
و رأى ذياب بعض الذين وصلوا معه بالأمس ينهضون من أماكن جلوسهم و يتوجهون نحو الضابط الذي استمر في سرد الأسماء بصرامة ..
- ذياب عبدالله .. راشد علي .. رافع خليفة .. سعيد محمد .. سلطان محمد .. صالح عبد الرحمن ..
نظر ذياب إلى حمد .. فسارع عبد الخالق يقول ..
- نش يا بو شما .. بس بيوزعونكم ع الأشغال لي بتتكفلون ابها ..
نهض ذياب بسرعه كادت أن توقع الكرسي .. لم يشأ أن يظنه أحد جبانا .. اتجه نحو الضابط الذي صفهم طابور بالأسامي ..
و راح يمرر لكل واحدٍ منهم وريقة صغيرة ..
- نجارة .. نجارة .. المشغل .. أرقام .. نجارة .. أرقام .. خدمات .. المشغل .. المشغل ..
و استمر في ذكر التاوزيع و هو يناول كل واحد منهم وريقته ..
نظر ذياب لتلك الصفراء المستقرة في يده ..
(( ذياب عبدالله علي )) .. الرقم (( 2007/23658 )) المسؤول (( سعيد خميس ))
مهمة (( نجارة / 45 )) تاريخ التسليم (( 18 / 4 / 2007 ))
يتلوه توقيع المسؤول ...................
توقيع المناوب ...........................
توقيع المستلم للوصل ...................

.
.
رأى الحشد المتجمع يتشتت و كل يعود إلى مكانه .. عاد إلى مقعده و يده ما زالت تقبض على الورقة بشدة و تكاد تكورها .. نظر حمد إلى ورقته بفضول ..
- هاا .. وين حطوك ..
سبق إجابته صوت سيف الهادئ ..
- نجــــــــــــــــــارة ؟؟!!
نظر ذياب إليه بدهشة .. هل هو ساحر ؟؟!! .. دقق في ملامح وجهه الوسيم .. و بنيته القوية .. أين يعمل هو.. أطلق عبد الخالق ضحكة ظافرة قصيرة ..
- بو شما أنا و انته نفس الموقع .. و كان محتاي شي .. امرررررة ما يردك إلا لسانك ..
يحتاج إلى ماذا مثلا ؟؟!! فكر ذياب بهدوء .. لديه معلومة .. حمد و سيف ليسا من أهل النجارة ..
أراد أن يسأل .. شعر أنه لم يتلفظ بكلمة منذ دهور .. فمنذ دخوله .. لم يتفوه بشي سوى ردا عن أي سؤال يوجه إليه .. لذلك شعر بالحرج قليلا .. و هو يرفع صوته لكي يسمعه الاثنين ..
- احممم .. آآآ .. بو شهاب وين تشتغل ..
رفع حمد رأسه الذي كان منكبا على الطعام ..
- أنا أرقام ..
- أرقام ؟؟!!
- هيه أرقام .. يعني نرقم المواتر ..
- آها .. و إنته ..
و أشار برأسه لسيف .. و لكن من رد عليه كان حمد ..
- سيف مسؤول المكتبة و القاعة التعليمية ..
مسؤول .. لقد شعر أن هذا الرجل لا يتبوأ إلا الأفضل ..
نظر إلى عبد الخالق الذي إبتلع قرص دواء و بدأ يستعد للرحيل .. فوقف معه .. ليوجه عبد الخالق له ابتسامة شعر ذياب بأنها تحوي شيئا من الشفقة ..
سمع حمد يقول ..
- موفق يا ذياب ..
بينما إكتفى سيف برفع يده قليلا محييا ..
مشى خلف عبد الخالق .. يتبعه دون أن يعلم إلى أين هم متجهون ..
إنظر يا ذياب .. إعرف المكان جيدا .. يجب أن تعتاده .. هذا هو العالم الذي ستعيش وسطه في الخمس السنوات المقبلة ..
تنهد ذياب و حث الخطى .. و هو يتبع قامة عبد الخالق القصيرة بعينيه .. يجب أن لا يفقده ..

.................................................. ....................
- شوه كنت تشتغل ؟؟!!
وجهه عبد الخالق السؤال له و هو يجر أحد طرفي المنشار حين أرخاه ذياب ..
- مهندس بترولي في أدنوك .. و إنت ..
- كاتب في الجيش ..
- من متى و إنته في السجن ..
- سنتين و أربع شهور .. باقي لي سنتين و بظهر إن شا الله ..
كان ذياب يراقبه و هو يلهث بشدة إثر تعبه من جر المنشار و تذكر إبتلاعه قرص الدواء على الفطور ..
- كم عمرك ؟؟!!
أجابه و هو يمسح العرق عن جبينه و صدره يعلو و يهبط ..
- ثلاثة و أربعين سنة .. و إنته ..
- سبع و عشرين ..
شعر ذياب اآن بفضول شديد أراد أن يعرف كل شيء عمن حوله ..
- حمد و ذياب ..
- حمد سبع و ثلاثين سنة .. و سيف اثنين و ثلاثين ..
- و من كم سنة و انتو ويا بعض ..
- أنا الصراحة ويا سيف من سنتين .. و حمد ماله إلا سنة عندنا ..
- آآها .. اليوم ع الريوق شفتك خذت حبة .. رب ما شر ..
علت إبتسامة ساخرة مرهقة شفتيه و هو يرد ..
- الكبر شين يا خوي .. و قلبيه تعبان شوي و ما أتحمل إرتفاع الضغط ..
- الله يعينك ..
- يعينا جميع ..
و جلس لدقائق منحنيا على قطعة من الخشب يحفر فيها بأداة حديدية بصمت .. فاحترم ذياب صمته ..
سرعان ما رفع رأسه ..
- هااك ..
و ألقى بالقطعة ليمسك ذياب بها .. اتسعت عيناه بدهشة .. كانت منعمة بطريقة جميلة و قد حفر ببراعة عليها عبارة بخط الرقعة ::
(( صبر جميل و الله المستعان ))
قلبها ذياب في يده .. كتب عليها من الخلف ..
:: بـــــــو شمـــــــا
18 / 4 / 2007 ::
رفع ذياب رأسه لعبدالخالق و هو يعجز عن قول شي .. أيشكره ؟؟!!
- الكتابه لي قدام من زمان مسونها .. بس اسمك و التاريخ تونيه ..
و احمر وجهه خجلا مما أثار دهشة ذياب ..
- اعيبك أنا في الخط .. أبدع ..
و إبتسم ابتسامة بدت أشبه بابتسامة طفل صغير .. سعيد بما فعل ..
نظر ذياب إلى القطعة الخشبية مجددا .. تمعن في العبارة ..
(( صبر جميل و الله المستعان )) ..
شعر بالراحه تتغلغل قليلا في نفسه ..
نظر إلى عبد الخالق نظرة امتنان دون أن ينطق بحرف ..

.................................................. .............................................

لم يتناول ذياب شيئا على الفطور .. و لكن وجبة الغداء لم تأتي إلا و هو يتضور جوعا .. يده كانت ترتجف بشدة إثر نقص الجلوكوز في الدم فهو لم يتناول شيئا منذ غداء البارحة ..
ما أن أعلن الجرس عن فترة الاستراحة التي تقطع للعمل المتواصل من الصباح حتى العصر و لا يقطعها سوى وقت قصير لأداء صلاة الظهر .. حتى شعر براحة كبيرة فالطعام سيمنحه طاقة هو بأمس الحاجة لها ..
جلس على الطاولة يلتهم بنهم كل ما تطاله يده وسط إبتسامات من حوله .. لابد أنهم جميعا قد مروا بهذه التجربة ..
ضحك حمد و الطعام يتطاير من فمه المفتوح مما أثار غثيان عبد الخالق ..
- يعلك اللوعه قلبت كبودنا .. صكر ثمك .. ما يقول غير كهف ..
استمر حمد غير آبه بالضحك ..
- و الله يا بو شماا .. إنيه كنت متوقع .. بتتعود ياخي .. كلنا كنا كذيه في البداية .. عاد لي ياي أصعب ..
توقف ذياب عن الأكل و رفع رأسه إتجاه حمد .. الذي فهم ما يدور في عقله ..
- الحين بعدك هب مستوعب الوضع لي إنته فيه .. خلاف بتدرك الموضوع .. و بتكره عمرك .. ما بتطول .. بتتعود .. و بتعيش حياته ..
رفع ذياب يده عن الطعام .. و شعر بالاكتئاب .. لا لن أتعود .. هذا ليس مكاني ..
نظر إلى الطعام أمامه و شعر بنفور .. لم يصدق أنه منذ لحظات فقط كان يلتهمه بشهية ..
- حمد يا الهرم .. سديت نفس الريال .. برمستك لي تغث .. اعوذ بالله من ابليسك .. ما تروم تسد حلقك دقيقة ..
كان هذا عبد الخالق الذي نهر حمد بغضب ..
- بوشما ماعليك منه .. هذرته وااايده .. مد ايدك و تغدا ..
و لكن ذياب استمر بالنظر للطعام بصمت .. لاح الذنب على وجه حمد .. و بانت الشفقة على عبد الخالق .. أما سيف فإستمر في صمته المهيب .. ألح عبد الخالق و حمد على ذياب ليكمل طعام وسط رفضه ..
إلى أن قطع الحديث سيف ..
- خلــــــــــــوه علـــــــــــــى راحتــــــــــه ..
فالتزم الجميع الصمت .. لا يعلم ذياب لماذا يجبر الشاعر الجميع على احترامه ..
بعد الغداء عاد مع عبد الخالق للورشة .. و ما زال يشعر بالإكتئاب .. تمر للحظات يوهم نفسه أن ما يمر به مجرد كابوس سرعان ما سيزول ..
في تمام الرابعة انطلقت صفارة تعلن انتهاء الواجبات لها اليوم .. فتوجه مع ذياب إلى المصلى .. صلوا صلاة العصر ..
ثم إتجهوا مع حمد و الشاعر لساحه مفتوحه .. تغمرها أشعة الشمس ..
أغمض ذياب عينيه و هو يشعر بالحبور .. لم يسعد قط برؤية الشمس كاليوم ..
جلس محاذيا للشباب الثلاثة صامتا .. فكر في نفسه لا ضير من تبادل الأحاديث معهم ..
نظر إلى حمد فبادره بسؤال ..
- بو شهاب شوه قضيتك ..
حمد نكس رأسه يراقب نملة صغير ..
- تهريب ..
تهريب..!! تهريب ماذا .. قبل أن يسأل ..
- مواتر مصروقة .. و آآآآ ...
و بخجل مما يقول ..
- مخدرات ..
مخـــــــــــــــــــــــــــــــــــدرات .. أصاب ذياب الذعر ..
- و إنته ..
إبتلع ريقه ..
- ضربت واحد و تسببت له بإعاقة ..
رأى الدهشة في أعين الجميع ..
- ما يبين إنك راعي مشاكل ..
انفعل بشدة ..
- أنا هب راعي مشاكل و لي صار كان غصبن عنيه
عبد الخالق يهدئه ..
- عين خير ياخي .. محد قال شي ..
ثم ليلهيه عن الموضوع ..
- ما عندك غير شما ..
- لا ما عنديه ..
- الله يخليها لك ..
- آمين ..
مازال يشعر بالثورة في أعماقه .. ليس مجرما .. ليس مجرما ..
إلتزم بعدها الصمت .. و لم يتبادل الأحاديث مع أحد ..
حتى على العشاء .. لم يشعر بالرغبة في الطعام .. كان منهكا .. يريد أن يصل لفراشه الجديد و ينام للأبد ..
عندما كان مستلقي على فراشه ..
شعر بالنعاس يثقل جفنيه ..
تعالى شخير حمد ..
و رأى عبد الخالق يمسك بكتابه ..
تذكـــــــــــــــــــــر ..!!
أخرج من جيبه القطعة الخشبية ..
(( صبر جميل و الله المستعان ))
دسها تحت مخدته .. و ألقى برأسه ..
ماذا يحمل الغد لي يا ترى ؟؟!!
مـــــــــاذا يحمــــــــــــل ..

.
.
.

لحظات لم يعد يزعجه شخير حمد ..
استغرق في النوم ..
.
.
.

يتبع
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
تتمــــــــة

............................................

شهر ..
شهر مر كالدهر بلا نهاية ..
لا يصدق ذلك .. كيف تمر الأيام هنا .. بدا له الشهر كالسنوات ..
شعر بالشوق يشتعل في جوفه ..
لأمه .. ابنته .. شقيقته و صديق الطفولة ..
كل يوم كان يمر كالذي قبله ..
لم يعتد بعد على نظام الحياة هنا .. رغم محاولاته الحثيثة للإنغماس في هذا المجتمع الغريب ..
يستيقض مع الشباب فجرا مع الأذان للوضوء قبل الزحمة ..
لم يجربها .. و لكنه لم يحبذ فكرة الوضوء مع سبعمائة رجل ..
يجلس قليلا في المصلى معهم يستمع للحلقة التي يلقيها الإمام الذي عرفه بإسم بو حمدان رجل في أوساط الثلاثين اهتدى لحلاوة الإيمان بعد دخوله السجن في قضية أخلاقية ..
يتلوه تناول الافطار ثم الانطلاق للورشة مع عبدالخالق ..
أصبحت فترة العصر أكثر الفترات راحة ..
يخرج للباحة .. تلامس أشعة الشمس جسده و تداعب وجهه .. و يشعر بنسائم الأصيل تلاعب شعره ..
صمت ينقله إلى خارج تلك الأسوار ..
تكاد روحه تخرج من الجسد بلطف لتنطلق .. تسبح في الفضاء اللامتناهي .. ترجو أن تصل إلى أحبته ..
لا يقطع صمته اللذيذ سوى تبادله للأحاديث مع الثلاثة ..
الثلاثة ..
أصبح الثلاثة في هذا الشهر أصدقاء له ..
لم يتعرفهم جيدا .. و لكن شعوره بأنهم يساندونه .. يسهلون العيش له هنا .. جعلهم الأقرب إليه في هذا المكان ..
كان يقدر جهودهم ..
عبدالخالق .. تشجيعه المستمر و مواساته .. و كلمات منه تخترق الصميم .. لتحرك شيئا يربض في صدره .. بهدوء .. يستعد للخروج في أي لحظة .. الصبـــــــــــــر .. الصبر يا ذياب .. لا تملك شيئا سواه .. كان يسعى لإخراجه من حالة الإكتئاب التي تجتاحه .. يريد انتشاله مما هو فيه .. و لكم يقدر ذياب له ذلك .. كم يقدره ..!!
حمد ..أخرق و أهوج .. رغم طيبته الشديدة .. فهو يلقي الكلمات دون تأني .. سرعان ما يأكله الندم الشديد على سهم أعمى أطلقه مع كلماته .. و لكنه إعتاد عليه الآن لم تعد تأذيه الكلمات .. بل بدأ في نهره مع سيف و عبدالخالق .. و لكن إبتسامته المستعطفة و البريئة تنسيهم عتابهم .. ماكر هو .. دائما يتملص من المشاكل ..
سيف .. تلك الشخصية المتفردة .. غامض .. رغم نظرات الإستحسان منه لذياب على محاولاته الحثيثة للتأقلم مع وضعه الجديد .. مازال سيف سرا غامضا .. لم يعرف ما الذي أتى به هنا .. رجل يعشق الصمت .. لا يتلفظ إلا بما قل و دل من الكلمات .. يبدو مستقيما .. شخص لا يرتكب الأخطاء .. هادئ جدا .. وقور ..و لكن الشيء الذي يحير هو أن وجوده يشعر ذياب بالأمان في هذا المكان ..
و تذكر ذياب موقف حصل له مع الأخير .. إذ كان في بداية أيامه يشعر بالنفور و التوجس من سيف .. فالشخص القليل الكلام لا يمكن أن تستنتج ما الذي يدور في خلده .. كانا يجلسان في الساحة عصر يوم الجمعه الذي كانو يأخذونه إجازة من أشغالهم .. لم ينبس سيف ببنت شفة .. منذ توجه عبدالخالق و حمد للعب الورقة مع مجموعة جلست قريبا منهم .. كان يجلس بصمت يراقبهم .. و على شفتيه شبه ابتسامه .. بينما جلس ذياب يحدق بالفراغ أمامه .. ينتظر منه أن يبدأ الحديث .. و عندما لم يفعل .. قرر أن يكون هو من يقطع الصمت ..
- إلا ما قلت لي يا بو هناد .. شوه قضيتك ..
سرعان ما غابت شبه الابتسامة ليحل محلها الشرود .. قبل أن يجيب في غموض ..
- حرمـــــــــة ..
- حرمة ؟؟!!
- هيه .. حمد يغش ..
نظر ذياب ليرى حمد يدس شيئا تبين أنه ورقة لعب تحته .. ابتسم رغم أن تغيير سيف للموضوع لم يفته ..
لم يعد لسؤاله شعر أن سيف لا يريد البوح عما احضره إلى هنا حتى حمد و عبدالخالق لم يشيرا قط إلى سبب دخوله أما عن الاخير فقد أثر فيه سبب دخوله بشدة ..
كان كالعادة معه في الورشة .. يوزع عبد الخالق القطع الصغيرة لأن ذياب رفض تحميله الكبيرة خوفا على صحته و قلبه الضعيف .. و كان ذياب رغم قامته النحيله .. يملك قوة أكثر منه .. يمسك المسامير ليضربها بالمطرقة بقوة .. تنغرس بسهولة في لوح الخشب ..كطعنات الوله التي تدمي فؤاده كل ليلة عندما يسترجع صورة ابنته الصغيرة ..
- خييييييييييبه شوي شوي .. تفتت الخشب يا بو شما ..
رفع رأسه و مسح عن جبينه قطرات من العرق ..
- عنبوووه ذابت جلودنا امن الحر ..
- هيييييييه عاده القيض ياي شوه بتسوي ..
- و العثرة .. بننكوي كي ..
- رحمت ربك واسعة .. ربك عاد يمكن تمطر ..
- تمطر - و ابتسم بسخرية - ما ظنتيه و الله يا بو حميد .. المطر لي ما سقانا إلا نفاف في الشتا .. ما بيروي خير في الصيف ..
- استغفر ربك .. و انته شدراك .. كل شي بيد الله ..
- و نعم بالله ..
جلس عبدالخالق على طاولة قاموا بصنعها سويا هو و ذياب .. فسارع ذياب يهتف بذعر ..
- لا تكسرها دخيل الله ..
- هههههههههههه تعبان عليها يا بو شما ..
عقد ذياب حاجبيه و هو ما زال خائفا على الطاولة ..
- أول طاولة أصنعها .. تبا تخشعها ..
- أونه .. اسمع ها .. ابووووووية قول نصنعها .. صنعناها رباعة .. و بعدين لا تخاف عليها .. أنا خفيف ..
نظر إليه ذياب بطرف عينه ..
- خفيف ها .. و هالكرش لي كيلو قدامك شوه .. معلم سياحي ..
- هههههههههههههههههه لا ممتلكات البلدية ..
- انزل يا بوية و الله خايف ع الطاولة ..
اشفق عليه عبدالخالق .. فجلس أرضا ..
- آآآآآآآآآآآه يا بو شما .. لو تمطر بس .. ودي إنيه أوقف تحت المطر .. أخليه يرشنيه .. يسيل عليه .. أباه يروي ظمايه .. يغسل كل شي راح ..
تنهد بحزن
- تصدق لي سنتين من المطر ..
انصدم ذياب ..
- سنتين .........!!
أجاب بألم ..
- هيه و الله .. من دخلت ما شفتها تمطر قدامي .. ما لمسني المطر .. ترانا ما نظهر برا الا العصر .. و في الامطار ما يظهرون حد .. آآآآآآآآآآه يا خوية .. و الله إنيه أذكر آخر مرة شفت فيها المطر .. قبل لا أدخل السجن ..
و نكس رأسه بألم ..
شعر ذياب بألمه .. لا يتخيل أهمية المطر لشخص لم يره منذ سنين .. و لكنه تذكر فرحته برؤية أشعة الشمس في أول يوم له هنا .. نظر لعبدالخالق فرآه ينعم قطعة خشب بسكين صغيره .. و هذا ما يفعله دوما .. قد تتقلص القطعة حتى تختفي .. رأى نشارة القطعة تتساقط من الأعلى .. تنسل من بين يديه .. تتهاوى ببطء .. ثم تلامس الارض بنعومة ..
- عبدالخالق .. ليش دخلت السجن .. ؟؟
كانت المفاجأة جلية على وجهه .. لم يكن يتوقع هذا السؤال .. سقطت القطعة من يده و كاد يجرح نفسه بالمدية الحادة ... بدا متألما بشدة ..أتراوده ذكرى حزينة ؟؟!!
شعر ذياب بالذنب .. كانت ملامح عبدالخالق التي تشعره بأنه ينظر إلى طفل كبير .. تكتسي بتعبير حائر مع مسحة من الذنب و الألم ..
- عبدالخالق انسى يا خوية .. برايه لو ما تبا ترد إنته حر لا ...
قاطعه بصوت مخنوق ..
- لا عادي ذياب .. مصيرك بتعرف .. اليوم أو باكر ..
و بدت إبتسامة مريرة على شفتيه ..
- نسيت إنّا بنعيش ويا بعض سنتين بعون الله .. - صمت قليلا قبل أن يقول - أنا يا طويل العمر مريض بالضغط و القلب من كنت في الثلاثينات .. و بديت أتعاطى مختلف الأدوية .. أحيانا كنت أبدلها .. شي منها كان له آثار جانبية .. و غيره ..
أنصت ذياب باهتمام شديد .. لا يضيع كلمة ..
- قبل ثلاث سنوات بديت أستخدم دوا اسمه ( سدادات مستقبلات بيتا ) .. و هو نوع قوي من أدوية ضغط الدم بس كان ضروري لي عسب قلبي كان تعبان و كانو يخافون علي امن الذبحة الصدرية .. بس المشكلة يا خوية إني نسيت أحذر الدخاترة من انه عنديه الحياطة ( الربو / ضيق الشعب الهوائية ) .. و بديت أستخدم الدوا ..
ما زال وجهه الطفولي الكبير ينوء تحت وطأة الحزن ..
- تصدق إنيه إستعملته مدة ست شهور و لا يتنيه نوبة ربو وحدة .. - و ضحك ساخرا .. سرعان ما تحولت الضحكة إلى شهقة مؤلمة كتمها ليتابع حديثه - إلين كنت مرة أسوق موتريه راد من الدوام .. يمكن ما خبرتك .. أنا من هل بوظبي .. تدله جسر المقطع .. يوم لفيت عليه يتنيه نوبة قوية .. ما رمت أتحكم بها .. تخيل الموتر يمشي .. و أنا أحاول أوقف و في نفس الوقت أبا أبطل السدة آخذ الدوا .. و صار الحادث ..
اتسعت عينا ذياب بشدة ..
- استيشن فيه ريال و حرمته و بنته 19 سنة و ولد عمره 14 و بنته الصغيرة 8 سنين .. يوم ما رمت أوقف الموتر.. كنت مقبل ع موترهم .. و الريال لفت بالسكان و افتر و ظرب حاجز الجسر و انقلب .. ست قلبات و حط ع ظهره ..
أغمض عينيه بشدة و كأنما يسترجع الصورة ..
- خذت دواية بسرعة .. كنت أحس بالموت .. بس أبا أشوف شوه استوى لراعي الموتر .. تخيل يا ذياب ..
الموتر مقلوب .. و الصبي مفرور بعيد عن الموتر سبع أمتار .. ياهل صغير .. و الدم يصب صب من راسه ..
الشباب قاموا يطلعون هل السيارة .. كنت وياهم .. و سحبت البنية الصغيرة .. كانت بعدها واعية ..
و مد يديه و كأنما يحمل أحدا ..
- شليتها في ايديه .. و هي تصيح .. أبا أسكتها .. تزاقر أمها و أبوها .. محد سلم منهم .. كلهم غابو في الحادث .. محد إلا البنية الصغيرة .. ست شهور ما بينت نوبة وحدة .. و يوم يتنيه نفدت أربع أشخاص ..آآه ليتني رحت بدالهم يا بو شما .. ليتني ..
مسح وجهه بيده .. و رأى ذياب دمعة تلمع على جانب وجهه ..
- بس خلاص يا عبدالخالق .. يكفي .. لي صار قضاء و قدر و انته مالك ذنب .. كله مكتوب من رب العالمين ..
أشاح بوجهه ..
- لا يا ذياب .. أنا كنت السبب .. البنت بتربى من دون هلها بسبتيه .. الله يسامحنيه ع لي سويته .. الله يسامحنيه ..
لم يعلم ذياب كيف يتصرف في هذه اللحظة .. و لكنه تذكر الكلمات التي قالتها أمه في ذلك اليوم المشؤوم .. فنظر بقوة لعبد الخالق .. و أمسكه من كتفه ليشد عليه بقوة ..
- لا تيأس من رحمة ربك .. لي صار قدر و مكتوب .. و انت مهما بتسوي ما بترده .. لازم ترضى بهالشي ..
لم يرى في عيني عبدالخالق صدى لكلماته ..
فقال بصوت حنون و صورة أمه تلوح أمامه ..
- الوالدة الله يطولي بعمرها كانت كلما ضقت تقول ..
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ْْْ}
يا عبدالخالق لومك لنفسك ما بيغير شي في الموضوع .. ادعلهم ..هالشي لي هم محتايينه منك .. و استغفر ربك .. و الله تواب غفور ..
بدا عبدالخالق لولهة و كأنه لن يرد .. و لكنه رفع رأسه بعد برهه و شد على يد ذياب التي تمسك بكتفه .. و تألقت دمعة حبيسة في محجر عينه اليمنى .. ليقول بامتنان جعل صوته أجش من ثقل المشاعر ..
- مشكور يا خوي ..

.................................................. ...............................

.................................................. ........

- قووووووله يا ريال خله يستانس ..
ظل ينظر إليه و إبتسامته الهادئة الأثيرية معلقة على شفتيه .. و حمد ما زال يلح عليه .. عبدالخالق ينظر إليهما بعجب .. من الواضح أنه لا يعلم ماذا يخفيان .. لم يستطع استنتاج ما يخفيانه ..
- حمد بلاك تنط ما يقول غير سبال فارين موزته .. صك التراب شوي .. - ثم التفت لسيف - بو هناد شوه السالفة
احمر وجه حمد غضبا .. عبدالخالق يمنع نفسه من الضحك .. سيف مازال يبتسم بهدوء .. ذياب ينقل بصره بين الجميع ..
- شباب شوه السالفة ؟؟!!
حمد بسرعة ..
- و الله كان بيرخصنيه الشاعر بقول .. بس هو لي يايب الخبر ..
سيف يتحدث بصوته الوقور ..
- بو شما .. اليوم خبرنيه واحد من الضباط انه ظاهرتلك زيارة الخميس الياي ..
صمت عم المكان للحظة ..
تتسارع أنفاسه بلهفة .. شرع بالدموع تلسع مؤخرة عينه ..
بصوت مبحوح لم يسمع الموجودين سوى صداه ..
- زيــــــــــــــــــــارة ؟؟!!
هز سيف رأسه بالإيجاب و ابتسامته تتسع ..
- هيه نعم زيارة .. تراه النظام هنيه كل اسبوعين مجموعة لهم زيارة .. باستثناء المعاقبين ..
لم يعلم ما الذي يجب عليه فعله .. جل ما أراده الآن هو السجود شاكرا لله عز و جل .. و تقبيل رأس سيف .. نظر لسيف .. بإمتنان ..
- مشكور يا بو هناد .. ما تدري شكثر هالخبر يسوى عنديه ..
ثم استدار و تسلق السرير ليستلقي على فراشه .. لم يشعر بالفرحة منذ ضربه لذلك الخنزير و دخوله السجن .. ابتسم .. لا بد أنه عيسى الذي سيحضر .. أمه لن تفعل .. فالعادات و التقاليد موجودة بقوة.. لا يمكن تجاهلها ..
أغمض عينيه و استعاد صورة ابنته الصغيرة ..
شما .. حبيبته .. كم اشتاق اليها .. إلى مغالاتها في الدلال .. إبنة الثالثة .. آآآآه يا صغيرة .. متى تقر عينا أباك برؤيتك ..
عيسى .. يا أخا لم تنجبه أمي ..لابد أنك من سيحضر للزيارة .. تذكر ذياب صديق طفولته .. منذ صغرهما لا يفرقهما شيء .. دوما و أبدا .. تذكر لعبهما معا في الصغر .. طيش المراهقة .. و مباهاة الشباب .. قبل أن يتزوج الإثنان ..
راحت الذكرى تلوح له من بعيد ..

.
.
.

- ابوية حشرني .. يقول بسك من لهياته .. عرس و قر فبيتك .. و هات عيال ينفعونك لا شيبت .. بعدنيه ما كملت خمس وعشرين و أبوية خلاني شيبه ..
- شوه بتقول عنيه .. أمي ليل و نهار .. بنت عمك و بنت عمك .. مادري من وين طلعت لي هالبنت العم ..
- لا بنت عمك و لا عندك خبر .. أنا بيوزك ختيه ..
- خخخخخخخخ من صدقك .. أخاف عياليه خلاف يطلعون شراتك .. _ و أشار بإصبعه إلى رأسه بدائرة - مخبل
- عنلااتك يا الهرم .. ودك إنته .. بس عليك يوم بناسبنيه ..

.
.
.

تذوي تلك الصورة .. و هو يتذكر وجهها البريء الخائف .. ترتدي ثوب زفافها الأبيض .. و دمعة خائفة في عينها .. يصيبه التوتر هو الآخر .. لم يمر بهذه التجربة من قبل ..
- آآآآ .. منيرة شحالج ..
ترد عليه بصوت هامس .. لا يتبين ما تقول .. لذلك يمسح على لحيته باضطراب ..
- ما تبين تعقين الفستان ؟؟!! ..
و عندما ذهبت لغرفة التبديل .. ينطلق راكضا إلى هاتفه .. يعيد الإتصال بآخر رقم تم الاتصال به .. يرد عليه بصوت نائم ..
- آآآآآلوووووووه ..
- ألوووه عيسى شوه راقد ؟؟!!
- ذياب ؟
- لا خياله ..
- عنلاتك إنته ما سدك تعبيه فعرسك متصل تغث رقاديه ..
- عيسى نش دخيلك .. متلعوز مادري شوه أسوي ..
يتثاءب بشدة ..
- آآآآآآآه خير شوه عندك ..
- يا خي البنية متوترة .. احسها بتصيح فأي لحظة .. ما فينيه ع دموعها ..
- ذياب كلهن الحريم كذيه أول ليلة ..
- و انته شدراك .. عرست ..
- اسمعهم العرب يقولونها ..
- ما عليه انا من العرب الحين .. خلصنيه و عطنيه حل ..
- الحين فهمنيه .. وين المشكلة ..
- المشكلة انيه متوتر أكثر عنها ما عرف كيف أهديها ..
- انزين خبرنيه شسمها حرمتك ..
- شوووووووووووووووووووووه ؟؟؟؟؟!! ... صدق مسود ويه .. استح ع ويهك .. شوه تبابه اسم حرمتيه ..
- عيييييين خييييييير .. بقولك ع الاسم طرق تهدئة .. يعني ابيات شعر .. سوالف .. تدليع ..
- وخروو عنه ابو البنات رمس الحين ..
- خخخخخخخخ ابو البنات ع قولتك .. ما بيخيل من حرمته ..
- بنشوف فعرسك يا الهرم ..
- انزين شوه اسمها ..
يجيب على مضض ..
- اسمها منيرة ..
- منيرة .. منيرة .. لحظة شوي خلني أدور في الارشيف .. اووه عنديه سالفة حلوة بتفرحها ..
- قووول بسرعة قبل لا تيي ..
- يقولك في بنية حلوة اسمها منيرة شافت ظبي و يوم قربت منه تبا تلمسه .. شرد عنها .. فقالت بيت شعر ..
(( يا ظبي ريع لي ترانيه منيرة .. و الظبي ما يشرد من الظبي لي ياه )) .. ها شرايك ..
- عنلااتك يا الهرم .. تبا تهدم حياتيه الزوجية بسوالفك الهبلا ..
- انا سوالفيه هبلا .. هب منك .. من لي يرد عليك تالي الليل ..
- اقلب ويهك .. انا امك لو قلت هالسالفة الغبية ..
- تصبح ع حمار يرفسك ..
- تصبح ع ثور ينطحك ..
و أغلق السماعة عندما شعر بالباب يفتح بهدوء .. رآها واقفة هناك بخجل .. مشت ببطء لتجلس قبالته .. ما زالت محرجة منه بشدة .. استمر الصمت لدقائق طويلة .. لا يتكلم أحدهما .. أخيرا تنهد بتوتر ..
- منيرة .. قد سمعتي بسالفة البنية لي اسمها منيرة و شافت ظبي و .........................

.
.
.

ابتسم لتلك الصورة التي تبدلت بأخرى ..
يجلس على طرف الفراش الأبيض .. ينقل بصره بين اللفافة الصغيرة التي بين يديه و وجهها الشاحب ..
- تستحقين السلامة حياتي ..
يخرج صوتها بهمس متألم ..
- الله يسلمك الغالي .. شوه بتسميها ..
نظر لابنته المستقرة بين يديه ..
- بسميها فديت ..
- شووه ؟؟!!
- بسميها فديت .. عسب يوم تكبر و تروح المدرسة .. لمعلمات يزقرنها .. فديت ذياب .. هههههههههههههههه ..
ظربته بخفة على كتفه و هي تبتسم بألم ..
- لوووتي ..
كم أَحب هذا الوجه ..
كم إشتاق إليه بعد رحيلها ..
رحمك الله يا منيرة ..

.
.
.

كم فقدوها جميعا .. تحطم قلب أمه بعد وفاتها .. حسرة على شبابها و إبنها الذي أصبح كالشبح .. لا انعكاس للحياة في عينيه .. و انهارت حسنا لموت صديقتها المقربة .. حسنا أخته التي كافحت بعد موت صديقتها لتعيد الامور لنصابها .. تجاهلت الألم الرهيب الذي يسكن جوفها .. لكي تعيد أخيها لطبيعته .. و تهتم بإبنته حتى تجاوز هو أزمته .. وقوفها بقوة في وجهه و دفعه للخروج من الحالة التي كان عليها.. ممتن لكِ يا أختي .. ممتن لك طوال الدهر ..
ابتهل من قلبه لله أن يوفقها في حياتها .. فقد كان نعم الخيار عندما تزوجت عيسى .. لقد كان عيسى أقرب الناس له ..
صديق .. و أخ .. كان يمثل قول أمل دنقل ..
(( تلك الطمأنينة الأبدية بينكما : .. أن .. سيفان سيفك ..
صوتان .. صوتك ..
أنك إن مت .. للبيت رب .. و للطفل أب ))
.
.
.
سيأتي عيسى .. سيأتي و يحمل معه رائحة أهلي ..
سيأتي ليمنحني نفحة من الأمل .. تجعلني أتحمل البقاء هنا ..
سيأتي عيسى ..
فلن يخذلني ..
.
.
.
و على ذلك الأمل .. أغمض ذياب عينيه يرجو النوم .. لتمر ليلة أخرى ..
.
.
.
.................................................. ................................................


بدا هذا الأسبوع يمر بطيئا جدا ..
يعاندنا الوقت دوما ..
و ذياب يعد الأيام حتى الخميس .. لا يضنيه شيء سوى الشوق الملتهب ..
إلى أن حدث شيء عكر صفو الأحداث ..
كانو يجلسون على مائدة الإفطار .. يتناولونه وسط تبادل الأحاديث الخفيفة .. جلس ذياب بجانب سيف يقابلهما على الطرف الآخر بو حمدان يتوسط حمد و عبدالخالق .. بينما جلس على يمين سيف أحد السجناء الذي عرفهم ذياب يقال له خموس بو ظرس .. و ذلك بسبب فقدانه لأحد أسنانه الأمامية و انزياح الآخر ليستقر في المنتصف و قد أصبح لونه مائلا للرمادي إثر حادث تعرض له في شبابه .. كانوا يتحدثون عن زيارة الغد و حمد يبدي آرائه الخرقاء عن الزيارة و ماذا قد يحدث فيها .. و عن إمكانية الهرب أثناء إنشغال الضباط بها و عبد الخالق يطلق النكات و يسخر من أفكاره الحمقاء .. وسط ابتسامات الأربعة .. عندما مرت مجموعة من المساجين بالقرب منهم .. توقف أحدهم تماما خلف عبدالخالق .. كان أسود البشرة .. كالح الوجه .. و نظرته خبيثة .. شعر ذياب بكراهية فورية تخترق صدره لهذا الرجل .. الذي قال بصوت حاد أشبه بالنعيق ..
- أشوف عايبتنكم اليلسة هنيه .. نييبلكم شيشة شباب ..
بدا الجميع متفاجئين من التدخل المفاجئ و قطع حديثهم و لكن أكثرهم صدمة كان حمد .. الذي انقلب لونه إلى الشحوب .. بدا و كأن أحدهم أطلق رصاصة قرب أذنه.. في حين أطلقت مجموعة الرجل ضحكات .. أرسلت القشعريرة على طول ظهر ذياب .. الذي اشمئز بشدة .. رغم ذلك لم يغفل عن ارتجاف يد حمد اليمنى .. بدا غاية في التوتر .. ينظر للطاولة أمامه دون أن يرفع عينه و يلتفت إلى الخلف ..
- لا عطنا مقفاك .. يمكن قبلته أحسن عن هالويه ..
كان هذا صوت سيف الصارم .. لم يرفع صوته .. كلماته بطبقة صوته العادية عندما يتحدث .. و لكن ذياب كان متأكدا من أنه رأى التراجع في عيون بعضهم .. بدا الرجل و كأنه سيقول شيئا قبيحا .. و لكنه تراجع في لحظة .. ليوجه ابتسامه خبيثة أخرى ..
- بنشوف يا الشاعر .. امنوه لي بيقفي ..
ما زالت ابتسامته الكريهة تعلو وجهه عندما غادر المكان هو و من معه .. حول ذياب بصره لحمد .. بدا أكثر راحه .. و عاد اللون إلى وجهه .. صدره يعلو و يهبط .. و كأنما كان يكتم أنفاسه ..
- هذا عبود السريحي و شلته .. خلك بعيد عنهم ..
كان سيف يتحدث بهدوء و هو يواصل تناول فطوره .. ألم يلحظ توتر حمد ؟؟!!
- ليش ؟؟!!
عبدالخالق الذي أجابه هذه المرة ..
- الكل هنيه ما يتعرض لهم .. هل مشاكل و مخالفات .. - و أخفض صوته - و نشك انهم يوزعون ممنوعات هنيه ..
اختنق حمد بلقمته و راح يسعل بشدة .. أثار ذلك عجب ذياب .. ما الذي يخفيه حمد ..؟؟!! ..
ما الذي يخفيه ؟؟!! ..

.................................................. ..........................................

مرت نصف ساعة .. ينقل بصره بين الجموع .. في أي لحظة سيطلب منهم الإنتقال لصالة الزيارة .. قلبه يخفق بقوة .. و كأنما توقف عن العدو للتو .. سيأتي .. سيأتي عيسى .. شعر بلهفة شديدة تتزايد في داخله .. تكاد تخنقه ..
للحظة فتح الباب و خرج منه الضابط القائم على التنظيم .. يمسك بيده لائحة طويلة .. بدأ يتلو الأسماء .. اسما وراء الآخر .. و بدأ الحاضرون في تناقص .. لم يتلفظ حتى الآن بإسمه .. ينتظر .. و ينتظر .. ماذا لو لم يحضر ؟؟!! .. لا لا عيسى إذا علم بالزيارة سيسارع لزيارته .. ماذا لو كان سيف مخطئا .. ربما اسمه لم يكن ابدا ضمن القائمة .. بدأت اللهفة تتسرب من صدره كتسرب الهواء من البالون المثقوب .. و امتلأت نفسه يأسا .. لم يأتِ أحد لزيارته .. هاهو الضابط يطوي لائحته .. لم يأتِ أحد .. لم يأتِ أحد .. نظر لمن حوله .. كانوا قلة .. قال الضابط بحزم ..
- الباقين ماشي زيارة ..
رأى الخيبة على بعض الوجوه و اللامبالاة على أخرى .. استدار يجر أذيال الخيبة .. ليعود إلى زنزانته البائسة .. ربما يفرغ شيئا من يأسه هناك بعيدا عن الأعين ..
- ذياب عبدالله علي ..
توقف في مكانه .. أمل.. هو ذاك الذي انفجر للحظة في قلبه .. ربما غفلوا عن اسمه .. و لكــــــــــن ..
- يمكن تتفضل ويايه المكتب ..
و تعود تلك الشعلة لتخبو .. لا أمل هنا .. لا أمل .. تلك قسوة تقمع أمنياتنا الصغيرة .. لا أمل ..
توجه وراء الضابط باستسلام .. و فكره يدور بشدة .. لربما ارتكب خطأ دون أن يدرك .. لذلك حُرم من الزيارة ..
استعاد في ذهنه ما كان يفعل منذ وصوله هنا .. لم يهرب ممنوعات إلى الداخل .. لم يستخدمها .. لم يتشاجر .. لم يخالف .. لا لم يفعل شيئا .. و انتهت المسافة إلى نكتب الضابط الذي وقف عند الباب و اشار لذياب بالدخول ..
- تفضل ..
تقدم ذياب للباب .. ليدلف الحجرة ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس

قديم 01-06-08, 08:56 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجــــــــــــزء الثــــــــــــاني ..




توجه وراء الضابط باستسلام .. و فكره يدور بشدة .. لربما ارتكب خطأ دون أن يدرك .. لذلك حُرم من الزيارة ..
استعاد في ذهنه ما كان يفعل منذ وصوله هنا .. لم يهرب ممنوعات إلى الداخل .. لم يستخدمها .. لم يتشاجر .. لم يخالف .. لا لم يفعل شيئا .. و انتهت المسافة إلى نكتب الضابط الذي وقف عند الباب و أشار لذياب بالدخول ..
- تفضل ..
تقدم ذياب للباب .. ليدلف الحجرة ..

...................................



.
.
.



ألا لو جارت أيامي ..

و ظروف الوقت قدامي ..

من لي لا لمس فيني ..

شقى نفسي .. يداويني ..

من لي يمسك بايدي ..

يعز أقدامي ع العثرة ..

مسح من خدي العبرة ..

و موته لو سمع مرة..

بجرح ساكنٍ فيني ..

يقول .. الله .. يا ربي ..

عسى أيامي أنا تطوى ..

تراه إن ضاق ما تسوى ..

حياتي .. لا عجزت إنيه ..

أفدي بفرحتي حزنه ..

و أكتم صوت هالونه ..

عساني تحت قاع الأرض ..

إذا قلبي مهوب مأوى ..

و يحوي غربة سنينه ..

ألا يا كبر هذا القلب ..

كثير يرجي و يدعي الرب ..

أنا ولدي ..

عسى التوفيق في دربه ..

ألا يا كبر هذا القلب ..

أبد ما قد ثقل همي ..

عليه و لا رفض غمي ..

يقول .. أكثر ..

ترى فرحة على عيانك ..

و بسمة راحة بشفاتك ..

تداوي بي أنا العلة ..

إهي أمي ..بلى أمي ..

فديت أرض توطيها ..


.
.
.




يقف بعجز .. و هو ينظر للموجودين في المكتب ..
و شعر بدمعته المتسارعه .. تطالب بالخروج ..
لتندفع بلهفة .. تسيل على وجنته ببطء .. فتحفر طريقها في نفسه بوقار ..
الصمت يعم المكان .. أهذا صوت ارتطام دمعته بالأرض ؟؟!!
يلتهم بعينيه وجهها الحبيب .. المرهق .. تجلس على ذلك الكرسي .. و تمد ذراعيها .. تناديه بقلبها .. تريد احتضانه ..
فانطلق غير آبه بمن حوله .. خائفا من أن يكون هذا حلم .. و يمضي مع طلوع الفجر ..
رمى بنفسه في حجرها .. يقبل يديها المجعدتين .. و تعبق رائحة القهوة بالزعفران في أنفه .. ليستنشقها ..
تسري مع دمه .. كم تحبها .. !! .. رغم تحذير الأطباء منها ..
مرغ وجهه في حضنها كالطفل ..
لن أكبر عليك أبدا يا أمي ..
صغيرك أنا ..
شعر بشيء يلامس ظاهر يده .. فتح عينيه ليرى تلك الدمعة .. رفع عينه لها ..
- امايا .. أمايا يعلنيه أفدا ريولج يا الغالية .. شحالج .. شوه تانسين ..
تلك دموع تلألأت كالنجوم اللامعة في عينيها .. لتقتله .. إلا دموعك أمي .. إلا دموعك ..
صوتها يصل صداه إلى أذنيه ..
- ذياب .. ذياب يا سنادي .. .......
يشد على يدها .. صغيرة بين أصابعه .. أصابها الوهن ..
- يا لبييييييييييييييييه يا أميه .. ..
- لبتك روحي .. يا بعد روحي .. يا الله يا رب .. يعل يومي قبل يومك .. يا الغالي .. يعلنيه أسدك ..
سالت دموع أكثر غزارة من وراء برقعها و ضمت طرف شيلتها إلى فمها و هي تشهق بحزن ..
تمنى الموت ألف مرة مع كل دمعة طفرت من عينها ..
- لا يا امييه .. كلها إلا دموعج .. اباج تعزين ظهرية تسندينيه و تصبرينيه .. لا عاد تحرقين فواديه .. ما با أشوفهن هالدموع .. قويني .. قويني يا اميه .. اذا انتي لي ضعفتي .. انا معاد فيني حيل ..
و راح يقبل يديها .. تلك اليدين التي حوت على مر حياته أجمل المشاعر .. لتصبها صبا من راحتها الحبيبة .. له .. فتحيل حياته لفرحه .. تغيب بغيابها .. تلك اليدين التي نحتت في الصخر قسوته بحنانها .. لتشق لصغارها طريقا آمنا ..
أمــــــــــــــــــــــــــــاه ..!!
.
.
.
من يأخذ الدمعه لعينه ويعطين..
بسمة أمل وأعطيه في الناس همي.،
من يقسم الفرحـة مع القلب ثنتين ..
من يشرب الكأس المعكر بغمي.،
ما غيرها تاجي على حاجب العين..
أمي ولحد في العرب غير أمي.،.
.
.

راح يهدئها .. في حين لملمت شتات نفسها بحزن .. كان الضابط قد ترك المكتب لهم .. شعر ذياب بوجود الاثنان معهما في الحجرة ..فرفع ذياب عينه للذي وقف يراقب الموقف بهدوء .. نهض من مكانه عن الأرض ليواجهه بما يستحق من احترام .. اقترب منه .. ليبادر عيسى بضمه إلى صدره بقوة .. دوما يفوقه طولا .. شعر ذياب و هو يحتضنه بالقوة .. بأنه يستطيع تحطيم القضبان و الأسوار المحيطة به .. و شعر بشي من الحرية .. لم تعد الأصفاد تعني شيئا و هو يتزود بالقوة من صديقه.. الذي قال بحزن و هو يبعده و ينظر إلى وجهه .. دمعة تكاد تفر من عينه ..
- اشتقنا لك يا خوية ..
فشد ذياب على كتفه بقوة ..
- و أنا أكثر يا عيسى .. و أنا أكثر ..
و التفت إلى حيث تقف جانب زوجها .. ليمد يده بحنان .. تنظر لتلك الذراع الممدودة و هي تكتم شهقتها بصعوبة ..
فهمس لها مناديا ..
- حسنا ..
سالت دموعها على وجنتيها البيضاء .. لتسقط في حضنه و هي تنفجر باكية ..
- ذيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااب ..
ابتسم بوهن .. طفلة بريئة هي .. قبل رأسها ..
- هههههه يا الخبلة .. خشعتينا ..
لكمته على صدره .. و دمعتها تخالط المبسم ..
- حمااار .. - ثم عادت للاكتئاب - فقدناك ذيااب .. - و بكت بشدة - فقدناك يا خوية .. و الله نحبك و الله..
آلمه ذلك .. آلمه كثيرا .. حزنها ..و لقاء الدموع هذا ..
- و أنا بعد فديتج .. أحبكم ..
و نظر إلى أمه مجددا .. تنظر إلى الأرض بحزن .. أرهقتها السنين .. فجلس بجانبها .. تبادلوا السؤال عن الحال ..
بلهفة كبيرة ينظر إليهم ..
- شمامي وينها ؟؟!!
فرد عيسى ..
- في البيت ما رمنا نييبها .. ترى هالزيارة من شهر و نحن نتسحب الواسطات لين ما خذنا موافقة .. ما بتتكرر يا ذياب إلا في الزيارات الجماعية أيام العيد ..
شعر ذياب بفرحة رؤيته لهم تتبخر .. لن يراهم إلا مرتين في السنة .. أمسك يد أمه و نظر مباشرة لعيني عيسى ..
- ما وصيك يا عيسى .. أمي أمك .. هالله هالله فيها ..
- لا توصي يا خوية .. و ترانا انتقلنا البيت .. عسب ترتاح ..
و ابتسم له مشجعا ..نظر ذياب إليه .. عيسى .. شكرا للأبد ..
حول بصره لشقيقته ..
- حسنا .. شما يا حسنا .. شما .....
مدت يدها مقاطعه بحزم ..
- شماا في عيوناااااا لا تحاتيها .. أهم شي الحين انته .. تحمل ع عمرك .. و رد لنا سالم ..
ابتسم بوهن ..
- ما روم الصراحه .. عايبنيه ذياب ..
بادلته الابتسامة .. فالتفت إلى أمه .. ما زال يمسك بيده ..
تنظر إلى الأرض بحزن دفين .. فشد على كفها بخفة .. لترفع عينيها إليه .. فتقرأ في عينيه حاجته إليها .. شدت على يده بدورها ..
- ريال يا ذياب .. و الرياييل ما تصنعهم إلا المصايب .. الله يوم يحب عبده يبتليه .. الله يحبك .. و ابتلاك ..
ثم شعر بأن نظرتها و صوتها أصبح أكثر قوة ..
- لي دخل علينا يصيح هب ولديه .. أباك أقوى عن كذيه .. لو كل مصيبة هزتك بكتك .. ما بتظهر منها .. خل راسك مرفوع يا ولدي .. خله مرفوع .. و الضربة لي ما تقتلك ..
أخذ نفسا .. شعر بأنه منتعش ..
- تقويك ..
و قبل رأسها .. تداري تلك الدمعة الخائنة ..
- كفوووووو و الله يا سنادي .. لي راح راح .. و ما بنغير شي .. و الصبر .. الصبر يا ذياب .. عليك به و أنا أمك .. ما بيشدك إلا هو .. ذياب يا بعدي ..
- اشتدي ..
- لا تفتر الهمة ورا الحديد .. اسعى عسب الله يسعى لك .. ازرع الخير .. و بتلقا حصادك خير .. لا يضيعك مثل ما ضيع الغير ..
بدا تصميم حديدي في عينيه ..
- ولدج يا الغالية .. و التربية لي من سنين ما بتهزها ضعف نفسي .. ادعي لي .. ادعي لي فديتج .. و ارضي علي يا الغالية .. و إذا ما فيها رضاج تضيق بي الدنيا .. و أخليها ..
بدا صوتها منخفضا و هي تقاوم دموعها النقية ..
- راضية عليك يا حبيبي .. راضية الله يرضى عليك .. الله يسهل لك .. و يسر أمرك .. و يجعل لك من كل مصيبة و هم و كربة فرج من حيث لا تحتسب .. يا كريم ..
شعر بالتفاؤل يغزو روحه .. سيعيش عمره كله على تلك الدعوة منها .. تكفي يا حبيبة .. تكفي يا حبيبة ..
- بارك لأختك ..
- مبروك .. ع شوه ؟؟!!
- حامل ..
ألجمت المفاجأة لسانه .. نظر إلى وجهها الذي كساه الحياء .. و ابتسامة صديقه السعيدة .. ليطلق ضحكة صافية و هو يحتضنها بشدة .. شعر بروحه تحلق .. لم يذق طعم السعادة هكذا منذ مدة ..
و لم يعد يفتقد الآن سوى صغيرته ..
طفلته الذي قد يمر وقت طويل قبل أن يراها ..!!

.................................................. ..................................

- يلعن أبو الواسطة كيف تأثيرها قوي ..
يتلقى ضربة على كتفة ..
- اللعن حراام .. خلاف يرتد عليك ..
ينظر إلى عبد الخالق بتمرد ..
- خله يرتد عليه .. انته شعليك .. خبرنا بو شما .. كم يلست ويا الأهل ..
ابتسم ذياب .. فمنذ عاد من المكتب و حمد يلقي الأسئلة.. لم تنقطع ثرثرته .. و لكن ذلك لم يزعج ذياب .. فقد كان يشعر.. براحة و طمأنينة غريبة منذ التقى أمه .. رغم أن الشوق لابنته ما زال يشتعل في لب الفؤاد ..
تكلم سيف بصوت حازم ..
- حمد .. صدعتنا ياخي بالهذرة ..
التزم حمد الصمت و غضب طفولي يعلوو محياه ..
عاد عبدالخالق لقراءة كتابه .. و سيف مازال مستلقيا بهدوء على فراشه ..
أغمض ذياب عينيه بهدوء ..

.
.
.

- كفوووووو و الله يا سنادي .. لي راح راح .. و ما بنغير شي .. و الصبر .. الصبر يا ذياب .. عليك به و أنا أمك .. ما بيشدك إلا هو .. ذياب يا بعدي ..

.
.
.
- شباب ...!!
التفت الثلاثة إليه ..
اعتدل جالسا ..
- عندي مشكلة ....!!

.................................................. ..........................................
- ما توقعته هو لي بيساعدنيه الصراحة ..
هذا ما قاله ذياب لعبدالخالق و هو يحمل منشفته و يخرج من الحمام الرئيسي متوجها لزنزانتهم ..
- أفاا .. ليش ؟؟!!
- مادري أحيانا أحسه ما يرتاح لي .. يعني ما يسولف ويايه وااايد .. يوم نيلس رباعه بروحنا .. ما يرمس .. مادري .. قلت يمكن لنه ما لنا إلا شهر ويا بعض .. بس شوف أنا وياك كيف .. و أنا وحمد ..
ابتسم الآخر بهدوء ..
- انته ما تعرف سيف عسب كذيه حكمت عليه غلط .. سيف ريال طيب .. و سنافي .. و وقت الشدة هو أول من بيفزعلك .. بس هو هادي و كتوم .. ما يحب الهذرة .. بيني و بينك مرة رمسنيه عنك ..
دهشة على وجهه .
- عنيه أنا ؟؟!! .. شوه قال ؟
- صراحة مدحك .. قال انك تأقلمت ويا الوضع و ضغطت ع عمرك مع انه يبين عليك هب مرتاح .. و قال إن روحك فيها قوة ..
لا يدري لما امتلأت نفسه فخرا و هو يسمع مديح سيف له ..
- أقولك ما تعرفه زين .. يباله وقت سيف .. هب متعود يكشف أوراقه بسرعة ..
- ع العموم هو ما قصر .. و ما بنسى يميله عليه أبد .. بس قوول يا رب ألقى الموافقة ..
- ياا رب ..
ابتهل ذياب بذلك من قلبه خالصا .. فإذا تمت الموافقة .. سيكون ذلك بمثابة قفزة كبيرة في هذا المكان ..
و هناك شيء احتفظ به لنفسه .. ستكون هذه الوسيلة للوصول إلى سيف .. و التعرف على شخصيته الغامضة عن قرب ..


.................................................. ............................................

في مكان آخر تماما .. يبعد آلاف الكيلومترات .. عن حدود قضبان الأسر ..
استلقت تلك الفتاة اليافعة أرضا على بطنها .. و تناثرت حولها الكتب .. تعقد حاجبيها .. و بدا عليها التركيز ..
من يرى هذا المنظر .. يرى فتاة مواظبة على استذكار دروسها .. و لكن لحظة ..!!
اقترب قليلا .. أنظر إلى تلك الرواية المخفية بين طيات الكتاب ..
بدا الأسى يعلو محياها .. و دمعة صافية تسيل من عينها بحزن ..
تدعك أنفها الصغير بطرف كمها ..
و لكن بحركة سريعة دست الرواية تحت كتاب آخر عندما شعرت بمقبض الباب يدور ..
تمسح عينيها و تزيد قوة الحزن على ملامحها ..
يطل رأسها ..مع الباب .. فترى الدموع تغرق وجهها الجميل ..
- عذابه .. بلاج حبيبتي ..
تغضن وجهها الحلو .. ثم انفجرت ببكاء عميق ..
- حمدووووووووووه .. تهئ تهئ ..
و تمسك شقيقتها صدرها بخوف .. تقترب منها ..
- بلااااااااااااااااااااااااااج ..
تواصل شهقاتها ..
- ما فهمت هالمسألة ..
تنهدت الكبرى براحه ..
- عنلااتج يا السبالة روعتينيه .. إنزين لا تصيحين .. خبرينيه و أنا أشرح لج إياها ..
- أنا خايفة ..
- خايفة من شوووه ؟؟!!
- من الامتحانات ..
- لا تخافين .. امتحانات عادية .. شرات كل لي خطفن ..
- لا .. الثنوية العامة غييييييير ..
- لا هب غير .. بس العرب تهول الموضوع لن النتايج تظهر في الجرايد ..
- انزين خلاص شوه كنتي تبين قبل لا أصيح ..
- أمايا تزقرج .. العشا بنحطه ..
- خلاص انزلي و بلحقج ..
خرجت حمده .. بينما نظرت هي للمسألة أمامها .. كانت قد قامت بحلها منذ ساعة خلت ..
أخرجت الرواية لتدسها تحت السرير ..
دومنيك أيها اللعين .. لا تهجر كلارا .. إلى أن أعود بعد العشاء ..
و إنطلقت تركض بخفة .. لتلحق بشقيقتها ..

.................................................. ................................
كانا يقفان في زاوية المسجد بعد انتهاء صلاة العشاء ..

تعلق بصره به بشدة .. ينتظر الكلمات تخرج منه .. و لكن الآخر وقف كالعادة بهدوئه الأثيري ..
طال الصمت ..
- هاا بو هناد بشّر ؟؟!!
بدت هناك ابتسامه تقام للظهور على شفتيه .. فابتسم بوقار ..
- عطوك الإذن ..
اتسعت ابتسامة ذياب ..
- الله يبشرك بالخير ..
- الحين يمكن تيلس شوي عسب نتفاهم ..
جلس ذياب بسرعة في حين تكلم سيف بهدوء ..
- انته تقول إنك تحس إنك بدون نفع و لا فايدة في هالمكان ..و إنك خايف ما تستقبل في وظيفتك بعد ما تظهر من هنينه .. و تبا شهادة ..سألتني إذا يمكن أحل المشكلة .. أنا أروم أخليك تاخذ شهادة و أوظفك بعد عن بعد ..
- كيف ؟؟!!
- انته تعرف إنيه خذت لك إذن يضمك للقاعة التعليمية .. عندنا شبكة إنترنت .. الشباب يكملون دراساتهم من خلالها .. إذا انته راغب في الموضوع كان بها .. و إلا أنا عنديه لك شور ثاني ..
- شوه من شور ؟؟!!
- شوه رايك في الخدمة الاجتماعية .. ما توقع إنها بترفضك حتى لو كنت سجين سابق .. شهادة معتمدة في سنة .. عمل تطوعي ستة شهور .. عسب يشوفون إذا انته بتنفعهم بيستخدمونك ..
- امنوه لي يديرها ..
- مكتب الخدمات الأسرية بإشراف من الشيخة فاطمة بنت مبارك ..
- ما شاء الله .. يعني شي مضمون ..
- هيه ..
- ما عندي خلاف بس أفكر في الموضوع أول ..
- شوه رايك .. باكر يوم بتيي تشوف الموضوع مباشرة ..
- خلاص غايته .. بس كيف بداوم و أنا في الورشة ..
- عندك من الورشة بريك من سبع الين تسع و نص .. خلاف ترد لهم .. و ذياب ..
- لبيه ..
بدا حازما جدا الآن ..
- أنا أساعدك الحين .. و معناتها إنيه وثقت فيك .. فلا تخذلني ..
اشتد قبضته على صدره ..
- يميلك يا بوهنااد ع راسيه .. و مستحيل أخليك تندم ع هالشي ..
خرج من مسجد ليتوجه للحمامات الغربية ..و هي حمامات لم يزرها من قبل و يعلم أنها أغلب الوقت خاليا .. لكنها الأقرب للمسجد ..
كان يفكر لما لا يأتون إلى هنا للوضوء ..
يمشي في رواق طويل قبل أن ينحني الرواق .. وجد أمامه الحمامات مباشرة ..
لكنه تراجع للخلف بسرعة قبل أن يلفت الأنظار .. ظل يراقب من بعيد مدركا أن أحدهما لا يراه .. كان هناك شخصا واقفا مع الرجل الذي مر الأسبوع الماضي قرب طاولتهم ..
اعتصر مخه ليستخرج اسمه .. تذكر..!! عبود السريحي .. و لكنه لم يهتم لأمره .. كما اهتم لأمر الرجل الذي كان يقف معه .. رغم أنه كان يعطيه ظهره .. إلا أن تلك القامة الممتلئة و الوقفة المستخفة.. لم تخفى عليه ..
رأى عبود يدس في يده شيئا و يقترب منه و الغضب جلي على وجهه ..
ما الذي يفعله حمد مع السريحي في هذا المكان ؟؟!!

.................................................. .......................................

في الزنزانة ..
بدا حمد كعادته .. ثرثارا .. و لكن لا يعلم ذياب لما بدا له منافقا الآن .. لم يعد يريد سماعه أو النظر إليه ..
و لاحظ الشباب صمت ذياب .. فوجه عبدالخالق حديثه له ..
- بو شماا .. رب ما شر ؟؟!!
- ما شر و الله بس تعبان شوي ..
قال حمد و هو يلقي يتسلق سريره ..
- المفروض تستانس يوم عطوك الموافقة .. غيرك يدور واسطة بو هناد و ما يحصلها ..
بدا له حمد في تلك اللحظة كريها .. ماذا سيفعل حمد و سيف إذا علما بما رآه ذياب ؟؟!!
تلك الليلة لم يستطع ذياب النوم جيدا .. هل كان حمد يتعاطى الممنوعات في ذلك المكان .. هل يزوده السريحي بها ..
أم أنه واحد ممن يوزعونها .. لم لا .. لقد كان كذلك قبل أن يدخل إلى هنا ..
قبل أن يغفوا كان قد اتخذ قرارا.. غدا عليه أن يقطع الشك باليقين ..
سيتحدث مع عبدالخالق فهو الأقرب إليه .. و بحكم السن و الخبره .. سيعلم كيف يجدون تفسيرا لهذا ..
و إذا اضطر سيتحدث شخصيا مع حمد ..
فهو لم يحبذ فكرة أنه قد أتخذ شخصا غير أهلا للثقة صديقا له ..
.................................................. ..........................................

.. تفتح نافذة شرفتها العملاقة .. و تزيح الستائر الثقيلة .. لتتغلغل أشعة الشمس المكان .. تلامس وجهها برقة ..
و فيروز تصدح في المكان ..
بكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق .. و تكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق ..
و بكرا بتشتي الدني ع القصص المجرحة ..بيبقى اسمك يا حبيبي و اسمي بينمحا

تضع كوب الشاي الساخن على الطاولة .. و تبعد رواية الحلم لأميل زولا .. و تدير جهاز الكمبيوتر المحمول ..
ثواني معدودات قبل أن تظهر نافذة تطلب الرقم السري ..
بسرعة المعتاد على الأمر تطقطق أصابعها بخفة عدة أرقام .. لتظهر بعد ذلك صورة الغروب الذي وضعته خلفية لجهازها ..
انترنت .. المفضلة .. منتديات .............
و هاهي بواجهتها الرئيسية الوردية الزرقاء الجميلة تظهر على الشاشة ببطء ..
و فيروز ما زالت تصدح في المكان ..

بحكي عنك يا حبيبي لأهالي الحي

بتحكي عني يا حبيبي لنبعة المي

و لما بيدور السهر

تحت قناديل المسا

بيحكوا عنك يا حبيبي

و انا بنتسى
.
.


أهلا بعودتك أسير الوهم .. زيارتك الأخيرة ......................

تتغير الأغنية ..

هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور

و تتبعت السواقي و تسلقت الصخور

هل تحممت بعطر و تنشفت بنور

و شربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير
.
.


فيروز .. و الشاي الساخن .. و هذيان كلماتها .. هذا صباح روتيني ..
لست أظنه اليوم ..
اليوم كالأمس .. كالغد ..
لم يأتي بعد الحدث الذي يغير مجرى حياتي ..

هل جلست العصر مثلي بين حفنات العنب

و العناقيد تدلت كثريات الذهب

هل فرشت العشب مثلي و تلحفت الفضا

زاهدا في ما سيأتي ناسيا ما قد مضى

.
.

رفعت شعرها و هي تنتظر انتقالها إلى صفحة الخواطر ..
قبل أن تسمع صوت شقيقتها الصغرى ..
- حمدووووووووووووووووه .. كانت تضرب الباب بقوة ..
- نعااااااام ..
- بطليي .. عطيني الساااعه البنفسجية ..
- لاااااااا ..
- حررااااااااااااااام حمدووووه .. لازم ألبسها .. العين فازت البارحة ..
- قلتلج لاااااا ...
- حمدوووووووووه دخيلج ..
لن تتوقف عن الإزعاج حتى تحصل على ما تريد ..
فتحت الدرج .. لتلتقط الساعة ..
فتحت الباب بشكل مفاجئ .. حتى كادت شقيقتها أن تسقط ..
نظرت إليها ..
- صباح الخير ..
- صباح النور
و مدت رأسها إلى داخل الحجرة ..
- شوه تسوين ؟؟!!
دفعتها بيدها إلى الخارج ..
- يا اللقااااااااافة .. مااا يخصج ..
بدا الغضب على وجه عذابة لتسحب الساعة من يدها بشي ء من العنف ..
- ناس فاضية .. يأخروناا ع المدرسة ..
و أشاحت بوجهها و خرجت بسرعة قبل أن ترد حمدة عليها ..
ابتسمت بعد أن خرجت شقيقتها ..
- الخبلة ..

أعطني الناي و غني

و انسى داء و دواء

إنما الناس سطور

كتبت لكن بماء
.................................................. ................................................

تتمــــــــــــة

.................................................. ................................................
.
.
.

ذالك الفجر البعيد ..
غزا الليل المسن في آخره ..
ينتهك عرض ظلماته الساترة ..
فأسرع يطوي حلكته ..
يولول صارخا ..
هاربا ..
يبحث عن منأى هناك ..
من أسهم الإشراق تلك السافرة ..
الحائرة ..
.
.
.

كان هذا الصباح يختلف تماما ..
يحمل شيئا من التفاؤل ..
يحمل شعلة صغيرة واهنة .. قد لا يشعر بدفئها .. و لكنه يرى وهجها الخافت .. ذاك أمل ..!!
يحمل دعاء قلب .. لا يرد من الخالق .. دعاء من قلب أم انفطر من فراق فلذته ..
.
.
.
هذه المرة لم يذهب مع عبدالخالق إلى الورشة .. بل توجه مع سيف للمكتبة ..
كانت الصورة التي ارتسمت في مخيلة ذياب عن المكتبة .. حجرة كئيبة .. متشققة الطلاء كزنزانتهم ..
و لكن خاب أمله ..
كان شيئا فاق تخيلاته .. صالة واسعة جدا تملأها رفوف الكتب التي تصل إلى السقف المنخفض .. صبغت جدرانها باللون الأبيض النقي .. و مكاتب أنيقة نظيفة اصطفت بترتيب على طول القاعة ..
و لكـــــن أجمل ما وقعت عيناه عليه .. كانت النوافذ الكبيرة المفتوحة على مصراعيها ..
تسمح لأشعة الشمس الصافية بالدخول ..
شعر بالتفاؤل .. النور .. و نقاء اللون الأبيض .. و كأنها واحة .. تروي سراب الظامئين ..
تقدم معه إلى حيث توسط المكتب المتواضع المكان .. فجلس سيف خلف المكتب .. صامتا كالعادة ..
بينما هو متلهف .. لا يطيق صبرا ..
يمد سيف يده بالوريقات ..
- وقع بو شما تحت ..
و يسيّل على الورقات من دم القلم .. هذا قرار قد رسمت حدوده .. و علي المضي ..
.
.
.
تم استيفاء جميع الأوراق المطلوبة و إرسالها مباشرة .. لم يعد في حيلته شي سوى انتظار الرد على طلبه ..
فعند رؤيته للدورة التي تحدث عنها سيف .. شعر بميل شديد لكي يشترك بها .. ستستمر لمدة سنة .. يتبعها تأهيل تدريبي مدة ستة أشهر .. يمكنه خلالها إثبات جدارته ..
كان مندفعا بشدة .. يشعر بالنشاط يدب في روحه تفاؤلا قبل عقله و الجسد ..
هذا تحدي عليه اجتيازه ..
و هذه مصاعب لا تقبل الهوان مطلقا ..
سأنجح في ذلك ..
سأنجح ..!!

.................................................. ............................................

لا يُسرد الإحساس فضحا في العلن ..
فمشاعرٌ تحوى في طيات أرواحنا .. تشعرنا بلذة الشيء المخبئ في حرص ..
و خشية اكتشاف أحد لما نداري .. تبثنا شيئا من الإثارة ..
كانت تستتر خلف ستارة نافذتها .. و هي تراقب خروجه من بيتهم ..
يكاد قلبها يقفز من مكانه ..
يا إلهي .. أحبه .. أحبه ..
ظلت عيناها متعلقة به .. و هو يركب سيارته .. حتى زوالها هناك ..
بعيدا في الأفق ..
رمت بنفسها على سريرها و هي تقهقه بخفة ..
ثم سرعان ما نهضت لتنظر إلى وجهها في المرآة العملاقة المعلقة على الجدار ..
ترفع شعرها بغرور إلى الأعلى ..
- يحبنيه .. أكيد يحبنيه ..
ثم تكلم المرآة الجامدة أمامها ..
- اسمع يا مبارك .. تبانيه .. لازم ترقبنيه .. لنيه ما بعرس قبل لا حمدووووه ختيه تعرس ..
أسدلت شعرها الحريري بخفة ..
- ما بعرس الين ما يي حمدوووووووه نصيبها ..
و بدا انعكاس تصميمها في المرآة ..
.................................................. .........................

رأى عيناه تضيقان في شك ..
- ما صدق ..
- أفا و الله .. شوه يعني أتبلى عليه ؟؟!!
- حاشاك .. بس ....
قاطعه بحزم ..
- عبد الخالق أنا ما لجأت لك .. إلا لنيه حسيتك أخبر واحد فينا .. أروم أسير لحمد .. و أقول لي أباه فويهه ..
أجاب في هدوء ..
- أنا ما أشك في نيتك يا ذياب .. و لكن حط نفسك مكاني .. انته تعرف امنوه عبود السريحي ؟؟!! .. هذا الكلب الله يعزك أرحم عن قبلة ويهه .. إنسان حقير بشكل ما تتصوره .. الحول .. ضرب واحد إلين قلع عينه ..
بدا الاشمئزاز على وجه ذياب ..
- فهمتني .. يعني حمد لي أنا وياه من سنة و ست شهور .. مستحيل يكون من نفس الطينة .. هذاك ابعد ما يكون عن البشر ..
- الصراحة أنا ما روم أفكر إلا بالشين .. شوه لي بيخلي حمد يوقف وياه ..
ابتسم عبدالخالق .. و كان الموقف أبعد ما يكون عن المسلي ..
- هذي مشكلتك .. دومك متسرع في حكمك على الناس .. تحيد يوم قلت انك ما توقعت ان سيف يساعدك .. نحن في نفس النقطة الحين .. لكل شي سبب يا ذياب .. حتى لو كان حمد من رباعة عبود .. هذا خوينا .. تبانا نشوفه يغلط و نسكت .. إلا ننتشله من الغلط .. و لو اضطرينا إنا نبلغ عنه و ينحبس انفرادي .. أهم شي نبعده عن الغلط .. حمد شخصيته هب قوية .. و نفسه ميالة للخطا .. و التأثير عليه سهل .. بس صدقني .. قلبه طيب .. و وفي بشكل ما تتصوره ..
وضع يده على كتف ذياب ..
- ذياب .. حتى لو شفت الواحد منا يغلط قدامك .. لا تتسرع أبدا .. الرسول يقول .. ((التمس لأخيك سبعين عذراً)) .. و بعد العذر .. انصحه .. و إن شفته ما ينتصح .. استخدم القوة .. يمكن تخسر الكثير من أحبابك .. على طريق الغلط .. بس النصيحة ما تنفع فيهم .. حزتها .. لا عاد تفكر .. اسحبه بالقوة من طريقه لي يمشي فيه ..
و بيي اليوم لي بيشكرك فيه ..
لم يعلم ذياب لما تحول عبدالخالق للحديث بهذه الطريقة .. فجل ما كان يريده هو أن يستفسر معه عن وقوف حمد مع السريحي ..
شعر بأن ظنونه كانت مجردا وساوس .. أحس بخجل كبير فرفع عينيه لعبدالخالق ..
لكنه وجد نظرة أب حانيه ..
- كلنا نغلط ذياب .. و حرصك ما يدل إلا على معدنك .. تعودت علينا ..
و ابتسم بلطف ..
- و نحن تعودنا عليك .. و وجودك بينا يعني الكثير ..
شعر ذياب بدفق قوي من الحب يسري في عروقه لهذا الرجل الطيب ..
فابتسم و رفع عينه له ..
شد بقوة على قبضته ..
- و انتوا قدركم عالي .. و الله يشهد ع رمستيه ..
و اقترب من كتفه ليطبع قبلة احترام ..
فرأى طيف دمعه بعيدة .. يتألق خلف تلك العينين الصافيتين ..
.................................................. .................................................. .........
الشمس تذوي واهية خلف الأفق ..
و شعاع ضوء يائس قد إهترئ .. يسقط على الأرض فينتحر ..
فيلملم برد المساء رفاته ..
ليبعث في نفس الكثير منا الحزن ..
أوَ ينجلي حزن المغيب مع الظلام في السماء
.. أم أنه كحكاية الليل التي تروى تباعا .. دائما .. أبدا .. عند المساء ..
ما زالت حرارة الشمس تكافح ببسالة ..
بينما جلس خلف مكتبه متجاهلا عرق غزيرا .. أغرقه ..
خصلة من شعر سواده داكنا على جبينه تدلى .. و ملامحه الجميلة اكتست بالحزن ..
يغمض عينيه .. فتتراءى له .. و قلبه بها ينفطر ..
ذاك الألم في روحه المتفردة .. قد حفر ..
يمسك قلمه .. ليخط تلك القصيدة .. باحتراق ..
تلك القصيدة ..
قديمة هي قد أُغفت .. مع الأيام .. كل حروفها ..
و على مر السنين الماضية .. هي بعثرت ..فتشتت ..
لتعود في كل ليل سرمدي .. فتذكره ..هي رائعة .. قد خطها في عصر سحيق قد مضى ..
.
.
.

مـازال طــرف العـيـن والقـلـب مــردود .. وكـــل الـجــوارح عـنـدكـم يـــا غـنـاتـي

والجـسـم مــا يهـنـاه قـــوتٍ ومـشـهـود .. وعـيـنـي جفـنـهـا بـالـكـرى مـــا يـبـاتـي

قـضّـيـت لـيـلـي افـتـكــر فــيــك بـتـعــود .. والـلـي جـعـل لــك فــي فــوادي مقـاتـي

غالـي ومـالـي حــد غـيـرك مــن الــذود .. وانـتــه جـــدا لـعـيــون انــتــه حـيـاتــي

وانتـه الفجـر لـي ييـلـي اللـيـل و الـنـود .. وانـتــه الـــذي لــــولاك تـفـنــا حـيـاتــي

وانت الكرى لي يداعب العيـن و ايعـود .. للـجـفـن لـــي مـسـهـود نـومــه يـواتــي

يالـيـت مــا تبـعـد عــن العـيـن بـالــرود .. لــو كـنـت حـاضـر فــي حشـايـه تـبـاتـي

اهــواك وانـتــه الـرجــا فـيــك مـعـقـود .. لا تبـتـعـد خـــلّ الـنـظــر فــيــك شــاتــي

مـا انسـاك لـو طـال المـدى بيـن لحـدود .. وما انسى غرامـك لـو دنـت لـي وفاتـي

احــب لــي يـهـواك ولـلـي لـــك ايـعــود .. أهــــلٍ وربــــعٍ والــــذي لــــك يـحـاتــي

عسى المدى يقصر، و وصلك لي ايعود .. يــا مــن يـــداري والـوفــا فـيــه ذاتـــي

لــك نــور عيـنـي والـمـوده بــلا حـــدود .. اهــواك مــن صـغـري وقـربـك هـنـاتـي

يا الله عساك اتعيش في العمر مسعـود .. وتـهـنـا بـــدار الـوصــل دار الـصّـفـاتـي

.
.
.

فتفننت تلك الحبيبة مسبقا .. في غرس السيوف وسط روح حائرة ..
لتتبعها قصيدة خطت في حبها ..
لتعود للجرح القديم المندمل ..
برمح ذكرى ذابلة .. تسدده ..
فتطعنه ..
لتجدده ..
.
.
.

فوضع رأسه على المنضدة ..
كان الليل قد انتصر في معركته القديمة ..
و الذكرى انتصرت على النسيان .. كالعادة ..
و ما زال سيف ..
ذلك الشاعر الغريب ..
يجلس هنا ..
بلا حيله ..
بينما قد تكون هي .. في بقعة أخرى من بقاع الأرض ..
و قد نجحت في النسيان ..

.................................................. .................................................

* القصيدة ( غالي و مالي حد غيرك ) للشاعرة الإماراتيه القديرة ( المياسة ) ..



.
.
.


يتبع

تتــــــــمة

.................................................. .................................................

يحاصرانه في تلك الفرجة خلف المصلى الكبير ..
- يقول إنه شافك بعيونه ..
نظر إليه بحقد ..
- كذاااااااااب ..
ببرود يجيبه ..
- أنا ما أكذب .. شوه كنت تسوي وياه ؟؟!!!
العناد .. و التمرد ..
و لكن تهاوى كل شيء ..
- ما اقدر أقول .. إذا خبرتكم عاادي يذبحوووني ..
ثم نظر لعبدالخالق باستعطاف ..
- عبدالخالق .. تعرفه عبود .. شرّي .. ما بيرحمنيه ..
و لكن رجائه لم يجد صدى لدى عبدالخالق .. الذي رد بقسوة أثارت عجب ذياب نظرا لدفاع الأول عنه ..
- بتقول و إلا أستخدم طريقة ثانية تخليك غصبن عنك تقول ..
تمرد .. مرة أخرى ..
- ما بقول ..
كانا يتبادلان النظرات بقوة .. و كل منهما يرغب بصرع الآخر .. هذا قبل أن يرفع عبدالخالق صوته ..
- ســــــــــــــــــــــــــــيف ..
ليتحرك في الزاوية البعيدة .. طيف شخص يقف في الظلام ..
احتبست الأنفاس .. الكلمات ..
.
.
.
تحسبا لمواجهه ..!!
.
.
.................................................. .................................................. .

- صوتج متغير .. رب ما شر ؟؟!!
- ما شر .. بس ضايقة شوي ..
- ضايقة من شوه ؟؟!!
تنهدت بحرقة .. اتصال صديقتها كان في وقته ..
- يختي طفرانة .. مدري شوه أسوي ..
- غريبة .. طفرانة من شوه ..
- من كل شي .. كل شي .. من حياتي .. من الروتين الممل لي انا عايشة فيه ..
تهدج صوتها فجأة ..
- أحس انيه مخنوقة .. مخنوقة يا حسنا ..
عبر أسلاك الهاتف وصل صوت صديقتها الجزع ..
- تعوذي من الشيطان يا حمده ..
أخذت نفسا طويلا معذبا ..
- أعـــــــــــــــــوذ باللــــــــــــــــــه مـــــــــــــــن الشيطــــــــــــــان الرجيــــــــــــــــــم ..
- هذا كله من الفراغ .. الفراغ لي انتي فيه يسهل عمل الشيطان و وصوله لج .. ليش ما تكملين دراستج ؟؟!!
- حسنا .. من صدقج انتي ؟؟!! أنا عمري 26 سنة الحين .. لو بدخل الثنوية يبالي ثلاث سنين أو أكثر .. عسب اخلصها و ادخل الجامعة .. و بعدين انتي تعرفين انيه هب مال دراسة ..
- اووووووونها .. هب مال دراسة .. و ابداعاتج حبيبتي ؟؟!!
- يمكن العربي بس .. حسنا ماروم أكمل دراستي .. يعني بتم في البيت الين ما يفرجها رب العالمين ..
- انزين اشتغلي ..
ضحكت بسخرية مرة ..
- ان كنت تعلم فتلك مصيبة .. و ان كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم .. يختي كم مرة قلت لج ان الشغل منقوووود عندنا .. بعدين بالله عليج .. امنوه بيشغلني بشهادة الاعدادية ..
- حمدووووه .. الشهادة ما تهم .. انتي مبدعة في الكتابة .. ألفي لج ديوان خواطر أو رواية .. بتشعللين الدنيا نار ..
- شوه برينجلز ..
- لا تغيرين السالفة ..
- اووووفففف حسنوووه .. دخيلج غيري السالفة .. هالحلول ما تنفعني .. انا لازمني تغيير جذري ..
و عاد صوتها يكتئب ..
- و الله حسنا الاثنين عندي شرات الخميس .. ايامي كلها بلا معنى ..
و تماسكت لكي لا يفضح صوتها العجزُ .. عندما تسللت دمعتها خفية على وجنتها ..
- أحس أيامي تخطف ع الفاضي .. عمريه 26 و أنا ما قد سويت شي مفيد فحياتي ..
تسلل حزنها لصديقتها ..
- حمده .. شوه هاليأس لي أسمعه فصوتج ..
- انتي بعدج ما سمعتي شي يا حسنا .. أحس عمريه مكتئبة وااايد .. محد يفهمني .. و الله ان في داخلي شعور انيه ضايعة .. أحس انيه غريبة و انا وسط هليه ..
- لا يا حمده .. هذي كلها أوهام .. انتي لازم ما تستسلمين لها .. الفراغ لي انتي عايشة فيه يولد هالافكار السوداوية ..
شعرت بأنها لن تفهمها .. لن تلومها .. فهي نفسها لم تفهم كنه المشكلة ..
- خلاص حسنا سدي السالفة .. خبريني شوه مسوية ويا الوحام ..
- لا تغيرين السالفة ....
- حسنا ..
- أوكيه .. خلاص ..
- خبرينيه شوه مسوية ويا الوحام ..
- تعذييييييييب .. تعذييييييييييييب .. و الله طوووول الوقت مصدعة .. كبدي لااايعة .. و نفسي غااامة .. و خاطريه اصفع حد .. حتى عيسى ما سلم منيه .. كل يوم ياخذ نصيبه من الانفعالات بأنواعها .. الضيق .. و الصياح .. أمي تقول فترة و بتروح .. الله يعين بس ..
- ههههه صبري .. صبري .. تبين عيال .. تحملي ..
- آآآآآآه .. ما تقولين حسنا .. وااايد اعصب .. حتى ع شمامي فديتااا ..
- حراام عليج ... شوه تعصبين ع الياهل .. ما قلتيلي .. شحالها ..
- بخير و نعمة .. بتنفجر .. ما تقولين غير درام ..
- هههههههههههههههه حرام عليج ..
- لا و الله صدق .. البنية معرضة لخطر السمنة المفرطة .. و السبة أمايا الله يهديها .. على مدار الساعة تحشيها بالعيشة ..
- حليلهاا يااهل .. و بعدين ردي شهادة ع ويهج لا تصكين الصغيرة بعين ..
- امنوه لي بصكها ؟؟!! شمووه ؟؟!! .. لاااااا استريحي .. هاي جلدها غير قابل للاختراق ..حتى من العين ..
- اييييييه .. بلاج عليهااا ..
- خخخخخخخخخ .. ماشي .. أحب اطفربها .. تعيبنيه يوم تزعل و تتشكا لأميه ..
- شكلج استفردتي بها يوم ابوهاا محد ..
- آآآآآآآآه حمدووووووه .. و الله ما تشوفين البيت كيف مستوي بعد ما انحبس .. في ذمتيه انه يقبض القلب .. حتى أمي تلقينها دوووووووم تصيح لو حد طرااه ..
- الله يعينكم و يره سالم ..
- يقول ما يبا ..
- ما يبا شوه ؟؟!!
- يرد سالم .. يبا يتم ذياب .. خخخخخخخخخخخخخخ
- بااايخة ..
- ادري ..
- هههه انزين شعشبونة ..
- شعشبونة فعينج يا ام الدويس .. انا كبرت الحين و معرسة ..
- لا لا .. شعشبونة ..
- عنلااتج .. لا تخلين عيسى يسمعج .. و الا بيذلني ع السالفة ..
- خخخخ عيل بخبره .. عنديه نقطة ضعف ابتزج بها ..
- تسوينها ..
- نسيتينيه .. محمد ع الخط من ساعة بيصفعنيه .. خلاف برمسج ..
- لا ترمسينيه .. تعالي لي البيت .. اشتقت لج ..
- بنتفاهم .. يا الله شي فخاطرج
- سلامت راسج ..
- فداعت الله
- فحفظ الرحمن ..
و تسارع للرد على المكالمة الأخرى ..
- ألووووووه ..
- شعندج ما تردين الشيخة ..
- كنت أصلي ..
- شوه صلاة التراويح .. مساعة أتصلبج ما تردين ..
- استغفر الله .. محمد لا تتطنز ..
- استغفر الله .. خلصتي ؟؟!!
- هيه ..
- وايقي من الدريشة ..
- ليش ..
- وايقي و بس .. يا فضولكن يا الحريم ..
- اييه محمدوووووه .. زودتها .. احترمنيه .. كبر امك أنا ..
- اونهااااااا اسمع هاااي .. بتبطين و الله أمي ما طلتيها .. اذا انتي كبر أميه أنا كبر ابوج .. و بعدين شوه محمدووه .. اصغر عيالج و الا العب وياج في السكة .. بتوايقين حمده هانم .. و الا انقعي فكشرة الطوية .. أنا بسير ..
و تحرك الاحساس المحرق الآن .. الفضول ..
- لحظة .. لحظة ..
- من عطاااااك الحق تنسااااني و ترووووووووح ..
- ههههههه بايخة ..
و التقط حجابها من على كرسي طاولة الزينة .. لتزيح الستارة الثقيلة عن النافذة ..
شقهت بقوة ثم تراجعت للوراء لتختبئ ..
- يا الهرم .. فيه موتر غريب في الحوش ..
- ههههههههههههه .. هذا موتريه اليديد ..
عادت لرؤية من خلال النافذة ..
- في ذمتك ؟؟!!
- هيه و الله .. شرايج ..
- رهيييييييب ..
رنة غرور في صوته وصلتها عبر الهاتف ..
- عيبج ..
- وااايد ..
- ذويق أنا اعيبج .. انزلي ..
- أوكيه ..
خرجت من غرفتها بسرعة .. لتنزل على الدرج و هناك إصطدمت به ..
- اييه ما تشوفين ..
صاحت مستنكرة ..
- صدق ما شي إحترام .. انا عنديه اسم .. و لو سمحت .. آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآي ..
أطلقت صرخة ألم حين إرتطم بها أحدهم من الخلف لتندفع ناحيته مرة أخرى فتضربه دون قصد ..
في حين رفعت تلك يدها معتذرة ..
- أووووه حمدووه سوري .. و الله ما شفتج ..
و من خلف حمده ظهر رأسه ..
- لا و الله حمدوووووه بس سوري .. اييييييه جرنديزل بغيتي تكسرينا ..
- جرنديزل فعينك يا الفص ..
- الفص ريلج يا الخبلة ..
- لا تخلينيه أعصب و الله أدوسك .. و أخليك براطا ..
- تخسين .. ما ترومين ..
- شكلك مشتاق للضرب تبا تجرب ..
- لو فيج شدة .. الحين إرمسي قدام حمدوه ..
- شوه تخوفنيه بحمده ؟؟!!
إتسعت عينا المقصوده بصدمة ..
- اييييييييه .. شوه حمده .. مستخفة و الا ..
- لا حشا بس ..
- باااااااااااااااااااس خلااااااااااااااص .. انتي وياه صدعة .. لو بتضاربون مرة ثانية بخبر محمد ..
مع بعض قالا ..
- فتااانة ..
- فتانة .. فتانة .. برايني .. أنا مرتاحة ..
ثم التفت للصغير ..
- سلطوون درست و الا ؟؟!!
نفخ في ضيق ..
- هيه العصر ..
- انزين ما تبون تشوفون موتر محمد اليديد ..
صرخت عذابة في حماس ..
- ذكرتينيه .. أنا نازلة أشوفه ..
و نزلت تركض .. يتبعها سلطان .. بينما نزلت حمده بهدوء ..

.................................................. .............................................

عبثا يعيش البعض حياته ..
بلا هدف ..
فيتيه في مفترق الطرق المتعددة ..
يختار دربا مستقيما .. أو أعوجا ..
لا يهم ..
بروية الراحة في ذاك المسير قد ائتلف ..
و بصعوبة السبيل الشائكة هناك .. هو إختلف ..
فأي درب يا ترى ..
قد خطا حمد ؟؟!!
.
.
.
بدا حمد أكثر صدمة و ذعرا من ذياب بطبيعة الحال .. و لكن ذياب لم يتوقع قط أن يخبر عبدالخالق سيف .. أكان ذاك تصرفا حكيما منه ؟؟!!
اقترب سيف بقامته المديدة .. و لم يستطيعوا تبين ملامحه من الظلام .. إلى أن اقترب منهم .. لم ينظر لأي منهم .. عيناه ترتكزان على وجه حمد المذعور ..
و بحركة فجائية لم يتوقعها أحد .. امتدت يده لتمسك بخناق حمد الذي انتفض ..
كان صوته خفيضا مخيفا .. لم يره ذياب قبلا بهذه القسوة ..
- شوه كنت تسوي ويا السريحي ..
بدا أن الخوف ألجم لسان الآخر . فشد سيف يده و هزه بقوة .. ليرتفع صوته بحدة ..
- إرمس ..
شد بيده على يد سيف .. قبل أن يقول بصوت خافت ..
- سيف بطلنيه ..
رفع سيف يده عنه باشمئزاز .. قبل أن يتنهد الأول بهدوء .. عبدالخالق و ذياب يقفان عاجزان .. دون أن يأتيا بأي حركة ..
رفع حمد رأسه .. ونظر لهم واحدا تلو الآخر .. بدت نظرته غريبة .. واثقة .. و أكثر شجاعة و هدوءا ..!!
هذا قبل أن يقول بصوت مختلف تماما عن صوته الضعيف الذي يسمعونه دوما ..
كانت فيه نبرة قوة .. و ابتسامة غريبة تعلو شفتيه ..
- شكلكم ما بتودرونيه الين تعرفون السالفة .. خلاص شباب لي تبونه بيصير .. بس انتوا مسؤولين عن لي بييكوا أو لي بيينيه ..
و ظل واقفا مكانه بثبات ..
لا تهزه نسائم الليل السارية ..
.................................................. .................................................. ..............
- هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ههه
- يا الله حمدوووه عن المصااخة ..
- آآه بطنيه بموووت .. انتوا شفتوا أشكالكم ..
رد محمد
- بلاها أشكالنا ..
- أطري عذابة و سلطون .. لي يشوفهم ما يقول غير سبلان ..
بدا الغضب على وجه الإثنين الذان كانا يخرجان جسديهما من فتحة السيارة العليا ..
- حمدوووه يا الله ..
- يا الله وين ؟؟!!
- اركبي .. بحوطكم ..
- وين ..
- في الحوش ..
- هههههههههههههههههههههه .. وايد عليك ..
ركبت بجانبه .. فأدار مسجل السيارة بأعلى صوت ..
و راح يدور بها في المكان .. تتراقص عذابة و أخيها ..
و يهتز محمد طربا .. بينما جلست هي تضحك .. عليهم .. لم تصدق أنها منذ لحظات فقط كانت تخبر حسنا إلى أي مدى هي حزينة ..
و لكن الشي الذي لم تتفوه به أمامها .. هو مدى اليأس الذي تشعر به .. بعد تزوجن كل صديقاتها ..و إنشغالهن بحياتهن الزوجية ..
شعرت بفراغ عاطفي .. و بأنها ناقصة ..و ذلك ما يحزنها ..
بعد أن إنتهت الجولة التي لم تتعد قط حدود البيت .. قام محمد بطردهم من سيارته ..
- عذابة سويلنا عصير .. عشان الموتر اليديد ..
هذا ما قاله حين جلسوا جميعا في الصالة ..
- خدامتك أنا .. خل توتي تسويه ..
إلتقط علبة المحارم ليلقيها بقوة عليها ...
- نشي .. بتسوينه عصبن عنج ..
نهضت لتحضر العصير و هي تتذمر .. و انشغل هو بهاتفه المحمول ..
- سلطان لا ترقد هنيه سير حجرتك ..
- مابا أرقد .. بسهر وياكم ..
قال دون أن يرفع عينيه عن هاتفه ..
- ختك قالتلك ترقد يعني تسمع رمستها ..
توسل ..
- برقب أمايا ..
- باكر بتشوفها .. يا الله سير ارقد ..
قالت بحنان حين رأته يذهب حزينا ..
- الحين بييك بيلس وياك شوي قبل لا ترقد ..
لم يرد عليها ..
سألها محمد ..
- أمايا بعدها ما ردت من عند خوالي ..
- لا ..
- بلاها هاليومين سايرة رادة عليهم ..
- اووووووونك عااااااااااااااااااااد ..
- شوه ؟؟!!
- تمهد حبيبي ..
- تمهد ؟؟!!
- هيه لعرسك ..
صرخ ..
- شوووووووووووووه ..
- خيييييبه .. قصر حسك محمد ..
و لكنه استمر في الصياح ..
- لا مااااااا بقصره .. امنووووووووه قالهااااا انيه بعرس .. هااا ..
و نهض من مكانه .. و نهضت هي بدورها .. تحاول تهدئته ..
- محمد لا تصارخ .. عين خير .. ما استوا شي الين الحين .. و بعدين انته متى تبا تعرس ..
عمرك الحين 27 سنة و بعدك ما عرست ..
- مااااااااااااا يخصج .. أنا عرس ما بعرس الحين لو تنبطح السما على الارض بطيح ..
كانت تعلم سبب عزوفه عن الزواج .. لذلك قال بصوت أكثر خفوضا ..
- محــــــــمد .. شوووووف حياتك البنية خلاص راحت فحال سبيلها ..
ارتفع صوووووووووته بقوة ..
- حمدووووووووووووووووووووووووه ..
- امنوه لي راحت في حال سبيلها ..؟؟!!
كانت هذه عذابة التي تحمل صينية محملة بالعصير .. نظرا إليها .. منذ متى و هي هنا ؟؟!!
كان غاضبا بشدة .. صدره يعلو و يهبط انفعالا .. التقط - الغترة - من على الكرسي .. و خرج من الصالة ..
ظلت عذابة تنقل بصرها بين الباب و حمده ..
- وين سار ؟؟!!
استدارت لتذهب لغرفتها ..
- مادري ..
- وين بتسيرين انتي الثانية ؟؟!!
- حجرتيه ..
صاحت ..
- و العصير ؟؟!!
- اشربيه ..
.
.
.

و في حجرتها جلست و هي تقبض الهاتف بقوة .. أتتصل به الآن ؟؟!! .. أم تنتظر أن يهدأ ..
في الأخير قررت إرسال رسالة نصيه له ..
.. ( محمد .. أنا آسفة .. أدري ضايقتك .. لا تزعل يا خوية .. ) ..
.
.
جاري إرسال الرسالة ..
.
.
تم التسليم ..
.
.
تنهدت و وضعت الهاتف على منضدة السرير .. استلقت على السرير و بيدها دفتر خواطرها البنفسجي ..
مختلف الأفكار تدور في ذهنها ..
محمد ..
عزوفه عن الزواج ..
.. حسنا ..
أمها ..
.. هي نفسها ..
تلك الأفكار الخبيثة لا تفارقها ..
تشعر باليأس يتغلغل في داخلها .. و أفكار رفضت الإفصاح عنها لصديقتها ..
التقطت قلمها لتخط ما تشعر به ..
و تصب جام مشاعرها بين الورق .. عبر الكلمات ..
كلها ثقة .. أن إحساسها لن يفشى .. أبدا ..
.
.
.
كنت اعتمرت الحب ساعة مولدي ..
فتناسخت في الحروف و أسقطت ..
كل الكلام ،
إلا الذي يهواه قلب قد ثمل
فالعشق خمر قد أحل ..
هو لذة للشاربين ..*
.
.
.
قطع انساب أحاسيسها الحريري صوت وصول رسالة ..
سارعت لفتحها ..
.. ( انا هب زعلان منج .. بس لا تطرين السالفة القديمة مرة ثانية .. لو سمحت .. أنا حتى نسيت .. إنسيها ..) ..
أحمق ..
يظنني أجهل ومضات الألم في مقلتيه .. في كل مرة .. تعود ذكرى ماضية ..
و لكنه كان صادقا ..
تلك قصة قديمة ..
قدم الغابرين ..
.
.
.
لن أستعيدها .. و لن أعيدها ..
التقطت الدفتر مرة أخرى .. لتكمل ما بدأت ..
.
.
بتوتري / بتناحر الأفكار في كنف المحال ..
أبصرتها ، أبصرته ، أبصرتهم
هم كلهم في شرعة النجوى سواء
فجميعهم قد مارسوا فن الغواية ..!
و جميعهم أقاموا العرس في مجرى دمائي و الدموع
و جميعهم قد رددوا في حضرتي عهد التآخي و الولاء .. !
و جميعهم قد شاغبوا حتى النهاية ..
و جميعهم ما أنصفوا
لكنني ،
في لحظة وحشية مابين صمتي و المقال ..
أثثت بعض الاحتمال ..!
أشعلت بي الحرف قسرا ، فاحترق ،
يا ويح حرفي حين أمسى عالقا ..
في ذمة الذكرى ، دفين .. ! **

.
.

كانت قد نسيت أن تمر على شقيقها الصغير كما وعدت ..
.
.

هكذا يمر الليل عليها كل مرة ..
على أرق ..
ترجو وصول الحلم المبتدئ ..
و يطول الليل في انتظاره
ترتجي ..
و التيه في تلك المشاعر بالهواية ..
و إلى الدرب المدلّ قط ..
لن تهتدي ..
فرجائها .. عشق في وهم تخوض غماره ..
و فارس رسمت حدود شهامته ..
على الورق ..!!
هي حمدة ..
روح غريبة .. ما زالت لم تدرك لأي غاية وجدت ..
تجد نفسها تائهة .. في جهة أضاعتها البوصلة ..
فهل من مدرك .. ؟

.................................................. .......................................
و في بقعة أخرى من بقاع الأرض ..
كانت الأحداث في احتدام ..
و الحقيقة أصبحت عسيرة على الفهم ..
لم يتوقعوا أن يكون هذا هو السبب ..
فأي مفاجأة فجرها حمد هناك يا ترى ؟؟!!

.................................................. ....................................
* المقطع الثاني من قصيدة سعد الياسري جهة أضاعتهاالبوصلة ..
** المقطع السابع من قصيدة سعد الياسري جهة أضاعتهاالبوصلة ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 01-06-08, 08:59 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجـــــــــــــــــزء الثالـــــــــــــــث


.................................................. .................
بعد مرور 6 أشهر ...
.
.
.

كان يلعب بفارق الكتاب الخشبي الذي نُحت عليه عبارة ( صبر جميل و الله المستعان ) و تعلو وجهه ابتسامه قلقة ..
كان عبارة عن قطعة خشبية .. كتب على الوجه الأول .. تلك العبارة المميزة .. و على الوجه الثاني رسمت وردة جميلة ..
- أكثر شي يخوفني .. ان بنتيه ما تعرفنيه يوم أظهر من السجن ..
كان يخبرهم و هم مستلقون كلن منهم في فراشه .. الساعة التي قام سيف بإحضارها و تعليقها على الجدار .. عقاربها تشير على التاسعة ..
- ليش كم عمرها ..
كان هذا سيف ..
- يوم دخلت 3 سنين يعني 7 سنين يوم بظهر .. تقول بتذكرني ؟!!
قال عبدالخالق ..
- يمكن .. عطني الفارق .. كانت ترمس ؟؟!!
رمى القطعة عليه ليضعها الآخر بين طيات الكتاب لتميز الورقة التي توقف عندها..
- هيه .. شوي .. يعني تزقر أمايا .. تقولي داب ..
و ابتسم بحنان و هو يتذكر وجه طفلته .. يرى ملامحها البريئة مرسومة على الجدار .. كم اشتاق إليها ..!!
ابتسموا الثلاثة و هم يرونه غارقا ..
- هههههههههه حووووووووووه ذياااااب .. وين وصلت ..
التفت ذياب إلى حمد ..
- وصلت العين .. آآآآه يني مشتاق لهااااااا ..
ابتسم حمد ..
- ع الاقل انته فيه أمل بنتك تعرفك .. أنا خوفيه يوم أرد تكون امايا قد نستنيه ..
و بدا الألم على وجهه ..
- ليش تنساك .. محد ينسى ضناه ..
كان هذا سيف .. الذي نظر إليه متسائلا ..
أجاب حمد بحزن ..
- الوالده يوم دخلت هنيه كانت عندها بوادر الزهايمر .. و أكثر ما يخوفنيه .. انه تمكن منها .. دوم أتخيل انيه حادر البيت .. و ألقاها تنشدنيه .. امنوه انا ..
بدا التأثر على الثلاثة .. قال عبدالخالق مواسيا ..
- ربك كريم ان شا الله ..
التفت حمد له ..
- و نعم بالله .. الا ما قلتلنا .. شوه أكثر شي يخوفك ؟؟؟!!
تمدد عبدالخالق على فراشه ..
- عندي و الله حايتين يخوفنيه .. الأولى .. إنيه ما أحصل لبنيه لي أهلها غابوا في الحادث ..
- شوه تبابها ..
- ابا استسمح منها .. اباها تحللنيه و ارتاح .. و الشي الثاني لي يخوفنيه .. و هو ان شا الله بحل مشكلته أول ما أظهر ..
ذياب و عينه على سيف الذي كان يقلب دفتر مهترئ بين يديه ..
- شوه هو ..
- أكثر شي يخوفنيه الوحدة .. ما أريد أبدا أموت و انا وحيد .. اول ما اظهر .. بدور بنت الحلال .. و بيرزقنيه ربيه ان شا الله بلعيال الصالحين .. لو بموت .. أبا حد يكون ويايه .. مابا أموت و أنا بروحيه ..
- خيييبة .. شوه هالنظرة المتشائمة ..
- ما حد يدري متى ساعته يا بو شهاب ..
- صدقت .. سيــــــــــــــــــــــــــف ؟؟!!
و توجهت الأنظار إليه ..
نظر لهم مستفسرا ..
قال ذياب ..
- شوه أكثر شي يخوفك ..
صمت سيف لبرهة .. قبل أن يقول بغموض ..
- أكثر شي يخوفنيه .. إن الكتب لي طلبتها .. ما توصل المكتبة يوم الثلاثاء ..
ابتسم عبدالخالق .. بينما بدت الحيرة على وجه حمد .. ذياب كان متأكدا الآن أن هناك شيء يثير رعب سيف .. و يرفض الافصاح عنه ..
استلقى على فراشه بهدوء ..
ستة أشهر مرت عليه هنا بعد تلك الليلة .. الحياة هنا تستمر ..!!
تشرق الشمس صباحا .. و تغيب مساءً .. لا تمنعها القضبان ..!!
و تتغير الفصول .. فيشد الصيف رحاله .. ليجرد الخريف أوراق الشجر .. و يأتي الشتاء .. ليجمد أشواقهم و الأصابع ..
ما زال مستمرا في الدورة .. يسانده سيف مشكورا ..
سيف ..
ذاك الشخص الذي ما زال لغزا له .. كأول يوم وصل فيه إلى هنا ..
سيف ..
شاعر بلا قصائد .. لم يسمع شيء من قصائده قط .. هل اللقب على سبيل المزاح .. ؟؟!!
لا .. فقد أكد له حمد أنه شاعر حقيقي .. رغم أنه لم يذكر شيء من قصائده .. بحجة أنه لا يحفظها ..!!
سيف .. رجل .. غريب حقا .. يبدو من أسرة ذات شأن .. رغم أنه لا يأتي أحدا لزيارته هنا ..
لم يره ذياب قط يستعد لزيارة .. مطلقا ..
كان قد تغير خلال الستة أشهر الفائتة .. أصبح يتحدث معه .. و يتجادلان .. يتبادلان الآراء .. و لكن .. هذا فقط ..
لم يخبره قط سبب وجوده في السجن ..
كان متأكدا أن السبب سيثير عجبه .. فسيف ليس بالرجل العادي قط .. ليس ممن يدخلون السجن .. كان رجلا مستقيما ..
و مع غموضه الشديد .. أحبه ذياب من قلبه .. فقد كان نعم المرشد و نعم الصديق .. و أصبح يشعر بالراحة أثناء جلوسه معه ..
أما عن عبدالخالق .. فهو كما هو .. انطباعه الأول عن هذا الشخص كان صادقا ..
رجل حقيقي .. و هذا يعني .. حقيقي في إخلاصه .. في أمانته .. في شرفه ..
حقيقي في حزنه .. و في احتوائه ..
لم يحلم قط .. و لم يطلب الكثير .. رجل واقعي يعيش يومه بيومه ..
هو بمثابة الأب لهم هنا .. بقوة إيمانه و إرشاده لهم .. الكل يحترمه .. حتى سيف يتلمس الحنان منه ..
هذا رجل أصبحت له بصمة في حياته .. لن تزول ..
فلم يتعلم الصبر قط كما تعلم منه ..
أمــــــــــا حمــــــــــــد ..
أخذ ذياب نفسا عميقا .. و هو يستعيد تلك الليلة الغريبة .. كانت أحداثها و ما زالت .. كالحلم ..

.
.
.

يقول بصوت مختلف تماما عن صوته الضعيف الذي يسمعونه دوما ..
كانت فيه نبرة قوة .. و ابتسامة غريبة تعلو شفتيه ..
- شكلكم ما بتودرونيه الين تعرفون السالفة .. خلاص شباب لي تبونه بيصير .. بس انتوا مسؤولين عن لي بييكم أو لي بيينيه ..
و ظل واقفا مكانه بثبات ..
لا تهزه نسائم الليل السارية ..
كانت الثقة تنضح منه .. مر بعينيه عليهم جميعا ..
الثلاثة يقفون خلف المصلى الكبير ..
الأبواب الخارجية على وشك الإغلاق ..
يختبئون خلف ستار الليل .. و لا شاهد عليهم سوى الخالق ..
و أشعة القمر الباهتة ..
عبدالخالق و قد بدا عليه التوتر ..
- حمد .. شوه السالفة ..
ابتسم مرة أخرى ..
- السالفة بتييك يا بو حميد .. ع شوه مستعيل .. الصبــــــــــــــــر .. إنته دوم توصينا بالصبر ..
زمجر سيف بقسوة ..
- ارمس اخيرلك ..
نظر إليه بثبات قبل أن يقول بهدوء ..
- أنا حمد عبيد خليفة .. نقيب في العمليات الخاصة ..
بدا وقع الصدمة جليا على الأوجه ..
- و أنا في مهمة الحين ..
و ابتسم ساخرا ينقل بصره بين الجميع ..
- و كان استمرت لو ما شافنيه بو شما ويا عبود ..
بدا عدم التصديق على وجه عبدالخالق استمر ذياب في فتح فاهه كالأحمق .. سيف الوحيد الذي استدرك الصدمة و علت ملامح وجهه الجمود .. تابع حمد ..
- كنت أروم أألف لكم قصة و تصدقونيه ..
صمت لبرهة قبل أن يقول بنبرة غريبة .. و كأنه هو ذاته يستغرب الأمر ..
- لكني ما اتعودت اكذب عليكم ..
و بدا إخلاص عميق في عينيه .. و هو يقول ..
- رغم الظروف لي جمعتنا .. إحساسي .. و مخوتيه لكم .. حقيقية .. ما لونها زيف المهمة ..

.
.
.
أخبرهم كيف أنه يدعي أمام عبود أنه مدمن .. ليزوده بالممنوعات .. حتى يصل لكشف الشبكة العاملة على تزويده ..
أخبرهم أنه في الليلة التي رآه فيها ذياب كان عبود يدس في يده الممنوعات ليدسها بين أغراض سيف .. ليوشي به ..
كان عبود يحقد على سيف بشده ..
أما حمد فقد استمر في انتحال شخصية الرجل الضعيف .. المتسرع .. الذي يجرح دون أن يقصد ..
و استمر أصدقاءه في كتمان ذاك السر .. كان الميثاق الذي يربطهم الأربعة قوي ..
شي تعدى الوصف ..
و عجزت أنا .. رسم حدوده بأحرفي على الورق .. !!
.
.
كانوا على أبواب الرحمة الآن ..
فشهر رمضان الكريم على الأبواب ..
سيكون بعد عدة أيام ..
لم يتخيل قط .. كيف سيكون و هو بعيدا عن داره .. أهله ..
لم يتخيله قط دون اجتماعهم على الفطور بعد أن تصر والدته يوميا على حسنا و زوجها بأن يفطروا في بيتها ..
لم يتخيله دون اللقيمات .. و الخنفروش .. و الشوربة المميزة .. و الساقو ..
لم يتخيله دون التراويح في مسجدهم المقابل بيتهم ..
دون الجلسة المعتادة بعد الصلاة تحت شجرة الليمون في - الحوش -..
لم يتخيله .. !!
كيف سيكون ..؟؟!
.
.

يعلم أن موعد لقائهم اقترب ..
و لم يدري إذا كان سيرى ابنته في أيام الزيارة أثناء العيد ..
كان عيسى يزوره وقت الزيارة كل شهرين مرة .. يزوده بالأخبار.. و بما يحتاج إليه ..
و ابتسم .. و هو ينظر مجددا لصورة صغيرته .. التي طلب من عيسى إحضارها ..
علقها على أحد جدران الزنزانة .. ليصبح و يمسي عليها ..
اعذري أباك يا صغيرة ..
اعذريه و ألقي اللوم على الشوق الجامح الذي يسكن جوفه ..
على المسافات التي تفصل بينكما ..
على أخطائه ..
على الجريمة التي ارتكبها ..
و ستتحملين أنت مستقبلا تبعاتها .. حين سيشار إليك بابنة السجين ..
اعذريه ..
و القي اللوم على القضبان و الجدران ..
و على كل لحظة تمر دون أن يجمعكما القدر فيها ..
و على أيام عمرك التي ستمضي .. و ستكبرين فيها ..
و لن أرك أثنائها ..
و على النسائم التي تصطدم بالجدران و ترتد .. فلا توصل إلي رائحتك الحلوة ..
اعذري أباك يا صغيرة ..
فقد اقترف ذنبا ..
و علق صورتك الطاهرة .. على جدران زنزانة بائسة ..
و لكنه لم يفعل ذلك إلا لتكوني قربه .. في مكان أصبح يألفه ..
انظري .. هذا عمك سيف .. ناديه بالشاعر .. و هذا عمك عبدالخالق .. الصبور ..
و هذا حمد .. نعم صغيرتي هذا حمد بلا ألقب .. لا .. لا يمكنك مناداته بعمي .. فهذا قلب طفل .. سكن جسد رجل ..
حمد سيلعب معك ذات يوم ..
لاحت ابتسامة بعيدة على شفتاه ..
نعم .. صغيرتي ..
ذات يوم سنعلب معا جميعنا .. حتى عيسى سيلعب معنا ..
.
.
.
تلك أفكار ذياب كل ليلة .. و كل لحظة تقع عيناه على صورة صغيرته ..
عذرا صغيرتي ..
عذرا ..
.
.
.
فأباك لم يكن أبدا ..
سوى بشر ..
.
.
و البشر يخطئون ..!!

.................................................. .............................................

كانت نافذة شرفتها العملاقة مفتوحة على مصراعيها ..
و النسائم الباردة تحرك الستائر الرقيقة ..
بينما جلست هي في الظلام على كرسيها الهزاز ..
تهزه ببطء و تململ ..
فيروز تصدح في المكان كالعادة ..
و كأن صوتها هو العلامة الفارقة لهذه الغرفة ..

.
.

بإيام الصيف .. و إيام الشتي ..
و الرصيف بحيرة ..
و الشارع غريق ..
تجي هيدي البنت .. من بيتا العتيق ..
و يقلها انطريني ..
و تنطر ع الطريق ..
و يروح و ينساها ..
و تذبل بالشتي ..!!

.
.
مسحت دمعة تسللت على خدها ..
تشعر بوحدة رهيبة ..
تغزو روحها المرهفة ..
تحرق ..
تقتل ..
تغتصب ..
و تحطم بداخلها كل ما هو جميل ..
كان الاكتئاب يتفاقم بشدة في نفسها ..
و قد أصبحت منطوية كثيرا على ذاتها ..
تشعر بأن أحاسيسها ممزقة ..
هو الفراغ يخلق كل تلك الكآبة في داخلها ..
حتى صديقتها المقربة .. حاولت جاهدة إخراجها مما هي فيه .. دون فائدة ..
الفراغ قاتل ..
قاتل ..
و تلت دمعتها اليتيمة تلك ..
دمعات ..
و تنهدت بحزن ..
حتى لا تعلم مصدر تلك التعاسة ..
تشعر بأنها حزينة ..
رغم أن شيئا لم يحدث ..
عجبا ..!!
أيأتي الحزن هكذا بلا أسباب ..؟؟!!
نظرت لدفترها الكئيب الذي أصبح يزخر الآن بآهاتها و الدموع ..
أشفقت عليه ..
و فتحته ببطء ..
تصطدم عيناها بعبارات كانت قد خطتها بالأمس فقط ..
.
.

وحشة تستوطن الأعماق
تستحث الروح على التمرد
والانسلاخ من قيد الصمت
ترفرف بعيدا
تاركة إياي والخواء
على شفا حفرة من بكاء
ذلك البكاء الذي استعصى
على حلكة الحزن
ولفظت مرارته الأعماق
ما عادت العروق تستسيغ
نكهته
بكاء فارغ إلا نشيج
يتردد صداه أنين
أفتش في خطوط يدي
عن سبب تسرب الحب
عن سبب يقنع هذا القلب
بالكف عن الضجيج
يهز أضلعي بكلتا يديه
وينتحب في عويل
ويلوذ بركن قصى
يراجع صور الذكرى
لا اخفي عليك يا قلبي
لا شيء يزاحمني الباب
سوى ظلي المثقل بالأرق
ولا احد
يشاطرني الوحشة
إلا هذا الظل البائس
سواده يعكس حدة الضوء
وهذا الضوء هو احتراق
أشواقي
قليلا و سيخفت الضوء
ويتطاير الرماد

فقط ضجيج الوقت
وطنين الضجر
يوقظ الهموم
لترقص حول
نيران الحنين
احضن أضلعي
وانحني على وجعي
أتابع صراع عقارب الوقت
على الافتراق
غريب أمرها
بقدر ما تلهث لتصل
تفترق في ثانية
تماما
مثلنا...!!! *

.
.

قطع تدفق خواطرها صوت طرقات على الباب ..
- حمدووووووووووووه .. حمدوووووووووووووه ..
لتطوي صفحات الدفتر الصامتة ..
و بسرعة تمسح تلك الدموع و تختبئ خلف قناع الابتسامة الهادئ ..
الخادع ..!!
- لحظة محمد ..
تضيء النور .. و تمسح وجهه .. ثم تتوجه و تفتح لباب ..
كان متساندا عليه ففتحته كاملا .. و سلمت عليه .. و تنحت ليتمكن من الدخول ..
و لكنه كان ينظر للأسفل و على وجهه تركيز ..
.
.
مرئت الغريبة ..
عطتني رسالة .. كتبها حبيبي ..
بالدمع الحزين ..
فتحت الرسالة ..
حروفا ضايعين ..
و مرئت إيام و غربتنا سنين ..
و حروف الرسالة ..
محيها الشتي ..!!
حبيتك .. بالصيف ..
حبيتك .. بالشتي ..
نطرتك .. بالصيف .. و نطرتك بالشتي ..
و عيونك الصيف .. و عيوني الشتي ..
ملقانا يا حبيبي ..
خلف الصيف و خلف الشتي ..
.
.
- الله .. هاي فيروز ؟؟!!
- هيه ..
مرر بصره على جميع أرجاء الغرفة ..
- عايشة الجو الحبيبة ..ما شاء الله ..
و توجه للكرسي الهزاز ليلقي بجسده عليه ..
- بندي الباب حمدوه أبا ارمسج ..
أغلق الباب .. و قربت كرسي الزينة من كرسيه .. لتجلس قبالته ..
- لبيه ..
نظر لأعماق عينيها .. و كأنما يسعى لاختراق روحها .. و سبر أغوار الحزن الذي يسكن تلك العينين الحزينتين ..
- لبيتي حاية .. حمدوه .. أنا أدري إنيه .. ابتعد هالفترة شوي يوم نقلونيه بوظبي .. بس و الله وايد أحاتيكم ..
ابتسامة باهته على شفتيها و هي تجيب ..
- عادي محمد .. خالي سعيد ما يقصر ..
أمعن النظر في وجهها ..
- هيه خالي ما يقصر .. بس كل لي يسويه ما ظهرج من لي انتي فيه ..
تحولت لموقع الدافع مباشرة ..
- شوه لي أنا فيه .. الحمد الله ما فينيه شي ..
- حمدووه .. تتحرينيه ما احس باللي فيج .. و الله إنيه متضايق من لي انتي فيه .. و وايد أحاتيج .. خبرينيه حمدوووه شوه لي فخاطرج .. شوه لي خلاج كذيه واايد منطوية ع عمرج .. و معاد تظهرين شرات قبل .. أمايا تقول إنها ماتشوفج .. و عذابه الحين أخس عنج .. يا في الجامعة .. يا فحجرتاا .. شوه سالفتكن ؟؟!!
فهمنيه .. الوحدة منكن غادية عصعص .. و العيشة ما تطب ثمها ..
ثم تحول صوته للهمس الحزين ..
- تغيرتن .. عذابة أم لسانين غادية هادية و ما ترمس الا بالمفيد .. و انتي محد يشوفج .. سلطان يقول انج ما تدرسينه .. و أمايا بروحها في البيت . بلاكن .. ها .. ؟؟!!
ترقرقت دمعة في مقلتيها الصافيتين .. قبل أن تنهمر على وجنتها .. كقطرة مطر ..
ذعر لرؤيتها .. فمد أنامله ليلتقط تلك الدمعة بينها ..
- حمدوه حبيبتي .. بلاج الغالية .. خبرينيه .. شوه مضيقج .. أنا خوج .. و ما با شي يكدرج ..
تلت تلك الدمعة .. سيل .. يتدفق .. و تفاقم بداخلها .. شعور مؤلم برثاء النفس .. شعرت بأنها بحاجة للبكاء ..
فبكت بصوت عالي ..
التفت ذراعه القوية .. ليحتضنها بحنان فائق .. ذراعه التي ستصد عنها كل أذى .. ستحميها ..
سيمدها .. و يسندها .. هي أخته .. و ليس لها سواه ..
كانت تبكي بحرارة .. و تشهق ..
لم يعلم كيف شعر بذلك ..
و لكنه كان متأكدا .. أن جل ما تريده الآن ..
هو كتف لتفرغ عليه همومها ..
.
.
و هو هنا الآن ..
.
.
إليك الأمان .. يا أختي ..
فأنا عنك ..
.
.

أنا عنك ..
.................................................. ..........................
تجلس تحت شجرة الليمون الأثيرية .. و تمدد رجليها ..
- شموووه .. لاااااااااااااااااااااااااا .. يا ويلج منيه .. لا تخلينيه أنش من مكانيه ..
فتنهرها أمها ..
- بلاج ع البنية .. خليها تلعب ..
- شوه تلعب الله يهديج يا اميه .. هاي بتوصخ عمرها .. و انا ما فينيه شدة أبدللها ..
و أشارت إلى بطنها المنتفخ .. بوهن ..
- خليها .. سوراتمي بتبدل لها ..
- أمايا الماي وصخ .. أخييييييييييييييييه .. شمووووووووووه يا الفص تعااااالي ..
- هههههههههههههههههههه يعلنيه أفداها .. ما عليها منج .. ما سوت لج سالفة ..
بدا التذمر على وجه حسنا و هي تراقب ابنة أخيها .. تخوض غمار الماء الذي تسرب قليلا عن الزراعة ..
- كله من محيي الدين .. لو ما نسى الهوز مبطل ..
سمعت صوت أحدهم قادم .. فطوت رجليها و اعتدلت في جلستها و ردت الغطاء على وجهها..
- هووووووووووود هووووووووووود ..
- هدااااااااا اقرب ..
دخل زوجها و يتبعه رجل بمثل طوله و لو كن أعرض منه قليلا ..
- قريب .. السلام عليكم و الرحمه ..
ردت المرأتين ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. حييا الله من يا ..
- يحييج و يبقيج ..
أشار عيسى للرجل ..
- تفضل سلطان ..
تقدم الرجل ليسلم على أم ذياب .. و يجلس مقابل حسنا ..
- زاد فضلك .. شحالج عمووه ..
- يسرك الحال ابوية .. انته شحالك .. و شحال عربانك و تواليك .. ربهم بخير ..
- بخير و نعمة .. ما يشكون باس .. ام سلطان شحالج ..
ردت حسنا بتكبر ..
- اووووونه ام سلطان .. خخخخخخخخ .. بتبطي السااع و الله ما سميتبك ..
- بنشوف يوم بتيبينه ولي العهد .. بيسمونه سلطان .. و امررة خوية ما بيرد الشور من صوبج ..
عيسى الذي جلس بالقرب من عمته ..
- لااا اسمحلي بو مييد .. لو المعزبة ما تبا سلطان .. خلاص .. ما بسميه .. و لو تباه محماس بن قدر بن خف البعير .. تااااااااااام ..
حسنا باشمئزاز ..
- اخييييييييييييييييييييه شوه هالاسم ..
- ههههههههههه عيبج .. هذا اسم ولي العهد القادم ان شا الله ..
قبل أن ترد حسنا .. أمرتها أمها ..
- حسنا .. قومي قربي القهوة للشباب ..
- ان شا الله فديتج ..
و نهضت حسنا بجهد جهيد من مكانها .. نظر لها زوجها بحنان ..
- فديتاااا أم بطنين و الله ..
- خخخخخخخخخ كان فيك خير .. خل عنك التفدي .. كان فيك خير .. تعال شله بدالي ..
- اقول صدق ما تنعطين ويه .. روحي هاتي القهوة ..
مدت شفتيها بغضب .. بينما ضحك سلطان عليها .. قبل أن يلتف لأمها ..
- ها عموه .. علومج ..
- علوم الخير و الله .. ما به علم .. و من صوبك ..
- أبدا ..
- ها توظفت و الا بعدك ..
- هيه نعم ..
- وين ؟؟!!
- في توام ..
- هيه .. زين عيل .. و الله و غديت دكتور .. ما شا الله عليك .. الله يحفظك ..
- هذيك شما بنت ذياب ..
- وين ..؟؟!!
- لي تلعب بالماي ..
- هيه .. و العثرة .. بتظهر خاري .. شمووووووووه .. تعالي .. تعالي ..
.................................................. ......................................
نظر إليها متفهما ..
- الحين هذا لي مضيقج ..
هزت رأسها بالإيجاب ..
تنهد ..
- حمده .. انتي تعرفين إنه موضوع الشغل صعب .. هب بس صعب .. الا مستحيل ..
بدا صوتها مبحوحا إثر بكائها ..
- ادري محمد .. و الله أدري .. و أنا هب يالسة أطالب بإنيه أشتغل .. لأنه حتى لو وافقتوا .. وين بتشغلنيه شهادة الاعدادية .. و أنا دراسة ما فيه شدة أكملها .. عسب كذيه مالي الا البيت الين رب العالمين يفرجها ..
- انزين يوم انتي تعرفين هالشي زين .. ليش حاكرة عمرج في الحجرة ؟؟!! .. الحبسة ما بتغير شي .. و انتي تعرفين هالشي زين ..
- و الله يا محمد .. الشيطان .. أضيق .. و بعدين كلما يلست ويا أمايا .. رمستنيه عن فلانه و علانه .. وحدة عرست .. و وحدة انخطبت .. و وحدة مربية ..
مدت يديها أمامها بقلة حيله ..
- أنا شوه ذنبيه .. هذا النصيب .. و محد بيده يرده .. و أنا نصيبيه الله العالم وين مكتوب .. مالي الا الصبر ..
و نظرت لأخيها .. رفع رأسه .. و لاح له أمل بعيد خلف عينيها ..
مد يده ليمسك بيدها .. و يشدها بين قبضته ..
- حمده .. لا تخلين اليأس يتسرب لنفسج .. و لا تشكين فعمرج .. خلج قوية .. شرات ما تعودناج ..
و نظر لها بقوة ..
ضاعت في أمان أخيها ..
إبتسم لها .. يزرع في روحها التائهة الاطمئنان .. بادلته الإبتسامة .. بأخرى مليئة بالأمل ..
لا يمكننا الإستغناء أبدا عن دعم من نحب لنا ..
مطلقا .. ليس بالإمكان ..
.
.
.
- الحين لو سمحتي .. يمكن تسيرين تشوفين .. سر اعتزال الفنانة عذابة ممارسة الخقة و الغلاسة و الإزعاج ..
ضربته على كتفه ..
- حرااااام عليك .. احلف إنك ما اشتقت لها ..
- هههههههههه وااايد و الله .. بسير و بشوفها .. بس محمد ..
نظر لها بحنان ..
- لبيه ..
- لبيت حاي فديتك .. لو ماشي أشغال .. باكر اباك توصلنيه ..
- ويـن ؟؟!!
نظرت له بقوة تواجهه هو الآخر ..
- بيت عمتيه ..
نظر لها مستفسرا .. ليس لهم أية عمات ..؟؟!!
- أي عمة ..
- عمتيه أم ذياب ..
ارتعش خافقة لولهة .. و اختلج رموش عيناه في وله .. حاول مداراته .. و لكن كيف ؟؟!!
- خييييبة .. من وين عمتج ..
- عمته .. يدها العود .. اخو يدنا العود .. يعني عمتنا من بعيد ..
- و العثرة تبا تتلصق في الحرمة .. مادرت شوه تسوي ..
- ههههههههههههههههههههههههههههههههه .. مالت عليك .. بتودينيه ..
تنهد بقوة .. و كأنه يكابد شيئا رابضا في داخله ..
- بوصلج ..
.
.
متى ترحمنا أيامنا ..
و تلهي الذكرى عن أذيتنا ..
لنرى أشواقنا .. مع الأحزان ..
تشد الرحيل ..
إلى الأبد ..
.
.
ليتنا لا نحزن أبـدا ..
.................................................. .................................

* خاطرة وحشة تستوطن الأعماق .. للمبدعة سلوة الخاطر
.
.
.
.
.
.
تتمــــــــــــــــــــــة





و تنسرق اللحظات ببطء ..
ماضية إلى اللاعودة ..
حيث تسكن ..
أحلام لا تتحقق ..
و أشواق لا تروى ..
أرواح هائمة ..
أجساد فانية ..
و مشاعر لا تجد لها صدى ..
و كلمــــــات ..!!
.
.
.
و نعود .. لنكمل ما بدأنا ..
.
.

.................................................. .............................


أنفها المحمر و دموعها التي بللت وجهها الجميل .. كانت تدل على مدى تأثرها ..
- هذا كل شي ..
كانت شقيقتها تنظر إليها بهدوء .. و استمر الصمت لبرهة قبل أن تقول ..
- عذابة .. أنا متأكدة .. إنج تعرفين .. لي حسيتيبه هب حب ..
ثارت أختها الصغيرة ..
- شوه هب حب .. بلى حب .. أحبه ..
و عادت للبكاء من جديد ..
- و الله أحبه حمدووه ..
عادت هي تكرر بصرامة ..
- لا .. ما تحبينه ..
- و انتي شدراج بلي فخاطريه ..
- ماعرف لي فخاطرج عذوووب .. بس الحب هب .. هذا حليوو و كشيخ .. و حركات .. و عيبنيه .. خلاص حبيته ..
- أنا ما قلـ ..
- خلينيه أخلص رمستيه .. الحب شي أكبر و أسمى من هالشي .. و ما ينبنى على الأشياء المادية و المظاهر.. و الا بينتهي في اللحظة لي تزول فيها ..
و نظرت لها بحنان ..
- عذووووبة .. انتي ما حبيتي مبارك .. عيبج هيه .. انجذبتي له يمكن .. بس الحب .. لا .. حبيبتي .. الحب شي وااايد كبير و مفهومة يتعدى كلمات الأغاني .. و الروايات لي تقرأينها و تتحرينيه مادري بها ..
بدا الذنب على وجه الأخرى على الفور ..
- الحب شي يولد ويا العشرة .. و يباله أيام و الانسان يسعاله و يغذيه .. انتي متى يلستي ويا مبارك و عرفتيه .. ها؟؟!! .. نحن مبارك من خلق ما نعرفه .. عذوووب لي انتي كنتي عايشتنه وهم .. بس وهم .. و اعجاب .. تقرأين من هالروايات لي بلا معنى .. و تحسين بالإثارة و تبين هالشي يصير وياج .. و تدورين الحب .. و يوم ما تلقينه تتوهمين انج لقيتيه ..
نظرت أختها بمزيج من عدم الموافقة و الاستنكار ..
- لا تطالعينيه كذيه .. انتي اصلا ما عندج سالفة .. حاكرة عمرج فالحجرة لن ولد خالتج بيملك .. ما تخيلتج أبدا ضعيفة كذيه .. دوم الحياة تستمر عذابي .. لا تضيعين وقتج أبدا ع الشي لي يروح بلا رده ..
و مالت عليها بتفهم ..
- اسمعي بقولج .. الحين انتي ضيعتي وااايد وقت و انتي تتحرين .. اسمعيني تتحرين انج تحبين مبارك .. الحين مبارك عايش حياته و بيعرس .. ما امتحن منج .. و انتي هنيه.. بتيلسين و تضيعين وقتج .. و الأيام لي تروح .. ما بترد يا عذابي .. ها شو رايج ؟؟!! .. تبين عمرج يروح و انتي تتحسرين ع واحد ما درى وين راسج ..
- لا ..
و لكن حمده هزت رأسها برفض ...
- هاي اللا ما تسوي شي ..
قالت بيأس ..
- انزين شوه تبيني أسوي ..
ابتسمت ..
- ماباج انتي تسوين شي .. أبا عذابة ختيه تسوي .. أباها ترد .. ابا اشوفااا .. ابا عذابة القوية الخقاقة .. الملسونة .. المرحة ..
و بحنان أضافت ..
- ابا عذابة أم قلب أبيض .. اشتقنا لها و الله ..
ترقرقت دمعة في عينها ..
- و الله احبج حمدوووه .. بس بعده قلبيه يعورنيه ..
- انزين تراج ما بتظهرين من الحالة لي انتي فيها الا اذا حاولتي .. اسمعي .. شرايج تسيرين وياية باكر ..
- وين ..
- عند حسنووه .. نشوف علوم كرشتها ..
- ههههههههههههههههههههههههههههههههه
.
.
.
ليته ينسى ..
كما ستنسين أنتِ ..

.................................................. .......................................


كان يجلس في القاعة التعليمية على جهاز الكمبيوتر ..
القاعة المتواضعة .. التي زينها سيف بخط عبدالخالق .. و تفنن في خط عبارات جميله .. على جدرانها ..
سبحان الله و بحمده .. سبحان الله العظيم ..
اطلب العلم من المهد إلى اللحد ..
اطلب العلم و لو كان في الصين ..
اللهم لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ..
و البصمة المميزة التي تركها هنا ..
هي ..
( صبر جميل و الله المستعان )
.
.
جلس على جهازه يتابع البث المباشر لأحدى المحاضرات ..
رغم أن عينه كانت تتوجه بين الحين و الآخر للرجل الذي يجلس على الجهاز الذي يبعد عنه بطاولتين .. كان هذا سيف .. و يبدو عليه التركيز الشديد .. يبدو أنه يقرأ شيئا على جهازه .. فقد كانت الانفعالات العديدة على غفلة منه تجد طريقها لوجه .. فرأى شبح ابتسامة تارة .. و تارة أخرى يرى الاستياء يكسيه ..
و يكاد يقسم أنه رأى ما يشبه الحنان على سحنته ..
كان متأكدا .. فقد بدا سيف مختلفا في تلك اللحظة .. جدا مختلف ..
انتهت المحاضرة و هم ذياب بالوقوف .. و لكنه فضل انتظار سيف .. أراد أن ينهي هذا الغموض الذي يلف هذا الصديق .. انه لا يعلم شيئا عنه غير انه في الثانية و الثلاثين و اسمه سيف ..!!
الآن يغلق سيف الجهاز .. و ينهض عن الكرسي ليتوجه إلى مكتبه في الطرف الأقصى من القاعة ..
انتظره ذياب حتى استقر على مقعده .. فأغلق الجهاز هو الآخر .. نظر إلى ساعته .. الثامنة و النصف صباحا ..
لديه نصف ساعة قبل أن يتوجب عليه الذهاب إلى الورشة ..
سيغتنم الفرصة الآن ..
نهض من على كرسيه .. و تقدم نحو سيف الذي جلس يدقق في مجموعة من الأوراق ..
- ايلس ذياب ..
قال ذلك دون أن يرفع عينه عن الورقة التي أمامه .. فجلس الآخر على المقعد المقابل للمكتب ..
- كيف الدورة بو شما .. رب ماشي اعاقات ..
- لا الحمد الله ماشيه ويايه تمام ..
- زين و الله .. وايد ناس صعب عليها التعلم عن بعد ..
و نظر له و شيء من الفخر في صوته ..
- بس انته ما لقيت أي مشاكل ما شاء الله عليك ..
عم الصمت بعد كلماته الأخيرة .. التي لم يعقب ذياب عليها ..
.
.
لحظات هادئة ..
لا وقع للكلمات فيها ..
.
.
و عندما أصبح الصمت بينهما له دوي الصراخ ..
قطعه ذياب بسرعة يلقي سؤاله قبل أن يتردد ..
- بو هناد عنديه سؤال لو سمحت ..
رفع سيف رأسه عن الأوراق ..
- خذ راحتك بو شما اسأل .. بس لا تطول .. تراك مشغول ..
بلع ذياب ريقه ..
- انته شوه دخلك السجن .. أقصد أنا مرة تخبرتك و قلتلي حرمة .. بس أنا أبا أعرف شوه السالفة بالضبط ..
.
.

هدوء
.
.

نظر إليه سيف متأملا ..
متألما ..

.
.
سارع ذياب يتابع ..
- قول فضول .. أو أي شي .. بس أبا أعرف شوه يدخل ريال شراتك .. ما يبين إنه يخطي ع حد السجن .. ابا أعرف الريال لي وياية من 8 شهور تقريبا .. شوه سالفته .. شوه لي ورا سكوته ؟؟!!
مازال سيف ينظر له بثبات .. و مازال ذاك الألم يلوح في عينيه ..
- متأكد بو شما تبا تعرف ..
- هيه
ابتسم بمرارة ..
- فالك طيب .. أولا خلنيه أقولك إسميه الكامل شرايك ؟؟!! .. اسميه سيف بن سلطان آلـ .......
اتسعت عيناه بصدمة شديدة .. كادت توقعه من على كرسيه .. يا للهول .. ما الذي يفعله إذا هنا ..
- شيــــــــــــــــــــــــــــــــــــخ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
مازالت إبتسامته المرة مرسومة على الشفاه ..
- انصدمت صح ؟؟!! .. هيه شيخ ولد شيخ .. و لا يكون عندك شك أبدا إن القانون ما يمشي على الصغير قبل الكبير .. و الغني قبل الفقير .. المقامات و لا شي يا بو شما .. كل شي في ميزان أعمالنا ..
بدا له في تلك اللحظة شبيها بعبدالخالق ..
- أنا يطولي بعمرك يوم دخلت السجن كان عمري 25 سنه .. شاب في بداية حياتيه .. تونيه متخرج من كلية سانت هرست البريطانية العسكرية الملكية .. بمرتبة الشرف .. خاطب بنت عميه و عرسنا بعد 6 شهور ..
صمت قليلا قبل أن يضيف ..
- و كنت شاعر ..
و ابتسم و كأنما راودته ذكرى تلك الأيام الماضية ..
- إنزين شوه لي صار ؟؟!!

.
.
مرة أخرى وقع الهدوء ..
قبل أن يسرد الحكاية ..
.
.

- مرة كنت ظاهر من صلاة الظهر و كنت متأخر شوي في المسيد .. يعني العرب كلها راحت بيوتها .. و ما بقى غيري أنا و إمام المسيد و كم ريال .. و يوم ظهرت .. شفت صبي يربع في الشارع و هو يصارخ .. تروعت .. مادريت شوه بلاه و زاقرت عليه .. شوي و هو ياي يربع صوبيه .. و يوم قرب شفت كندورة الصبي ممزورة دم ..!! و كان يصيح و ييرني من ايديه .. و ما أفهم شي من رمسته .. بس الولد كان منهار و يصيح بقوو .. خلاف سمعته يقول إن أبوه مات .. و فيه حد بيذبح أخوه.. طبعا رمسة ياهل ماصدقتاا .. بس الولد كان ميت صيااح .. قلت أسير وياه البيت أشوف شوه السالفة .. ربعت وراه .. الين وصلنا بيت قريب من المسيد و قبل لا أحدر .. لقيت بنية ..
و أغمض عينيه يتذكر ..
- آآآ .. عمرها يمكن ما بين 19 أو 20 .. يوم شافتنيه ويا الياهل .. قربت منيه و هي تربع .. البنية بعد كان في كندورتاا دم .. و كانت تصيح .. و صاحت بي تقول .. إن أبوها إنذبح .. و إنهم بيذبحوون خوهااا .. مادري .. ما صدقت .. بس شفت البنية قبضت طرف كندورتيه .. و قالت ..
( دخيلك إلحق ع خوية لا ينفدونه .. تكفاا ) .. في هاذيك اللحظة .. سودت الدنيا في عيونيه .. البنية تنخانيه يا بو شماا .. و خوهاا بيلحقوونه أبووها .. عفدت داخل البيت .. و حصلت ريال عود .. شايب يا ذياب .. الشيب مازر لحيته .. و ما تشوف منها إلا بياضها .. طايح في القاع .. و الدم حوله .. يصب منه صب ..!! رفعت راسيه .. شفت أربع رياييل .. ثلاثة منهم شردوا يوم شافونيه .. و الرابع كان ميود ولد عمره 18 سنه .. و في إيده فرد ..
دريت إنه يبا يذبحه شرات ما ذبح أبوه .. عفدت عليه من ورا .. و سحبته من كندورته .. و هات و هاك .. اشده و يشدنيه .. و شليت الفرد من ايده .. و نحن متقابضين .. التوى الفرد في ايديه .. و انطلقت رصاصة حطت فصدره ..
سكت ... و بهدوء عجيب .. و قد استقرت راحتيه على سطح المكتب ..
- قتلته ..
بدا شاردا للحظة و هو يقول ..
- بس .. هاي السالفة .. قتلت ريال قتل ولد عمه عشان الفلوس .. و بغى يقتل ولده .. ربك ستر حرمته ما كانت في البيت و لا ولده العود .. و الا كان لحقوهم ايااه .. ثبتت التهمة .. و خذت عقوبة مخففة لأنيه كنت في حالة الدفاع عن النفس .. بس القتل قتل .. و إزهاق نفس حرمه رب العالمين ..
لحظات قبل أن يضيف
- حكموا عليه 20 سنه ..
و نظر لذياب بقوة ..
- أنا هب نادم ع لي سويته .. لو ما فزعت للصبي .. كان هو ميت الحين ..
كان ذياب قد فقد في تلك اللحظة كل الكلمات ..
جميعها تاهت
.. أين التعبير ؟؟!! .. ماذا يقول .. ؟؟!!
أي نبل وضع هذا الرجل خلف الأسوار .. !!
رجل استغاثت به فتاة لا يربطها به أي شيء .. لم يرها من قبل .. و لكنها أملت به خيرا .. فأبى إلا أن يلبي ندائها ..
أي أحرف لها أن تصور شعوره الآن ..؟؟!!
- ليش ما قد خبرتنيه من قبل ؟؟!!
- ما سألتنيه ..
لبث يلتزم الصمت دقائق ..
- تدري منوه الريال لي ضربته و سببت له إعاقة ؟؟!!
نظر سيف له .. شعر أنه سيتفوه بمهم الآن ..
- منوه ..
رفع رأسه و ابتسامه ساخرة تعلو شفتيه ..
- واحد كان ربيعيه ..
نظر سيف و شيء من الدهشة في عينيه ..
- كان ويايه في الدوام .. و عرض علي مشروع .. كانت المخاطرة وايد كبيرة .. بس أنا كنت مستعد .. دفعت تقريبا كل الفلوس لي حاطنها في البنك .. الفلوس لي ورثناها عن أبوية الله يرحمه .. قلت فخاطريه .. من سنين و هي في البنك .. ليش ما أظهرها و أشتغل بها .. نصيبي و نصيب أماية و نصيب ختيه .. كلها عطيته إياها .. كتبت شيك .. و عطيته إياه .. و ما خذت لا إثباتات .. و لا شي .. بعد كم شهر .. شفت الريال قام يتهرب مني .. ما يرد ع تيلفوناتيه .. سألت عنه و يوم واجهته .. أنكر إنيه عطيته شي .. ثمانمية و خمسين ألف يا سيف .. حقي و حق هليه .. أنكر إنيه استودعت إياها .. ماطاع ايبها أو يردها ..
و سكت و هو ينظر لسيف .. الذي أكمل القطعة المفقودة عنه ..
- و ظربته ..
- هيه .. ضربته من قهري .. شفت حق أمي و ختيه الضايع .. حلالنا يروح بسبة واحد بليا شرف و لا ضمير ..
ضربته بقب .. و تعوق في ريله ..
و أشار لقدمه اليسرى ..
- بعد الحادثة ظهر في المحكمة تقرير بإنه مصاب بإعاقة في ريله اليسرى بعد الحادث .. و إنه ما بيروم يمشي عليها مرة ثانية .. و حكم عليه بخمس سنين و ست شهور ..
و رفع رأسه لسيف .. تقابلت نظراتهما .. رغم أنه ما زال يشعر بأن وراء هذا الشاعر قصة أخرى .. لم يفصح عنها .. إلا أنه لم يسأل .. لقد أخذ كفايته لهذا اليوم .. و عليه أن يرضى بهذا ..
نظر لساعته رآها تشير للتاسعة الا خمس دقائق .. نهض من مكانه ..
- يا الله أنا بتوكل الحين ..
- الله يحفظك ..
خرج ذياب من القاعة و عينا سيف تتبعه ..
شعر سيف بأنه تكلم كثيرا ..
بالرغم من أنه لم يخبره بعد ..
بأن ابنة عمه التي كان يعشقها و على وشك الزواج به .. تخلت عنه لحظة القبض عليه .. و أنها أقدمت على الزواج بإبن عمه الآخر بعد سنة فقط ..
لم يخبره أنه شاعر .. منذ دخوله السجن .. لم يستطع كتابة بيت شعر واحد .. رغم حبه الكبير لقصائده ..
لم يخبره .. أنه رفض كل وسيلة للإتصال بأهله .. و لم يستقبل أي زيارة منهم..
و أن وسيلة الاتصال الوحيدة بالعالم الخارجي ..
هي رسائل تصله عبر البريد الإلكتروني ..
منهــــــــــــــــا ..!!

.................................................. .......................................


- هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه بايخة
- إنزين لو بايخة ليش تضحكين .. عذابة ختج هاي خربوطية ..
ترد عذابة بسخرية ..
- خخخخخخخخخخخخخخ من زمان ..
تضربها أختها على كتفها ..
- إيه اصطلبي .. ختج العودة أنا ..
- انزين يا عمتي ذليتينيه .. عوده عوده .. خلاص ..
حسنا تضحك ..
- عقدتوهاا البنية حليلهاا ..
- حلهاا حلول .. هاي امررررررة ما تتعقد و لا توووب . بعد شوي بتشوفينهااا .. ترمسنيه و كانيه ياهل ..
- اييييه شوه حلها حلول بعد .. و تبا الاحترام .. يختي فاقد الشيء لا يعطيه ..
- عنبوووووه يا عذااابه هب لسان عليج .. سيري شوفي محبوب يا و الا لا ..
- خخخخخخ .. انزين ..
خرجت عذابة من غرفة الضيوف المخصصة للنساء .. تعبر الصالة لتخرج و ترى اذا كان السائق وصل أم لا .. بيت أم ذياب كان بيتا شعبيا حميميا .. كانت هي تعشق هذا النوع من البيوت ..
و لكن في طريقها .. حانت منها التفته للنوافذ التي تطل على - الحوش - فرأت رجلين يقفان عند الباب الخارجي و يتحدثان .. أحدهما يعطيها ظهره .. و المقابل تعرفت عليه .. فقد رأته من قبل في صور زفاف حسنا .. هذا عيسى زوجها .. كان الرجل الذي يحدثه في مثل طوله .. و لكن أعرض منه .. ابتسمت و قد تراءى لها صورة رسوم قديمة .. كادت تعود لتخبر حسنا بعدم إستطاعتها الخروج .. عندما التفت الرجل ناحية البيت .. فتوقفت مكانها .. لتنظر بدهشة و إمعان .. كان الرجل يشبه عيسى كثيرا .. جميل الملامح ..
و لكن ما أثار دهشتها .. هو جرح على جانب وجهه .. تبينته من مكانها عبر الحوش الصغير .. جرح عميق و طويل .. يمتد على طول خده .. من جانب عينه اليمنى .. إلى منتصف رقبته .. بدت الندبة كأثر لطخة شوهت لوحة جميلة .. تحركت عذابة من مكانها بسرعة .. و عادت من حيث أتت ..
- ها يا محبوب ..؟؟!!
- ما شفت .. حسنا شي رياييل في الحوش .. ما رمت أشوف ؟؟!!
نهضت حسنا بحجهد كالعادة يثقلها الحمل ..
- خلاص حبيبتي استريحي .. أنا بشوف ..
خرجت حسنا من الغرفة و توجهت إلى الخارج .. و حين وصلت إلى - الحوش - لم ترى أحدا .. ألقت نظرة على الكراج الخالي .. لابد أنهم ذهبوا .. اقتربت من الباب لترى إذا كان السائق قد وصل .. ألقت الغطاء على وجهها ..
و خرجت .. لتفاجئ بسيارة أمام الباب .. و لكن ليس السائق من يقودها ..
بل كان رجلا يقف عند مقدمتها و يبدو عليه الشرود .. عرفته .. انه شقيق حمده و عذابة .. محمد .. ظلت مكانها واقفة عند الباب .. و هو غير منتبه ..
فضلت السلام ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
انتفض في مكانه .. و قد انتشلته من أفكاره ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
ثم استوعب الأمر فجأة .. إنها هي .. تقف أمامه ..
- شحالك محمد ..
و بدأت الحياة تدب في قلبه الميت منذ دهر ..
- يسرج الحال .. شحالكم انتوا .. ربكم بخير ..
- بخير يعلك الخير .. و الله فنعمة ما نشكي باس ..
أراد أن يطيل الحديث ..
- ذياب شحاله ..
بدا الحزن مع خفوت صوتها ..
- الحمدالله .. عيسى يقول إنه بخير ..
عيسى .. !!
عيسى .. نعم زوجها ..
و إهتزت الصورة أمامه .. ليدرك ما يرى .. كانت هي تقف عند الباب ..
إستطاع أن يتبين إنتفاخ بطنها ..
و مع الألم الهائل الذي جرى في عروقه .. غمره شعور بالحنان إتجاهها ..
- أهااا .. الله يعينه .. زاقري ع البنات لا هنتي .. بيأذن المغرب و نحن ما وصلنا البيت ..
- إن شاء الله ..
و استدارت لتدخل البيت .. بينما تساند بيده على مقدمة السيارة .. شعر بدمعته و قد أقبلت ..
و لكن ما أثار عجبه هو
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

الإبتسامة الرقيقة الحنون التي علت شفتيه ..

تبدو سعيدة و مرتاحة ...

و هو أيضا ..
.
.
سعيد ..
.
.
.
.
.
لسعادتها ..!!
.
.
فلتعيشي أبدا كذلك يا غالية ..


.................................................. ...............................................


وضعت القلم و عيناها تتأملان ما سكبت من أحاسيس هنا..
.
.

تهرول بي أيام العمر تسحبني من ذراعي
الممتدة بلهفة الأشواق لاحتضان أطياف الرؤى
تزرعني خطوة مرتبكة على دروب الخوف
من أشباح الفراق
تمطرني بالدمع وتسقيني.. كؤوس الألم
وتأسرني... في زنزانة الوجد أقتات الوهم
مستسلمة لقدري وبقايا حلم.....
تبعثره رياح الأسى وتجمع أوراقه أرصفة الزمن *

.
.
أرجعت رأسها إلى الخلف و هي تفكر ..
لم تغفل عن الحالة الغريبة التي كانت تحتوي أخيها ..
عندما أخبرتهن حسنا أنه في الخارج ..
علمت أنه رآها ..!!
أمسكت القلم و ظلت تنقر به سطح الطاولة الأملس ..
لم يكن لدى حسنا أي فكرة عن المشاعر التي يكنها محمد لها ..
بينما كانت هي كل حياته ..
لم تكن تراه سوى قريب بعيد عليها إحترامه ..
و شقيق صديقتها المقربة ..
بينما كانت هي له حلما بعيد المنال ..
دار في خلد حسنا سؤال معلق في الجو ..
بلا إجابة ..
.
.
.
.
.
هل سينسى ؟؟!!

.................................................. .....................

و أقبلت أيام البركة..
و الرحمه
.. شهر العطاء ..
هاهو أزف ..
.
.
.
خلف الأسوار ..
.
.
كان الوقت عصرا .. جالسون في الساحة .. و قد أصبح الجو أكثر لطفا من حر الصيف ..
أمسك استلقى حمد و وضع يده تحت رأسه ..
و استند عبدالخالق على الجدار .. بينما بدا سيف ساهما في عالم آخر ..
أما ذياب .. فقد كان الصداع يحطم جمجمته ..
كان أول يوم في شهر البركة .. و قد تقلصت ساعات العمل إلى ثانية عشر .. صباحا ..
قال حمد ..
- أحس بخمووووووووول ..
رد عبدالخالق ..
- هذا من نقص الجلوكوز في الدم ..
- اهاااا ..
و عم الصمت مجددا ..
كان كل منهم غارقا في أفكاره ..
و تسري به إلى البعيد ..ا
كانت لحظات جليلة ..
تنسرق بسرعة ..
و لا ندركها ..
إلا حين رحيلها ..!!

.
.
و لكن ذياب لم يكن صداعه شغله الشاغل ..
بل كان حلما رآه البارحة فيما يرى النائم ..
.
.
فقد رأى البارحة أبيه في الحلم .. و قد كان هو و عيسى و سيف و حمد و عبدالخالق .. يصفون الحجارة في مكان خالي .. بما يشبه منبر الإمام .. و وقف والده يؤمهم و يصلي بهم ...
ثم رأى نفسه معهم .. يجلسون في حلقة و قد أمسك أبوه إناء فيه لبن ..
ليمده لذياب .. يريد منه أن يشربه ..
و عندما مد ذياب يده ليشرب أخذ حمد الإناء ليناوله عبدالخالق .. الذي كان يجلس يمين أبيه .. و كأنما أراد حمد أن يبدأ أبوه بتقديم اللبن من يمينه .. و رفع عبدالخالق الإناء ليشرب منه ..
.
.
غريب هذا الحلم ..
.
.
و الأغرب هو دموع بللت مخدته بعد أن استيقظ ..!!
.
.
تذكر دعاءً تردده أمه إذا نهض من منامه فزعا عندما كان صغيرا ..
.
.
" أعوذ بكلمات التامات من غضبه و شر عباده و من همزات الشيطان و أن يحضرون "

.................................................. .............................
- و الله ما عندج و لا عندها سالفة ..
- أووووووووف عذابه ذليتينا عااد .. لو ما ييتي و فكيتينا من حشرتج كان أحسن .. بروحيه خايفة محمد يدري بروحتنا و الله لا يلعن فخيرنا ..
نظرت إليها شزرا ..
- حمدي ربج انيه ييت وياج .. و الا أمايا ما خلتج تسيرين ويا هالفص بروحج .. لازم رقابة عليكن انتن ..
و رفعت حاجبيها بسخرية ..
أجاب بسرعة ..
- فص فعينج إنزينه .. أنا ريال الحين لا تستهينين بي ..
- انزين يا بوووية اسكت .. الحين شوه بيفكنا من حشرته ..
- عذااابوووه .. صيامج راح يختي .. خلي لي بقي الين عقب المغرب ..
- استغفر الله .. بس الصراحة أمركن عجيب .. يعني ما حلالكن التسوق الا اليوم .. العرب تتعبد و تستغفر و انتن ترتغدن في المراكز ..
- لا اله الا الله .. قلنالج الحرمة تبا تتشرى للبيبي .. و أنا لي مأخرتنها .. كان اشترت و خلصت من زمان ..
و بعدين ما شي وقت .. شوه يضمنا إنها ما بتربي باكر؟؟!!
- انزين تيود عمرها الين عقب العيد .. خلاف يستوي خير .. هههههههههههههههههههههههههه .. و الله ..
- أعوووذ بالله منج .. انزلي انزلي .. خلينا نخلص قبل المغرب ..
- سلطووون انزل ..
- محبوب لا تسير خلك هنيه الين ما نخلص ..
- اوكيي ماما..
نزلوا جميعهم من السيارة و توجهوا إلى المدخل الرئيسي لمركز التسوق .. و قبل أن يبلغوه ارتفع رنين هاتف حمده ..
- ألووووه .. مرحبااا .. هيه وصلنا ........ بيبي شوب هااا؟؟!! .. خلااص غايته ..
و أغلقت الهاتف .. بادرت عذابة ..
- ويـــــــن ؟؟!!
- بيبي شوب ..
- خلاص يا الله ..
وصلوا للمكان المقصود في غضون عشر دقائق .. و بعد تبادل السلام ..
- يا الله حسنا لازم نخلص بسرعة .. تعرفين عندنا ما نظهر السوق بروحنا .. بس أمايا سوت استثناء عشانج ..
- و الله أدري فديتكن ..
- و الله قلبي ينتفض .. محمد خوية دوووم معسكر هنيه .. خوفي يشوفنا .. و الله ما بيحل الا ذبحنا ..
- امنوه يابكن ؟؟!!
- محبوب و انتي ..
- سلطان ..
- سلطان منوه ..
- سلطان خو ريلي عيسى ..
- لي سواا .......
و أشارت بيدها بإشارة لتقاطعها حسنا ..
- هيه هو ..
- ليش ريلج وين ؟؟!!
- قابظ زاام بيظهر قبل المغرب ..
عذابة بتململ ..
- بنات أنا مالي حاية هنيه .. بسير أنا وسلطون شومارت باخذليه نعول ..
- نعم نعم .. لا حبيبتي ما سمعت .. ان شا الله تبين ترتغدين في المول .. انتي ما يسدج التهريب لي نحن مسوينه .. استريحي الشيخة ..
- خييييييييييييبة كلتيني .. و أنا وين بسير .. هاذوه المحل ..
- حمدووه خليها تسير بترد بسرعة .. صح عذابي ..
نفخت عذابة في ضيق ..
- هيه ..
بدا الرفض الشديد على وجه حمده ..
- لا يعني لا .. ماشي ..
- حراام حمده ..
لانت بعد نظرة الترجي ..
- بسرعة .. الحين تردين .. و لا تودرين سلطان ..
- انزيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن ..

.
.
.
- يا الله تحرك ..
- وين ان شاء الله ..
- الهند نبيع براطا .. وين يعني محل ثاني ..
- أي محل ..
- شومارت ..
و أشارت بيدها ..
- هاذوه ..
بدا غير راغب في مرافقتها فهي لا تكف قط عن إزعاجه .. دخلا للمحل و وقف قرب طاولة الدفع بينما اندفعت هي بين صفوف الأحذية تبغي شراء ما تريد ..
مر الوقت عليه ببطء .. و بدأ يشعر بالتململ ..
أراد الخروج .. و لكنه علم أنه سيلقى عقابا شديدا لذلك ..
لذلك بقي في مكانه دون أن يتحرك .. إلى أن ............


.................................................. ........................................


و رفع بو حمدان عينيه في من حوله .. ليتابع في هدوء محبب للنفس .. أية راحة يبعثها هذا الرجل في نفوسهم ..
- للصيام فضائل عديدة, وهذه الفضائل لا تكون إلا لمن صامت بطونهم عن الطعام والشراب, ونفوسهم عن الشهوات, وجوارحهم عن الآثام والسيئات, وكان صيامهم خالصاً لله سبحانه وتعالى, ومن فضائله أن الله تعالى نسبه إلى نفسه وذلك لعظم أجر الصائم فقال جل شأنه في الحديث القدسي: "كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به", والصيام جُنة من النار وجنة من الشهوات يحفظ صاحبه بإذن الله من الآثام والوقوع في الحرام, كما أنه سبيل إلى الجنة وسبب من أسباب تكفير الذنوب, جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبن الكبائر", كما أن الصيام سبب من أسباب إجابة الدعاء, فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد", والصائم يوفى أجره بغير حساب حيث قال صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان يفرحهما, إذا أفطر فرح بفطره, وإذا لقي ربه فرح بصومه" .
و نظر إلى وجوههم و هو يرفع يديه و كأنما أراد إيصال مفهوم ما إليهم ..
- أَ وتعلمون من هم المحرومون في رمضان ؟؟!! قوم لم يقدروا لشهر رمضان قدره ولم يعظموا في نفوسهم فضله, صاموه عادة لا عبادة, فما نهاهم صومهم عن الآثام, وغاية همتهم فيه إمساك عن الطعام, يقضون ليلهم ساهرين في لهو ولعب وينسون ما فاتهم من أجر القيام والتعبد لله في ليالي رمضان المبارك, فأولئك هم المحرومون من فضل شهر رمضان والمغبونون في خيره, والذين لم يتحروا ليلة القدر ولم يعظموا أمرها, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان: "فيه ليلة خير من ألف شهر, من حُرم خيرها فقد حرم".
فتداركوه جزاكم الله خيرا .. لا تضيعوا شهركم الكريم في المعاصي .. تلك أبواب الرحمة فتحت لكم على مصراعيها .. أمن تائب يريد الغفران من رب رحيم ..

.
.
.
أَ من تائب يريد الغفران من رب رحيم

أَ من تائب يريد الغفران من رب رحيم

أَ من تائب يريد الغفران من رب رحيم

.
.
اللهم إنـك عـفـو كـريـم تـحـب الـعـفـو فـاعـف عـنـي

اللهم إنـك عـفـو كـريـم تـحـب الـعـفـو فـاعـف عـنـي

اللهم إنـك عـفـو كـريـم تـحـب الـعـفـو فـاعـف عـنـي
.
.
و شعر ذياب بطمأنينة خالصة تتسلل خفية في روحه ..


.................................................. .................................................. .............


- يااا حماااار ..
نظرت إليها شقيقتها بغضب ..
- عذاابووه لا تخلينيه أبطل صياميه بسبتج ..
- شوه عايبنج لي سواه ..
- خلاص لي صار صار ..
قال سلطان بامتعاض ..
- شوه سويت .. الريال عرفنيه و زقرنيه .. تبينيه أطنشه ..
- خلاص سلطان السالفة إنتهت ..
عذابه بخصام ..
- لا حمدوووه ما انتهت .. تخيلي قال لمحمد إنه شاف خوه في المول .. و الله ليقصبنا محمد قصاب .. بيسوينااا كباب ..
- خلاص عااد لا تكبرين السالفة .. حسنا قالت بتحذره ما ييب طاري سلطان و شوفته في المول ..
- يا الفضيحة بيقول نحن نظهر من ورا هلنا ..
- لا قالت بتقوله إن سلطان عنده امتحانات و لازم ما يظهر ..
.
.
التزمت عذابة الصمت .. لم يكن ما يغيظها هو تحدث سلطان إلى الرجل ..
بل هو الاحساس المجهول بالفضول ناحية هذا الرجل ..
لقد رأته مسبقا في منزل أم ذياب ..
و قد تعرفت عليه حين كان واقفا مع أخيها يحدثه ..
هي لا ترى كل يوم رجل يحمل ندبة ..
هو شقيق عيسى إذا ؟؟!!
تعوذت عذابة من الشيطان ..
لماذا تفكر في الرجل ..
تذكرت ما قالت لها حمده عن ميلها للبحث عن أشياء غير حقيقية ..
و أوهامها ..
هل تخطط نفسها للإعجاب الآن بهذا السلطان ؟؟!!
نعم لابد أنها نفسها الأمارة بالسوء ..
فالشيطان مكبل في جهنم الآن ..!!

.................................................. ....................................


أم ذياب تجلس على طرف البساط الذي يقع تحت شجرة الليمون .. و ابنتها التي وصلت للتو و زوجها .. و حفيدتها الحبيبة ..
و قد رفض سلطان البقاء ..
رغم الحزن الذي يتآكل فؤادها إلا أن قلبها كان ينبض بالدعاء لابنها البعيد ..
اللهم إنه لك .. عبدك .. ابن عبدك .. ابن أمتك .. فكن له .. و معه .. و انصره يا رب العالمين ..
و حسنا رغم هدوئها و الإرهاق البادي على وجهها ..
كانت روحها تتوجه الآن بتذلل .. تريد من الله رحمة لأحبتها ..
.
.
و خلف الأسوار جلسوا الأربعة و معهم مجموعة من السجناء الذي يعرفونهم ..
و قد مالت الشمس للغروب ..
هنا خشعت القلوب .. ترجوا .. فرجا ..
من كل هم ..
هنا توجهت الأفئدة إلى واحدٍ أحد .. لا تطلب منه سوى رحمه .. و مغفرة ..
.
.
و خارج الأسوار مرة أخرى ..
.
.
جلسوا في صالة الطعام كلهم حول المائدة ..
يترقبون الأذان ..
حمده يتعاظم الأمل في قلبها هذه اللحظة ..
رباه ..
رحمة و فرجا قريب ..
عذابة ..
استغفر الله .. اللهم مغفرة .. و هداية يا رب العالمين ..
محمد .. سلطان .. و أمهم ..
.
.
الكـــــــــــــــــــــــــــــل يــــــــــــــــــــرتجي فــــــــــــــــــــي هـــــــــــــذه اللحظــــــــــــــــات
الأخيـــــــــــــــــــــــــرة مــــــــــــــــــــــــــــــن الصيــــــــــــــــــــــــــــــــام

.
.

ذياب
.
.
حمد
.
.
عبدالخالق
.
.
سيف
.
.
أم ذياب
.
.
حسنا
.
.
حمده
.
.
عذابه
.
.
عيسى
.
.
محمد

.
.
و قلوبٌ من كل بقاع الأرض

إهتزت ..

.
.


إنتفضت ..

.
.

مع قول المؤذن

اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه أكبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

.
.

و هـــــــــــــــــــي تبتهــــــــــــــــــــــــل ..!!
..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
يتبع
.................................................. .................................................. .....

* مقطع من منتصف الشوق للمبدعة سلوة الخاطر ..
** قصة سيف مقتبسة من قصة واقعية ..!!

.
.
.

تتمـــــــــــــــــــــة






و تتالت أيام الرحمة ..
يوما وراء يوم ..
.
.
كان يضحك بأريحية على ما يقوله حمد ..
- ههههههههههههههههههههههههههههههههه ..
و يشاركه الضحك عبدالخالق و سيف .. بينما تابع حمد ..
- انزين و الله هاي ما بتصدقووونهااا ... بس صدق صارت .. يوم كان عمريه حول عشر سنين .. كان في فريقنا عيوز ساكنة فبيت بروحاا .. و كان فبيتاا شيرة نبق .. مستوي .. و ما تخلي حد يشل منه .. حتى لو كان طايح في القاع .. و يوم العيد ظهرت من بيتاا صوب حريم مسيرة ..و رحنا أنا و الصغارية لي وياية .. ثلاث أولاد و بنتين .. و عفدنا بيتاا و شلينا النبق .. و ما كفانا لي طايح .. الا قمنا نفر الحصي عليها و النبق يطيح .. و كل واحد منا يمزر ثبانه .. و فجأة ما شفنا الا العيوز حادرة علينا ..و الشردة .. عاد أنا كنت آخر واحد .. و عطيت وحدة من البنات مالي عسب تشرد .. و زختنيه العيوز و كلهم تشاردوا .. و ظربتنيه .. بعصاتاا .. و يوم ظهرت سيده رحت من حيث ما نلعب و حصلتم كلهم هناك .. و سألونيه كان فتنت عليهم قالت لا .. خلاف صديت قدا البنية لي عطيتاا النبق .. و قلت أبا مالي .. قالت انيه ما عطيتاا شي ..
انفجر الثلاثة ضاحكين .. فتابع يقول ..
- المهم انها شلت النبق كله .. مالي و مالها .. بس ما سويت لها شي .. تعرفون منوه هاي البنيه ..
علامات الاستفهام على الوجوه .. و ابتسامة فخر كبيرة على شفتي حمد ..
- أم العيال ..
انفجر الثلاثة بالضحك .. هكذا حمد دائما يفاجئهم .. و يتمكن بكل بساطة من رسم الابتسامة على شفاههم ..
- آآه و الله إنيه مشتاق لهاا .. و لعياليه ..
عبدالخالق يستفسر ..
- كم عندك يا بو شهاب .. تدري الحين نتعرف عليك من يديد ..
- خخخخخخ .. عندي ستة ..
اتسعت أعينهم ..
- ما شاء الله .. ستة ..
ربت حمد على مؤخرة رأسه و إبتسامة شقية تعلو وجهه ..
- هيه شوه تتحرون .. خلاص كبرناا يا شباب ..
ابتسم سيف لعبدالخالق ..
- الفال لك بو حميد ..
تنهد عبدالخالق بأمل .. و الابتسامة هذه المرة كانت حالمة ..
- هيييييه .. الله كريم ..
كانوا يجلسون كعادتهم كل عصر في الباحة المفتوحة .. لم يعد يصلهم عن عيد الفطر إلا أسبوع ..
سبعة أيام و سيقضي ذياب له أول عيد هنا ..
لن تكون هناك ثياب جديدة .. و زيارات متبادلة .. و الأطعمة المختلفة .. رائحة الحنا .. و رائحة العود صباح العيد ..
لن تقدم له أمه القهوة و التمر قبل أن يذهب ليصلي العيد ..
و لن يعود ليجد أحدا في انتظاره ..
.
.
سيكون هذا عيدا .. ليس كما سبقه من أعياد ..
عيدا بلا أهله ..
عيدا بلا ما اعتاده ..
عيدا بلا حرية ..
.
.
عيدا .. بلا فرحة ..!!
.
.
.
قطع حبل أفكاره صوت كالنعيق .. صوت يبعث فيه الاشمئزاز دوما كلما تسلل لأذنه ..
- شوه معتكفين شباب ..
و أطلق كالعادة ضحكة مصطنعة عالية بلا معنى .. و تدفقت معها موجه هائلة من الكراهية في عروق ذياب نحو هذا المدعو عبود السريحي ..
و بدا حمد كما اعتادوا خائفا و متوترا .. بفارق أنهم الآن كانوا يعلمون أنه يصطنع ذلك .. في استمر الثلاثة في تجاهله و كأنه لم يقل شيئا .. و لكن التعبير الذي بدا على وجه سيف أضحك ذياب .. كان سيف كمن حطت على وجهه ذبابة مزعجة ..
مما دفع عبود للقول باستهزاء غاضب..
- ايه انته - و اشار بيده ناحية سيف يريد منه أن ينظر إليه - شاعر الخريط .. ع شوه شايف عمرك .. ليكون تتحرا انك احسن عنا ..
و انتظر من سيف أن يرد عليه .. و لكنه أجابه بابتسامة باردة .. محتقرة ..
- اللهم إني صائم ..
انفجر عبود و من معه بالضحك ..
- هذا لي رمت عليه ..
بدت ابتسامة سيف الآن أكثر تشفيا و هو يقول ..
- لا أروم على أكثر من هذا .. أروم اخليهم ييرونك من كراعك للانفرادي و انت ساكت ..
و نظر بتحدي له .. و بدا على وجه عبود شر ساحق .. قبل أن يقول و كلماته تقطر حقدا ..
- لا تتحرا انيه نسيت لي استوى .. اشوفك استقويت عقب هاييك السالفة .. تراه ما يظرنيه الانفرادي .. بس أنا اعرف كيف اذوقك اياه المر و انت هنيه .. اعرف كيف أخليك تموت في كل لحظة ..
مازالت الابتسامة الباردة مرتسمة على وجه سيف ..
ابتعد عبود و من معه عن المكان .. سارع ذياب للقول ..
- شوه يقصد ؟؟!!
نظر سيف لعبدالخالق ..
- من سنتين بلغت عنه لنه حاول يخبي في القاعة مخدرات ..و انحبس عقبها ست شهور انفرادي ..
عم الهدوء لبرهة قبل أن يقطعه حمد بنبرة مرحة بدا صداها في أذني ذياب مصطنع..!!
- بو هناااد لو سمحت عطنا قصيدة عن العيد ..
ابتسم سيف و قد أدرك رغبة حمد في إلهائهم عما حدث للتو ..
- فااالك طيب .. اسمع هاي ..

.
.

العيد باكر أسعد الله ممساك
==== والله مدري وين خدٍ جلسته

وين انت ياللي عيدنا في محياك
===== كف القدر من ضيقة الخلق بسته

من يوم ما لوحت لي كف يمناك
===== لليوم دمعي بالخفا ما حبسته

ومن يوم ماذوقتني حر فرقاك
===== والياس زرعه في حياتي غرسته

شريت لي ثوبٍ علي شان لقياك
===== والثوب راحت موضته مالبسته

وشريت عطرٍ ما زهاني بلياك
===== أربع سنين بعلبته مالمسته

ودفتر قصيدٍ كل يوم يترجاك
===== مافيه يومٍ ماسهرت ودرسته *

.
.
.

كانوا يتبادلون الأحاديث ..
بينما التزم ذياب الصمت ..
كان واثقا من أن السريحي لم و لن ينسى ذلك لسيف ..
و لا ينكر أن نظرة الشر في عينيه .. بعثت الرعب في قلبه ..
ذلك الحقود سينتقم من سيف بطريقة مؤذية جدا ..
كان متأكدا من أن سيف في خطر..!!

.................................................. .........................................

وضعت يدها على قلبها الذي كان يخفق بهدوء ..
تركب السيارة مع أمها و أختها .. و أخيها الصغير ..
متجهين للمستشفى ..
لزيارتها .. كانت قد أنجبت صبيا مساء الأمس ..
و تذكرت صراخها الفرح هي و عذابة عندما اتصلت بهن أمها لإبلاغهن ..
كم فرحت لصديقتها ..
و كأن هذا الطفل خرج من أحشائها هي ..
و ترقرقت دمعتها الصافية ..
سيأتي يوما ..
لا بد أنه سيأتي ..
و ستكون هي في مكانها ..!!
.
.
.
سيأتي هذا اليوم ..!!

.................................................. ..........................

و أقبل العيد خلف الأسوار ..
و بدا كيوم عادي .. لا يختلف في السجن عن غيره سوى في صلاة العيد و وجبة الغداء التي تضمنت اللحم و تبادل المساجين لعبارات التهنئة ..
أقبل العيد ..
و شد الرحيل ..
و لم يشعر بحلوله أحد ..
.
.
.
و في تلك الليلة ..
عندما أووا إلى زنزانتهم التي أصبحت كالبيت الدافئ لهم ..
لم يتبادلوا الحديث ..
بل وضع كل واحد منهم رأسه على المخدة مشغول بأفكاره الخاصة ..
حتى عبدالخالق لم يفتح كتابه ليقرأ ..
فكر ذياب في كل شيء ..
كل شيء ..
تخيل ابنته بثوب العيد الجديد و فرحتها ..
تخيل شقيقته .. أمه الحبيبة ..
كـــــل شـيء ..
سيراهم بعد غد ..
سيروي ظمأه ..
و عندها سيكون مستعدا من جديد ..
للشوق حتى عيد قادم ..!!

.
.

و بدأ الليل في التسلل بخفية بعيدا عن الناظرين ..
مستغلا غفوتهم ..

.
.
و أصبح الفجر على الأبواب ...
.
.

و كثيرون لم يراودهم النوم في تلك الليلة
و لم يطب لهم مرقد ..
و هم بعيدون ..
.
.
و كان الفجر في طلوع ..

.
.

كم نعاني ..!!
دوما إبن آدم في شقاء ..

.
.
.................................................. ...............................

فتحت نافذة شرفتها ..
سامحة بالنسائم الباردة بالدخول .. و تجميد أطرافها .. أحلامها ..
لم تستطع هي أيضا النوم ..
كان هناك إحساس مجهول يتآكلها ..
وقفت على أعتاب شرفتها من الداخل ..
متخفية ..
لا تريد أن ترصدها الأعين ..و هي تلبس ملابس نومها ..
و قد تركت العنان لشعرها المنطلق ..
تداعبه نسائم الفجر الجريئة ..
.
.
تراءت لها كلمات خطتها ذات يوم ..
كالألحان ..
.
.
يترنم الفجر بلحن الصمت ..
و يعزف الشوق على أوتار
الحنين ..
يحمل النسيم الصدى ..
و يعود أنين ..
مثقلة الأنغام
بآهات الشجن ..
و مبللة شفاة الغناء ..
بلهجة الحزن .. !!**
.
.
ابتسمت بيأس حزين ..
و كادت دمعتها تغافلها ..
إن القنوط أخذ يتسرب لنفسها شيئا فشيئا مجددا ..
عادت لفراشها لتمسك بدفترها الأثير ..
صديق حقيقي يا دفتري ..
لا تشتكي قط من قسوتي ..
.
.
و سُكب الإحساس مجددا ..
.
.
.
.
.
.

وعذرا للبُعد الذي نُعلق على مشجبه ثقل
أحزاننا ونهرب إليه مضرجين بالحنين
ثم نشكو منه رغم تعب أقدامنا
التي اقتحمت مسافاته
وما كان الوداع سيحل بمدن اللقاء
لولا أننا رفعنا رايات الاستسلام
لجيوش الفراق
حين اقتسمنا حصاد العمر
و وبقايا الحب المستحيل
أخذت أنت كل غيمة حبلى بمطر السلوى
وأبقيت لي عواصف الذكرى
فأصبحت
مزهرة حقولك بالنسيان
ومبعثرة بساتيني بالأسى
يا صعب الغياب
بي شوق يأرجحني على حبال الأماني
ويشعلني على جمر الوجد
المتقد في قلب عاشقة
أدمنت الشوق
فما عاد يجدي
هدهدة القلب بوعد
ولا عادت تجدي حبوب الوهم
كلما هممت بالانعتاق من أسر حبك
عاودني الحنين أشد ضراوة
من مخلب شك
وأنياب ظنون
وأرداني غريبة
على سواحل وطن مجهول ***

.
.
.

لم تكن تعلم حقا .. لمن هذه الكلمات ..
أَ لفارس الورق البعيد ..
البطيء ..
الذي لم يصل ..
و الذي قد لا يصل ..!!
أم لروح أخرى ..
شعرت في تلك اللحظة بقربها منها ..
لن تعلم ..!!

.
.

شعرت بروحها غريبة مجددا ..
أي مصير ..
و أي مفاجآت ..
تخبئها لي الأيام ..
.
.
و الأقدار ..

.................................................. ...................................

بدا متأثرا بشدة ..
فسارع سيف لسؤاله ..
- شكلك متغير بو شما .. رب ما شر ..
لم يجب .. فقال حمد في قلق ..
- يمكن محد من الاهل يا للزيارة اليوم ..
تحدث ذياب بصوت مبحوح من ثقل المشاعر ..
- بلى خويي و ريل ختيه يا للزيارة بروحه .. و يقول ياه ولد .. و سموه ذياب ..
و بدت ابتسامة غريبة على شفتيه .. و شعر بالعبرة تخنقه. .
و دمعه بعيده أقبلت مسرعة ..
تبغي الخروج ..
فتداركها بعجلة ..
ليمنعها من الظهور ..
محبوسة هي خلف الجفون كما هو وراء القضبان ..
نهض عبدالخالق و احتضنه و هو يقهقه ..
- مبرووووووووووووووووووووك ما يااااااااااكم ..
تبادلوه الثلاثة بالأحضان و نظرة عطف علت وجوههم ..
ضرب حمد عبدالخالق على كتفه ..
- عقباااااااااالك ..
- ههههههههههههههههههههههه إن شا الله ..
- الله يستر لا يين البنات ع شيفتك .. أنا اشهد ان مستقبلهن ضايع ..
لكمه عبدالخالق بمحبه .. ليلف كتفه حمد ضاحكا ..
و ابتسمت عينا سيف لذياب ..
الذي شعر أنه غارق ..
لا يعلم لما ..
شعر بقبضة تشتد على كتفه .. فرأى حمد يمسكه و بيد أخرى يحضن كتف عبدالخالق ..
اقترب سيف .. ليحتوي قبضته في كفه ..
كانوا الأربعة كلهم الآن ..
ممسكين بعضهم ..
متكاتفين ..
لا يفرقهم شيئا ..
.
.
سواء دوما ..
.
.
في فرح ..
و في شدة ..!!

.................................................. ..........................................

- أوووووووووفففففف ..
نظرت لها حمده شزرا ..
- بلاج ..
عذابة و هي تمطط يديها بكسل كالهرة ..
- يختي بااكر دوااام .. ما فينيه على نشة الصبح ..
عادت حمدة بتركيزها للكتاب الذي في يدها ..
- كلن في هم ..
نظرت عذابة للسماء ..
- شكلها بتمطر حمدوووتي ..
نظرت حمدة هي الأخرى ..
- ياليت ..
- أوووه الرومنسية .. عاشقة المطر .. خخخخخخخخخخخخ
- ما برد عليج يا الياهل ..
صمتت عذابة كأنها تفكر بشيء .. قبل أن تقول ..
- آآآ حمدووه ..
لا ترفع رأسها عن الكتاب ..
- همممممم ..
- بتخبرج ..
- تخبري ..
- الريال .. لي شفناه فبيت أم ذياب يوم العيد .. لي كان شال ذياب الصغيروني ..
- بلاه ..
- هذا اخو ريل حسنا صح ؟؟!!
- صحين ..
- هو لي زقر سلطان يوم كنا في المول ..
- هيه ..
- و اسمه سلطان ..
أغلقت حمده الكتاب بقوة لتقول بحدة ..
- لا والله .. عمتيه عذابه ... ما تبين رقمه بعد ..
- عوووووووووذ بالله .. ما يرزا علينا هالكم سؤال ..
حمده بنظرة ذات مغزى ..
- و ليش تسألين إن شا الله ؟؟؟!!!
- ماشي .. بس فضووووووووووووووول .. انزين حمدوتي آخر سؤال ..
حمدة بصرامة
- لا ..
- دخيلج بس هالسؤال ..
- اففففففففففففف .. اسألي .. طفرتيبي ..
- ليش ويه كذيه .. يعني متشوه من ينب ويهه اليمين ..
حمده تتأملها ..
- حادث ..
- و ماشي عمليات تجميل ..
- حبيبتي أول شي تحمدي ربج ع النعمة لا يبلاج .. و بعدين لي تشوفينه عقب العملية يعني هو كان متشوه أكثر عن كذيه ..
صمتت عذابه .. قبل أن تقول بهدوء شديد ..
- حليله ..
حمده تنظر إليها قبل أن تقلدها بسخرية ..
- حليله .. أقول نشي نشي يالله يبأذن المغرب و نحن بعـ ....
و لم تكمل عندما شهقت و قد شعرت بقطرة تلامس وجهها .. فتصرخ بفرحه ..
- مطر .. مطر ..
و لكن سرعان ما نزلت القطرات بغزارة لتبللهن ..
فدخلن إلى الصالة راكضات يلتجئن مأمنا من البلل .. !!

.................................................. .................................

كانوا قد أعلنوا وجوب توجه الجميع لزنزاناتهم بعد العشاء ..
فتوجه ذياب و يرافقه حمد ..
كانوا يمشون في الممر الذي يقع بين الزنزانات .. عندما نم عن حمد عبارة غريبة .. تجاهلها ذياب .. قبل أن ينتبه فجأة لفحواها ..إذ قال ..
- بو شما وينه عبدالخالق من عقب الصلاة ما شفناه ..
رد ذياب ..
- مادريبه .. تلقاه يالس ويا بوحمدان .. دومه هناك عسب يتابع الحلقات ..
بدا الإستغراب على وجه حمد إذ قال ..
- هو من عقب ما سار لك الحمامات ما رد ..!!
بدا ذياب أكثر دهشة ..
- حمامات شوه ؟؟!!
- الحمامات الغربية .. خموس بو ظرس قاله إنك يالس هناك .. قال بيسير يشوفك ..
هز ذياب رأسه رفضا ..
- أنا ويا سيف كنت في القاعة .. عشان الامتحانات لي بقدمها ..
رفع حمد كتفيه بخفة قبل أن يقول ..
- هب ياهل هو .. كبر أبونا .. ما بيضيع .. بس خوفي يبندون البوابات و هو برا بيتعاقب خلاف ..
طرأت فكرة مجنونة في بال ذياب تلك اللحظة .. و لكنه سرعان ما رفضها ..
و لكــــــــــــــــــــــــــــــن ..!!
.
.
.
.
.
.

.
.
.
أنا اعرف كيف اذوقك اياه المر و انت هنيه .. اعرف كيف أخليك تموت في كل لحظة ..

أنا اعرف كيف اذوقك اياه المر و انت هنيه .. اعرف كيف أخليك تموت في كل لحظة ..

أنا اعرف كيف اذوقك اياه المر و انت هنيه .. اعرف كيف أخليك تموت في كل لحظة ..

.
.
.
.
.
.
.
.

مــــــــــــــــــــــــــاذا لـــــــــــــــــــــــو ؟؟!!

.
.
لن يحتمل قلبه الضعيف ..
لن يحتمل الأذية ..!!

.
.

أمسك بكتف حمد بقوة ..
- بو شهاب .. دور سيف و لحقونيه الحمامات الغربية ..
- شووووووووووه ؟؟؟؟؟؟!!!!!!
- لي سمعته .. بسرعة ..
- بيبندونهن البوابات عقب ثلث ساعة يا ذيااب ..
صرخ ذياب بغضب ..
- اسمعها الرمسة بسرعة ..
ثم إنطلق راكضا نحو الحمامات ..
.
.
.

كان يركض بشدة و يتعالى وقع أقدامه على الأرض ..
يصطدم بهذا و ذاك و لا يبالي ..
لهاثه يتسارع .. و صدره في هبوط و صعود ..
.
.
تتقطع الأنفاس ..
.
.
و قلبه يدق ببطء شديد مقارنة بالموقف ..
لا يجاري وقع قدميه على الأرض ..
.
.
.
.
.
ببطء .. ببطء ..
و يدور في باله ملايين الصور ..

.
.
ماذا لو ؟؟!!

.
.
كان قد وصل المنعطف الخارجي الموصل للحمامات ..
أصبح في الخارج الآن و البوابات ستغلق في أي لحظة ..
دخل الحمامات بسرعة يصرخ بإسم عبدالخالق مناديا ..
.
.
لا مجيب ..
.
.
.
.
يبحث كالمجنون في الحمامات ..
كان كالليث الجريح ..
مخاوفه تتعاظم ..
.
.
للحظات طغت على بصره صوره واحد .
.
.
صورة أبيه و هو يسقي صديقه اللبن ..!!
.
.
صدره في هبوط ..
و علو ..
أنفاسه في تسارع ..
.
.
ليس هنا ..!!

.................................................. ..................................

حمده تجلس بهدوء ..
كان المطر يقرع أعتاب نافذتها بشدة ..
بدا و كأنه غاضب من تجاهلها له ..
اقتربت من النافذة لتزيح الستائر ..
فترى المطر يغسل زجاج نافذتها ..
تلك النافذة ..
فرجتها على العالم ..
أويريد المطر أن يطهرها من كل حلم أخرق ..
و كل أمنية لم تتحقق ..
و كل ذكرى منسية ..
التصقت بهذا الزجاج في حين ارتقائها للبعيد ..
لتحجز هنا .. حتى يعلوها الغبار ..
.
.
.
شعرت برغبة شديدة في ملامسة تلك القطرات ..
أرادت أن تغرقها ..
لتخنق في داخلها كل خاطر يائس ..
يذبح روح الأمل فيها ..
.
.
.
تقدمت من النافذة الكبيرة لتفتحها ..
و تزيح غطاء شعرها متجاهله رعشة البرد التي سرت على طولها ..
أي غضب و قوة ملكتها الطبيعة ..
لتصب جامها على الجفاف المدقع منذ سنوات ..
تلك سيول ..
تروي ظمأ الأرض ..
و تروي ظمأ اليائسين ..
.
.
أفلتت شعرها من عقدته ..
و تقدمت ..
.
.
.
و ها هو المطر يسيل على جسدها ..
يغرقه ..
.
.
مدت يدها لشعرها تحركه تحت المطر ..
و كأنها تغسله ..
.
.
بينما كانت في الحقيقة ..
تحرك مشاعرها تحت المطر ..

.
.
.
المطر الذي قد يغسل ذاك القنوط ..
قد يغسله ..!!

.................................................. .........................................


كان في حيرة من أمره ..
لم يجده في المكان ..
.
.
هل كان مخطأ ؟؟!!!
خرج من الحمام يبتغي الخروج ..
ليتقدم بهدوء هذه المرة ..

.
.
لا داعٍ لإزعاج الأرض بمحاولة يائسة لمجاراة المطر ..

.
.

و لكن خطواته تجمدت ..
و ذعر شديد دب في قلبه ..
.
.
و شعر بالشلل يسري في أطرافه ..
حين اصطدمت عيناه بذاك الجسد المسجى على الأرض ..
بعيدا .. في منتصف الباحة الخارجية ..
و قطرات المطر تتساقط عليه بدوي مكتوم ..
.
.
بدت قدماه تتحركان ببطء شديد ..
و عيناه تكادان لا تتبينا الرؤية من خلال هذه الأمطار الغزيرة ..
.
.
السماء ..
تزمجر مكفهرة ..
.
.
أصبحت قدماه أسرع حركة و هو يقترب
.
.
يهرول الآن ..
يكاد يقع على وجهه ..

.
.
لا يا رب ..
أرجوك يا إلهي ..
.
.
يعدو مقتربا إلى أن وصل إلى ذاك الجسد الملقى ..
.
.
وقع على ركبتيه عند رأسه ..
كانت آثار الضرب واضحة عليه ..
الكدمات لم تغسلها مياه الأمطار ..

.
.
همس بصوت مذعور .. ينطق اسمه ..
- عبد الخالق .. ..

.
.
لا إجابة
.
.
و لا صدى ..

كرر الإسم مرات و مرات ..

.
.
أصبح الآن يهزه بقوة ..
.
.
امتدت يداه المرتعشتان تبحثان في جيوبه عن علبة الدواء ..
.
.
وجدها ..
يفتحها و يداه الغير ثابتتين تصعبان المهمة ..
انفتحت
.
.
و انزلقت ..
لتتناثر الأقراص حوله ..
التقط أحدها يحاول دسها في فمه المفتوح ..
.
.
ابلعها يا صديقي ..
أتوسل إليك ابلعها ..
.
.
و لكن القرص انزلق بخفة من فمه المفتوح ..
ليتدحرج ببطء ..
و يستقر عند قدميه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
(( ودي إنيه أوقف تحت المطر .. أخليه يرشنيه .. يسيل عليه .. أباه يروي ظمايه .. يغسل كل شي راح )) ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
كان جسده لا يتحرك ..
مليء بالكدمات يغرقه ماء المطر ..
شعره يلتصق بجبينه المجعد ..
و وجهه الحبيب يبدو شاحبا بشدة ..
.
.

لم يرد ذياب تصديق خاطر مر بداخله ..
فراح يهزه بعنف ..
- عبـــــــــــــــــــــــــــــــدالخالـــــــــــ ــــــــــــــــــــــق .. نـــــــــــــــــــــــــــــــــــش ياللــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ..
نش و الا و الله ما رمسك .. و لاعادك بخويي .. خل الحركااااااااااااات عااااااااااااااد ..
.
.
بدت يداه توهنان .. و صوته يضعف ..
- عبدالخالق .. نش و الا و الله ما أحظر عرسك .. ما تقول بتعرس .. و بتييب عيال .. خلاص نش .. و الله نروح نخطب لك نحن كلنا .. بنشل حمد و سيف ويانا ..
.
.
- ما قلت بتشوف بنتيه .. و بتيوزهاا ولدك .. لا ما بيوزهاا ولدك .. ولدك ياهل ..
.
.
و بدت الدموع تحفر أخاديدها وسط وجهه ..
- ما قلت إنك تخاف تموت بروحك .. إنته هب بروحك .. أنا وياك .. لا تموووت .. دخييييييييييلك ..
.
.
.
- عبدالخالق .. حمد و سيف بيوون الحين .. نش لا تخليهم يشوفونك كذيه ...
.
.
.
و لكن لا جواب ..
.
.
سوى صدى صوته ..
.
.
و الأنفاس ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
(( ودي إنيه أوقف تحت المطر .. أخليه يرشنيه .. يسيل عليه .. أباه يروي ظمايه .. يغسل كل شي راح .. ((
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
شعر بأنه لا يتنفس الآن .. كجثة صديقه المسجاة أمام ناظرة ..
ذاك الرجل الذي جعل الحياة ممكنه هنا خلف هذه الأسوار ..
أصبح غير موجود الآن ..
و لم يتبقى منه سوى صورة ابتسامته المعلقة في ذهنه ..
و لم تعد الحياة ممكنه هنا بعد الآن ..!!
.
.
عبدالخالق .. لم يطب لي عيشٌ هنا إلا بدعمك ..
أناشدك بخالقك ..
إبقى .. لأبقى ..
.
.
بدت السماء كأنها تشاركه حزنه ..
متلوعه ..!!
.
.

و شعر بأن الزمن توقف للحظة و هو يصيح بأعلى صوته ..
بصراخ اهتزت لصداه جدران هذا المكان الرهيب ..
باسم لم يعد سوى ذكرى ..
لرجل كان الصبر لهم ..
.
.
صاح بصوت ظننت لولهة أن البرق ينوح معه ..
- عبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد الخالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــق

.
.
و بدأ الآن يبكي بصوت عالٍ كطفل فقد أمه ..
احتضن جثة صديقه الباردة ..
يجرها الآن من تحت المطر .. يريد إيصالها للدفء ..
أنا لك يا صديقي ..
أدفئك ..
أحميك ..
لن أخذلك ..
.
.
يجرها و صوت بكائه لا يهدأ ..
إلى أن وصل إلى خلف البواب ..
ليضع صديقه أرض و يقع بجانبه ..
.
.
صوت بكاءه يعلو ..
.
.
يكاد لا يُسمع مع زمجرة الريح ..
.
.
و حزن السماء ..
.
.
الذي سيل الدموع أمطارا ..
عليه ..
.
.
على عبدالخالق ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أي قلب فقدناه هذه الليلة ..
أي صبر يداوي هذه العلة ..
أي عقل يقوى و ينسى ..
أي روح ..
انسلت بهدوء ..
تاركة متاع الدنيا ..
غير آبهة ..
لا تطمع سوى
رضا ربها ..
.
.
تحمل على شفتيها ابتسامة آملة ..
بلقاء تحت ظلال وارف في جنة الرحمن ..
.
.
أي حزن سكن نفوسنا .. و حطم الأفئدة ..
و سيل دموع من عرفوك ..
.
.
أي جرح .. غرس بمدية الأقدار في صميم الأمل ..
.
.
.
أي ألم بعد هذا ؟؟!!
.
.
أي ألــــــــــــــــــم ..!!


* قصيدة العيد للشاعرة عابرة سبيل ..
** لحن الفجر للمتألقة سلوة الخاطر
*** الوطن المجهول للمتألقة سلوة الخاطر

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 01-06-08, 09:01 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجــــــــــــــزء الرابــــــــــــــــع



.
.
.



تحت الحاجز الذي يمنع دخول المطر ..
يرى بعينيه الأبواب الحديدية تنزلق ببطء ..
يعود بنظره إلى صديقه الجامد الذي لا يتحرك ..
.
.
ببطء الآن ..
إشتعلت النار في جوفه ..
لتحرقه ..
.
.
فنهض مكانه مترنحا من الألم ..
و اندفع الآن باتجاه الزنزانات ..
يعدو بهياج ثور غاضب ..
.
.
لم يعي أنه في طريقه اصطدم بسيف و حمد ..
تابع الركض وسط نظرات الدهشة من الجميع ..
لقد رأى مرة واحدة زنزانته ..
سيبلغها ..
ليجعله هذه الليلة يلحق بصديقه ..
.
.
بدا و كأن أحدهم يهتف بإسمه ..
و لكنه لم يرد ..
.
.
واصل ركضه الواهن وهو يرى الزنزانة تلوح أمام عينيه ..
اندفع داخلها لتقع عينه عليه و هو يلعب الورقة ..
.
.
و بلا شعور انقض عليه ..
لم يعد يهم الآن ..
انه مستعد لأن يقضي حياته كلها في السجن ..
.
.
.

أراد أن ينهش لحمه بأظافره و أسنانه ..
لم يهتم بأصدقاء عبود الذين راحوا يكيل له الضربات من كل اتجاه ..
و لم يهتم بأنه كان يبكي بصوت عالي و هو ينقض على هذا الحثالة ..
شعر بثيابه تتمزق .. و بقبضة تسحق وجهه ...... شعر بشعره يقتلع من جذوره ..
و لم يهتم ..
أراد أن يريق دم هذا الحقير الليلة ..
كان ينال القليل منه جراء سحبهم له من الخلف ..
بينما كان هو الوحش الكاسر يريد تحطيم وجهه ..
شعر بنفسه يضعف ..
و شعروا هم بذلك ..
و اختلطت دمائه بالدموع و هو يلهث و يصرخ بصوت مبحوح ..
.
.
.
و فجأة انقلب الموقف ..
شعر بالقبضات تخف عن سحبه ..
و تعالى الصراخ في المكان ..
.
.
و بطرف عينه رأى سيف بجسده الضخم يمسك أحدهم من خناقه ليلصقه بالجدار و يوجه له لكمة ..
و سمع صوت حمد يلعن بقوة ..
.
.
كان عبود الآن يضربه على أنفه بقوة ..
فتراجع إلى الخلف ..
.
.
يسدد اللعين لكماته متتالية ..
بينما ذياب ما زال يمسكه بقوة ..يريد أن يؤذيه ..
لا يهم كيف .. و لكن هناك رغبة قوية في داخله ..
لن يشبعها إلا إزهاق روحه ..
.
.
شعر ذياب بالأصوات تخفت حوله ..
و الوهن في جسده يزيد ..
.
.
عبود يسدد الضربات .. واحدة تلو الأخرى ..
.
.
و يشعر ذياب بعقله ينفصل عن الجسد ..
.
.
هل شعر عبدالخالق بهذا الألم قبل أن يموت ..؟؟!!
هل عذبوه ؟؟!!
.
.
أ إستنجد بأصدقائه و لم يسمعه أحد ..؟؟!!
أكان يريد من يغيثه من شرهم و لم يسعفه أحد ..؟!!
.
.
أمات خائفا .. وحيدا .. ؟؟!!
أي خاطر مر به و عينه تغمض ببطء ..
و روحه تتسلل و تخرج من الجسد لترتقي للسماء ..
.
.
هل شعر بالخذلان ..
بالألم ..
لأنهم لم يكونوا هناك ؟؟!!
.
.
أم أنه مات بسرعة دون أن يشعر بشيء ..؟!!
.
.

.
.

.
.
كانت الخواطر هذه تمزق روحه و هو ينشج بالبكاء و يصرخ بإسمه ..
و يده تقع على أي جزء من عبود بلا هوادة ..
يريد تمزيقه لقطع ..
و لن يرتاح ..
أراد أن يمضغ فؤاد هذا الحيوان ..!!
.
.
و خلف ظهره ..
وقف حمد و سيف يعطيانه ظهورهم .. مشهرين عن قبضاتهم ..
سامحين له بتحطيم هذا الوجه ..
واقفين في وجه من يحاول إيذائه ..
لا يعلمون لما هو غاضب ؟؟!!
و لماذا هاجم عبود ؟!!
و لماذا يبكي ..؟!!
جل ما رأوه أن صديقهم كان يتعرض للضرب من مجموعة من المتوحشين .. ؟!!
بينما يقاتل هو بإنكسار لا يردعه شيء ..
.
.
.
عندما شعروا بأن الحراس سيصلون في أي لحظة..
اندفعوا لإبعاده عن عبود ..
الذي بدا أنه لم يتأثر كثيرا بالقتال ..
ما زال يقاتل بشراسة ..
بينما بدا ذياب واهنا ..
ضعيفا ..
ينزف بشدة ..
و يقاتل مستميتا ..
.
.
أمسكه حمد يجره للخلف بقوة ..
بينما وقف سيف في وجه عبود يمنعه من الوصل لذياب ..
.
.
توقف ذياب عن محاولة الوصول لعبود ..
و دفع حمد بقوة ..
.
.
سقط على ركبتيه ..
.
.
يلهث بشدة ..
.
.
ينظر للأرض ..
لقطرات الدم التي تساقطت من وجهه ..
لقطرات الدموع ..
.
.
و بدأ يشهق متألما ..
و هو ينشج بصوت عالي ..
.
.
اقترب سيف ... و بدا صوته غريبا في اذن ذياب ..
- ذياب شفيــــــــــك ..
.
.
يشعر بالدوار ..
.
.
عبدالخالق ما زال ملقى هناك ..
لم يحضر أحد جثته إلى الداخل ..
.
.
نهض مترنحا ..
لابد أنه يشعر بالبرد ..!!
.
.
أمسكه حمد بقوة من ذراعه ..
- بو شمااا شفيييييك ..
.
.
نظر إلى وجهه حمد .. و كانت رؤيته ضبابية ..
أمسك بكتفه .. شعر بأنه يكاد يتهاوى ..
فعاد إلى الأرض ..
قال بصوت أمل أن يصل صداه لحمد فيسمعه ..
- ذبحوووووووووووه ..
بدا الذعر على وجه الآخر ..

.
.
.
.
.
و لبرهة ظن أن حمد لم يفهم ما الذي تفوه به ..!!
فانحنى أكثر ..
- ذبحوووووووو منووه ..
أمسك ذياب بكتفه .. و وجهه مغرق بالدموع .. و بصوت هامس حزين ..
- عبدالخالق .. ذبحوه ..
كان حمد ينظر لذياب بغرابة و كأنه كائن فضائي ..
تراجع سيف قليلا و هو لا يزال يقف في وجه عبود ..
- بلاه ذياب ؟؟!!
بدا الضياع على وجه حمد ..
- يقول ..
- يقول شوه ؟؟!!
- يقول إنهم ذبحو عبدالخالق ..
بدا الاستنكار على وجه سيف ..
- شووه .. انته شوه تقول ..
و تحول الآن لذياب يرفعه من الأرض ..
- ذياب شووووه السالفة ..
كان ذياب الآن مرتخيا .. واهنا .. مستنزفا ..
- ذبحووو عبدالخالق .. عبدالخالق مااات .. ضربوه الين ما مات ..
أطلق سيف ذياب الذي تهاوى مجددا ..
و بدا الرعب الشديد على وجهه .. كان يقف صامتا ..
و فجأة تحول إلى عبود ..
انقض عليه كالوحش ..
ليقبضه من رقبته بقوة ..
بدت القوات الآن تداهم المكان ..
و إثنان من الضباط يحاولان إبعاد سيف عن عبود .. في حين كان الأول يصرخ بقوة ..
- شووووووه سويتووووووبه يا حيوااااااااان .. ارمـــــــــــس ..
تحول عبود للضحك المجنون ..
فاندفع سيف بقوة ليمسك به ..
كان كالآلة الآن يتبادلان الضرب هو و عبود المنهك بلا توقف ..
و الضباط حولهم يتلقون حصصهم من اللكمات ..
بدأ عبود يتهاوى ..
في حين أحاط سيف رقبته بيديه ..
و بدت عيناه الحمراوان على وشك الانفجار و هو يقول بحرقة ..
- ياااااااااااااااااااا حيووووااااااااااااااااان .. وييييييييييييييينه .. وين خووووووووووية .. شوووووووه سويتوببه ..
عبود يضحك الآن ..
الدم يسيل من فمه و أنفه ..
و يكح بشده مختنقا ..
و رغم ذلك ما زال يضحك بشر حقيقي ..
ثم يهمس بصوت كفحيح الأفعى ..
ينفث سمه ..!!
- ضربنااه الين لحس القاع .. بتلقانا عاقينه في الساحة .. متكسر ما فيه عظمة صاحية ..
و استمر في ضحك مجنون .. في حين زمجر سيف غاضبا .. و يشد بيديه حول عنق الآخر ..
يسود وجه عبود الآن ..
و يختنق ..
و الحراس يسحبون سيف بعنف شديد ..
و لكن من يوقف الآن هذا الجبل الغاضب ..
.
.
ينجحون الآن في ابعاده ..
.
.
ذياب ما زال ملقى على الأرض ..
.
.
و حمد ضاع بين أسطري ..!!
.
.
و عبود ما زال يصيح بهستيريا ..
و هو يمثل بوجهه الخوف ..
- كان خايف..
.
.
و يضحك بجنون ..
- و يترجانا نخليه .. - يكح بشدة و هو يلفظ الدماء من فمه .. - يزاقر عليك .. سيف .. سيف ..
و راح يقول بقسوة ..
- مات بسبتك .. بسبتك انته ..
يصيح سيف بقوة .. و يندفع للأمام يريد الفتك به .. و لكن محال .. و قبضات الحرس تلتف حوله .. و تحول دون قطع رأس هذا الحقير ..
حمد ينظر إلى الفراغ بخوف .. التفت لذياب ..
- عبدالخالق وينه ..؟؟!!
.
.
ذياب ينهض من مكانه ببطء شديد ..
يتهاوى ..
يكاد يقع ..
فيمسكه حمد ليسنده ..
.
.
يتملص سيف من يد الحراس ..
يتقدم ..
الخدوش و الكدمات تملأ وجهه ..
و قميصه ممزق ..
.
.
ليضع ذراع ذياب على كتفه ..
.
.
و يمشي ثلاثتهم نحوه ..
نحو ذاك الذي ما زال هناك ينتظر ..
يريد كل واحد منه رؤيته ...
لربما كان هذا كابوس ..
شارف على الانتهاء ..!!
.
.
حمد متأكدا من أنه سيراه يقف في آخر الممر و هو يفتح ذراعيه كعادته لاحتوائهم ..
سيف يسري الذعر في أوصاله كالنار في الهشيم ..
ماذا لو كان ذياب صادقا ..
لقد قال أنه ميت ..
.
.
و هناك ..

.
.
عندما وصلوا للمكان المقصود ..
وقع ناظرهم على جسده الحبيب مرميا على الأرض ..
لم يحركه أحد مذ سحبه ذياب إلى هنا ..
اندفعوا نحوه ..
التفوا حوله
جالسين على الأرض ..
.
.
لم ينبس أحدهم ببنت شفة ..
كان الصمت سيد الموقف ..
.
.
و الدمــــــــــــــــــــوع ..!!


.
.
.
.
.
.
.
يا أخي ..
إدنو مني .. لا تدعي يا أخي ..
يا شقيق الروح مني يا أخي ..
يا ضياء قلبي و دربي .. يا أخي ..
.
.
.
.
.
.
بدأ سيف ينحني الآن عليه ..
و دموع على الخدين تجري بلا توقف ..
كأمطار السماء في الخارج ..!!
.
.
يقبل رأسه المغضن ..
ثم يحتوي بذراعيه جسده ..
.
.
.
.
.
.
.
الدنا .. حولي ظلام ..
ظلام حالك ..!!
فأنر دربي .. و بدد ظلمتي ..
نورك .. فجر طالع ..
منه أبصرت طريق الجنة ..
.
.
.
.
.
.
.
و يمد حمد يده ليلتقط كفه العزيزة ..
كمٍ مرة ربت على أكتافهم .. شد من أزرهم ..
لم يعد هنا لدعمهم ..
قربها من وجهه يستنشقها ..
ليبكي بعد ذلك بقوة ..
.
.
.
.
.
.
.
يا أخي ..
أنت بعد الله من أصغي له ..
ما بقلبي من أسى أو لوعتي ..
في كلا الحالين ألقاك معي ..
حاظرا في وحشتي أو فرحتي ..

.
.
.
ذياب شعر أنه ينفصل الآن عما يحيط به ..
أي ألم سكن قلوبهم الآن ..
شعر بأنه لا شيء حقيقي ..
أراد أن يهزه أحدهم ليخبره أن هذا مجرد كابوس ..
أراد أن يصيح به سيف ليوقظه للصلاة ..
أراد أن يغمض عينيه و يفتحها ..
ليرى عبدالخالق مجددا بينهم ..!!
.
.
.
.
.
كل من حولي سراب ..
سراب خادع ..!!
يدعي حبي .. و صدق مودتي ..
إن صفت عيشي فما أكثرهم ..
عجبا..!!
أين هم في شدتي ؟؟!!*
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

يلتفون حوله ..
يرفعون رايات الحداد ..
و يغرقهم الحزن ..
.
.
الدموع .. نشيجهم ..
لم يبالوا بنظرات الغير حولهم ..
ليس معنى الرجولة أن نكون متحجري القلب ..
.
.
و ليس بالسهل فقد روح كروح هذا الصديق ..
فأي صبر.. و أي سلوى ..
لها أن تلهيهم ..
و تهدئ مواجعهم ..

.
.
.

في تلك اللحظة ..
كانوا ثلاثتهم يتامى ..
فقدوا أبا ..
لن يعود ..!!
.
.

كان هذا جرح دامي ..
في قلب .. و روح ..
و ذاكرة كلن منهم ..
سيظل طوال عمرهم في نزيف مستمر ..
.
.
و لن يندمل قط ..
مع الأيام ..
.
.
.
كانت تلك ليلة طويلة ..
.
.
كم كان مؤلما ..
و مفطرا للقلب ..
حملهم جسده الجامد
..
.
.
الخالي من الحياة ..
.
.
على أكتافهم ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.

شفتك على اكتاف الرجاجيل نايم ..
و شفتك مغطى بالكفن قلت بردان ..

يبه و حزني داخل القلب حايم ..
قلت أشعل دموعي و أخليك دفيان ..

صوتي يبه من بين الأحزان عايم ..
لو أصرخه تهتز من حولي جدران ..

اخاف تقعد يا يبه و انت صايم ..
و انت قلت قعدني على صوت الاذان ..

تعبان ؟ تعبان أدري و التعب فيك دايم ..
تفرش ضلوعك حب و تكون تعبان ..

للحين جسمك فوق الاكتاف نايم ؟
و انت الذي قامت على كتفك أوطان ..

انت العزيمة لا حكوا بالعزايم ..
ياما شعلت النور في ليل الأحزان ..

حتى الرمل في دفنتك صار هايم ..
من كثر ما وجهك يشع نور و ايمان ..

تنزل فقبرك و الدعا فوق قايم ..
كل الأوادم صاروا قلوب و لسان ..

يا الله ترحم منهو طفى الظلايم ..
اللي شعل عمره وسط عمرالانسان .. **

.................................................. .......................................

و تمضي الأيام ..
لتصبح أسابيع ..
فتغدي شهورا ..
و تطوى السنين ..
.
.
.
و ما بين .. أحزان .. و أفراح ..
و أحلام لا تتحقق ..
و ذكريات .. لا تنسى ..
و آمال .. و آلام ..
.
.
.
و أمل ..!!
.
.
ما زلنا نواصل ..

.
.
.
لنصل ..!!

.................................................. ...................................

بعــــــــــــــــــــد مـــــــــــــــــــرور ثــــــــــــــــــــلاث سنـــــــــــــــــــوات ..



.
.
.
.
.


و هذا صبح جديد قد أزف ..
و أشعة الشمس الخجلى ..
تقرع النوافذ المغلقة ..
تدخل من الفتحات الضيقة ..
لتنشر تفاؤلا في كل بقاع الأرض ..
.
.
و في مكان ما ..
في تلك الحجرة المنزوية ..
فتحت النافذة الكبيرة ..
كعادتها كل صباح ..
لتسمح للدفء أن يتغلغل فيها ..
و فيروز تشدو بصوتها العذب ..
.
.
طيري يا طيارة طيري يا ورق و خيطان
بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران
.
.
تطل من شرفتها الموارية ..
لا تراها الأعين ..
هي تختفي من الناس الآن ..
من أعينهم ..
و ألسنتهم ..!!

.
.
تراقب الأطفال ..
و حافلات المدارس ..
و حركة السير ..
و تنصت للشجار في الخارج بين أخوتها ..
.
.
.

علي فوق سطوح بعاد عالنسمة الخجولة
أخدوني معهن الأولاد و ردوا لي الطفولة
ضحكات الصبيان و غناني زمان
ردت لي كتبي و مدرستي و العمر اللي كان
و ينساني الزمان على سطح الجيران

.
.
تتنهد ..
و تحرك الملعقة في كوب القهوة سريعة التحضير ..
ترفعه بهدوء ..
و ترتشف جرعة ..
تلذعها حرارته فتبعده ..
.
.
.

لو فينا نهرب و نطير مع هالورق الطاير
تا نكبر بعد بكير شو صاير شو صاير
يا زهر الرمان ميل بهالبستان
تيتسلوا صغار الأرض و يحلو الزمان
و ينساني الزمان على سطح الجيران
.
.
.
- حمدووووووووووووووووووووووووووه ..
وضعت الكوب على الطاولة القريبة ..
و أخرست فيروز للحظات ..
تفتح لعذابة الباب ..
- خير إن شا الله .. ساعة و الا شنطة ..
عذابة بابتسامة سريعه ..
- نعوول ..
تنهدت حمده لتفتح الباب على مصراعيه .. فتندفع عذابه للداخل ..
لتأخذ ما تريد ..
ثم تطبع قبله سريعة على خدها ..
- مشكوووره حمدوووووتي .. نردها في الأفراح ..
- شوه بيصبرني للأفراح .. هاتيها بلبسها باكر ..
- ههههههههههههههههههه حلوة ..
- حلوة .. رقميها .. خخخخخخخخخخخخ
- ههههههههههههههههههههههههههه .. ما شا الله .. المود عال العال اليوم .. شوه السر في الطبخة ..
حمده أعجبها المزاح ..
- السر في الرز نفسها .. رز العلمين هذا ..
- اندوك انتاااااا .. ههههههههههههههههه
نظرت حمده بصرااامة لها . و في داخلها تحبس ضحكة ..
- عطيتج ويه يالله .. توكلي ..
- خيييييبة .. رومنسية .. محد يقطع الاجواء عليج ..
أصبحت حمدة تدفعها الآن للخارج ..
- رومنسية .. رومنسية .. بس انتي فارقي ..
خرجت عذابة تمط شفتيها ..
- تجاوزت السن القانونية السبوع لي طاااف .. لي حقوق انسانية لا تتعدين عليها ..
- ههههههههههههههههههه .. ما تشووووووووووفين شر .. عرض أكتافج ..
نظرت لها عذابة بطريقة مضحكة .. نظرة درامية غريبة ..
و قلبت تعابير وجهها كأنها تلقت إهانة كبيرة ..
ثم صرفت بوجهها بقوة ..
و حمدة تبتسم ..
.
.
تنهدت
.
.
أغلق الباب في وجه العالم ..
.
.

بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران
و ينساني الزمان على سطح الجيران ........!!

.................................................. ...........................................
.
.
.
.
.
يتبع
.................................................. .......................................
* نشيد يا أخي للمنشد أحمد بو خاطر ..
** قصيده المسك للشاعر سالم سيار ..

.............................
تتمـــــــــــــــــــــــــــة

.
.
.



.................................................. .........................................
تسمعها و هي تصيح بصوت عالٍ .. غاضب ..
- شمووووووووووووووووووه ..
بينما تبتسم الصغيرة بخبث الصغار ..
و تختبئ ..
كانت تعلم لما عمتها تصرخ هكذا .. و تعلم أنها إن ظهرت قبل أن تهدأ ..
قد تتلقى عقابا على فعلتها.. فما الذي يضمن لها أن جدتها قد استيقظت .. ربما لن تكون هناك فتهب للدفاع عنها كالعادة ..
ما زالت تسترق النظر من خلف الجدار .. و حقيبتها بجانبها ..
و الآن ..
كيف ستتمكن من الوصول لموقف الحافلة دون أن تمر من أمام الباب الرئيسي فتراها عمتها ..
كان نداء عمتها يصل لأذنيها .. فتشعر بالتسلية و كأنها تلعب ..
- شمــــــــــــــــــــــــــــا؟؟!!
انتفض الطفلة لتصيح جزعة فتقع على مؤخرتها .. قبل أن تقع عينها على الشخص الذي أمسك بها ..
نهضت من مكانها و هي تتنهد .. تنفض الرمل عن ثيابها المدرسية ..
و تقول بلوم الصغار ..
- عمـــــــــــــــــــــي عيســــــــــــــــــــــــى .. روعتنيـــــــــــــــــه ..
عيسى بنظر لها شزرا ..
- لا و الله .. روعتج .. ليش مندسة هنيه ..شوه مسوية ..
نظرة براءة .. و عيناها تتسعان ..
- ما سويت شي ..
- متأكدة ..
- هيه ..
- حسنا ليش تصارخ ..
- يمكن تخبلت .. - و ابتسمت ابتسامة كبيرة - ..
عيسى تعود على جرئتها و كلماتها الكبيرة .. تربية زوجته ..
- عيب شمووه .. هاي عمتج
- انزين مادريبها ليش تصارخ ؟؟!!
- آآهاا .. يعني عادي أزقرها تيي ..
بدا الذعر على وجهها بسرعة ..
- لااا ..
- بتقولين شوه مسوية و الا ....
عقدت وجهها الصغير .. ابتسم بداخله و هو يشعر بحنان كبير .. تشبه أباها ..
- ما شي .. بس رشيت سوراتمي بالحليب ..
ما زالت العينين الصافيتين تشعان براءة ..
تنهد عيسى و هو يحاول أن يبدو غاضبا ..
- ليش ترشينهاا بالحليب ..
- كيفي عيناوية ..
- شمووووووووووه ..
احمرت وجنتاها ..
- أقولها لي يدلع البطيخة يقولهاا بطخطخ .. و ما ردت عليه .. أهاا .. و بعدين .. قلت لها .. لي يدلع الشمام شوه يقول .. أهاا .. قالت انا قرقر .. قلت لا .. انا شما .. و انتي قرقر .. بعدييين هي عصبت .. بعديييين قلت ليش ريحة شعرج زيييت .. قالت .. أهااا .. روووووه .. عميييي عييييسى راغتنيه .. قلت لها .. أهاا .. هب ع كيفج .. مطبخنا .. قالت .. بتخبر ماما حسنا .. بعدييين .. انا قلتلها .. الفتنة اشد من القتل .. عمييي انته تقوووولي كذيه ..
عيسى و رأسه يدور ..
- أهااا .. و بعدين ..
ابتلعت ريقها و عيناها تتسعان باهتمام .. و يداها تتحركان بشدة .. تريد اثبات مصداقيتها ..
- و يوم سارت تبا تخبر عموه .. طار كوب الحليب بروحه .. و انصب عليها ..
و فتحت عيناها ..
- هذا عقاب من الله .. لنها كانت بتفتن .. الفتنة أشد من القتل .. صح عمي ؟؟!!
عيسى يمسك بيدها الصغيرة ..
- هيه .. و الكذب يودي راعيه للنار ..
شهقت و وضعت يدها على فمها ..
- النار تحرق الحراميه .. و الشريرين ..
هز عيسى رأسه ..
- هيه
نظرت له و شعورها بالذنب على وجهها ..
- أنا طيبة .. بس أكذب - و اشارت بيرأس إصبعها السبابة - شوووووية ..
- شوية و الا وااايد .. الكذب كذب .. و لي يكذب ما يسير الجنة ..
- انزين شوه اسوي ..
- قولي .. استغفر الله .. و لا تكذبين مرة ثانية ..
رددت ..
- استغفر الله و لا تكذبين مرة ثانية ..
تنهد عيسى ..
- لا حبيبتي .. انتي .. لا تكذبين مرة ثانية ..
- خلاص آخر مرة ..
- الحين سيري .. قبل لا يروح الباص ..
بدا الخوف على وجهها الصغير ..
- يا ويلي من عمووووه بتهد عليه ..
- لا ما بخليها ..
- انزين .. وقف لي الين ما اوصل ..
ابتسم لها ..
- حبيني أول ..
مدت يديها الصغيرتين لتحتضن بكفيها وجهه .. و تقبله على خده بقوة .. ثم راحت تحك وجهها و هي تقهقه ببراءة خالصة ..
- عمييييي لحيتك شمختني ..
- هههههههههههههههههه .. مالت عليج .. قالو لج شوك ..
- يا الله عمي أنا بسير .. باااااااي ..
- باي .. عيب ..
- اووه نسيت .. مع السلامة ..
- مع السلامة ..
.
.
و انطلقت تركض .. و حقيبتها المدرسية تتقافز على ظهرها ..
عيسى ينظر لها بابتسامة كبيرة ..
هذه الطفلة ..
قلب الحياة ها هنا ..
كم سيشعر ذياب بالدهشة و الفخر اذا قابلها ..
.
.
نظر للأسفل ..
و ابتسامته تخبو تدريجيا ..
.
.
ليعيد الله اباك سالما يا شما ..
لتقر أعيننا ..
و قلبك الصغير ..!!

.................................................. .......................................

وضع المسمار على اللوح .. قبل أن يهوي عليه بالمطرقة ..
ضربة واحدة .. فينغرس ..!!
اعتدل في وقفته ..
قطرات العرق تلمع على ساعديه القويتين ..
و عضلاته المنتخفة بفضل التدريب الذي أصبح يمارسه منذ سنتين في القاعة الرياضية الجديدة ..
يمسح بيده جبينه الأسمر ..
و ينظر إلى العمل الذي أمامه يقيمه ..
.
.
أصبح الآن يتقن صنعها ..
لا يجاريه أحد ..
إلا من علمه ..
و لكنه لم يعد موجودا الآن ..
تناهى لأذنه صوت المؤذن .. ينادي لصلاة الظهر ..
فوضع المطرقة من يده .. و توجه للحمام القريب ليغسل وجهه بانتعاش .. ثم توضأ ..
ها هي ثلاثة سنوات .. تمر ببطء شديد ..
نظر حوله .. لم يعد شيء كما كان .. كل شيء انقلب بعد رحيل عبدالخالق .. أغمض عينيه و هو يستعيد تلك الليلة المشئومة ..
الليلة التي قتل فيها عبدالخالق .. كان قد تلقى ضربا شديدا .. و لكن قلبه الضعيف لم يحتمل العنف .. فتوقف آبيا أن يستمر في عالم قذر .. لا يعرف الرحمة ..!!
بعد تلك الليلة .. انقلب كل شيء .. انفجر الوضع بشدة .. كشف شبكة من مسربي الممنوعات .. القبض على عبود و من معه و الأمر بالإعدام للأول لتآمره و تسببه في قتل صديقهم و بتهمة تهريب المخدرات التي أصبح الحكم لها بالإعدام .. و لدهشة الجميع .. القبض على خموس بو ظرس .. الذي اعترف باشتراكه في المؤامرة و استدراج عبدالخالق للحمامات .. حيث ضرب هناك .. ثم ألقي في الساحة .. و الحكم له بستة أشهر انفرادي ..
.
.

يدير صنبور المياه .. و يرى الماء يندفع من فوهة الصنبور .. منطلق ..يسابق الوقت على شيء لا يدركوه ..!!
.
.
بعد موت عبدالخالق بأربع و عشرين ساعة .. تم إصدار أمر بسحب حمد من المهمة .. و قدم بعدها التقرير الذي ساعد على اكتشاف المخالفين و المخربين ..
لكنهم لم يروه بعد تلك الليلة ..!!
كانت آخر مرة وقعت أعينهم عليه .. هي لحظة نقل جثمان عبدالخالق .. و إقامة صلاة الغائب عليه ..
بعدها .. لم يعد موجودا بينهم ..
.
.
و كم كان قاسيا عليهما .. فقد الاثنين معا .. !!
لم يعد الأمر كما كان عليه ..
أصبح المكوث خلف القضبان ..
هو الجحيم بأم عينه ..
و العيش بين هذه الجدران المغلقة .. جعل الأمل و الفرح شيئا عسيرا .. عيسى يأتي للزيارة ..
أمه و شقيقته يراهم أيام الزيارة بعد الأعياد .. التي تمضي بلا فرحة ..
و لكنه لم يرى ابنته قط .. منذ دخوله إلى هنا ..
.
.
يرش وجهه بالماء ..
و تتساقط قطرات الماء الشفافة من على وجهه ..
تناسب بنعومة ..
و تتركه ..
.
.
سيف ..!!
سيف .. غدا شخصا آخر .. و ذياب يعلم أنه لن يعود قط كما كان ..
كان الشعور بالذنب يتآكله .. فقده لصديقه و شعوره أنه السبب في موته .. جعله يعتكف الصمت أكثر ..
رغم أنه أصبح أقرب لذياب من ذاته .. إلا أن الألم غطى كل شيء هنا ..
.
.
يغسل ذراعيه جيدا .. لا يرى العينان التي تراقبانه ..
تدرك جيدا ما الذي يفكر فيه ..!!
.
.
حتى أنه لم يكمل الدورة بعد فقده لعبدالخالق ..
فقد رحلت العزيمة .. القوة .. الأمل .. برحيله ..
حتى الصبر ..
لم يعد يذكر ها هنا ..!!
.
.
- بو شما ..!!
التف له بهدوء ..
ليراه واقفا عند الباب ..
بهيبته .. و قوته ..
.
.
و صمته ..!!
.
.
- لبيه ..
- لبيت حاي .. خلص .. عنديه لك شي أباك تشوفه قبل لا يقيم الصلاة ..
.
.
يغلق الصنبور الآن ..
يخنقه ..!!
ليتحشرج ..
و يحبس القطرات ..!!
.
.
تقدم منه الآن ..
يخرجان من الحمام .. و يسيران نحو المسجد ..
- هاه الشاعر .. خير إن شا الله ..
ابتسم سيف بهدوء ..
- إن شاء الله ما ييب ربك الا الخير .. اقبض ..
و يعطيه ورقة مطوية كانت في يده ..
.
.
.
و تتالت الأسماء في تلك القائمة ..
لتمر عيناه عليها بسرعة ..
فيرى إسمه يتوسطها ..
.
.
بدا الذعر على وجه ذياب ..
- نقــــــــــــــــــــــــــل ؟؟!!!
اتسعت ابتسامة سيف .. و هو يهز رأسه نفيا ..
- عفــــــــــــــــــــــــــو ..
.
.
.
.
.
.
.
و توقف الزمن للحظات ..
تجمدت عقارب الساعة ..
و كفت الثواني عن التسرب ..
و لم يعد هناك صوت لطقطقة الساعة ..
لم يعد هناك سوى صوت خطوات الأمل ..
يسمع وقعها على طريق الحياة ..
.
.
قادما من بعيد ..!!

.
.
.
.
و بدت على شفتيه .. ابتسامة قديمة ..
تنمو ببطء ..
لم تعد ترى كثيرا ..
و ترقرقت دمعة سرابية في عينيه ..
لم يستطع أن يتفوه بشي .. يخاف من أن يكون هذا حلما .. يخاف من أن يكون سيف يمزح .. يخاف أن لا يبلغ الحرية أبدا ..!!
و بصوت مبحوح خافت ..
- في ذمتك ..
يهز رأسه مجيبا بهدوء .. كم هو جميلا أن نزرع الأمل في نفوس الآخرين ..!!
.
.
و فجأة اندفع لصديقه يحتضنه بسعادة ..
و ضحكة صافية خالصة .. تشق الأجواء ..
كم هو مريح أن نعلم أن الحياة ما زالت تنحاز لجانبنا أحيانا ..!!
ضحك سيف ..
و بدت ضحكاتهم .. قديمة .. صدئة ..
لم تسمع منذ دهر .. !!
.
.
أصبح الفرج قريبا الآن ..!!

.................................................. .................................


- خلاص ما عليها .. أنا يوم برد من الجامعه بخطف عليها .. يا الله .. خبريها هاا .. الله يحفظج ..
و تغلق الموبايل .. تعيده لحقيبتها ..
و صديقتها تشمي بسرعة محاولة مجاراتها ..
- افففف .. عذووووووب .. شوي شوي .. ما بطير القاعة ..
تقول على عجل ..
- سارونه خفي ريلج شوي ..ما بقى شي ع المحاظرة ..
- انزين كملي ..
- وين وصلنا ..
- قلتيلي ما قد شفتيه الا ست .. سبع مرات ..
- هيه .. و كلهن في بيت عمتيه أم ذياب .. بس مرة شفته في المول ..
- أهااا .. انزين .. و ليش مهتمه وااايد ..
- مادري .. و الله مادري ..
- يمكن هذا ردة فعل طبيعية لنج توج فاسخة خطوبتج من خالد ..
عقدت جبينها باستياء ..
- يا شين ما طريتي .. لا حبيبتي .. أنا حتى يوم كنت مخطوبة .. كان يي ع بالي ..
- شوه يعني .. تحبينه ؟؟!!
- لا .. شوه أحبه .. الحين صخي .. خلاف بنرمس ..
و دخلن القاعة ..
.
.
.
.
.
.
.
و بعد المحاظرة ..
استقررن على طاولتهن في مقهى الجامعة ..
و مالت سارة عليها باهتمام ..
- عذابة .. تدرين هالسالفة بشوه تذكرنيه ..
- بشوه ..
- بسالفة مبارك ..
تنهد عذابة بضيق و هي تحرك المعلقة في كوب القهوة ..
- لاحووووووول علينا .. انتي ليش دوووم تحبين تطرين لعلوم المنسية .. مبارك الله يرحم زمانه .. شاف حياته .. و انا الحين هب نادمة الا ع وقتيه لي ضيعته و انا عايشة ذاك الوهم ..
نظرت لها صديقتها بشك ..
- ما كانت هاي رمستج قبل ثلاث سنين ..
- قلتيهاا ثلاث سنين .. نحن عيال اليوم .. و انتي سألتيني عن خالد .. قلتلج .. أنا ماروم آخذ واحد .. ما يربطنيه به شي .. و لا حس صوبه بشي .. حتى اني ابات افكر بريال غيره ..
- و الله مادري من وين ظهر هالسلطان ..
نظرت عذابة ليديها التي على الطاولة ..
- و الله احس عمريه هب طبيعية .. سارونه .. تخيلي .. كل ما قالت حمدوووه بتسير عند حسنا .. نطيت و لصقت فيها .. و الله ما تتخيلين ..أحس إنيه بس أبا شوفه ..
هزت ساره رأسها بغير رضا ..
- هو معرس ؟؟!!
- لا ..
- كم عمره ؟؟!!
- ثمانية و عشرين ..
شهقت سارة بقوة ..
- انتي صاحية .. هذا اكبر عنج بسبع سنوات ..
- و اذا ..
- شوه و اذا .. حبيبتي .. فارق العمر يكون أحيانا أكبر عائق ..
- سارونه شفيج مشتطة .. كام داون حبوبة .. أنا ما قلت لج انيه ميته عليه .. بس أحسه يجذبنيه .. و افكر فيه .. بعدين ترانيه خبرتج .. ما شفته الا كم مرة .. امبسبول يكون حب .. يمكن اعجاب .. خبرتج القاعدة لي امشي عليها .. إن الحب ...
- ما يي الا بالعشرة .. خبريني حلوو ..
- آآآ .. يعني ..
- كيف يعني ..
- طويل .. عريض .. و ... اسمعي .. انا ما يهمني هالشي .. و لا احس انه يعيب الريال .. الرياييل مخابر هب مظاهر ..
عقدت سارة حاجبيها في قلق ..
- عذابووه ارمسي .. بلاه الريال ؟؟!!
- ماشي .. بس شوية ينب ويه متشوه ..
وضعت سارة يدها على فمها ..
- من شوه ؟؟!!
- حادث ..
- انتي متأكدة إن سالفة هب شفقة ..
- صدق انج راعية أفلام .. شوه شفقته انتي بعد .. فاتحة هيئة هلال أحمر ..
- و الله انج مينونه ..
- ما عندج سالفة ..
- عذابووه .. تحملي لا تطيحين في شي انتي هب قده ..
أصبحت تشعر بالغضب الآن ..
- ساروه تراج طفرتيبي .. انتي لي فتحتي الموضوع .. انا خالد ودرته .. و حتى لو كان راعي حلال .. و لو كان ملك جمال .. انا ما يهمنيه .. ليش خبرتج عن سلطان ؟؟!! مادري .. بس حبيت انيه أفضفض شوي .. ابا ارتب افكاري و اوراقي .. انا بروحيه هب فاهمة السالفة .. احس انيه ضايعة ..
ثم تحولت نبرتها للتوسل ..
- سارونه افهميني .. انا ماروم أقول لحد عن هالافكار .. سلطان ما عرفه زين .. كل لي اعرفه انه ريال عمره ثمانيه و عشرين .. دكتور .. و بعده هب معرس .. ليش دوم يطري ع بالي .. لا تسألين .. لنيه انا نفسي ما عرف اليواب ..
نظرت لها سارة شزرا ..
- مينونه ..
- انطبي ..
- نغير السالفة ؟؟!!
- تسوين خير ..
- علومها حمدوووه ..............

.................................................. .................................................. ........

سحبت نفسا عميقا متعبا .. و هي تنظر إليها ..
تختبئ الأخرى خلف ظهر جدتها ..
- شمووه حبيبتي .. تبين حد يرشج بالحليب و يصارخ عليج ..
بدا الذنب عليها و هي تقول بخفوت ..
- لا ..
- انزين سوراتمي .. انسانة و الا لا ..؟؟!!
- انسانة .. بس ريحة شعرها زيت ..
مسحت وجهها بصبر ..
- المهم انسانة .. انزين .. و انتي انسانة ..
- انا شمامي ..
- هيه و شمامي انسانة ..
- قولي و الله ..
- و الله ..
- أنا شمامي انسانة ؟؟!!
ضحكت الجدة بأريحية ..
- فديتج يا الانسانة ..
حسنا بحزم ..
- امايا دخيلج خليها تحس بالغلط شوي .. شما .. حرام ترشينها بالحليب .. لازم تعاملينها زين .. و الا الله بعدين بيعاقبج ..
اتسعت عيناها ..
- بيرشني بالحليب ..
- ما بيدخلج الجنة ..
- شوه اسوي ..
- سيري لها .. و قوليلها انج آسفة .. و لا ترشينها مرة ثانية ... و لا تسبينهاا ..
- و بعدين بدخل الجنة ..
- ان شاء الله ..
.
.
انطلقت الطفلة تركض بسرعة لتعتذر ..
و تنهدت حسنا بإرهاق ..
- الله يهديها ..
كانت أمها تنظر لها بحنان ..
- فدييتج و الله .. شكلج ميهووده ..
- هيه يا اميه .. أحس ظهرية متكسر .. الحمل ذابحنيه هالمرة ..
- هانت .. ما بقى غير شهرين .. و الله يفرجها ..
- الله يسمع منج ..
- عيسى وينه ..
- في الدوام ..
- و امنوه بيوديج الموعد ..
- بتخطف عليه عذابة قبل لا ترد البيت .. بتوصلنيه .. و سلطان بيردنيه ..
- يعلنيه هب بلاهن بنات شمسة .. ما يقصرن و الله .. دومهن راعياات واجب ..
- هيه فدييتهن .. امبونهاا حمده كانت بتخطف عليه .. بس عذووب رادة من الجامعة و قال بتكفيها ..
- الله يرزقهن ان شا الله .. و يسهل عليج ..
حسنا تستلقي على ظهرها ..
- آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــين ..

.................................................. .................................
تجلس مع أمها في الصالة و تشرب الشاي .. و هي تنصت لتذمرها ..
- عنبووووه رياال صاك الثلاثين .. يشتغل .. و ساد عمره .. ليش ما يعرس .. لو ما يبا من بنات خواله .. براايه .. يتنقى من بنات العرب لي يبا ..
حمده تضع الكوب بهدوء على الطاولة ..
لن تعلمي أماه ..
أبدا .. لن تعلمي .. أي جرح تنكئين الآن ..!!
- أمايا الحين بدال ما تقولين لي هالرمسة .. قوليله ..
- و منوه قالج انيه ما قلت له .. بح صوتيه من الرمسة .. هالولد العرس ما يباه .. بنات خواله .. و تعذر منهن .. امنوه يبا ..
حمد تعيد خصلة من الشعر البني الناعم خلف أذنها ..
- تبيني أرمسه ..
نظرت لها أمها ..
- رمسيه يا اميه .. يمكن يطيعج .. أنا عيزت و انا اقول .. ما باقي من العمر كثر لي راح .. أنا مالي غيركم افرح بكم ..
ثم بدت أمها للحظة على وشك البكاء ..
- يمكن هو ما يبا يعرس عشان ابوه ..
بدت الدهشة على وجه حمده ..
- و شوه يخصه ابوية الحين ..
- يمكن خوج مخيل من العرب .. ما يبا يخطب و ابوه هب وياه .. بس خاله سعيد بيسده ..
حمده هزت رأسها من هذا الاستنتاج الغريب .. رافضة ..
- أمايا .. محمد .. ما يفكر بهالطريقة .. و لو كان صدق هامنه الموضوع .. كان سار يدور له .. محمد بس ما يبا يعرس ..بطراان .. انتي خلي عنج هالافكار .. و انا الليلة ان شاء الله بتصل به و برمسه ..
- حمدووووه يا بنيتي .. لا تخلينه يي الخميس الا و هو عازم على الخطبة ..
- ترس مي مام .. آم يور دوتر .. آي ول قنا دو ات ..
بدا عدم الفهم على وجهه أمها ..
- اشوووووووه .. ما فطنت شي ؟؟!!
- هههههههههههههههههههههههههههههههه .. اقول ولا يهمج الوالدة .. امررررررة محمد وكليني اياه .. ما بييب راسه غيري ..
- يا الله الله يسمع منج .. و اشوف و حرمته حوليه و حواليه .. و الله يرزقج ان شاء الله و يسوق لج ولد الحلال لي يتساهلج ..
ابتسمت حمدة .. و شعرت بطعم الدموع في حلقها ..
.
.
تأخر هو يا أماه ..
متى سيقبل ..!!
فقد أخذت أيام عمري في المضي ..!!

.................................................. .................................................. ...

يجلسان على مائدة الغداء ..
الفرحة تبدو على واحد ..
و الآخر هو سيد الهدوء ..
.
.

يقول ذياب و السعادة تقطر من صوته ..
- و الله هب مصدق .. أحس إنيه في حلم ..
ليرد عليه سعيد .. شريكهم في الزنزانة بعد حمد ..
- شعليك بو شماا .. باكر بتشل عمرك و بتظهر امن هنيه .. بتنسانا و معاد بنشوف رقعة ويهك ..
نظر ذياب له بلوم ..
- افا و الله .. ينساكم الموووت ..
- رمســـــــــــــــــــــة ..
- لا يطولي بعمرك .. انا قول و فعل .. و عمريه ما بنسى اخوياي .. خص الشاعر .. لن هب بس خوي .. الا وليف الروح ..
ابتسم سيف بهدوء .. رغم لمسحة من الحزن علت وجهه .. و قال بصوت يخرج من عمق ..
- أنــا لشـفّـك يالـخـوي لــي بـدا شــف .. وانته اسنداي يـا الجنـاب الشّريفـي
يـا مـن يلـي سمـع النّـدا يبـط الكـف .. يصـغـي و يثـنـي بـالـرّدود اللّطيـفـي
رددوا ..
- اللطيفي ..
ذياب يلكمه على كتفه ..
- صح لسانك ..
سيف ينهض من مكانه ..
- صح بدنك .. يا الله شباب نشوفكم العصر ..
و خرج من صالة الطعام متوجها نحو المكتبه .. و هو يردد بصوت خافت .. ابيات لم يتلفظ بها هناك ..
.
.
- يــا ونّـتـي ونّــة خـلـويٍ يـلـي خـــفّ .. احـوارهـا يـتـلا القـطـيـع العطـيـفـي
لـو ونّـه اللّـي مدمعـه دوم مـا حـفّ .. يبكـي ويشكـي مـن فــراق الوليـفـي
من موق عيني ينسكـب دمعيـه نـفّ .. لـو نـا مسحتـه مــا يـكـفّ الذريـفـي
أبكي وليت أنّ البكـا لـي قضـا شـفّ .. لـكـن زوّدنــي عـلـى الـويـج هيـفـي *

.
.
رفع رأسه للأعلى .. يمنع تدفق دمعة خائنة ..
و ابتسم بحزن ..
لطيف شعر به يطوف حوله ..
و يسكن الأجواء ..
.
.
كم نفتقدك هنا عبدالخالق ..!!

.................................................. ...................................

في السيارة تمسك الهاتف ..
- يا الله نحن خاري .. اظهري ..
أعادت الهاتف لحقيبتها ..
دقائق و حسنا تدخل السيارة .. و بصوتها المتعب ..
- السلام عليكم ..
- و عليكم السلام .. مرحبا و الله ..
و تبادلن السلام في حين انطلق السائق نحو المستشفى ..
- شحالج حسنوووه ..
- آآه .. حاليه زين .. بس الله يسهل عليه ..
- فدييييتج و الله آمين .. صوتج تعباان ..
- هيه أحس ظهرية متكسر ..
.
.
.
إلتزم عذابة الصمت في حين أسندت حسنا رأسها على زجاج نافذة السيارة بتعب ..
كان يبدو عليها الإرهاق الشديد ..
نظرت لها عذابة بحنان ..
دوما كانت هي الأقرب لحمدة ..
صديقة مخلصة وفية ..
لم تبتعد عنها مع ابتعاد الآخرين ..
.
.
تلوت حسنا قليلا في مكانها ..
و تأوهت بألم ..
عذابة تسألها بقلق ..
- حسنا شفيج ..
حسنا بصوت مبحوح يخنقها الألم ..
- مادري .. احس بألم فبطنيه و ظهريه ..
عذابه تقترب منها ..
- بسم الله عليج ..
أطلقت حسنا صرخة فانتفض عذابه بقوة ..
- عذاااااااااااااااااااااااااااااااابه ..
عذابة بخوف ..
- حسناااا شفيج ..
حسنا تبكي الآن ..
- عذابة بمووووووت بطنيه يعورنييييييييييييه..
احتضنتها عذابة بفزع ..
- بسم الله عليج .. حسنووه شوه تبينيه اسوي .. اردج البيت ..
- لاااااااااااااااا .. ودينيييييييييه المستشفى ..
- اتصل بامج ..
- لا بتتروع ..
- انزين عيسى ...
حسنا تنشج من الألم و وجهها يتقلص ..
- عيسى في الدوااااااااااااااااااااااااااام ..
- بخلي حمدوه تلحقنا ..
- اتصلي بسلطااااااااان ..
- بمنوووووووه ؟؟؟؟!!!!!!
حسنا تقبض يدها ..
- اتصلي بسلطان عذابه .. هو بيرتب أموريه ..
انقبض قلب عذابة .. في حين تأوهت حسنا مجددا ..
- رقمه مسيف في التيلفون .. بتحصلينه بو مييد ..آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .. عذوووووووووووب بموووووووووت ..
عذابة بحركة سريعة تقاوم التردد ..
- لا .. ما بتموتين ..
و تسحب هاتف حسنا من حقيبتها ..
وجدته ..

.
.

الآن .. الأسماء ..

.
.

بحث ..

.
.

ها هو .. بو مييد ..
.
.

يرتجف الابهام .. و تختلج رموش عينها ..
.
.

قبل أن تضغط على زر الارسال ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
جـــــــــــــــــــــــار الإتصـــــــــــــــــــــــــال ..!!

.................................................. .............................................

* أنا لشفك يا الخوي / للشاعرة الإماراتية المبدعة فتاة العرب ..

.............................................
تتمـــــــــــــــــــــــــــــــة


- إنزين انته ما بتخسر شي .. اسمعنيه الين ما أخص رمستيه ..
يقول لها عبر الهاتف بصوت يبدو ضجرا ..
- حمدووووه .. أدري شوه بتقولين .. اختصري .. عندج سالفة غيرها ؟؟!!
تنهدت حمدة بيأس .. منذ ساعة و هي تحاول إقناعه و لكنه يسد الأبواب بوجهها ..
- محمد دخيلك .. بس فهمنيه .. اقنعنيه .. عطني عذر أعطيه أمك ..
تننهد محمد ..
- قوليلها محمد ماااايبااااااا يعرس .. صعبة هاااي ..
- انزين لييييش ؟؟!!
- بس كذيه .. مالي به العرس ..
- محمد .. اسمـ ..
- حمدوووه .. قطعيها الرمسة .. السالفة لا تعيدين فيها .. و إذا ع أمايا .. أنا برمسها ..
- لا حووووووول ..
.
.
.................................................. ..................................................

كانت ترتجف بشدة..
خوفا عليها .. و قلبها ينتفض مع كل صرخة تطلقها ..
ما زالت المكالمة جارية ..و لم يرد عليها بعد ..
حسنا تبكي بصوت مرتفع ..
- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه .. عذووووووووووب .. بموووووووت .. ابا امااااااياااااا ..
هي ترتجف الآن و دموعها تهوي بغزارة ..
- لا حسنا ما بتموتين الحين بنوصل .. محبوب بسررررررررعة ..
و فجأة رفعت السماعة في الجهة الأخرى ..
عذابة لم تعد تشعر بالتوتر الآن .. و لا الارتباك .. و هاجس واحد يسيطر عليها .. ماذا لو أصيبت حسنا بمكروه قبل أن يبلغوا المستشفى ؟؟!!
.
.
إنبعث عبر الهاتف صوت رجولي عميق يتحدث بآلية ..
- مرحبـــــــاً بكم في خدمة إتصالات حامل ..
نظرت عذابة للهاتف بدهشة .. قبل أن تعيد اسماعة لأذنها .. فيعود الصوت ليقول من جديد ..
- إن كنت راغبة في توصيلة .. فالتكاسي مازرة البلاد ..
هنا شكت عذابة أن في الأمر خدعة .. فقالت بحذر ..
- ألووو ..
ساد الصمت لحظة .. قبل أن يأتيها الصوت ذاته يستفسر في شك ..
- حسنـــــــا ؟؟!!
عذابة بسرعة ..
- لا ..
تسائل ..
- امنوه انتي ؟؟!!
هنا أطلقت حسنا صرخة مدوية أخرى .. لتتحدث عذابة بسرعة و حزم ..
- .. حسنا قالت لي أتصلبك .. نحن يايين صوب المستشفى .. و هي تعبانة شوي - و عوت حسنا بعذاب مرة أخرى لتستدرك عذابة بسرعة - قصدي وايد .. و تقول إنك بترتب الأمور ..
هدوء من الطرف الآخر .. هل يستوعب سيل الكمات المنهمر ..
- ألوووووو ..
و بسرعة يقول ..
- انتو قريب توام ؟؟!!
- هيه ..
- شوه لي يعورها بالضبط ..
- مادري ظهرها بطنها .. شكلها بتربي ..
- لا بعدها .. اسمعي خليها تتنفس زين .. لا ينقص الأكسجين في الدم و يغمى عليها ..
عذابة بذعر ..
- شوه أسوي ..؟؟!!
- هديها .. و خليها تاخذ أنفاس طويلة ..
.
.
أنهت المكالمة لترى حسنا الآن بوجهها المسود من الألم .. بدت الآن شهقاتها متتالية .. خافت عذابة بشدة .. فاقترب منها تحتضنها ..
كانت حسنا تتألم بشدة ..
و أنشجت متوسلة لعذابة ..
- ماريد أموووووووت ..
بكت عذابة معها .. تراها تتألم و لايمكنها أن تخفف عنها ..
- حسنا ما بتموتين .. الحين وصلنا المستشفى ..
و رأت أمامهم إشارة حمراء .. فصرخت لسائقهم بقوة ..
- محبوووووب اقطعها ..
لم يضيع السائق الوقت .. تجاوز الإشارة مندفعا بين السيارات القادمة من الطرفين .. و عذابة تمسح دموعها .. الخوف يتآكلها الآن .. هل سيصلون .. قبل فوات الأوان .. بدت حسنا تقول الآن بصوت غائب ..
- مابا أموت .. عيالي و أمي و عيسى ..
ثم بدأت تغيب عن الوعي .. انفجرت عذابة باكية ..
- حسنووووووه .. لاااااااااااا ... خليج ويااااااي ..
تضربها بخفة على وجنتها ..
- حسنا .. لا لا .. تنفسي .. حسناااااااااااااااا ... محبووووووووووب بسرعاااااااااااااه ..
تحتضن رأسها .. و تنصت بقوة لأنفاسها .. تخشى حقا أن تغيب ..!!
- حسناااااااااااا فديتج نشي ..
كانوا الآن على أعتاب باب المستشفى .. و السائق يبذل ما في وسعه .. و لكن حسنا الآن بدت في عالم آخر ..
- محبوووووب الطوااااري .. حسنا .. حسناا .. اسمعيني .. حسنااا .. دخييييييييلج ..
توقفت السيارة الآن أمام بوابة الطوارئ ... و قبل أن يتحرك أحدهم إندفع من الباب أربعة ممرضين يدفعون أمامهم سريرا نقالا .. فتح الباب من جهة عذابة التي مالت حسنا عليها .. فصرخت فيهم ..
- بسرررعااااه .. لااااااااااا تموووووووت .. و الله ياااااااويلكم .. بسرعاااااااه ..
وضعت حسنا على السرير النقال .. و قفزت عذابة من السيارة خلفهم .. يدفعونها .. و عندما اجتازوا البوابة .. انضم اليهم سلطان يجري .. يبدو أنه كان في انتظارهم .. كانوا يعدون بخفة .. و يتبادلون كلمات سريعة .. و عذابة تحاول مجاراتهم .. أدخلوها لغرفة في نهاية النفق .. كادت عذابة أن تدخل معهم .. و لكن وقفت إحدى الممرضات في وجهها رافضة .. تطلب منها الانتظار ..
ماذا تفعل الآن ؟؟!!
أتتصل بأم حسنا .. بزوجها ..
لا .. ستتصل بحمدة ..
أين الهاتف ؟؟!!
كانت قد نسيته في السيارة .. انطلقت عائدة إلى حيث تركت سائقهم .. كانت صورة واحدة تطغى على مخيلتها ..
صورة حسنا وهي غائبة عن الوعي ..
هل ماتت ؟؟!!
تذكرت وجهها .. ضحكتها .. إبنها الصغير ..
فأفلتت منها شهقة متألمة ..
لا تموتي .. أرجوك حسنا .. ابقي ..
هناك من يحتاج اليك ..
.
.
بلغت السيارة .. و التقطت هاتفها ..
لتعدوا عائدة من جديد نحو الغرفة التي ينعشونها فيها ..
.
.
و عند الباب ..
ترتجف أصابعها و هي تتصل بشقيقتها ..
انساب صوتها عبر الهاتف ..
- ألوووو ..
شعرت عذابة بدفق من أمان يجري مع صوت حمدة .. ستعلم هي كيف تتصرف ..
فانفجرت باكية ..
- حمدوووووووووه ..
بدا صوت أختها مذعورا ..
- بلاااااج ..
استمرت في النشيج ..
- حمدوووه حسنااا بتمووت ..
- شوووووووووووه ..
- تعبت في الدرب .. تعالي لي .. أنا بروحي وياها .. نحن في توووااام ..
ازداد بكائها ..
- تقول لا تخبرون أمها .. حمده و الله هي وااايد تعبااانه .. يمكن تموووت ..
- لا تفااولين يا الخبلة .. أنا يااية الحين ..
و سمعت صوت إغلاق الخط في الجهة الأخرى ..
.
.
حسنا ..
إقترب فرج أحبتك ..
فلما الرحيل ؟؟!!


.................................................. .....................................

كانت تقف أمام جدتها التي تنظر لها بحزم .. تحاول استعطافها بدلال ..
- اماااااااااااااااااياااااااااااااااا ..
و لكن ذلك لم يجدي .. فقد بدت الجدة حازمة .. فسلكت طريق آخر ..
- أماااه .. كسر شريط كرااااااااااااااش ..
- و اذا كسره .. بتقومين تظربينه ..
شعرت بالذنب فنظرت إليه ..
- اماااااااااااااه .. انزين كسر الشريط ..
تنهدت الجدة و اقتربت منها لتسأل بهدوء ..
- الشريط من وين يبتوه ..
- اشتريناااه ..
ابتسمت الجدة و هي تتابع ..
- من وين شريتوه ..
- من الجمعية ..
نظرت لها الجدة ..
- يعني لو بنسير الحمعية بنحصله هناك ..
بدا الحماس على وجه شما ...
- هيه ..
عندها استدركت الجدة بابتسامة ..
- و لو سرنا الجمعية بنحصل دموع ذياب هناك ..
نظرت لها شما بغرابة ..
- ما يبيعون دمووع اماااه ..
االجدة و هي تعقد جبينها كالمتعجبة ..
- ليش شمووه ..
- مادري ..
ابتسمت الجدة ..
- محد يبيع الدموع .. لنها غالية .. دموع ذياب غالية .. و محد يروم يشتريها .. بس الشريط بعشر ربيات .. الحين شوه رايج .. يروحن دموع ذياب الغاليات عشان عشر ربيات ..
نظرت شما لها بشيء من الدهشة ..
- لا ..
- حبيبتي انتي شاطرة .. و لو ذياب كسر الشريط لمرة الياية بتظربينه .. و بتخلين دموعه تروح ..
ابتسمت شما كمن فهم مغزى الامور فجأة و صاحت ..
- لاااااااااااااااااا .. بنشتري الشريط مرة ثانية بعشر ربيات ..
- انزين ذياب زعلان الحين .. امنوه بيراضيه ..
- أنااااااااااااااا ..
و اقتربت من لتجثو على ركبتها ..
- دااااااااااااااااابي .. حصااااااااااان .. حصااااااااااااااان ..
وقف الطفل ذو الثلاث سنوات على قدميه .. بدا انه نسى الأمر .. و هو يتقافز يود الركوب على ظهرها ..
تصيح ببراءتها الحلوة ..
- منووووووووووووه حبيــــــــــــــــــــــــــــــــــــبي ..
ليرد بصوته الطفولي ..
- انااااااااااااااااااااا ..
.
.
ابتسمت الجدة بحنان ..
.
.
و لم تعلم لما كانت تشعر بوخز في قلبها ..!!

.................................................. ...................................

كانت تجلس في السيارة و تضم قبضتها إلى يدها ..
خائفة جدا ..
صوت عذابة لم يكن يبشر مطلقا بالخير ..
.
.
هل ستجدها سالمة ..؟؟!!
أم أنها تأخرت ؟؟!!
.
.
هواجس مرعبة أخذت تدور في خلدها ..
و شعرت بانها دمعتها ستهوي ..
قبضت نفسها بقوة ..
.
.
تماسكي صديقتي إني قادمة ..
.
.
إياك ..!!
إياك أن تتجرئي على تركي وحيدة هنا ..!!

.................................................. ...............................................

كان يقف خارج الغرفة على طرف بعيد ..
القلق يتآكله ..
احتار بشدة ..
هل يتصل بأخيه ..
أو ينتظر النتيجة التي سيخرج بها الأطباء ؟؟!!
.
.
.
انتابه شيء من التوتر ..
هل هي ولادة مبكرة ؟؟!!
لقد كانت تشكو مسبقا من الآلام التي صادفتها في الآونة الأخيرة ..
.
.
نظر للفتاة التي أحظرتها إلى هنا ..
كان يعلم ابنة من هي .. و ان لم يكن يعرف اسمها بالضبط ..
فقد صادفها هي و شقيقتها الكبرى و أخيها الاصغر في بيت أم ذياب أكثر من مرة ..
و يعلم أن أختها هي صديقة زوجة أخيه المقربة ..
.
.
بدت و هي منطوية على المقعد بجانب الغرفة كالخائفة .. رغم أنه لا يرى وجهها من خلف غطائه ..
هل يعلم أهلها أنها هنا ؟؟.....
.
.
خرجت الممرضة من الغرفة مندفعه نحو سلطان .. متجاهله وجود عذابة تماما ..
عذابة التي لم تنتبه لوجوده في المكان هنا الا الآن ؟؟!!
ظنت أنه هناك في الداخل ..
كان يقف بهامته الطويلة .. و هو يرتدي ( الكندورة ) و فوقها الجاكيت الطبي ناصع البياض ..
و تميز ندبته من مكانها ..
.
.
بدأ الرعب يدب في قلبها ..
لما توجهت الممرضة نحوه مباشرة متجاهله وجودها ..
هل تفاقم الأمر ؟؟!!
هل حسنا في خطر ؟ ..
شعرت بالعجز و قلة الحيلة و هي ترا سلطان يندفع مع الممرضة نحو الغرفة ..
كانت على وشك البكاء ....
.
.
ارتفع رنين هاتفها ..
لتناظر شاشته بلهفة ..
قبل أن تصطدم عيناها بالرقم ..
فتلوي وجهها بغضب ..
إنه لا يتعلم أبدا ..
و ليست الآن في وضع صالح لتأديبه ..
لذلك هوت بإبهامها على زر إغلاق المكالمة ..
لتغلق الخط في وجهه ..
.
.
.
ثم توالد اليأس مجددا في داخلها ..
حمدة .. أين أنت الآن ؟؟!!


.................................................. ..................................

كان يجلس في المكتبه وحيدا ..
بعد أن خلت من الدارسين .. لا أحد يأتي إلى هنا ظهرا ..
و هذا المكان له ملجأ ..
.
.
يجلس خلف مكتبه ساهما ..
أصبحت روحه غير حبيسة الجسد ..
وصلت الآن لمرحلة متقدمة من الألم ..
حتى أصبح الحزن الصامت ملاذا لها ..
.
.
لا يشتكي أبــــــــــــدا ..
و لا يعطي نفسه فرصه بأن تفرغ بعضا مما فيها ..
.
.
يختفي خلف ابتسامته الخادعة ..
والهدوء ..
.
.
رحل عبد الخالق ..
.
.
و رحل حمد ..
.
.
و غدا سيرحل ذياب ..
.
.
أصبح الألم يتضاعف في داخله ..
أي جزء سيفقده من نفسه ..
مع رحيلهم ..
و بقاءه هنا وحيدا ..
.
.
أي خرابة أمست روحه من بعدهم ..
لم تعد الحياة هي الحياة ..
و لا الضحكة هي الضحكة ..
و لا الآلام هي الآلام ..
و لم يعد سيف هو سيف ..
.
.
أصبح طيف باهت يعكس بريق الشمس المتألق ..
بنفاق ..!!
.
.
تنهد بصمت و هو يمسح وجهه ..
سيظل دوما ..
و أبدا .. يستعيد ذكرى تلك الأيام ..
لينظر حوله ..
.
.
اذا رأى الديار من حوله خاوية ..
.
.
أدرك أنهم هنا بقلوبهم ..
فقد تركوا له بصمة في روحه ..
.
.
لــــــــــــــــن تــــــــــــــــزول ..!!


.................................................. ....................................


فتحت عيناها ببطء و هي تتأوه متألمة ..
رغم رؤيتها الضبابية ميزت هذا الوجه المبتسم بهدوء ..
- الحمد الله ع السلامة يا أم ذياب ..
تمتمت بخفوت و مازال الخمول و الألم يتبادلانها .. كلن تارة ..
- الله يسلمك ..
.
.
كانت تشعر بأنها خائرة القوى ..
و لا تتذكر ما حدث بالضبط ..
قالت بوهن ..
- شوه استوى ..؟!!
قال سلطان بشفقة ..
- ماشي .. بس انقباضات مبكرة .. و عطوج مثبتات .. انتي احسن الحين .. بس لازمنج الراحة ..
.
.
تذكرت حسنا الألم الشديد في السيارة ..
و صراخها .. و ذعر عذابة ..
.
.
عذابـــــــة ..!!
.
.
.
سألت سلطان بقلق و هي تشعر بأنها تنسل بهدوء نحو الظلام ..
- وينها ؟؟!!
سلطان بهدوء ..
- امنوه ؟؟!!
بدت غير واعية ..
- عذابة .. خبروها انيه بخير .. أكيد متروعه عليه .. لا تخليها تتصل بامايا ..
كان سلطان يعلم أن المسكن بدأ يأخذ مفعوله لذلك سألها بسرعة ..
- عذابة هي البنية لي يابتج ..
- هيه .. و لا تخبرون عيسى .. أنا بخبره يوم برد البيت ..
.
.
و بدت تغيب تدريجيا عن الوعي ..
.
.
كان وجهها شاحبا من الألم ..
و هالات سوداء أحاطت بعينيها ...

.
.
كانت تغطي وجهها منه مسبقا ..
و لكنه مع تردده المستمر على بيتهم أصبحت ترتدي ( البرقع ) ..
.
.
يبدو أنها تناست أمره الآن ..
إبتسم لأخته الكبيرة هذه ..
.
.
لم تكن أكبر منه في السن سوى بسنة واحدة ..
و لكنها كبيرة في قلبها ..
تسامحها ..
صبرها ..
.
.
و روحها الطيبة ..
.
.
ابتهل من قلبه أن تشفى ..
لأنها لا تستحق الألم ..
عزيزة هي ..
.
.
.
خرج بهدوء من غرفتها ..
ليقع نظره على تلك الأخرى و هي ما زالت تجلس في مكانها ..
كانت تعتصر الهاتف بين يديها بقوة ..
و يبدو أنها تفكر بشيء كبير ..
هل يدنو منها ليخبرها .. أم ......
.
.
اقترب بهدوء ..
لا داعي للإحراج فهي الآن كقريبة له ..
سيخبرها أن حسنا بخير .. و أنه يمكنها الرحيل ..
و فجأة ارتفع رنين هاتفها المحمول ..
لتنتفض بغتة ..
و انتفض سلطان من الصوت أيضا ..
نظرت لشاشة الهاتف قبل أن ترفعه لأذنها ..
و تناهى صوتها الناعم له ..
.
.
كانت تنشج بهدوء ..!!
.
.
و هي تقول للمتصل ..
- أناا خاااايفة .. حموووه .. ليش أبطيتي .. انا بروحيه هنيه .. و مادخلونيه .. لا مادري شوه الحال عليها ..
.
.
و شهقت باكية ..
- حمدووه .. هي واايد تعبانه .. أاخاف تموووت .. تعاااااااااااالي بسررررعة .. انا واايد خااايفة .. خلاااص ..
.
.
مدت ييدها من تحت الغطاء .. و هي تتنهد كطفلة ..
- لا ما بصيح .. بس لا تبطين .. انزين .. يا الله ..

.
.
رآها تعتصر الهاتف بين أصابعها مرة أخرى ..
.
.
تبدو ساهمة ..
تقدم منها بهدوء و هو يشعر بالتعاطف معها مما مرت به ..
يبدو أنها لم تعرف كيف تتصرف ..!!..
.
.
تقدم منها بهدوء ..
لم تشعر بوجوده بعد .. غارقة هي حتى أذنيها ..
قال بصوت هادئ حتى لا يثير ذعرها ..
- السلام عليكم ..
انتفض متفاجئة .. ثم نهضت بسرعة من كرسيها لتتراجع قليلا ..
لا تعلم لما هو واقف أمامها الآن .. هل حدث شيء لحسنا ؟!؟؟!
.
.
لا تدري لما فجأة تذكرت محمد أخيها ..
تخيلته مقبلا .. و يراها واقفة معه هنا ..
.
.
ترد بصوت خافت .. بدى أثر غريب للخوف فيه .. و هي تشيح بوجهها عنه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
.
.
كانت حركتها واضحة .. لقد قابل الكثير من ردات الفعل هذه ..
فندبته ليست منظرا مستحبا لدى الكثيرين ..
.
.
كاد ينطق باسمها .. و لكنه شعر بشيء غريب في صدره .. لم يكن ليرغب بأن ينادي رجل غريب شقيقته بإسمها .. و لا أن يحدثها .. لذلك قال بصوت حازم و سريع ..
- حسنا بخير الحين .. و قالت لي أخبرج .. ترومين تسيرين البيت .. بس لا تخبرين أمها .. لنها عقب ساعتين بتترخص و بتسير البيت ..
.
.
صمتت لبرهة .. لا تريد أن ترد عليه ..
شعرت أنها في مكان مشبوه الآن.. و ما يزيد الطين بله هو تلك المشاعر الخبيثة التي تشعر بها في داخلها ..
و لكن لا يمكن أن ترحل و تترك حسنا هنا .. لابد أنها تحتاج لوجودها .. على الأقل حتى تصل حمدة ..
.
.
لذا قالت بصوتها المبحوح إثر بكائها ..
- ما بسير .. برقبها الين تنش ..
توقع سلطان ردة الفعل هذه ..
- ما بتنش قبل ساعة .. شوه بتسوين ..
ما زالت مصرة ..
- برقبها ..
سلطان بلا مبالاة يريد إنهاء هذه المحادثة ..
- برايج ..
قالت عذابة بتوسل ..
- ابا اشوفهاا ..
قال سلطان و عيناه تنظران للأسفل ..
- راقدة الحين ..
- عاادي .. بس أبا أطمن عليها ..
.
.
أشار للغرفة ..
- تفضلي ..
.
.
توجهت بسرعة نحو الغرفة المقصودة ..
تاركة إياه خلفها ..
.
.
في حين ابتسم هو بخفة ..
لم تكن تعلم أنه أنصت لحديثها الباكي قبل قليل ..
.
.
يعرف أنها ضعيفة ..
و ليست بالقوة التي تتظاهر بها الآن ..

.................................................. .................................................

كان يوضب حاجياته الآن استعدادا للرحيل غدا ..
لم ينسى شيئا أبدا ..
وضع جميع أغراضه في الحقيبة ..
لا يريد ترك أثر في هذا المكان ..
كأنما يريد إحراق جميع الجسور من خلفه ..
لا عودة إلى هنا ..
لاعودة
.
.
وقعت عيناه على القطعة الخشبية التي بين ثيابه ..
و تلك العبارة المميزة تدور في ذهنه ..
( صبر جميل و الله المستعان ) ..
.
.
تذكر شيئا كاد أن ينساه ..
مد يده تحت المخده ..
ليلتقط كتاب ..
.
.
تدلى من بين صفحاته الفارق المميز ..
.
.
دوما الصبر ..
الصبر ..
.
.
و ها هو الفرج القريب ..
.
.
دس كتاب عبدالخالق القديم بين ثيابه ..
كان الشيء الوحيد الذي يملكه منه ..
باستثناء القطعة التي خط عليها تاريخ أول يوم له هنا ..
.
.
ليته عاش ليشهد هذا اليوم ..
كان سيكون في استقبالي في الخارج ..
.
.
و لكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن
.
.
.
قدر الله ما شاء فعل ..
.
.
عبدالخالق ..
كن دوما معي ..
بي .. فيني ..
.
.
لن أنساك ما حييت ..!!

.................................................. ................................

كانت تجلس بجانب شقيقتها في السيارة .. هادئة جدا .. مما جعل حمدة تشعر بالقلق ..
- عذوب ..
ردت ساهمة ..
- لبيه ..
- لبيتي حاية .. بلاج ساكتة ..
- أافكر ..
- بشوه ؟؟!!
- أفكر في حسنا ..
نظرت حسنا للأمام و هي تقول بحنان ..
- فديتااااااااااا .. أسمينيه صحت يوم شفتهااا .. شكلهااا واااااااايد تعبااان ..
نظر عذابة ليدها ..
- اليوم يوم تعبت .. تحريتااااا بتموووووت ..
و نظرت لأختها و هي تمد يدها بقلة حيله ..
- و الله حمدووووووه حسيت باليأس .. تخيلتاا ماتت بين ايديه .. كان مت وياها ..
نظرت لها حمدة بشفقة ..
- بسم الله عليكن ..
قالت عذابة بنبرة غريبة ..
- الموت حق .. و محد يدري متى ساعته ..
- لااااا تخوفينيه عذوووووووب .. حسنوووووه بخير الحين .. و سلطاان مودنها البيت ..
ابتسمت عذابة و هي تشعر بالغرابة من نفسها ..
- ليش تخافين .. الموت حق ..
حمده باستنكار ..
- عذابوووه .. بس خلاص .. أنا ما حب هالطاري .. غيري السالفة ..
.
.
.
التزمت عذابة الصمت ..
.
.
و أفكارها تدور حول عدة محاور ..
.
.
حسنا ..
..
و الأقدار ..
.
.
و سلطان ..!!


.................................................. ...................................

كانت مستلقية على سريرها الآن .. و أمها تجلس بجانبا و هي تنوح باكية ..
قالت بتعب ..
- أمايا فديتج .. بس خلاص .. ما صار شي ..
الأم بعتب و دموعها لا تتوقف ..
- شوه ما صار شي .. بغيتي تروحين فيها .. ليش ما تصلتنبي ..
تنهدت حسنا و هي تعيد رأسها للمخدة ..
- ليش نروعج .. ما شي شوي عوار و راح .. و .... آآآآه ..
تأوهت تعبة ..
فسارعت الأم تقول ..
- يعلنيه هب بلاج غناتيه .. انتي رقدي الحين .. تعبانة .. بتتعشين ..
نظرت لأمها مطمئنة بابتسامة ..
- لا فديتج .. بس خلي سوراتمي تسويلي حليب بالزنجبيل ..
الأم بسرعة و هي خارجة من الحجرة ..
- أنا بسويه .. ما عليج انتي ..
.
.
و خرجت أمها من الغرفة ..
.
.
فأغمضت عينيها بألم ..
تعلم أن زوجها الآن في الخارج يتحدث مع أخيه ..
و سيكون هنا في أي لحظة ..
.
.
سمعت أكرة الباب و هي تدور ..
لم تفتح عينيها ..
.
.
وقع الخطوات يقترب من الفراش ..
فتشعر بيده الدافئة تلتقط كفها النحيل ..
ليطبع قبلة حانية عليها ..
.
.
فاندفعت دمعة من عينها ..
بجرأة ..
شعرت بأنامله الرقيقة تمسحها و هو يهمس باسمها ..
- حسنــــــــــــــــــــــــا ..
لم تفتح عيناها .. و لكنها شعرت به و هو يحتويها بين ذراعيه ..
.
.
فلم تستطع سوى أن تدفن وجهها في صدره و هي تجهش بالبكاء ..
.
.
يمسح رأسها بحنان ..
- حبيبتي ليش تصيحين ..
.
.
ما زالت تبكي .. وتقول من بين شهقاتها ..
- عيسى .. تعبااااااانة .. و الله تعبااااااانه ..
سارع يقول ..
- يعله فيني و لافيج ..
تابعت نشيجها ..
- أنا خااايفة ..
و زادت وتيرة بكائها ..
فعقد هو جبينه ..
- من شوه فديتج ..
دفنت رأسها أكثر في صدره و هي تقبض ثوبه ..
- خااااااااايفة أمووووووت .. امنوه بيربي عياليه .. شموووووه امنوه لها .. خاااايفة أموووت قبل لا شوف خوية ..
أبعدها عنه قليلا لينظر بحزم إلى عينيها ..
- هالرومســـــــــــــــــــــة .. مابا أسمعها فهمتي .. كل شي بيد الله ..
ثم لان قليلا و هو يتمعن في عينيها الدامعتين .. كم هو متيم بها ..
معشوقته الصغيرة ..
- حسنوووتي .. انتي تعباانه شوي لن الحمل متعسر وياج .. بس ربج بيفرجها .. و إن شا الله ما عليج شر .. و ما فيج الا العافية .. قولي حبيبتي .. ( اللهم لا اله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ..
أسندت رأسها لصدره و هي تقول بخفوت .. و تمسح وجهها كالطفلة ..
- ( اللهم لا اله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .. عيسى ..
- يا لبيه ..
- لبتك روحي .. خلك هنيه .. لا تروووح ..
احتضنها بشدة ..
- انا هنيه يا الغالية .. ما بخليج .. لا تخافين ..
تشعر بالدوار الآن ..
.
.
إنها الآن هنا بين ذراعيه ..
إنها آمنة ..
و لن تصاب معه بمكروه ..
.
.
فقالت بهدوء ..
- عيسى .. أحبك أنا ..
.
.
ابتسم و هو يقبل جبينها المتغضن من التعب ..
- حتى أنا فديتج .. ارقدي الحين .. بترتاحين ..
.
.
كم هي محظوظة ..
فهي له ..
أبـــــــــدا ..

.................................................. ......................................

استلقى ذياب بهدوء على فراشه ..
و عيناه تناوشان الرقاد فلا تناله ..
.
.
غدا سيراهم ..
يلتقي بهم ..
عائلته ..
أحبته ..
.
.
و مرت وجوههم جميعا أمام عيناه ..
سيرى ابنته الحبيبة بعد كل تلك السنوات ..
و سيرى الصغير ذياب ..
.
.
و سيرى أشعة الشمس خارج هذه الجدران ..
.
.
و سيتنشق رائحة أمه الحبيبة ..
.
.
غدا سيكون يوما جديدا ..
مميزا ..
و فريدا ..
سيروي شوقه ..
و سيشعر بالحياه مجددا ..
.
.
غدا هو أول يوم من بقية حياته ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و في الطابق السفلي من السرير ..
استلقى هو بهدوء ..
.
.
هو أيضا يجالس الليل ينتظر انقضاءه ..
غدا سيعود مجددا غريبا .. وحيدا ..
كأول يوم قدم فيه إلى هنا ..
.
.
جل ما يتمناه .. هو أن لا ينساه هذا الصديق ..
في خضم نسيانه لذكرياته المؤلمة هنا ..!!

.
.
كم هي بعيدة تلك الأماني و الأحلام التي لا تتحقق ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 01-06-08, 09:24 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الجــــــــــــــــزء الخــــــــــــــــامس



.................................................. .................................................. .......

و بدأ الليل يوضب الأحلام ..
و الذكريات ..
.
.
و الظلام الدامس ..
.
.
يضعها في حقيبته السرمدية ..
ليحملها .. و يشد الرحيل إلى أجل قريب ..
فيعود محملا بها ..
.
.
الأحلام .. و الذكريات .. و ظلام أبدي لا ينتهي ..!!
.
.
و إلى ذلك الحين ...
تتمطى أشعة الشمس تفاؤلا بكسل ..
تداعب الوجوه ..
و تلهث نسائم باردة ..
تخفف حر لهيبها على الأنفاس ..
.
.
فكل صباح يشرق علينا ..
يحمل شيء مميز ..
قد لا ندركه .. إلا حين رحيله ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

و في هذا الصباح استيقظوا جميعا ..
كل يحمل في داخله .. ألمـــــــــــــا ..
.
.
و أمـــــــــــــــــــلا ..
.
.
و جهل لذيذ .. بما تخبئه الأقدار ..

.................................................. .............................................

كان واقفا في منتصف الزنزانة ..
و مشاعره تتنازعه بقوة ..
.
.
رآهم هنا ..
سيف .. عبد الخالق .. حمد ..
.
.
ضحكاتهم .. أيامهم ..
و لحظات مميزة .. ولت مدبرة بلا رجعه ..
شعر بغصة تخنقه ..
و شعر أنه بالكاد يتنفس ..
لماذا يراوده التردد الآن ؟؟!! ألم يطمع دوما في الخروج ؟؟!!
.
.
لا يريد ترك هذا المكان ببساطة ..
يشعر أنه أصبح جزءا منه ..!! يريد أن يعود دوما متى أراد ..
ليتزود من هذه الذكريات قدر ما يحتاج ..
يريد استعادة صورة عبدالخالق و هو يجلس و يفتح كتابه الأثيري ..
يريد أن تتردد في أذنه ضحكة حمد الطفولية الرنانة ..
يريد أن تعكس الجدران صمت سيف المهيب ..
.
.
يريد لهذه الزنزانة في كل مرة يأتيها ..
أن تحكي له حكاية ..
.
.
حكاية ..
عن الحب .. و قوته ..
عن الصبر .. و الجلد ..
عن معنى أن يمسح الغير عرق جبينك إن كنت مرهقا غير قادر على ذلك دون أن يمنوا عليك بذلك ..
عن أشخاص مع الوقت يغدون جزءا منك .. فإذا رحلوا .. رحل الكثير معهم .. فلا يعود الأمر كما كان في السابق ..
يريدها أن تحكي له .. أسطورة .. تسمى الصداقة .. و يريد أن يسمع عن معانيها السامية ..
و مفرداتها التي لم تشوهها الحضارة بعد ..!!

.
.
يجيل بصره فيما حوله .. فيرى ابنته على الجدار المقابل ..
صغيرته التي شاركته القمع طوال هذه السنوات ..
.
.
حان الرحيل يا صغيرة .. لم يعد هذا المكان لنا ..
مد يده يريد انتزاع الصورة .. فأمسك الآخر يده .. التفت ذياب له بحيره ..
فوضع سيف يده في جيبه و هو يطيل النظر في وجهها الحلو ..
- خلها .. تعودت عليها ..
ثم نظر إليه و هو يبتسم ..
- واحد منكم بيروح .. و واحد يتم هنيه يونسنيه ..
.
.
في تلك اللحظة شعر ذياب بالحزن الشديد .. أراد أن يضم سيف بقوة .. و يجهش بالبكاء ..
لا يعلم كيف شعر بذلك ..و لكن هناك ألم يسكن روح هذا الشاعر ..
يحرق فرحته و يحولها إلى رماد يطيرها الهواء ..
.
.
مد يده ليقبض على كتفه و يشده و هو يقول ..
- عيل بخيلها عندك .. عسب تتم تذكرها .. و ما تنكرها لو ياتك و قالت لك عمي سيف .. و انا بيبها تشوفهاا ..
ابتسم سيف دون أن يتكلم ..
و قطع خلوتهم بو حمدان و هو يطل برأسه من باب الزنزانة الحديدي .. و يهتف ..
- بو شما يا الله يزاقرون عليكك ..
هز ذياب رأسه لا يستطيع التحدث .. يشعر بأنه مخنوق ..
لم يكن سيف ينظر لعينيه ..
- خبرت حد عسب يستقبلك ؟؟!!
ذياب يرد ..
- لا .. اباها مفاجأة ..
احتضن الآن صديقه بقوة .. يشعر أنها آخر مرة سيكون قريبا منه جسدا ..
أراد أن يبثه الصبر .. القوة ..
.
.
و سالت دمعة يتيمة من عين سيف ..
كان متألما لفراق هذا الصديق ..
.
.
رفع عينه لتقع على صورة الطفلة الضاحكة ..
أنتي رفيقتي ابدا ..
.
.
باقية معي ..

.................................................. ................................

- داااااااااااااااااابي .. وااااااااااااااااااااااااااااء ..
تعود جارية لتختبيء خلف الطاولة .. فيبحث هو عنها .. يتخطى بتعثر .. و هو يقهقه بفرحه .. يحب اللعب معها ..
فتخرج رأسها فجأة من خلف الطاولة لتصرخ ..
- وااااااااااااااااء ..
فينتفض ذعرا ثم يضحك بفرحة .. يسعده اللعب معها ..
أتاها صوت جدتها يناديها من الداخل ..
- شماااااااااااامي ..
نظرت لذياب تعقد جبينها ..
- اففففففف .. بسير المدرسة الحين .. - ثم ابتسمت تطبع على خده المنتفخ قبلة حارة .. - حبيبي دااابي .. تعال نسير عند اماااه ..
.
.
مدت يدها ليمسكها بأصابعه الصغيرة ..
ذهب معها للجدة ..
.
.
سيجلس هناك و شما تذهب للمدرسة ..
أي متعة سيتفقدها إلى حين عودتها ..!!

.................................................. ......................................

كان يقف تحت أشعة الشمس .. و نسائم الصباح تداعب شعره ..
يتنشق الهواء فيملأ صدره .. و حقيبته القماشية على الأرض بجانبه ..
الباب الحديدي للسجن المركزي ينسل من خلفه ببطء .. مصدرا صلصله عالية .. تصم الأذان ..
كل من معه اتجهوا لبعض السيارات المتوقفة .. و البعض التقى من ينتظره ..
هناك من توجه نحو الباص الذي سينقلهم ..
.
.
لم يخبر أي أحد بخروجه اليوم ..
لم يصدق أنه خارج الأسوار الآن يواجه العالم من جديد .. لا تقيده الأصفاد .. و لا القضبان .. و لا جدران تضيق عليه الخناق ..
شعر بالسعادة و التفاؤل .. أراد أن يقف هنا مدى العمر ..
فطرأ سيف على باله ..
ليتك مكاني هنا اليوم يا صديق .. فإن كان هناك من يستحق الحرية حقا .. فهو أنت بلا منازع ..
بدأت السيارات تتحرك و الشارع يخلو .. و رأى من بعيد سائق الباص يتوجه نحوه ..
التقط حقيبته من على الأرض ..
و توجه بخطوات متكاسلة نحو الباص الواقف هناك .. لا يريد انقضاء ثانية واحدة من حريته دون الاستمتاع بها ..
.
.
عندها تناهى لأذنه ذاك الصوت المميز ..
لم .. و لن ينساه ..
ذاك المنادي الذي ارتفع صوته باسمه ..
- ذيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاب ..
.
.
توقف للحظة في مكانه ..
لا يمكن ..!!
هل بدأت هلوسته الآن ..
هل يتوهم بأن هناك من يناديه ..!!
.
.
ظل واقفا بجمود في مكانه ..
و لم تعد تهزه النسائم الآن ..
لم يرد الالتفات فيرى أن هذا وهم ..
.
.
لكن الصوت عاد يردد من جديد ..
- ذيــــــــــــــــــــــــــاب ..
.
.
شعر بدمعته قد أقبلت من بعيد ..
و التفت للوراء .. تناوش شفتيه ابتسامه بعيدة ..
قديمة ..
قدم الغابرين ..!!
.
.
كان الآخر يقف في منتصف الساحة الخارجية الواسعة ..
يقف و ينظر إليه مباشرة ..
رؤيته أعادت الزمن إلى الوراء ..
كان يمشي بهدوء نحو ذياب ..
و ذياب يتقدم منه ..
أصبحت الخطى الآن أسرع ..
و حولتها اللهفة إلى عدو ..
حتى التقيا .. بالأحضان وسط ضحكاتهم ..
و الدموع ..!!

.................................................. ............................................

أنهت حديثها و هي تسترخي على مقعدها قائلة ..
- و الله بغيت أموووت من الخوووف .. ساارونه تحريتااا بتمووت ..
نظرت لها صديقتها بتمعن ..
- احس علاقتكم وااايد ويا قوم حسنا .. مع انهم بس قرايبكم من بعيد ..
- هيه بس هي ويا حمدة من كانن صغار .. و يوم كنا فالبيوت القديمة كانوا ييرانا .. الحين ولدهم العود في السجن .. مالهم الا نحن ..
- ما عندهم عيال عمومه ..
هزت عذابة رأسها ..
- لا ما ظنيه .. حسنا ماخذه عيسى لي كان ربيع ذياب من قبل ..
- ذياب ؟؟!!
- ولدهم لي في السجن ..
- اهااا .. انزين خلينا من كل هاا .. ابا أعرف السالفة الثانية شوه ؟؟!!
- السالفة الثانية خالد ..
- خـــــــــــــــــــــــالد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!
- هيه خالد ..
- بلاه ..
تنهدت عذابة ..
- طفربيه ..سارونه انتي تعرفين انيه وافقت على الخطبة مبدئيا .. عشان أمايا و خالي سعيد .. و الا و الله .. انيه ما كنت ناوية ارتبط ابد قبل لا حمدوه ييها نصيبها ..
قالت سارة ..
- و اذا حمدوووه الله ما كتب لها الزواج ..
نظرت لها عذابة بغضب .. و قالت بحدة ..
- ليش ان شا الله .. حمدووووووووه ما عليهااا قصووور .. و كلن يتمناها .. بس ربج ما كتب شي الين الحين ..
و رفعت رأسها و هي تقول بإصرار ..
- بيي السنافي لي يستاهلها .. و بتشوفين ..
قالت سارة بهدوء ..
- خييييبة بلاج احتشرتي .. ما ترزا هالكلمة .. شوه سالفته خالد ..
تنهدت عذابة ..
- من فسخت خطوبتيه .. و هو دووووووووم ييناا .. يي البيت .. و انا رمست محمد و فهمته انها هب حلوة كل يوم و هو هنيه و انا تونيه رادتنه .. رمسه محمد .. و مرت فترة معاد يا البيت .. بس عقبها .. بدا يتصلبيه .. و يلحقنيه ..
اتسعت عينا سارة من الدهشة ..
- عذاابووووه .. شوه هالرمسة ..
- و الله يا سارة انيه ما اكذب .. بعدين انا صديته .. فهمته انه ما فيه امل له .. و انيه يوم وافقت كانت السالفة بس رضوه لأمايا و خاليه .. و انيه ما فكرت فيه و ما شوفه الا شرات محمد او سلطان ..
- و شوه قال ..
- ما قال شي حبيبتي .. الا سوا ..
- شوووووووه ؟
- زاد الدووووووووس عليه تيلفووووووووونات ليل و نهار .. مارد عليه .. أكثر من مرة اشوف موتره يلحقنا ..
- انزيـــــــــــــن ؟؟!!
- شوه انزين ؟؟!!
- شوه بتسوين ..
- مابا اسوي شي ..
عقدت سارة حاجبيها ..
- شوه يعني بتسكتين ..
نظرت لها عذابة بقوة ..
- انا لو رمست في الموضوع بيتضايق خاليه .. و بيني و بينج امايا تبانيه لخالد .. و خالد نفسه يتحرانيه اسوي حركات تغلي .. بتستوي حساسيات بيناا و بين خواليه .. خص انه محمد بعد ما طاع ياخذ من بنااتهم ..
- و شوه الحل ..
- الحل لبسينج غناتيه ..
- كيف ؟؟!!
- تيلفوونااته ما برد عليها .. حتى لو دق مليووووووووون مرة في اليوم .. و لو ريته يلحقنا بسوي عمريه ما لاحظت .. هالاشكال ما ينفع وياها الا الطاف ..
- بس و الله انه خسارة ..
- حلالج حبيبتي بماله و جماله ..
- مستغنيه عذووووووووووووب .. لي عندنا يسدوووون ..
- عيل نشي خلينا نلحق المحاظرة ..

.................................................. ......................................



ينظر إليه بفرحه شديدة .. هو آخر شخص تخيل لقيااه ..
- و الله أحلى مفاجأة مرت عليه فحياتيه كلها يا بو شهاب ..
ابتسم حمد ابتسامته الطفوليه الكبيرة و هو يقول ..
- احلى حتى من مفاجأة العفو ..
ضحك ذياب بأريحية ..
- لا العفووو غيييييييير .. ردة روح و برت كل الجروح ..
نظر له حمد بابتسامة مؤلمة ..
- لا يا خوية .. بعض الجرووح ما تبرى ..
هز ذياب رأسه و قد فهم مقصده ..
- و أنت صادق .. شوه دراك انيه بظهر اليوم ..
ابتسم بمكر ..
- افا عليك هاي شغلتيه .. - و غمز بعينه - شرايك قبل لا تسير البيت اعزمك ع قهوة .. تفك صوعك .. نرمس شوي ؟؟!! .................................................. .................................................. ................................

تنزل درجات السلم ..
و هي تفكر في زيارة صديقتها المريضة ..
لابد أن أراها اليوم ..
.
.
اصطدمت به و هو يركض بخفة ..
فكادت تقع لولا تمسكها به ..
- سلطـــــــــــــــــــــــــان ؟؟!!
بدا متفاجئا برؤيتها .. سرعان ما احمر وجهه الذي بدأ الزغب يغزو أطرافه .. لا تعلم خجلا ؟؟!! .. أم ذنبا ؟؟!!
- شوه تسوي هنيه ؟؟ ما سرت المدرسة ؟
بدا الارتباك عليه و هو يبرر وجوده بصوته الذي غدا خشنا ..
- آآآآ .. خيبه .. شوي شوي .. يختي ماشي عدنا دوام اليوم ..
وضعت يدها على خصرها ..
- لا و الله .. و ليش ان شا الله .. ليكون مرخص عمرك بس ؟؟
- فكينا يا عمتي .. اونها تنكت .. لا الشيخة هب مرخص عمريه .. عدنا رحله و ما سرت وياهم ..
قالت بتشكك ..
- سلطــــــــــــــــــان .. رحله و ثنوية عامة ما تيي ..
- و ليش ان شا الله .. قلتييها تراج ثنوية عامة هب مخيرز .. يظهرونا و يوسعون سدورنا .. بس انا ما بغيت اسير وياهم و قلت ايلس في البيت اخيرلي .. و الا شوه الشور يا بنت سالم ..
.
.
ما زال قلبها ينبئها بان هناك ورقة لم تكشف ..
- متأكد ؟؟!!
قال بثقة ..
- نعااااااااااااام ..
.
.
في داخلها قررت .. لن تضره قليل من الثقة ..
- خلاص برايك انا بنزل ..
.
.
مخطئـــــــــــة ..
أحيانا الثقة تكون خطأ لا يغتفر..!!

.................................................. ......................................


جلست تلك المرأة المسنة على الفراش الذي مد تحت شجرة الليمون ..
و قد وضعت أمامها صحن كبير فيه حبوب الشعير .. تنقيها لتطحن فيما بعد ..
و كانت تردد قصيدة قديمة .. تترنم بها ..
.
.
.


ألحان فلكلورية .. تلامس شغاف القلب قبل الأذنين .. تردنا إلى عصور خلت ..
إلى الوراء .. إلى حيث نريد العودة ..
.
.
تردنا أطفالا ..
بلا هموم ...!!
...
.
.
.
تحرك الصحن الكبير بخفة ..
فترفعه فجأة .. لتتطاير الحبوب ..
ترتفع قليلا في الهواء ..
ترغب الطيران فلا تقوى ..
فتهوي مجددا ..
للصحن ..!!
.
.
و تستمر هي في الترنم بصوت خافت ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و في الخارج أمام الباب توقفت سيارة ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
و هزت الصحن بخفة ..
لتلقي بالحبوب أعلى قليلا ..
فتتطاير ..
.
.
.
.
.
و فتح باب السيارة ..
لينزل أحد الراكبين ..
و يطأ هذه الأرض برجله ..!!
.
.
.
.
.
.
.
و لامست الحبوب الصحن ..
.
.
و انتفض قلبها ..!!
.
.
.
تضع يدها على صدرها بخفة ..
فتتزايد دقاته ..
.
.
.
.
.
.
يودع صاحب السيارة لتنطلق ..
فتتركه في منتصف الشارع .. يواجه باب البيت ..
يحمل حقيبته من على الأرض ..
فيحث الخطى ..
.
.
.
.
.
.
.
وضعت الصحن على الأرض ..
تساندت بيدها لتنهض من جلستها ..
و أطرافها المسنة لا تساعدها ..
.
.
.
ما زالت نبضات قلبها في تسارع ..!!
و توجهت نظرتها إلى الباب ..
هل سيقرعه أحد ؟؟!!
.
.
.
.
.
.
.
.
ما زال يدفع قدميه في شوق ..
إذا اجتاز هذا الباب .. فلا يبالي إن مات ..
صدقـــــــــــــــــــــــا ..!!
ففي تلك اللحظة جل ما أراده هو الوصول إلى هناك ..!!
بعدها ليس له أية طموح ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أصبح الباب أمامه الآن ..
ينظر إلى الطلاء المتشقق له ..
ينقل حقيبته إلى يده اليسار ..
و يرفع اليمنى ليقرع الباب ..!!
.
.
.
.
.
و تتقدم هي ببطء منه ..
.
.
.
و ..
تك .. تك ..
تك .. تك .. تك ...........
.
.
.
و تناغمت الطرقات مع دقات قلبها ..
ربــــــاه .. خيرا .. إن شاء الله ..
.
.

و ما زال هو واقفا ..
ينتظر ..
أي وجه سيطالعه من خلف هذا الباب العتيق بعد قليل ؟
.
.
.
و مدت يدها لتزيح القفل الحديدي ببطء ..
و تمسك الباب .. فتفتحه
و يئن الباب بقوة ..
.
.
لترى ذلك الواقف و هو ينظر إلى الأسفل ..
فلم تتبينه من بنيته ..
فتنساب الكلمات من فمها ..
- الســــــــــــــــــــــلام عليكــــــــــــــــــم ..
.
.

كان ينظر للأسفل مغمضا عينيه ..
حين داعب صوتها أذنه ..
فشعر بالدموع تتدافع في حلقه ..
ليرفع رأسه ناظرا اليها ..
و هو يرد سلامها بحنان ..
- و عليكــــــــــــــــــــــــم الســــــــــــــــــــــلام يا أم ذيـــــــــــــــــاب ..
.
.
ارتعشت يدها ..
و اختلجت دقات قلبها ...

أسدلت جفنيها لتفتحها مجددا ..
أهذا حلم استغرقت فيه ؟؟!!!
.
.
لكنه سبقها للتأكد حين التقط كفها الممسك بالباب .. و قبله برقة ..
عندها أجهشت هي بالبكاء بصوت عالي ..
لم تستطع نطق اسمه حتى .. شعرت بأنها قد فقدت قدرتها على النطق ..
كانت تبكي بحرارة ..
فتحت ذراعيها على اتساعها ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
لسوف أعود يا أمي أقبل رأسك الزاكي ..
....... أبثك كل أشواقي و أرشف عطر يمناك ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و اندفع ليرمي بنفسه في حضنها الصغير ..
و هو يخشى عليها من ثقله ..
لتمتزج دموعها و دموعه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أمرغ في ثرى قدميك خدي حين ألقاك ..
........ أروي التربة من دمعي سرورا في محياك ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
جلست أمه على الأرض و هي تصيح باسمه ..
ها هو عاد .. ها هو فلذة كبدها .. قد اقبل ..
و قرت عينها برؤيته ..
.
.
في تلك اللحظة ..
شعر ذياب بسلام غريب يسود روحه ..
ها هو يلقي برأسه في حجرها .. و شعر لحظتها أنه قد ملك العالم ..
لا يبالي إن غادر الدنيا الآن ..
فها هو في مكانه .. حيث ينتمي .. و حيث يجد نفسه ..
.
.
.
لا تحزني يا أماه ..
لا فراق بعد اليوم إلا فراق الممات ..*
.
.
.
.


أي منال ..!!
و أي مآل .........!!

.................................................. .........................................

* لسوف أعود يا أمي / للمنشد أحمد بو خاطر
.

يتبع ..


.................................................. ...............................

تتمـــــــــــــــــــــــة


جلست على طاولة المطبخ .. تجيل بصرها فيما حولها بملل ..
بينما تتحرك الخادمة في المطبخ و هي تعمل ..
- توتي .. ما يريد مساعدة ..
هزت الخادمة رأسها رفضا ..
تتأمل أصابعها .. و هي تفكر ..
عليها أن تزور صديقتها ..
و لكن ليس الآن .. ربما عصرا ..
.
.
.
عليها إذا أن تجد شيئا يملأ وقتها ..
لذلك حملت كوب الشاي و اتجهت إلى الصالة حيث تعلم أنها مستقر أمها في هذا الوقت ..
.
.
.
رأت أمها تجلس على الأريكة مواجهه التلفاز ..
جلست بجانبها بهدوء .. فالتفتت أمها نحوها .. لتسألها ..
- نازلة بدري اليوم ..
نظرت حمدة للساعة التي تشير للعاشرة صباحا ..
- وين بدري .. أنا أنزل عشر و نص كل يوم ..
- محق عظامكن الرقاد ..
- و الله شوه نسوي .. لا شغله و لا مشغله .. يالسين في البيت .. مادري وين آخرتها ..
- آخرتاا بيت ريلج تنفعينه و تسدينه ..
.
.
سحبت نفسا عميقا و أغمضت عينيها الواسعتين لبرهه ..
أ و تستمتعين أماه بغرس ذاك الخنجر بين الضلوع ..!!
كم هو مؤلم ..
أن يتظاهر الغير بأنه لا يرى أين المشكلة حقا ..
لم ترد على أمها .. لذلك سألت الأم ..
- رمستي خوج ؟؟!!
- هيه ..
أمها بلهفة ..
- و شوه قال ؟؟!!
حمده تنظر لأظافرها ..
- قال انه بيرمسج ..
عقدت جبينها ..
- لا ما رمسنيه .. و لا بيرمسنيه .. هذا خوج انا اعرف حركااته .. مادري الين متى بتم كذيه .. دوام و هياته .. متى بيشوف عمره و بيعرس ..
- أماه لا تظغطين عليه .. يوم انه رايد العرس من عمره بييج و بيقولج تتنقيله خيرت البنات ..
- لاااا .. ما ظنتيه هاليوم يي ..
- كل شي نصيب يا اميه .. انتي ادعي ربج يهديه ..
- اللــــــــــــــــــــــــــــــــه يهديه و يهدي اخته ..
حمده باستغراب ..
- اخته منوه ..
- عذابووووووه أم لسانين .. امنوه غيرها ملعوزنا ..
حمدة بحيرة ..
- و عذوب شوه يخصهاا ..
- الحين خوج ما بغاهن بنات خوالج .. و ختج الثانية رادة ولد سعيد خوية .. رادة خالد لي محد شراته في العرب .. مستبطرة .. بس الدنيا ما تمشي ع كيفهاا .. و الشور طلع من ايدها .. و انا ساكتلها الين ما تخلص دراستاا .. خلاف غصبن عنها .. بتاخذه خالد ..
حمدة مصدومة من طريقة أمها في الحديث ..
- أمايا انتي شوه يالسة تقولين و تخططين ..... تبين تغصبين عذابة ع خالد .. و هي ما طاعت لخطبتم ثلاث شهور .. ما بطيع عذابة .. ما بطيع ..
الأم بنقمة ..
- و امنوه قالج انيه برد لها الشور و الا بتخبرهاا .. أنا خلاص أول ما تخلص بخبر خالها انها موافقة ..
- اماه استهدي بالله .. شوه يعني بتغصبينهاا ..
الأم تنهض من مكانها ..
- لا .. هذاك اليوم هي هب مغصوبة .. الحين تدلع هي ..
نهضت حمدة بدورها و هي تغلي من الداخل ..
- عذابة ما تدلع .. و هي قالت لكم انها ما تبا خالد و انها وافقت عليه عشان خاليه سعيد ..
و انقلبت نبرتها للاستعطاف ..
- امايا دخيلج .. تعرفينهاا عذوب عنيدة .. ما تبا الولد ..
الأم بصرامة ..
- هب ع كيفهـــــــــــــــــــــــــــــا ..
.
.
.
.
وقفتا مواجهتان لبعضهما ..
.
.
عجبا ..!!
يتحول حرصنا على أحبتنا أحيانا لأنانية مطلقة ..!!


.................................................. .................................................. ...


مستلقية على سريرها و شعورها بالإرهاق لم يزل بعد ..
كان ألم ظهرها في تزايد .. تشعر و أنه يكاد ينقسم لنصفين .. تناولت كوب العصير الطازج الذي أحضرته الخادمة للتو .. هذا الحمل كان مرهقا لها .. لم تعاني هكذا مع طفلها الأول ..
القلق يسكن قلبها .. جل ما تتمناه أن يكون الجنين بخير .. و هذه الآلام مجرد إرهاق و تعب عادي ..
تململت في مكانها .. لا تجد ما تفعله .. أخذت هاتفها من على طاولة السرير الصغيرة .. تريد الاتصال بالخادمة .. ستطلب منها أن تحظر ابنها الصغير .. اشتاقت له .. لم تره منذ البارحة .. والآن و قد ذهب زوجها للعمل .. ستقضي النهار في ملاعبة صغيرها ..
.
.
أصابع يدها على الأزرار ..
و الطرقات على الباب تعالت ..!!
.
.
ابتسمت بخفة ..
و هي ترفع صوتها المجهد ..
- تفضـــــــــــــــــــــل ..
.
.
فتح الباب على اتساعه ..
و لم يكن أحد خلفه ..
نظرت باستغراب .. متأكدة من أنها سمعت طرقات على الباب ..!!
و كادت تنادي ..
قبـــــــــل أن ....
.
.
.
إنحبست الأحرف في حلقها ..
و تشتتت كلماتها ..
و هي تنظر بصدمة عظيمة أمامها ..
كان يقف أمامها مباشرة و ابتسامة دامعة تعلو شفتيه ..
.
.
ارتجفت شفتاها .. و هي على وشك البكاء .. و هو يقول بهدوء ..
- زاد فضلج ..
رفعت يدها لفمها .. و انهمرت دمعتها على خدها ..قبل أن تزيح الغطاء ..
تهم بالنزول ..
سارع متجها لها .. فمدت ذراعيها و هي تشهق بإسمه ..
- ذيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااب ..
احتضن جسدها بين ذراعيه ..
- يا لبيــــــــــــــــــه ..
.
.
.
.
تتلمسه غير مصدقه .. تشده لها ..
و تنشج على كتفه باكية .. و هي تردد اسمه .. مرة تلو الأخرى .. تقبل كتفه ..
و تمسكه بلهفة ..
ماذا لو كان هذا حلم سيرحل مع بزوغ شمس الغد ؟؟!!
.
.
مخلفا طيفا باهتا ..
يزرع يأسا بدل الأمل ..
.
.
.
.
.
تتشبث به بقوة ..
و هي تلهث .. كم المشاعر هذا يرهقها ..
أمسكها يبعدها عنه بلطف .. يناظر وجهها الشاحب ..
ليعيدها إلى الخلف .. يجبرها على الاستلقاء مجددا ..
.
.
على السرير ..
و تدمع عيناها بوهن ..
.
.
تمد يدها لتلمس وجنته ...
لتقول بصوت مبحوح يقطر منه الحزن ..
- ذياب خووويه .. انته ييت ..
امسك كفها .. ليقبله بلطف ..
.
.
بدت هشة للغاية ..
- من زمان و نحن نرقبك .. أبطيت ..
.
.
شعر ذياب بأسى غريب يتسلل لقبله .. بدت حسنا مريضة .. و ضعيفة ..
شد على يدها .. أراد أن يستشف الطمأنينة منها قبل أن يبثها إياها ..
.
.
ليقول بصوت أجش ..
- أنا هنيه الحين .. و ما بيبعدنيه الا الموت ..
ثم شد على يدها مجددا و يعدها بصوت بدا و أنه يريد إقناع نفسه به قبل إقناعها ..
- أنا هنيه ..
.
.
.
و سالت دمعه حارة على وجنتها الشاحبة مرة أخرى ..
.
.
لطالما اشتاقت لأخيها بشدة .. و تمنت عودته ..
و لكن ذاك الحزن الذي لامس قلبها عند رؤيته .. لا تعرف له سببا ..
أخـــــــــــــــي ..
أرى نظرة لم أعهدها في عينيك السوداوين ..
.
.
ما الذي رأيته خلف القضبان ...!!


.................................................. ..................................................


أمام جهاز الكمبيوتر يجلس مشدوها ..
يقلب الصور المختلفة ..
.
.
و يصدر التعليقات بين الحين و الآخر ..
.
.
يرتفع رنين هاتفه .. ليرد على المتصل بلهفة ..
- الووووو .. هلا هلا .. ههههههههههههههه .. يا ريال مساعه يالس ارقبك تحدر .. يا الله .. لا ايمييليه الثلاثي .. هههههه عيل .... اوففففف .. اسكت بس كانوا بشكونيه بس صرفت عمريه .. هيه وحدة من الاهل شافتنيه .. لاااا افا عليك بس .. قصيت عليها و صدقت .. طبنااا من هالسالفة اسمع .. عنديه لك صور على كيف كيفك .. ههههههههههه لاااااااااا احسن عن لوليات ... هيه الواحد يطور شوي شوي .. و الله ينهن اليداد قطعه من الخاطر .. بيعيبنك .. انته حدر بس و بطرش لك اياه ع الايميل .. افا و الله .. تراهن الصور هاي ما اطرش الا للغالين شراتك .. عيل ....
ما عليه .. خلاف بنتفاهم ...... صدقني نوعية يديدة .. حدر يا ريااال و خل عنك .. يا الله .. بااااااي ..
.
.
و ضع الهاتف جانبا ..
و راحت أصابعه تتقافز على لوحة المفاتيح بحماسة ..
و عيناه تكادان تخرجان من محاجرها ..
.
.
.
.
.
أي لذة يتذوقها الإنسان في وقوعه على الخطأ ..
أي نشوة تراوده .. و هو يستغرق فيه آمنا .. متأكدا .. أنه لن يمسكه أحد ..
.
.
.
أي جهل ..!!
و أي غفلة .. !!
فرب العالمين من على عرشه يراقب ما يرتكب هذا العبد .. و يتوعده حسابا عسيرا ..!!

.................................................. .................................................. ...........

وضعت الغطاء على وجهها و هي تهم بالخروج ..
- متأاااكدة ما تبينيه أوصلج ..
تضحك الأخرى ..
- تبنهم يقصبونيه و يعلقون راسيه عند الباب .. عبرة لمن يعتبر ..
عذابة تحمل حقيبتها و كتبها ..
- خيبة هب لهالدرجة .. ع العموم أشوفج يوم الأحد حبيبتي ..فداعت الله ..
- الله يحفظج ..
.
.
خرجت تمشي بهدوء و هي تتوجه نحو السيارة الواقفة في الخارج ..
استقلت السيارة لتنطلق بها بسرعة ..
وضعت كتبها جانبا و غشوتها على وجهها ..
و أمالت برأسها يلتصق بزجاج النافذة ..
و أسدلت أهدابها الطويلة .. تغمض عينيها ..
و هي تفكر ..
.
.
لم تكن تفكر بنفسها الآن .. كانت تفكر بشقيقتها ..
.
.
كم عمرها الآن ..؟؟!!
تسعة و عشرون سنة ..
.
.
ترددت عبارة سارة في أذنيها ..
(( و اذا حمدوووه الله ما كتب لها الزواج .. ))
كانت تشعر بالإنطوائية التي تمارسها أختها ..
و إعتزال الناس ..
الآن فقط إذا أمعنت النظر سترى الكثير من الأشياء قد فقدتها شقيقتها ..
.
.
.
حمدة ..
تلك الإنسانة بالغة الحساسية و الشفافية ..
.
.
لم تعد بالإشراق والمرح الذي كانت تعهده ..
المكان الوحيد الذي تقصده خارج البيت هو منزل صديقتها ..
.
.
شعرت عذابة باليأس .. حمدة تتغير ببطء .. و تنسلخ عن شخصها ..
و ذاك بسبب كتمها الدائم لحقيقة مشاعرها ..
لا تعلم إذا كانت تسرد ما يخطر لها عند حسنا .. فالإنسان دوما مهما بلغ كتمانه يحتاج للتنفيس عن مشاعره قليلا ..
و حمدة تعاني في الخفاء .. هي متأكدة من ذلك ..
.
.
.
.
.
- تستغرق عذابة في أفكارها .. فلا تنتبه لتلك السيارة التي ما زالت تتبع سيارتهم ..!! -
.
.
.
.
.
.
المشكلة الحقيقية أنها تعجز عن مصارحة أختها بما يدور في خلدها ..
لا تريد أن تشعر حمدة بأنها تدرك بأنها يائسة ..
أو أنها لاحظت المشكلة ..
فالتظاهر بأنه لا يوجد مشكلة قد يزرع الأمل فيها .. أكثر مما قد يفعله إدراكها بأن الكثيرين يرون المشكلة ..
.
.
أتمنى حقا أن امتص و لو قليلا من أحزانك حمدة ..
أن أمنحك فرحة ..!!
.
.
أنت قلب ..
لا يستحق الألم أبدا ..!!

.................................................. .......................................


توقفت الحافلة المدرسية بلونها الأصفر المميز .. أمام باب البيت مباشرة ..
لتحمل الصغيرة حقيبتها الكبيرة بجهد على ظهرها ..
و تتمايل برأسها و هي تمشي بسرعة .. فتتقافز على درجات الباب .. تضع أقدامها الصغيرة المغطاة بالحذاء الرياضي الأبيض على أرضية الشارع الساخنة بفعل أشعة شمس الظهيرة الملتهبة ..
تغمض عينيها الحلوتين.. لا تستطيع فتحها جيدا ..
تتحرك الحافلة فتتركها لوحدها في الشارع ..
.
.
فتتقدم نحو البيت بتعب .. و رأسها يميل .. يمينا .. شمالا ..
تدفع الباب الحديدي .. فالخادمة تتركه الآن مفتوحا لها .. و تخطو نحو الداخل ..
.
.
تجتاز - حوش - البيت .. لتدخل من باب الصالة ..
فتلقي حقيبتها عند الباب بسرعة ..
تتنهد تعبة .. قبل أن ترفع بصرها نحو غرفة عمتها بمكر ..
لابد أنه هناك الآن ..
.
.
و كعادتها كل يوم ..
تتقدم ببطء على أطراف حذائها الثقيل ..
تفتح الباب ببطء شديد ..
و هي تقول بصوت عالي ..
- دااااااااابي ..
.
.
لتأتيها الإجابة ليس من الغرفة ..
إنما من خلفها ..
من طرف الصالة ..!!
.
.
.
.
.
صوت غريب .. لا تعرفه ..
- شمــــــــــــــــــامـــــــــــــــي ..
.
.
التفتت ببطء ..
لترى ذاك الرجل يجلس عند جدتها .. و يضع ذياب في حضنه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
كان يجلس بجانب أمه .. و بين ذراعيه يحمل الطفل ..
بينما في الطرف الأقصى وقفت هي تنظر إليه بدهشة ..كاد في تلك اللحظة أن يقفز ليعتصرها بين ذراعيه ..
طفلته العزيزة ..
لقد كبرت ..
و لكنه لم يرد إخافتها ..
ابتسم ابتسامة كبيرة .. رؤيتها بزيها المدرسي تقف هناك و قد عقد شعرها في ضفيرة صغيرة ..
بعثت فيه الفخر ..
.
.
.
كم هي حلوة هذه الطفلة ..
تقدمت ببطء شديد ..
لا خوف من هذا الغريب فجدتها و ذياب الصغير عنده ..!!
نظر له بعينيها الواسعتين تقف في مواجهته تماما ..
و هو ينظر لها بحنان كبير ..
بينما ذياب الصغير بدأ يتقافز في حضنه الآن يريدها أن تلاعبه ..
و يناديها باسمها ..
- سمي .. سمي ..
فأطلقه ذياب نحوها .. لتتلقفه هي بيدها .. فتمسك يده ..
ما زال هذا الغريب يشغلها ..
تنظر له قبل أن تقول ببساطة و التعجب على وجهها ..
- منوه انته ؟؟؟؟؟!!!!
نظر ذياب إلى أمه لولهة قبل أن تجيب هي ..
- شما .. هذا ابوج .. سلمي عليه ..
.
.
.
بدت الطفلة كالضائعة للحظات .. تنظر لجدتها ..
قبل أن تتساءل مرة أخرى ..
- ابوي شرات عمي عيسى ابو دابي ..
هزت الجدة رأسها موافقة ..
.
.
أما شما فكانت ردة فعلها غريبة ..
إذ صفقت بيدها فرحة و هي تصيح ..
- انته كنت بعيد .. عمي عيسى قالي ..
هز رأسه ذياب ..
- هيه ..
- الحين رديت ..
- هيه ..
- خلاص بتم عندنا للأبد ..
فضحك ذياب و قال بصدق يقطر من صوته ..
- للأبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــد ..
الجدة تقول مجددا ..
- شما سلمي على ابوج ..
نظرت له الطفلة .. تبتسم الآن ..
تقبله على وجنته بخفة .. يغمض عينيه مع دفق المشاعر الذي جرى في عروقه ..
عندما لامست شفتيها وجهه ..
لم يستطع ردع نفسه الآن .. فاحتضنها بقوة .. لتتعالى قهقهتها السكرية ..
.
.
دوما يمكن للأطفال زرع البهجة وسط أحزاننا ..!!
.
.
شعر بشيء يشده من الأسفل ..
فنظر بدهشة ليجد ابن أخته الصغير يدس رأسه مقلدا لإبنته ..
فضحك هو الآخر ..
و ضحكت أمه بهدوء .. و دموعها ترقرق في مقلتها ..
.
.
و من بين الضحكات تناهى له صوت ابنته و هي تتساءل ببراءة ..
- ابوووووووووووويه .. تعرف تلعب كرااااااش ؟؟!!
.
.
.
.
.
.

كم هو جميل العودة إلى الديار ..!!

.................................................. ..........................................


تحركت إشارة السهم لتقع على كلمة ( إرســـال )
.
.
ليعود إلى الخلف فيتساند على ظهر الكرسي ..
كان اليوم غريبا جدا .. بدونه ..
لم يلتقيه في المسجد ظهرا .. و كان مقعده على مائدة الغداء خالي ..
.
.
.
تبادرت لذهنه صورة قديمة ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
- شوه أكثر شي يخوفك ..
صمت سيف لبرهة .. قبل أن يقول بغموض ..
- أكثر شي يخوفنيه .. إن الكتب لي طلبتها .. ما توصل المكتبة يوم الثلاثاء ..
.
.
.
.
.
.
.
.
كــــــــــــــــــــــــــــــــــاذب ..!!
أكثر ما كان يثير ذعره .. هو فكرة أنه سيجد نفسه يوما ما هنا لوحده ..
و قد اتخذ كل واحد منهم طريقه ..
أكثر ما كان يخيفه .. أن ينسوه في زحمة الدنيا .. فلا يجدون فسحة صغيرة لذكره ..

.
.
تحققت مخاوفه ..
ها قد مضى كل منهم في طريق .. مخيرا كان .. أو مسيرا ..!!
.
.
الخوف كل الخوف .. أن يطوى الآن ..
مع الأحزان ..
خلف الذاكرة ..
.
.
أحبهم .. جدا ..
و اشتاق لهم ..
لا يريد أن يبدو أنانيا ..
و لكن كم يتمنى أن يعودوا كما كانوا قبلا ..
يريد أن يراهم مجددا ..
اشتاق لعبدالخالق ..
.
.
و سالت دمعة خائنة مسحها بسرعة ..
لا يجب أن يضعف ..
عليه أن يحبس الألم في صدره .. ليحترق وحده ..
فلا من مطفئ لهذه النيران ..
.
.
.
.
.
يشعر بأنه يذوي ببطء ..
كشمعة باهته .. في مهب الأحزان .. و الظلام ..!!
.
.
أما من دواء لهذا الجرح المتفاقم ..
فقد بدأت روحه في الذبول ..!!!

.................................................. .......................................


أنهت المحادثة بابتسامة كبيرة استقبلت بها أختها التي دخلت للتو من الباب قادمة من الجامعة ..
القت بجسدها على أقرب أريكة و هي تسلم ..
- آآآآآآآه .. السلااااام علييييييكم ..
حمدة ترد بهدوء .. و ابتسامتها ما زالت مرتسمة على شفتيها ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. شكلج تعبااانه ..
- آآآآآآآآه لا تخبرين .. هلكتنا هالجامعة ..
- هانت .. ما بقا شي
- اييييييييه .. الله كريم ..
- بتغدين ..
- نوو .. بسير أبدل و أرقد عسب أنش العصر و اخاويج قدا حسنا ..
اتسعت ابتسامة حمدة ..
- خلاص كنسلنا ..
عذابة بعجب ..
- ليش ..
- ما بتصدقين ..
- شوووه ..
- ذياب خوها ..
عذابة تضع يدها على صدرها بخوف ..
- بلاه ..
حمدة تقوم من مكانها و هي تتجه لأعلى ..
- طلع اليوم من السجن ..
- كيف باقي له سنة ؟؟!!
- عفو من الشيخ خليفة بن زايد ..
قفزت عذابة تصفق بيدها سعيدة ..
- يااااااااااااااااااااااااااااااي .. الله يطول بعمره .. أكيد حسنا ميته من الفرحة ..
حمدة تجيبها ..
- الا ميته صيااح .. هب مصدقة ..
- حليلهم ..
- بتغدين ..؟؟!
- دقايق .. ببدل و رادة ..
و تقافزت على درجات السلم الكبير بمرح ..
.
.
.
ابتسمت حمده ..
كانت سعيدة لسعادة صديقتها ..
حقا سعيدة ..

.................................................. ..........................................


أوقف سيارته في كراج المنزل الصغير بجانب السيارة المغطاة بغشائها الكحلي العملاق ..
ما زالت في سباتها إلى أن يعود صاحبها ..
أطفأ محرك السيارة .. و تناول من المقعد الخلفي كيس نايلون مليء بالحلوى كان قد وعدهما به ..
أغلق باب السيارة أوتوماتيكيا ..
و تقدم يجتاز المسافة إلى الصالة بقامته الطويلة ..
يرتدي ملابس العمل ..
بدا مميزا جدا ..
.
.
.
.
.
يتقدم بهدوء .. لن يتمكن من خلع ملابسه و لا تناول طعامه ..
إلا بعد ملاعبتهم .. ذلك لا يضايقه أو يزعجه ..
يعشق مجالستهم ..
.
.
.
أمام الباب الآن ..
يريد فتحه ..
أي مفاجأة تنتظرك خلفه يا عيسى .......؟!!

.................................................. .................................................
.
.

يتبع
.................................................. ...........

تتمـــــــــــــــــــــــــة



أدار أكرة الباب .. ليفتحه .. و يدلف إلى الداخل ..
.
.
.
كان هدوء غريب يسود المكان ..!!
لا صراخ الطفلين .. و لا تذمر زوجته المحبب ..
و لا توصيات الجدة ..
.
.
الصمت هنا ..
تردد صداه الجدران ..
تحرك ببطء و توجس .. فتناهى لأذنيه أصوات صادرة من حجرته ..
ابتسم بخبث ..
لابد أنهم هناك الآن .. حسناً .. لن يضر قليلا من اللعب ..
التقط من المشجب الذي خلف الباب عباءة عمته ..
ليجثو على ركبتيه و يرميها عليه فتغطيه بأكمله ..
يحبو إلى الغرفة .. يدفع بابها بخفة .. لتعلو الأصوات ..
.
.
.
ثم يسود الصمت ..
.
.
.
ما زالت العباءة السوداء تغطيه ..
و ما زال يحبو على ركبتيه .. ليتسلل ببطء ..
لم يرهم و لكنه يعلم أنهم هنا ..
لذا يقول بصوت غليظ مرتفع ..
- وااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااع .. يااااااااااااكم الحرااااااااااامي .. تعااااااااااالوووووووووو بااااااااكلكوووووووووم
.
.
و لكنه لم يسمع صرخات الخوف المعهودة ..
بل سمع ضحكات مكتومة ..
و شعر بالعباءة تسحب من فوقه ..
نظر لمن يقف أمامه ..
كانت شما تهز رأسها بعدم رضا و هي تقول ..
- عمي عيسى فظحتنا قدام ابوووووويه ..
.
.

لم يفهم للحظة ما الذي تفوهت به ..
و لكن الكلمات التالية ..
.
.
- عادي شمامي .. عمج عيسى من عرفناه و هو خبل ..
ثم تبعت جملته الضحكات ..
.
.
لكن عيسى لم يضحك ..!!
كان ما يزال على ركبتيه .. و عينيه إلى الأرض ..
.
.
هل خيل إليه أنه سمع ذاك الصوت ؟؟!!
.
.
في تلك اللحظة .. اشتعلت شمعة أمل في قلبه ..
.
.
كان خائفا ..
خائفا من أن يرفع عينه فيجد أن ذلك لم يكن سوى وهما ..
.
.
لذلك قال بصوت خافت .. خشية أن تكون تلك هلاوس ..
- ذياب ؟؟!!
.
.
ثم استمع لتلك لخطوات تقترب ..
لتقع عينه على قدمين ..
.
.
يعلم جيدا أنها ليست لزوجته أو أمها أو أحد الطفلين ..!!
.
.
رفع رأسه .. ليراه واقفا فوقه .. يبتسم ببساطة ..
مد ذياب يده .. ليمسكها عيسى فيساعده على النهوض ..
.
.
ثم جذبه ليحتضنه بشدة ..عيسى ما زال فاقدا القدرة على النطق ..
بينما ذياب يقهقه بصوت عالٍ .. لم يكن ليفاجئ عيسى بموقف أفضل من هذا ..
.
.
أصبح عيسى يشاركه الضحك ببساطة .. و هو يستوعب الموقف الذي مر منذ لحظة ..
.
.
.
.
.
.
.
.
كانت سعادته تفوق الوصف ..
ها هو الآن .. بعد سنوات ..
قد حط الرحال ..
وصل حيث ينتمي ..
للديار ..!!

.................................................. .................................................. ..............


كانت تمسك بكوب الماء تعتصره بين أصابعها الرفيعة بشدة ..
بدت متوترة .. و غاضبة بعض الشيء .. و لكن الهدوء هو صوتها حين قالت ..
- ليش تسألين ..
.
.
عذابة من خلف طاولة المطبخ المستديرة ..
- من حقي أسأل و إلا شوه رايج ..
حمدة تنظر للأسفل .. و لا تغفل عذابة عن ارتعاش يدها الخفيف ..
- و ليش تسأليني أنا ..
ترد هي بحيرة ..
- مادري .. بس كان سرت و تخبرت أمايه .. و إلا محمد ... و إلا حتى خاليه سعيد .. بس حسيتج انتي اقرب وحدة لي .. مادري حمدوه .. بس و الله أنا ابا أعرف السالفة بالتفصيل .. يعني من حقيه انيه أكوّن فكرة عنه .. غير الصورة المبهمة لي أشوفها ..
حمدة بعجب ..
- لي ابا افهمه ليش الحين بالذات .. سنين و ....
- حمدوه .. جاوبيني .. ردي على سؤالي .. ابا اعرف التفاصيل .. ليش .. كيف .. و معقولة طول هالسنين ما سأل عنا ..؟؟!!
جلست حمدة على الكرسي الخشبي ذو الظهر المرتفع المقابل لأختها .. وضعت الكوب الزجاجي أمامها
- عذابة .. مادري شوه أقولج .. بس و الله انا شراتج ماعرف شي .. كل لي أعرفه ان ابوية يوم ولدتي سافر .. و أبطى .. و بعد أربع سنين رد البلاد .. يلس ويانا ست شهور خلاف سافر مرة ثانية .. و أمايا كانت حامل .. و يابت سلطان .. وين راح . . و ليش ما رد هذا في علم الغيب .. أظنيه حتى امي ما تعرف .. بس يوم كان عمر سلطان اربع سنين .. خاليه سعيد رفع قضية عليه و طلقوا اماية غيابي ..
عذابة تراقب أشعة الشمس المتسللة من نافذة المطبخ ..
- اهااا .. انزين أنا احيد امايا مرة قالت انه عدنا اعمام ..
حمدة تحرك الماء في الكوب بشرود ..
- هيه ثنين .. بس من سفرة بوية لولية ما سمعنا بهم ..
- و محد يعرف وين سكنون ..
- لا .. الحين ابا اعرف ليش الاسئلة ..
عذابة تنظر لها مباشرة ..
- ماشي بس كنت ابا اعرف أكثر ..
حمدة بشك ..
- فجأة يتج هالرغبة في الاستفسار ؟؟!!
التزمت عذابة الصمت .. و نظرت لعيني حمدة الجميلتين ..
لم تكن تعلم لما ولدت هذه الرغبة في داخلها فجأة ..
.
.
.
تخيلت فقط يوم زواجها ..
أين سيكون هو من كل هذا ؟؟!!!
.
.
- انزين حمدوه ..
تدير إصبعها على حافة الكوب ..
- هممممممم ..
بدت مرتبكة الآن ..
- أبا أفتح وياج موضوع ..
- دقيه اول ..
ابتسمت عذابة .. بداية موفقة ..
- آآآ .. حمده .. تعرفين انتي ختيه .. اقرب انسانه ليه .. و الله اقرب حتى من ساروه .. أحب ارمس وياج .. و افضفض لج .. أحب اطفربج و امزح .. ارتاح يوم ايلس انا وانتي .. و نرمس ..
ضحكت حمدة برقة .. ضحكة ترقرقت كماء النافورة الصافي .. يتغلغلها نور الصباح ..
- الحين كل هالمقدمة ليش .. ادخلي غاز .. خخخخ صلب الموضوع ..
.
.
كانت حمدة ترى القلق في عيني عذابة .. بدت و كأنها خائفة من قول ما تريد .. لذلك قالت بهدوء ..
- عذوبي قولي لي فخاطرج .. لا تخافين ..
عذابة بنبرة طفل توسلية ..
- حمدووووووتي .. ماباج تزعلين منيه ..
هزت حمدة رأسها بهدوء ..
- ما بزعل ..
بشك ..
- متأكدة ..
- هيه ..
- مهما كان الموضوع ..
- اوووووففففف .. عذوب بترمسين و الا بسير اشوف لي شغله ترانيه هب فاضية لحركاتج ..
نهضت عذابة من مكانها .. و دارت حول المائدة لتجلس بجانب شقيقتها ..
.
.
بدا الاهتمام على وجه حمدة الآن .. و هي تنظر لعذابة مباشرة ..
.
.
.
حين تكلمت عذابة .. تكلمت بصوت غريب ..
بدا صوتها رغم خفوته قويا ..
.
.
مآزرا ..
.
.
- حمده .. انا دوم أيي و اخبرج لي فخاطرية .. هذا مضايقنيه .. و هذا مطفربيه .. و هذا فخاطريه .. و هذا ماباه .. اشكيلج .. و احشرج .. و أنت حتى لو كنتي مشغولة .. تعبانة .. متضايقة .. تسمعينيه ... بس أنا ماقد خبرتج بعلة فواديه .. فيه شي وايد قاهرني .. ذابحنيه .. مادري اذا كان عندج له حل ؟؟!!
- شوه ؟؟!!
- ابا أعرف .. ليش .. و شوه السبب .. اباج تردين عليه .. حمدوه ..
.
.
صمتت للحظة قبل أن تقول ..
.
.
- ليش انتي كذيه .. مبتسمة .. و انت حزينه ..؟
.
.
كانت حمدة تسند فكها بكفها و ذراعها على الطاولة ..
ارتعشت أهدابها للحظة ..
ثم ابتسمت ..
كانت ابتسامتها هادئة ..
- امنوه قالج انيه حزينه ..
عذابة لم تعجبها هذه الابتسامة ..
- محد قاليه .. انا بروحيه أحس .. أحس انج منطوية .. احسج مغبونة .. وااايد تسرحين .. أحس فخاطرج شي عود ميودتنه عنا .. حمدوه .. عمريه ما سمعتج تشكين .. و الا تقولين شوه لي فخاطرج .. أحسج أحيانا وااايد بعيدة .. تاخذين منا هالهموم .. و لاقد عطيتينا .. أحسج قداميه .. بس بيني و بينج مسافات .. حمدوه غديتي شرات الغريبة ..
و ضعيتج أنا في زحمة أيامي ..
.
.
.
و خذلتها تلك الدمعة اليائسة ..
قلب حمدة يستغيث .. لم يعد يحتمل عنادها ..
مكابرتها .. و مقاومتها ..
لم يعد يحتمل الكتمان ..
و عينها تآزره .. ها هو بصيص من النور .. قد يعلم أي يأس يسكننا ..
قد يخلصنا ..!!
.
.
.
أصاب الخوف قلب عذابة .. تأكدت الآن من أن بأسا بأختها ..
- حمدوه .. حبيبتي .. شوه فيج .. خبريني .. رمسيني .. ابا افهمج .. افتحي قلبج .. انا ختج .. و لا تشوفينيه صغيرة .. حمدوه طلعي لي فخاطرج .. محد يكتم احزانه .. و الا بتخنقه ..
مدت يدها لتمسك بيد حمده ..
.
.
.
مدت حمدة أناملها لدمعتها الشقية بعتب .. لم يكن هذا المكان لك يا دمعة .. فلما الخروج ..؟؟!!
مسحتها بقوة .. و نظرت لعيني عذابة .. ليس من مفر الآن ..
لها أن تسكب القليل هنا .. فلن يضريها ذلك ..
.
.
.
- ماشي عذوب .. بس أحس انيه ضايقة .. مادري ليش .. أنا اعرف انه كل شي قسمة و نصيب .. و ربج يرزق بغير حساب .. بس عذوب انتي تعرفين وين المشكلة فما فيه داعي تسوين عمرج هب فاهمة .. أنا الحين تسعة و عشرين سنة .. و هب معرسة .. عيون العرب كلها عليه .. شوه من عيب ميلسنها في بيت امها الين الحين .. و الله اضيق مرات .. يوم أشوف حد فمكان عام .. هاي تتخبرنيه معرسة .. و هاي تتنشد كان عنديه عيال ..
.
.
مدت يدها للأمام بعجز ..
- أنا كم و كم بسكت .. و الله ناس قريبة منيه شرات ربيعاتيه .. و ناس بعيده بس معارف .. فضول كلن يبا يعرف .. انا من وين لي لكل واحد منهم رد دبلوماسي .. احس مرات انيه ابا اشق ثيابيه .. يا ناس .. و الله ما بيه عيب .. بس رب العالمين ما كتب ليه الين الحين .. عذوب يمكن الحين ما بتفهمينيه .. بس و الله شعور واايد قاسي .. أنا هب منطوية .. بس أتجنب الناس .. الرمسة ما تنتهي .. و انا ما بروم عليها .. فاخيرليه .. مكانيه .. ايلس فيه .. محد يتنشد و محد يدري بي ..
.
.
كانت دموع عذابة تنساب ببطء الآن ..
شدت حمدة على يدها عندما رأت تلك اللآلئ تنحدر على وجنتها البيضاء ..
كافحت لترسم ابتسامة على شفتها ..
.
.
- عذوب فديتج .. ليش هالدموع .. أنا الحمد الله راضية ..هذا نصيب .. و يمكن الله كاتب لي شي خافي بيبين مع الأيام .. يمكن فيه شي أكبر يرقبنيه .. دوم نحن تعاكسنا الأقدار .. و تييب لنا شي ما نتوقعه .. أنا أعرف إنه ربيه ما بيخيب رجاي .. حتى حسنا دومها تقولي .. إنه من أحسن الظن بالله .. أحسن الله الظن به ..
.
.
و اتسعت ابتسامتها .. و تألقت عيناها بدموع حبيسة ..
لن تسيل ..!!
و همست ..
- عذوب و الله فداخلي احساس يقولي ان ربي بيفرجها قريب .. كم من لايام مرت و انا صابرة .. اشوف ربيعاتيه .. يعرسن .. و عندهن عيال .. انا اعرف .. و متأكدة أنه بيي يوم و بيمر عليه لي يمر عليهن ..
.
.
مسحت عذابة دموعها بظاهر كفها ..
- حمدوه .. ليش ما خبرتينيه كل ها من قبل ..
.
.
احتوتها حمدة بين ذراعيها ..
- لنج ما بتتحملين .. انتي همومج و ما ترومين لها .. شوه بيصبرج على أحزان الغير ..
.
.
تسند رأسها على صدر أختها .. ما زالت الدموع تتصاعد في حلقها ..
تلك غصة .. في القلب .. لن تزول ..
.
.
- و انتي شوه لي بيصبرج .. و هاليأس كله فصوته ..
.
.
تلك دمعة لم تكن في نطاق رؤية عذابة ..
.
.
أهملتها حمدة بحرية و هي تقول ..
.
.
- الأمــــــــــــــــــــــــل ..!!
.
.
.
أين الأمل وسط عاصفة اليأس الكاسحة تلك .. ؟؟!!
.
.
قلب من ماس يا حمدة ..
يصعب كسره بالأحزان ..

.................................................. ..................................................


مسترخي على كرسيه ببساطة .. و هو يرفع قدميه على الطاولة ..
.
.
كانت مناوبته في المستشفى على وشك الانتهاء .. فلم يتبقى سوى نصف ساعة ..
و يجلس الآن في مكتبه بعد الغداء .. يستمتع بالهدوء ..
.
.
و التفكير
.
.
في الحقيقة انصب تفكيره في مجرى واحد ..
تلمس جانب وجهه ..
الجزء البارز تحديدا ..
يمرر أطراف أصابعه ببطء عليها ..
.
.
و صورتها و هي تشيح بوجهها عنه ..
ما زالت تدور في مخيلته ..
.
.
بالأمس فقط حدثت ..
بدت له بعيدة منذ دهور خلت ..!!
سرمدية ..
بلا ملامح ..!!
.
.
كثيرا ما التقى بها في بيت ذياب .. و لكن من بعيد ..
و صادف أهلها .. و فصلت مسافة بينهم ..
.
.
.
و لكنها بالأمس ..
كانت مختلفة ..
.
.
توشحها بالسواد ..
ضعفها الذي تغطيه بالعنفوان..
و القوة الزائفة ..!!
.
.
تلك الطفلة المدللة ..
التي لم تحتمل رؤيته للحظة ..
لم تمر قط بالذي مر به في حياته ..
و ليس في فكرها و عقلها المحدود أدنى فكرة عما تعنيه المعاناة ..
.
.
يضع أحد قدميه على الأخرى ..
و يتنهد ..
.
.
ما يثير حنقه بحق ..
هو احساس خفي .. بدأ يراوده ..
.
.
لا يمكنه الإنكار بأن تلك الفتاة قد أثارت إهتمامه ..
ضعفها .. و هوانها ..
ثم تظاهرها بالشجاعة .. في لحظات خوفها ..
حركت في داخله شيء دفين ..
.
.
قديم ..
قد علاه غبار النسيان ..
.
.
و ظن أنه مات لفترة ..
و لكنه بدأ يشعر به يبدأ في التحرك .. الإشتعال ..
.
.
هز رأسه ينفض تلك الأفكار الخرقاء ..
و نظر لساعته متجاهلا كم المشاعر المتدافعة ..
تشير الآن للرابعة عصرا ..
و اليــوم هو الأربعاء ..
سيصلي العصر في مسجد المستشفى .. ثم سينطلق نحو بيت ذياب ..
فأخوه اليوم يعود ظهرا .. يمكنه الإطمئنان على حسنا ..
ثم العودة إلى البيت ..
.
.
عليه أن يقضي بعض الوقت مع عائلته ..
.
.
.
.
.
كان يحشو رأسه بالأفكار لكي لا يترك لنفسه مجالا ..
فيفكر في ما لا يمكن بلوغه ..!!

.................................................. .................................................. ........


ينظر لإنعكاس صورته في المرآة .. و يعدل من وضع - الغترة - ..
أراد أن يبدو بأحسن صورة .. فقد وُعد اليوم بشيء مميز ..
كان يترنم بأغنية أجنبية ..
.
.
ارتفع رنين هاتفه فجأة ..
فالتقطه بلهفة ..
- مرحبااااا .. حييه .. عند الباب ؟؟!! .. يا الله نازلك ..
.
.
حمل المحفظة و هاتفة ..
و أخفى في جيبه ..
.
.
علبة السجائر ..!!
.
.
يسرع خارجا .. لا يريده أن يطيل الإنتظار ..
و أثناء سرعته يصطدم بها ..
.
.
عذابة بحمق ..
- ياخي انته دوووم كذيه .. حاسب .. شوف قدامك ..
رد عليه بنبرة لا مبالية ..
- ما عندج سالفة ..
و واصل طريقة فيما هي تغلي في مكانها ..
وصل للسيارة الفاخرة التي تنتظره في الخارج ليستقلها بسرعة ..
- سلام ..
ردوا الثلاثة السلام ..
استغرب هو هذا الوجه الجديد ..
فسارع صديقه يقول ..
- سلطان هذا علي بن مترف ..
بدا الفتى أكبر عنهم بكثير .. خمن سلطان أنه قد تجاوز العشرين ..
اذ قال الشاب بغرور ..
- مرحبا بو مييد .. السهرة اليوم على حسابيه .. عازمنكم ..
و أظهر ابتسامة صفراء لم يرتح لها سلطان كثيرا ..
.
.
من أين أحضر فهد هذا الشخص ..!!

.................................................. .................................................


اتسعت ابتسامته و هو يراقب أخيه و ذياب و قد استعدا للسباق
حمل ذياب ابنته على ظهره .. و عيسى ابنه الصغير .. ووقفا في أقصى طرف - للحوش -
بينما جلس هو و ام ذياب و زوجة أخيه تحت شجرة الليمون حيث يمثل خط النهاية ..
.
.
انطلقوا راكضين فجأة نحوهم .. وسط قهقهات الطفلين ..
و تحذيرات الجدة ..
و بلغ عيسى الشجرة أولا ثم راح يقذف ابنه للاعلى محييا .. بينما استلقى ذياب و وضع رأسه على ركبة أمه ..
يبتسم ..
قالت حسنا ..
- خطير يا بو شما انته وعضلاتك .. غادي مايكل تايسون ما شا الله ..
ضحك ذياب ..
- احسن ع ريلج و كرشته صح ..
ضحك سلطان في حين قالت و هي تنظر بامعان لبطن زوجها ..
- لا و الله فديته ريليه ما فيه كرشه ..
التفت لها سلطان ..
- خلي عنج .. بس عين الحب تعمى عن العيب .. خبرينيه شوه تانسين الحين ..
بامتنان خالص ..
- احسن و الله .. الحمد الله ..
.
.
كان ذياب و أمه و عيسى يتحدثون عن - العزيمة - التي ستقام غدا بمناسبة عودة ذياب ..
.
.
استغل سلطان انشغالهم ليسأل حسنا بصوت خافت ..
- تغير ذياب ...
تنظر لأخيها بهدوء ..
- وايد ..

.................................................. .................................................. .


تقول بطفولية و هي تميل عليه ..
- نوور البيت يا بو جسيم ..
ابتسم .. و ارتشف جرعة من الشاي ..
- منور بهله ..
حمدة و هي تجلس مقابله ..
- طولت علينا هالمرة .. اسبوعين ..
- شوه اسوي .. كان عدنا طواري .. الا امايا وينها ..
عذابة تمط شفتيها ..
- يعني عصر وين بتكون .. عند خواليه ..
- أهاا .. و سلطان ماله شوف ..
- سلطان ظهر ..
عقد حاجبيه ..
- وين ..
- مادري بس قبل صلاة العصر ..
نظر لحمدة ..
- يذاكر ؟؟!!
- مادريبه و الله يقول .. بس محمد دوم يظهر .. رمسه خله يهم عمره شوي ..
عذابة تقول بسرعة ..
- محمد ما قلنالك ..
- شوه ؟؟!!
حمده بهدوء ..
- ذياب بن عبدالله ظهر من السجن ..
.
.
- فــــــــــــــي ذمتـــــــــــــج ..؟!!!!!

.................................................. ..............................................


دفع يده الممدودة في وجه ..
- أنا مادخن الا ملبورو ..
ابتسم علي بخبث ..
- انزين جرب ..
ما زال سلطان مصرا ..
- ماريد ..
.
.
تحدث فهد الآن ..
- خلاص علي .. الريال ما يبا خله ..
لكن علي رفض ترك سلطان ..
- شوه خايف ..
- لا ..
- محد قالك تعود عليه .. هذا عسب يظبط امورنا الليلة .. صدقني ما بتندم ..
- ياخي قلتلك ماريده .. لاتم تحن عليه ..
و نهض من مكانه ليجلس بجانب فهد ..
.
.
.
رغم انصياعه لبعض الأمور .. الا أن هناك خطوط حمراء يرسمها ..
لا يحلم أبدا بتخطيها ..!!


.................................................. ...............................................


بعيدا جدا ..
.
.
استلقى ذاك الرجل على فراشه في الظلام ..
لا يشعر بالنعاس ..
.
.
و يدرك جيدا أنه لن ينام هذه الليلة ..
و الفراش في الأعلى خاليا من صاحبه ..
.
.
ذياب ..
أتمنى حقا أنك وجدت الراحة الآن ..!!

.................................................. .............................................

و على سريره استلقى هو بعد يومه الطويل ..
كان يشعر بفراشه غريبا عليه ..
لم يرغب بالنوم الآن ..
أصبحت الحرية الآن له ..
و لكنه شعر بها كقيد آخر ..
.
.
اليوم وجد الكثير من الأشياء قد تغيرت ..
شعر بنفسه غريبا بعض الشيء .. يعلم أنه يحتاج للكثير من الوقت ليعود إلى ما كان عليه ..
.
.
و لكن هل يريد العودة كما كان في السابق حقا ..؟؟!!
.
.
اغمض عينيه بقوة ..
.
.
الآن و بعد أن خلد الجيع للنوم ..
و أوى هو لغرفته ..
شعر بوحدة غريبة ..
لمــــــــــــــــــــــــاذا ؟؟!!


.................................................. .......................................


و قريبا من هناك ..
فتحت نافذتها على مصراعيها .. تدعو النسائم الليلة برحابة أن تتفضل هنا ..
فتدخل تلك بجرأة ..
لتطأ أرضها الآمنة ..
فتحرك الستائر ..
و خصلات شعرها الثائر ..
.
.
و تنثر أوراقها ..
لتلملم هي بقايا شتاتها ..
بأحرف تخطها من الصميم ..
.
.
.
تتلفظها أنامل حالمة ..
فلا يرد صمت الورق صداها ..
.
.
صمت

وحدي والليل الحزين
وصمت يفتح ابواب الحنين
يرسم صور اللقاء
كبريق نجم يقاوم الافول
او كرفة جناح طائر يحتضر

صمت

احضن نفسي
واطوق رقبتي
بذراعي
وانهمك في نحيب
طويل
اريد ان اخرج
مابي من هموم
انتزع كل مافي داخلي
من الم واسلمه
ليد النسيان
فيقهه الامل
راسما
علامة الخذلان

صمت
الم
كبركان
كجب ينضح بالسراب
جراح كاعماق البحر
هواجس كموج يغيض
لهفة الشطئان المترامية
في لظى الهجير
ملجمه شفاهي
بكف الصمت
امارس البكاء
على كتف الوحدة
لعل الدمع يزيل عن
عيوني غبش الشك
او يذيب جمود النظر
صمت لا يقطعة
الا هذا الانين
و زفرات الشجن
كيف
اعود انا *
.
.
.
.
.
.
.

تطوي الآن أوراقها بحلم ..
.
.
رقة ..
.
.
حمدة ..
يا قلبا .. يحمل ما لا يحتمل ..
أَو إقترب المصير ....؟؟!!

…………………………………………………………………….

* صمت / للمبدعة سلوة الخاطر

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اعياد بلا فرحة, قصة للكاتبة ليتني غريبة, قصص اماراتية
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 06:14 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية