كاتب الموضوع :
وسام الحب
المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
مر شهر بعد تلك الليلة وأنا على نار الانتظار ...مااصعب ذلك الشهر ومااقساه ..لا احد استطاع أن يقترب من المقر أو حتى من كل المنطقة .. بل أعلنها الجيش الإسرائيلي منطقه عسكريه مغلقه وبقيت قواتهم متمركزة بها..وقامت بتجريف كل الأراضي الزراعية والبيوت وقامت بترحيل سكانها .....شهر كامل وأنا لا اصدق ماحدث في تلك الليلة..لم يفارق المحمول يدي ..لعل وعسى أن يرن إيذانا بمكالمة طال انتظاري لها..ولكنها لم تأتي .......
شهر من الانتظار والترقب والقلق ...ادعيت فيه التماسك أمام أطفالي وأنا منهارة بداخلي بل وصلت خلال ذلك الشهر إلى أقصى درجات الانهيار النفسي والمعنوي ....أنام ولست بنائمة ....لقد اختبرت في هذا الشهر نوع جديد من النوم كنت اسمع عنه لكنني لم اصدق بأنه موجود ...تنه النوم والعيون مفتوحة الله مااصعب ذلك الشهر
اتصال كنت انتظره بفارغ الصبر قائد اللواء الجنوبي يخبرني فيه بأن القوات الاسرائيليه انسحبت ليله أمس على الساعة الثانية ليلا وان قواتنا جاهزة لدخول المنطقة..قاطعته(( وإنا معكم ..لازم ادخل معكم...وأنا بانتظارك ياام محمد .)).رد قائلا ...تركت أبنائي في البيت نائمون فالساعه مازالت 8 صباحا ...تقابلت مع قواتنا عند أول المنطقة المحاصرة مع ثلاث سيارات إسعاف و5 سيارات لقواتنا الوطنية ....دخلت معهم انظر حولي بذهول ...لقد تم تجريف المنطقة عن بكره أبيها ...الأشجار والأراضي المزروعة والحقول حتى بيوت المزارعين وأقفاص طيورهم لم تسلم من من أيديهم القذرة ورائحة الموت منتشرة في كل مكان ...توجهنا نحو المقر المهدم ..وقفت وأنا استمع إلى كلام طبيب الإسعاف عن تحلل الجثث وتفككها بعد مرور كل تلك ألمده وخصوصا بأننا في شهر الصيف .((..من أين نبدأ؟؟؟...سأل العسكري ...وين كانوا متمركزين في أخر اتصال له معك ياام محمد ....أجبته على الفور : كانوا في مصلى الكتيبة ابومحمد وعساكره الستة .))..بدأو في البحث في الجهة الغربية من المقر كلما زاد رفع الأنقاض زادت رائحة غريبة لم أشمها من قبل فلم تكن لا رائحة الموت ولا رائحة العفن سألت.( شو هالريحه)) ...رد القائد ..((.رائحة الشهداء كنت أشمها أيام اجتياح الإسرائيلي على بيروت.))....سبحانك ياربي مااعظمك ومااعظم قدرتك ...صوت أخرجني من تأملاتي .((.لقيناهم.))..أسرعت لمكان النداء والضابط يرجوني ((...استني يابنت الحلال ))..قوة غريبة جذبتني لذلك المكان ..نظرت بقوه وتضاربت بداخلي كل المشاعر مشاعر القلق والارتياح والانتظار والشوق لرؤيته ...انه هو...زوجي ببذلته العسكرية ..عمود الخرسانة ساقط على صدره ..مبتسم الوجه..شاخص العينيين نحو السماء ....في يديه اليمنى المحمول وفي يده ا ليسرى صورة أبنائي الثلاثة مع قطرات قليله من دمائه الزكية وسبابته اليمنى رافعه بالشهادة ...سحبت الصورة من بين أصابعه وأزلت الغبار عنها... فعلا أنها صورة أبنائي ..نظرت إلى السماء وهمست بصوت خافت الحمد لله.....شعور بالارتياح غمرني لم اعرفه من شهر كامل ..اسودت الدنيا في عيوني وسقطت مغشيا علي........
استيقظت في المستشفى وأول ماشمتت كانت رائحة الدواء ..حاولت التركيز فيما حولي..رأيت رجلا بشعره الأشيب ومر يوله الأبيض ..وقف إلى جانبي مبتسم الوجه : حما الله على السلامة ...انه جارنا ابوسعيد رئيس الممرضين في المستشفى العسكري أجبته بصوت خافت : ((الله يسلمك ....ها ..خلص ارتحتي)) ..ابتسمت وأنا أقول له )) نعم ارتحت ))...نظرت إليه وتمعنت في ملامحه ...كم اعشق هذا الرجل ..فهو دائما يردد على مسامعي انه والدي رضيت بذلك أم لم أرضى ....دائما أجده بجانبي في أحلك الأزمات وبالذات الطبية منها وليس هناك احد ليعرف أبو سعيد جيدا من الجيران أو العاملين في المستشفى فهو المحبوب عند الجميع رجالا وأطفالا ونساء......توجه إلى الباب ثم التفت إلي ..((.صحيح نسيت ااقولك في ثلاثة بره عازيين يشوفوك))
..ضحكت وأنا أقول له .( ألحقت تجيبهم من الدار ..خليهم يدخلوا.)).رد قائلا : قبل ماانسى بدك تطلعي الجنازة ولا...... قلت له : طبعا طالعه معكم ...طلعت في جنازات الغرباء ومابدي اطلع في جنازة جوزي ....هو وينه؟؟؟ رد قائلا : ((في غرفه الموتى ..تعالي شوفي كيف صارت ريحه المستشفى كيف صارت كأنها جنينه مليانه ورود))....رددت : سبحان الله....((.صدقيني من ساعة ماجا بته الإسعاف هو وزمايله والمستشفى أتملت ريحتها بالمسك.)).
خرج أبو خليل ودخل أبنائي الثلاثة ...ابتسمت في وجوههم قبلني ابني الكبير ونظرت إليه : عمرك 9 سنين بدك تتحمل المسؤولية بدري ياحبيبي ...اقترب إسلام والبالغ من العمر 6 سنوات وهو يقول )) وأنا كمان بدي اسلم على ماما ....ماما أنتي بخير..آه أنا بخير لا تخافوا علي ... وأخيرا اقتربت فاكهه المنزل ابنتي سوسو حملها حمادة ووضعها على قدامي .((.ماما أنتي بتحبيني ؟؟؟ آه بحبك....أخرجت لسانها لإخوتها : ماما تحبني أنا ....سألني حمادة(( لقيوه بابا؟؟...((.آه لقيوه هو هلقيت في الجنة)) احتضنتهم بذراعي وضممتهم إلى صدري.((..ياحبايبي ..لاتخافوا أنا موجودة وما راح اسيبكم أبدا)) ...رد حمادة : ((لازم نسمع كلام ماما علشان بابا يرضى علينا)) ...إسلام : ((هو هلقيت يشوفونا من الجنة صح؟؟.... ايوة..صح..الله يرضى عليكم ويخليكم إلى ...يارب
رجع ابوسعيد فسألته )) كانت في يدي صورة وينها؟؟؟)) رد : ((بتلاقيها تحت المخدة)) ..مددت يدي وأخذتها بدون أن ينتبه أبنائي فقد حمل أبو سعيد سوسو على أكتافه وقال لها)) شو رأيك نروح نشوف بابا ))
ذهبنا إليه وهو مسجى على سريرا في الغرفة....قبله أولادي على جبينه ونظرت إليه نظرة الوداع الأخيرة..رتبت خصلات شعره واعدتها إلى مكانه ..مازال كما هو بلباسه كما خرج أخر مرة من المنزل التفت إلى أبو سعيد : ((ماراح يغسلوا؟؟)) ..رد قائلا: ((الشهيد مابيغسلوا يظل زى ماهوا))...أغمضت عيوني قال ابوسعيد)) ها ..مابدي أشوف دموع في عيونك ))...فتحت عيوني .((.أنا...مافيش دموع خالص ...مااصعب الانتظار ..شهر وأنا بستني لحد مااعصابي تعبت ))...رد ابوسعيد )) الله يعينك ..كنت كل ليله بشوق ضوء غرفتك والع لحد الفجر وبقول الله يعنيك ويصبر قلبك))......
ازدحم المشفى بالناس ...أناس اعرفهم ....وأناس لم اعرفهم بل أراهم لأول مرة ...حضر عساكر الأمن الوطني وقائد اللواء الجنوبي وقائد الكتيبة ونائبه وجيراني الأعزاء .....خرجوا بالجاثمين في مسيرة مهيبة ..جثمان زوجي في ألمقدمه وعساكر الأمن الوطني الستة... حملت ابنتي على كتفي من الازدحام ...لكزني ابوسعيد في ذراعي وأشار إلى السماء وهو يقول ((هذه كرامه من كرامات الشهداء)) ...نظرت إلى السماء فإذا هو سرب ابيض من الحمام فقط من اللون الأبيض ترفرف فوقنا حتى وصلنا إلى المقبرة ...ازداد الازدحام ولم استطع الاقتراب حتى دفن زوجي وزملائه ....رجعت للمنزل لأجد جيراني وأحبتي بانتظاري ..فتحت أبواب بيتي ليدخلوا مهنئين لأقوم أنا بتوزيع الحلوى عليهم..........
صوت أيقظني من تأملاتي : السلام عليكم .....أي خدمه ياحجه؟؟؟
التفت فإذا بي وجها لوجه مع مجموعه من القسام وأنا واقفة أمام حطام مبنى الأمن الوطني المدمر لكن هذه المرة على أيدي المليشيات السوداء ...رددت بصوت حازم : لا مافيش حاجه .....الله يسهل طريقك .....وبمجرد مرورهم تمتمت : الله لايسلم فيك عظمه ياقتله يامجرمين...وأخذت طريق العودة إلى المنزل لأجد جارتي على باب العمارة ..على وين يامسهل ؟؟؟ رديت عليها : ((أبدا....جولة تفقديه للموقع المدمر))....وليش ماخده معك الأولاد؟؟ .((....اخدتهم حماية لي.))..ضحكت من إجابتي وشاركتها في الضحك .((..بخاطرك ياجارتنا ... الله يسهل طريقك يا ابنتي.))..
تركت أبنائي يلعبون مع أطفال الحي أما أنا فقد دخلت بيتي فتحت دفتر احتفظ به تصفحت بعض أوراقه وأخرجت صورة ...صورة أبنائي التي كانت في يد أبيهم ملطخه بدمائه وابتسمت ......الحمد لله رب العالمين...الحمد لله...... انو استشهد قبل مايشوف هدا اليوم ...أكيد ح يموت من القهر .....ولكن....عسى إن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ...........تساقطت دموعي التي لم أتمكن من حبسها........
تمت بحمد الله
بقلم
وســــــــــــــام الحـــــــــــــــــــــــــــــب
|