المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
و مازلت امرأة
ومازلت امرأة
الحلم الذي اجهضته اليقظة ... عفوا ... الحلم الذي اجهضه السبات
اغلقت ياسمين باب غرفتها بعد خروج امها من الغرفة اثر مشاجرة دامت اكثر من ساعه ، جلست على الاريكة بجانب السرير تفكر فيما قالته امها فقد تعبت من كثرة مشاجراتها معها وتعودت من احداث مشاجرة حتى يصبح اليوم طبيعي ، صمتت قليلا مقررة انه لابد ان ينبثق شئ من العدم اتجهت نحو الحمام مدت يدها لتمسك حبوب مهدئة تأخذها في الخفاء دون ان تخبر والدتها بذلك ، واثناء ذلك خطرت في فكرها ان تأخذ كل الحبوب الموجودة في العلبة ، بالفعل وضعت أكثر من 10 حبات مهدئة وارتشفتهم جرعة واحدة ناظرة إلى المرآة لفترة وتقول : " وداعا ياسمين ستجدين حريتك إلى الأبد "
شعرت ببعض الدوران فأتي إليها احساس بالرهبة لاتعلم هل رهبة من الموت أم رهبة من علم والديها بما فعلته في نفسها ؟ اتجهت نحو الأريكة حتى لا تشعر والدتها بما قامت به ، لكن لم تصل إلى نصف الطريق حتى ارتطمت إلى الارض ولم ترى بما يدور حولها .
ذهبت الأم معصبة إلى غرفة ياسمين إثر سماعها صوت ارتطام اعتقدت في البداية انها كسرت شئ في الغرفة إلا انها صدمت من هول المفاجأة رأتها ملقاة على الأرض فاقدة النطق تنازع الموت ، وعيناها السودتان يحرسهما رموش طويلة فائقة الجمال مركزان على الحائط ، نظرت الأم لها وعينها اغرورقت بالدموع تحاول معرفة ما حدث لها الا انها لا تسمع سوى الصمت ، فكل ما تتذكره بعدما خرجت من غرفة ابنتها متجهة إلى الهاتف لتتحدث مع والدها ثم دخلت مرة اخرى إلى الغرفة رأت هذا المنظر الرهيب ، خرجت مسرعة إلى الهاتف مرة اخرى تخبر والدها على صراخ ليأتي مسرعا وينقذها .
عندما سمع محمود ( الأب ) صوت زوجته على صراخ تقول له : " محمود أتي فورا ياسمين ملقاة على الأرض تصارع الموت. "
اغلق السماعة مستأذنا رئيسه بالخروج لحدوث ظرف طارئ في البيت ،شعر انه تلقى صاعقة هزت اوصاله وارسلت رجفة في كل جسمه ، مسح وجهه بمنديل وقرر الذهاب فورا ، تمنى الا يخونه الطريق ويصبح فارغا ولو لدقائق معدودة حتى يصل قبل فوات الأوان ، خرج مسرعا إلى السيارة وسارت تنهب الطريق في سرعة محدودة ، الزحام خانق الشوارع مليئة بالسيارات ، راح يدخن في صمت ، لم يفكر سوى في ابنته الوحيدة ، لم يسمع بشئ سوى بالهزيم المستمر للرياح العقيمة .
سقطت السماعة من يدها متجهة نحو غرفة ابنتها مرة أخرى ، جلست بجانبها تقبل يدها ورأسها في توتر وتهمس في اذنها حتى تتلقى اي فعل منها ، الا ان المحاولة بائت بالفشل ، ظلت على مثل هذا الحال حتى اتي والدها .
" طال السكوت ولا همس وبدون انفاس تنسمع " الأم على هذه الحال لا تسمع سوى الصمت انفاس ياسمين تقل ، نظرت إلى اركان الغرفة والدموع غاشية عيونها تدعي بشفائها .
وصل محمود إلى المنزل مسرع الخطى ، دخل الى الغرفة مفزعا لما رأه كان منزعجا وفي أقصى درجات من الحيرة ، لزم الصمت حاملا ياسمين على يديه ليذهب بها إلى المستشفى .
بعد الكشف عليها أخبرهم الدكتور بإحتياجها لعملية غسيل معدة فورا لأخذها جرعات كثيرة من دواء أدى إلى تسمم حاد يسبب الوفاة ، ثم خرج وهو يطمأنهم بأنها ستصبح بخير انشاء الله .
استغرقت العملية حوالى ساعتين او أقل تقريبا ، والأم تبكي وترتمي في حضن محمود ،حاول تهدأتها إلا انه لم يستطع من كثرة الاسئلة التى يتلقاها منها ، صرخ في وجهها محاولا اسكاتها ثم حضنها وقبل رأسها ، ظل صامتا وبداخله اسئلة كثيرة تتزاحم لتأخذ أجابة منه .
أدرك محمود بأنه يشعر بشئ لم يمر به أبدا من قبل ، ازداد اضطراب أعصابه شيئا فشيئا ناظرا إلى الساعة وبدأت يداه ترتجفان شيئا فشيئا بالرغم أنها لم تمر سوى ساعة واحدة فقط من العملية ، راح يراقب الممرضة التي تخرج وتدخل من الغرفة يسألها عن ابنته ولم يجد رد منها ، إلى أن خرج الدكتور يطمأنهم بأنها بخير الآن .
جلس الأب والام بجانب ابنتهما ينظران إليها بعطف وخوف وحنق وقلق إلى أن رأوا عينها تفتح شيئا فشيئا ببطء تنظر إليهم بتعجب ، ربط محمود على كتفها محاولا طمأنتها واخبرها بكل ماحدث ، ثم سألها معاتبا وقلقا لماذا أخذت الحبوب ؟ ظلت صامتة وعيونها ملقاة على الأرض ، لم يجد الاجابة التي تحيره منذ أن اتى إلى البيت حتى الآن ، سكت قليلا ثم اتجه نحو الباب بعد أن اطمأن عليها .
لازمت الام الصمت حتى خرج محمود من الغرفة ، نظرت إلى ياسمين وفي عينها القلق والدموع تلح على السقوط ، حاولت تهدأة الوضع فحضنتها بعطف وشغف وخوف تقبل رأسها ، تنظر إليها معاتبة بما قامت به وتلقى بالاسئلة التي لا اجابة لها ، لم تعطي ياسمين فرصة لأمها لتكمل باقي الحديث والتساؤلات التي طرقت في أذنها مثلما يفتح السد لتتدفق منه المياه ، أوقفت امها بعدم التكملة لشعورها بالتعب والارهاق وتشعر بالنعاس ، ربطت الام على كتفها مستأذنة بالخروج .
وبجهد يفوق البشر استطاعت ان تنهض ساندة إلى الوسادة ، نظرت إلى كل جانب في الغرفة شاعرة بإحباط لعدم وجود هاتف ، فكرت بأن تأخذ هاتف والدتها لتجري اتصال هام ، طلبت من الممرضة أن تاتي بها ، انتظرت قليلا حتى سمعت صوت انين الباب دخلت الام متلهفة مبتسمة ، اخذت ياسمين في حضنها ثم قبلتها في وجنتها ، صمتت قليلا ثم طلبت منها الهاتف نظرت امها اليها ودون ان تكمل سؤالها اجابتها ياسمين قائلة : " سوف اتصل بأحمد " تضايقت كثيرا بعد سماعها هذا الأسم لاعتقادها بأنه سبب كل الكوارث التي حلت عليهم جميعا ، ألحت ياسمين مرة أخرى بإجراء هذا الاتصال ، بعد كل الحديث الذي دار بينهما ما زالت متعلقة به ، ناولتها الهاتف وهي تقول لنفسها : " صبرا يا أحمد ...... صبرا . "
نهضت الأم لتجلس على كرسي بجوار السرير واسترسلت في أفكارها ، كانت ياسمين تتحدث معه ونظرها موجه إليها محافظة على هدوئها ، اخبرته بما صار لها تطمأنه على صحتها وفوجئت باصراره على المجئ لكن اخبرته بأن والدها في المستشفى ، صمت قليلا ثم أكد لها بأنه سيأتي غدا سواء بوجوده أم لا .
ابتسمت ياسمين لسماع صوته الذي له طابع خاص لا يشعر به سواها ، اقفلت الهاتف مناولة اياه لأمها فشكرتها ، حدقت بها وبقى كل منهما صامتا ثم قطعت حبل الصمت اخذة من يدها ووضعته على الطاولة بجانب السرير .
فرحت ياسمين كثيرا لكل ما تفعله أمها لأجلها فهي حادة الطباع قوية الأعصاب لا تعترف بالمشاعر ولا بالاحاسيس ومن المؤكد بعدم شعورها بحبها لأحمد حلم حياتها الذي تحقق في لمح البصر .
نظرت إليها وقد حان الوقت لتتحدث معها في امور كانت تتمنى أن تقولها وتسمعها وتتناقش فيها ، قررت أن تبحث في الماضي وتأتي بالحاضر وتخرج بالمستقبل ، قررت ان تطرد خوفها الذي ملئ قلبها ، هبت نسمة خفيفة في الغرفة ، فطلبت منها أن تغلق الشباك وتأتي بجانبها لتتحدث معها في شئ مهم .
جلست الأم بجانبها وقبل ان تنطق ياسمين بأول كلمة وضعت يدها على فمها قائلة : " قبل أن تتكلمي أود اعرف لماذا قمتي بذلك أكل هذا بسبب ذاك الشاب ؟ " ثم رمقتها بطريقة فيها احتقار .
دب الذعر في قلب ياسمين من تلك النظرة فلم تعد العيون تعبر سوى عن الرعب ، وفجأة سمعت صوتا أخرجها من المأزق الذي وضعت فيه ، نظرت الأم خلفها فرأت محمود دخل ليطمأن عليهما ثم خرج بعد ما رأهما يتحدثان وقد قطع حبل افكارهما ، عاودت الام نظرها إلى ياسمين مرة أخرى منتظرة اجابتها .
انقبض قلبها كما لو كان صدرها قد تقلص في الحجم محاولة استعادة كل طاقتها وافكارها لترسلها إلى امها دون رمقها بمثل تلك النظرة التي رأتها من قبل , اجابتها بأن السبب في رقودها على السرير هي امها وليست مذنبة بأن تتخلص من حياتها لأنها لم تعد تشتهي الحياة وقتا أطول بعد ، قررت وضع نهاية لتجد حريتها التي طوقتها أمها بطوق غليظ مكون من قوة وظلم وكره للماضي وجمود في الحاضر ، قررت ان تعتق قلبها للحب ، فقد فاض حبها شوقا وعشقا لأحمد فالحب لا يعني الركون في الثبات ، الحب حرية والحرية هي ان تشعر بما يرغب فيه القلب بمعزل عن رأي الأخرين ، فهي تحبه وامها تكرهه بشدة ، ذكرتها بعد ما دخلت غرفتها ، ورأتها تتحدث معه رأت في عيونها الكره لا تدري لماذا تكرهه لهذا الحد اليس ذلك بسبب وضعه المادي ، رغم انه ليس فقيرا وإنما اقل من مستواهم بقليل ، أخبرتها بأنها طيلة السنين تبحث عن شخص مثله فهل عندما تجده تتركه بكل سهولة طوعا لرغبات ام لا ترى سوى المال ، أم تتركه لأنها ترى الفارس الذي تبحث عنه طيلة حياتها ولم تجده .
نظرت الأم إلى ياسمين كأنها لم تعرفها ، نظرت إليها مذعورة مضطربة الاعصاب حاولت ان تهدأ ، قامت من جانبها محاولة اخفاء ملامحها امام ابنتها ، صرخت في وجهها بصوت كاتم : " اخرسي " .
لم تدري لماذا صرخت ؟ وهل صراخها بسبب كلام ابنتها الذي لعب على اوتار مشاعرها المدفونة ام لانها تجرأت على قول هذا امام امها وتتهمها بالغيرة ثم فكرت أليست هذه الصرخة تدل فعلا على الغيرة ؟ ام على اي شئ تدل !
نظرت إلى ياسمين بغضب تخبرها بكرهها له لأنه انتهاذي يريد ان يخرج من حياته مستخدما اياها وسيلة للصعود إلى المستقبل الذي يتمناه .
رأت عيون ياسمين اغرورقت بالدموع لا تدري هل هي دموع الظلم ام الندم ؟ ، لاحقتها ياسمين بنظرة تطرد فيها خوفها مؤكدة لها بأن احمد رجل شريف وليس فقير مثل ما تقول كما انه يعمل ومستقبله مشرف ، ثم لاحقتها بسؤال دون تنفس عن اللوحة التى تلح وتصر على شراؤها مهما كلفت ثمنها لتضعها في غرفتها ، اللوحة المرسوم فيها حصان اسود طويل شامخ بنظراته العالية المتكبرة ، صممت الام قليلا معاودة النظر اليها قائلة بتعجب : " ماذا تقصدين ؟ "
ردت ياسمين وعيونها قد ملئت بالجمود قاصدة بالحصان هو الفارس المفقود الحلم الذي اجهضته اليقظة .... عفوا ... الحلم الذي اجهضه السبات ، هو الحلم الذي اجهضته بزواج ابيها الشخص الذي طلبها ووافقت دون تفكير لتتخلص من زوجة ابيها المتوفي ، الحلم الذي بحثت مشاعرها وحواسها وعواطفها لتجده إلا انها ايقظت على فارس آخر لا ترغب به ، سكتت قليلا ثم نطقت بكلمات مدفونة لم تتوقع طيلة حياتها ان تنطقها اليها، اخبرتها بعدم شعورها بالحنان التي تعطيه كل ام لاولادها ، فكرت كثيرا وكثيرا لهذا الجفاء والجمود الذي تشعر به لم تجد إجابة على هذا السؤال إلا عندما سألتها عن جدتها ، رأت الحزن يغمر قلبها لفقدانها اياها دون ان تراها او تسمع صوتها ، لقد فقدت الحنان الى تمنت ان تشعر به ايضا مثلها لكن لم ترى سوى الجمود والحقد من زوجة ابيها ، وبعد وفاة والدها قررت ان تتخلص من هذه الحياة هربا لحياة اخرى ربما تجد فيها افضل مما تراه ،اكدت ياسمين بأن والدها هو فارس تتمناه اي امرأة الا امها ثم صمتت .
كانت الام مستمعة لكل كلمة تخرج من فم ياسمين مثل السوط عندما يسقط على الجسد ، تألمت بشدة من قوة الكلام ، اخفضت نظرها نحو الأرض فاقدة القدرة على النطق ، لم تجد صوتها ، نظرت إلى ياسمين التي اظهرت لها امور لم تراها من قبل فكل ايامها تتشابه في نظرها وبذلك اصبح كل الاشياء متشابهة حتى الأشخاص الذين مروا في حياتها متشابهين فقد علمتها الحياة شئ واحد ان تختار بين شئ تألفه وشئ اخر تتوق إلى امتلاكه .
كان الضوء المنبعث من المصباح يضئ الدموع التى سالت على وجه ياسمين ناطقة بكلمات اخرى اكثر قسوة وجمودا اخبرت امها بانها ليست الام التى كانت تتمناها الام المثابرة المتحملة آلام الماضي على كتفيها لتعوض بما فقدته طيلة حياتها لابنتها الوحيدة نتاجها في الحياة ، للاسف فقد رأت الام الجميلة التى تتباهى به منتظرة نظرات الاعجاب والكلمات التى تطرق بها اذنها في اي مكان تذهب إليه ، امرأة تنتقم من حياتها بالذهاب الى الاماكن العامة والسهر طيلة اليوم لتشبع رغباتها بالضحك والحديث والسمر والمغازلة في بعض الاحيان .
تسلل الفزع إلى قلب الام وضرب بأطنابه ودق اوتاده في قلبها ، شعرت بأن الزمن قد توقف ، نكست رأسها تعتصر دموعها ، وتجاهد صوتها حتى لا ينطلق بالبكاء مستأذنة ياسمين بالخروج ، لم تستطع المواجهة اكثر من ذلك كل ما تقوله ياسمين صحيح لا تستطيع تكذيبها حاولت ان تصرخ في ياسمين لتنهى الحديث كالعادة الا ان هذه المرة غير زي قبل ، لقد شعرت بصوت الآلام التى تشعر بها ابنتها لقد نست ان لها ابنه تحتاج إلى حضن امها لتعطيها الامان والحرص من المستقبل و........ انقطعت افكارها التى يرسلها ضميرها الغائب بصوت ارتطام ،تركت الباب بسرعة متجهة نحو ياسمين التى سقطت من سريرها لتلحق بها صارخة بصوت كاتم مليئ بالحزن : " ماما "
جرت بسرعه اليها واحتضها بقوة بحب ، شعرت بما لم تشعر به من قبل احتضنها والدموع تنهمر من وجنتها تسقط على وجه ياسمين ، ازاحت ياسمين امها قليلا تتوسل إليها بان توافق على احمد الذي احبته من قلبها ، وان تتركهما بسلام واكدت لها بأنه يريد ان يرى والدها ليتقدم اليها بالزواج ، نظرت الام اليها والدموع ما زالت تتدفق بشدة مشيرة رأسها بالموافقة ، حضنتها ياسمين بشدة مسقطة دموعها لا تدرى هل هي دموع فرح ام ألم !
انتهت
|