لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


أحلام منسية الكاتبة ليتني غريبة

السلام عليكم القصة رائعة ومن كتبتها رائعة اتمنى لكم اروع الاوقات مع سطور ليتني غريبة ●○▐الرؤيـــــــــــــــــــــــا الأولــــــــــــــــــــــــــى▌○● تلتقط حقيبتها بسرعة .. و مفتاح سيارتها

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (1) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-05-08, 04:33 PM   1 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي أحلام منسية الكاتبة ليتني غريبة

 

السلام عليكم
القصة رائعة ومن كتبتها رائعة اتمنى لكم اروع الاوقات مع سطور ليتني غريبة


●○▐الرؤيـــــــــــــــــــــــا الأولــــــــــــــــــــــــــى▌○●



تلتقط حقيبتها بسرعة ..
و مفتاح سيارتها .. و تلقي نظرة أخيرة على صورتها المنعكسة في المرآة ..
تتأكد من الانطباع الجيد الذي ستتركه ..
لتخرج من غرفة نومها متوجهة للصالة ..
تعبر الممر ذو الأرضية الرخامية ليعلو صوت خطواتها عليه ..
وصلت للصالة ..
فارغـــــــــــــــــــة ..!!
.
.
هزت رأسها بإدراك ..
في الشرفة إذاً ..
.
.
توجهت للجانب الخلفي من البيت بسرعة ..
ستبلغه بإيجاز عن ذهابها الآن .. و موعد قدومها ..
لا تريد أن تتأخر في يومها الأول ..
.
.
وصلت للشرفة الأرضية الواسعة .. المطلة على الجانب الشرقي من فناء البيت ..
الكثير من المزروعات .. و حديقة أنيقة مشذبة .. و منظر رائع ..
.
.
ترى هذا الجمال ..
باردا .. مجردا من الإحساس ..!!
.
.
رغم أنها متأكدة من أن قرعات حذائها قد وصلت مسامعه ..
إلا أنه لم يلتفت لها ..
بل ظل مستغرقا في شاشة جهاز حاسوبه المحمول ..
يرتشف بهدوء قهوته ..
.
.
أصدرت من حنجرتها صوتا تنبهه لوجودها ..
و لكن بدا أنه مصرا على تجاهلها ..
لذا تقدمت منه بهدوء ..
- صبــــاح الخــــــير ..
رفع عينه لها ينظر لبرهة فتضيق بحدة ..
كانت قد انتزعت موافقته على الموضوع انتزاعا و لا تريد أن تبدأ أول يوما لها بمحاولة منه لإثنائها عن ذلك ..
لكن سرعان ما أشاح ببصره ليقول بصوت لمست الاستياء فيه ..
- صباح النور .. شوه بتسرحين ؟!!
.
.
يا رب .. يا رب ..
لا أريده أن يؤخرني ..
.
.
قالت بسرعة ..
- هيه ..
ما زال ينظر للشاشة ..
- تدلين المكان و إلا خلي ساجد يوديج ..
أدارت المفتاح بين أصابعها بتوتر ..
- لا ما يحتاي .. أدله .. وحدة من ربيعاتيه دلتنيه ..
.
.
يدير كرسيه بسرعة نحوها ..
لينظر إليها متأملا .. من رأسها لأخمص قدميها ..
شعرت و كأنها تقيّم الآن ..
نظرت له متسائلة بتوتر ..
- آآ .. أنا بسير .. لازم ثمان و نص أكون هناك .. و يبالي نص ساعة الين أوصل .. تبا شي ..
تجاهل سؤالها و نظرة غامضة تغشى عينيه .. هذه النظرة دوما تصيبها بالارتباك ..
- متى بتردين ..
- ثنتين و نص يخلص الدوام .. يعني ع الساعة ثلاث بكون في البيت ..
.
.
أدار ظهر كرسيّه لها ..
- برقبج ع الغدا .. و الكحال لي في عيونج سيري غسليه ..
.
.
كانت متأكدة من أنه سيلاحظ ذلك ..
تلك العينان أشبه بعيني صقر ..
لا تغفل عن شيء ..!!


* * * * *


تتحدث عبر الهاتف بضيق ..
لا تكره غير القيادة قاصدة مكان لا تعرفه .. و لكن كبرياءها لن تجعلها تعترف له بجهلها مكان عملها الأول ..
- رويض أنا الحين عند الجسر .. قلتيلي أطلع المخرج طلعنااه .. الحين قدامي دوار .. هيه .. أول لفة يمين .. لحظة .. أوكيه الحين شارع عــ .... أوه .. رويض لقيته لقيته .. هاذوه .. هيه السور العوود .. بس البوابة من الشارع الثاني .. يا الله برايج الغالية .. أنا بحول .. ما قصرتي .. ههههههههههه ما يبالها رمسة أفاا عليج كم روضة عدنا.. سلامة راسج غناتيه .. ما قصرتي .. الله يحفظج ..
و أنهت المكالمة بلهفة .. و هي تتنهد .. تشعر بالإثارة و يراودها القلق و التوتر ..
ماذا تخفي لها هذه الجدران ذات الامتداد الواسع ..؟!!
.
.
وصلت بسيارتها الصغيرة لتتوقف أمام الباب الضخم المفتوح على مصراعيه ..
حين ردد على مسامعها مسمى ( مستشفــــــــــى الســــــــــــاد ) تخيلت مبنى ضخم أو معقول الطول مجهز و تعمه الحركة النشيطة التي لا تفارق مرفقات الصحة ..
و لكن ما رأته هنا أصابها بالإحباط ..
ماذا هل أخطأت العنوان .. أم أن روضة لم تعرف ما الذي كانت تقصده ..
و لكن تلك اللوحة ذات الطلاء الحائل أكدت لها أنها في المكان المقصود ..
.
.
دخلت بسيارتها الصغيرة تجتاز الشارع ببطء و هي تجيل النظر فيما حولها ..
كان هذا مخيبا للآمال ..
سور واسع ضخم .. نظيف ..
يحوي بداخله .. مبانٍ سكنية للإيجار عتيقة و متواضعة .. أطولها لا يتجاوز الطابقين ..
بدا و كأن السور يضم منطقة سكانية صغيرة ..
بيوت متناثرة على رقعه لا بأس بها .. شوارع صغيرة و ضيقة ..
كانت عيناها تلتهمان كل شيء حولها ..
قد يكون المستشفى مختبئ هنا و سيظهر لها خلف أحد هذه الجدران البائسة التي تأن من القدم ..!!
مرت قربها حافلة مدرسية بلونها الأصفر المميز .. هل هنا أطفال يتوجهون للمدارس الحكومية ..؟!!
استمرت بسيرها البطيء .. تبحث بجد عن شيء يدل على أنه مستشفى .. لكن يبدو أنها أخطأت .. فهي تدور فيما يشبه الحلقة ..
رغم هذه المنازل الغابرة .. القديمة ..
شعرت بألفة تحيط المكان .. هدوء جميل .. و حميمية تفتقدها في ذلك المنزل الذي تسكنه ..
مرت بالقرب من منزل علق أصحابه على أخشاب قوية ارتكزت على الأرض أرجوحة متينة ارتبطت حبالها بعجلة سيارة قديمة .. تجلس عليها طفلة سمراء البشرة ..
فكرت بأن تسأل أصحاب هذه المنازل عن المستشفى لربما دلها أحدهم عليه ..
لذلك أوقفت السيارة في الشارع الضيق .. و ترجلت بهدوء .. رغم المكان الغريب .. و المكان المجهول .. إلا أنها لم تشعر بالقلق .. كان الأمان يغشاها و هي تتقدم من الطفلة التي قفزت من على الأرجوحة لتقف و تنظر إليها بحذر ..
لغة الجسد هي عملها .. لذلك توقفت قريبا منها و رفعت صوتها تقول بلطف ..
- مرحباااا .. وبن ماما ..؟؟!!
نظرت لها الطفلة دون أن تجيب .. ثم اندفعت راكضة لباب خشبي جانبي دخلت منه ..
تأوهت بإحباط .. الوقت يمضي و ستتأخر ..
سمعت الباب يفتح مجددا .. لتلتفت للقادم .. كان رجلا ضخما طويل القامة تبيّنت ملامحه ..
اندست الطفلة خلفه تراقبها بصمت ..
قالت بتوتر ..
- آآآ .. السلام عليكم ..
رد الرجل بهدوء ..
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
اعتصرت حقيبتها ..
- خوية لو سمحت وين أحصل مستشفى الساد ..
عقد جبينه متسائلا ..
- دار العجزة ..؟؟!!
كانت قد نبهت بأن كثيرا من الناس يطلق عليه هذا الاسم .. لذلك هتفت ..
- هيه .. دلنيه وين أحصله يزاك الله خير ..
قال الرجل بلهجة شمال أفريقية ..
- طيب أختي .. لو دايره دار العجزة .. اركبي سيارتك و ألحقيني .. أنا أدلك ..
و أشار لسيارة عتيقة انزوت خلف منزله القديم ..
هزت رأسها موافقة لتستقل سيارتها ..
.
.
لحظات و تخرج سيارته الزرقاء و تميز هي رأس طفلته تتقافز بحماس في المقعد الأمامي ..
تجاوزت شارعين قصيرين قبل أن تتوقف سيارة الرجل بهدوء أمام مبنى ذو طابق واحد امتد أمامها على شكل قطعة مربعة ..
لماذا توقف الرجل هنا .. هل من خطب ..؟!!
اقتربت بسيارتها حتى جاورته .. لتنزل زجاج نافذتها .. فيرفع صوته قائلا ..
- هاذي دار العجزة مدام ..
رفعت نظرها مجددا للمبنى الأبيض بدهشة ..
شكرته و انطلق تاركا إياها تحملق في مقر عملها الجديد ..
.
.
كانت تقف مشدوهة .. هذا المكان الذي سترتاده لأشهر مقبلة ..
هذا المكان الذي سعت جاهده لتصل إليه .. هنا ستبحث عن تغيير .. عن شيء تفتقده في حياتها ..
سعت للعمل و حطمت الكثير من القواعد .. فقط لتجد نفس خارج نطاق وضعها الحالي ..
انظري جيدا إلى هذا المكان .. هذا هو الحياة التي ستلازمينها لأشهر ... قد يقدر لك أن ترحلي منه .. حاملة في جعبتك الكثير ..
.
.
انتبهت لساعة السيارة التي تفيد بأنه لم يتبقى من موعد وجودها سوى دقائق ..
ترجلت من سيارتها و التوتر يجعل حركاتها ثقيلة للغاية ..!!
تأكدت من أنها أغلقت سيارتها جيدا ..
و خطت نحو المبنى تدفع قدميها متجهة نحو الباب ..
حين سمعت صراخ أحدهم مناديا ..
- مداااااااااااام .. مدااااااااااااااام ..
التفتت بجزع .. لترى ذلك الرجل الهندي الضئيل الذي ركض نحوها و هو يشير لها بالتوقف ..
وصل لها بسرعة ..
- مدااااام .. هذا موقف ممنوع .. - و أشار للشارع الجانبي .. هناك بركن سيارا ..
شعرت بغيظ حقيقي و رغبة بأن تضربه بحقيبة يدها على رأسه .. لم يعد من موعد التزامها سوى دقائق .. و هذا يريدها أن تغير موقف سيارتها ..
قال بهدوء ..
- انزين أنا في يروح داخل عشر دقايق عقب يحرك سيارة ..
هز رأسه رفضا بعناد ..
- لااااا مدام .. لازم حرك سيارة الحين .. انتا يسوي تأخير أنا فيه مشاكل .. إذا انتا ما يريد حرك سيارة عطني سويك أنا يحرك ..
نظرت له بشك .. هل هذه لعبة مدبرة ليسرقها ..؟؟!!
و لكن ابتسامة كبيرة أظهرت صفا من الأسنان البيضاء الناصعة .. و تراكمت التجاعيد عند زوايا عينيه ..
بدا وجهه الداكن لطيفا و هو يقول ..
- ما في خوف مدام .. أنا حكيم .. مدير مشان موقف مشان مطبخ .. مشان كلش .. أنا معلوم انتا في دوام جديد اليوم ... ما في مشكل عطني سويك أنا حرك سيارا ..
ترددت لبرهة .. لكن ابتسامته المطمئنة .. عكست إنسانية لا تصدق .. إحساس الناس و انطباعاتهم عملها .. شعرت بأن عليها أن تثق به لذلك ناولته المفتاح بهدوء ..
- انزين أنا داخل مكتب مشان مدير هاا ..
هز رأسه موافقا ..
- أوكي مدام ..
.
.
التقط مفاتيحها و ركض عائدا للسيارة .. انتزعت بصرها عنه .. لقد ضيعت ما يكفي من الوقت ..
اتجهت بسرعة نحو الباب الزجاجي .. لتدفعه و تدلف للداخل .. فتغمرها موجه من الهواء البارد ..
أول ما وقعت عيناها عليه حين دلفت هو نافذة ضيقة توسطت الجدار المقابل للباب علقت على رأسها لوحة صغيرة كتب عليها [ الاستقبال ]..اقتربت منها كان المقعد الخشبي خلفها خاليا .. لتدق طرفها بخفة .. لحظات قبل أن تطل من خلفها فتاة في مقتبل العشرينات ..
ابتسمت لها تخفي توترها ..
- السلام عليكم ..
أجابت الفتاة بلطف ..
- و عليكم السلام .. أي خدمة ..؟
- مكتب المدير فيصل عبد الرحمن وين ..
نظرت لها الفتاة بتمعن قبل أن تتساءل ..
- المستشارة النفسية ..؟!!
.
.
هل نُبّئوا بقدومها أم ماذا ..!!
.
.
- هيه نعم
نظرت لها الفتاة مطولا بتفحص قبل أن تشير بيدها للممر الوحيد المفتوح أمامها ..
- الحجرة لي قدامج سيده آخر الممر .. بابها عليه لوحة صفرا ..
هزت رأسها بامتنان ..
- شكرا ..
- العفو ..
.
.
عبرت الممر حتى توقفت أمام باب علقت عليه لوحه صفراء دلت على صاحب المكتب .. لتمد يدها و تقرع الباب بهدوء ..
.
.
و تتعالى دقات قلبها ..
.
.
- تفضــــــــــــــــــــــل ..
.
.
دفعت الباب بهدوء لتدلف الكتب الغارق في أشعة الشمس الذهبية ..
أمامها مباشرة خلف المكتب العريض استقر الرجل بهدوء ينظر إليها بتساؤل ..!!
- السلام عليكم و الرحمة ..
نظرت له تقيمه هي الأخرى .. منظر الأسد المتحفز هذا .. كان رجلا في أوائل الخمسينات شق الشيب طريقه في اللحية .. و بدت عيناه القويتان الصافيتين متنبهتين ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. مرحبا ..
رغم التجاعيد التي كست وجهه و قسوة مختفية في زوايا العينين.. كان النظر لهذا الرجل مطمئنا .. و كأنها في حضرة أحد موثوق ..
قالت معرفة عن نفسها بهدوء ..
- أنا أحلام عبيد ..
لمعت عينا المسن الذكيتين و هو يقول بسرعة ..
- المستشارة اليديدة ..
هزت رأسها موافقة ..
- هيه نعم ..
ابتسم بلطف ..
- تفضلي دكتورة ..
لم تصحح له المعلومة .. فرغم أنها أخصائية في الطب النفسي لكنها اعتادت على الكثيرين إطلاق مسمى ( دكتورة ) عليها .. حسنا ذلك يعجبها جدا ..
جلست على الكرسي المقابل ..
.
.
و في لحظة لاح خاطر بعيد في سرها ..
ماذا سيكون رأيه لو رآها الآن تجلس مع هذا الرجل ..
بغض النظر عن سنه ..
فذاك متملك جدا ..!!
.
.
ابتسمت بسخرية ..
ثم انتشلها صوت المدير يقول بعملية ..
- شوه تحبين تشربين ..
- تسلم و لا شي ..
قال بصوت هادئ لا يخلو من الحزم ..
- خلاص عيل نبدأ في الشغل .. عندنا خمس حالات مستقرة بتكون تحت اشرافج محتايين متابعة نفسية .. و ما ظنيه الموضوع بيطول أكثر عن ست شهور ..
كانت قد نبهت للمدة التي ستقضيها هنا لذلك هزت رأسها بسرعة ..
- أنا بتم سبع شهور .. هاي المدة المحددة من الوزارة ..
قال بلا مبالاة و هو يلتقط كما من الملفات ..
- المهم .. دكتورة أحلام .. هاي ملفات كل حالة عدنا .. و لا يغرج اسم دار العجزة .. حالات لجوء المسنين لهنيه نادرة .. تقدر بثلاث حالات فقط .. نحن عدنا الحالات الطبية المستقرة لي مالها أي علاج يمكن يساعد في تقدم الحالة .. بس محتاية رعاية و عناية .. نروم نحن نوفرها لها .. تتحول هالحالات علينا .. و تم تحت اشرافنا الين ما ربج يسهل عليها ..
.
.
لم تدرك أحلام بما عليها أن تئوّل عبارة ( يسهل عليها )
لذلك التقطت الملفات بسرعة و هي تراه يرفع سماعة الهاتف يضعها على أذنه ليضرب زرين متتابعين ..
- ألووه .. زكيـــــــــــــة .. تعالي مكتبيه ..
أعاد السماعة مكانها لينظر مجددا لها ..
بدت نظرته الآن صارمة و هو يقول بشيء من الصلابة ..
- دكتورة أحلام .. قبل كل شي أحب أنبهج إن سبب استغنائنا عن المستشارة الدائمة هي المشاكل لي تواجهها الحالات عدنا وياهم .. و بسبة هالمشاكل اضطرينا للتخلي عن هالخدمة و طلبناها هالفترة بشكل مؤقت .. لي أبا أقوله إن الحالات لي تحت إشرافي أنا مسئول عنها و عن راحتها فيا ليت تحاولين توفرين لهم الجو المناسب قدر الإمكان ما ريد حد منهم يتعرض لأي مضايقات أو ما شابه ..
عقدت حاجبيها ..
ماذا يعني بهذا التحذير المبطن .. لم تأتِ إلى هنا إلا بغية مساعدتهم ..
و قبل أن تفكر بالرد دخلت مع الباب المفتوح امرأة بدينة بالغة القصر ترتدي ملابس التمريض البيضاء و حجابا مشدودا حول رأسها ..
حانت منها التفاته لأحلام قبل أن تعود و تنظر للمدير ..
- أستاز أبو عبد الرحمن .. عاوز حاقة ؟!!
كان مستغرقا في قراءة بعض الأوراق أمامه فأشار بيده ..
- هيه .. زكية .. هاي الدكتورة أحلام الاستشارية النفسية لي خبرتكم عنها .. هي بتابع الحالات الموجودة حاليا عدنا .. تفضلي وياها الحين و سويلها جولة في المكان خليها تتعرف الموجودين ..
ثم رفع رأسه لها .. ليقول بهدوء ..
- دكتورة أحلام .. وجودج هنيه ما تم طلبه إلا عن حاجة .. أتمنى انج تفيدينا و نفيدج ..
.
.
هزت رأسها غير قادرة على النطق .. فالارتباك يغشاها و لا تدرك سببه ..
نظرت للممرضة التي ابتسمت لها بلطف ..
هل الابتسامة المعلقة على الوجوه واجب لا بد من القيام به هنا .. أم ماذا ..؟؟!!
التقطت ملفاتها و تركت المكتب تتبع الممرضة التي انطلقت متحركة بسرعة و هي تقول ..
- دكتورة أحلام .. منورانا .. إن شا الله ترتاحي المدة دية .. عاوزة تشربي حاقة أبل ما نبدا ..
هزت رأسها رفضا .. متلهفة للبدء و الانخراط في عملها الأول ..
- لا .. مشكورة ..
- متجوزة ..
- هيه ..
- طيب مدام أحلام حتمشي ..
هزت أحلام رأسها بابتسامة موافقة ..
كانت تحث الخطى حثا و تلحق بزكية .. و تلك تتنقل بسرعة عجيبة نسبة لوزنها..
المكان عبارة عن أربع ممرات متصلة على شكل مربع و يحوي قلب المربع حديقة عشبية صغيرة جميلة ..
فكرت أحلام ساخرة بأنها لا تقارن بتلك الحديقة المنمقة الباردة في منزلها ..
كل ممر يحوي قسما معينا ..
واحدا للإدارة و الاستقبال و المكاتب المعنية .. و الآخر لغرف المؤن و الإمدادات الطبية و المطبخ و غرفة استراحة العاملين .. و أخرى خاصة للممرضات ..
الممر الثالث كان يحوي قرابة الإحدى عشر غرفة .. أغلبها شاغرة .. و كان هذا المكان خاصة بحالات المستشفى ..
الرابع ضم غرفة ترفيهية و مكتبة بسيطة و غرف أخرى للعلاج تحسبا للازدحام ..
مكان بسيط و متكامل ..
.
.
- ايه رأيك نمر دلوئتي ع الحالات اللي حتبعيها حضرتك ..
قالتها زكية و هي تتوجه للممر الذي عرفت أحلام مسبقا بأنه يضم غرف الحالات ..
مازالت زكية تتحرك بسرعة كبيرة .. جعلتها تشعر بأنها لا تمشي بل تنزلق على بلاط الأرضية الأبيض ..
لذلك تبعتها باجتهاد نحو أول غرفة ..
و قبل أن تدلف الباب المفتوح .. توقفت زكية لتتساءل ..
- انتي أكيد لسا ما راجعتيش الملفات اللي إداكي اياها الأستاز ..
هزت أحلام رأسها موافقة ..
فقالت زكية بابتسامة حلوة ..
- طيب أنا حديكي فكرة بسيطة عن كل حالة .. الغرفة دي بتاعت ابو ساني .. راجل كبير في السن عندو شوية مشاكل مع الشيخوخة .. يعني أجهزة جسموا ضعيفة شوية .. و عاوز من يتابعوا و يراعيه .. و بما إن أولادوا مش فاضيين جابوه هنا .. عشن نحنا نهتم فيه .. الراجل طيب أوي .. و حبيب ..
لم تجد أحلام ما قد تعبر الكلمات به عن إحساسها ..
فقط قالت بشيء من الصدمة ..
- فروا أبوهم ..
هزت زكية رأسها بعدم رضا ..
- مش بالزبط يا مدام .. بس همّا حسوا بانوا مافيش حد حيراعيه حتى زوجاتهم .. وكده جابوه هنا ..
لم ترى أحلام اختلافا في الموضوع ..
ارتفع رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها لترفعه و ترى المتصل .. و دون أن تجيب وضعت الهاتف على الوضع الصامت لا تبغي إزعاجا ..
و اعتصرت الهاتف في قبضتها .. سيثير حنقه ذلك ..
تعلم هذا جيدا
قالت زكية ..
- نِخُـــــــــــــش ..؟؟!!
أومأت أحلام موافقة ..
لتدخل الأولى الغرفة و تتبعها هي ..
- السلام عليكم ..
كانت الغرفة غاية في البساطة فراشا نظيفا استلقى عليه الرجل المسن يطالع التلفاز الذي علق أمامه ..
و خزانة خشبية صغيرة .. طاولة قهوة و أريكة جلدية متواضعة ..
و لكن ما لفت انتباهها هو سجادة صغيرة فرشت على الأرض و وضعت عليها المخدات الثقيلة مسندة للجدار ..
كانت هذه الجلسة البسيطة تعطي طابعا شخصيا للغرفة ..
حال دخولهما ابتسم بوثاني لزكية بترحاب سرعان ما نظر لأحلام بفضول ثم حول نظره المتسائل لزكية ..
- و عليكم السلام و الرحمة ..
اقتربت زكية من فراشه ترفع صوتها ..
- ازاايك يا بو سااني النهاردة .. عامل اييه .. دي مدام أحلام .. جاية عندينا .. هنا تشتغل معانا .. و حابة تتعرف عليك ..
تقدمت أحلام و للمرة الأولى تستخدم خبراتها التي درستها على أرض الواقع بعيدا عن الدراسة الميدانية ..
هذا شعور غريب بأنها هنا لمساعدة الغير تعمل بشكل خالص .. و ليس للحصول على شهادة أو غيرها ..
اقتربت ببطء .. و توقفت على بعد مسافة قريبة ترسم على شفتيها ابتسامة هادئة و ترفع صوتها هي الأخرى..
- شحالك بو ثااني .. ربك بخير ..
نظر المسن لها برهة قبل أن يقول بصوت متحشرج مرتفع جعل أحلام تدرك أنه يعاني ضعفا في سمعه ..
- بخير و سهاالة شحالج يا بنيتي .. و شحال عربانج و تواليج .. رب ما تشكون من باس .. علـــــــــــــــــومكم ..
كان صوته يأتي من البعيد ..
من زمن سحيق ..
صوت صدئ ..
.
.
أعيته السنون ..!!
.
.
نظرت أحلام للعينين الصغيرتين التي تحيطهما التجاعيد فتكاد تخفيها ..
وجه أسمر كالح ..
من يراه يعلم أن بقايا قوة قديمة تتدفق من نظراته ليست وهما بل إحساسا ملموسا ..
هذا الرجل مر بالكثير في حياته ..
- يسرك الحال بو ثاني .. علوم الخير و الله مابه علم ..
نظر لها بابتسامة كتلك التي استقبل زكية بها ..
شعرت للحظات أن تلك الثانيتين التي تبادلت فيها معه الأخبار كانت امتحانا لها ..
- يا الله حييها .. قربي .. قربي ..
شعرت بانشراح شديد .. هذا الترحيب إشارة جيدة كبداية ..
- يحييك و يبقيك .. قريبة .. بس مرة ثانية عدنا شغل اليوم ..
للحظات لم يكن ينظر لها .. بل مركزا عينيه في يدها ..
نظرت للمكان التي وقعت نظراته عليه .. فأدركت الأمر حين قهقه بصوته العتيق فرحا

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس

قديم 06-05-08, 04:36 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

- هذا بو كيمره .. لااااا .. ما بخليج تصورينيه .. الين ما تحطين مية ربية .. ما تعرفين انتي صوريه غاليات ..
لولهة بسيطة شعرت بالارتباك عندما لم تدرك ما يقصد.. و لكن ابتسامة زكية المرحة أراحتها قليلا ..
نظرت أحلام لهاتفها قبل أن ترفع رأسها .. و تقول بود ..
- ليش ترانيه بتصور وياك .. بعد أحط على عمريه مية ..
كانت ابتسامته البريئة .. تذكرها بالأطفال .. عندما يتقدم المرء في العمر يعود ليتضاءل ..
فيغدو طفلا كبير .. بحاجة لمن يرعاه و يهتم به ..
شعرت باحتقار خفي يتسلل لقلبها لؤلئك ..
كيف استطاع أولاده تركه هنا ..!!
.
.
- لا تحطين مية عن عمرج .. حطي مية لصورتيه ..
ابتسمت لهذا الوجه المتغضن ..
- افاا .. بنتك انا .. ماشي دسكاون ..
عقد جبينه ..
- شوه دكساون ..
ضحكت أحلام بخفة و هي ترفع صوتها ..
- دسكاون .. دسكاون .. خصم ع القيمة يا بو ثاني ..
ضحك مجددا ..
- لا ماشي .. مية ما تنقص ربية ..
قالت زكية و هي تربت على كتفه ..
- معليش يا بو ساني .. مدام أحلام حترقع تاني .. بس لسا عندينا شغل كتير حنروح نخلصو .. عاوز حاقة ..
هز رأسه و هو يقول بسلام ..
- لا ما بغي شي .. الله يحفظكن .. - و نظر لأحلام - لا تقطعين يابنيتي .. خطفي علينا ..
.
.
عندما خرجت أحلام من الغرفة .. كانت تحمل في داخلها حبا فوريا خفيّا لهذا الرجل الذي ذكرها بالأطفال ..
لا خسارة إلا لأبنائه .. أي قلب يفتقدون في غيابه بعيدا عنهم ..!!
.
.
توقفت زكية مجددا أمام باب الحجرة المجاورة ..
- الأوضة دي بتاعت الواد خليفة .. اتنينا و عشرين سنة .. شلل كامل بعد حادث سيارة .. يعني ما فيش حاقة بتتحرك فيه أبدا غير عينيه و بوؤه .. بس بيحس باللي حواليه .. و بيئدم اشارات تفاعل خفيفة أوي .. بس زي ما بيئولو أول الغيس أطرة .. ع العموم المستشفى حول الحالة ديت لنها عاوزة متابعة على مدار الساعه .. يعني الواد مش آدر يعمل لنفسوا حاقة .. على كدا نحنا مسؤولين عن كل حقاتو ..
.
.
لم تتفوه هي بحرف ..
تشعر بالكلمات قد علقت في حلقها الجاف ككرة شوك ..
يديها ترتعشان .. لا .. لا تريد هذه الحالة ..
لديها واحدة ربما ليست مثلها تماما .. لكن تكفيها .. و لم تستطع حتى الآن معالجة أمرها ..
قدميها تثقلان و زكية تشير لها بأن تتبعها .. أغمضت عينيها بقوة و سحبت نفسا عميقا .. هذه حكاية مؤلمة تتكرر كثيرا ..
دفعت نفسها بقوة للدخول .. و تجوزت عتبة الباب .. ليمتد النظر فيعبر الحجرة الصغيرة و يقع على الجسد المسجى على الملاءة البيضاء ..
كان ينظر للفراغ فيما جلست ممرضة على كرسي بجانبه تقرأ كتابا بصوت واضح ..
اقتربت أحلام و هي تجر قدميها جرا .. دنت من فراش هذا الشاب و صور فضيعة قديمة تدور في ذهنها ..
امتدت يد زكية بورقة محارم ناعمة تمسح بها خط لعاب سال على جانب وجهه بعجز ..!!
.
.
بلعت دمعة سدت حلقها و هي تنظر لجسد هذا الشاب المرتخي .. فتيّا .. في مقتبل العمر ..
كان لا يزال أمامه الكثير من السنوات .. الكثير ليعيشه و يتمتع به .. الكثير ليراه ...
.
.
شبح الموت الحديدي الذي يمشي على الإطارات .. يزهق أحلام الكثيرين ببساطة .. و هذا وحد منهم ..!!
مرت دقيقة ثقيلة على نفسها .. تنكأ جروحا لم تلتئم بعد ..
شعرت بالاختناق .. هذه الغرفة تضيق عليها ..
أشاحت بوجهها ..
تحتاج للخروج من هنا ..
نظرت لزكية بنظرة رجاء ..
- خلينا نشوف باقي الحالات ..
هزت الأخيرة رأسها بحماس ..
لتلقي كلمات على مسامع الشاب .. لم تصل لعقل أحلام الذي كان غارقا في بُعد آخر..
.
.
تنفست الصعداء حين تركت الحجرة مع زكية ..
تشعر بثقل في صدرها و ذكرى تلك اللحظات البائسة تراودها حين رأت الشاب ملقى بلا حراك ..
.
.
- مدام أحلام فيه حاقة ..
سألتها زكية و قلق حنون يكسو وجهها المستدير ..
ابتسمت أحلام بسرعة ..
- و لا شي .. بس أفكر في هله .. وينهم عنه ؟!!
هزت زكية رأسها ..
- دول أهلوا دايمن هنا .. بس مافيش مساحه ليه في البيت مع الممرضين يعني .. هم ناس على أد حالهم و البيت صغير .. و فهمك كفاية ..
هزت رأسها بشرود ..
و هي تتقدم معها تعبر الممر .. الغرفتين المجاورتين كانتا شاغرتين ..فتجاوزتاها للغرفة الثالثة ..
و في اللحظة التي فتحت فيها زكية الباب .. شعرت أحلام بسيل متدفق من الكلمات ينهال عليها و ينتشلها من أفكارها تلك ..
.
.
قبل أن تقتحم حدود الغرفة فتتبين ساكنيها ..
صوت حاد يخترق سمعها كصوت مثقاب الجدار ..
- ما شا الله عليج .. اشووه زكية .. ياية بدري الشيخة .. سمحيلنا عاد كان قطعنا عليج شي و إلا شيات .. ندريبج انتي دووومج مشغولة .. و نحن غلسين و غثة .. ماااا قوووول غييير حسبي الله عليكن من سسترات .. أنا لو بمووت ما بموت إلا على ايديكن .. و الله ثم الله لو تدري الحكووومة بسواد ويوهكن كنسلتكن اليوم قبل بااكر .. عنبووه خافن ربكن فينيه .. عيووز أنا .. تبن تنفدنيه .. زكيووووووه .. اشعنه محد يا يعطينيه الابرة .. مستعيلات ع يوميه .. تبن الفكة .. يعل ظروسكن الفك .. قوووووولن آمين ..
.
.
كانت تقف خارج الغرفة و قد تدلى فكها في ذهول .. بالله عليكم ما هذا .. ؟؟!!
.
.
لكن صوت زكية المهدئ وصل لأذنيها رغم تلك الكلمات التي كانت صاحبة الصوت الحاد ترشقها بلا توقف كالحجارة ..
- فيــــــــــــــــه إيـــــــــــــــــه يــــــام حمـــــــــــــــــيد .. بتزعئي ليه ..
عاد الصوت يطن في أرجاء الغرفة التي حاذرت أحلام من دخولها ..
- و لشوه ما زاعج .. عنبوووه الساعة هدعش و أنا بعدنيه هب متريقة .. شقا بتريق و محد ظربنيه بالابرة هاا ..
صوت زكية المتسائل ..
- هيا سوما ما جتش بالابرة ..
.
.
كلماتها التالية جعلت الضيق يعترم صدر أحلام و هي ترمي بها كالسهام بلا هوادة ..
البعض منها يخطئ ..
.
.
و البعض يصيب في مقتل ..!!
.
.
- ماااااباااااااهاااا هاي السمسومة يعلها السم .. ما فيهن خير الهنديااات .. ما يندرابها كان بتظربنيه بعوق في الابرة .. ماباها و انا قايلتلج من قبل .. هالسمسومة لا طرشينها عليه .. بس انتي ما تفطنين ..
بدا صوت زكية مهدئا ..
- خلص يا ستي معليش .. انا أروح دلوئتي أجيب الابرة و الفطار .. بس انتي اهدي شوية .. دا مش كويس لصحتك خالص ..
- ماااااااا عليه من هذرتج .. دواج عند بو عبدالرحمن .. هو لي بيسنعج ... يالسة ترتدغدين و فارتينيه عند سمسومة هندية .. اصلا أدريبكن انتن .. كلكن ما تبنا .. هم على قلوووبكن ..
تنهدت زكية ...
- طيب على رحتك بس أبل ما أخرج .. عاوزة أوريك حاقة .. - ثم رفعت صوتها منادية - مدام أحلام .. وائفة برا ليه .. ما تتفضلي ..
.
.
في الحقيقة لم تحبذ أحلام فكرة الدخول .. ربما قد تتعرض لهجوم يشن من طرف مجهول .. فزكية لم تعطها فكرة مبسطة عن هذه الحالة ..!!
لكنها كرهت هذا التردد في داخلها .. تقدمت بسرعة.. ساحقة أي رغبة في التراجع ..
لترفع صوتها قائلة بقوة ..
- الســـــــــــــــــلام علــــــــــــــــــيكم ..
ساد الصمت المكان .. هدوء لا يسمع فيه إلا توتر الأنفاس ..
للحظــــــــــــــــات ..
أدركت أحلام أنها تقف الآن مباشرة أمام الحالة الثالثة لهذا اليوم ..!!
.
.
امرأة مسنة قدرت ببساطة أنها في العقد الثامن من العمر ..
ترتدي - البرقع - و تجلس على سجادة تشبه تلك التي رأتها في غرفة بو ثاني ..
عينا المرأة تراقبانها بحدة و صوتها يبدو أعلى و أكثر حدة من هذه المسافة ..
- و عليكم السلام .. خير إن شا الله .. امنوووه هاي بعد ..
لم تنتظر أحلام من زكية أن تعرفهما .. بل قالت بوضوح ..
- أنا أحلام عبيد .. مستشارة نفسية ياية أشتغل عندكم ..
سارعت زكية بالخروج .. تاركة أحلام تقف في مواجهة من سمعت زكية تشير إليها بأم حميد ..
عينان حادتين من خلف البرقع الذي شكل حاجزا لا يخترق يخفي الكثير خلفه ..
ظلت المرأة تمرر عيناها طلوعا و نزولا عليها ..
قبل أن تقول بصوت يشق الهواء كالسيف ..
- انتــــــــــــــي معرســـــــــــــــــــــة ..؟
.
.
فتحت أحلام عيناها بدهشة .. ما هذا السؤال الغريب ..؟!!
رأت أنه لا ضرر من الإجابة .. فقالت ببساطة ..
- هيه نعم ..
سرعان ما ندمت على كلمتها تلك ..
إذ انقضت عليها العجوز بكلماتها الشرسة .. و أصبحت في ثواني هي المستهدفة الجديدة ..
- عـــيل ما نباج الشيخة .. توكلي .. انتن لمعرسات تيي الوحدة منكن من بيتها مضيقة و متواقعة ويا ريلها ... و تفك حرتاا فينا نحن المسااكين .. تهد عليناا .. و تلعوزنااا .. بو عبد الرحمن ليش يابج .. يدريبناا ما نباكن ..
كانت أحلام متفاجئة من ردة فعلها ..
و لكن الأولى لم تتوقف عن التحدث بصوت أقرب للنعيق ..
- شعنه تطالعينيه هااا .. لا تسوين عمرج طيبة و مادري شووه .. عليكن علوووم انتن ما تسر .. روحن عالجن الميانين أخيرلكن .. و لا عاد وحدة منكن تشبر عدنا ..
ثم أخفضت صوتها .. و لكن الكلمات وصلت لأذني أحلام ..
- مسودات الويه ..
.
.
شعرت أحلام بالغضب يتصاعد في داخلها .. فقد كانت المرأة تشير لها بصيغة الجمع مع من سبقها هنا على ما يبدو .. و لكنها لجمت نفسها .. لتنظر لعيني تلك اللبوة الثائرة بشيء من التحدي ..
- أنا هب ياية ألعوزج و الا أأذيج.. ياية عنديه شغل كم شهر و مروحه .. و كان ما تبينيه عندج بو عبد الرحمن خبريه .. خلاف هو يامر عليه كان أتابعج و إلا لا ..
و قبل أن تسنح للعجوز الفرصة لقذف أي كلمة حادة .. تركت أحلام الغرفة بسرعة ..
و هي تلهث .. كانت مواجهة هذه المرأة صعبة .. ما الذي يجعلها نزقة هكذا ..!!
أتت زكية مهرولة من نهاية الممر تحمل في يدها صينية طعام و يبدو الاعتذار على وجهها ..
- معليش يا مدام أحلام حئك عليا .. أنا حشرح لك كل حاقة لما أخلصها .. على كدا امشي انتي للغرفة بتاعت الاستراحة ..
و قبل أن ترد.. دلفت زكية للحجرة ليتعالى نعيق العجوز مجددا .. فابتعدت أحلام بسرعة .. ستصاب بالشقيقة إن أمضت دقيقة إضافية عند باب هذه العجوز ..
اتجهت أحلام نحو غرفة استراحة الممرضات .. تقطع الممر .. و ما زال أمامها حالتين لم تصادفهما ..
.
.
و مع النسائم الصباحية التي تسربت من باب عريض فتح على مصراعيه يطل على الحديقة ..
تسللت صوت ضحكة هادئة .. أصوات أحاديث تنسل برقة مع الهواء الذي حمل معه رائحة العشب الندي ..
لتحين منها التفاته فضولية .. فتقودها قدماها لتتبع الأصوات التي بدت لها في تلك اللحظة غاية في العذوبة .. نظرا لصراخ أم حميد الذي كاد يصيبها بالصمم ..!!
.
.
و ها هن أمام عيناها مباشرة .. في منتصف الحديقة البسيطة .. تجلسان ..
امرأة .. و شابة .. لم تتبين ملامحهما بوضوح .. فقط عرفت أنهن قد استغرقن في التركيز على شيء بين أيديهما لم تره ..
كانت صاحبة الضحكات العالية هي الشابة ..
بينما اكتفت المرأة بابتسامة .. ظلت معلقة على شفتيها و ازدادت اتساعا حين رأت أحلام تقف بالباب المؤدي للحديقة ..
رغم المسافة التي تفصل بينهما .. إلا أنها شعرت بأن ابتسامة المرأة تحمل دعوة لها لتقترب ..
عقدت ذراعيها بهدوء .. و هي تطوّع رجلاها لتتقدم ..
.
.
و تلك خطوة ..
تلو الأخرى ..
قدماها تتعاقبان الوطء على رؤوس الأعشاب الصغيرة .. فتنثني تحتها ..
كانت تمشي الهوينى .. غير متعجلة للوصول ..
و نسائم الصباح المعتدلة تحرك - شيلتها - المثبتة على رأسها بإحكام ..
مع اقترابها .. توقفت الشابة عن الضحك لتنظر لها بشيء من الفضول يخالطه ضحكة مكتومة ..
فيما استمرت المرأة بالابتسام ..
.
.
و ها هي أحلام طوت المسافة القصيرة .. لتبلغ الاثنتين .. اللتين استمرتا في النظر إليها ..
امرأة كان واضحا أن ما مضى عليها يفوق ما هو مقبل .. و قبعت ثنايا جلد رفيعة عند زاوية العينين .. تشكو كم من الدهر قد مر .. جسدها بالغ الصغر .. و حجمها ضئيل .. لذلك لم تستطع الجزم بعمرها ..
و شابة بدت في العشرينات .. تلف رأسها بغطاء مهمل لتنسل بعض الخصلات الناعمة على الجبين بتمرد..
هناك شيء غريب في وجهها ذكرها بطفل يفاجئ بشيء ما ..!!
- الســـــــــــــــــــــلام علــــــــــــــــــــيكم ..
ما زالت الابتسامة على وجه المرأة التي قالت بصوت هادئ .. تدفق بدفء من بين شفتيها ..
- و علـــــــــــــــــــــــيكم الســـــــــــــــــــــــلام و الرحمـــــــــــــــــــــة ..
.
.
في تلك اللحظة غمر أحلام شعور غريب بالألفة و السلام البادي على وجه المرأة أجبرها على مبادلتها الابتسامة بصدق ..
- رب ما قاطعتكم ..
هزت المرأة رأسها بهدوء .. و عيناه تركزان في عيني الأولى .. فتغرق فيهما تلك بلا قرار ..!!
- لا .. بس كنت أقرأ لهاي الحلوة قصة ..
و أشارت بيدها النحيلة للكتاب الكبير المفتوح أمامها .. لتقع عينا أحلام على قصة مصورة تزخر بالألوان .. كان العجب يسكن عقلها الآن .. هل تقرأ هذه المرأة قصص أطفال للشابة ..
كانت المرأة الآن تبتسم و هي تنظر لشيء ما خلف أحلام .. لتلتفت الأخيرة .. فترى زكية مقبلة و قد بدا بعض الضيق على وجهها ..
و لكن بمجرد أن اقتربت .. بدا وجهها أكثر لينا و هي تقول ..
- السلام عليكم .. - ثم التفتت للشابة التي بدأت تضحك بخفة حين رأت زكية - صباحك إشطة يا جميل ..
صوت المرأة الدافئ .. يتغلغل بهدوء في صدرها .. ليشعرها مجددا بذاك الإحساس الغريب بالألفة ..
- وعليكم السلام و الرحمة .. صباح النور يام حنفي .. شحالج ..
- كويسة انتي عاملة ايه ..
- الحمد الله .. شوه .. شكلج معصبة ..
لم ترى أحلام هذا الشيء في زكية .. لم يكن هناك سوى ابتسامة .. و هذا ما أدهشها هل عملهم هو الابتسام على الدوام ..!!
- ما فيش حاقة خالص .. عارفة انتي أم حميد ازاي بتكون الصبح ..
ضحكت المرأة بخفوت و هي تهز رأسها ..
- هيه أعرفها .. الله يهديها بس ..
نظرت زكية لأحلام .. و قالت بسرعة ..
- مدام أحلام .. دنتي سريعة أوي .. مفكيش صبر ..
عقدت أحلام جبينها بعدم فهم .. فقالت الأولى تفسر ..
- يا ستي دول هم البئية .. دي الست حصة .. ضيفتنا الرابعة .. و الأَمَر الجالس دا سوهيلة .. - ثم التفتت لحصة - يا حجة دي مدام أحلام .. مستشارة جاية تشتغل عندينا ..
نظرت لها المرأة بإمعان و هي تقول ..
- مرحبا الساع يا بنتي .. دختورة ..؟!!
هزت أحلام رأسها بابتسامة ..
- تقريبا ..
عادت حصة للنظر للشابة .. وضعت يدها على كتفها و هي تقول بوضوح و تشير بيدها الأخرى نحو أحلام ..
- سهــــــــــــيلة .. هاي أحلام .. بتـــــــــــــم ويــــــــــــــانا ..
.
.
رفعت سهيلة عيناها لأحلام .. و ابتسامة كبيرة على وجهها ..بدا أنها لم تفهم ما قالت حصة تماما .. إذ قالت بصوت مرتفع ..
- آحــــــــــااام ..
هزت زكية و حصة رؤوسهن موافقات .. فيما ظلت أحلام في حيرتها ..
قالت زكية بسرعة ..
- طيب مدام خلصنا خلينا نمشي و نضيّفك كوباية شاي .. ايه رأيك ..
هزت أحلام رأسها موافقة و هي تقبض حقيبتها .. ثم التفتت للاثنتين ..
- يا الله أترخص أنا .. بشوفكن قريب ..
حصة بصوتها المسالم ..
- اللـــــــــــــــــه يحفظج ..

* * * * *
تتمة

- أعاقة زهنيه بعد حمى صابتها لما كانت صغيرة أثرت على الخلايا الرمادية للدماغ ..
قالتها زكية و هي تمرر فنجان الشاي لها .. أمسكته أحلام بإحكام و رائحة النعناع تعبق في أنفها ..
- و امنوه يايبنها هنيه ..
وضعت زكية صحن بسكويت أمامها و هي تقول ..
- أهلها .. يعني هي بت و كبرت دي الوئتي و عاوزين ليها رعاية .. هي مش محتاقة متابعة طبية خالص دي حالتها مستقرة .. بس عاوزة حد يداريها و يراعيها .. و بعدين هي حركتهاا كتيرة و نشيطة .. و هم ناس معروفين .. مش عاوزين فضايح .. فهمه عليه ..
ثم انكمش أنفها اشمئزازا ..
- دي ناس ما بتخفش من ربها .. و إلا حد يرمي الملاك ده هنا ..
.
.
كيف .. أين أمها .. أبيها .. أحد من العائلة .. كيف استطاعوا الاستغناء عنها و هي فرد منهم عندما كانت في أمس الحاجة لهم ..؟!!
ذلك الوجه البريء يسري في عروقه دم يغذيهم .. أي قلب من جلمود يحوون داخل تلك الأجساد الخاوية ..!!
تساءلت أحلام بخيبة ..
- محد يزورها ..؟؟
قالت زكية بحماس ..
- لا إزاي .. أكيد بيزوروها .. يعني الأب و الأم كل جمعة بيكونا هينا .. أخوها من فترة و فترة يشؤ عليها .. أختها الكبيرة كل إتنين و خميس بنشوفها عنديها .. دي سوهيلة و الله زي العسل .. البت ما تنكرش حد .. دايمن بتضحك و و بتتكلم مع الكل .. هو بس المشكلة يعني الإعاقة اللي عنديها موئفة نمو الدماغ .. يعني البت وائفة عن النمو للعقل و مش حتئدر تنمو أكتر .. و غير تئل اللسان .. بس الجسم عادي ما فيهوش مشاكل خالص .. دي روح الدار هنا .. كلنا بنحبها زي بنتنا .. خصوصا أبو عبدالرحمن .. الراجل دا و النبي ماشوفتيش زيو .. قمة في الانسانية و الأخلاق الله يحرسو ..
حركت كوبها بخفة و هي ترتشف جرعة و تفكر في بعض الكلمات التي انسلت لذهنها ..
- أم حنفي .. ما يوز تحلفين بالنبي يزاج الله خير ..
ثم ابتسمت بلطف
- انزين و حصة .. شوه سالفتاا ..
التقطت زكية حبة بسكويت بيدها الممتلئة و قضمتها و هي تقول ..
- الست حصة جاية بنفسها هنا يعني هيا اللي اختارت انو المستشفى يحولها علينا ..
- المستشفـــــــــــى ..!! .. ليش هي مريظة ..؟
غشي الحزن عيني زكية الحنونتين و هي تقول ..
- آآه يا حبة عيني .. هيا عنديها لوكيميا موتأدمة .. و مش عاوزة تتابع كورسات العلاج ..
هزت أحلام رأسها ..
- ما فهمت ..
- أصل هيا ليها سنة و نص بتتعالج بالكيماوي و مفيش فايدة و بعديها وئفت العلاج و طلبت تحويلها هنا .. هيا عندينا من نص سنة تئريبا ..
اتسعت عينا أحلام ..
- شوه يعني ماشي أمل ..؟
- لأ إزاي .. الأعمار بيد الله .. هي بس مش مهتمة الحالة بتتئدم و إلا إيه .. يعني نحنا هنا ما نعطيهاش أي أدوية بخلاف المسكنات الأوية .. أحيانا تجيها نوبات .. و أحيانا زي النهاردة بتشوفيها عال العال ..
- انزينه و أهلها و إلا عيالها .. وين عربانها عنها .. ليش محد يغصبها على العلاج ..؟؟؟؟!!!
هزت زكية كتفيها إشارة لعدم درايتها .. و لكن أحلام لم تفهم معنى هذه الحركة .. كيف ..؟!! ألا يأتي أحد ليسأل عنها ..؟!!
ظلت صامتة لدقائق تقلب مختلف الأفكار في ذهنها .. قبل أن ترتشف ما تبقى في الكوب و تضعه على الطاولة ..
- كم مستشارة قبليه يتكم هنيه ..
ضيقت زكية عيناها مفكرة ..
- مش كتير .. تنيتين بس ..
- كيف كانن وياكم .. أم حميد قالـ ....
قاطعتها زكية ..
- ما تخديش بالك من أم حميد دي ما بتسكوتش خالص .. صحيح انو كان فيه مشاكل شوية .. بس يعني .. يمكن استفدنا شوية .. - ثم ابتسمت لها - بس انتي حاقة تانية .. انتي عارفة الأولى كانت باردة شوية مالهاش دعوة غير بنفسيها .. يعني تقارير و كتابة و أسئلة و الناس هنا بتتدايء .. و التانية كانت كويسة لحد ما جت عند أم حميد .. دي ألبت الدنيا على نفوخ البت المسكينة .. أصل انتي شفتي أم حميد بتكون حارة ازاي .. و دي خالص ما استحملتش .. كل كلمة بتردها ع الست بعشر ..
اتسعت ابتسامتها و هي تتابع ..
- بس انا شايفة انك غير أوي .. إن شاء الله تئدري تساعدينا ..
بادلتها أحلام الابتسامة ..
- إن شا الله .. الا ما قلتيلي .. سهيلة كم عمرها ..؟
- 17 سنة ..
- شكلها كبيرة ..
- الجسم بس .. شايفاك مهتمة خالص بيها ..
هزت أحلام رأسها موافقة ..
- فترة تدريبي كانت في عيادات توام ..صادفت أنواع و أشكال بس هاي أول حالة أقابلها من هالنوع .. بعدين البنية صغيرة المفروض هلها يكونون حولها هب يبعدونها ..
- حتئولي إيه يا ستي .. ناس ما فقلوبهاش رحمة .. هو انتي عندك عيال ..
تنهدت أحلام ..
- لا ..
- عروسة جديدة ؟!!
.
.
كم تكره هذه الأسئلة التي تصادفها كثيرا ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 06-05-08, 04:39 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

هزت رأسها نفيا ..
- لا .. من ثلاث سنين معرسة ..
- آآه .. معليش ياختي .. اتهني .. دول العيال مسؤولية ..
كادت أن تقهقه ساخرة بصوت عالٍ ..
أي هناء هذا الذي لم تذقه .. منذ ...
منذ متى ..؟!!
.
.
منذ ذلك الوقت الذي أحال حالهم إلى هذا تدريجيا دون أن يشعروا ..!!
.
.
كم ترجو من قلبها أن ترزق بطفل ..
لربما يكون ذلك بمثابة قنبلة تفجر وضعهم البائس هذا ..
تنهدت بقنوط شديد ..
.
.
كم تتمنى من قلبها أن تتغير الأمور ..
لهذا سعت للخروج و العمل ..
قد يكسر هذا روتين مشاعرهم الراكدة .. لا يهمها كم من شجار سينشب بينهم نتيجة هذا الموضوع ..
لقد خضع لرغبتها في لحظة غريبة يراها ضعف من نفسه .. و لكنه فعل .. سمح لها بالعمل .. و هو لا ينقض كلمة له أبدا .. لذلك تجد نفسها هنا ..!!
تعلم جيدا أنه يلوم نفسه الآن لذلك ..
.
.
و تعلم جيدا أي ضجة سيثيرها موضوع عملها هناك ..!!


* * * * *


كانت فتاة الاستقبال التي تعرفتها باسم أمينة قد أعطتها مفتاح سيارتها الذي تركه عندها حكيم ..
ما زال الوقت مبكرا و لكن سمح لها بالخروج الآن نظرا لأنه أول يوم لها هنا .. لذلك حملت ملفاتها و استلمت مفتاح مكتبها الجديد .. و تركت المكان كله ..
و حين راح سور المستشفى الذي يحتضن تلك المنازل يختفي خلفا .. كانت الكثير من المشاعر تختلط عليها و تتضارب في داخلها لتشتتها ببساطة ..
.
.
مؤشر الساعة الألكتروني للسيارة يشير للثانية عشر و النصف .. ما زال هناك وقت .. ستذهب لبيت أهلها لتسلم على زوجة أبيها .. و ستصلي الظهر هناك .. ثم ستعود إلى بيتها ..
و بعد ما يقارب الخمس و عشرين دقيقة أوقفت سيارتها أمام باب منزلهم .. لتترجل منها تاركة فيها ملفاتها و أغراضها ..
قطعت فناء البيت الواسع .. لتدخل الصالة بهدوء .. لتراها كعادتها جالسة في الصالة تطالع برنامجا سياسيا بتركيز .. تشك أحلام أنها قد تفهم منه شيئا ..!!
خلعت حذائها عند الباب .. لتدخل ..
- الســــــــــــــــــــلام علــــــــــــــــيكم ..
انتفضت بغتة .. تلتفت نحوها بابتسامة كبيرة ..
- و علــــــــــــــــــــــيكم الســــــــــــــــــــــــــلام و الرحمـــــــــــــــــــة .. مرحبا فديتج ..
ابتسمت أحلام و أقبلت تسلم عليها و تقبل جبينها .. ثم ألقت نفسها على الأريكة الوثيرة ..
- شحالج أمايا ..
نظرة الحنان المعتادة لا تغيب قط عن عيناها ..
- بخير غناتيه .. انتي شحالج .. و شحال ريلج ..
- يسرج حالنا .. شوه تسوين بروحج .. وين القوم عنج ..
- اطالع التلفزيون .. موزان فوق و لطفين و راشد في الجامعة .. هاا لطوف تقول اليوم بتداومين ..
ابتسمت أحلام و هي ترى بريق استياء واهٍ في عينيها ..
- هيه ترانيه رادة من الدوام قلت بخطف عليكم و بصلي الظهر .. خلاف برد البيت ..
و قفزت من مكانها متوجه نحو الدرج الذي يتوسط الصالة ..
- بصلي فحجرتيه .. و بنـ ....
قطعت عبارتها لتصيح بشوق حين رأت ذاك الذي أخذ ينزل درجات السلم بسرعة ..
- حمـــــــــــــــــــداااااااااان ..
ابتسمت بسعادة .. فقد مر قرابة الأسبوعين و لم ترى أخوها الأكبر ..
لكن ردة فعله الغريبة لم تدل على أنه اشتاق لها هو الآخر .. إذ واصل نزول الدرج دون أدنى حركة قد تدل على أنه سمعها .. و تجاوزها نحو الباب الخارجي ..
.
.
حتى أنه لم ينظر إليها ..!!
وقفت للحظات في مكانها لا تجد تفسيرا لما حدث للتو .. فالتفتت للأخرى .. و عيناها تنشدها الإجابة ..
بدا الأسف الشديد على تلك .. فتقدمت أحلام منها مرة أخرى ..
- أمايا حمدان زعلان عليه ..؟!! .. ليش يخطف و ما يسلم ..
لحظات ثقيلة من الصمت .. و عيناها تطالبان بالاجابة ..
نظرت تلك إليها ..
- شوه تبينيه أقولج .. إنتي تعرفين الحشرة لي سواها يوم طلعتي ليسن .. و الحين انتي تشتغلين .. أمس قلب البيت ع روسنا .. تم محتشر علينا .. ما يباج تشتغلين ..- ثم لانت ملامحها في رجاء - أحلام فديتج .. هب حمدان روحه لي بيحتشر .. انتي ما فكرتي في أهل ريلج .. امبونهم هاييل يرقبون منج الزلة .. ما بتسكت شريفة عن السالفة و عمج ما ظنتيه درى و الا كان رمسج .. و الله انج هب في حاية الشغل .. شوه تبينبه .. ريلج عنده خير .. و نحن مستدين و الحمد الله .. أحلام يا بنيتي خلي هالشغلة .. و الله ما بيي منها الا المشاكل ..
.
.
لحظات صمت عقبت هذه الكلمات التي لطخت الصمت لترسم لوحة فوضوية لما سيحدث ..
أغمضت عيناها بهدوء شديد .. لطالما كان العمل عندهم من المحظورات .. قانون لا يمكن اختراقه ..
و حين اخترقه ذاك .. كان يعلم أنه فعل شيئا ثوريا في نطاق العائلة .. رغم ذلك هي متأكدة من أن أحدا لن يستطيع أبدا الاعتراض على قراراته .. أبـــــــــــدا ..
ستواجه الكثير من مثبطات الهمّة هذه .. لكن لا بأس أحلام .. هذا ما أردتِه ..
رفعت نظرها لتواجهها ..
- أنا ما عليه من حد .. ريليه موافق .. و محد له كلمه عليه إلا هو .. لي يبا يرمس يرمس .. و لي يزعل يزعل .. و بعدين امنوه قال إنيه هب في حاية الشغل .. أنا اختنقت داخل البيت .. أبا أظهر ..
اتسعت عينا الأخرى بصدمة ..
و بلعت أحلام غصة كادت تخنقها ..
- أنا بسير أصلي ..


* * * * *


شعرت بوهن غريب يغزو روحها و هي توقف سيارتها في كراج بيتها الكبير ..
لم تحطمها كلمات زوجة أبيها .. و لكنها خدشت جدار العزم فيها .. إذا كانت هذه ردة فعل أهلها فماذا عن أهل زوجها .. حقا ستواجه الكثير .. الأيام القادمة ستمتحنها صبرا ..!!
ترجلت من سيارتها تدخل البيت ..
في هذه الأوقات يكون قد انتهى من أداء صلاته .. يجلس أحيانا في الصالة و يطالع التلفاز أو في مكتبه ينهي كتابة الرواية الجديدة التي يعمل عليها ..
و لكن الصالة كانت خالية .. إذا هو في المكتب .. و بما أنها عادت أبكر من الوقت الذي أخبرته به فكرت بأن تبدل ملابسها و تستحم قبل أن تطلب منهم تجهيز سفرة الغداء ..
و توجهت للقسم الخاص بهم في الطابق الأسفل ..
.
.
حين دخلت جناحها لفها الهواء البارد الصادر من مكيف الهواء .. فتقدمت نحوه لتغلقه تخنق تدفق نسائمه ..
و فتحت النوافذ الكبيرة .. ليدخل الهواء الطبيعي ساخنا .. و لكن جديدا .. استنشقته بنهم و هي ترمي بعباءتها و غطاء رأسها مفكرة أن موقف حمدان وحديث زوجة أبيها أنساها أن تسأل عن أختها .. تقدمت بسرعة لحقيبتها التي ألقتها للتو تلتقط هاتفها و تتصل بها ..
.
.
لحظة و صوت متقطع ينبئها ببلوغ الخط ..
و هي تنتظر ..
.
.
لحظات و يصلها الصوت الرقيق متسائلا ..
- مرحبـــــــــا ..
ابتسمت بهدوء .. يمكن لهذه الفتاة أن تنتشلها من أي مزاج لترمي بها في غمار النعومة التي تخلقها حولها ..
- هلا موزان .. شحالج ..
- بخير فديتج .. انتي علومج و علوم أول يوم وياج ..
- علومي طيبة .. بغيت أشوفج و أخبرج بالتفصيل .. ترانيه كنت في البيت ..
- أووونه .. ليش ما خبرتينيه يا السخيفة ..
- شوه أقولج .. لقيت حمدان هناك .. و لبسني .. زعلان الحبيب .. و امايا سدحت ليه محاظرة ع سالفة الشغل .. قلت أشل عمريه و أرد البيت أخيرليه ..
- شوه كنتي تتوقعين حبيبتي .. انتي لي يبتي لعمرج.. بس تعرفين شوه .. انتي فتحتي لنا ابواب المستقبل أول الغيث قطرة .. يمكن يخلونيه أشتغل انا بعد ..
ضحكت أحلام بمرارة و هي تتمدد على الأريكة الضخمة ..
- و الله ضحكتينيه .. موزة حبيبتي لا تحلمين و انتن عند حمدان .. لو درى ان الخيال شطح بج و فكرتي في الموضوع .. و الله ينه ذبحج عنده حلال ..
انساب لها صوت موزه الهادئ تخلخله الحزن ..
- ليته يسويها ع الأقل أفتك من هالحالة الزفت لي أنا عايشتنها ..
أغمضت أحلام عيناها .. ها قد بدأت أختها في موال جلد الذات ..
- موزان استغفري ربج .. حرام تمني الموت ..
قالت موزة بصوتها الهادئ المعتاد ..
- استغفر الله .. ما عليج انا كل مااتذكر شي تضيق بي الوسيعة ..
- فديتج .. انا بحاول باكر العصر اييكم .. و بنرمس أوكيه ..
- خلاص .. يا الله انا بسير اتغدا ..
- برايج حبيبتي ..
.
.
أنهت المكالمة لترمي بالهاتف على الطاولة القريبة .. ستكتفي بتبديل ملابسها و تؤجل الاستحمام إلى ما بعد الغداء ..
هي بحاجة لرؤيته .. هناك رغبة غريبة تدفعها لمعرفة ماذا فعل في غيابها ..!!
لذلك انطلقت نحو مكتبه .. و ها هي الآن تواجه الباب الخشبي الضخم ..
.
.
قسوة و صلادة من الخشب لم ترها في مكان آخر .. هنا مخبأ دوما يلجأ له ..
هذا الباب .. حاجز بينها و بين الكثير ..
ليت تحطيمه سهلا .. لربما سترى حينها ما هو خلفه ..!!
.
.
و تخدش ركب أصابعها طرقاتها للباب بعمق ..!!
.
.
صوته القوي الآمر من خلف هذا السد يأتيها ... يشتتها للحظات ..
- تفضــــــــــــــــل ..
ألصقت راحت يدها بالخشب المصقول ..
.
.
ستدفع ما تبقى من أيامها ..
كل لحظة منها .. بلا تردد ..
فقط ..
لتدفع هذا الباب و تجد شخصا كانت عرفته في الزمن الغابر ..
قبل أن تقلبه الأقدار لواجهة حجرية تصد الأذى الذي لن يلحقه أبدا منها ..!!
تنهدت قبل أن تدير المقبض بهدوء لتدلف المكتب ..
.
.
هذا المكان الذي يعتكف فيه ..
هذا السكون الذي تسمعه فيخيل لها أنها أصيبت بالصمم ..
هذا البرود الذي يقشعر بدنها له ..
هذا الوجه من جليد يرتفع لها مطالعا بصمت ليعود فينظر للأوراق تلك التي بين يديه ..
.
.
اخترقي قدسية المحراب هذا بهمسك يا أحلام .. فهو جاف كصحراء قاحلة ..
اسكنيه .. اسري فيه .. لونيه بشيء منك .. أحلام أنتِ .. لا يأس معك ..!!
.
.
و لكـــــــن كيف ..
لقد أفلتت خيوط البهجة بينهما منذ دهر مضى ..
كيف تعود ..؟!!
ها هو الهدوء يدمدم ضجرا .. فتقطعه بحدة صوتها ..
- السلام عليكم ..
و لا يرتفع ذلك الرأس المكسو بالشعر الغزير عن أوراق تناثرت ..
- و عليكم السلام .. بعدها ما يت ثلاث ..
تحركت من عند الباب تتقدم نحو مكتبه ..
- رخصونيه بدري أول يوم ..
رفع عينه إلى عينيها .. ينظر لها بتركيز شديد ..
- اتصلتبج ..
أخفضت عينيها كاذبة ..
- كان ع الصامت ..
هز رأسه بحركة لم تفهمها .. مدت أناملها بشرود تعبث بوريقات أمامها ..
.
.
- لا تتعبثين بشي ..
أعادت يدها بسرعه لحجرها كطفلة مذنبة ..
و عاد هو لأوراقه يغرق فيها .. قبل أن تهمس ..
- منصـــــــــــــــــــــــــور ..
.
.
لا يرد .. لكنه يسمعها ..
- بخليهم يزهبون الغدا ..
و تركت مقعدها متوجهة نحو الباب .. و تخرج من المكتب بسرعة ..
.
.
و بعد لحظات استقرت على طاولة الطعام مقابله تماما .. تلتقط صحنه بهدوء .. لتقدم الغداء له وسط السكون المطبق .. دوما هم هكذا .. لا يتخلخل لقاءهم على الطعام كلمات إلا فيما ندر ..!!
نظرت له بإمعان و هي تحرك ملعقتها في الصحن بشرود ..
رغم جلوسه على الكرسي المتحرك الذي لا يفارقه .. إلا أن طول قامته الفارع واضح جدا ..
كان يتناول طعامه بهدوء .. لا لين في ملامح وجهه الصارم ..
.
.
قيل لها ذات جرح .. أنه قد أخطأ حين اختارها زوجة له .. هل يفكر هو بذلك .. غير مستبعد ..!! .. فهم في دوامة الجفاء منذ وقت طويل .. لكن هذا ليس بيدها ..
و ربما لم يكن خطؤه .. لطالما كان نبيلا .. نبيلا جدا .. و شهما .. لدرجة أنه تزوج من ابنة الـ ........
.
.
- سمعتينيــــــــــــــــــــــه ..
اخترق صوته الصمت لينتشلها من أفكارها .. فتجد نفسها تحدق به بذهول .. كان ينظر لها بطريقة غريبة ..
- هااااا .. ؟!!
عاد ليواصل تناول الغداء ..
- أقولج الليلة بنسير قدا هليه ..
.
.
ارتعشت أصابعها على الملعقة ..
لا .. أرجوك ..
لا تفعل بي هذا ..!!
.
.
ارتجف صوتها و دون أن ترفع عينها ..
- لا .. الليلة ماروم .. خلها باكر ..
- ليش ما ترومين ..
كان عليها أن تلفق عذرا ..
- تعبانــــــــــــه ..
رفع حاجبيه ساخرا .. لم يصدقها ..!!
- قيلي الظهر و العصر بيخوز التعب .. نحن ما بنسير إلا عقب المغرب ..
وضعت الملعقة جانبا و هي تتنهد ..
- منصور .. أنا ماريد أسير الليلة ..
كان صوته هادئا ..
- ليــــــــــــــــــــش ..؟
رفعت نظرها له بصراحة ..
- اليوم خذت لي يكفينيه من أمايا و حمدان .. ما فينيه أسير لبيتكم و يزيدونها هلك عليه ..
الآن كان يبتسم بطريقة أثارت حنقها ..
- هذا انتي لي تبين تشتغلين .. و مستعدة تتحملين كل شي ..
وضع الملعقة جانبا و حرك كرسيه تاركا المائدة ..
- و الليلة بنسير أنا و انتي عندهم .. مابا أرد المغرب الا و انتي زاهبة ..
.
.
كادت الملعقة الحديدية أن تنثني بين أناملها من شدة الغيظ ..!!


* * * * *


انتفضت من غفوتها على صوت المنبه ..
لتجلس مستوية على فراشها .. الساعة تشير للرابعة و الربع ..
نهضت و توضأت لتؤدي صلاة العصر قبل أن يفوتها وقتها ..
.
.
بعدها خرجت للصالة .. و هي ترتدي غطاء رأسها فبعد نصف ساعة سيأتي أخيه لاصطحابه ..
وقفت عند الشرفة الخلفية لتجد الخادمة قد وضعت القهوة هناك ..
استرخت على أحد المقاعد و هي ترتشف فنجانا من الشاي ..
و تنظر للحديقة التي أمامها .. خطر فبالها حديقة الدار التي التقت بحصة و سهيلة فيها ..
شعرت الآن بخمول شديد يمنعها من أن تأتي بالملفات و الإطلاع عليها ..ستجد الوقت لها مساءً حين تعود من بيت عمها ..
تنهدت ببؤس مفكرة بأنها ستواجه الكثير الليلة .. ربما سيكون ضيق عمها أقل وطأة من ضيق زوجته .. فعمها بطبيعته الحنون دائما ما يتعامل مع الأمور بعقلانية ..
و لكن أم منصور ..!! .. فكرت في تلك المرأة المتعلقة بأبنائها .. كان اختيار منصور لها زوجة صفعة لن تنساها .. فهي كانت تفضل أن يختار إحدى أُختيها على اختيارها .. رغم أنه كان واضحا بأنها ستكون له مستقبلا لما يشار لهما معا ..!!
منذ صغرها كان هو القدر الذي رُصد لها .. ابن عمها الأكبر .. هي له و لا يحق لها الاعتراض .. حقيقةً لم تفكر يوما بذلك ..
فقد كان شابا مميزا .. تطمع الأخريات في الوصول إليه .. و لكنه مشى ببساطة على خطة الأهل و تزوجها ..
كان بإمكانه المعاندة .. بإمكانه الرفض .. كان في يده أن يمشي على رأيه ضاربا رغبات العائلة عرض الحائط ..
خصوصا مع رفض أمه الشديد لها .. و إبدائها استياءها بوضوح .. رغم ذلك .. ها هي متزوجة منه منذ ثلاث أعوام تجاوزا فيهما الكثير معا ..
حتى أصبحا الآن يعيشان معا كالأغراب .. كل يوم يمر عليهما يزيد المسافة بينهما .. تراه أمام عينها .. تمد أناملها لتلامسه ..
و لكن يفصلها عنه ما هو أكبر من الخطوات ..
.
.
فكرت بأن موزه ستكون ممتنة لحياتها الحالية .. على العيش في هذه الدوامة ..
فالطلاق إذا كان انفصالا تاما .. يمكنهما من الابتعاد كل في طريق .. أفضل من هذا الجحيم الذي تعيشه ..
الجفاء .. فقدان القدرة على التواصل و الكلام .. انعدام الترابط بينهما إلا في حدود معينة ..
.
.
هذا هو الطلاق العاطفي ..!!
وضع يمزق قلبها الحائر إلى أشلاء ..
تنهدت بعجز ..لو كانت علاقتهما متينة قبل الحادث .. لما حولتهما الأيام إلى زوجين يعيش كل منهما عالمه منفصلا عن الآخر ..
و لكن هل حاولت اختراق عالمه قبل أن لومه على وضعهما هذا ..؟!!
لا يكفي سؤالها عن مدى تقدمه في كتاباته ليعيد أواصر الصلة بينهما .. و لكن هو الملام أيضا .. إنه لم يوجه لها سؤالا واحدا عن عملها اليوم ..!!
.
.
و توارد الخواطر ينقطع بفعل بوق سيارة توقفت في الخارج ..هذا مبارك بالتأكيد ..
لحظات و تراه يخرج بلباسه الرياضي يستند على عكازين و رجل ضعيفة ..
لا يستخدم العكاز أبدا إلا فيما ندرا نظرا لعطب إحدى رجليه و هوان الأخرى .. لا يستخدمها إلا حين يذهب للصالة الرياضية التي يرتادها لتمرين قدمه الضعيفة كي لا تلحق بالأخرى ..
فقد حذر كثيرا من أن رمق الحياة في رجله اليسرى سينتهي إذا ما لم تمرن باستمرار .. و بما أنه اكتفى بفقد اليمنى .. ما زال يحافظ على الثانية ..!!
مع مشيته البطيئة يستغرق دقائق ليصل للباب الخارجي .. و ها هي تراقبه و هو يتخطى بحذر ليصل للخارج فيختفي خلف الباب الحديدي ..
.
.
الآن لها أن تأهب نفسها لمواجهة ما بعد المغرب في بيت أهله .. لا بد أن أمه قد شحنت أسلحتها استعدادا لمهاجمتها .. تمنت من قلبها أن يكون عمها حاضرا .. ذلك بالتأكيد سيخفف الأمر عليها .. رغم أنها واثقة من أنه هو الآن معارض لعملها .. فكرت بأنه لو كان منصور على ما يرام لما خشيت مواجهة أحد .. و لكن هي الآن ضعيفة حتى أمام نفسها .. فجزء منها يشعر بالذنب حين تفكر بأنها ستخرج كل صباح تاركة إياه هنا ..
حاولت تخفيف اللوم على نفسها و هي تتذكر بأنه هو الآخر يعمل هنا ..
.
.
شيء واحد تأكدت منه ..
هذه الأمسية لن تكون هادئة إطلاقا ..!!


* * * * *


حين أوقف ساجد السيارة أمام بيت عمها شعرت بقوتها تخذلها .. طوال الطريق و هي تمني نفسها بشجاعة ..
لن ترد على أي من المهاجمات .. لا دخل لأحد بموضوع عملها سوى زوجها .. و هو الذي وافق عليه ..
ستتجاهل أي نغزة أو أي تحرش صريح .. ستتبادل الأحاديث و تتناول العشاء و تودعهم عائدة لبيتها .. و غدا هو يوم جديد ..!!
و لكن الآن و هي تقف أمام باب البيت لم يبدو لها الأمر بهذه السهولة ..
فتح السائق لزوجها الباب بعد أن أنزل كرسيه و قربه ليساعده على الجلوس فيه ..
نزلت مسرعه تلحق به ..
يتحرك دون حاجة لمساعدتها إطلاقا .. و مشت هي بجانبه بهدوء حتى وصلا إلى الباب الداخلي للبيت ..
حين وقع الحادث و أصبح محتجزا لهذا الكرسي .. و ضع أهله عند كل درج مطلعا مسطحا يسهل عليه التنقل في البيت ..
لذلك وصل بسهولة لتقرع الباب بهدوء قبل أن تدفعه و تتنحى جانبا سامحة له بالدخول ..
ثم دلفت خلفه ..
.
.
في بادئ الأمر ظنت أنهما هنا لوحدهما و لكن سرعان ما خيّب حدسها حين ارتفع صوت أمه مرحبة بهما ..
- مرحبا .. مرحبا و سهلا .. حيا الله من يا .. قرب قرب فديتك ..
عقدت أحلام جبينها ( قرب ) و ليس ( قربوا ) ..حرك كرسيه نحوها بسرعة لتستقبله بالأحضان ..
و تقدمت أحلام هي الأخرى منهما .. علاقتها بأمه كانت قد شهدت تغيرات نحو الأفضل بعد الحادث و رعايتها له .. صحيح أنها لم تبذل الكثير بسبب رفضه المساعدة .. و لكن وجودها هناك كان يكفي ..
و ما بين الحين و الآخر كان يعكر صفو الهدنة بعض التلميحات التي لا تصبر حماتها عنها ..
و ها هي نظرة الاستنكار تعلو وجهها و هي تسلم عليها ببرود شديد ..
- مرحبا يا بنيتي .. تفضلوا ..
قدم منصور كرسيه و جلست هي على الأريكة القريبة منه .. شعرت بنفسها بحاجة لدعمه ..
في حين استرسلت أمه تحدثه بحنان فائق .. منصور هو الابن البكر و المفضل لديها .. و إعاقته زادت تعلقها به ..
كبحت ابتسامة حين التفتت إليها لتسألها بشيء من اللوم في صوتها ..
- شحالج يا أحلام .. و عمتج شحالها ..
لن تستطيع مهاجمتها و هو هنا .. و لكنها بالتأكيد لن تفوت فرصة رمي التعليقات المبطنة .
- يسرج الحال عموه .. و أمايا - و تعمدت أن تشدد على الأحرف - بخير ..
التفتت مجددا لابنها ..
- و علومك فديتك .. ليش ما تيينا بدل حكرة البيت - و نظرت شزرا لأحلام و كأنها هي من يحبس إبنها هناك - ما تيينا أخبارك الا من مبارك ..
رد بصوته القوي ..
- و الله مشغول يا الغالية .. عنديه تسليم الكتاب شهر ثنين و أنا عدنيه ما خلصته .. و بعدين البيت تدلونه .. سيّروا علينا لا هنتم ..
.
.
كان الوقت يمر بطيئا ليس بسبب إحساسها بالملل .. بل الترقب .. تنتظر أن يأتي عمها و مبارك ليوضع العشاء و يضطر منصور لتركها هنا .. عندها سيبدأ الكرنفال ..!!
وقفت على قدميها حين أقبلت شقيقته نحوها بحبور ..
- هلاااااااااا و مرحبااااااااا .. اقووول البيت منور ... - و قبلت أخيها بحب قبل أن تلتفت لها - أوه أوه .. الدكتورة أحلام هنيه ..
ابتسمت أحلام بصدق حين سلمت عليها بحماس و جلست بجانبها و بعد أن تبادلت الأخبار مع منصور التفتت لها بشيء من اللهفة ..
- وااااااااااي .. أحلاااااااام اشتقتلج يا الدبة .. ليش ما تتصليبيه .. و الله يا بنات عبيد محد فيها الخير إلا لطفين فديتاا ..
- هههههههههههه ما يحتاي هاي على مدار الساعة شغالة ع التيلفون ..
نظرت لها شزرا ..
- و الله البنية أصيلة تعرف توجب العرب .. و إلا فيه some body تمر الشهور و ما يقولون بنرفع السماعة نتنشد عن ميثا .. يمكن حية و إلا ميتة .. ما علينا ..- أخفضت صوتها - سمعت إنج داومتي اليوم ..
نظرت أحلام لأمهم و وجدتها مستغرقة في الحديث مع منصور .. فهمست ..
- لطوووف خبرتج ..
- لا سمعت أمايا اليوم تتحرطم عند ابووية .. و تخبرت لطووف و قالتلي ..
- هييييه .. الله يستر عيل .. اسميها بتخشعنيه اليوم بالرمسة ..
- و الله ما بترحمج .. بس خلج متقبظة بمنصور .. ما ظنتيه بترمس قدامه .. تعرفينه ما يحب حد يكسر رمسته و الا يشارع فيها .. حتى أمايا ..
ابتسمت أحلام بسخرية .. لا تدري لما تشعر بأنه سيكون مستمتعا هذه المرة بالسماح لهم بتحطيم عزيمتها ..
قالت تغير الموضوع ..
- علومها اختج .. من عرست ما سمعنا حسها .. تولهنا عليها ..
- العنود ..؟ .. علومها طيبة .. تقولين ما صدقت عرست .. امررة ما تنشاف ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 06-05-08, 04:46 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

بعد دقائق وصل عمها و مبارك للبيت ..
و جلسوا جميعا سوية .. لم يُفتح موضوع عملها حتى التفت لها عمها و قال بشيء من الاستياء ..
- أحلام .. يقولون انج اشتغلتي ..؟!!
من هم الذين ( يقولون ) ..؟
هزت رأسها و هي تنقل بصرها بينه و بين زوجته الذي تبين الامتعاض فورا على وجهها ..
- هيه عمي ..
- وين ..؟
- مستشفى الساد ..
اتسعت العيون بدهشة .. لم يكن أحد يدري بموقع عملها سواه .. فسأل مبارك ..
- و العثرة .. و شعنه فارينج هناك ..
- هذا الحاصل ..و هم خيرونيه و انا وافقت .. تعرف أنا أول مرة و ما عنديه خبرة ..
و هنا تدخلت زوجته لتقول بضيق شديد ..
- و شوه حادنج ع الغربلة .. الخير وايد و الحمد الله انتي هب محتاية شغل ..
التزمت الصمت و لم ترد .. و تابعت هي تقول ..
- أنا اشوف شغلج ماله دااعي .. أصلا نحن قاطعين الشغل عليكن و انتن في بيوت هلكن .. الحين ريلج طايح و متلعوز و كل يوم انتي مودرتنه بروحه .. امنوه بيداريه و يراعيه .. بشاكير البيت ..
كانت تصور منصور كالعاجز .. و رغم تقيّده بالكرسي كانت أحلام أبعد ما تراه عن العجز ..
رفعت عينها تنظر إليه .. وجهه الحديدي ينظر مباشرة لوجه أمه المنفعل .. لما لا يرد عليها .. هل يعجبه كلامها .. كان الصمت قد عم المكان .. لن يهب أحد لقطع هذا الحديث .. فالكل يوافقها الرأي ..
عادت أمه تقول بشيء من الحرّة ..
- الحرمة السنعة تقر فبيتاا و تحاتي حاية ريلها .. هب ترتغد فكل مكان .. بس شوه بنقول .. الواحد ما بيظهر إلا على أصله ..
.
.
و كانت هذه طعنة مباشرة ..
.
.
أغمضت عينيها بألم .. دوما توجعها هذه النغزات ..
اخترق الصوت الصارم عالمها المظلم و هي تختفي خلف جفنيها ..
- شريفـــــــــــــــة ..
هذا عمها ينهر زوجته .. و ذاك يجلس دون التفوه بكلمة .. تهان أمام عينيه و يتمتع بالمشاهدة ..
هبت واقفة في مكانها تكابر دمعة تحاول الفرار .. تبلع غصة تزاحمت مع الكلمات على شفير حلقها ..
تطالعها الأعين .. أين ستذهب الآن .. ؟ .. أي مكان ستلجأ إليه لتختفي عن هذه النظرات .. بعضها فضولي و البعض الآخر مشفق ..!!
.
.
و البعض أقسى من الصقيع ..!!
.
.
و كأنما شعرت ميثا بحاجتها للخروج من هنا .. وقفت هي الأخرى لتقول بسرعة ..
- تعالي أحلام بعدج ما صليتي العشا .. بنسير حجرتيه نصلي رباعة ..
تبعتها أحلام و هي تشعر بالإحراج الشديد .. ليس بسبب التعليق الذي ألقته حماتها .. بل لأنها شعرت بنفسها ضعيفة ..
شعرت بأنها محل للشفقة حين يؤذيها الغير و سندها يقف مكتوف الأيدي ..
كم كرهت هذا الإحساس .. حين هب عمها لإسكات زوجته فيما التزم زوجها الصمت .. تعلم أي قوة يمكنه فرضها هناك ..
لكنه فضل السكوت هذه المرة .. فضل أن يراها تتألم ..!!


* * * * *


ألقت بساعة يدها على طاولة الزينة بغيظ .. طوال الأمسية نسي الجميع ما قالته شريفة .. بالتأكيد سينسون .. لم يشعر غيرها بوخز كلماتها الشائكة ..!!
تفرك يدها بكريم .. و هي تراه يخرج بكرسيه من غرفة الملابس .. تشد على جلد يدها بقوة و تكاد تسلخه ..!!
لم يتفوه بحرف ..!! و لا حرف واحد .. و كأن شيئا لم يحصل .. لقد قالها بوضوح هذا النهار .. هي من أرادت العمل و هي من ستتحمل تبعاته ..
أعادت علبة الكريم للطاولة بشيء من الحنق .. ليلتفت لها بهدوء .. و كأنه يتعجب من هذا الإزعاج ..
ثم تقدم بكرسيه نحو السرير العريض ليثبته ثم ينقل جسده بمهارة إلى الأعلى و يستلقي ببساطة على الفراش .. لم تساعده قط في الاعتناء بنفسه .. يرفض أن تمد يد العون له ..
و هي الآن لا تهتم .. كانت تجلس على كرسي الزينة .. و هي تشعر بالألم يجتاحها ..لا تدري لما أصبح وضعهما الليلة لا يحتمل .. شعرت و كأنها على وشك الانفجار ..!!
و للمرة الأولى مذ عادا وجه الكلام إليها ..
- شوه عايبتنج اليلسة هناك ..
رفعت نظرها تقابل إنعكاس وجهه في المرآة ..
فتابع يقول ..
- نشي بدلي نبا نرقد ..
السخرية في صوته و هو يردف ..
- عسب ننش بدري وراج دوام ..
نكست رأسها .. و إحساس غريب بالوحدة يجتاحها ..
رفعت عينها مجددا تنظر إليه لتسأله بهدوء أخفى خلفه الكثير ..
- ليش خليتنيه أشتغل ..
لم يكن ينظر إليها .. كان يركز على زكرشة طرف السرير ..
- انتي لي بغيتي تشتغلين ..
- و انت كنت معارض .. شوه لي خلاك تغير رايك ..
و تلتقي عينيه بعينيها ..
- تعرفين ليش غيرت رايي .. نشي بندي الليت ابا أرقد ..
هبت من مكانها واقفة ..
- عيل يوم انك موافق ع شغليه .. ليش …..
و علقت الكلمات في حلقها .. لم تعرف كيف تعبر بأحرف بسيطة عن وقوفه بلا حركة و هي تتعرض للإحباط ..
فقط قال ببروده المعتاد ..
- ليش شوه ..؟
.
.
تهدج صوتها و هي تمنع نفسها من البكاء ..
- ليش تحاول انك تحبطنيه ..
- ما حاولت أحبطج ..
رفعت صوتها بانفعال ..
- بلى .. قلتلك انيه ماريد أسير بيت هلك الليلة .. و ان حمدان زعلان و امايا مرمستنيه .. هب ناقصة حد يغثنيه .. بس انته عايبنك الوضع .. عسب كذيه سمعت أمك تعق رمستا عليه .. و ما سويت شي ..
.
.
لم يرف له جفن بعد كلماتها تلك ..
و لا رد فعل على رأيها سوى صوته المخيف الذي قال بقوة ..
- قصري حسج و لا تصارخين ..
.
.
عضت على شفتيها بقوة و هي ترى انعكاس القسوة في عينيه ..
هبت من مكانها متوجه لخزانة الملابس العملاقة .. تلتقط منها ثوبا لتصفق بابها .. و تخرج من الغرفة ..
لا يهمه ألمها و شكواها .. لا يهمه سوى مستوى صوتها الذي تحدثه به ..
.
.
شعرت بالاكتئاب الشديد ..
كل يوم يمر عليها هكذا .. هدوء مستمر .. برود يقشعر له قلبها ..
كل يوم يزيد الفجوة بينهما و تتسع الهوة بلا قرار ..
.
.
واثقة من أن الصباح سيحمل هدوءه المعتاد .. و بقليل من الحظ سيأتي الليل و الهدوء هو السيد هنا ..
تطمئن نفسها مؤكدة بأن هذه الأحداث هي النتيجة على عملها .. و عملها هو أن تعلم بأن لكل فعل .. ردة فعل ..
و كم هي محطِمة ردة الفعل هذه ..!!
.
.
تلك الليلة حين استلقت في الظلام تنشد الرقاد الذي بدا أنه سكن جفون أخرى غيرها ..
شعرت بأن أول يوم في العمل كان حافلا .. دفعها للتفكير بأن الأيام المقبلة ستحمل في طياتها الكثير ..
كم تحتاج لتغيير جذري .. !! .. لكن هذا التغيير لن يأتي إلا إذا كافحت للوصول إليه ..
أول عقبة في طريقها هو حالة الطلاق العاطفي بينها و بينه .. عليها أن تردم الهوة بينهما ..
لم يكونا بهذا السوء من قبل ..
.
.
و لكن ضيع كل منهما الآخر في زحام الأيام ..!!
.
.
حين تصل إليه ستجد الحلول لكثير من المشاكل ..
عندها ستستطيع مساعدة تلك الحالات ..
الحـــــــــــــــالات ..!! لم يعد هذا الاسم ذا جدوى .. فالحالات غدت ملامح و أوجه و أسماء تشار بها ..
أصبحوا أناسا مثلها قد تستطيع مساعدتهم ..!! و لكن هل تستطيع حقا ذلك و هي عاجزة عن مساعدة نفسها ..؟!!
.
.
.
فكرة أخيرة طرأت ببالها و النوم يناوش عيناها ..
لم تطلع على الملفات المهملة تلك ..!!
.
.
لا بأس سيأتي الغد ..
و غدا هو يوم آخر ..


* * * * *
●○▐الرؤيـــــــــــــــــــــــا الثانيــــــــــــــــــــــــــة▌○●


.
.
أقبل الصباح بسرعة لعينيها التي لم تُروى نوما ..
فاستيقظت بعجل و هي ترى الساعة تشير للسادسة .. لم تصلي الفجر ..!!
الفراش بجانبها خالٍ .. هذا يعني أنه استيقظ للصلاة و لم يوقظها .. فهو لا يرقد بعد الفجر أبدا ..
قضت صلاتها .. و راحت تستعد للعمل رغم أنه لا يزال أمامها ساعتين .. و لكن حمى حماسة الأيام الأولى كانت تخالجها ..
لذلك كانت الساعة تشير للسابعة إلا ربعا حين انتهت .. توجهت لتناول الفطور .. فلم تجده في الصالة ..
.
.
يعتكف الشرفة الخلفية هذه الأيام ..!!
و كعادته مندمجا في كتابته .. و أنامله تتقافز برتابة على لوحة المفاتيح ..
- السلام عليكم ..
يرد بهدوء ..
- و عليكم السلام ..
لم يبدو أن مواجهة الأمس قد عكرت صفو بروده هذا الصباح .. لا زال راكدا لا يتزلزل ..
كان غارقا في روايته حين التقطت خبزه تدهنها بالجبن ..
- كم باقي لك ..
رفع نظره .. ثم رأت الإمعان يلمع في عينيه و هو يراها جاهزة للذهاب ..
- فصلين و الفصل الأخير ..
تصب بعض الشاي في فنجانها و هي تسأله بعينها ..
- جاهي ..؟!!
هز رأسه رفضا .. فعادت تسأله .. و هي تلبي رغبة خفية في إلهائه عن تلك الشاشة ..
- يعني بتروم تسلمها في الوقت المحدد ..
- إن شا الله ..
لماذا تبدو نهايات كلماته قاطعة ..؟!! .. و كأنما يريد إسكاتها .. و لكن العشر الدقائق التي ستجلسها هنا ستزعجه .. ستعمد إلى ذلك بسرور ..
- على فكرة فيه نقطة أغفلتها .. يعني حسيت فيه ثغرة في الرواية ..
رفع نظره و تغلغل وجهه البارد شيء من الاستهزاء ..
- انتي ما قريتي إلا المسودة الأولى .. يعني هب في موقع حكم ..
قالت بعناد و بقايا عزم الأمس لا زال تحضها .. اكسري الحاجز أحلام ..!!
- لا هذا كان تفصيل أساسي له تأثير في القصة .. بس إذا انته ما تتحمل النقد البناء برايك ..
نظر لها بغرابة للحظات .. صحيح أن الحديث قليل بينهما .. و لكنه ليس معدوما اعتادت سؤاله عن روايته و لكن مناقشته فيها .. عاد ينظر للحاسوب بهدوء .. و لولهة ظنت أنه سيتجاهلها .. لكنه قال و هو يدير لها جانب وجهه ..
- سمعينا .. شعندج ..
تجاهلت فرحة خرقاء شعرت بها .. حين طلب منها إسماعه رأيها .. لذلك تروت لثوانٍ قبل أن تقول ..
- شخصية سعيد المصاب بالإيدز - مرض فقدان المناعة المكتسبة - كانت بداية قصته و نهايتها مبهمة .. يعني ما حسيت بأدنى فايدة و إلا انيه خذت شي يديد من قصته .. زواجه من أجنبية و انتقال الفيروس له منها .. و اكتشافه لإصابته .. أستغرب انك وضعت نهاية قصته عند هالحدث ..
خفق قلبها بقوة .. رغم أن يتظاهر بالنظر للشاشة .. إلا أنها متأكدة من أنه ينصت لكلماتها .. لقد حازت على اهتمامه ..
- يعني هو كان الويه الخيّر في الرواية و رمية في دوامة اليأس بهالطريقة يقتل الشخصية .. لأن القارئ بيحس بالظلم إن سعيد ما غلط كل ما في الموضوع إن الأقدار لعبت وياه لعبة قاسية ..
قال بهدوء ..
- المرض ماله علاج ..
ابتسمت و هي تشعر بالتفوق ..
- غلط .. له علاج و لكن ما ينتج إلا بكميات قليلة مخبريه تكلف ثروة .. و أنا ما أقترح انك تشفيه .. بس خلنا نشوف في الأحداث كفاحه و معاناته .. تمسكه بالأمل .. كلنا تضيق بنا الدنيا بس نلقى فرج بعدها ..
هل خيّل إليها أن طرف شفاه يرتعش ..؟!! تابعت بقوة ..
- يوم كنت في الفترة التدريبية في توام .. يانا مريض عنده اكتئاب حاد .. هب أنا لي تابعته طبعا .. بس أنا تلقيت المحاضرة الأساسية عنه .. كان مكتئب تعرف ليش ؟ .. لنه ما يروم يحصل شغل .. يقول كلما قدم لشغل رفضوه .. أنا أستغرب .. الريال يقول عنده شهادة .. ماشي سوابق عسب ينرفض .. في الأخير تعرف شوه طلع السبب ..
لم يستطع منع طفو الفضول على وجهه ..
- السبب إن ويا الملف ورقة مرفقة تقرير طبي من المستشفى .. مكتوب عليها .. ( لائق طبيا ) بس وين المشكلة .. المشكلة هي الفاصلة لي تتبعها .. و كلمة / حامل لفيروس الايدز ..!! .. أنا انصدمت .. الحين الريال فيه الايدز و ياي يتعالج من الاكتئاب صدق ما عنده سالفة .. بس الدكتور حذرنا من هالنظرة الغبية .. الريال ندم و أكبر عقوبة تلقاها هي الفيروس لي انتقل له من إبرة مخدرات ملوثة .. خسر بيته .. و عياله و حرمته .. خسر شغله و كل شي .. الحين صار بلا نفع .. المجتمع حوّله لعالة.. كيف بيصرف على عمره و يعيل عياله و هو ما يشتغل ..؟!! أصلا وين المكان لي مستعد يقبل مرضى بهالفيروس .. محد ..
.
.
انحبست أنفاسها في حلقها و هي ترى طيف ابتسامة جانبيه على شفتيه .. لم تعرف إذا كانت سخرية أو شيء آخر ..
- انزين و شو وجهة نظرج انتي ..
بلعت ريقها تقول ..
- أنا أشوف انّا مفروض نعطي هالفئة فرصة .. بناء منشئات خاصة بها و إلا تسمح لهم الدوائر انهم يشتغلون في أماكن تمنع الاختلاط أو نشر العدوى .. لن المجتمع بهالشكل بيحول المريض لي مفروض انه ندم لحاقد عليه .. بيصنع من المريض المنفي وحش يسعى للانتقام من المجتمع لي رفضه ..
تقطعت أنفاسها حين أطلق ضحكة صدئة من غياهب حلقه .. نادرا ما يضحك ..
- وااايد درامية انتي .. هالسوالف ما تيي غير في الأفلام ..
عقدت حاجبيها في غيظ .. هل يسخر منها ..!! .. وضعت فنجان الشاي على الطاولة .. و التقطت حقيبتها ..
- هذا رايي و انته طلبته .. و بعدين اليأس و الرفض يسوي أكثر عن هالشي ..
بدا الغموض على وجهه و هو ينظر لها متأملا ..
.
.
أشاحت بوجهها بسرعة .. و هي تلعن لسانها المنزلق .. لا تدري لما راودها شعور بأنها أخطت بعبارتها الأخيرة ..


* * * * *


أوقفت سيارتها في الموقف الذي أشار له حكيم بالأمس و ترجلت متجهة نحو باب الدار .. كان شعور خفي بالذنب يلح عليها و هي تحمل الملفات التي لم تقرأها .. فكرت للحظات بأن تقضي فترة الصباح الأولى بقراءة الملفات .. و لكن تذكرت قول زكية بأن الأولى التي سبقتها كانت تعمد للأمور المكتبية أكثر .. فلم تشأ أن تبدأ أول يوم لها بالعمل الجدي بين جدران مكتبها .. اكتفت بوضع الملفات على طاولتها الخشبية .. لتخرج من المكتب ..
ستحاول استشفاء المعلومات الموجودة في تلك الأوراق من أفواه أصحابها .. و قررت تجاهل الملفات إلى حين ..
بدت الدار هادئة لحد ما .. الساعة تشير للتاسعة إلا ربعا .. توجهت نحو استراحة الممرضات تبحث عن زكية .. يجب أن يكون لديها خلفية عن موعد استيقاظ نزلائهم هنا على الأقل ..
وجدت تلك في غرفة الاستراحة تحدث نفس الممرضة التي كانت تقرأ لخليفة بالأمس و قد تعرفتها باسم سماح .. و في اللحظة التي رأت فيها أحلام صاحت بحبور ..
- صباحك سُكّر يا مدام أحلام .. تفضلي ..
ابتسمت لها أحلام و هي تجلس على أقرب أريكة لها ..
- صباح النور زكية زاد فضلج .. اشحالج ..
- زي البومب .. ازيك انتي .. باين عليكي متحمسة أوى ..
- هيه و الله .. خاطريه أشتغل من الحين ..
ضحكت زكية ضحكة فرحة ارتجت لها أرجاء جسدها المكتنز ..
- طبيعي دا انتي لساكي في أول أيامك ..
- ابا أعرف الحين .. متى بالضبط ينشون ..
- دول ناشوا يا ستي .. من الساعة سبعة ..
- بدري ..!!
- همّا كدا .. حتشربي شاي ..؟
هزت رأسها رفضا ...
- لا ابا اسير اشوفهم ..
.
.
خرجت من الاستراحة متوجه نحو الممر الذي يضم غرفهم .. و من الطريق الذي أتت منه مع زكية بالأمس ..
فتتوقف أمام أول باب صادفها .. رفعت يدها تقرع الباب الموارب بشيء من القوة .. ليأتيها الصوت القديم .. الغابر ..!!
- إقــــــــرب ..
أطلت برأسها تبتسم ..
- قريبة .. السلام عليكم ..
اتسعت ابتسامته الطيبة تكشف عن ضرس مفقود و هو يهتف ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا .. مرحبا .. يا الله حييها ..
رغم أنه لم يلتقي بها إلا بالأمس إلا أنه بدا سعيدا للغاية لرؤيتها .. دخلت أحلام تاركة الباب مفتوحا على اتساعه خلفها .. لتقترب من الرجل المسن الذي كان يجلس على السجادة و يتكئ على المخدات القوية و ترفع صوتها ..
- لمرحب بااقي .. شحالك بو ثااني ..
- بخير و سهالة .. شحالج يا بنتي ..
- يسرك الحال .. شوه تخدم يالس روحك ..
ابتسم يشير للتلفاز الذي كان مدارا بلا صوت .. و هذا ما وجدته أحلام غريبا نظرا لضعف سمع الرجل ..
- أطالع الأخبار .. يلسي يلسي ..
جلست أحلام على طرف السجادة المتواضعة في حين سألها بوثاني ..
- شوه اسمج ..
ابتسمت أحلام ..
- أمس مخبرتنك اياه .. اسمي أحلام ..
- أحلام بنت من ؟
- بنت عبيد ..
زأر العجوز بصوته الصدئ ..
- و نعم و الله ..
- النعم بحالك ما عليك زووود ..
ظل الرجل ينظر للأسفل للحظات قبل أن يعود فيقول ..
- بو كيمره وينه ..
دست أحلام يدها في جيبها تخرج هاتفها المحمول ..
- هاذووه ..
و مدت به نحوه .. و لكنه هز رأسه رفضا ..
- لا .. لا .. و لو بتصورينيه حطي لمية ..
ضحكت أحلام بخفة .. و أمعن النظر فيها قبل أن يقول بفضول ..
- انتي بنت غبيشة ..
عقدت أحلام حاجبيها .. من غبيشة ..؟؟!!
- لا أنا هب بنتاا .. منوه غبيشة ..؟
تنهد الرجل بصوت عالٍ ..
- هيييييييه غبيشة بنت سعيد .. خيرت القوم .. أنا ما حيد قبلتاا من ورا البرقع .. غير عيونها ترد لعيونج .. انتي ما تعرفينها ..
هزت أحلام رأسها .. فقال الرجل بصوت يحمل الشوق .. لا تدري لماذا ؟!!
- أيام أول يوم كنت بعدنيه صبيّ .. كنت أشوفاا يوم تشل السعن و فيه الكاامي .. توديه صوب خالتاا .. يا حي و الله ذيك العرضة .. علي بالرفقة ينها راحت بلاش ..
كتمت أحلام ضحكتها و هي تقول بصوتٍ مرتفع ..
- بو ثاني حرام ترفق بعمرك ..
نظر لها دون أن يعي ما تقول .. فتابع يقول ..
- تقول وديمة ختيه انها ما قرت عند حريز الا ثلاث سنين .. خلاف فكها .. و انا ما كنت في الدار و الا ما خليتاا .. كنت هناك في الهند .. نتشرا الرقع و البهار و الحديد و نييبهن هنيه و نبيعهن دبل السعر .. العرب تتشرا .. ما تحصل لي تباه الا عدنا .. وين هاييك ليام .. عقبها أنا عرست و معاد سافرت .. بس ما خذتاا غبيشة .. مادريبها كان ردها حريز و الا خذت غيره .. الله يذكره بالخير حريز .. مخاوي شماا .. وديمة ختيه تقول إنها يت العين .. و أنا عقبها بعشر سنين حولت العين .. انتي ما سمعتي بالشاعر يوم يقول ..
عقلي و روحي داخل " العين " .. و إلا هنا جثة بلا روح
مسكين عشاق المزايين .. مثل الغريق اللي على لوح
الحب كم طبع ملايين .. راحو و أنا بالمثل باروح
يا من سقاني كاس حرفين .. و أصبحت في لفراش مطروح
إن غثتني يا كامل الزين .. نلت الأجر و أنقذت لك روح
.
.
ردت بابتسامه ..
- رووح .. صح لسانه الشاعر ..
ابتسم مجددا ..
- صح بدنج ..
جذبتها نبذة الماضي هذه .. كان يكشف لها بوضوح صورة قديمة عاشها يوما ما .. فسألته باهتمام ..
- و يوم عرست منوه لي خذتاا ..
لاحت نظرة حزن فريدة على وجهه .. لم يبدو متألما أو مجروحا .. أو شيئا من هذا القبيل .. كان انعكاس الألم في وجهه جميلا بحق .. حزن يخالطه الحنين .. شيء يجعلك تشعر بأن تفتقد ما يفتقد هذا الصدق في عينيه ..!!
- خذت أم ثااني الله يرحمها .. و تمت وياية الين ربج خذ أمانته .. حتى يوم عرست عليهاا .. زهبَت مكانيه و فراشيه و حرمتيه .. و يوزتنيه .. و باتت في الحجرة لي عداليه .. و يوم أصبح الصبح نشت و قربت ليه الريوق .. أم ثاني بنت العرب لياويد .. حريم أول ما تلقين شراتن اليوم .. دارت ليام و أم معضد توفت .. و تمت أم ثاني صابرة وراها .. اتخاون يوم خذتهن .. الوحدة منهن ما تلبس الثوب يديد الا و الثانية عندها شراته .. الله يرحمهن .. الله يرحمهن .. وين الواحد يحصل شرات هالحريم .. الحين بنات اليوم مقاليع .. الوحدة منهن لسانها يلوط اذنيها .. امررة ما فيهن خير ..
ابتسمت أحلام بصدق .. كان في كلام الرجل إخلاص لا يصدق لبنات جيله .. و رغم أن اشارته لبنات اليوم قد تكون تشملها .. الا أنها لم تشعر بالمهانة بتاتا .. فيما تابع و هو يضيق عينيه متذكرا ..
- حريم أول بينهن المقاليع .. غير هب كلهن .. عندج سالفة بنت سند .. ما تدرين بسالفتاا .. عنبووها هاييك إمررة ما تحشم حد .. بس أحيدهم يقولون ظاربتنهاا عين و الا الحرمة محد أخير عنها ..
.
.
تشعر الآن بأن الزمان عاد للوراء عشرات السنين .. في هذا العجوز شفافية تجعل بامكانه إحاطتك بعبق الماضي .. ابتسمت و هي ترى أسلوب التشويق في حديثه ..
- أنا بخبرج لو ما عندج علمها .. هاي يا بنيتي ..حرمة محد شرااتاا في العرب .. شيخة .. في طولها و طبعها .. حي ذيك العين و الله .. أنا أشهد إنها راحت عليّه .. الحرمة سناافية .. موجبة و تعرف سلوم العرب .. يقولج إنها خذت واحد من هل الغربية .. و سكّنهاا العين .. خلاف يوم يابت له ثلاث عيال صكوها بعين .. و تخبلت .. تظرب العرب .. و تهد عليهم .. و الحرمة العوفة محد يباها .. لكن ريلها ما ودرها .. شل عمره و شل حرمته و ويه قدا السلع .. و يقولج انه حل في مكان محد فيه الا هو و اياها و عيالهم .. و يزين لها و يقرب لها ..
.
.
و لوح بيده بحماس ..
- و الريال ما يعيبه شي .. الرسول يخدم ويا هل بيته .. نحن هب أكرم عن الرسول .. و يقولج إن الريال تم متقبظ بحرمته و ما خلاها .. و عقب سبعة شهور ردوا العين و الحرمة ما بها شي .. صاااحة .. و صاحية .. و عودها راوي و مرتااحة .. ها خبرينيه إمنووه الحين يتم ويا حرمته كذيه .. بس ويين .. هذا زمان لول .. العرب نفوساا طيبة و صافية .. و نواياها بيظا .. و الا الحين .. الواحد ما طيح عينه الا على الشين .. ايييييييه يا بنت ... امنوه أبوج ؟!! ...
- عبيد ..
- اييييييييييه يا بنت عبيد .. لول الحريم موجبات يقربنا في بيوتهن لو البيت خالي من الريال و يحطن القهوة .. و محد فخاطره شي ع الثاني .. و الحين عيال اليوم لو تقربينبه فر الرقم و شرد .. يعلهم العوق .. الواحد معثور ماله الا المغازل و ما يعرف سلووم العرب ..
.
.
.
.
و يسترسل الرجل في حديثه و صوته المهتز يتردد بين جدران الغرفة .. تنظر أحلام لوجهه بعمق .. فتغرق في شيء لا تدري كنهه .. كان الرجل يرسم ببساطة صورة أثيرية ..
نقية .. أعجبها ما رأت فيها .. و تمنت للحظات لو أنها عجوزا .. غزا الشيب شعرها .. و تجعد منها الوجه ..
و لكن تكون قد عاشت تلك الحقبة .. سيكون فيها دورها محدودا .. و خط سيرها مرسوما ..
أو كانت مشاعر زوجها و تصرفاته ستختلف في ذلك الدهر البعيد ..؟!!
أسدلت أهدابها ببطء تخفي ما أوشكت عيناها على فضحه .. و كأنما أراد بو ثاني بحديثه أن ينبش ما تدفن في أعماقها ..
ليست حياة تلك التي تعيشينها أحلام .. فأنت محاطة بأسوار .. لا تحرّرك ..
لا سبيل للخروج ..
لا سبيل ..
.
.
إلا بهدمها ..!!

* * * * *

ألقى بالقلم على سطح الطاولة ..و أدار كرسيه ليمشي به متوجها نحو النافذة .. يبدو البيت ساكنا في غيابها ..
رغم أن الحديث بينهما يكاد معدوما .. إلا أن لها وجودا في البيت يلمسه .. و يفتقد غيابه هنا ..!!
تلك الأحلام البعثرة .. المشتتة .. هل تدري حقا ما تريد .. أم أنها لم تصل بعد إلى معرفة ذلك ..؟!
.
.
كلماتها التي ألقتها قبل الرحيل تدوي بقوة في عقله .. الرفض و اليأس يفعل أكثر .. نعم هو يعلم ذلك جيدا ..
لن يدرك أحد مرارة الرفض و قسوة اليأس أكثر منه .. هو الذي حطمه نهاية طموحه بإقعاده على هذا الكرسي ..
الرفض الذي جعل منه هذا الرجل .. ذو كرسي احتجزه و احتجز آماله .. و لكنه هنا الآن .. وجد سبيلا للخلاص شيء حرر فيه الروح إذا حكم على الجسد فناء .. كان توجهه للكتابة هو طريقه للحرية .. حرية الفكر .. النفس .. و لكن ليس المشاعر ..!! الدليل ..؟
بروده و حالة الجفاء و طقوس النبذ التي يمارسها في بيته .. هل تشعر بالرفض الآن .. هل هي واقعة تحت وطأة اليأس .. هل يخنقها عجزه هي الأخرى .. لقد لمسه .. لمس في صوتها المتوسل القنوط حين طلبت منه أن يسمح لها بالعمل .. و من أجل ذلك حطم قيود أخرى كانت تربطها .. العادات .. و ها هي تعمل .. لما إذا يشعر بالندم لسماحها بالعمل .. لا يظن أنها الفكرة الرجعية و التقيد بما تفرضه المعتقدات .. لا ينكر بأن لتلك نصيبها .. و لكن إحساسه المتملك قد حاز الجزء الأكبر ..
هو يخشى أن تستهويها الحرية .. خائف جدا من أن تستسيغ طعم الانطلاق في الخارج بعيدا عن عجزه الذي يقيّده ..و يقيدها ..!!
هل ستنطلق الأحلام تاركة إياه لوحده .. و كرسي ..؟
لن يعلم ذلك .. لن يعلم حتى يفتح لها النافذة .. لتجرب التحليق .. يريد أن يثق من أنها ستعود دوما لعشها ..
حتى لو كان الفضاء عشقها ..
.
.
للحظات عادت الكلمات ترن في أذنيه .. الرفـــــض .. اليــــــأس .. هي لن تشعر باليأس الآن .. و لكن ماذا عن الرفض .. إذا كانت لا تزال متمسكة بحياتها معه .. فهو يدفعها بوضعهم هذا الذي لا يطاق إلى الفرار ..
حالهم أشبه بالجحيم .. يكاد يفني كل شيء .. هو السبب ..
أَ يلومها على ما هم فيه .. لا .. بل يلوم نفسه كل يوم ..
.
.
لأنه يعاقبها على ما آل إليه حاله ..
.
.
دفع كرسيه عائدا لمكانه خلف المكتب الخشبي ..يجد أحاسيسه في هذه اللحظة حائرة .. لماذا عاد الآن ليفكر بكل هذا ..؟ .. هل هي كلماتها .. أم أنه حديثها معه هذا الصباح .. هل أعجبه تبادل الكلام معها ؟ ..
بتأكيد .. فذلك الإحساس الخفي بالنشوة و هو يراها تناقشه فيما يخصه قلَب شعوره .. هو يحرم ذاته من أن يلمس الحقيقة بينهما .. يقطع التواصل .. و يعدم الحوار ..
.
.
فإذا لم تجد هي ما تريد هنا .. لا مانع إذا من أن تبحث عنه في مكان آخر ..!!
عقد جبينه بضيق .. ما هذه الأفكار التي تغزو روحه .. لن تفعلها أحلام .. لن تفعلها إلا إذا دفعها إلا ذلك ..
و لكن هل هناك أكثر من التجاهل و الرفض يدفع المرء لارتكاب الأفظع .. أكبر دليل على ذلك هو .. لقد ولّد الرفض الذي تلقاه رفضا لكل ما حوله .. حتى عندما اهتدى للطريق الذي وجد فيه ما يفقد .. فضل الاستمرار على هذا المنوال ..
ضغط بإصبعيه على صدغه .. كأنما يريد سحق تلك الأفكار ..
شيء واحد أدرك أن عليه القيام به ..
.
.
إصلاح حالهم هذا و لو استغرق الأمر وقتا طويلا .. لكي لا يكون لديها سبب لتتذمر من الرفض ..
.
.
و إعادة النظر في نهاية شخصية المصاب بالايدز ..!!
لذلك التقط هاتفه المحمول يضرب أرقاما يعلم أن خلفها من قد يساعده في هذا ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 06-05-08, 04:58 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

و تردد الجدران صوت الذاكرة .. صدى الألحان العتيقة .. يشدو بها مترنما .. متمتعا ..
.
.
- في دفتره حر يحمل رقمه الأخضر .. رمز الإمارات يتسجل بلوحاته
أسبق من النود بسرعة إلى دبر .. و البعد ما سايقه يحسب مسافاته ..
تسرح من العين فوقه يعل ما تغضر .. في داعت الله لي تسلم وداعاته
.
.
يعيش لحظاته الخاصة ناسيا وجودها هنا ..!!
مستغرقا في صدق يوم قد مضى .. و تجلس هي تراقبه .. كان رجلا طيبا .. تشعر بميل شديد نحوه .. عفويا .. و صادقا .. و رغم جسده المضني .. كان إحساسه قويا .. يبث قوة حوله بذكرياته ..
.
.
سطوة إحساس تستشعرها في حديثه .. يجبرها على احترام تلك الأحداث الغابرة .. و كم تعني له ..
تشعر بأنها في هذه الجلسة قد علمت ما يكفي عنه .. عن الرجل الذي تشعر الآن بعطف شديد نحوه .. و اشمئزاز لأبنائه ..
في هذه الجلسة تم إلقائها بطريقة ما للماضي لتنتشل من هناك فجأة فتبعثر مجددا في حاضرها ..
تقف على قدميها ببطء .. و تتوجه للباب و ما زال هو مستغرقا في تلك الأغنية الغابرة .. ستعود إليه قريبا .. و ستستشف بعناية ما حال قلبه بعد خذلانه و الإيتاء به هنا ..
واربت الباب خلفها و الصوت ينسل من الشق بصخب .. هذا رجل بإحساسه .. لا يريد إلا أن تعلو كلمته حتى الرحيل ..!!
تحركت ببطء من أمام بابه تبغي متابعة البقية .. و أمام باب الشاب توقفت بهدوء .. تخذلها شجاعتها هنا .. لا تجد في الروح قوة لأن تنسل لتلك الغرفة .. فترى أمام عينيها تلك الصور المؤلمة .. صوَرُه و هو مسجى على ملاءة بيضاء .. وجهه الشاحب مليئا بالكدمات يلمع تحت الأضواء الصفراء الشاحبة .. لا يفصله عن الموت شيء .. و أصبح إخماد الروح قريبا في تلك اللحظات الحرجة .. قاب نفسٍ أو أدنى ..!!
أغمضت عيناها .. اللـــــه تعـــــالى كان أكبر .. أكبر من يأسهم .. و من كلامهم .. و من كل شك خالطهم في رحمته .. ها هو هناك حيّ يرزق .. بلا خطوات .. و لكنه حي .. ذلك يكفي .. و الحمــــــد للـــــــه ..!!
فكرت لولهة أنها لن تبالي .. بجفائه .. خشونته .. قسوته .. تلك هي حياة على أن يرقد و فوقه يردم تراب .. و تعيش هي على ذكرى من كان عالمها ذات ألــــــــــــم ..!!
.
.
ابتلعت غصة تخنقها و هي تكابد دمعة حمقاء استدعتها الذكرى فأتت مسارعة .. هذا الألم الذي يجتاحها لمجرد ذكرى .. يخالج أهل هذا الشاب الراقد بلا قدرة خلف هذا الباب ..
شاب قد يشعر بما حوله .. يحتاج لأمل .. لفرحة .. لشيء يفسر سبب هذا الجسد الميت بلا حركه ..
- مــــــــــدام أحـــــــــلام ..؟!!
أجفلت بقوة و هي تلتفت لتلك التي نظرت لها متسائلة ..
- زكية الله يهديج روعتينيه ..
ابتسمت زكية لتختفي عينيها خلف خديها المنتفخين ..
- معليش .. دانتي كنتي سرحانه بئى ..
بللت ريقها الجاف و هي تقول ..
- شوي .. وين سايره ..
رفعت يدها التي تحمل صينية طعام .. و تهز كتفيها ..
- دي أم حميد مش عاوزة سوما تديها الابرة .. هيا دايمن كدا بس لمن أكون في إجازة بتاخودها ..
- بلاها على هالمسكينة ؟
- و أنا عارفة ؟!! .. دي ما بتلطفش بحد غير أبو عبدالرحمن و الست حصة .. و مالهاش دعوة خالص بحد غيرهم ..
عقدت أحلام جبينها .. شعرت بأنها ستواجه شيئا مختلفا مع هذه المرأة التي رفضتها منذ اليوم الأول ..
- ما خبرتج تراها قالتليه انها ما تبانيه أتابعها ..
- آآه دي حتى آلتلي .. بس ما تخديش بالك .. انتي ديلوئتي اشتغلي عادي لحد ما نشوف ليكي حل .. عاوزه حاقة ؟
تذكرت فقالت بسرعة ..
- هيه بغيت أسأل .. خليفة يحس باللي حوله .. ؟
- آآه أكيد .. هو انتي ما شوفتيش سماح بتقرا ليه البارحة ..؟
تذكرت أحلام الممرضة و الكتاب فهزت رأسها بسرعة ..
- خلاص عيل مشكورة ..
- تحت أمرك ..
و تركتها زكية و توجهت لغرفة أم حميد .. عادت أحلام تنظر للباب المغلق قبل أن تأخذ نفسا عميقا و تمد يدا مرتجفة فتدفع الباب .. و دلفت الغرفة بعجل .. لتقع عينها عليه ..
كان مستلقٍ بلا حراك في فراشه يحملق في السقف .. هل شعر بدخولها ..؟!! لن تعلم ..
اقتربت منه بهدوء و هي تتأمل وجهه .. كانت لحيته مشذبة بعناية .. و ملابسه نظيفة .. من الواضح أنهم يعتنون به جيدا هنا .. دنت من السرير أكثر و توقفت قريبا ..
لا يفصلها عن طرف الملاءة إلا خطوة .. و ذكرى بعيدة ..!!
همست بصوت مرتجف لا تدري كيف وجدته ..
- السلام عليكم ..
.
.
و لا صوت إلا الصمت ليرد ..
بلعت ريقها و هي تشعر بأن هناك من يراقبها .. من سيراها تتحدث هكذا سيظنها مخبولة ..!!
- أنا أحلام عبيد .. مستشارة نفسية .. آآممم .. ياية عندكم هنيه عسب اساعدكم .. آآ .. انته تسمعنيه ..؟!!
شعرت بالسخافة كيف سيرد على سؤالها الأحمق .. هزت راسها بتوتر لتعود فتقول ..
- اسمحليه .. خليفة مادري كان تسمعنيه أو لا .. بس أنا برمس وياك .. و اذا سمعتنيه بيوصلك لي أباه .. و اذا ما سمعت محد بيدري بخبالي غيري ..!!


* * * * *


ناولت زوجها فنجان القهوة و هي تعاتبه قائلة ..
- يعني انته عايبنك لي تسويه بنت خوك .. مودرة ريلها المريض في البيت و تراكض في الدخاتر ..
التقط الفنجان من يدها .. و راح يرتشفه بهدوء ..
- لا هب عايبنيه .. بس ريلها و راضي و محد له كلمة عليها غيره .. و بعدين حتى لو سوت ما سوت .. انا كم مرة مخبرنج حركاتج هاي تودرينها .. البنت ما يخصج فيها ..
وضعت طبق التمر أمامه بقوة و الغل بادٍ على وجهها ..
- شوه بعد ما يخصنيه .. ماخذة ولديه ..
- ماخذة ولدج و بتنغزينها كل ما يت هنيه بالرمسة .. عيب يا شريفة .. انتي حرمة كبيرة و عاقل .. شوه هالحركات ..
قالت بغيظ ..
- و أنا ثرنيه شوه قلت .. الحق ينقال .. لو ميوزين منصور موزة قبل لا تيوزونها لولد مطر .. و إلا ميوزينه لطيفة كان أخيرله .. ع الأقل نعرف أمهن و بنت عرب .. فازعين تفرون عليه بنت هندية مادري من وين خوك مظونها ..
أعاد فنجان القهوة بشيء من القوة ليقول بصرامة ..
- و إذا بنت هندية يعني .. كافرة ..؟ .. و بعدين الهندية ما سوت شي غير انها يابت البنية .. مريم هي لي مربيه أحلام و يا خواتاا .. و إلا أمها من يابتها طلقها عبيد .. الحين شوه لي حارنج ..
- لي حارنيه مابا يدود عيال ولديه هنود .. العرق يحن .. و بيي يوم و بتشوف البنية تبا هلها ..
مسح أبو منصور وجهه بصبر ..
- يا بنت الحلال عيني خير .. هلها عندها و ما تبا غيرهم .. انتي لي لفكار توديج و تييبج .. و بعدين أقولج ترا أحلام طيبة .. و ما عليها قاصر .. غير انتي لي تهدين عليها ..
ردت بضيق ..
- أنا ما أهد على حد .. بس هي ما تراعي ريلها ..
- و انتي شدراج ..
- ما تشوفها فارة ولدك روحه و سايرة تشتغل .. أنا ابا أعرف كيف فرت مخ منصور و خلاها تشتغل .. أكيد مسويتله شي ..
نهض زوجها من مكانه ..
- تعوذي من ابليس يا شريفة انتي من دريتي ان الحرمة تشتغل و انتي قالبة الدنيا علينا ..
أشاحت بوجهها دون أن ترد على كلامه ..
ذلك أكثر ما يغيظها ..
ولدها الأكبر المستقل ذو الشخصية القوية .. يخضع لتلك المرأة .. و يتركها تعمل ..
.
.
ما الذي سيقوله الناس ..؟
أنهم عاجزون عن سد حاجتها بعجز ولدهم ..!!
تلك الدخيلة .. ابنة الهندية ..



* * * * *


خرجت من غرفته و هي تتنفس الصعداء .. و كأن حملا ثقيلا أزيل عن كاهلها .. نظرت على طول الممر الخالي .. لتتوجه يمينا نحو بقية الغرف .. شعرت براحة غريبة تدب في أوصالها .. خليفة اقترب من حتفه كثيرا و نجا .. لا بد أن تلك كانت تجربه مزقت روحه و شتتتها .. الحديث معه بلا ردود لصدى أسئلتها كان مريحا .. شعرت بأنها تتغلغل ببطء في حنايا خوف ظل يسكن فؤادها لزمن ..!!
وصلت لباب أم حميد .. لم تنسى مكان حجرتها لسببين .. الأول أنها تعرفته بالأمس .. و الآخر هو صراخها المدوي الذي بدأ من جديد يرجم الكلمات بلا هوادة ..
- لا بركتن فيكن .. حشاا هب آدمياات انتن ما في قلووبكن رحمة .. عيووووز ما بينيه و بين القبر إلا شبر .. صبرن عليه لين رب العالمين ياخذ أمانته .. لو يدري بسواتكن بو عبد الرحمن ما بتن هنيه ليلة وحدة .. هذا ملح .. ملح .. لو تفتينه أملح ذبيحة يعلكن مالح يسمكن.. بيرفع الضغط عنديه .. خافن الله .. بيحاسبكن ع أذيّتيه ..
فتح الباب بقوة .. ليطالع أحلام وجه زكية الذي كان هادئا و ضيق خفيف يلمع في عينيها .. و هي تقول في صبر..
- معليش يام حميد صبرك علينا .. أنا رايحة أغيرهولك ..
ثم أضافت و هي تنظر لأعلى ..
- ما تزعليش دا الزعل حيئتلك ..
تعالى صراخ العجوز مجددا و أغمضت زكية عينيها و هي تتمتم بعجز ..
- و بلاااج تقولينها كنج تدعين عليه هااا .. ادريبج انا ودج انيه أفارق اليوم قبل بااكر ..
- و الله مادعيش يا ستي و مش عاوزين فرائك .. دنتي - و أشارت بيدها بقوة - عسل على أولوبنا ..
- آآه منج و من خراطج .. هب عون غير في صف الرمسة ..
تنهدت زكية بشيء من اليأس ..
- أم حميد حيأزن الظهر و حكيم ما عملش حاقة ..
- شوه شايفتنيه قاطعتج عنديه .. توكلي .. يالسة تهذر .. حللن المعاش لي تسرطن من وراه .. لا تيي عيشتكن حرام ..
هزت زكية رأسها .. و لعجب أحلام كانت شبه ابتسامه تناوش شفتيها ..
- لا حول و لا قوة الا بالله ..
أشارت أحلام لها بأن تقترب فهي لا تود أن تنال نصيبا من سباب أم حميد ..
- رب ما شر يا أم حنفي ..
تنهدت زكية بشيء من الراحة لتوقف صراخ العجوز الذي تحول لدمدمة مسموعة ..
- ما فيش حاقة يا ختي .. دي أحيانا تجيها حالات و ما فيش لي بيرضيها .. كل حاقة باطلة و ما تعجبهاش .. مالناش الا الصبر .. بس ما تدخوليش خالص .. دي حتاكلك ..
ابتسمت أحلام ..
- ما فكرت حتى .. بشرد صوب سهيلة و حصة ..
ثم قالت و هي تنسل بسرعة من أمام الباب ..
- الله يعينج ..
.
.
وصلت بسرعة أمام باب الغرفة المجاورة لغرفة أم حميد .. توقفت للحظة أمام الحجرة بحيرة .. هل هذه لحصة أم لسهيلة ..؟ ستعرف حالا .. فتمد يدها لتقرع الباب بخفة .. و حالما داهمها الصـــــوت العميق أدركت لمن تعود هذه الغرفة ..!!
- تفضـــــــل ..
دفعت أحلام الباب بهدوء .. و تدلف الغرفة الباردة .. كانت المرة الأولى التي تزور فيها هذه الحجرة .. لم تكن تختلف كثيرا عن الغرف السابقة الا بالكتب المرمية على طاولة القهوة .. جالت بعينها في المكان .. لتلتقي وجه صاحبة الغرفة أمامها مباشرة تستلقي على السرير ..
التي ابتسمت حالما طالعها وجه الأولى .. كان الاحساس مختلفا بحق .. هناك سلام و طمأنينة .. جو من السكون يحيط بهذه المرأة .. شيء غريب أن تدفعها لهذا الشعور و هي لم تلتقيها إلا بالأمس ..
- السلام عليكم ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا يا بنيتي ..
شعرت أحلام بشيء من الخجل يراودها .. رغم ذلك لم تغفل عن التعب الذي كسا وجه المرأة الضئيل .. و هي تمد يدها بشيء من الارهاق .. تشير لأريكة قريبة من سريرها ..
- قربي ..
جلست أحلام على الأريكة و عيناها لا تفارقان وجه المرأة الذي بدا مختلفا عن الأمس .. للحظة غبية شعرت بالحيرة .. بما عليه أن تخاطبها .. حصة .. أم فلان .. أم ماذا .. سرعان ما قالت ..
- شحالج خالوه ..
كان حنانها ملموسا ..
- بخير يعلج الخير .. انتي شحالج ..
- يسرج الحال ..
حركت المرأة نفسها ببطءو هي تتأوه ..
- آآآه و الله ينه هد حيليه التعب .. خبرينيه يا بنيتي .. شوه قلتي اسمج ..
ابتسمت أحلام .. هذا ثاني شخص نسي إسمها ..
- أحلام خالوه ..
- أحلام .. أحلام .. سمحيليه فديتج .. الكبر شين .. أحلام شوه بتسوين هنيه ..
كان سؤالا يوجه لها المرة الأولى .. ما الذي أتت لتفعله هنا ..
- بتابعكم ..
- هيه قالتليه زكية .. بس ليش ..
- هذا شغلي ..
- ادري .. انا اسأل ليش يابو دختورة نفسية هنيه ..
للحظات شعرت بأن هذه المرأة تحمل على الأقل قليلا من الثقافة .. فقد اعتادت من الكثيرين التعامل مع الاطباء النفسيين بشيء من الحساسية لم تظهر في صوتها .. محقة هي .. ما الذي أتت تفعله هنا .. هل ستظل تتابعهم بحثا عمّا يخفون من آلام الروح و مداواتها ..؟
- أنا هب دكتورة خالوه .. أنا مستشارة .. يعني أساعد الناس في حل مشاكلهم و الا أساعدهم في الكلام عنها .. تعرفين الواحد يرتاح يوم يفضفض عن لي فخاطره ..
قالت المرأة و هي تتمعن بالنظر فيها ..
- و انتي تساعدينهم لنج تبين هالشي .. و الا لنه شغلج ..؟
ابتسمت أحلام بإخلاص ..
- اساعدهم لنيه أفرح يوم أحس انيه رمت أخلي شخص قريب منيه يحس بالراحه ..
بادلتها حصة الابتسام ..
- يزاج الله خير .. كم عمرج ..؟
- ست و عشرين سنة ..
- معرسة ..؟
ابتسمت أحلام .. ما هذا ..؟ تحقيق ..؟!!
- هيه ..
- عندج عيال ..
هزت أحلام رأسها رفضا .. تتمنــــــــــــى ..!! .. قال حصة و هي تومئ برأسها ..
- الله يرزقج إن شا الله ..
قالت أحلام تحول مجرى الموضوع ..
- شكلج ميهودة اليوم ..
تذمرت حصة بهدوء ..
- هيه أحس انيه هب رايمة أرفع صبوعيه من التعب .. و عظامي مكسرة .. الحمد الله ع كل حال ..
نظرت الأخرى لأطراف أصابعها .. و سؤال يدور في ذهنها لم تمنعه من الخروج ..
- آآآ .. خالوه ليش وقفتي العلاج ..؟
استرخت تلك في جلستها أكثر متأوه .. ثم التزمت الصمت لثواني ندمت خلالها أحلام على سؤالها المتعجل .. لكن المرأة عادت لتقول بهدوء ..
- ما كان فيه تقدم .. ذبحنيه الكيماوي ع الفاضي .. و هد حيليه .. كل يوم أحس عمريه أخس عن الثاني ..
قالت أحلام بقوة ..
- حتى و لو كان صبرتي .. يمكن العلاج يقتل كل الخلايا المريضة .. كل شي بيد الله و ما شي يعسر عليه ..
هزت تلك رأسها بابتسامة هادئة ..
- و نعم بالله .. بس لا يا بنيتي .. أنا كنت أدري إن العلاج ما منه فايدة .. ليش عيل أعذب عمريه بعلاج ما منه خير .. اذا ربيه راد انيه أموت بموت ما بيردنيه كيماوي .. الحين أنا مرتاحة .. صح أتعب بس يخوز و المسكنات تنفعنيه ..
قالت أحلام بشبه ابتسامة ..
- هذا يأس ..
هزت الأخرى رأسها نفيا ..
- هذا استسلام لحكم القدر .. ما بقى من العمر كثر لي راح .. و أنا لو بغيت أموت .. ما با موت و هاك السم في عروقيه ما يخلينيه أحس بآخر أيامي .. أبا أشوف أنا وين و منوه لي عنديه ..
.
.
كانت الكلمات تلامس أذني أحلام بصوت مسالم .. مع ذلك كان لها وقع صاخب ..
هذه المرأة تتحدث عن حتفها القريب بلا مبالاة غريبة ..!! هل تتظاهر بالشجاعة ..؟ .. أم أنها لا تعلم ما هي مقبلة عليه ..!!
فكرت أحلام للحظة قبل أن تقول ..
- عندج عيال ..؟
نظرت لها للحظة .. لترى أحلام انعكاس انكسار خلف تلك العينين الواهيتين ..
- هيه عنديه ولد .. انتي خطفتي على أم حميد ..
.
.
تغيير ممتاز للموضوع .. لا بأس ..
- لا ..
- ليش ..؟
- متروعة ..
ضحكت بتعب ..
- من شوه ..؟
- منها .. ما شفتيها يوم تسب ..
ابتسمت حصة ..
- لا شفتها و وااايد بعد .. بس ما عليج أم حميد شيخة و طيبة .. و قلبها أبيض ..
رفعت أحلام حاجبها بشك .. لم ترى أيا من هذه الصفات في تلك العجوز الشرسة .. لكن حصة حافظت على ابتسامتها الهادئة و هي تقول ..
- هذا لنج ما تعرفينها بس يوم بتعرفينها زين بتحبينها ..
هزت أحلام رأسها رفضا .. لا تعتقد أنها سترى في تلك المرأة ما يُحب ..
- وين أعرفها .. أنا لو أحدر حجرتها فرتنيه بنعول ..قايلتليه بلسانها ما تباني أتابعها ..!!.. خالوه و الله اليوم مخشعة زكية ما خلت رمسة ما عقتها ..
- زكية متعودة على طوالت لسانها .. و أم حميد أنا بشور عليج بشور يخليها هي لي تطلبج تتابعينها ..
بدا التساؤل على وجه أحلام .. و لكن حصة قالت بتعب ..
- ساوي المخاد عدال بعض يا بنيتي .. كسرن ظهريه ..
هبت أحلام بسرعة تعدل المخدات الناعمة لتسترخي عليها حصة مجددا .. و تتنهد .. قبل أن تنظر لأحلام بامتنان ..
- يمانٍ ما تعدم .. شوه كنت أقول .. هيه .. أم حميد ..
ثم نظرت لأحلام بتأمل قبل أن تقول ..
- بقولج شي .. أكثر واحد منا محتاي مساعدة هي أم حميد .. حاولي يا بنيتي تتقربين منها .. هاي العيوز ما سم لسانها الا الكايد ..
رغم ما حملت الكلمات من غموض الا أن أحلام هزت رأسها موافقة .. فتابعت المرأة بصوتها المرهق ..
- أباج من الحين ما تيين صوبها .. و لا ترمسينها و لا تحاولين تتقربين منها .. انسيها بالمرة ..
فتحت أحلام عينها بدهشة ..
- بس هذا شغليه ..
- أدري و اسمعي رمستيه ما بتندمين .. أم حميد امررررة لا تقبلين قداها .. و عقب كم يوم بتشوفينهاا هي لي تباج ..
عقدت أحلام جبينها بعدم فهم .. فقالت حصة بهدوء ..
- شرات ما قلتلج .. أم حميد طيبة و قلبها أبيض تقولين ياهل .. و لو شافتج تدارينا و هي لا .. ما بطيع .. لازم كل شي شراتنا و الا هي قاصرة عنا .. فهمتينيه .؟
هزت أحلام رأسها ..
- يا الله بنشوف و أمرنا لله ..
ثم قالت بابتسامة .. تطالع وجهها الصغير و قد أضناه الألم ..
- أنا بخليج الحين خالوه عسب ترتاحين .. تبينيه أزقر زكية تعطيج مسكن ..؟
هزت حصة رأسها رفضا ..
- لا .. خليج هنيه يلستج تونس ..
نهضت أحلام و اقتربت منها و هي تقول ..
- مرة ثانية بخطف عليج الحين لازم ترتاحين .. شي فخاطرج ..
- سلامتج فديتج ..
- الله يسلمج ..
.
.
و تحركت أحلام نحو الباب لتخرج منه و تغلقه خلفها بهدوء .. ليصبح حاجزا بينها و بين تلك المرأة ..
ثم تقف و هي توليه ظهرها .. تأخذ نفسا عميقا .. تحمّله شيئا مما يختلج في صدرها فتطلقه ..
لم تعد بحاجة لتلك الملفات الملقاة على مكتبها .. لا تريد أن تعرف عن أوضاعهم الاجتماعية .. أو كم من أيام العمر ولّت .. أو حتى ما تحويه الأجساد الفانية من علة ..
لا تريد أن تخبرها الأوراق ما تستطيع هي أن تقرأه في أعينهم .. و ما يمكنها لمسه في أصواتهم من إخلاص و صدق .. هي واثقة بأنها لن تسمع صداه بين دفتي ذلك الدفتر الاصفر ..!!
لم تعد لها رغبة أن تطيع الكلمات التي خطت .. و بإمكانها أن تشعر بصدق إحساسهم يرسمها وجودهم .. و حديثهم الصادق .. يروي لها في كل مرة حكاية قديمة ..
عن أمنية خافية .. و حزن دفين .. و ذكريات تذوي..
.
.
و أحـــلام منسيــــة ..!!

.
.
رفعت رأسها تلقي نظرة على باب حصة .. تلك روح أسلمت أمرها لما تخفيه الأيام .. لا ضمان لها على البقاء و مقابلة الغد .. لاضمان .. سوى ايمان عميق بأن أجلك آت لا ريب لو دمت .. و أنك محاسب على الغيب إذ مت ..!!
دفعت قدميها للمشي متوجه نحو الغرفة الأخيرة .. كل قلب في الدنيا مهما ضؤل حجمه و احساسه .. له قصة قد تبقيه مسهدا .. و إن كان بعضا منها لا يذكر ..
توقفت أمام باب الحجرة التي كانت على يقين بأنها لسهيلة .. و رفعت يدها تقرع الباب بخفة .. مرة .. و مرتين..
و لا مجيب .. أدارت قبضة الباب بهدوء و دخلت الغرفة ...
.
.
تقف في منتصفها و ابتسامة رقيقة تعلو شفتيها .. شعرت بأنها في حضانة ما .. هذه الغرفة المطلية باللون الوردي و تتوزع على جدرانها صورة شخصيتين كرتونية لطالما رأتها في ملصقات الأطفال و طوابع كتبهم .. و لا تذكر اسميها .. هناك دب متوسط الحجم رمادي اللون بدا عليه القدم ملقي على الفراش الخالي ..
الآن هي متأكدة بأن هذه الحجرة تعود لسهيلة .. فقد رتبت و أعدت بعناية لتناسبها ..!!
تقدمت من طاولة ألقيت عليها مجموعة من القصص الصورة .. هل تقرأها الشابة ..؟
.
.
- مداام ..؟
أجفلت بفزع و هي تستدير فتراه .. ما بالهم اليوم كل واحد يفزعها في أحد الغرف ..!!
نفس الوجه الكالح الذي استقبلها بالأمس .. يقف عند الباب متسائلا و بيده صينية صغيرة مستديرة فارغة .. عيناه الصافيتين تسألانها ..
- انتا ريد ساهيلا ..
أومأت برأسه .. فأشار بيده و هو يهز رأسه بحماس ..
- ساهيلا داخل استراحا ..
ثم ابتسم تلك الابتسامة التي رأتها بالأمس .. الإنسانية تقطر من هذا الوجه النحيل الأسمر بشكل عجيب ..
.
.
توجهت نحو الاستراحة العامة .. و وصلتها لتدلف من الباب المفتوح .. كان التلفاز مدارا .. و الاثنتين تجلسان على الأرض و تقومان بتركيب صورة مفككة .. زكية و سهيلة التي سرعان ما قالت بحبور حين رأتها ..
- آآحـــــــــاام ..
ابتسمت أحلام بفرحة .. على الأقل لا يزال هنا من يذكر اسمها .. شعرت بتعاطف و هي تنظر لوجه الشابة المتطلع لها ..
- مرحباا .. سهيلة شحالج ..
نظرت سهيلة لزكية ضاحكة ثم أعادت النظر لأحلام .. هذه الطفلة الكبيرة لا تخبو السعادة عن وجهها ..
- بخييييير ..
اقتربت أحلام تجلس على الأرض قربهن ..
- شوه تسوون ..؟
أشارت سهيلة بيدها للقطع المبعثرة ..
- آآكب صووا ( أركب صورة )
قالت أحلام لها ..
- بركب ويااج ..
رفعت سهيلة رأسها مستفسرة لزكية و كأنما تطلب منها الأذن ..
- زكيييية ..
ابتسمت زكية بحب ..
- يا ألب زكية .. - ثم التفتت لأحلام - ركبيها يا ستي دنا غلوبت و ما عرفتش ..
أمعنت أحلام في الصورة الصغيرة التي يتوجب اتباعها .. كانت صورة لنفس الشخصيتين المعلقة في حجرة سهيلة ..
- آآهاا .. لا ما عليه بنركبها أنا و سهيلة .. صح ..
صفقت سهيلة بيدها ..
- صاااح ..
و رحن يركبن القطع بتركيز ..
- صاااح ..
و رحن يركبن القطع بتركيز ..
- هاا ام حنفي .. شو سويتي ويا أم حميد ..
تنهدت زكية بشيء من البؤس ..
- ما تسأليش يا ختي .. دي ما هديتش خالص النهاردة .. و أنا جيت أشوف سوهيلة لحد ما تئوم من النوم .. انتي عارفة .. دا حكيم كل يوم بيعمل الخبز رقاق بتاعها و ما اشتكتش من الملح .. علي النعمة يا ستي انا زئتوه ما فيش ملح زايد .. دي بس عاوزه حاقة تشتكي منها ..
وضعت أحلام قطعة بجانب أخرى .. و راحت تعدل من وضع واحدة وضعتها سهيلة في غير مكانها و هي تبتسم ..
- زكية ما يوز تقولين علي النعمة ..
تمطت زكية و هي تقول ..
- يا ستي .. دحنا ملناش الا الصبر دي حالات بتجيها بس .. و الله أوئات بتكون حاقة تانية خالص .. انسانة طيبة .. و بتدحك ..
بدا عدم التصديق واضحا على أحلام ..
- تضحك ..!!!
- ههههههههههههه .. آآه يا ستي تضحك انتي فاكرة ايه دي حتى بتحب الكلام كتير .. سوهيلة يا حبيبتي .. في ايه ..؟
التفتت أحلام للفتاة فانصدمت برؤية وجهها المذعور و قد اتسعت عيناها بخوف شديد .. تبعت أحلام نظهرا فوجدتها تنظر للتلفاز المدار ..
سهيلة ترتجف بقوة .. و هي تأن بشيء من الفزع .. فهبت أحلام لتطفئ التلفاز .. حالما انقطع بث الجهاز ..
بدت الراحة فورية على وجهها الطفولي .. و نظرتها الفارغة تتأمل أحلام بضياع ..
قبل أن تعود الأخيرة لمكانها و تتظاهر بأن شيئا لم يحصل .. و لكن زكية عادت لتسألها ..
- سوهيلة يا ضنايه .. عاوزه حاقة ..
نظرت سهيلة لأحلام بشيء من الخجل قبل أن تقترب من زكية و تهمس بصوت وصل لأذني الأولى ..
- حمــــام ..
رفعت زكية جسدها الثقيل بجهد كبير و هي تقول ..
- أوي .. أوي .. تعالي يا حبيبتي .. مدام أحلام سواني و راجعين ..
واصلت أحلام ترتيب القطع بهدوء دون أن ترفع رأسها ..
- خذن راحتكن ..
خرجت الاثنتين من المكان تاركتين أحلام تواصل صف القطع بذهن مشغول ..
.لماذا أثارت الصورة في التلفاز رعب سهيلة ..
هي متأكدة من أن التلفاز كان مدارا حين دخلت و لم تكن على وجه الشابة ردة الفعل الغريبة هذه ..!!..
ذلك لا يعني سوى شيء واحد ..
.
.
أن صورة الكلب التي كانت تعرض في تلك اللحظة أثارت ذعرها ..!!


* * * * *


كانت ساعة السيارة تشير للثانية و خمسين دقيقة حين أوقفتها في كراج بيتها .. تلتقط حقيبتها و تترجل منها ..
التعب يغزو جسدها .. و رقاد لم تقضه بالأمس يناوش جفنيها المثقلين .. دلفت البيت .. و توجهت مباشرة لجناحها .. ستغير ملابسها لتتناول الغداء معه يمكنها بعد ذلك أن تخذ قسطا من الراحة قبل أن تذهب عصرا لبيت أهلها ..
طلبت من الخادمة تجهيز السفرة ريثما تذهب لتراه ..
توجهت مباشرة لمكتبه لا بد أنه فيه .. بالأمس كان يعتكف هناك .. قرعت الباب بخفة .. ثم أتاها الصوت يأمرها باختراق الحاجز الخشبي ..
- ادخــــــل ..
أدارت المقبض و هي تسحب نفسا عميقا .. لتدفع الباب و تواجه المكتب الخالي .. أدارت رأسها فوجدته مستلقيا على الأريكة الوثيرة و بيده ملف يطالعه .. سرعان ما أغلقه و وضعه جانبا .. و نظر اليها بهدوء ..
لا تزال هي واقفة بالباب ..
- السلام عليكم ..
أسند نفسه بصعوبة ليستوي جالسا ..
- و عليكم السلام ..
عادت لذهنها محاورة هذا الصباح .. هل كان ذلك حقيقيا ..؟!! اقتربت ببطء منه لتقف على بعد خطوات .. و احساس منه ..
- شحالك ..
ما زال يمعن النظر فيها ..
- بخير ..
و ربت بجانبه على الاريكة ..
- تعالي ..
خيل لها للحظات بأنها لم تسمع ما قال ..
- هااا ..؟
عاد يقول بهدوء ..
- تعالي يلسي ليش واقفة ..؟
نظرت له بحيرة دون أن تتحرك قيد أنمله ..
- ييت أخبرك إن الغدا زاهب ..
هز رأسه باصرار ..
- بنتغدا .. تعالي يلسي .. ابا ارمسج ..
بدأ قلبها يخفق بقلق .. يريد أن يحدثها .. لا يطلب ذلك الا لشيء مهم .. كانت الأفكار تتخبط في ذهنها الحائر .. هل سيطلب منها أن تترك عملها .. ؟ لا .. كان سيأمرها بذلك و هي واقفة .. يريد منها أن تجلس .. يريد أن يقول لها شيئا برفق .. لماذا ..؟؟ هل هو خائف من ردة فعلها لما سيقول .. ؟ .. ما الذي قد يـ ....
.
.
لا يا إلهي .. ليس ذلك ..!!
.
.
.
كان ينظر لها بعجب .. فقد بدت مذعورة .. تنظر اليه و كأنه كان غريب .. قدماها متجمدتان لا تتحركان ..
- أحــــــــــلام ..
اخترق صوته حيرتها .. شعر بشيء يشبه الضياع في أفق عينيها المتسعتين خوفا ..
- تعالي يلسي ..
دفعت قدماها دفعا .. لتجلس بجانبه .. تضم ركبتيها .. و قبضتي يديها في حجرها بقوة .. قلبها يخفق بعنف ..
أصابته هو الحيرة الآن .. لماذا كل هذا الخوف لأنه طلب منها الجلوس ..؟ .. دائما تجلس معه دون نظرة الرعب هذه ..!!
لا يدري لما انتابته الشفقة نحوها .. ليمد يده و يمسك قبضتها المشدودة .. يدلكها برفق و هو يقول ..
- أحلام .. شفيج ..
رفعت عينيها و صوتها يرتجف ..
- انته لي شفيك .. شوه السالفة ..
لولهة التزم الصمت قبل أن يقول بهدوء ..
- ابا ارمسج عن لي استوا البارحة في بيت هليه ..
.
.
أطلقت أنفاسا تحتجزها في صدرها .. أ يعقل .. !! هذا فقط .. نظرت اليه بشك .. ماذا يخفي بعد ..؟
سحب يده و نظر لأمامه مباشرة .. و هو يقول بقوة ..
- انا هب ياي اراد في الرمسة لي قالتها أمايا عن شغلج .. تعرفين مع انيه وافقت ع شغلج الا ان الموضوع هب عايبنيه .. انا مابا حرمتيه تشتغل .. بس أنا عطيتج كلمة و على كذيه مضطر انيه أخليج تكملين السبع شهور في المستشفى .. و انا اشوف لي قالته أمايا ما يعيبه شي ..
.
.
الدموع تسد حلقها الآن .. تلك التي كانت تقف على شفير المقلة تنتظر شيئا آخر تحولت لرثاء على النفس .. سيدافع عن أمه لأنه يوافقها الرأي .. أما عنها فهي من تجاوز و اخترق الخطوط المرسومة لها .. هي من سعت للعمل ..
بلعت عبرتها و هي تقول بمرارة ..
- عيل ليش تبا ترمسنيه ..
تنهد و هو يلقي كلماته بسرعة .. خيل لها لولهة بأنها قد أخطأت السمع ..
- ابا أعتذر ..
كان قلبها يدق بعنف الآن .. هل سمعته جيدا ..؟ أم أنها تتوهم ذلك ..لم تنظر لوجهه لكن صوته الهادئ كان به نبرة غريبة ..
- لنيه سمعت أمايا تنغزج و سكت ع السالفة ..
شعرت أحلام بشيء من الدوار .. لقد دعاها للجلوس .. و يقول الآن أنه يعتذر .. ردعت دمعة حمقاء سارعت لعينيها .. رويدك يا دمعة .. لربما كان هذا حلما أخرق
.. ابقي في حدود الجفن و لا ترحلي ..
لا ينقصني اذلالك ..!!
.
.
كان وجهها متألما .. لا ينكر أن الاعتذار كان صعبا عليه .. و لكنه شعر بأنها تتعرض لضغط هائل من جميع الأطراف .. و رغم أنه لا يؤيد خروجها للعمل و لكنه وافق .. و لا يرضيه أن تشعر بالضيم بسبب أحكام الغير
قالت بالأمس أنه يحبطها .. ربما كانت محقة و ربما كان ذلك نتيجة رغبة خفية في دفعها لترك العمل .. بدا ذلك في عينه خبثا ..
تنهد و عينه ما زالت متعلقه بوجهها الحزين .. اعتصر يدها برقة .. و هو يقول بنفس الهدوء ..
- أحـــــــــلام ..
ما زالت تنظر للأسفل و هي تقول بصوت خافت مرتجف ..
- منصور عادي .. انا متعودة على نغزات أمك .. الحين نش خل نتغدا ..
كانت تخفي عينيها عنه .. لماذا ..؟!! قال بصرامة ..
- أحلام طالعينيه ..
ترددت لحظة قبل أن ترفع عينها له .. كان وجهها محمرا و تبدو على وشك الانفجار بالبكاء .. شعر بالشفقة عليها ..
- شفيج ..؟
هزت رأسها عاجزة عن الكلام .. فعقد جبينه متسائلا ..
- أحلام ..؟
بلعت ريقها ..
- ما شي كنت خايفة بس ..
- من شوه ..
- يعني يوم زقرتنيه عسب أيلس .. خفت قلت يمكن شي مستوي ..
نظر لها بغرابة دون أن يفهم ..
- مثل شوه ..
.
.
قالت كاذبة ..
- يعني تحريت حد من هليه مستويبه شي ..
نظر لها بامعان قبل أن يقول ..
- لا ما استوى شي ..
أومأت برأسها ..
- ما بتتغدا ..
- بتغدا .. ثبتي لي الكرسي ..
هبت من مكانها و ثبتته باحكام و نقل هو نفسه بسرعة له .. ليدفعه نحو غرفة الطعام تلحق به ..
كانت تلك لحظات غريبة .. لولا لمساته التي لا زالت تشعر بها على يدها .. لاعتقدت أنها تحلم ..
كان قرار خروجها للعمل صائبا .. لقد فجر شيء ما هنا ..
لقد زعزع بروده .. و كم أسعدها هذا التغيير الطفيف .. تلك الدقيقة التي عاشتها في المكتب شعرت بها مسروقة من الماضي .. من حياتهما قبل أن يحل شؤم عجزه عليها ..
.
.
تلك نافذة فتحت لها .. ما زال منصور .. الرجل الذي تزوجت موجودا في مكانٍ ما .. في أعماق هذه النسخة الباردة ..
كل ما عليها فعله هو أن تبحث عنه .. لتعيده اليها ..
بدت لها تلك الأمنية بعيدة التحقيق .. و لكنها قد سمعت في مكان ما أنه لا يوجد هناك ما هو مستحيل .. كل شيء ممكن .. المستحيل يستغرق وقتا أطول فقط ..
و على هذه الأفكار التي تجتاحها تبعته لغرفة الطعام .. و أمل خفي يسري في نفسها ..
.
.
كن معي يا ربي .. و بثني الايمان و الصبر ..
ما زال أمامي الكثير لأذيب كتلة الثلج هذه ..!!


* * * * *
>>
تتمة



- هاي ثاني مرة يسويها .. يخطف من عداليه و لا كنيه موجودة .. موزان حتى ما يقول السلام عليكم ..
كانت مسترخية على الكرسي الخشبي الهزاز قاسي الظهر في غرفة اختها التي وقفت عند نافذتها المطلة على الشارع تتأمل العالم الخارجي بصمت تستمع لتذمرها من جفاء ذاك.. لتقول الأخرى بصوتها الرقيق ..
- حبيبتي .. هذا حمدان و هذا اسلوبة .. الحين هو زعلان و مقاطعنج .. يباج تودرين الشغل ..
تمطت أحلام ..
- يتحرانيه بهالاسلوب بطيعه .. بس و الله حركته تيبس راسيه و تخلينيه أعاند .. محد له خص فينيه الا ريليه .. و اليوم لي يوزنيه فيه منصور طاحت كلمته عليه ..
التفتت لها موزة بهدوء ..
- استغرب من عمووه شريفة ما سوت شي .. أنا قلت بتشل الدنيا و تحطها .. غريب هالبرود ..
شخرت أحلام ساخرة ..
- منوه قال ما سوت ..
اقتربت موزة لتجلس أمامها باهتمام ..
- شوه سوت ..
- امس سرت بيتهم .. و تمت تتحرطم عليه .. و تقول مالج حاية في الشغل و مادري شوه .. حتى انها سبتنيه ..
بدت الصدمة على وجه أختها
- شوووه ؟؟؟
قالت أحلام بلا مبالاة ..
- هيه و الله .. قالت أونه كل واحد يطلع على أصله ..
وضعت موزة يدها على فمها .. و مدت الأخرى لتمسك بيد أحلام ..
- ما عليج منها .. هذا من حرتها .. و لو كان منصور هناك .. ما تستانس تـ ...
قاطعتها أحلام بهدوء و هي تنظر لزرقة السماء تطالعها من الخارج ..
- منصور كان موجود ..
قالت موزة بحماس ..
- و شوه قال ..
- هه ما قال شي تم ساكت .. بس عمي سكتها .. و الله غيظها ما برد .. بتتصيد لي موزان ..
- لا تخافين منها .. المهم الحين خبرينيه .. شوه دوامج و شوه الناس لي وياج ..
نظرت لها أحلام شزرا ..
- خلي دوامي الحين و قولي .. أمس الرمسة السخيفة لي قلتيها ما عيبتنيه .. نحن شوه قلنا ..
أطلقت أختها ضحكة خفيفة بدا واضحا أنها مصطنعة ..
- صدق ما عندج سالفة .. بس كذيه قلتها ما كنت أعني شي ..
نظرت أحلام لها بعدم تصديق .. انقطعت الضحكة و اختفت الإبتسامة من على وجه موزة .. لتلفت مجددا للنافذة .. تنظر للسماء البعيدة متأملة .. و الشرود الكئيب يرتسم بقوة على وجهها الجميل .. و بعد لحظات تسيدها الهدوء اعترفت بخفوت ..
- انتي تلومينيه ع رمسة قلتها و انا لي فخاطريه يملى دفاتر .. سهل عليج تيلسين هنيه و تتشكين من لي معارضين دوامج .. لنج تشوفين هالشي صعب عليج .. انا وضعي أصعب .. وااايد أصعب يا أحلام .. انتي تلومينيه ع شكوايه لنج ما تحسين باللي احسبه ..
هبت أحلام من مكانها ..
- منوه قالج انا ما نحس باللي فيج .. موزان و الله قلوبنا كلنا تعورنا ع لي صار .. بس شوه بتسوين .. بتمين تضيعين لي بقى من عمرج تتحسرين ع لي راح .. هاي محطة فحياتج المفروض ما توقفين عندها .. خذي العبرة و واصلي .. ستين مليون وحدة تلقينها شراتج .. بس محد سوا لي انتي تسوينه .. انتي تضيعين وقتج في لوم عمرج ع شيء ما كان بيدج ..
ما زالت تلك تدير ظهرها فاقتربت أحلام لتضع يدها على كتفها بهدوء ..
- موزان .. ما عدنا مانع لو تبين تشكين .. بس و الله انتي تعذبين عمرج .. خلاص انسي ..
التفتت لها أختها ببطء.. تلك الدمعة الصافية ترتعش على أطراف الأهداب بحزن أثيري .. و صوتها الهامس يقول بعذاب ..
- كيف أنسى .. أنا مطلقة ..
مدت أحلام أناملها تلتقط تلك الماسة قبل سقوطها ..
- و الدار ممزورة مطلقات بس محد منهن عافت حياتها .. انتي ودرتي كل شي .. كل شي حتى البيت ما تظهرين منه ..
أشاحت موزة بوجهها ..
- وين تبينيه أظهر .. ما لي ويه .. الناس بتاكلنيه .. انا ما خطفن عليه ثلاث شهور معرسة و اتطلق .. ربيعاتيه لي عزمتهن على عرسيه شوه أقولهن .. و الله اتطلقت عقب ثلاث شهور ..
مدت يدها بعجز ..
- أحلام افهمينيه .. العرب ما بتقول العيب منه .. بتقول انه شايف عليه شي ..
امسكت أحلام كتفها بقوة ..
- و انت شلج بالعرب .. لي يرمس يرمس و ينقع فكشرة الطوية .. أهم شي انتي .. لازم تظهرين من هالعزلة لي تعيشين فيها .. سري الجامعة كملي دراسة ..ظهري .. شوفي العالم ..
ثم همست يتشجيع ..
- اتحديهم .. لا تخلين أفكارهم لي تحكمج .. انتي انسانة و لج شخصية .. عندج عقل .. ليش تخلين الرمسة الفاضية توديج و تييبج ..
ارتجفت شفتي موزة ..
- ما أقدر .. ما أقدر أحلام .. أحس ان السالفة توها مستوية أمس ..
أغمضت أحلام عينيها لتسحب نفسا عميقا .. ثم تنظر لتلك العينين الممتلئتين بالدموع ..
- خطفن ست شهور .. ما يسد هالوقت لي ضاع من عمرج ..
انهمرت دموعها الشفافة على خدها و هي تردد كلماتٍ سبق للأحلام سماعها مرات ..
- انتي شدراج باللي اعيشه .. أحلام انتي معرسة و مرتاحة ويا ريلج .. و انا ذابحنيه الوضع هذا .. ماريد أظهر و أحصل حد يسألنيه معرسة و الا لا .. ماريد حد يشوفنيه و ينشدنيه ليش تطلقتي ..
ثم همست ببؤس ..
- ماريد حد يقولي فَضْلة فلان ..

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحلام منسية, أحلام منسية الكاتبة ليتني غريبة ‏, ليتني غريبة ‏, الكاتبة ليتني غريبة ‏, قصة أحلام منسية الكاتبة ليتني غريبة ‏
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t78044.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط¯ظ…ط¹ظ‡ ظ…ظ†ط³ظٹظ‡ Facebook This thread Refback 08-08-14 03:45 AM


الساعة الآن 04:25 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية