المنتدى :
القصص المكتمله
ضـيء ، للكاتبة : هديل الحضيف ..
السلام عليكم ..
نقلت إليكم هذه القصة التي أثرت ومازالت تؤثر فيّ بقوة ..
لعلها تعجبكم كما أعجبتني ..
مكتب سنديان عتيق ..
زجاجة حبر فارغة ..
وباب نصف موصد ..
والمطر في الخارج يضرب الأرض بعنف ..
وأنا مازلت هنا , نمت حول جسدي خيوط العنكبوت ..
وفي يدي .. شظايا جرح قديم ..
دقات الساعة الرتيبة , تتسابق للثانية عشرة ..
والنوم دلّ طريقه إلى كل شيء سواي ..
كحداءٍ حزين .. عادت الذاكرة تستجدي ذكريات الألم ..
تلك الذاكرة التي مافتئتُ أجرها لأزقة حي ٍ مطمور تحت تراب الزمن ..
حيث كان النزف الأول ..
*******
نمـَتْ أمام عينيّ ..
كنت أودع عامي الثالث عشر حينما سمعت صوت أمها صارخا .. قبل أن يولد الفجر بساعات قليلة ..
وعلمتُ صباحا أن جارتنا أم العشرة ذكور , قد أنجبت أخيرا .. بنت ..
لم تكن سوى ابنة لجيراننا .. لكنني أحسست أنها شيء آخر .. شيء مختلف .. ربما لكوني وحيدا بلا أخوة مبررا لهذا الإحساس .. لم يكن هذا السبب إلا أرضا هشة .. تهاوت في حين غفلة من تحتي ..
سألت أمي أن أذهب معها , ثم انتابني شعور أني سألتها أمرا منكرا .. فأردفت قائلا :
_ لم أرَ في حياتي مولودا يا أمي .
ضحكتْ وسمحتْ لي بمرافقتها ..
قلت لأم سعد :
_ سموها ( ضيء ) ..
حينما أخربتني بأنهم لم يختاروا لها اسمها بعد .. لم أسمع بهذا الاسم من قبل , لكنه جاء على لساني في تلك اللحظة فقط .. أخذتها بين يدي .. رحت أتأملها ولم تفتح عينيها , خفضت رأسي وقبلت جبينها ثم أعدتها لأمها ..
رغم أولاد جيراننا العشرة , إلا أني لم أحس بجيرتهم إلا بعد ( ضيء) .. أصبحت أتردد عليهم يوميا .. لا لسبب سواها .. حتى نهرتني أمي قائلة بأني أصبحت رجلا وليس من اللائق أن أدخل بيت جيراننا .
ألف الناس رؤيتي في السوق مع ( ضيء ) التي أكملت عامها الثاني ..
ضحكتها التي تملؤني فرحا .. عيناها الواسعتان .. لونها النجدي ( الطيني ) , كل هذه أصبحت أساسا في حياتي ..
آخذها عصرا معي للسوق حيث أقف في دكان أبي , وأتركها تعبث في كل شيء .. وأكتفي أنا بالضحك !
قهقهت فرحا ذات مساء صيفي , عندما قالت لي أمي وهي تناولني فنجان قهوة :
إن أم سعد تقول " إن ( ضيء) لا تكاد تعرف سوى خالد .. حتى أنا بالكاد تعرفني .. فكيف بوالدها وإخوتها "
علقت أمي قائلة :
_ قد يأتي يوم .. وبالكاد تعرفك ..
ثم جلجل المساء بضحكي وضحكها , وأسفر بابتسامات أبي ..
لم أشعر بالزمن إلا ذاك الصباح , حينما طرقت الباب .. لتخرج إليّ ( ضيء) وتخبرني بأن أمها رفضت أن تسمح لها بالخروج معي .. لأنها كما تقول أمها , أصبحت كبيرة ومن ( العيب ) أن تخرج مع الرجال ..
_ عمي .. سأظل أشتري من دكانكم ..
كأنها تعزيني , وابتسمت ثم توارت خلف الباب الذي أوصد ببطء ..
( عمي ) ظلت ترن في أذني .. بل تتفجر .. لم أشعر يوما بالألم كشعوري به ذاك اليوم ..
استلقيت في فراشي لأكتشف أن الفلك دار عشر دورات كاملة منذ أشرقت ( ضيء) ذات ليلة ..
كنت أشعر بالغيظ , بالجرح , بحزن ٍ دام ٍ .. كيف تمنعني أم سعد من ( ضيء ) وقد قبلتها ذات صباح , بين عينيها .. كيف تمنعني وقد أضاءت حياتي لعشر سنوات .. كيف يطيب لها أن تغمر باقي أيامي بالظلام دون سابق إنذار ..
ثم وجدت نفسي أبكي وقد ارتوت وسادتي دموعا ..
هبط الليل شيئا فشيئا على قلبي , مر زمن دون أن أخرج من الغرفة .. حتى قهوة المساء لم أتناولها مع أهلي , والشعور بالمرض بدأ يتسرب إليّ , وأخذت الحمى تسري في أوردتي , طرقت أمي الباب أول الليل ثم دخلت .. راعها منظري , وجه محتقن .. وعرق نازف .. وجسد مشتعل .. لم تنبس ببنت شفة , أطالت النظر إلي ثم وضعت يدها على رأسي , وأدنت فمها من أذني وهمست:
_ ومالذي يعنيك من أمر طفلة ؟؟!!
أمي هي الشخص الوحيد الذي يكاد يفهمني في كل شيء .. كنت متأكدا من أنها تعلم كيف أثرت ( ضيء ) في حياتي , وأني مازلت أعدها جزءا مني , وحرماني منها يعني كارثة لي .. قلت لأمي :
_ هي طفلة .. لكنها طفلتي .. أم سعد قالت ذات زمن أنها متعلقة بي .. فكيف تقطع حبلا سمكه عشر سنين ؟؟
مسحت أمي وجهي بقماش مبلل , في محاولة يائسة لإطفاء هذه الحمى التي سرعان ما اتقدت في سائر جسمي .. ثم استسلمت لنوم متقطع حتى الفجر ..
*********
يتبــــع,
همسة :
حسب ما سمعت هديل الحضيف في غيبوبة في العناية المركزة ..
دعواتكم لها بالشفاء ..
|