المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
7 - غرباء على الطريق - ليليان بيك ( كاملة )
:29ps:
لقد قمت بكتابة هذه الرواية ليسهل على الجميع حفظها وقرأتها وانتظر ردودكم وارائكم
" غرباء على الطريق "http://www.liilas.com/vb3
كــtxt & كــ وورد هــنـا
الملخــص:
اندي سائق شاحنة يعمل لدى شركة لوكربي، كان قد تبع بروك اميالا واميالا بشاحنته العملاقة، معيقاً طريقها، مسبباً لها ضيقاً وإزعاجاً. لكنها عندما واجهته بالغضب قال لها: لا استطيع مقاومة النساء.
ماذا تفعل بروم امام اصرار هذا الرجل الواثق من نفسه المتسلط الذي اكتشفت حقيقة هويته اخيراً، فهو ليس ابداً سائقاً كما اوهمها..منتدى ليلاس
اكتشافها هذا اتى بعد فوات الاوان، فرغم رقض والدها له ورغم وجود سيلينا الجميلة في حياته، وجدت بروك انها لن تستطيع الخلاص منه بعد أن وقعت في شراك حبه..
الســــــائق الأرعــــــــن
استمرت الشاحنة العملاقة في ملاحقة بروك عن قرب ورغم محاولاتها الجاهده، لم تتمكن من معرفة سبب هذه المطاردة. سعت عيناها لإلقاء نظرة الى السائق عبر المرآه الامامية، ولكن كل ما استطاعت رؤيته كان الخطوط الحمراء للشاحنة المندفعة وراءها. فزجاج الشاحنة الامامي أعلى بكثير من زجاج سيارتها مما جعل من المستحيل رؤية شئ !منتدى ليلاس
وكانت نافذتها مفتوحة على مصراعيها ليتسنى للهواء البارد التسلل إليها حيث راح يعبث بخصلات شعرها الاشـقر المتطاير حول رقبتها، تاركاً لها شعوراً بالراحة من حر يوم الصيف هذا. وأخيراً .. قرر السائق ترك المطارده، فتنحى بالشاحنة عن الخط السريع من الطريق العام. وما ان وصلت الشاحنة الى جانبها حتى التفتت بروك لترمق من سبب لها كل هذا التوتر، فلا شئ أزعج من عملاق طرقات يلتصق بذيل سائق سيارة صغيره, وكأنه وحش بري ينقض على فريسته محاولا تثبيتها الى الارض.
قطبت عن بعد وعيناها تلتقيان بضحكة الرجل الساخر، الذي كان منذ اميال عديدة مصدر عذابها. ودفعتها غريزتها الى الشتم بعنف راجية ان يقدر هذا الارعن على قراءة الشفاه! لكن عندما همًت بالشتم كان كل ما نطقت به هو (عليك اللعنة) وكان كل ما تلقته من رد: ارتداد رأس الرجل للخلف بضحكة ساخرة، ثم تابع طريقه بسرعة حتى ابتعد عن ناظريها!
تنفست الصعداء لأنها لن تراه مجدداً، فهو يقود شاحنة فارغة، ومن المعروف ان كل سائقي الشاحنات الخالية من الحمولة يقودون بسرعة مذهلة كي يعودوا الى مركزهم سعياً الى حمل اخر يكسبون منه مالاً اوفر.منتدى ليلاس
لم تنتبه لجفاف فمها والتواء معدتها إلا بعد ان وصلت الى محطة خدمات تحتوي على مطعم ونزل صغير ومحلات ومحطة وقود، في هذه اللحظة علمت ان ذاك السندويش الذي تناولته منتصف النهار ما كان كافياً إطلاقاً كما اعتقدت!
جالت عيناها فيما حولها بعد ان ركنت سيارتها جيداً في الموقف، فشاهدت لوحة تشير الى مساحة مخصصة لوقوف الشاحنات والعربات الكبيرة، ولمعت في ذهنها كفرة ان يكون سائق العربة العملاقة الحمراء قد توقف هنا لآخذ قسط من الراحة ووجبة طعام.
جعلتها الفكرة تترجج. ولكن وبعدما أظهرت لها عيناها ما يمكن ان تقدمه محطة الخدمات هذه، فكرت في أنه لو توقف هنا لما اختار المطعم الفخم الذي وقفت تتأمله بل لاختار المقهى الصغير كما يفعل سائقو الشاحنات عادة.
كان المطعم أفخم مما توقعت، يشرف على خدمة زبائنه سقاة أنيقون بينما المقهى الصغير يعتمد زبائنه على الخدمة الذاتية. وفي المطعم إضاءة ناعمة وستائر أنيقة ونباتات جميلة، وهذا كله دون شك سيرفع من ثمن الطعام فيه. اختارت بروك طاولة معده لشخصين في الوسط ثم شرعت في قراءة لائحة الطعام، فلما لاحظت الاسعار الباهظة كادت تتسلل باتجاه الباب. المدخول المادي الذي يعينها ووالدها على العيش كان ضئيلاً جداً حتى لا يكاد يكفي لدفع ثمن فنجان شاي وخبز محمص وبعض المربى وربما كعكة صغيرة. تلقت الطلب منها ساقية جذابة، تضع مريلة بيضاء وثوباً اسود قصير، احضرت الفتاه ملاءة ورقية مطوية فتحتها لتضعها أمام بروك على الطاولة، بعد ان انتهت رفعت الفتاة رأسها في لتبتسم من فوف رأس بروك.منتدى ليلاس
والتفتت بروك بعد ذهاب الفتاه في محاولة لاكتشاف من تلقى تلك البسمة منها .. وهي بسمة كانت لرجل جذاب دون شك، اما الرجل فكان ساحراً اكتشفت شده سحره أثناء الطريق الى هنا! فتحت القميص وربطة العنق التي لاحظت أمام دهشته انه يرتديها الان، كان هناك عضلات مفتولة وكتفان عريضان. إن هذا الوسيم الاســود الشعر، الاسمر القسمات هو من النوع الذي يمارس الغزل على الطرقات العامة متمتعاً بها.
بدت الاطباق الموضوعة أماه من أفخر انواع الاطعمة والشراب كان كذلك. أما الرجل فجلس وعلى وجهه إبتسامة تشبه تلك التي وجهها الى الساقية لكن ابتسامته تلك كانت رداً على دعوة الساقية له أما هذه الابتسامة فهي متعجرفة ساخرة.. لبروك.
أخفت بسرعة أي تعبير قد يعلو وجهها، ثم أشاحت وجهها بعيداً عنه بقوة حتى أحست بأن شعرها تطاير فوق كتفيها وبعد لحظات قليلة من تقديم ما طلبته وقفت الساقية قرب سائق الشاحنة.. وركزت بروك اهتمامها على صب الشاي، ودهن الخبز المحمص بالزبده، رافضة أن تسمح لرأسها بالالتفات الى الوراء. لكن بعد أول قضمة استدار رأسها لا شعورياً وكأنه عقرب الساعة، وراحت ترمقهما فبدا لها انهما يعرفان بعضهما، ولكن الى اي مدى! هذا ما لم تجرؤ بروك على التفكير فيه فسائقو الشاحنات يقودونها الى مسافات بعيده وهم بحاجة الى الراحة والانتعاش. أو ليس معروفاً كذلك انهم بحاجة الى اشياء اخرى!!
وتصاعد الضحك وانحنت الساقية لتمسح شيئاً عن سترة الرجل السوداء وسمعته يتمتم:
انه الغبار .. فقياده الشاحنات عمل قذر ..منتدى ليلاس
تركته الفتاه لتهتم بالزبائن، فعادت من جديد نظرة الرجل لتحط على بروك، عندها فقط أدركت كم كانت تمعن النظر إليهما فاصطبغ وجهها بنار الخجل أما هو فازدادت ابتسامته اتساعاص وسخريته وضوحاً..
رنت إليه بطرف عينها فشاهدته يرتشف القهوة وهذا أمر عظيم لآنه إن دل على شئ فعلى اقتراب مغادرته المكان .. ولكنه لم يظهر أي دليل على الاستعجال! هناك شئ فيه يحيرها .. هذا المظهر النظيف في المطعم بعد مظهره العاري حتى الوسط في الشاحنة .. وذوقه الباهظ الثمن .. وعجرفته! إنه لغز لم تفكر قط في حله. مسحت فمها بمنديل ورقي ودفعت كرسيها لتقف. وما أن وصلت الى البات حتة احست بيد تربت على كتفها، فاستتدارت ذعرة لترى سائق الشاحنه يقدم اليها ورقة. لقد سمعت صوتاً يناديها، ولكنها كانت تريد الهرب بأسرع ما يمكن من هاتين العينين الساخرتين اللتين لم تتركاها منذ أخذ صاحبهما يرتشف القهوة ببــطء. ازداد وجهها امتقاعاً وازدادت هي ارتباكاً وغضباً من نفسها.. تمتمت: شكراً لك. وانتزعت الورقة منه، وهي تريد أن تقول له، هذه غلطتك لآنك كنت ترمقني بكل جرأه، لكنها ارتدت عائده الى داخل المطعم لتدفع الحساب على الصندوق حيث العاملة مستغرقة ف عملها فلم تلاحظ شيئاً، وجدت بروك نفسها تحاول شرح الامر فقط للرجل الواقف خلفها منتظراً دفع فاتورته: لقد نسيت انا انا لم ارتكب هكذا غلطة من قبل!
ورفع الرجل المبتسم حاجبيه وهز رأسه وكأنما يقول لها: لقد سمعت مثل هذه الاعذار من قبل. استدارت عنه غاضبة لتخرج الى الهواء الطلق، ومن هناك شاهدته يتناول ما بقي له من مال ثم يتجه نحو محلات البيع. ها هي مرة اخرى تفتح امامها الطريق الرئيسية. تغلغل في نفسها إحساس غريب بالحرية.. ممَ؟؟ لا تعلم لكنها مسرورة لأنها لن ترى هذا الرجل ثانية. وداست على دواسة السرعة، وانطلقت السيارة بكل قوتها الى مقاطعة أونتاريو حيث بلدها. بعد عده أميال، لاحظت صوتاً غريباً يخرج من السيارة.. وبما أنه لم يكن مستمراً حاولت تجاهله. السيارة عمرها ست سنوات، وهي تحتاج الى تبديلها بأخرى حديثة الطراز، لكن أنًى لها ذلك والمال غير متوفر، بعد أن تقدمت في المسير لم تستطع دون أن تنظر من فترة لآخرى الى الخلف بحثاً عن أثر لشاحنة حمراء، لكنها عادت توبخ نفسها.. فلماذا تنزعج إن لم ترَ ذلك المخلوق ثانية! ألم يتبين لها بوضوح نظرته إلى المرآه وكأنه لا يريد منها إلا شيئاً واحداً ولن تحتاج الى ذكاء فائق لتعرف ما هو هذا الشئ. فجأه اهتزت السيارة بقوة ملآتها رعباً. شئ رهيب يحدث، استطاع عقلها تلقائياً التفكير في الاستدارة بالسيارة تجاه كتف الطريق. وأوقفتها بحده، وجلست محنية الرأس، تقاوم الذعر، يداها ما زالتا علتى المقود تمسكانه. أشعة الشمس اخترقت كيانها فلا نسيم الآن تسببه حركة السيارة يلطف من حرارتها الشديدة، التي بدأت تحرق خدها وذراعها المعرضة خارج النافذه. خرجت من السيارة لتفتح غطاء المحرك، حينما وقفت تحدق فيه دون جدوى حولت بصرها الى السيارات والباصات الصغيرة والعربات التجارية المارة بها بسرعة. وعندما أبطأت سيارة، لتتوقف قرب سيارتها خفق قلبها بالامل، وسألها الرجل: ثمة مشكلة؟ أوه عزيزتي.. اعرف تماماً ما هو شعورك، ولكن للأسف لا فائده ترجى مني أو منك لتصليح محركات السيارات. تظر إليها ثانية مبدياً إعجابه بجاذبيتها التي زادها قوة قميصها الذي دون كمين والبنطلون المغبر .. احست بالانزعاج .. الرجال! ماذا يظن بي الآن؟ أيحسبني اتظاهر بأن سيارتي معطلة كي احصل على ذلك النوع من التسلية الذي يمر في ذهه الآن!!منتدى ليلاس
- هل بإمكاني اخذك الى مكان لتناول شراباً ثم نعود؟
(اجــل! هذه هي فكرته!) .. هزت رأسها بجفاء: شكراً لتوقفك.
راقبته يبتعد وهي تحس بالراحة. ومن بعيــد .. لاح شبح سيارة شحن حمراء .. يقودها سائق متعجرف.. ذو ابتسامة ساخرة، خفق قلبها بقوة بينما عيناها مستقرتان على العربة الحمراء النارية القادمة وكأنما تأملان أن تنجدها.. ماذا لو لم تفعل! ماذا لو لم يشاهدها السائق في حال كان ينظر الى الناحية الاخرى؟ ولماذا تريده ان يساعدها؟؟ فكرت باضطراب.. وبررت موقفها بأنه من ذلك النوع من الناس الذين يظهرون ثقة واضحة بالنفس تجعل المرء قادراً على الاعتماد عليهم.. ومعظم الذين يقودون الشاحنات المحملة بالبضائع الخطرة والمهمة من طرف البلاد الى الطرف الاخر، يعتمد عليهم نظراً للتبعات التي تلقى على كاهلهم بنقل ذاك الحشد من البضاعة. ودنت الشاحنة منها اكثر فأكثر .. فهل سيكمل مسيره أم يتوقف؟ هل تتخيل! أم انه فعلاً خفف من سرعته! وبكل براعة ناور بالشاحنة العملاقة، لينحرف الى الخط البطئ من الطريق، حيث أوقفها.. تنفست بروك الصعداء ما أن سمعت مكابحه، وتوقف محرك السيارة. كان أول شئ لاحظته بعد أن قفز الى الخلف لينزل من شاحنته هو الجينز القديم الذي ارتداه بدل ذاك السروال الانيق، أما نصفه العلوي المحروف بفعل أشعة الشمس فكان عارياً. تقدم نحوها وهو يلقي نظره سريعة على كل ما أعجب به السائق الذي توقف قبله، ولكن في نظره هذا الرجل لمسة إهانة متغطرسة. أهي نابعة من جرأه نظرته أم من التواء شفتيه الساخرتين أم من الطريقة التي يعلق بها ابهاميه في حزامه! ومهما يكن السبب فقد احست بروك بقشعريره خوف تسري في جسدها.
- ها قد التقينا من جديد سيدتي!
أجفلها صوته الأجش الذي يبدو ضخماً كالامكنة الواسعة الفارغة، في صوته نبرة تومئ الى ثقافة وذكاء وهي ادركت ذلك لآنه قبل أن يصاب والدها بتلك النكبة كان استاذاً جامعياً .. أردف: هل واجهت السيده المتفوقة الصغيرة التي تشمخ أنفها الى السماء والتي تسير بعجرفة أنستها دفع فاتورة المطعم، أي نوع من الكوارث؟؟
حدقت اليه بتوتر.. لو أنه ليس سوى سائق وضيع لعرفت السبيل الى التعامل مع صفاقته.. ولكن ما من شئ في هذا الرجل يشير الى مكانة وضيعة، فردت عليه بالطريقة المتعالية نفسها: أنا لست متفوقة، بل فتاه عادية أنفها حيث يجب ان يكون أي في مقدمة وجهها تماماً.. وهي لم تعتد السير بعجرفة دون أن تدفع الحساب. ولكن الكارثة التي واجهتها كانت انت .. وها أنت من بين كل السائقين تهب الى نجدتها! هزت رأسها باتجاه الطريق.. محرجة فتمتع هو بما رأى كما فعل تماماً ساعة شتمته عندما تركها ليتجاوزها.
كتف ذراعيه ثم اكمل تحديقه إليها.. لماذا لا يسألها ما هي المشكلة؟
قالت له: لقد تعطلت.. فقطب حاجبيه وأجاب: صحيح؟ ولكنك تبدين لي سليمة، إذا لم اقل نبيلة.. فاحمر وجهها واجابت. يا لسعة معرفتك باللغة وانت مجرد سائق شاحنة! فابتسم ولم يرد على تعليقها، فأشارت برأسها الى الوحش المتوقف بجوار سيارتها وتابعت: هل أتيت بهذه من مكان بعيد؟
- من هيلفكسمنتدى ليلاس
- هل كنت توصل حملاً ؟؟
- حمل كيماويات للتصدير.
- وهل أنت سائق شاحنة منذ زمن؟؟
بسمته كانت ساخره وكأنه يعرف أنها إنما تنقب عن معلومات عنه.
اجاب: منذ ان تخرجت من قياده سيارات الالعاب نحو حائط الحديقة. لقد خلقت والمقود في يدي وها قد تكسرت أسناني من مفاتيح البراغي واتخمت من حمية اقتصرت على "الصمولة" و"البراغي".
وأخرجت بروك تنهيـده مرتفعة.. فهذا الحوار لن يوصل
الى نتيجة:
- والدي سيقلق عليَ إذا تأخرت، أرجوك هل لك أن تساعدني؟
لم يغير وقفته بل قست نظرته أكثر فأكثر وبقي يحملق فيها بصمت، وكأنما جاء دوره ليزنها ويضعها في مكانها الصحيح من المجتمع تماماً.. ستكتشف لاحقاً إن كان تقييمه لها محقاً أم غير محق. وقالت له: كتاب تعليمات السيارة على المقعد الخلفي.. وستجد ..!! هل لك ان تأتي!!
فتحت باب سيارتها الخلفي ودخلت ثم تراجعت لتفسح له مجالاً للجلوس، فتقدم ببطء وأحنى رأسه ليصعد ويجلس قربها، بتوتر أخذت تتصفح الكتاب، وأخذت الرسوم تتراقص أمام عينيها.. فقربه منها .. وعٌري جزءه العلوي من جسده كان أقوى من طاقتها.
وتساءلت متى سيسألها عما حدث قبل أن تتوقف السيارة .. نظرت إليه، فإذا به ينظر إليها نظرة جعلت قلبها يقفز من مكانه.. في عينيه تلك النظرة التي كانت في عيني ذلك السائق الاخر، ولكن ذلك الرجل تابع طريقه أما هذا فتوقف. فإذا كان ما يدور في خلده ذات الأمر الذي دار في خلد من سبقه فليرحل الى ...
وارتفعت عيناها الرزقاوان إليه، وقد ارتسم على وجهها البيضاوي الجميل شبح ابتسامة..
- ارجوك سيـد .. أنا لا اعرف اسمك..
- بإمكانك مناداتي آنـدي
- اندي .. هل لك أن تنظر الى سيارتي؟ أنها..
- صحيح .. انظري يا سيده.. سيارتك على ما يرام .. متى نبدأ؟ الا تظنين المكان هنا عاماً؟ ولكن .. وقبل أن يكمل ارتفعت يدها قبل أن تستطيع منعها محدثة صوتاً كأنه دوي الرعد رغم ارتفاع أصوات السيارات المارة على الطريق.منتدى ليلاس
ومد يده ليمسك معصمها بقوة: أيتهــا ..
ظنت لوهلة أن يده ستكسر رسغها الطري.. فاندفعت الدموع الى عينيها، ولكنها عضت على شفتها العليا لتمنع نفسها من البكاء أو الصراخ.. برقت عيناه وهو يقول:
- لقد قضيت الساعات والاميال على الطريق العام تلعبين لعبة القظ والفأر معي، تبتعدين عندما اقترب.. تقتربين عندما ابتعد .. تسبقيني ثم اسبقك، ثم تلحقين بي الى فندق صغير اعرفه منذ مده، وغايتك كل غايتك أن نتعارف بشكل حميم.. ثم تعمدين أخيراً الى أقدم لعبة معروفة وهي التظاهر بتعطيل سيارتك!!
وعندما استجيب لك في كل ما قمت به من الاعيب تدعين العفة والطهارة!
وشحب وجهها، وخفق قلبها، ثم قالت وهي تتلفظ بكل كلمة على حدا:
- اخـــرج ... من .. سيـــارتــــي!!!
نظر إليها نظرة إزدراء أخيرة.. ثم خرج ملبياً طلبها. لكنه ما إن صفق الباب متجها نحو سيارته حتى ادركت بحسره.. أنه بعد لحظات سيختفي حتى يغدو كبقعة حمراء بعيده، وتبقى هي معلقة بين السماء والارض مع سيارة معطله.
استمعت لمحرك سيارته يدور .. فنزلت من سيارتها مهرولة نحوه .. وجدت نافذته مفتوحة فرفعت رأسها وصرخت وهي تلوح بيدها نحو السيارةمنتدى ليلاس : ارجـــوك .. ارجوك يا آنــدي .. انا لا اكذب انها معطلة فعلاً!!! أنها لا تتحرك ! لا شئ فيها يعمــل!
اشرف عليها من علوه بنظرات لم تستطع سبر اغوارها.. ولكن محركه كان مازال يهـدر .. وهذا يعني انه مازال غاضباً من صفعتها له على وجهه، وأنه يرفض مد يد العون. استدارت بعجز الى السيارات المارة بسرعة وهي لاتلوي على شئ!
أجـــــــدك آســـــــــره!
توقف هدير محرك الشاحنة.. لكن بـروك لم تجرؤ على النظر وراءها خشية ان يكون ما تسمعه من صرير الباب ووقع الاقدام المقبلة وهماً من نسج خيالها..
- حسناً .. (جاءها الصوت من الخلف) سألقي نظره لآرى ما إذا كانت معطلة وإن كانت كما تدعين فإنني عندها مدين لك باعتذار.
ونظرت إليه بامتنان، نظرهمنتدى ليلاس مشرقة قد تجعل اي رجل يشتعل .. لكن هذا الرجل بقي وكأنه شمعة منطفئة، فأحنى الرأس فوق المحرك، باحثة يده هنا وهناك بشكل اوحى لبروك بالثقة المفعمة فالغريزة أعلمتها من خلال الطريقة التي فحص فيها المحرك أمامها، أنه يملك القدره الاكيـده على تصليح المحرك.
بدت مقتنعة بقدرته الى ان صدمتها كلماته:
- اظن بأن المحرك بحاجة لآصلاح رئيسي. أخبريني ما حدث بالضبط.
انصت اليها وهي تشرح، ثم هز رأسه، واخرج قطعة قماش من جيبه ومسح يديه:
- أظن ان تروس ناقل السرعة قد تعطلت، فلم تعد سرعة المحرك تنتقل الى باقي أجزاء السيارة، ولا استطيع تأكيد شكوكي لكنني على ثقة من صحة اعتقادي.
جلس في مقعد القيادة، وبعد عده محاولات أدار المحرك، لكن محول السرعة لم يتحرك، فرغم محاولاته كلها لم تتحرك السيارة من مكانها. سحب مفاتيح السيارة ووضعها في جيبه:
- آسف .. لن تحتاجي إليها لفتره من الزمن.
- وماذا ستفعل بها؟
- لا بد من حل! أتوافقين؟
فهزت رأسها، على الأقل لن يتركها هنا عالقة مع سيارتها، وأكمل:
ثمة حل واحد في الوقت الحالي وهو أن تتركيها حيث هي، اخرجي كل ما لك فيها من أشياء واقفليها. أثناء الطريق سنجد هاتفاً نتصل عبره بالكراج ليرسل من يسحب السياره.
- أثناء الطريق!! الى أين سأذهب!
- سترافقينني في الشاحنه
- أتعني أنك ستقلني بشاحنتك!
- هذا بالضبط ما اقصد.. فما الخطأ فيه! هل هذا يسئ الى كرامتك العزيزة!
- بالطبع لا .. ولكن..
- الا تثقين بـي!
ومسح الخد الذي صفعته وأردف: ألم اعتذر ؟
- ولماذا الاعتذار ؟ أنا التي صفعتك
- لقد قلت انني سأعتذر إذا وجدت السيارة معطله فعلاً.. والآن جاء دورك.
فقالت على مضض: آسفــة على الصفعة لكنك كنت تستحقها.
وانخفض جفناه: صحيح! السائقات الساحرات اللاتي يلاعبنني لهن الحق في كل ما يفعلنه..
هيا بنا لقد اضعنا ما يكفي من الوقت، يجب أن أعود الى نقطة انطلاقتي.
لم يتطلب منها إحضار الحقيبة والاغراض الاخرى إلا دقائق معـدوده، اخذها منها المدعو آندي ليضعها في شاحنته، وسألته: هل سيغرمك رب عملك لانك تأخرت ؟
فقال بابتسامة: سيرميني للخارج فوراً !
وتطلعت الى مقصورة السائق وتراجعت فقال: خائفــة ؟؟
- إنها فخمة!
- هيا، سأدفعك الى فوق.
فتح الباب، فشاهدت للمره الاولى بروك اسم الشركة التي يعمل فيها الرجل "لوكربي" فصاحت: اتعمل في شركة لوكيربي !!
- ماذا فعل !! آل لوكيربي بك ؟؟
- لا اظنني ارغب في الصعود لأحدى شاحناتهم...
- بحق الله ما اسمــك ؟؟
اخبرته باسمها .. فتابع : بــروك .. ألم أمض وقتاً كافياً أحاول فيه حل مشاكلك !
وارتفعت قدمها الى الدرجة الاولى من المقصوره، وأحست بيديه القويتين تقبضان على خصرها النحيل .. لن تستطيع أبداً تفسير المشاعر التي اعترتها من جراء لمسته لها .. كل ما عرفته في تلك اللحظة أنها لم ترغب في إنتهاء هذه اللمسة، لكنه اعتقد ان ترددها ربما عائد الى عدم قدرتها على إيصال قدمها الاخرى للدرجة العليا، فمـد ذراعـه الى فوق ليسندها.
وعندما وجدت نفسها أخيراً تحلس في مقعد السيارة وجسدها مستريح على التنجيد الجديد خلفها تنهدت فلم يكن مخيفاً كما ظنت .. لكن الشئ الوحيد المخيف حقاً هو هذا السائق الذي يتسلق للوصول الى المقود.
وقال لها وعيناه مشغولتان بمراقبة العدادات اماه: إنك خفيفة الوزن .. لم أجد خاتماً في يدك!
ردت من دون اي اثر لهم في صوتها: فسخت خطوبتي منذ يومين ..
- دون أقــل نـدم!
- إطلاقاً..
أحست امام استغرابها أنها فعلاً تعني ما تقول .. وأشارت الى ما خلفها و قد أدارت عينيها في كل شئ حولها : مـا هذا ؟
- إنــه سرير وخزانة ومكان لتغير الملابس .. وهذا احدث ما وجد في عالم الشاحنات هذه السنه. هل عرفت هذا من لوحة التسجيل؟
- لم الاحـظ
- أما انا فمن هذا الارتفاع الاحـظ أشيـاء كثيــرة .. فمن لوحة تسجيل سيارتك مثلاً، عرفت أن عمرها ست سنوات، وعرفت كذلك أنك تسكنين في منطقة تورنتـو .. وإن يكن الاحتمال الاخير غير دقيق، لآنك ربما اشتريت السيارة من تلك المنظقة.
- أنت محق أعيش ووالدي قرب تورنتـو
- صحـيــح ؟ إذن قد نلتقي مره ثانية
- أتعيش هناك؟
- أنت تعرفين ان شركة لوكيربي ليست بعيده عنكم .. على فكرة لقد سألتك من قبل لكنك لم تجيبي، بمـا أذوكِ آل لوكربـي ؟
- لم يؤذوني إنـما اذوا والدي.. لقد سببوا له شللاً مدى الحياه وهو الآن لا يقدر على التجوال الا في كرسي متحرك.
ونظـر آنـدي الى المرآه، وتحول بالسيارة الى الخـط السريع من الطريق وقال:
- آسـف .. هل كان هذا منذ زمن ؟
- منذ سنة ونصف تقريباً .. لقد بعنا منزلنا في اوتـاوا ، وهو منزل قديم يحتاج لتصليح، وها أنا عائـده من ذاك المكـان بعد أن وقعت العقد نيابة عن والدي.
- إذن كنت عائده من اوتـاوا الى تورنتـو عندما تعطلت سيارتك؟ ومن يعتني بوالدك الان؟
- الجيـران .. السيــد والسيــده هاملتـون.
تأملت ما حولها ابتداءاً بالدعائم فالمقود الضخم والذراعان واليدان اللتان تتحكمان به وصولاً الى جانب وجه هذا الرجل الجذاب .. وكانه احس بنظراتها إليه فقد التفت بسرعة لتلتقي عيناه بعينيها ، اعتلت وجهها حمره الخجل فضحك وقال:
- أنـا في الثلاثين من عمري، اعزب ملئ صحة وعافية ، أملك الكثير من المال لا أصرفه إلا على نفسي .. فهل أنا صفقة خاسرة؟ أحذرك .. بالنسبة للنساء ليس لدي إراده.. وانا اعني الاراده .. فإذا رغبت بالقبول بي يا بــروك بهذه الشروط .. فأنا لك.
فردت متلعثمة: شكراً لك .. لا .. أفلت لتوي من مصيده ولا انوي الوقوع في اخرى.. على الاقل ليس قبل وقت طويل ، خاصة مع رجل لا يمكنني الاعتماد على إخلاصه لي .. أضف الى ذلك أنني لا اريد اقامة أي نوع من العلاقات التي قد تفكر فيها .
فضحك وسأل : هل انت سعيــد في عمـلك ؟
- أجن به، خاصة عندما تكون هناك فتاه جميلة الى جانبي تشاركني سعادتي بالعمل على فكرة ما اسمك كاملاً ؟
- بــروك ستــون
- ستــون !
- صحيح .. هل اهجئها لك ! فربما خلف مظهرك المتحذلق هذا جهــل.
- يا لشـده ملاحظتك !! لقد تركت المدرسة جاهلاً اكثـر مما كنت عليه قبل أن التحق بها. - أنت تكذب بالطبع .. فمن الواضح أنك على ثقافة عالية ..
قال لها ونظره لا يفارق الطريق الممتد أمامه: وهل انا على ثقافة عالية كما تسمينها؟؟
- أنا لست من طبقتك الفكرية ، فما أنا الا سكرتيره كانت تعمل سابقاً في مصرف .. أما الان فأنا سكرتيره والدي ومدبره منزله وسائقة سيـارته .. ومـن أنت؟
- من أنـا ؟ وماذا تظنينني ؟ متخلف اليس ذلك واضحاً ؟ لقد استوعبت كل ما قدمته الجامعة لي لآثقف عقلي ، لكن بدل أن اضع قدمي على اول درجة في سلم التجارة والصناعة تحولت لآصبح سائق شاحنة.
- انت تمـزح دون شك!
- وهــل أمــزح !!
لاحظت بروك تغيـراً في سرعة الشاحنة فسألت: ماذا يحدث؟؟
- ثمــة محطة خدمات أخرى أمامنا فيها هاتف عام، سأتصل منه بالمرآب لأطلب سحب سيارتك. لا تقولي أنك نسيتها ؟
اصطبغ وجهها بحمرة الخجل وهى تكره الاعتراف بأنها قد نسيت فعلاً أمر سيارتها.
ابتسم لها وهو يوقف الشاحنة: هل تجديني جذاباً الى درحة أنستك كل شئ آخـر.
فصاحت بقـوه: لا ! .. كادت تقول نعم .. فضحك وتركها رده تشهق:
- هذا امر مؤسف ، لآنني اجدك آســره ..
وانحنى الى الامام ليفتح خزانة صغيرة تحت رف القياده، لا تبعد كثيراً عن ركبتها اليسرى، واخرج منها قميصاً، وبينما كان يهم في ارتداءه أدار وجهه ليطبع على غير توقع منها قبلة حارة على خدهـا. ثم استوى جالساً ليقول أمام نظره الذهـول التي كانت ترمقه بها:
انت حلوة المذاق كما توقعت تماماً، اعتقد أن خطيبك مجنون إذ كيف يتخلى عن هذه السعاده التي توفرينها لرجل ..
- اتعلم ما انت يا سيد ..
- اخبريني..
ارتدى القميص دون ان يزرره، على طرف جيبه الاعلى طبع باللون الاحمـر كلمة لوكربي. وتابع كـلامه: لا .. سأوفر عليك الازعاج، فأنا وقح، صفيق، متهور، وســئ.. اعلمي انني مع الوقت ودون أن يشجعني احد، انوي أن اكون اكثر وقاحة وصفاقة وتهوراً .. إذ لماذا تحسبينني تبعتك هذه الاميال كلها ؟ السبب رغبتي في معرفة ما اذا كانت هذه السائقة الانيقة الماهرة التي رأيتها من الخلف جميلة الهيئة كما خيل لي و للاجابة عن السؤال الذي لا شك في انك تودين طرحه ، لقـد وجدتك رائعــة.
فتح الباب ليقفز الى الاسفل، ثم راح يبتعد فنادته عبر النافذه: ارجـوك سيـد آنـدي .. احب أن .. فرد عليهــا : اما قلت أنـك انيقة رقيقة؟
فتح لها الباب فاتبعت تعليماته لتنزل الدرجات وصولاً الى ما بين ذراعيه. كل ما شهدته منه سابقاً كان يدفعها لأن تنزع نفسها منه، ولأن تصد كل محاولاته. لكن مشاعرها الخائنة، ربحت النضال، فإذا بها تسند جسدها إليه وإذ به يضحك ضحكة خافتة تدل على سروره الشديد باستسلامها له بهذه السهولة. راح غضبها يتفاعل في ذاتها لأنها شعرت به يظنها سهلة المنال.
في تلك اللحظة بالذات تركها، ليحرك يديه نحو خصرها ويديرها لتواجهه. فطالع وجهه الباسم نظرة غاضبة منها وتعبيراً يوحي بالرفض و كأنها أرادت أن تصرخ مدافعة: أنا لست سهلة المنال كما تظن .. لكن شيئاً ما فيك ..
حررت نفسها منه بنزق وقالت: قبل أي شئ أريد أن اتصل بوالدي .. سيبدأ بعد قليل بالقلق.
فهز رأسه أما هي فشقت طريقها الى غرقة السيدات، ولم تلتفت إليه سوى عند الباب لتجده يحدق فيها، قبل أن يتجه نحو غرفة الهاتف.
وخاب املها عندما وجدت أنها بحاجة الى نقود معدنية في غرفة السيدات لاستخدام الحمام. وفتشت دون فائده في حقيبتها، ولما يئست من إيجاد شئ رأت أن ليس أمامها إلا امر واحد هو العوده الى آنـدي لتطلب منه ما تحتاجه، ووجدته في غرفة الهاتف يتكئ الى جانبه، كان يتكلم بقوه وبطريقة متسلطة غربية، وبما انها لم تعد تستطيع الانتظار حتى يكمل مكالمته فتحت عليه الباب وسمعته يقول: اسمع يا تـوم .. اريد انهاء هذا الامر كله، اسحبوا السيارة الى الكاراج وليصلحها افضل ميكانيكي لديك .. كما اريد تفحص كل الاخطاء فيها قبل ان .. اصغى قليلاً ثم اردف: نعم .. اعرف بالضبط من هي .. انها ليست ثرية، بل هي بعيده كل البعد عنه ولكن الاسباب لا استطيع شرحها لك الآن، اريد منك معالجة هذا الامر بشكل طارئ ومستعجل افهمت؟ لماذا؟ لأنني .. ربما احس بأن احداً يستمع إليه فالتفت بسرعة وسألها: ما بك؟
فأجفلت وقالت وهي تمد حقيبة مالها: ليس لدي .. نقود معدنية
وبدا ان حرجها رد إليه روح المرح فضحك وفتش في جيوبه: هاك .. هل يكفي هذا؟
فابتسمت شاكرة وركضت نحو الحمامات وعندما عادت الى غرفة الهاتف وجدته ينتظر .. قال لها: لقد حجزت هذا لك. هل لديك المال المطلوب هذه المرة؟
هزت رأسها شاكرة وبدأت تطلب الرقم بينما أسند هو نفسه الى الباب المفتوح، وتمنت لو يتصرف بلباقة ويبتعد، لكن رغم نظراتها الواضحة المعنى التي رمقته بها تجاهل تلميحها، فلم تجد أمامها خيار سوى التحدث الى السيده هاملتون أمامه، طالبة من المرأه شرح الوضع لوالدها: قولي له أن لا يقلق ارجوك فربما اتأخر اكثر مما يتوقع.
سألتها السيده هاملتون: اتودين التحدث إليه عزيزتي؟
- لا تزعجيه .. بل اخبريه فقط.
اقفلت الخط ثم قالت للرجل الذي ما زال يستند الى الباب: لقد انتهيت فهل وجدت حديثي مسلياً ؟!
قهقه من جديد ثم سار الى جانبها نحو الشاحنة حيث بدا اسم لوكربي الذي لم تستطع تجاهله مدهوناً على المقدمة فقالت: لوكربي ..
اخرجت تلك الكلمات مشبعة بالكره بقدر ما أوتيت من قوه، فسألها: ألا تحبيننا؟
- الا يجب ان تقول " الا تحبينهم" بما انك موظف لديهم؟
- اوه .. لكنني عملت لديهم منذ سنين عده حتى بت اشعر بنفسي كأنني احدهم، ثمة شئ واحد قاموا به اعجبني كثيراً هو وقوفهم في وجه المنظمات الكبيرة ورجال العصابات وحفاظهم على مؤسسة عائلية، واتمنى ان تبقى هكذا فالمستقبل المنظور.
- انت فعلاً تهتم قلببياً بمصالحهم.
- بإمكانك قول هذا باستمرار.
فتح لها الباب، وساعدها على الصعود الى المقعد .. وسرعان ما تحركت الشاحنة بهما .. وبعد برهة قال: في إحدى هذه الخزائن الصغيرة سندويشات وقهوة، وبعد مسافة قصيرة سنصل الى موقف عام أعتقد أن من الافضل لنا التوقف فيه لنتشارك هذا الطعام.
- الطعام والشراب لك .. اما انا فلست بجائعة.
اظهر من جديد براعته في إيقاف هذا الوحش المتحرك داخل فسحة صغيرة.
- لست جائعة؟ وهل تكفيك قطعة خبز محمصة وزبده وقطعة كيك وفنجان قهوة في وقت كان عليك فيه تناول طعاماً مغذياً اكثر. انت الان دون شك تتضورين جوعاً.
- لم استطع شراء ما هو اغلى ثمناً! فبعد سنة ونصف من اضطراري للعيش على إيراد والدي الضئيل، وعلى ما يحصل عليه من دفعات صغيرة من التأمين الاجتماعي، لم يبق لي شئ أصرفه على وجبات دسمة.
انحنى ليفتح الخزانة القريبة منها فاصطدم كتفه بكتفها لحظة ..ابتعدت عنه قدر المستطاع خشية ان يحي ضغطه عليها مشاعرها لكنها لم تنجح في مسعاها الى ابعاد نفسها عنه، الانها لم تعطه مساحة كافية ؟ ام لأنه لا يريد ان تبتعد عنه؟ فهل يقوم بذلك عمداً ؟؟
عندما انتهى من إحضار علبة بلاستيكية وترموس القهوه والفناجين التفت إليها وترك عيناه تستقران عليها أولاً ثم تتجولان ببطء على كل مظهرها الجذاب قال:
- اعذريني آنسة ستون، لكن ملامستي لك تغلغلت في أعماقي واخترقت عظامي وكأنها سحــر جــارف!
واستوى في جلسته ليناولها الصندوق البلاستيكي ويقول:
- تفضلي تناولي ما تشائين، كلي كل شئ لأنني فقدت شهيتي هناك في المطعم.
وتناولت بروك سندويشاً وأعجبتها رائحته فقضمت فيه عميقاً، وتبع القضمة الاولى قضمة ثانية وثالثة وكلها جرت بسرعة لآنها اعتقدت أنه لن ينتبه لها وهو مشغول في صب القهوة، لكنه قال معلقاً : اقلت انك لست جائعة؟! انت كما ظننت تتضورين جوعاً
ومدت العلبة قائلة: اسفة جداً .. أرجوك ان تأخذ واحده بل اكثر .. انها لك حقاً
وأبعدها عنه: لقد قلت لك اكلت وليس من عادتي تناول شئ بعد الوجبة الرئيسية.
وأعطاها كوب قهوة، فهزت رأسها شاكرة. قال بعد أن ارتشف عده رشفات من قهوته: ما الذي جعل والدك على ما هو عليه في الوقت الحالي؟
- أتعني كيف انتهى به الأمر الى كرسي متحرك؟ لقد قلت لك .. احد سائقي لوكربي ..
- أعلم هذا، ولكن ماذا حدث؟
- كان أبي أستاذاً جامعياً.
أرجع رأسه الى الوراء ليرتشف القطرات في فنجانه.
- في أي موضـوع؟
- علوم اللغات الحيه، لقد اصيب بالشلل في عطله الشتاء فقد خرج وقتذاك لشراء هدايا الميلاد، وبينما كان يفكر في ما سيشتريه من اغراض خطا دون ان ينتبه خطوه الى الشارع، وقد اعترف ابي انه قد شاهد شاحنه حمراء تقترب منه وكان بإمكانه الهرب إلا أنه على ما يبدو أساء الحكم على تحركاته وقدرته على الهرب بسرعة.
وانتظرت للحظات لترى رده فعله وعندما لم تظهر عليه اية بادره تابعت:
- وانكرت شركة لوكربي مسؤوليتها عن الحادثة خاصة بعد ان اعترف والدي بخطئه .. بعد ذلك أحالوا القضية الى شركة التأمين .. أنا دهشة إذ كيف لم تسمع بالأمر وأنت أحد موظفيهم؟؟
فرد بهــدوء: غالباً ما يكون سائقو الشاحنات غائبين وبعدين عن البلد
- إذن ربما حدث هذا اثناء سفرك.
- اتريدين مزيداً من القهوة؟
فهزت رأسها بالقبول، ولفت يديها حول دفء الكوب وكأنما الطقس قد أخذ من الموسم الذي أصيب فيه والدها برودته، وتابعت: لم نحصل على شئ .. لا تعويض ولا ترضيه من المؤسسة على خسارة والدي عمله أو على اضطراري ترك عملي ورعايته ..
وكان يوضب علبة الطعام الفارغة ووعاء القهوة والفناجين مكانهما عندما قال:
- الم يكن بإمكانه متابعة عمله .. وهو على كرسي متحرك؟
فهزت بروك رأسها: في عمل والدي جانب ميداني لابد منه كالذهاب الى المكتبات وزيارة المتاحف والمشاركة في فحص المخطوطات القديمة دون ذكر السفر الى الخارج، ولذلك استقال من وظيفته وقررنا الانتقال الى ضواحي تورنتو وهو مكان إن كان فيه قد شل والدي .. الا انني احبه لقربه من اماكن سياحية، خاصة شلالات نياغارا..
تنهدت ثم راحت تنظر الى الحقول المترامية أمامها دون أن تراها وتابعت: إنه الآن يؤلف كتاباً عن رحلاته السابقة حول العالم وأنا اساعده وثمة ناشر ينتظر الكتاب لحسن الحظ، لكن والدي دقيق في عمله الى حد جعله يقضي وقتاً طويلاً لإنهاءه.
انحنى آنـدي ليعيد كل شئ الى الخزانة الصغيرة دون أن يحاول في هذه المرة لمسها وكأنه كان مشغولاً بأشياء أخرى، ونظر خلفه ثم الى جانبه، ويد فوق يد ثم ذراع فوق ذراع نـاور بالسيارة الضخمة ليخرج بها الى الطريق ثانية فعلقت بروك:
- انت تقود وكأنك تفعل هذا منذ سنوات طويلة!
- لقد قلت لك انني اقود منذ ان سمح لي القانون بقياده السيارات .. هل قلت لك انني رتبت امر سحب سيارتك وتصليحها؟
- شكراً لك .. هل سيكلفني تصليحها الكثير ؟؟
- من يدري .. سيعطوننا تقدير
- احتاج السيارة من اجل والدي الذي قد يجن إن لم يخرج من المنزل، وبما انني لا استطيع شراء اخرى فسأضطر لتدبير المبلغ المتوجب علي من اي مكان.
تابع رفيقها القياده بثبات دون تعليق .. وتساءلت بعجب، لما تتسارع نبضات قلبها عند رؤيته أو عند التفكير فيه حتى! لم تقابله الا منذ ساعتين ومع ذلك فقد أثر فيها بطريقة لن تنساها ابداً. وليس ذلك فحسب بل هي الآن بدأت تثق فيه. قالت وهى ترفع صوتها فوق صوت المحرك: كنت لطيفاً جداً معي يا آنـدي وساعدتني كثيراً ولا أدري كيف السيبل الى شكرك؟
- هل اتوقف في مكان آخر لأظهر لك كيف السبيل الى شكري؟ الامر بسيط!
غير سرعة السيارة ليتسلق مرتفعاً وأكمل وهو يضع إصبعه على فمه قائلاً: يلتقي هذا بهذا وأشار الى ثغرها وأكمل : أم أنك ضنينة جداً بقبلاتك ولذلك فسخ الخطيب الخطبة!
قالت بغضب: أنا التي فسختها !
- أتريدين معرفة سبب لطفي؟ منذ زمن دعي سائقو الشاحنات القديمو الطراز بفرسان الطرقات إذ كانوا يمدون يد العون لكل من يقع في مشكلة .. وأنا احد هؤلاء.
- أووه !
لا ريب في أنه قد لاحظ الفتور في ضحكتها المصطنعة لأنه بعد أن ضحك امتنع عن الكلام ليتركها تواجه وحدها غرورها وكبرياؤها الجريح. لقد ترقبت ثناءاً ومديحاً لها من قبل هذا الرجل وهو ثناء ذو قيمة.. هذه الفكرة أطلقت في نفسها سلسلة من الإثارة .. لكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ سيرحل هو الى غير عوده وهذا يعني انها لن تراه ثانية. آلمها ذلك دون أن تفهم فلاذت بالصمت أميالاً عده..
وعندما تكلم أخيراً سألها: كم غبت عن المنزل؟
- أسبوعاً.
- بقيت أسبوعاً كاملاً من أجل فسخ خطبة؟
- لم يستغرقني ذلك سوى بضعة أيام.. أتعلم أن الخطبة شئ لا أشجع عليه .. هل كنت يوماً ..
- لا .. لم أكن أبداً
- بعد أن فسخت الخطوبة وبعد أن وقعت أوراق البيع زرت أصدقائي لأودعهم ..
- لا يظهر أنك استمتعت بهذا الاسبوع، هل عشت طويلاً في ذلك المنزل؟
- لقد ولدت هناك، وعاش والداي فيه خمساً وعشرين سنة، ففيه توفيت والدتي منذ ست سنوات، وكان لي من العمر ثمانية عشر عاماً.
تأملت التلال التي بدأت تظهر على جانبي الطريق وتنهدت: ما أروع العوده!
- إذن أنت تحبين منطقتنا هذه؟
- كثيراً .. أحببتها منذ أن كنت أمضي فيها إجازات التخييم على ضفاف بحيرة أونتاريو، يومها قرر والدي أنه خير مكان له عند تقاعده، منذ ثلاث سنوات اشترى منزلاً صيفياً ليستخدمه في العطل الصيفية لكن الريح جرت بما لا تشتهي السفن وبتنا نعيش فيه طول العام.
- يوم الحادثة ، كنتما تقضيان عطله الميلاد هنا؟
- كنا نأتي متى استطعنا، بغض النظر عن الفصل أو الطقس.
عندما سألها أين تقطن، فأجابته .. فقال: هذا لا يبعد سوى أميال عن مركز الشركة وهذا يعني ان انزلك امام منزلك بالضبط.
هدر محرك السيارة بين منازل القرية الصغيرة على ضفاف نهر الهمير، تمنت في هذه اللحظة لو تطلب منه عدم الوقوف أمام منزلها، فهي لا تعلم ما ستكون رده فعل والدها إذا ما رآها تصل بشاحنة لوكربي. وتساءلت عما إذا كان قد قرأ افكارها، فعندما قالت:
- أرجوك أنزلني هنا.
أجابها وعضلات فكه تشتد: سأوصلك الى باب المنزل.
لم تفهم سبب الاستماتة في دفاعه عن أرباب عمله! أشارت بيدها الى منزل ريفي حجري ذو سطح قرميدي مثلث: هناك.. يبدو متداعياً من الخارج لكنه جميل من الداخل وليس ..
أوقف الشاحنة وقاطعها بابتسامة: أنا لا اقطن في قصر، لذلك توقفي عن التلعثم والاعتذار!
شئ ما في لهجته، وتلك الغطرسة واللهجه الآمرة التي سمعتها عندما تحدث هاتفياً، جعلها تحمر بسرعة، توقفت عن الاعتذار: لا داع للتكبر يا هذا فليس والدي من يلام إن لم يكن قادراً على شراء منزل أفضل!
بدت عليه الدهشة من هجومها : ومن تكبر! أو عاملك باستعلاء؟!
وعندما فكرت في سؤاله جيداً ادركت انه محق فقالت: آسفــة..
وجمعت حاجياتها، وحاولت فتح الباب، أما هو فنزل الدرجات ثم التف حول الشاحنة فوصل الى جانبها قبل أن تنزل.. اخذ منها الحقيبة والمعطف ووضعهما على الارض، ثم ارتفعت يداه لتمسكا خصرها ولتحملاها من الدرجة العليا حتى الارض ثم أدارها لتواجهه، فرفعت وجهها إليه بابتسامة مضطربة.. ظنته ينتظر شكرها لكن كل ما قالته: شكــراً ..
قال ويداه على خصرها: لقد تمتعت بصحبتك ..
- هل صحبتي أفضل من الاستماع الى الاهداءات ورسائل الحب والموسيقى من الراديـو ؟؟
- انها افضل بكثير بكثير .. لا مقارنه بين ذلك وبين جلوس فتاه جميلة حقاً قربي.. فتاه شقراء ذات عينين زرقاوين ضاحكتين، وانف بارز وشفتين مغريتيـــن ..
فأخفضت عينيها الى صدره، وأحست بتوق لضغط أصابعها على قساوة عضلاته، لتصل الى ما وراء مظهره القاسي .. وقال لها: هل نترجم الشكر الى فعل؟؟
حدقت فيه : أتعني.. ان اعطيك..
عيناه القادرتان على الانقلاب من البروده الى الاشتعال في لحظات .. كانتا تضحكان لها: انا لن اسرقها .. فليس لديك خطيب يلكمني لأنني سرقت ما له.
وقبل أن تحتج ضمها إليه .. وكانت شفتاه على خدها رغم برودتهما، ثابتتين تنمان عن مشاعر عميقة كالمحيــط تعتمل في نفس الرجل ذي المظهر الهادئ .. ولم تدم قبلته طويلاً، لكنها بقيت ما يكفي لتجعل يدها ترتفع بسرعة الى خدها وكأن النار لسعته .. تركها قائلاً: ما بك؟ هل انت خائفة من ان يرى أحدهم سائقاً يقبلك؟ هل هذا سيخفض من مركزك الاجتماعي امام الجيران؟
سخريته آلمتها : انا لست متكبره ولكن إذا شاهدنا والدي فبما تظنه سيشعر خاصة عندما يرى الشاحنة التابعة للشركة التي كانت سبباً في شقاءه تقف أمام منزله؟
تسلق الدرجات الى مقصورة القياده، وأدار المحرك وصاح: سأدعك تعرفين أخبار سيارتك .. وانطلق في طريقه !
عينــــاه تأســــرانــها
استخدمت بروك مفاتيحها لتدخل المنزل الذي بني في القرت الثامن عشر والذي لم يغير فيه إلا القليل، فمنذ اشتراه والدها قبل الحادث المشؤوم، عندما كان إيراده جيداً، استخدم بعض البنائيـن لصيانته ضد تقلبات الطقس. النوافذ استبدلت بأخرى حديثة لا تفسد مظهر بناءه الحجري، اما الباب الرئيسي فأصبح الان من زجاج بدل الخشب الثقيل. كانت الردهة صغيرة تقود الى غرفة الجلوس التي تحتوي سجاد يمتد من الحائط الى الحائط إضافة الى مقاعد مريحة مغطاه بقماش زهري ثقيل وطاولة خشبية متينة ومصقولة.
استقبلها والدها ببسمة ترحيب دافئة، كانت نظارته على عينيه وشعره ولحيته الرماديتان ممشطين ومرتبين، بدا وكأن لا شئ يعتريه.. كأنه سيهب عن كرسيه مت شاء ليجتاز هذه الغرفة ولعل ما كان يحطم قلب ابنته هو علمها بأنه عاجز عن فعل ذلك دون عكازين ..
انتظر والدها الى ان غرقت في مقعد قريب منه: تبدين مشرقة جداً عزيزتي .. هل أكملت سيارتك معروفها فنقلتك تلك الاميال وصولاً الى هنا..
أيبدو عليها الاشراق حقاً كما يقول !! فإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا يا ترى؟ الجواب واضح وإن رفضت الاعتراف به .. لن تقابله ثانية بعد الان .. لقد وعدها بإبلاغها عن السيارة .. على الارجح عبر الميكانيكي .. هزت رأسها لتجيب عن سؤال والدها:
لا .. لقد تركتها وحيده على كتف الطريق، وما كنت أدري ما افعل لولا ان سائقاً توقف لنجدتي.
- سائق سيارة! لا بد أن وجهك الجميل ونظراتك العاجزة هي التي أوقفته.
أخذت تعبث بأغطية المقعد التي صنعتها والدتها منذ سنوات بعيده .. وقالت بحذر:
لم يكن سائق سيارة يا أبي .. بل سائق شاحنة .. القى نظره على المحرك ولكنه لم يستطع إصلاحه لذا جاء بي الى هنا.
- كم هو لطيف هذا السائق.. لكن اليس المكان بعيد عن طريقه؟
فهزت رأسها وتابعت الكلام آ مله في ابعاده عن الموضوع .. اتصل بالمرآب ورتب أمر سحب سيارتي لأصلاحها وقد وعدوا بفحصها كما وعدني بإبلاغي بالتكاليف.
وضحك والدها مرحاً: إنه فارس من الطراز الحديث يعتلي مقصورة آله لها أربعة دواليب لا صهوة جواد ذا أربعة قوائم.
- أربعة دواليب؟ كان عليك أن تشاهد الوحش الذي كان يقوده! اربعة عشر دولاباً .. و .. لقد قال إن سائقي الشاحنات كانوا معروفين بإسم فرسان الطرقات، لأنهم يساعدن الناس .. خاصة الفتيات الجميلات.
سرقت نظرة الى وجه أبيها المبتسم .. إنه في حالة طيبة مكنته من تلقي الخبر بسهولة وأكملت: كان يقود شاحنة لوكربي.
فقد وجه ستانلي ستون مرحه: وهل قبلت أن توصلك مركبة لوكربي بعد كل ما فعلوه بي!!
- لم يكن أمامي خيار آخر! فلولاها لبقيت ربما الى الان في عرض الطريق حيث كان الناس يمرون بي دون أن يأبهوا لوجودي، أما الرجل الذي ساعدني فهو موظف لديهم، ولا اعتقد أن له يد فيما أصابك، فقد يكون المسؤول عن حادثك زميلاً له وهو الى ذلك أوصلني سالمة الى البيت.
لم تغادر تقطيبة الاستنكار وجه ابيها فتابعت: لقد خدمني كثيراً يا أبي إذ قام بكل الاجراءات لتصليح السيارة وقدم لي طعاماً عندما عرف أنني لم أتناول ما يكفي للغداء.
بدأت كلماتها تسُكن غضب الوالد. فقال: علي أن أعترف أنه يبدو متفهماً، لذا اخالني معجباً بسائقي الشاحنات، ولا احسدهم على عملها في نقل الاحمال الثقيلة الخطره من مكان الى مكان عبر البلاد.
أراحها رد والدها دون أن تعرف سبب هذه الراحة. أهو ميلها الى الدفاع عن هذا السائق بالتحديد أم ماذا؟ وقالت وهي تحاول تغيير مسار الموضوع: لست ادري إذا كنت قد لاحظت .. ولكن .. لقد فسخت خطبتي.
ظهر الاهتمام الفوري على الوالد: بروك عزيزتي .. أرجو الا اكون السبب؟؟
أكدت له العكس ثم تابعت: كنت انا المخطئة، احسست بأن هناك خطأ ما عندما لم أشعر بالشوق إليه، فقد حلتني سأفكر فيه ليل نهار، لكن العكس هو الذي حدث.
- هل ظهر عليه التكدر ؟
- في البداية نعم .. لكنه عاد وتمالك نفسه، واتفقنا على البقاء صديقين.
سمع على الباب طرقة مألوفة دخلت بعدها الجارة التي رحبت ببروك بحرارة وقد استمعت لبروك باهتمام عندما أخبرتها عما حدث معها وقد رأت السيدة أن الشاب الذي أزعج نفسه من أجلها لا يجب ان يلام على حادثة والدها، أما ستانلي فقد أقنع نفسه بعض الشئ بوجهة نظرهما. سألتها السيده هاملتون: هل سيطول وقت تصليح السيارة يا عزيزتي ؟ لقد كان زوجي بارعاً في إصلاح السيارة يا عزيزتي؟ لقد كان زوجي بارعاً في إصلاح السيارات لكنه الآن غداً طاعناً في السن ولم يعد يليق به النوم على الارض ووجهه الى قعر السيارة بينما نصف جسده ملقى تحت السيارة !
ضحك الجميع، وقال الاستاذ ستون متنهداً: نحن مضطرون لإصلاح هذه السيارة التي قد تصرف كل مدخراتنا لكننا نحتاجها بشده ولن نستطيع شراء أخرى.
ومر اليوم التالي دون أن تسمع كلمة عن السيارة أو عن آنـدي وعندما حل اليوم الثالث لم تعد تطيق صبراً، فقالت لوالدها: سأتصل بشركة لوكربي، وسأرى إذا كنت استطيع الكلام مع آنـ .. الرجل نفسه..
- مستحيل يا بروك .. فقد يكون على بعد مئات الاميال فربما هو على شواطئ الاطلسي او الهادئ أو ربما في أواسط اميركـا !
وافقت بصمت، لكن مشاعرها كانت محيطة بشأن الرجل المسمى آنـدي الذي ربما نسى وجودها ووجود سيارتها، بل ربما نسى وعده بالاتصال بها، كـم اصابتها تلك الفكرة بخيبة الامل حتى باتت لا تصبر يوماً دون ان تعرف الخبر اليقين عن الامر.
كانت تحفظ رقم المقر الرئيسي لشركة لوكربي عن ظهر قلب وذلك منذ أن تعاملت معهم وقت الحادثة ولكنها بسبب عدم معرفة السبيل الى الاتصال به فقد قررت الاتصال بالمكتب الرئيسي أولاً .. وعندما أجيب على مكالمتها بكلمات: لوكربي .. هل استطيع مساعدتك؟
ابتلعت بروك حرجها وقالت: هل يمكن .. ان اتكلم مع احد سائقيكم رجاءاً .. اسمه آنـدي.
- اسفة .. هل لك ان تكرري ما قلته؟
- لقد قلت ان اسمـه آنـدي .. واتساءل ما إذا كان
تغير صوت ولهجة الفتاه: اعذريني سيدتي .. هل قلت ان اسمه آنـدي ؟ آسفـة ولكن يجب أن اسألك هل انت احدى صديقات السيد .. صديقة له ؟
ردت بروك بجفاء: لا لست كذلك .. اريد فقط معرفة ما جرى بشأن ..
- لا حاجة للشرح سيدتي .. سأرى إذا كان موجوداً.
غاص قلبها وهي تغوص في المقعد .. هل خدعها الرجل بسحره وقبلته وترتيباته لتصليح السيارة !! وهل هذا آخر عهدها بسيارتها الثمينة؟؟
الصوت الوقور على الطرف الاخر من الهاتف اجفلها: من المتكلم؟؟
هذه المرة كانت السلطة تتكلم، ولا مجال للمزاح او السخرية .. من أين اتته هذه السلطة! وما الذي يعطيه الحق في أن يتكلم بهذا الاسلوب ؟
تنحنحت وتماسكت ثم قالت: انا .. انا بروك .. بروك ستون
مرت لحظات دون ان يرد عندئذ شعرت وكأنه رجل يختلف عن ذاك الذي تعرفه.
- آه الفتاه التي كانت في ورطة والتي انقذتها من بين فكي وحوش الطريق ! أتصور أنك تحاولين السؤال عن حالة سيارتك ؟
ارتبكت للتغير في الشخصية خلال ثوانٍ، فأجابت وكأنها طفلة: اجل ارجــوك !
بدا وكأنه يبتســم: حسناً لقد أعلمت بتكاليف إصلاح السيارة.
- قلت إنك ستتصل بي!
- صحيح .. لكن ثمة اسباب عديدة منعتي .. منها أن السيارة ستكلفك ثروة صغيرة
فصاحت: ولكن يا آنـدي .. ليس لدي هذا القدر من المال !! لقد قلت لك
- لم انس .. هل انت حرة هذا المساء؟
- انا حرة كل مساء .. عندما يستغني عني والدي
- إذن تعالي الى محطة تصليح لوكربي حوالي السابعة مساء لنتكلم بهذا الشأن
- وهل هناك ما يجب أن نتكلم به؟ من الافضل أن أبيعها بالقدر الذي استطيع الحصول عليه للكسر ..
- قلت لك تعالي هذا المساء .. هل آتي لآقلك ؟
- وهل سيكون هذا في شاحنة؟
- ماذا تفضلين المرسيدس؟
- ومن لا يفضلها! .. لا اريدك أن تأتي يا آنـدي لأن والدي قد اغتاظ عندما حدثته عن إيصالك إياي بعربة للوكربي، وقد أقنعته بعد جهد في النهاية بأن لا شأن لك فيما حصل ، ورغم اقتناعه النسبي لا احسبه سيرحب برؤية شاحنه لهم أمام منزله تهم ُ ابنته بركوبها!
طال الرد .. فقالت: أما زلت معي؟
- لا زلت معك .. في هذه الحالة ستضطرين للمجئ الى الكاراج وحدك! أراك عند السابعة إذن ..
و اقفل الخط قبل أن تشكره حتى !
عندما سارت بروك عبر باحـة محطة لوكربي، كانت متردده .. رأت الغرفة الزجاجية التي يصطف أمامها أصحاب السيارات من أجل دفع فواتيرها، وعندما جاء دورها نظرت إليها الفتاه في الداخل، فقالت بروك: ارجو المعذرة، لكن أيمكنك إخباري عن مكان وجود رجل .. أعني سائق يعمل لديكم يدعى آنــدي ؟
نظرت اليها الفتاه باهتمام وتابعت: هل اسمك بروك؟
- نعم .. كيف عرفت؟
نظرت اليها الفتاه باستغراب وقالت مشيرة بيدها : اذهبي من هنا الى الخلف، ثم سيري الى الامام مباشرة ولن تخطئي مركز التصليح.
شكرتها بروك وسارت بالاتجاه الذي وصفته لها الفتاه، كانت الامسية دافئة لكن النسيم البارد القادم من التلال أنذرها بدنو غروب الشمس، وعند نهاية محطة الخدمات رأت مقهى خلفه مساحة كبيره تمتد الى حيث تقف شاحنات في صفوف منتظمة مدموغة كلها بأحرف بارزة باسم لوكربي كما رأت. وهنا وهناك سيارات صغيرة تنتظر أصحابها.
كان الى يسارها فسحة مغظاه بسقف من التنك وجدت فيه سيارتها التي يبرز من تحتها ساقان طويلتان، تقدمت منها وقالت: أرجو المعذرةّ!
انطوت الساقان الطويلتان عند الركبة، وبعد لحظات وقف الرجل المدعو آنـدي أمامها، لم تتوقع أن تسر الى هذا الحد عند رؤيته!
- آنسة ستون .. من الخير لنا تحديد معرفتنا الصغيرة.
تعلقت عيناها في كل قسمات وجهه بحثاً عن السخرية .. أجل .. ها هي تطل من عينيه كما من صوته. مدت يدها آلياً لتضعها في يده, فهزها بقوه ثم تركها وهو يضحك!
نظرت الى يدها ثم صاحت: أوه انظر الآن ..
اظهرت له يدها ملطخة بالشحم وتابعت: لقد فعلت هذا متعمداً !!
- نعم ليتسنى لي متعة تنظيفها !
وأحضر خرفة بللها من زجاجة فيها سائل قوي الرائحة ثم شرع في إزالة الشحم الاسود عن يدها وعيناه تأسران عينيها، وابتسامته تشير الى أفكار جعلت قلبها يضرب متألماً.
وعندما انتهى شكرته، ثم أخذت تفتش عن مغسلة فقال: سأريك فيما بعد أين تغسلين يدك.
أخذ يمسح يديه بالخرقة المبلله، ثم مد إصبعه الى خصلة من شعرها فتراجعت بسرعة وقالت: ليس ويداك مليئتان بالشحم !
- وهل هذا يعني أن علي الانتظار الى ان انظفهما !
- لم أقصد ذلك !!
ارتد رأسه ضاحكاً فنظرت الى سيارتها: من الرائع ان اراها ثانية ! لماذا كنت تحتها ؟
كنت اضع اللمسات الاخيرة على التصليح
اللمسات الاخيرة؟ لكن آنـدي .. لقد قلت لك أنني لن استطيع دفع الكثير ! كيف مضيت قدماَ بالتصليح وأنت تعرف ..
مد يديه الملطختين امامه: قلت إنني كنت اضع اللمسات الاخيرة على التصليح.
- ومن قام بالتصليح ؟ أنت ؟
- لا تدهشي .. أما ذكرت لك أنني ولدت ومفتاح براغي فضي في يدي ، او في فمي ؟ أنا اصلح العربات، السيارات، الدراجات وشاحنات المؤسسة عندما يكون لدي الوقت .. ثمة ميكانيكيون طبعاً، لكنني اساعدهم في الحالات الطارئة، انها هوايتي
- ولكن ألست سائقاً ؟؟
- ماذا يفعل بحسب رأيك السائق عندما تتعطل شاحنته على بعد أميال ، حيث لا عامل يصلح الخطأ.. هل تظنيه قادراً على هجر مركبته التي كلفت المؤسسة الآلاف من الاموال دون ذكر الحمولة الثمينه التي هي ملك لشركة اخرى؟
- هذا يعني أن على السائق القيام بالتصليح بنفسه!
- وإذا لم يستطع عليه الوصول الى اقرب هاتف، أما إذا كان يجتاز الصحراء فعليه اعتلاء ظهر أول جمل يراه وصولاً الى هاتف.
ضحكت بروك فتأملت عيناه عينيها الزرقاوين ووجهها المصطبغ باحمرار جميل. قالت: إذن أصلحت سيارتي ؟ هذا لطف منك.
فهز رأسه ورفع حاجبيه: صحيح ؟
- الان .. ارجو منك أن تبعث الفاتورة لي .. لا الى والدي .. كما ارجو .. اعني آمـل ..
- تأملين الا تكون مرتفعة سعراً
- لا .. كنت اريد القول أنني آمل الا تمانع لو تأخرت قليلاً بالدفع .. وإن كنت بحاجة للمال فقد أجد وسيلة ما لتأمين المبلغ لك .. و
فابتسم: لعلك سترحبين الان بالاغتسال وبفنجان من الشاي؟
فتنفست الصعداء وهزت رأسها بالموافقة، فمد يديه الى رأسها وهزه الى الوراء والى الامام.
- دائماً تهزين رأسك .. ودائماً تقولين نعم !
فضحكت: لا أرجوك .. أبعد يديك الملوثتين بالشحم عن شعري ..
فانحنى فوق رأسها: يبدو نظيفاً ورائحتــه .. مم زكية ..هل يقدر مطلق رجل مقاومة اغراء وضع أول قدم على ثلج لم يمس بعد ؟ أو على ارض عذراء لم تمس ؟
- لكنني لست .. وصمتت ..
فسارع يقول مصطنعاً الدهشة: أو لست .. آه، لقد نسيت أنك مخطوبة.
- هل اضطررت الى شراء قطع جديدة لإصلاح السيارة؟
تغيير الموضوع فجأه أبهجها: وجدت كل ما أردته في مخازننا.
- وهذا يعني أنك دفعت ثمنها وأنني مدينة لك.
- لا تنسي الحسم الخاص بالموظفين.
- لا مانع إن لم تحسب لي الحسم .. سأكون شاكره لك كل ما قمت به من أجلي.
لمعت عيناه وهو يرد: سأرسل إليك الفاتورة.
- أرجوك أرسلها. متى ستنتهي سيارتي ؟
- غداً .. سأوصلها إليك بنفسي .. شكراً
بينما كانت تهم بالابتعاد شامخة الرأس أتاها صوته ناعماً خفيضاً:
- انزلي من عليائك قليلاً يا آنسة ستون!
تذكرت كل ما قام به لها .. فقالت وقد تغيرت تصرفاتها: متى ستأتي؟
ابتسامته، أخفاها عند استدارته نحو باب يقود الى غرفة صغيرة، وقال: في المساء عند الثامنة؟
تبعته موافقة فرأت في زواية الغرفة المليئة بالفوضى مغسلة، فسألته وهي تنظر الى يديها: هل لي أن اغسل يدي هنا؟
فابتسم وأخذ يشير الى ما تحتويه الغرفة: مغسلة، منشفة وسخة، صنبور ماء لا ماء ساخن فيه إذن لا .. إنها ليست بالمكان المناسب لتغسل سيدة يديها فيه.
خلع ثوب العمل وعلقه على مشجب فارغ، فبان عندئذ قميصه مفتوح عند العنق وجينزه ملطخاً ببقع الزيت. ابتسم لها وهو يمسك يدها: هل حللت شخصيتي جيداً ، تعالي معي يا فتاتي.
ابتسمت له فأمسكت يده المتسخة بالشحم يدها المتسخة أيضاً ثم سار بها عبر باحة تقف فيها شاحنات الى مقهى يقبع خلف محلات البيع، عندما وصلا مد يده الى جيبه فأخرج منه كومة من المفاتيح اختار منها مفتاحاً فتح به الباب الرئيسي، عندئذ نظرت اليه دهشة: هل تقدم الشركة الى كل سائقي شاحناتها مجموعة مفاتيح كاملة؟؟
- لا هذا يصعب حدوثه ولكن بما انني مضطر الى البقاء في أماكن متعدده في الشركة فقد أذن لي بحمل مفاتيح عده.
لم يشفي غليلها جوابه في معرفة الحقيقة لكنه لم يهتم بذلك بل جرها وراءه الى المطبخ الواقع في آخر المقهى ومنه الى غرفة صغيرة ذات بابين فتحهما بمفاتيحه:
- اغتسلي هنا .. كما تشير اللوحة ، وانا اغتسل هنا ..
عندما خرجت من الغرفة، نظيفة، منتعشة مسرحة الشعر، كان الابريق يغلي على النار وكان هو يضع فنجانين. بدا أنيقاً مسرح الشعر وقد استبدل الجينز الوسخ بسروال بني رائع وقميص العمل بقميص آخر نظيف.
وضع آنـدي الشاي في الوعاء, ثم صب الماء المغلي فوقه .. وارخى جنبه الى الطاولة فازدادت تعجباً من تصرفاته المستبده فنظر اليها ساخراً وقال:
- ابحثي جيداً .. تصلي في النهاية آنسة ستون.
- اصل الى أين؟
ولم يرد بالكلمات بل بابتسامة. أحرجتها وجعلتها تشيح بنظرها عن نظرته الممعنه المحملقة فيها .. فسألها: هل انت متأثرة؟
- بالنظافة، المعدات الحديثة ؟ نعم كثيراً.
- عظيم .. فهدفنا إرضاء القوانين كلها والوصول الى الأفضل.
- نحن؟
- أنت شديدة الملاحظة .. أعني لوكربي بالطبع. حتى وإن كنت لا أعدو سائقاً إلا أنني أملك ما يفتقده الناس في هذه الايام وهو الولاء.
كان تفسيراً لم تجد سبيلاً الى عدم القبول به. قالت: الشاي .. هل أصبه؟
سمح لها بإشارة من يده بالقيام بالمهمة. فصبت له فنجاناً لم تضع فيه سكراً بناءاً على طلبه ثم قدمته إليه. بعد أن استلم الفنجان منها دعاها للجلوس الى احدى الطاولات. وساد صمت مطبق دقائق معدوده حاولت خلالها إشاحة نظرها بعيداً عنه لأنها شعرت به يرمقها بنظرات ممعنة. وصب لنفسه بعض الشاي ، أما هي فرفضت المزيد منه وسألته: أنـدي .. هل يعيش أهلك في هذه المنطقة؟
- نعم ..
كان رده قاطعاً وكأنه يحذرها بألا تتمادى .. فغيرت أسلوبها:
- لقد قلت لي أنك غير متزوج .. ولست أفهم .. هل أنت مطلق؟
- لا لم يحدث قط أن ارتبطت بامرأه.
- آه .. هذا يعني ان هناك نساء .. لكن ..
كان يمكن أن يكون الصوت الخفيض تنهيده معاناه أو سخطاً: الا تطئين أرضاً خطره؟ فماذا يفترض بي أن افهم من أسئلتك؟
توترت وانزعجت من نفسها لأنها تسبر أغوار حياته بقدر ما انزعجت من تحذيره الفظ. وتابع هو : ربما كنت تتساءلين عن مدى نشاطي .. استطيع إثبات هذا لك .
وأقفل المسافة بينهما، وأحست بضغط جسده الخفيف عليها. بقيت لحظات جامده مكانها مع العلم انه افسح لها مجالاً للهرب لكنها وقعت في الفخ، فخ مشاعرها.. فخ قربه منها هذا القرب الذي كشف لها أدق التفاصيل في وجهه، آه لو تجرؤ على رفع يدها لتلامس هذا الوجه أو لتشعر بخشونه بشرته! ومع أنه بقي حيث هو .. ويداه على خصره .. فقد أحست به وكأنه يغلفها بذراعيه وبذاتها تنجذب إليه دون أن يتحرك.. فهمست: آنـدي ..
وعبثت اصابعها بقماش قميصه ، فمد يده ليفرد أصابعه على ظهرها .. كان في عينيها الباحثتين عن عينيه سؤال أجاب عنه بيسر : بروك .. هل سبق ان قلت لك بأنني اجدك آسـره..
أخذت تدفعه عنها بلطف: لكن هذا لا يعطيك المفتاح لتصل إليً !
- ألا يعطينيه؟ حسناً، إن لم استطع بشفتاي الوصول .. فلربما استطعت بهذا ..
وضمها اليه ضاماً رأسها بشده الى صدره.. ليرسل رعشات من القشعريرة في جسدها.. وأخذ يضغط باليد الاخرى على خصرها لتلتصق به أكثر .. فتسارعت أنفاسها وهي تقول:
لا .. لا ..لا !
اخذت راحتاها تدفعانه عبثاً وقال: إذن هكذا يجب أن يكون ما بيننا..
في البداية قاومت، محاولة جهدها التهرب منه.. لكن عندما اشتد عناقه، وجدت مشاعرها وأحاسيسها قد بدأت تخونها فكان أن استسلمت راضية بمتطلبات ذراعيه ويديه. وتصاعد في داخلها شعور بأن ما يجري كله خطأ.. وأن مثل هذا الامر الحميم يجب ألا يجري بينهما .. فلا شئ بينهما حقيقي .. ولا صداقة أو مشاعر .. فمعرفتها به قصيرة الأمد ومعرفته بها أقصر بكثير .. فليس بينهما إلا انجذاب من طرفه و .. نعم .. عليها الاعتراف .. ومن طرفها أيضاً ..
وبينما كانت تفكر شعرت بأنها تطير فوق السحاب.. دائخة وإلحاح مشاعرها يتعالى ويزداد مهدداً بتدمير دفاعاتها كلها .. لتبقى مكشوفة أمامه وتحت رحمة ذراعيه .
عندما شعرت بجسدها يضطرم تحت يديه اللتين تلمسانها وجدت أن عليها المقاومة .. وأجبرت نفسها على الاسترخاء التام دون أن تتجاوب معه ولما أحس بها فوراً تجمد بين ذراعيه تركها وهو يقول بتوتر: كما ظننتك تماماً .. رغم خطوبتك .. ما زلت أرضاً محظورة.
فقالت غاضبة: إذا كنت تحاول إغرائي لقول نعم او لا فلن تنجح فليس لك الحق في أن تفعل ما فعلته!
- الا يحق لي إطلاقاً ؟
- على كل .. لقد قلت لك .. لقد فسخت خطوبتي منذ فترة وجيزة لأتحرر ولا أريد الوقوع في شرك آخـر.
- من يتكلم عن الوقوع في شرك!
غضبت من نفسها لإفساحها المجال له في أن يضعها عند حدها:
- إذا كنت تظنني صيداً ثميناً عابراً ..
توقف عن الكلام قليلاً ثم أردف: إذن رغم تصريحك فأنت تسعين وراء علاقة دائمة؟ ألم أقل لك .. ليس لدي إراده لمقاومة أمور كهذه؟
أرسلت عيناها الشرر .. وتصاعد صدرها وهبط وقد وقعت في شرك الغضب.. قالت مقطوعة الانفاس: أنت .. أنت ! إنك مغرور حقاً فكيف تعتقد ولو للحظة أنني أريدك شريكاً دائماً!!
- بعد تجاوبك معي واستمتاعك بعناقي استطيع القول ان غروري قد أرضي كل الإرضاء !
- انت تراوغ وتلتف حول الامور ثانية.. أتذكر عندما اتهمتني بأني كنت ألعب لعبة القط والفأر على الطريق ..في وقت ما كنت أسعى فيه إلا للبتعاد عن طريق سائق شاحنة مجنون يتبعني كظلي.. أتذكر أيضاً كيف فسرت وقوفي على الشارع خطأً إذ خلتني أريد مطارحتك الغرام في مقعد سيارتي الخلفي!
فابتسم للذكرى وتابعت هي بصوتٍ عاصف: وكنت في كل مره مخطئاً وانت مخطى الآن.
وسمعت صوتاً رفيعاً داخل نفسها يقول: أنت كـاذبـــة ! أنت منجذبة إليه حد الجنون .. هذا الرجل سحرك وانت تخافين من اللحظة التي ستحرمين فيها من رؤيته للأبد !
تقدم منها بكل عفوية وأخذ يعيد ترتيب ياقة فستانها ثم شعرها .. فقالت بصوت مضطرب : اتمنى لو تحظر السيارة الى منزل والدي غداً لأدفع لك الفاتورة .. وشكراً لك على كل ما فعلت ..
ارتدت على عقبيها بسرعة لتخرد من المقهى، مجتازة الباحة أمام محطة بيع الوقود، وهى تأمل أملاً ضئيلاً بأن يناديها ويعرض عليها إيصالها .. فهنا وهناك باصات صغيرة تابعة لشركة لوكربي، ولن يضيره أن يستخدم إحداها ..
حتى وهي تدخل المنزل كان الغضب الغريب لا يزال يعتمر في نفسها : وبما أن من الضروري إخفاء انزعاجها عن والدها، كي لا يطلب تفسيراً تعجز عن إخفاء الحقيقة عنه، زجرت نفسها لتتوقف عن هذا السخف وتعود الى طبيعتها. طوال اليوم التالي لازمها الترقب والانتظار حتى وهي تتسوف في محلات القرية الصغيرة على ضفاف النهر. وهي تعمل في طباعة ملاحظات أبيها، تهتم بحاجاته .. تطبخ طعامه.. كان ذلك الشعور يلفها وكأنه الساري الشرقي الملون. وعندما طرق الباب كانت تجلس مع والدها في غرفة الجلوس فأسرعت الى النافذه التي تطل على الشارع فشاهدت سيارتها تقف عند المنعطف وعلى مسافة قصيرة منها تقبع سيارة أخرى، لها ضعف حجم سيارتها وقوتها دون أدنى شك.. قال لها والدها: هلا فتحت الباب يا عزيزتي لترى من هو الزائر..
وفتحت الباب فطالعها رجل طويل نحيل يرتدي ثوب عمل مطبوع عليه بالاحمر اسم لوكربي .. ولكنه لم يكن الرجل الذي توقعت .. فقد كان وجهها يبتسم لآنـدي .. وتنورتها الكحلية المزررة وبلوزتها الزرقاء المفتوحة الياقة .. كانت لآنـدي .. شعرها مغسول ومصفف خصيصاً كالحرير .. لآنـدي .. ومع ذلك .. لم يأتي !
وقال الرجل : لقد جئت لك بسيارتك يا آنسة. مع تحيات شركة لوكربي .
ولم تخرج منها كلمات الشكر .. تقطيبتها كانت لخيبة الامل .. لكن الرجل ظن أن هذا بسبب حيرتها فأضاف: لن تدفعي شيئاً .. أنها تسير كالطير الان .
واخيراً وجدت صوتها: شكراً جزيلاً لك .. لكن يجب أن ادفع .. لا يمكن أن اسمح .. وتلاشى صوتها .. كانت تفكر وهي تتكلم .. وتملكها عدم التصديق .. لقد قال أنه سيوصلها بنفسه .. واتفقا على الساعة الثامنة .. ثم سمعت صوت باب سيارة يصفق ورأت رجلاً بدأ يسير نحو المنزل بخطوات لينة فوق ممر الحديقة .. قال الواقد الجديد: تــوم .. حسناً ..
وأشار برأسه الى السيارة الكبيرة المتوقفة خلف سيارتها: انتظرني .. اتسمح ؟ سأوصلك بنفسي.
وهز الرجل رأسه، وتوجه ماراً بالوافد باتجاه السيارة.
- أنــدي ؟!
- ومن غيره ( اجاب مبتسماً )
على الاقل ابتسامته لم تتغير .. بالرغم من تغير كل شئ !
- السيارة .. الرجل .. انت ؟؟
ونظرت اليه صعوداً وهبوطاً وهي تلاحظ بعينين جاحظتين نوعية بذلته وتفصيلها الرائـع .. وطريقته في حمل نفسه وكأنه الآمر الناهي .. ومع ذلك ينام تحت السيارات .. ويلوث يديه بالشحم .. ويقود شاحنة الشركة .. وينقذ فتاة على الطريق .. ويطعمها السندويتشات والقهوة .. يتناول الغذاء بسهولة ويسر في مطعم جيد ومن طراز مرتفع ويدير ظهره للمقهى البسيط المخصص لسائقي الشاحنات.. ولم تكن تعلم اسم عائلته .. ومع ذلك فقد عانقها وقبلها على خدها .. فمن يكــون هذا الرجــل !!
مـــــن أنــــت ؟؟
أخذت عيناه تطوفان بها طولاً وعرضاً لكنهما توقفتا عند حناياها وعند بياض عنقها وعينيها الواسعتين المتسائلتين .. ثم عند انسدال شعرها الاشقر ..
قال بصوت رخيــم نـاعم: يمكنني أن اشربك من كأس كريستالي بوهيمي معتق .. أو أن أملكك على طبق صيني قديم .. كما اقدر على جعلك وجبة لي كل يوم .. اعطني فقط شيئاً من التشجيع ..
فهمست وهي تخشى ان يسمع والدها الحديث الغريب الحميم: ارجوك! كف عن هذا الجنون .. ارجوك اخبرني ماذا يجري !!
- لا شئ اخبرك عنه سوى ان تـوم موظف عند لوكربي أيضاً.. وكان على شخص ما أن يقود السيارة لآستطيع إرجاعه.
- حسن جداً .. أنه زميل لك .. ولكن انت .. وتلك .. واشارت الى السيارة فأجاب بنعومة: الم اقل لك، تابعي البحث وستصلين انسة ستون ..
ناداها والدها من الداخل : بـــروك! ادخلي الشاب الى هنا .. فأقل شئ نقدمه له بعد خدماته الجليلة هو تقديم بعض القهوة له.
واعتلى الاحمرار وجهها الشاحب: أنا اسفة .. ليس من عادتي الا اكون مضيافة .. تفضل و ..
نظرت الى السيارة .. وقالت: وزميلك
- وددت لو ادخل .. شكراً لك بروك .. لكن لا وقت لدي أما بالنسبة لتوم فلا أحسبه يمانع فالانتظار بضع دقائق.
وفجأه استدار والدها بمقعده ليصل الى المدخل: تفضل يا آنـدي أليس هذا اسمك ؟ لم أسمع غيره منذ ثلاثة أيام.
ازداد وجه بروك احمراراً: ابي .. انت تعلم أن هذا غير صحيح.
فنظر إليها آنـدي نظرة ذات مغزى ثم التفتت الى والدها: استاذ ستون؟ تسرني معرفتك، خاصة بعد الدعاية الواسعة التي وفرتها لك ابنتك.
بعد أن تصافح الرجلان حرك ستون مقعده الى البهو ومنها الى غرفة الجلوس.
- ماذا تحب ان تتناول يا آنـدي؟
أصر الاستاذ على تقديم شراب له ترحيباً به كضيف، فصب له بعض العصير الذي قامت بروك بتقديمه إليه، وقال الاستاذ ستون بعد أن جلس: آنـدي أنا سعيد لآنه تسنى لي أن اشكرك فأنت لم تنقذ ابنتي فقط من موقف صعب، بل أصلحت سيارتها كذلك.
كان في عينيه الحذقتين ذكاء لم تنل منه الحادثة فقد راحت عيناه تحللان الوضع الاجتماعي والفكري لهذا الشاب الذي يميل بمقعده الآن الى الخلف. اعلمتها تقطيبته انه مثلها لم ينجح في مسعاه. وكان يهم بالكلام عندما حال هذا الشاب بينه وبين ما يريد قوله فقد التفت الى الفتاه الجالسة أمامه ليهبها احدى ابتساماته: لقد وهبتني السعادة برفقتها وما كانت مساعدتي لها الا شكراً لها .
فابتسمت بروك: ومن علمك مثل هذه الخطابات يا آنـدي ؟
لم تهزه سخريتها .. بل قال لوالدها: انها لا تصدقني استاذ ستون. من علمها ان تكون مؤذية هكذا ؟
ضحك ستون ، لكن بروك قالت بجفاء: كم نحن مدينون لك يا آنـدى؟
فدفع كوبه من يده ووقف: لقد قلت لك إنني سأرسل الفاتورة.
ومدت يدها متوترة تلمس شعرها: أنا أريد أن أدفع لك الان.
- وانا لم اقم بحساباتي بعد ! فهل تصدقينني إذا قلت انني نسيت طريقة الجمع؟
تعالى ضحك ستون من جديد، لكن بروك قطبت: لا بد من ان يعرف حتى سائق السيارة كيفية الجمع أحيانا إذ كيف يزن الحمولة والكمية التي توضع في الشاحنة ؟!
ردعتها ضحكته .. فقالت غاضبة: حسن جداً .. كنت تهزأ بي هرباً من ذكر كلفة التصليح ! لكنني أصر على الدفع .
نظر الى ساعته ليحدث التضليل الذي أراده وقال: تـوم ينتظر .. يجب أن أرجعه.
امسكت بروك بذراعه: لن تتهرب مني بهذه الطريقة .. كم المبلغ؟
كان رده أن غطى بيده يدها ونظر الى عينيها مبتسماً، وعلى الفور أحست بضعف في ساقيها وبذوبان في جسدها .. فابتعدت عنه: سألتك كم يا آنـدي ؟
فقاطعهما والدها: بروك!! ألم تتعلمي قط القبول بهدية وأنت شاكرة؟
- أجل ولكن ..
حاولت سحب يدها من يده، لكن أصابعه اشتدت أكثر على يدها.
- عظيم .. أشكرك لأنك سمحت لي بالقيام بعمل جيد في حياتي التي لم تكن الى الآن ملأى بالفضيلة، وستصبح هذه الفضيلة منارة تشع نوراً كوجهك الباسم.
ذعرت بروك فكل ما يحدث يقع أمام والدها: توقف عن هذا الهراء يا آنــدي !
فقال آنـدي لستون: إنها المرة الثانية التي لا تصدقني فيها .. أهي دائماً متشدده هكذا؟
قالت بترفع: لست متشدده ! هل أنا متشدده يا ابي؟
فقال والدها : أعتقد انها تعتبر المديح نوعاً من الغزل.
فتابعت: أنا أرتاب بالغزل والمغازلين.
ترك يدها تقع الى جانبها وكأنه أراد من حركته هذه إهانتها. اتجه آنـدي صوب الباب فقال ستون: هل لي بكلمة واحده قبل ذهابك.. كيف اتفق أن اصبحت سائق شاحنة يا آنـدي؟ هل تغيرت اتجاهاتك وأنت على وشك الامساك بهدفك؟
حاول آنـدي الرد، إلا ان بروك سارعت تقول: قال لي انه من الناحية العلمية مغفل.
كان على وجهها ابتسامة لكن في عينيها تحدياً، التفت آنـدي إليها بحده، وحاول أن يتكلم ولكنه عاد فصمت. سأله ستون بجرأه: في أي جامعة كنت يا آنـدي ؟
سخرت بروك ثانية بلؤم: طبعاً في أفضل جامعة، فسائق الشاحنة يحتاج الى الافضل.
نظر إليها آنـدي نظرة اسكتتها ، ثم التفت الى والدها وقال: جامعة ماحجيل في مونريال.
هزت بروك رأسها ساخرة: ولماذا لم تقل في لندن، في كامبردج أو أكسفورد مثلاً ؟!
كان في نظرته تهديد أجفلها، اما نظرة والدها فاستقرت على وجه آنـدي مفكراً : لعلي شاهدت وجهك هناك، لقد كنت اتردد كثيراً على تلك الجامعة في الايام الغابرة ، ماذا درست؟
- إدارة أعمال.
التفت الى بروك: هل لك ان ترافقيني الى الخارج؟
مد يده الى والدها وقال: اتصافح يد هارب من الطبقة الاكاديمية؟
فضحك ستون والتقت أيديهما فترة قصيرة، قال بعدها ستون ورأسه مرفوعاً ليجابه الشاب: بصراحة .. لا اصدق ما تقول.
ارتبكت بروك فراحت عيناها تتنقلان من احدهما للآخر.
عند الباب توقف آنـدي وقال: كدت تصلين آنسة ستون، فإن لم تكوني سريعة البديهة قد يسبقك والدك الى ما تبغين الوصول اليه انت.
- يسبقني الى ماذا؟
- انت تعرفين الرد .. أتر غبين في توديعي ؟
- لا ...لا أريـد
لكنها اصبحت بين ذراعيه .. اخذ يطالب بجائزته فطوقت ذراعاها عنقه واستسلمت لعناقه تهبه ما يريد وكأنها تخشى ان يتركها و يرحل الى الابد .. عندما تركها راح يتأمل عينيها اللامعتين ووجنتيها المتوردتين وشعرها الذي تشعث .. وقال بنعومة: ليتني استطيع حملك في شاحنتي أيقونة تجلب لي الحظ .. ألن تمنحيني قبلة بعد كل ما فعلت من أجلك؟
هذه المرة أحكم إمساكه فعانقها بجرأه ووقاحة أكثر .. أحست بقسو ة عناقه تقطع أنفاسها وبضغطه يكاد يقضي عليها .. ثم ودون أن تدري وجدته في منتصف الطريق الى سيارته المنتظرة أمام باب الحديقة لقد تركها مجرده من كل سلاح! ضائعة تائهة المشاعر .. رأته يدنو من تـوم الذي خرج مسرعاً من السيارة ليفسح المجال لانـدي كي يدخل السيارة ثم اتجه ناحيتها..
- أيمكنك انستي ان توصليني بسيارتك الى الكاراج؟ لقد تأخر السيد آنـدي على موعد هام وطلب مني أن أسألك نقلي بسيارتك.
- اهلاً بك.
بينما كانت تخرج المفاتيح التفت توم الى الرجل المنطلق بسيارته فأشار إليه ثم رفع يده الى رأسه محيياً، ولم تكن هذه الإشارات مما يتبادله الزملاء بالتأكيد ! ولا ريب أن في الامر شيئاً مريباً بين هذين الرجلين.
في البدء كان حديثها وحديث تـوم عاماً ، لكنه شيئاً فشيئاً تطور فاستعدت لتسأله السؤال الذي ما برح تفكيرها بتاتاً: صديقك .. ذلك الرجل .. سائق الشاحنة الذي أصلح سيارتي ..
- سائق شاحنة يا آنسة؟؟ السيد آنـدي ؟
- من هو .. ما اسمه كاملاً؟
- لوكربي يا آنسة .. اسمه السيد آنـدي لوكربي .. بعد أن اصيب والده بأزمة قلبية تقاعد فاستلم السيد آنـدي وهو الابن الاكبر حيث له شقيق واحد اسمه تود ، مسؤولية الشركة وبناء على ذلك اصبح هو صاحبها.
بقيت بروك صامتة بعد عودتها من الكاراج، لكن والدها الذي كان يشاهد التلفاز لم يلاحظ وجهها الشاحب ولا هدوءها إلا بعد أن صرح عن حاجته الى السرير. قال وهما يشربان الشوكولا الساخنة معاً : كنت سارحة طوال السهرة .. أعلم ذلك لأن إحساسي لا يخطئ وقد اكتسبت القدرة على اكتشاف انزعاج الآخرين منذ ان شرعت في التدريس، اخبريني عما يزعجك.
حدقت بروك بعيداً ويديها حول كوب الشوكولا وقالت بهدوء: ذلك الرجل .. آنـدي .. يدعى لوكربي ..
لم يخف رد أبيها لهجة الرعب فيه: أهو فرد من عائلة لوكربي؟
- ليس فرداً فحسب بل هو مدير الشركة العملاقة .. انه الابن الاكبر للسيد لوكربي
علا صوتها وقد اوشكت على الاجهاش بالبكاء : كيف يدعي أنه مجرد سائق شاحنة .. مجرد موظف يعمل لديهم ! كيف !
عندها فقط أدركت كم غدت مشاعرها متعلقة بذاك الرجل وكم أثر غزله فيها . أما الآن وبعد أن عرفت هويته فلن تراه ثانية على أساس الصداقة. قال والدها بمرارة: لقد استقبلناه في منزلنا .. وقدمنا له الشراب .. ومددت له يدي أصافحه .. وصافحني دون ادنى شعور بالذنب!
أخذ يرتجف، فسارعت بروك إليه واحاطته بذراعيها: لا تدع الامر يكدرك .. فما الفائدة على كل حال ولا شئ قد يعيد إلينا المال الذي خسرناه او عملك الجامعي وكله بسبب احد سائقيهم المتهورين.
- هذا إن لم نذكر الشلل الذي منعني عن الحركة التي اشتاق إليها والتي لا يعرف احد بما فيهم انت شده المعاناه التي تسببها.. يا الهــي ! ان اؤلئك المغرورين لم يدفعوا قرشاً واحداً كتعويض عن الخسارة التي منيت بها بل لم يبعثوا برسالة حتى، توحي بتعاطفهم معي ..
- ابي لقد اعترفت امام الشهود أنها كانت غلطتكّ
- ربما .. لم اعد اطيق التفكير في الامر ..
تلك الليلة نامت بروك نوماً متقطعاً، فعندما كانت تغفو كانت تطالعها صورة مزعجة هي لرجل عريض المنكبين قويهما، تساعدانه على قياده شاحنة عملاقة بسهولة، ويحمل مع ذلك عبء عمل مزدهر .. رجل رغم قساوته استطاعت يداه أن تلاطفها.. ان تغازلها .. وان تثيرها وتحطمها في آن ..
كانت بروك تنظف ما بقي على مائدة الطعام صباحاً عندما رن جرس الهاتف واجابت: منزل الاستاذ ستون.
- بروك؟
- نعم ؟ ( اجابت بحده )
- كيف حال والدك اليوم؟
- كما كان وكما سيبقى ابداً ..
سمعت انفاسه كأنها تلفح وجهها . . وساد الصمت :
- فهمت .. اريد رؤيتك .. هل انت حرة هذا المساء؟
خرج غضبها من عقاله بقوه: لا سيد لوكربي .. ليس هذا المساء ولا أي مساءٍ آخر ..
- إذن تـوم اخبرك!
- نعم اخبرني .. لما أبقيت هويتك سراً ؟ اكنت خائفاً من سيد لوكربي؟؟ أوكنت تحسبني سأتناول سكيناً أطعنك فيه .. ام تخشى ان اعضك او اخربشك واضربك الى ان..
- هذا يكفي ! .. لقد اوضحت وجهة نظرك تماماً ..
بدأت تصيح بجنون هستيري وكأنها ما عادت تطيق أن تترك في ذاتها شئياً: لا لم انته بعد، انت وشركتك وضعتما والدي في كرسي متحرك مدى الحياة .. اخذتم منه وسيلة عيشه وحريته في الحركة حسناً لقد انكرتم مسؤوليتكم عبر شركة التأمين. لكنكم لم تدفعوا قرشاً واحداً من قبيل اللطف أو الشفقة التي لا تملكونها، لو كنت أعرف من أنت يوم قدمت لي المساعده لكنت .. لكنت استدعيت الشرطة.
كان قلبها يخفق خفقات قوية حتى كادت تشعر بالغثيان والوهن فهدأت نفسها وأكملت بهدوء أكثر: اتمنى لو أنني لم ارك .. لو لم اسمح لك بلمسي .. وعناقي !
طفرت الدموع من عينيها فأكملت كلماتها بصوت مخنوق قطعه البكاء : اكرهك كما لم اكره شخصاً في حياتي كلها !
كاد صوت إقفال السماعة من الجهة الاخرى يصم اذنيها! عملت بروك طوال النهار في كتاب أبيها، تفك رموز خطه بصعوبة .. وإذا كان العمل الشاق له قدره على الشفاء ، فستتأكد بنفسها بعد أن تغرق نفسها فيه.. وسرعان ما استعادت رباطة جأشها من عذاب العاطفة الذي مرت به مع آنـدي لوكربي .. العمل على كل الاحوال يجب ان يتوقف خلال الساعات والامسيات والليالي الحالكة الظلام التي قضتها مستلقية في فراشها .. كانت تجد من المستحيل إبقاء عواطفها هاجعة. بعد ثلاثة أيام وصلتها رسالة من محامي شركة لوكربي تحوي شيكاً بأربعة أرقام .. ارتجفت يد ستانلي ستون وهي تمسكه حتى كاد يقع من بين أصابعه وامتقع وجهه: ايخالون مالهم سيعوض خسارتي؟؟ أو يعيد الي القدرة على الوقوف والخروج من هذا الكرسي!! هيل سيمكنني من تسلق التلال والانضمام مجدداً الى البعثات التي طالما احببتها!
اعادت بروك التحديق في نص الرسالة وقراءته: هذا الشيك مرسل إليكم باسم موكلي، الساده لوكربي وأولاده، هبة لكم بغية مساعدتكم مالياً وهم يقدمون إليكم بعض التعويض عما خسرتموه من مال نتيجة الحادث .. الساده لوكربي ..
صاحت وهي ترى ارقام الشيك: هذا رائــع ! الان نستطيع شراء سيارة .. مستعملة بالطبع
فصاح والدها: يجب إعاده الشيك لهم حالاً!
- لن تدع كبرياؤك يمنعك من قبول مبلغ كهذا! نحن بأمس الحاجة اليه يا أبي .. فكتابك لن يجهز قبل وقت طويل!
- سأسرع في إنجازه وسنقضي وقتاً أطول يومياً في العمل .. لكنني لن أرض اذلال نفسي بقبول مال تلك المؤسسة .. أو ذاك الذي دخل بيتي منتحلاً شخصية سائق شاحنة .. كان علي أن اعرف .. فقد بدا مثقفاً رفيع الشأن .. كيف خدعني!
لم ترى والدها يوماً غاضباً كما هو الان لذا خافت عليه: سأعيده .. سأضعه في مغلف ثم أرسله بريدياً فوراً.
- ستعيدينه الان يا بروك وبنفسك الى المحامي .. بل الى آل لوكربي أنفسهم
ورفع يده مانعاً احتجاجها: اريدهم ان يفهموا أنني أرمي رشوتهم في وجوههم..
عندما دخلت بروك المكاتب الآجرية الحمراء الواقعة خلف الحدائق .. ودت لو أنها في أي مكان غير هذا .. ليت والدها يدرك صعوبة ما طلب منها !
نظرت إليها الفتاه الجالسة خلف الطاولة فقالت بروك: اريد رؤية السيد أ. لوكربي
- في الشركة إثنان باسم أ. لوكربي السيد اينر لوكربي والسيد آندروس لوكربي ..
وفكرت بروك قليلاً وهي تبتسم داخلياً : ماذا سيكون رد فعل الفتاه لو قلت لها أنـدي؟
لكنها أجابت: أريد المسؤول فيهما.
- إذن تريدين السيد أندروس لوكربي .. سأطلب من سكرتيرته تحديد موعد لك معه.
وبينما كانت الفتاه تجري الاتصال .. تسارعت خفقات قلبها ثم قالت: أريـد رؤيته اليوم.
فتمتمت الفتاه: مستحيل!
وعندما اتاها الجواب من الطرف الآخر قالت: لدي سيده هنا .. آسفة ما اسمك؟ .. الانسة ستوه .. انها تريد رؤية السيد لوكربي ..
ثم نظرت الى بروك وقالت: آنسة ستون.. آخر الاسبوع القادم ؟
- بل الآن!
- انه في اجتماع سيدتي!
- الآن .. وإذا لم يستطع مقابلتي أريد رؤية أندي
سارعت الفتاه تتمتم في الهاتف: أوه.. تقول أنـدي !
غطت السماعة بيدها: سكرتيره السيد لوكربي سترى ما يمكنها فعله.
يا لرده الفعل السريعة عندما قالت : أنــدي !!
قالت الفتاه: نعم .. هل أنت الآنسة بروك ستون؟ أجل انها هي .. حسناً شكراً .. سيراك السيد لوكربي آنسة ستون .. اتخذي المصعد سبيلاً للوصول الى الطابق الثاني ثم ادخلي الى الباب الثاني في الطابق من جهة اليمين.
ضغت الزر الى الطابق الثاني .. اندروس ؟؟ آينـر ؟؟ عندما وصلت الى الطابق الثاني .. لم تجد على الباب الثاني لوحة بل وجدت على الباب الثالث لوحة عليها اسم : أ. لوكربي بالحرف الأبيض. وبعد دقة خفيفة على الباب الفارغ دخلت لتجد الغرفة فارغة فأزعجها هذا .. صحيح انها لم تترقب منه ترحيباً .. لكن الغرفة الفارغة إهانة لها.
كان الباب الداخلي المشترك الى يمينها مقفلاً .. وهذا حاجز آخر، أي تحدٍ جديد ..
في وقت كانت أعصابها تفور غضباً، تقدمت من الباب وفتحته .. إذا وجدت أن السيد لوكربي هذا .. بغيض كريه كالافعال التي قامت بها شركته بعد حادثه والدها ، فستجعل من هذا الشيك كره ترميها في وجهه.
وقالت ممسكة بمقبض الباب: سيد آنـدروس لوكربي؟؟
واخيراً وقع نظرها على الرجل الجالس خلف الطاولة!
إنــــه هـــو !!
فـــوق العـشــب قلبـــــان
مرت لحظات تشابكت فيها عيونهما، لم تمر سوى بضعة أيام منذ رأته آخر مرة، ومع ذلك فهوة الزمان والمركز والظروف التي تفرقهما بدت غير ممكنة الردم.
خفق قلبها وكأنه الطبل يدوي في الادغال، أما أنفاسها فتسارعت وتهدجت .. سألته وهي تراقبه يقف ليحييها: ماذا تفعل هنا؟
كانت عيناه باردتين وتصرفاته متحفظة: انت من طلبتي رؤيتي!
- لقد قيل لي انني سأقابل السيد اندروس لوكربي .. انت لست ! هل انت!
أخرجت الرسالة من جيبها وأمسكت بالشيك: هل انت من وقع هذا؟
- أجل التوقيع توقيعي لماذا؟
عاد الى كرسيه ثم دعاها بصمت لتحتل المقعد الاخر .. لكنها بقيت واقفة فهي الان لا تعدو ان تكون رسولة أبيها الحاملة إليه غضبه وسخطه والاهم كلماته نفسها:
- لماذا؟ لماذا؟! او تظن أن هذا المال قد يعوض أبي عما فعله سائقك به؟ أو تظن أنه سيعيد إليه قدرته على استخدام ساقيه؟ أو يسمح له بالانضمام لبعثات البحوث التي اعتادها والتي كانت له أعظم بهجة في حياته.. أم هل سيعيده استاذاً يسدى النصح والارشاد لطلابه في دروسهم وابحاثهم؟
تراجع آنـدي في كرسيه ليراقبها بهدوء. بينما هي تكمل بصوت يرتفع شئياً فشئياً: والدي يرى انكم تدفعون المال لإراحة ضميركم وهو على حق. لقد شاهدته للمرة الاولى يوم دخلت منزلنا وشاهدت بالضبط الحالة التي أوصلته شركتك اليها.. فقد غدا مقعداً ودائماً مجبر في الاعتماد على الاخرين لقضاء حاجاته ..
تبللت عيناها بالدموع لكنها لم تسمح لنفسها بالضعف أمامه، كان قد أمسك قلماً راح يرسم بواستطه خطوطاً .. وكان عمله هذا دليل على عدم اكتراثه.. تابعت: كان رجلاً رائعاً ذو قامة شامخة مسيطره، صاحب فكر متقدم طالما فاق فيه اقرانه .. كان صاحب شأن في الجامعة كلها، فالمجلات العلمية والصحف كانت تستشيره في مضمار اختصاصه وها هو الان كما تعرف يعيش تعيساً في كوخ صغير منفي اكاديمياً.
وتلاشى صوتها وأحست بضعف ساقيها . . فسارت الى المقعد الذي رفضت الجلوس عليه مسبقاً.. رمى آنـدي القلم من يده واستوى في جلسته .. ثم قال: هناك شئ غفلت ذكره وهو أن الحادثة حصلت بسبب خطأ ارتكبه والدك لا شركتنا.
كورت الشيك في يدها : وهناك شئ غفلت عنه انت وهو ان المال لن يشتري الصحة التي حرمتموه منها.
رمت الغلف والشيك المكور في وجهه كما قال لها والدها .. فاصطدم بوجهه قبل أن يقع ارضاً. دفع كرسيه الى الوراء، ثم التف كالصاروخ حول الطاولة ووصل اليها ليمسك معصميها قبل ان تستطيع التفوه بكلمة اعتذار. قالت وهى تتألم: لقد طلب مني .. والدي ان ارمي هذه الرشوة في وجهك .. انني فقط افعل ما طلبه.
لوى ذراعها الى الخلف، ثم جذبها نحوه.. وهو متقلص الوجه مشتعل العينين بلهيب يكاد يحرق عينيها.. قال بصوت خشن: ايتها الثعلبة .. أيتها الكلبة ناكرة الجميل .. سوف
فصاحت: لقد اخبرتك انها لم تكن فكرتي! .. لقد نفذت اوامر والدي .. أرجــوك!
ارتجفت شفتاها: انت تؤلمني .. اه انت تؤذيني فإن كسرت ذراعي فسأعجز عن طباعة كتاب أبي وهذا سيؤخر النشر اكثر .. ارجـــوك!
وببطء وعلى مضض تراخت قبضته فحل الارتياح مكان الالم لكن بعد ارتدادا الدم الى التدافع من جديد في ذراعها عاودها الالم فراحت تدعك ذراعها اليسرى بيدها اليمنى لكن الالم استمر .. لكن الماً في مكان اخــر كان اشد وقعاً .. والدمـوع التي جاهدت لتكبحها انفجرت وانهمرت على خديها.. فخرج منها نحيباً جعلها تشيح بوجهها عنه: آسفـة لانني هدرت وقتك.
سمعت وقع اقدامه وراءها.. حسبته سيرميها خارجاً .. فكرت .. عليها ان تسبقه و تخرج بكرامتها ، استقرت يداه القويتين على كتفيها .. وراحت اصابعه تمسحان برقة كتفيها .. وانسلت يده تبحث عن يدها.. ثم جذبها خلفه نحو الباب وقال: تعالي معي .. جوليا.. سأغيب ساعة تقريباً .. عندما أعود ارغب في رؤية والدي.
أغلق الباب ثم قادها الى الباب الرئيسي حيث شاهدت على بابه من جديد اسم آندروس لوكربي .. وعلى الباب الاخر اسم آينر لوكربي ..
- أين سنذهب؟
- سترين بنفسك
اصطحبها الى الفناء الخارجي للمبنى حيث سيارته تقف في مكان خاص بها فتح بابها ثم أجلسها فيها وجلس هو على مقعد السائق.. انطلقت السيارة بهما فوق الطريق. ولم تمض برهو حتى تركت السيارة الشارع المزدحم الى طريق أقل استخداماً، بعد فترة قصيرة من المسير انعطفت يميناً فتراءت لهما خضرة ساحرة لسهول منطقة اونتاريو الممتده بجلال وحشي حتى تكاد تلامس السماء الرمادية الزرقاء بينما تقف أمامها بعيداً جبال تشرف على شلالات نياغارا التي يعتبرها سكانها الاصليون مقدسة. اوقف آنـدي السيارة على جانب الطريق فوق العشب. وما أن توقف صوت المحرك حتى عم سكون غزا السيارة عبر النوافذ المفتوحة مسيطراً على الافكار عبر العيون والآذان ليصل الى الجسد عبر تنفس الهواء العليل المندفع نحوهما. الجمال المحيط بهما نفل اليها شرارات محت حزنها، ورغم ذلك عجز المنظر الممتد امامها عن الاستئثار بإعجابها ، سألته: لماذا جئت بي الى هنا؟
- هنا يمكننا التكلم بهدوء بين أذرع التلال الساكنة بعيداً عن كل الضغوط.
- عما نتحدث؟
- عن المال الذي رميته في وجهي!
- رميته بناءاً على أوامر أبي
- وإن رجع الخيار لك؟
فكرت في الاجابة: فإذا قالت نعم .. فما هو السبب الذي ستدعم به ردها؟ عندما وقعت الحادثة اعترف والدها بشروده الذي سبب الواقعة وهذا يعني ان لشركة التأمين كل الحق في إنكار مسؤولية الزبون. تنهدت وهي تتأمل المنظر الملتف حولها والذي نسجته اشعة الشمس بلونها الذهبي فألفت بعضاً من ضيائها فوق المنبسطات، لكن هذه الشمس لم تلبث ان دثرتها الغيوم فمنعت عنها ضياءها وسبيلها الى الارض. عندما تكلمت كان صوتها متوتراً: قد يكون المال مساعداً لنا .. فأنا بحاجة لسيارة أخرى .. فالتي نملكها لن تدوم طويلاً .. وأنت تعرف هذا بالطبع.
- هذا يعني ان المال الذي قدمته لكم كان سيحل مشكلة.. و مع ذلك لم تقبلوه؟
- لا استطيع قبوله.. فلن استطيع ابداً مخالفة رغبات والدي .. إن معاناه أبي كبيرة هذا دون أن تلقي عليه إبنته عبئاً آخر .. مهما كان السبب.
فتحت باب السيارة لتخطو خارجها فوق العشب الناعم .. وراحت عيناها تطوفان بالجبال والسهول لتجد ان قرية تقع كالعشب في كتف احدى التلال وهي قرية بنيت منازلها من حجارة رمادية وسطوحها من آجر أحمر وهناك بضع مبان منتشرة يضع فيها المزارعون غلالهم، اما الاشجار المتفرقة والخمائل الخضراء فتختفي جاذبة الانتباه في وقت واحد الى الحياة البشرية، والى دفئ الحياة التي حولها. دنا آنـدي منها فجذبها اليه ليلف ذراعه على خصرها: بروك ... كم أحب ان تحتويك ذراعاي من جديد .. اتمانعين؟
وقبل ان يدع لها فرصة الرد .. التفت ذراعاه حول جيدها فدفن وجهها في صدره .. وبينما هي تحاول جاهده تحريك رأسها يمنة ويسرة فوق صدره في محاولة مزيفة للخلاص، اندفعت ذراعاها الى عنقه .. تلفه بشوق متجاوبة بعنف مع عناقه .. ابتعدت عنه ووقفت تحدق فيه .. وقد هالها ما فعلت .. لقد اندفعت في التجاوب وراحت عيناها تنطقان من غير كلام .. عاجزة انا عن مقاومتك .. لانني اجدك لا تقاوم .. نعم لقد سمع رسالتها الصامتة وحرقت عيناه عينيها.. فجذبها من جديد اليه.. غطاها بذراعيه، ثم انزلها ببطء الى الفراش العشبي .. كانت المرجة التي استلقيا فوقها شديده الانحدار لكنهما لم ينتبها في غمره عواطفهما الى هذا الامر الا بعد ان تدحرجا معاً ببطء اولاً ثم بسرعة مبتعدين عن الطريق نحو الاسفل، الى ان وصلا الى مكان مستوٍ، تمسكهما ببعضهما ودحرجتهما سوياً أثارهما واضحكهما فاتسعت عيناها بالبهجة وامتلأ وجهه بالسعاده.
رفع رأسه نحوها ما أن ذراعيه استمرتا حيث هما كطوق فولاذي حولها، حدق في وجهها فحاولت إبعاد ارتباكها فقالت: على سترتك قطع من العشب.
- وفي شعرك أغصان .. وفي عينيك شعاع الشمس..
- لا يمكن ان تكون هنا! فأنت في منتصف يوم عمل ..
- وإن يكن! فأنا صاحب العمل
صاحب العمل .. الرئيس في شركة لوكربي .. التي سلبت والدها هناءه.
- بماذا تفكرين الان! لقد تلبدت الغيوم في عينيك مكان الشمس .. لكني سأعيدها من جديد ..
وامطرها بوابل من القبلات على رأسها وشعرها .. وانهاها على أنفها .. اغمضت عيناها وهي تدرك عمق أحاسيسها وأحاسيسه.. رغباتها ورغباته .. حاجاتها وحاجاته ..
عندما ابتعد عنها أخيراً همست بصوت مبحوح:
آنــدي .. والدي سيتساءل عن سبب تأخري .. وعما فعلت ..
امسك ذقنها وقال: وهل ستخبرينه ..
ابتسامته الساخرة وعيناه اللتان تطوفان بوجهها اخجلتاها .. لكنها احست بسؤاله وكأنه ظل طويل يمتد فوق صباح ذهبي، فقالت: إنه يشعر بالمرارة آنـدي وهو غاضب بسبب الشيك وبسبب الطريقة ..
حاولت ازاحته عنها لكنها كانت كمن يحاول إزاحة شاحنة بيديه..
- الطريقة ؟
- الطريقة التي ..
ازاحت رأسها جانباً لتقع عيناها على منبسط من الارض ساحر.. لو أخبرته فسيبتعد عنها جسداً وروحاً .. وهي .. لا تريد ذلك .. أعاد أصابعه برقة لتمسك ذقنها ويجعلها تلتفت إليه فقالت: الطريقة التي استقبل بها فرداً من أفراد عائلة لوكربي التي لن يسامحهم على ما فعلته شركتهم به.
ابتعد آنـدي عنها، ليتكئ الى مرفقيه ويحدق هو الآن في الجبال الخضراء والسهول الذهبية، لقد تركها وهي تتوق الى قربه.. لكنه تراجع الى عالم قاس يختلف عن عالم هذه اللحظات الثمينة التي مرت بهما.. وقالت: وهو الى ذلك متكبر لن يقبل المال..
- بل فلنصفه بأنه عنيد، والى متى ينوى الاستمرار في لومنا على شئ كان هو السبب في حدوثه؟ أخبرتني أنكما بحاجة للمال .. أليس هناك طريقة لإقناعه؟!
- أبداً يا آنـدي .. إنه يعتبر المال إراحة لضميركم لذا طلب مني رمي الشيك في وجهك!
عاد للتدحرج نحوها .. وأسرها بين ذراعيه: وهذا ما فعلته بالضبط أيتها العفرية المشاكسة .. فهل أضربك على مؤخرتك على هذا؟
وأدارها على وجهها ثم هبط بيده لا بلطف كثير .. مرة .. مرتين ثلاث مرات على مؤخرتها ، هربت بروك منه ناقمة ممتقعة اللون فتدحرجت مبتعده عنه، ووقفت وراحت تنظف نفسها ،
و وقف ببطء ليواجهها فرأت شعلتين من نار في عينيه .. فاستدارت لتهرب وأخذت تلهث صاعده المرتفع نحو الطريق، ووصلت السيارة وارتاحت واضعة يديها فوقها جاعلة منها حاجزاً بينه وبينها، وأنقذها منه مرور سيارات على الطريق .. فأشارت إليها ضاحكة والواحده تمر تلو الاخرى فقال: كم أنت محظوظة يا فتاه .. وإلا لكنت ..
نظرته الساخرة الى شكلها المشعث كشف مكنونات أفكاره..
أثناء العوده قالت له: ثمة عشب وأغصان على سترتك .. فماذا سيظن العمال بمديرهم عندما يصل الى المكتب وهو..
- سيقولون كان يتدحرج مع فتاه فوق العشب كما سيقولون إنني بشر على كل الاحوال! هيا امسحي عني كل الأدلة.
مددت يدها ضاحكة تلتقط القطع عن رأسه وسترته ومررت يدها على كميه وكتفيه، وتاقت يدها لأن تكمل المشوار الى ظهره، لتستعيد ذكرى عناقهما، فنظر إليها وكأنه أدرك ما تفكر فيه: متى نلتقي ثانية؟
فأحست بعدم الاسقرار في داخلها، فارتجفت وقالت: لا استطيع الاجابة عن هذا ..
بعد صمت قصير قال آنـدي: هل أفهم من هذا إنك راغبة لكنك لا تريدين مخالفة إراده والدك؟
- لن أخالفه أبداً فهو يعتمد عليَ كل الاعتماد ..
عندما اقتربا من منزلها قال: إذن لا مال ولا لقاء .. أهذا ما تريدينه؟
أوقف السيارة على بعد عده منازل من منزلها فشكرته بصمت : أجل هذا ما أريده..
وبنبره قاسية قال : حسناً هذا ما سيكون لك .. ألن تنزلي من السيارة؟
برودته جعلتها تحمر خجلاً .. إذن هو لا يطيق صبراً ليتخلص منها! رغم تلك اللحظات الذهبية التي عاشاها.. ها هي تتأخر في الخروج من السيارة منتظره منه قبلة وداع.
صفقت الباب وراءها ثم انحنت لتقول : شكراً على النزهة آنـدي .. لقد استمتعت بهذه الفرصة..
- شكراً لك على اللحظات الرومانسية .. فأنا تمتعت أيضاً.
فهمت المغزى المزدوج لكلماته فشدت شفتيها ونظرت إليه دون أن تظهر تعبيراً على وجهها ..انزلقت نظراتها بشكل عفوي الى فمه لكنها ما لبثت ان ترجلت مسرعة .. وعندما انطلق بالسيارة مبتعداً ، أحست قلبها يخفق بألم..
نهاية الاسبوع التالي، توقف "فان" أحمر يحمل إسم لوكربي خارج المنزل، كانت بروك تقف أمام النافذه تنظر للخارج لأن افكارها أصبحت في المده الاخيرة لا تفارق صورة الرجل الذي أحاطته ذراعيها ، ومع ذلك فقد بدا وكأنه تحول الى سراب .. عندما لمحت اسم لوكربي امامها .. اعيدت لها الحياه فمن قد يزورهما غيره؟ إنها لا تعرف إنساناً آخر من شركة لوكربي!
تعرفت الى السائق تـوم، أما الراكب الذي كان يتهيأ للنزول عن المقعد الامامي فهو غريب بالنسبة لها لكن وجهه يشبه شخصاً تعرفه.. وما ان استقام الزائر المنحني الظهر بسبب تقدمه في السن، حتى شاهدت بروك شعره الرمادي ووجهه الذي لوحته الشمس، كان الرجل نسخة أكبر سناً من آنـدي .. طافت عيناه بالمنزل البسيط أمامه، والتقتا بوجه الفتاه الناظرة الى الخارج، انحنى ليكلم تـوم ، فتحرك الفان مبتعداً.
لوكربي آخر يسعى لزيارة منزلهما! نظرت الى ابيها المستغرق في القراءة .. هل سيخذل رجلاً يماثله عمراً؟
ابتسم الرجل وهو يغلق بوابة الحديقة وراءه متأنياً، فقالت بروك بسرعة: أبي .. ثمة غريب قادم إلينا.
قطب ستانلي ستون حاجبيه: من هو هذا الرجل أهو جارنا هاملتون؟
- قلت لك غريب يا أبي!
وضع كتابه جانباً وبدا عليه السرور: أنا ارحب بالغرباء في منزلي، فلم يحدث أن رددت غريباً عن باب داري.
توجهت بروك الى ردهة المدخل بعد أن علت الطرقات الباب، كان الرجل يقف أمام العتبة مبتسماً، وكان عليها أن ترفع رأسها لتنظر الى وجهه.. على وجنتيه خطوط عميقة حفرها الزمن، وحول عينيه خطوط خطتها ابتسامته : آنسة ستون؟
صوته عميق ويحمل لكنة المنطقة التي عاش فيها طوال حياته: اسمي لوكربي . . آينر لوكربي.
فرك يديه معاً، وبدا عليه القليل من الارتباك. امتدت يدها ثابتة ومتحدية: أهلاً بك في منزلنا سيد لوكربي .. تفضل أرجوك.
تكلمت بصوت مرتفع ليسمع والدها، فجاءها صوته حاداً من الداخل.
- لوكربي !! لن أستقبل أي فرد من هذه العائلة في منزلي. في المرة السابقة استغفلني وجعلني أمد يد الصداقة له .. أخرجيه من هنا يا بروك..
احست بالارتباك وهمست: أرجوك انتظر لحظة سيد لوكربي.
عادت الى غرفة الجلوس لتواجه والدها فقالت بصوت خفيض فيه نبرات حاسمة غاضبة: أما قلت إنك لم ترد غريباً عن باب دارك يوماً !! أعلمك يا أبي إنه رجل هرم لا ذاك الشاب..
- سيد ستون؟
وإذا بالرجل في الغرفة ينظر بلطف الى الرجل الجالس في الكرسي المتحرك.
- أن كنت لا تريدني هنا فسأذهب .. فأنا لم أدخل يوماً عنوة الى مكان او منزل لست مرغوباً فيه، خاصة إذا كان المنزل منزلك.
كأنما دخول الزائر الفجائي قد نزع أسلحة ستون ، فنظر الى العينين البنيتين للرجل الكبير ولم يعد بوسعه إنكار الخجل واللطف الممزوجين معاً، دون أي ريب بالكبرياء في محيَا الرجل. لا بد أن وميضاً قوياً قد أضاء شعلة الغفران التي طال دفنها في دماغ ستون. فقال بصوت أجش: اهلاً بك في منزلي.
علمت بروك كم كلفته هذه الكلمات من عذاب فسألت بسرور: أترغب في شراب سيد لوكربي؟
فقال الزائر: لا أشرب شيئاً .. لم ألمس شراباً منذ ان كنت أقود الشاحنة ولن أفعل الآن، فقلبي الهرم يسبب لي المتاعب وعلىً الحذر .. فما رأيك بفنجان شاي؟
- بالطبع وانت ابي؟
هز رأسه إيجاباً. تبدد شحوب ستانلي فالغضب الذي اعتمل في نفسه وجعل عيناه باردتين تحول الى شئ من الادب في استقبال الغريب الذي بدا شبيهاً بذاك الذي يحمل اسمه، أهو والده؟ بدا وكأنه يحتل الغرفة.. بينما كانت تهئ إبريق الشاي سمعت أحاديثاً تصدر عن غرفة الجلوس لم يحدث ان صمتت لحظة. عندما دخلت حاملة صينية الشاي كان آينر لوكربي يقول: أجل .. نحن عائلة عصامية سيد ستون.
لم يبد على والدها الامتعاض عندما لم يرفق اسمه بلفظة استاذ.
- والد والدي في القرت الماضي كان يعنى بالجياد والعربات، وقد ورث والدي عنه هذا العمل لكن الحيوانات غدت في عصرنا الات نقل جبارة.
هز رأسه شاكراً بعد أن قدمت له بروك الشاي وسأله ستون: أكان هذا بعد العربات البخارية؟
هز آينر لوكربي رأسه بقوة ونشاط: تغيرت بدورها .. يا الهي كم تغيرت! لكن تقليداً واحداً استمر .. تناقل العمل من الاباء للابناء .. أما انا فلدي ولدان آنـدي وتود وآنـدي هو الرئيس الحالي للشركة .
التفت الى بروك ثم الى والدها وأشار الى صدره: كان عليً ان اتقاعد لكنني أعرف أنه يدير الشركة بكفاءه وأنه يعرف كل شئ من الالف للياء، اما تود فقد سعيت الى ان ينال ولداي أفضل مستوى تعليمي وقد فاق آنـدي أخاه في كل شئ فقد كان الاول في مدرسته لكن تود لم يرغب قط في العلم .. فتزوج وها أنا انتظر زواج أنـدي الذي تدخل حياته الفتيات ويخرجن ، لكنه لم يجد يوماً من يرغب في الحفاظ عليها! هذا ما يقوله!
ضحك الزائر عالياً ، ثم ارتشف رشفة كبيرة من فنجان الشاي ووضعه أمامه فارغاً ، فابتسم ستانلي ستون وسأل: أما زالت شركتكم تزدهر؟
- لن يتركها ولدي دون أن تزدهر.
قالت بروك: يقول آنـدي إنكم مصممون على الا تعتمدوا على أي إنسان.
فهز رأسه بقوة؟ لقد قدمت إلينا عروض .. لكن ما هو لوكربي سيبقى لوكربي.. إنه فخر العائلة، لدينا حوالي العشرين مركبة، بعضها للحمولات الضخمة أي شاحنات تقدر على حمل ستة عشر وثمانية عشر طناً، وقد تصل بعض الحمولات الى اثنين وثلاثين طناً.
سأله ستانلي وقد تخلي عن كل تحفظه: هل تحملون المستوعبات؟ (containers)
هز آينر رأسه: ومقطورات برادات أيضاً للنقل العالمي ..
فقالت بروك: لطالما تساءلت عن ماهية هذه الشاحنات؟
- إنها مقطورات للنقل عبر القارات ويمكن أن تختم في جمارك بلد ما حيث تبدأ رحلتها ولا تفتش أبداً في أي بلد تمر به حتى تصل الى مقصدها وهذا امر مفيد جداً.
يبدو انه تذكر سبب مجيئه في هذه اللحظات، ورفع يده الطويلة ليفرك مؤخرة رأسه، وامتدت ساقاه لتتقاطعا فوق بعضهما، ليس بسهولة بل بتوتر، أخذت إحدى قدميه تتحرك الى اليمين والى اليسار، فقدمت له بروك قطعة بسكويت ورفضها.
- لدى آل لوكربي أموراً كثيرة تحتاج الى عناية .. فولدي آنـدي يتولى الامور المالية وكل الامور الاخرى، بينما تود يدير الكاراج.
فسألته بروك: حيث صُلحت سيارتي؟
- أتعلمين أنه شرف كبير أن يصلحها لك آنـدي بنفسه! إنه لا يفعل هذا عاده، خاصة لغريب .. لا شك انك اعجبته.
اصطبغ وجه بروك بحمرة الخجل فضحك ، وأخفت لنفسها خبر تقدم علاقتها بابنه الى منحنى حميم، ووجد ستانلي ملاحظة آينر مثيرة للاهتمام ومسلية، فقال أمام ذهول ابنته: ولم لا تعجبه؟ إنها فتاه جميلة وذكية !
- أنت محق سيد ستون ، يحق لك الفخر بابنتك، وأعتقد أن لديها لمسة السيدات.. أنت ارمل اليس كذلك؟ مثلي تماماً .. أنا أشتاق لزوجة.
أخذ يحدق بحزن في قدمه المتحركة وكأنها ليست جزءاً منه وتنهد مكملاً: لقد كانت طيبة معي .. زوجة تود ابني تدير المكتب . . وابن اخي ديفيد يدير قسم السير من المصلحة، يأخذ التعليمات من الزبائن وما الى ذلك.
قالت ستانلي: يبدو الامر أكثر تعقيداً من تنظيم أعمال ولو كانت ضخمة، أكثر مما كنت أظن.
وجدت بروك أباها يتقبل شيئاً فشيئاً وجود لوكربي في حياته، لكن إذا أرادت مقابلة آنـدي في يوم ما كما طلب، فهل سيعترض؟ أم أنه .. ثم تذكرت أن اسبوعاً مر لم يتصل فيه آنـدي بل لم يقم بأي جهد لمواصلة معرفتهما!
قال آينـر: لقد أتيت لرؤيتك من أجل محطة إملاء الوقود التي نملكها .. المضخات تعمل على طريقة الخدمة الخاصة والموظف الذي يقبض الثمن ترك العمل ذلك أنه غدا في السبعين من عمره وهو يعاني من ألم في ظهره، وتيد يدير ورشة التصليح والمحطة معاً، لكنه لا يستطيع أن يكون في كل مكان، وهذا يعني أنه لن يكون لديه الوقت للجلوس في المكتب لقبض المال لذا كنا نتساءل .. إذا كنت أنت يا استاذ ..
وأخيراً .. لقب الوالد المعترف به .. الاطراء الرقيق .. بطاقة الاعتماد .. الورقة الرابحة .. آينر لوكربي ليس بغبي .. وتابع: إذا كنت تستطيع الاستغناء عن ابنتك الذكية لتساعدنا في مكتب القبض في محطة بيع الوقود، إلى ان يعود العامل الرئيسي.
وهذه كما تأكد لبروك طريقة أخرى فكر فيها الرئيس للالتفاف على كره والدها المتجذر لهم، ولرفضه القاطع قبول أي مساعده مالية، فهل سينظر الى العرض كما هو أم سينظر إليه كما يعني؟
واحمر وجه ستانلي ستون .. أنما ليس غضباً وزادت حمرة وجهه من جراء استغراقه في الانتباه لمحادثة زائره، الفروقات في المركز والوضع الاجتماعي ذابت بينهما، لقد برهن أينر لوكربي على انه رجل مثير للاهتمام وهذا هو كل ما يهم، رد ستانلي: بالطبع يمكنني الاستغناء عنها طالما أن الترتيب مؤقت شريطة أن توافق معي.!
ابتسم لابنته .. لقد خدعه تماماً كلام آينر الجرئ، فقالت بلطف: لكن كتابك يا أبي؟
- لست مستعجلاً عليه .. أليس كذلك؟
كانت تعلم أن الواقع عكس ما قاله لكن إحساسها بأنها ستعود الى العم ثانية حيث ستختلط بالناس كان له كبير الاثر في إغرائها بقبوله.
تابع آينر: سندفع لك بالطبع أجراً جيداً في الساعة.. فنحن آل لوكربي لا نبخل بمالنا.
توقف عن الكلام فجأه وأخذ ينتقل ببصره من الاب الى ابنته منذكراً إعاده الشيك .. لو أن كلامه فهم على غير ما هو لخسر كل قضيته الان.
تدخلت بروك بسرعة على امل نزع فتيل أي وضع متفجر قد ينتج عن كلام غير موزون: ونحن آل ستون لسنا متسولين سيد لوكربي .. فلدينا كرامتنا أيضاً.
هز والدها رأسه موافقاً فرد آينر وهو يرفع طوله الفارع عن المقعد: أنا مسرور جداً لسماع هذا ، فلكل عائلة كرامتها وولاؤها.
أكملت بروك: وحبها لبعضها بعضاً أيضاً.
- وهذا بالتأكيد هو الأهم.
بدا تقدير ستانلي لذلك الرجل واضحاً من خلال مصافحته الحارة، حيث قال له: عد ثانية يا آينر .. نادني ستانلي دون القاب.
- فليكن ستانلي إذن. وسأعود لزيارتكم بالتأكيد.
التفت الى بروك: يجب ان أسألك هل ستوافقين على مساعدتنا؟
هزت رأسها بالموافقة، فأضاف: وهل سيناسبك الغذ؟ نحن نبدأ العمل في السادسة صباحاً .. لكننا لن نتوقع قدومك قبل التاسعة والنصف.
- سأكون هناك.
عند الباب سأل والدها: هل ستانلي اسمك الحقيقي؟ أم انه اختصار لاسم ستانفورد؟
فضحك الاستاذ: في الحقيقة لا .. إسمي الاصلي ستان ستون وهو اسم مضحك إذ كان لوالديً روح مرحة فسمياني بهذا الاسم!
قهقه آينر لوكربي عالياً، وكان لا يزال يهتز من الضحك عندما وصل الى باب الحديقة حيث ظهر أمامه الفان الاحمر من جديد !
دوامـــــــة المشــاعر
كانت الساعة تقارب التاسعة والنصف عندما أوقفت بروك سيارتها في موقف المحطة، وكانت قد اتفقت قبل خروجها من المنزل مع السيده هاملتون على أن تقدم الاخيرة لوالدها وجبة الطعام. أحست بقليل من التوتر لعودتها الى العمل ثانية. وهي نظراً لطبيعتة العمل قد قررت ارتداء جينز وقميص بدلاً من فتسان في هذا النهار الحار. عندما وصلت رأت ان السائقين ينتظرون بصبر دورهم للوصول الى مضخات التعبئة. وبدا ان اشعة الشمس قد بدأت تجذب السواح الى المخيمات والى المناطق السياحية. صدر صوت عن إقفال البات، وتذكرت بروك آخر مرة كانت فيها في ذلك المكتب، يومذاك أجفلت الفتاه الجالسة وراء الطاولة عندما سمعت بروك تذكر اسم آنـدي وهذا أمر لا عجب فيه الآن، لأنها بمناداتها له بتك الطريقة أوحت لها بوجود علاقة حميمة بينهما. في هذه المرة شغل المقعد رجل في أواخر العشرينات من عمره، يرتدي قميصاً طبع عليه كالعاده بالاحمر كلمة "لوكربي". وما ان دخلت بروك حتى رفع الرجل رأسه وعلى وجهه انفعال غاضب بدل الترحيب .. بدا وكأنه أدرك أنها ليست زبونة. ولعله قد أحط علماً بوصولها !
سألت: سيد لوكربي؟
كان له تقريباً طلعة أخيه البهية، لكنها طلعة خالية من القوه .. فوقف وهو يقول: تود لوكربي .. أنا مسرور لقدومك أخيراً، لقد فتحنا أبواب البيع منذ الثامنة صباحاً، وأنا احاول إكمال العمل. أنت الانسة ستون اليس كذلك؟ شكراً للسماء. ضعي أشياؤك في مكان ما وسأعطيك درساً سريعاً عن كيفية العمل.
- سأقوم بهذه المهمة بنفسي يا تود. تابع عملك في خدمة الزبائن.
أجفلت بروك .. من أين دخل آنـدي دون أن تحس به؟ ربما دخل من جهة المقهى، لا بد من وجود مدخل خلفي. حدقت في وجهه.. وهي تفكر كم من الزمن مر عليه منذ ان رأته؟ يبدو لها وكأنها سنوات. وهو أيضاً كان يرتدي قميص لوكربي، كما يرتدي سروالاً ملطخاً بالشحم والزيت يتدلى من أحد ديوبه مفتاح البراغي. مدير أم .. أنه هنا في العمل! انحنى فوقها واضعاً يداً على الطاولة، وأخرى على مؤخرة كرسيها. ابتسم لها ابتسامة جانبية أرقصت قلبها وجعلت فمها يرد الابتسامة بأخرى. تحرك تود مبتعداً، دون ان تتاح له فرصة الاعتراض على تلقي الاوامر ضمن دائرته الخاصة. دخل زبون ليدفع بواسطة "بطاقة الاعتماد" ، فشرح لها آنـدي كيفية التعامل مع بطاقة كهذه ثم دخل آخر فدفع نقداً، وآخر فضل الدفع بواسطة شيك .. ولم تمض فترة حتى فهمت بروك كيف السبيل الى التعامل مع الوسائل المختلفة في قبول الدفعات. عندما انهى الدرس، أحست بروك بالإحباط.. فلم يعد آنـدي واقفاً قربها. لم تعد ذراعاه القويتان الخشنتان من جراء الشعر الاسود تلامسان ذراعها وهما تتحركان ليدلها على نقطة نسيتها. كان الزبائن يدخلون واحداً تلو الأخر أمام ناظري آنـدي الذي راح يراقب طريقة معاملتها لهم. وبعد حوالي العشرين دقيقة، بدا راضياً عن تصرفها الناجح. لما تهيأ للمغادره كان قد خف قليلاً تدفق سيل الزبائن. اقترب منها ثم توقف في الجهة المقابلة من الطاولة ونظر إليها قائلاً: لقد سمعت أن والدك قبل اقتراح مساعدتك لنا دون اعتراض.
- أدهشني موقفه أنا ايضاً ، لكنني أخال سحر والدك قد قدر على اخراجه من طبعه، إن لوالدك شخصية رائعة.
أخرج المفتاح من جيبه، وضربه على راحة يده وقال عابساً: انا سعيد لإعجابك به .. إنه ليس في عافية تامة.
ترك تود المكتب فائلاً إنه سيعود بعد دقائق .. فقالت بروك: يبدو أنك تحب والدك جداً.
- أجل .. بم تشعرين الان بعد عودتك الى الحياه العمليه من جديد؟
- يا له من شعور عظيم. إن العمل المنزلي أشبه ما يكون بالحجز وأنا الان بدأت اشتاق الى صحبة من هم في مثل سني لذا أشكرك على صنيعك.
فابتسم لها: لست أدري لماذا ازعجت نفسي .. مع العلم أنك الفتاه الاولى التي ترفض الخروج برفقتي.
عاد تود الى المكتب ضاجاً، ونظر بتوتر الى ظهر شقيقه: أمازلت هنا؟
لم يرد آنـدي، فوجه كلامه لبروك: احترسي من أخي الاكبر آنسه ستون. فمن عادته أن يأسر بكلامه المعسول قلب كل أنتى تقع تحت ناظريه.
ضرب المفتاح بقوه أكبر على راحة يد آنـدي، ثم أضاف بإصرار: إنه ذئب آنسه ستون .. ذئب يتخفى بثياب ميكانيكي.
نظرت بروك الى آنـدي، وقد أزعجها كلام الاخ الاصغر. ولم يفتها ما وراء كلامه من معان كما لم يفت آنـدي منه شيئاً. وأضاف تود: قد يكون ذبئاً متخفياً بزي أنيق .. وهذا يعتمد على الدور الذي يلعبه، عندما يلاحق فتاه ما. وضع حداً لهذا الخصام الذي افتعله طرف واحد دخول زبون ولما أقبلت بروك على استقبال الزبون خرد آنـدي. عند الظهر، أبلغها تود أن لديها ساعة للغداء. وعندما تعود سيذهب لتناول غدائه. ولما حاول أن يدلها على مكان المقهى أخبرته أنها تعرف المكان فكان أن نظر إليها بحيره، ثم هز كتفيه. اختارت طاولة تقع قرب النافذه، فراحت تتناول اللحم والسلطة اللذين حملتهما من طاولة خدمة الطعام الرئيسية. أخذت تنظر من النافذه لتشاهد عربات لوكربي تصل وتغادر بحذر فوق الارض غير المستوية. إحدى هذه الشاحنات ذكرتها بتلك التي أوصلتها بقياده ذلك السائق المتعجرف الضاحك في ذلك اليوم الحار. وبينما كانت تفكر فيه إذ به يدخل. فوقعت السكينة من يدها، التقطتها بارتباك.. رمقته ورأسها الى الاسفل بينما كان هو يدفع ثمن طعامه تاركاً الفتاه تضحك على نكتة قالها لها. حاولت بروط دون جدوى أن تتظاهر بعدم رؤيته. لكنها سمعته يقول: لا رمال امامك لتخفي رأسك، فاستخدمي الطعام الذي في طبقك!
ثم در كرسياً ليجلس أمامها على الطاولة ويكمل: كنت تفكرين بالشيطان فحضر؟
فرفعت رأسها ونظرت إليه: أجل.
- أكانت افكاراً جيده أم سيئة؟
- كانت مزيجاً من النوعين معاً. فقد تذكرت ذاك اليوم الذي أوصلتني فيه الى بيتي مدعياً أنك نكرة. ويا لك من نكره! نكره تدير عملاً ضخماً وتملك أفخم السيارات وأغلاها ولها القدره المذهلة على تغيير جلدها من ثوب مدير نافذ القوه الى ثوب عامل يصلح السيارات.
أحنى رأسه فوق وجبته الخفيفة المؤلفة من الخضار المسلوقة وقال:
شكراً لك سيدتي .. عندما سأحتاج في المره القادمة الى توصية. سأعطي اسمك للسائل. هذا إن أذنت سيدتي!
ابتسمت عيناه، فغاص قلبها وهو يردف: لكن السيارات وحدها التي أعرف إصلاحها، بل الشاحنات أيضاً، فلا نملك شاحنة أعجز عن تصليحها، فعند الحاجة ترينني أرتمي تحتها بغية إصلاحها.
- وماذا عن شقيقك الذي لا يبدو أن له ذكاءك أو موهبتك أو حماستك.
- إذن لقد لاحظت هذا! أنت مخلوقة ذكية لتكوني إمرأه ..
وضع يده على يدها وقد كورت منديل الورق لتقذفه به، قال: أنت تتناولين الطعام مع الرئيس فأحسني التصرف.
كانت المرأه التي على الصندوق تراقبهما، لذا احمر وجه بروك وقالت: آسفة يبدو أن نصف الموجودين وزوجاتهم يرمقوننا بنظراتهم.
- لا عجب في ذلك، لأنه لم يحدث أن هددت موظفة رئيسها بضربه بشئ ما على رأسه.
بدا عليها الخجل، لكنها لم تستطع منع ابتسامة وهى تقف لتذهب، وانقلبت بسمتها الى بسمة استفزازية: أرجو أن تعذرني سيد لوكربي .. فأنا أخشى أن أتأخر في العوده وهذا لن يفيدني في يوم عملي الأول حتى وإن كان "الرئيس" هو من أخرني !
وقف نصف وقفه تأدباً ثم قال: هل تخرجين معي الليلة؟
اعتمت تقطيبه عينيها : أظنني أخبرتك بأن والدي لن يعجبه..
فقاطعها بجفاء: إنسي ما طلبته.. وعاد الى طعامه.
عندما عادت الى المنزل كان والدها وحده غارقاً في عمله لا كما تصورته غارقاً في القلق الذي يبدو أن احداً لا يشعر به سواها.
- هل عملت كثيراً ؟
- ليس كثيراً .. لقد شغلني البحث وقتاً طويلاً فأنت تعلمين مدى اهتمامي بانتقاء المفردات .. حسناً كيف كان يومك الاول يا ابنتي بعد سنين من البقاء في المنزل؟
- كان العمل ممتعاً للغاية وإن كان لا يتعدى قبض الاموال من الزبائن، فالعقل لا يكاد يقوم بأي نوع من عمليات الطرح والجمع إذ يحل محله آله تقوم بالمهمة!
- تقنيات عالية .. اليس كذلك؟
عندما هزت رأسها، أخذ يتمتم وكأنه يلعن كل من هو مسؤول عن وضع الالكترونيات والتقنيات قيد الاستخدام بدل الانسان، وعاد الى عمله.
- أتريد فنجاناً من الشاي يا أبي ؟
فرد أنها فكره رائعة .. وقال لها وهي متجهة الى المطبخ أن تتناول غداءاً جيداً.
بينما كانت تشرب الشاي، ووالدها يعمل، فكرت في دعوه آنـدي لها .. تلك الدعوه التي تمنت لو قبلتها. والتي لا تشير الى خبث بل صداقة خالية من الارتباطات العاطفية .. ولكن هل ما تطلبه هو الصداقة؟ أليس التورط مع رجل كهذا هو ما تشتهيه، وما ستقبله بكل شوق إذا ما عرضه؟! تنهدت ثم وقفت تضع الفناجين والابريق فوق الصينية في طريقها الى غسلها. بعد أن انتهت من تجفيفها آلياً، تمنت لو يصبح عملها في شركة لوكربي دائماً، أو أنه لا ينتهي عندما تدق الساعة معلنة الثالثة تماماً.
كانت تنظف الصحون مساءاً عندما حدقت الى الخارج حيث تراءت لها الشمس تؤذن على المغيب وكأنها تقبل على صمت مطبق. فليل الصيف رغم الحركة التي فيه، يبدو لها فارغاً..
بينما كانت تتأمل الفضاء الرحب والطريق الممتده أمامها، شاهدت سياره ضخمة تقف خارجاً. لم تصدق عيناها ما رأتاه فالرجل الواثق من نفسه، الداني من المنزل ليس الا هو!
ركضت تفتح الباب وفي غمره حماسها نسيت أن تخفي شوقها إليه ..
لم تستخدم سوى القليل لمنعه من الدخول: لقد قلت لك .. لا لن أخرج معك لآنني ..
وضع إصبعه على فمها: لم تقولي لي " لا " أو " نعم "، قلت فقط إن والدك.
بحركة سريعة أشارت أن والدها قد يسمعه.. سألها بحركة من شفتيه إن كان يستطيع الدخول، فأجابت بالطريقة ذاتها: آسفـة ! وتنحت جانباً لتدعه يدخل.
توجه بخطى واثقة الى غرفة الجلوس .. أحست بالذعر وتمنت أن يكبت والدها غضبه عند رؤيته، فتبعته مسرعة..
- مساء الخير أستاذ ستون
- مساء الخير سيد لوكربي ..
كان رداً رسمياً مدروساً، غاص قلبها فهي تعرف خير معرفة طباع أبيها، وهو في هذا الوقت يبدو في مزاج غير رائق ..تقدمت لتقف قرب آنـدي الذي قال :
- أتيت أطلب إذناَ منك في استعاره ابنتك.
التقت عينا الاستاذ المظللتان بالالم بالعينين الرماديتين الناظرتين إليه من علو. لكن رد ستانلي كان عنيفاً كما كان جسده فيما مضى:
- هل لي أن أسألك عن هدفك من وراء ذلك؟
- هدفي هو فقط أن ترافقني في نزهة مسائية. أما بشأن نواياي فهي شريفة.
أجفل ستون قليلاً .. فهل خيل له مستقبلاً يعيش فيه وحيداً ؟ وهل إحساسه بأنه لن يقدر على الاحتفاظ بابنته له للابد أخافه!
أدار رأسه إليها ببطء .. لكنه قبل أن يسأل أو ترد قرأ في عينيها كل ما يحتاج لمعرفته. أدار وجهه لآنـدي: كــم ستطول هذه النزهة الليلية؟
التفت آنـدي الى بروك وقال: السؤال لكٍ
فأجفلت وقالت: ساعة، أو ساعتين .. لست أدري، إنها فكرته لا فكرتي!
تنهد تنهيده لا صوت لها، لكنها ملأت رئتي ستانلي ثم أفرغتهما وكأنه يواجه شيئاً قرر منذ زمن الا علاقة له به، الشباب، الحركة، والتمتع بالحياه، قال: إن كنت تريدين الخروج يا ابنتي فلك ذلك.
أحست برغبه في رمي ذراعيها حول عنقه لتأكيد شكرها له. قال آنـدي: احضري معك ستره أو أي شئ آخر.
فهزت رأسها وأسرعت الى غرفتها بينما وقف آنـدي ينظر الى الرأس الرمادي المنحني وفي عينيه كل التعاطف والمشاعر، لكن الاستاذ لم يرَ منها شيئاً!
قال آنـدي: شكراً لك استاذ ستون
- على ماذا سيد لوكربي؟ على رفقة ابنتي؟ إنها تستاهل كل خير وبالنسبة لي رفقتها لا تقدر بثمن.
سمعت بروك الحديث المتبادل، فوقفت تراقب من مكانها، فهل تفوه والدها بهذه الكلمات بدافع التملك أم التحذير؟
تقدمت لتقول: ساعتين فقط يا أبي .. هذا كل شئ
- تمتعا بنزهتكما ..
ظلال الشمس الآفلة بدأت تلقي بنفسها فوق قمم أشجار التلال مسببه بذلك ظلاماً راح يكتسح السهول الممتده حولهما.
لم تكد تصدق بروك أنها حقاً تجلس الى جانب الرجل الذي أسرها وشغل بالها منذ أول لحظة التقت فيها عيونهما.. وسألته: لم تشرح لي بعد سبب مجيئك لأخذي؟
هل حقاً ترغب في الشرح؟ ألا يكفيها انهما هنا معاً ! فهذا بحد ذاته حلم، والمجنون وحده يمزق الحلم ليكتشف مما هو مصنوع!
- لقد قلت إن والدك لن يعجبه الامر، وكان هذا تحدياً لم استطع مقاومته.
إذن السبب تحدٍ ! .. ولا شئ آخر .. حسناً .. تنهدت ثم راحت تتأمل المناظر التي تمر بهما .. كانت غبيه! لقد مزقت حلمها بيدها فإذ بها تجده أوهى من خيوط العنكبوت ..
قال لها: نظريتك لم تقاوم الريح القادمة، أما نظريتي القائلة بأن كل الحواجز قد تذلل فقد حطمت العوائق التي كانت لتعيقها.
كانا يمران قرب نهر الهمبر على الشاطئ الشمالي لبحيره أونتاريو وقد بدأ الضباب يتكون .. يخفي نصف الظلال من حولهما ويضفي الى جمالها بعض الغموض. استدار آنـدي بسيارته بحده ولم يطل الوقت بهما حتى أشرفا من بعيد على أجمل منظر في العالم.. منظر وادي نهر الهمبر الممتد الى البحيرات.
- هل زرت المكان من قبل ؟
- مره واحده عندما قدمنا الى هنا. لقد دفعت بكرسي والدي في الحدائق حتى أشرفنا على منظر النهر.
أوقف آنـدي السيارة وقال: تعالي .. فلنتمشى .. لكن ضعي سترتك على كتفيك فالطقس بارد هنا.
ارتدت سترتها فوق فستانها الصيفي الزهري اللون وتبعته، فاستدار منتظراً إياها.. ماداً يده التي امسكت يدها بتملك فابتسمت له والسعاده تضج في جسدها، ورد لها الابتسامة ضاغطاً بإصبعه على قمة أنفها.
سارا صعوداً الى أن وصلا الى قمة تلة تشرف على الوادي الاخضر الناعم الممتد بمرجاته المزدانة بالازهار المختلفة اللون بين الشجيرات .
جر آنـدي بروك خلفه مبتعداً عن طريق الأقدام الى بقعة منعزله فيها، خلع سترته ليفردها على الارض، فجلس فوقها وربت على الارض الى جانبه بيده .. ولم تنتظر بروك دعوه ثانية، إذ جلست قريبة منه فشعرت به مسترخي العضلات، جائل العينين في الاشجار المنتشره حول التلال، وكأنه يحاول أن ينهل من جمال المنظر وجلاله.
أما هي فلم تستطع كسب شئ من هذا الهدوء الداخلي، وأنىً لها ذلك وذراعه تلامس ذراعها، باعثه فيها من قمة شعرها الاشقر الحريري الى أخمص قدميها شعوراً دافئاً بالتجاوب لقوه جاذبيته التي تنبع من جسده. افكارها لم تقدر على الشرود والطواف بعيداً كما كانت أفكاره. والمشاعر التي تعتمر بطريقة تغض هدوء نفسها كانت جماليه فنية لكنها مع ذلك لم تخل من مشاعر جسدية .. كانت تريد اهتمامه، كل اهتمامه لها وحدها .. آه لو تمد يدها لتلامس ..
- لقد بدأ النهر يختفي في الضباب، إنه مكان شهير للحب في التاريخ.
كتمت بروك تنهيده، معلله نفسها بالصبر لتتوافق مع قطار أفكاره، لكنها أخطأت التعبير عندما قالت: إنه مكان رائع لهروب الاحبة.
فاستدار إليها مبتسماً، ماداً ساقيه .. تدعم يداه جسده: وهل توافقين على الهرب مع الرجل الذي تحبينه؟
انصب اهتمامه كلياً عليها في هذه اللحظة لكنه اهتمام فيه شئ من تعقيد لم تستطع فهمه فأجابت على سؤاله ببطء: ضد إراده عائلتي ؟ خاصة إذا كانت مكونه من فرد واحد وحيد .. كيف استطيع ان اشرح لك؟ السؤال لا مجال لطرحه .. أليس كذلك؟
- لا .. لا مجال لطرحه
سادت لحظات صمت، ثم جلس وأدار رأسه إليها ليضغط مره أخرى بإصبعه على أرنبة أنفها.
- أنف دقيق .. مغرٍ
جذبها من كتفيها إليه فطبع قبلة على أنفها .. ثم أبعدها عنه يتأمل أهداب عينيها الطويلة، وفمها المبتسم، وذقنها المستدير .. وكأنما قرأت أفكاره فهمست: لا يا آنـدي .. لا ..
وحتى وهي تسمع نفسها تردد الكلمات أحست بالاشتياق إليه أكثر فأكثر. أغمضت عينيها وذراعاه تمتدان لتطوقانها .. ودون وعي منها طوقت ذراعاها عنقه .. ولكن عقده الذنب داخلها أخذت تتصاعد، وهي تستجيب لمداعباته .. وسمعت صوتها يقول لها .. والدي .. أنا لست مخلصة له .. أنا أتصرف كالخائنة ..
كانت يداه طوال الوقت تريدان وتطلبان أكثر فأكثر .. وكانت سعادتها تغشي بصرها وكأنها تواجه الشمس في يوم لا غيوم فيه. وأخيراً ابتعد عنها قليلاً ليواجه عينيها قائلاً لها بصوت أجش: لقد سحرتني عيناك الضاحكتان وفمك المغري وشعرك الذي استعار من خيوط الذره الناضجة لونها الذهبي .. إذا طلبت منك الزواج مني .. فماذا سيكون ردك؟
اشتدت اناملها ضغطاً على مؤخره شعره الكث .. كان ضوء النهار قد أخذ يتلاشى حتى صعبت رؤية عينيه ..
فهمست: هل تعرض الزواج علي رسمياً ؟
- أقوم بتجربة ليس إلا ..
غمرها مره أخرى بين ذراعيه .. فردت وهي تشهق وتتمنى لو تقوى على الرد كما يريد قلبها.
- لا استطيع الزواج منك.
لو سألت قلبي، وافكاري لقالت نعم .. نعم .. أرجوك! في العتمة التي حلت شاهدت شفاهه تشتد فوق بعضها.
- لا بد من سبب لمثل هذا الرد المشجع لرجل مؤهل مرغوب قوي مثلي.
- انت تعرف السبب ..
- والدك؟
فهزت رأسها: إنك لا تعجبه .. أتمنى لو أعرف السبب .. لكنه معجب بوالدك..
كما توقعت تدحرج مبتعداً عنها ليستلقي على ظهره، فأكملت: يبدو أنك أنت أيضاً لا تحبه .. فلماذا يا آنـدي؟
- مشاعري بالنسبة لوالدك محايده. ص 88
راح القمر يرتفع فوق سماء مخملية سوداء، فتابعت كلامها: ثمة سبب آخر يمنعني من قبولك زوجاً وهذا السبب ذكرته يوماً وهو ضعف إرادتك أمام النساء الفاتنات.
- صحيح
كلمة واحده جعلت جسدها يرتجف.
- لا أستطيع الزواج من رجل لا أثق به. رجل قد يتركني من أجل امرأه أخرى تروق له.
لم يرد أيضاً. إذا كانت تريد منه الاعتراف بحب لا يموت لها، أو بالاخلاص مدى الحياه فأملها ذاك أصابه الاحباط والفشل. فردت: على كل .. لقد قلت لك، إنني لا أريد علاقة جديده قبل مده طويله، فالخطوبة التي فسختها منذ فتره وجيزه ليست بالامر السهل الخالي من الوقع الشديد على النفس لكنك لن تعرف شده هذا الواقع أبداً، فأنت لم تقع في فخ أي امرأه بعد اليس كذلك؟
رد عليها ببرود: صحيح .. لن أعرف .. دعي عنك الاعذار..
هب واقفاً كالطود ينتظر وقوفها ليأخذ سترته التي التقطها في وقت كانت هي فيه ترتدي سترتها .. تركها وابتعد ..
خشيتها من ان يتركها وحيده في الظلام الدامس جعلتها تركض خلفه. نادته: آنـدي .. آنـدي! لا تتركني وتبتعد !!
توقف ثم سارا معاً، لكن منفصلين، تابعا طريقهما عائدين الى السياره. أمام احتضار انـوار النهار الاخيره بدا الوادي وكأنه ملك حليم يحتوي بين جنباته أسرار الزمن .. ليهمس الى من يرغب في ان يسمع قصة العشاق الذين هربوا معاً عبره ..
إليــــــــــه تستكيــــــن
كان الصباح قد انتصف عندما توقفت سيارتان كبيرتان في فناء محطة الوقود. نظرت بروك اليهما فوجدت ان احداهما سياره بورش زهرية اللون مكشوفة، والاخرى سياره تعرفها جيداً ..
السائق الذي برز من السياره الاولى كان دون شك .. انثى! ثوبها الحريري الزهري، الذي لا بد قد انتقته ليتناسق مع لون سيارتها- كان يلتصق بكل روعة بقدًها الرشيق.. أما السائق الاخر فتقدم من هذه الحوريه وراح يحادتها .. فسألت بروك:
- من هذه المخلوقة الجميلة؟
اجابها تود اجابة سيئة تشير الى سوء طباعه: إنها فتاه آنـدي الحاليه .. فهو يجتذب كل النساء ، الصغيرات منهم والكبيرات .. الفقيرات والغنيات!
مررت بروك لسانها فوق شفتيها ترطبهما: هل هي .. غنية؟
- والدها يمتلك مصرفاً عالمياً.. وهي تدعى سيلينا بايليس، هل تريدين مزيداً من المعلومات؟
هل الرجل الذي يصحب تلك الفتاه الآن هو ذاته الذي باح بحبه لها عند الجبل ليلة أمس؟!! هل هو من قال لها انها سحرته!! أهو حقاً من سألها بطريقة ملتويه عما ستقول لو سألها الزواج منه!! كيف سألها الزواج وفي حياته حوريه كهذه!
دخل زبون فاهتمت به بروك ثم .. دخل آنـدي ورفيقته، وحتى بعد ان خرج الزبون، أبقت بروك نظرها بعيداً عنهما .. وسمعته يقول: تـود .. أرسل من يضع سياره سيلينا في المرآب الخلفي .. أتسمح؟
سمعت وقع خطوات .. ثم قال آنـدي: بروك ..
وارتفعت عيناها تنظران إليه .. ثم لا إرادياً تحركتا الى الشابة المتكأه الى طاولة المكتب جوارها تتأملانها، كان شعرها بنياً كثيفاً، ينسدل من جبهتها حتى كتفيها، شفاهها ملونتان بالاحمر القاتم بشكل مغرٍ، ورائحة عطرها تملأ الجو .. فسألته بروك ببرود: نعم سيد لوكربي؟
- بعد يوم الجمعه لن نحتاجك هنا .. فقد حصل الموظف على إذن من أطبائه لمعاوده العمل ابتداءً من الاسبوع القادم .. وسيدفع لك تود ما ندينه لك من أجر .. لكن ثمة مشكلة ستقع في المكتب الرئيسي.
غاص قلبها للخبر الاول .. الا انها تمالكت نفسها وهزت رأسها بهدوء .. ثم عند ذكره الخبر الثاني أشرق وجهها بالسعاده من جديد ..
تابع: ابن عمي ديفيد لديه مساعده تتوقع ان تلد طفلها بعد وقت قصير، وعليها ان تتوقف عن العمل، فهل يمكنك المجئ لمساعدتنا هنا يوم الاثنين المقبل؟
- عمل مؤقت؟
- لا .. بل دائم.
- آسفة لا استطيع العمل بدوام كامل بسبب والدي .. ولن استطيع توقع أكثر مما يقدمه لنا الجيران من مساعده
قال لها وهو يبتعد : افهمك ..
تحركت معه سيلينا، وتقدمته نحو الباب الذي اوصده خلفهما دون كلمة أخرى ..
واطبقت الغيره على عنق بروك .. وهي تشاهد سيلينا تصعد وراءه مقود سيارته لتقودها الى كاراج التصليح حيث كان آنـدي قد سبقها الى سيارتها الواقفه هناك.. كانت تقود السياره وكأنها معتاده عليها منذ زمن !
تمالكت نفسها لتنظر الى تود وهي تأمل الا يكون قد لاحظ رده فعلها .. لكن التواء شفتيه أعلمها انه لاحظ اكثر مما يجب .. سألها:
وانت ايضاً لأي مدى وصل معك؟ لقد قال انه وجدك في ورطه على الطريق العام .. فما الثمن الذي طلبه على مساعدته لك؟
فكرت .. سأنتقم من أحد آل لوكربي ولو كلفني هذا حياتي .. أجابت:
تدحرج فوق العشب .. عناق حقيقي .. لاشئ لطيف فيه، وطلب زواج !
وانفجر تود: ماذا ! هل صدقته؟؟
قالت متحديه مستمتعه باضطراب تود: ولما لا أصدقه؟ الست جيده لمدير عام شركة لوكربي!
- لم أقصد هذا .. لكن والدك .. أليس هو الاستاذ ستون؟
- أجل ! وما دخل هذا بالامر؟
أشاح تود بنظره عنها محرجاً : لا شئ .. لاشئ إطلاقاً .. انظري آنسه ستون .. لا أريدك أن تتأذي ولا أريد جرح مشاعرك .. لكن لا يمكنك الثقة بآنـدي.
- أبشأن النساء؟
- بشأن النساء وبشأن كل شئ ..
- أتعلم سيد لوكربي .. أنا لا أصدقك
- حسناً .. لقد أوقعته وأنت مخطوبة، فهنئي نفسك ..فأنت أول امرأه أجبرته على طلب يدها .. أعني .. لآنه طلب يد الكثيرات في الماضي لأشياء أخرى..
وفتح الباب فدخل زبون مستعجل، لم يلاحظ مدى احتراق وجنتيها بالدم ، ولا سرعة تنفسها..
أحست بروك بالراحة عندما حل وقت الذهاب للمنزل، واثناء اجتيازها الفناء متجهة الى سيارتها، خطر لها أن يكون تود قد صدق ادعاء خطوبتها فاستدارت عائده الى المكتب: سيد لوكربي .. بشأن الخطبه .. ليس الامر صحيحاً
رفعت يدها وهي تلهث: أترى .. لا أرتدي خاتماً
- عدم وجود خاتم لا يعني عدم وجود خطبة! أعطي آنـدي الوقت لهبك خاتماً ماسياً يليق بملكه
- لا لا !! ألا تفهم ! الامر ليس صحيحاً
- لا شئ مما قلته صحيح؟
- حسناً .. صحيح أنه طلب يدي .. لكن
وأقبلت ساقية من الباب الموصل للمقهى: سيد لوكربي .. أنت مطلوب، إنه زبون يعرفك منذ زمن بعيد وهو لا يجئ الى هذه المنطقة عاده.
- حسناً .. سأحضر بعد دقائق .. ها قد أتى جورج.
كان الشاب الذي سيستلم مكان بروك .. وقال لها مبتسماً: آسف لتأخري .. بإمكانك الذهاب الآن
فابتسمت له بروك وخرجت. عندما وصلت الى المنزل وجدت والدها بمزاج مشرق، كتبه وأوراقه موضوعه الى جانبه وفي غرفه الجلوس فنجانيَ قهوه فسألته: هل أتاك زائرون؟ أم أن السيد هاملتون كان هنا؟
فابتسم وقال: إنه آينر لوكربي .. لقد زارني لتبادل أطراف الحديث.
أخفت بروك دهشتها، لقد قال أنه سيعيد زيارته ولقد وفىُ بوعده
تابع ستون ضاحكاً: لم نتوقف عن الكلام .. كان يخبرني عن طفولته .. إن هذا الرجل لشخصية ممتازه!
لملمت بروك الفناجين الفارغة .. وتابع ستون: وهو رجل طيب .. لكنه ليس بصحة جيده
- كذلك أنت يا أبي
- ربما لكن بطريقة مختلفه. لقد قلت له اننا زوج من العجائز العاجزين!
ضحكت بروك وأشرق قلبها لمعرفتها أن والدها قد وجد صديقاً من جيله، مع أن هذا الصديق كان خلال ثمانية عشر شهراً عدواً له .. ارتابت في أن يكون والدها قد سامح آل لوكربي لما فعله أحد سائقيهم به ، لكن يبدو أنه بينه وبين نفسه قد وافق على الغفران.
قال لها: لدي عمل لك، كاد يكون أكثر لولا مجئ آينر .. لكنني سررت بإخذ قسط من الراحة.
أخذت بروك منه الأوراق المكتوبه، وتابع ستانلي: أخبرني أن ابنه آنـدي سافر الى هاليفكس حيث سيبقى حتى الاسبوع القادم، يبدو أن لديهم مكتباً هناك، فهم يسعون الى توسيع المؤسسة إذ يريد ولده فتح فرع آخر له في أمريكا.
فترددت قليلاً ثم سألته : هل بدأت تحب آنـدي أكثر من قبل ابي؟
- ليس بشكلٍ خاص!
- لماذا لا تحبه؟
- لا أفهم السبب.. ثم شئ ما في عقلي الباطن تجاهه، لكن بما أنني لست ضليعاً بالتحليل النفسي، سأترك الأمر دون تفسير .. هل يهمك حبي له من عدمه؟
فرفعت كتفيها صعوداً ونزولاً في هزه عدم اكتراث مصطنعة: ولماذا يهمني؟ لقد كان ..
وعلقت الكلمات في حنجرتها .. وابتلعت ريقها بصعوبه وهي تكمل: لقد كان لطيفاً معي ، فهو من أصلح سيارتي
توقفت فتره طويله ثم أكملت: أعلمت أنهم لن يحتاجوا الى خدماتي بعد يوم الجمعة .. وبناءاً علىه سأعود للبقاء في المنزل النهار كله.
أمام دهشتها قال: هذا مؤسف .. إذ كنت تغيبين عن البيت بضع ساعات على الاقل .. لقد بدأت أشعر بعقده الذنب لاحتكاري شابه فتيه مثلك في البيت
فقاطعته بتنهيده تسامح: أعرف ما ستقول .. يجب أن اعاشر الناس لكنني راضية بما أنا عليه!
.. حقاً ! أهى حقاً راضية! برزت أمامها صوره وجه مبتسم .. شاهدته للمره الاولى على الطريق العام .. رجل استولى عليها وعلى عمق احاسيسها .. لكن دونما أمل .. علمت أنها أبعد ما تكون عن الرضا .. فهي يائسة من أن يحبه والدها .. يائسة من رؤيته مجدداً .. خاصة بعد ظهور تلك السيلينا .. اوقفها والدها اثناء همها بالخروج من الغرفة قائلاً :
- على فكره .. لقد دعانا آينر لزياره منزله مساء السبت، لتبادل الحديث وشرب القهوه، وقد قبلت الدعوه ولا اعتقد انك ستمانعين الذهاب! لكن لا تستغربي .. فما قبلت الذهاب الا بعد علمي بأن ابنه في سفر.
شعور غريب من الراحة وخيبة الامل امتزجا معاً .. بإمكانها مرافقة والدها دون الحاجة لتحضير نفسها للقاء آنـدي في ذلك المنزل.. أجابته بسرورٍ مصطنع: عظيم! إنه لمن المفيد لك الخروج ساعه أو اثنتين.
وسر والدها، فاستقر في كرسيه ورفع كتابه ليكمل القراءه، بينما توجهت هي الى المكتب الصغير الواقع ما بين المطبخ وغرفة الجلوس، لتبدأ العمل في كتاب والدها.
بعد ظهر الجمعة أعطاها تود مغلفاً فيه راتبها، قال لها ورنة السخرية في صوته: أما زلت دون خاتم؟
- أما أخبرتك ان الامر كان تلفيقاً من قبلي؟
- صحيح؟ وماذا بشأن طلب الزواج ذاك؟ أكان تلفيقاً هو الآخر؟
وضعت المغلف في حقيبتها: نعم .. ولا .. لم أشاهد آنـدي .. فهو في الهالفيكس .. ولا شك في أنك تعرف شؤون أخيك.
- لي ولزوجتي حياتنا الخاصه ونحن في الواقع لا نعرف بما يفكر في فعله آنـدي. هل تعلمين أن زوجتي مسؤوله عن مكتب الشركة الرئيسي؟ وأن ابن عمي ديفيد مسؤول عن قطاع السفر والخدمات فيها؟ ومع ذلك لا أعرف تحركاته!
- لقد قال لنا والدك هذا. آل لوكربي يبقون أعمالهم في يد العائلة، وأنا لا أعرف تحركاته كذلك.
- أجل هذا ما نفعله وفقاً لتقاليد العديد من العائلات الصغيره، فما الخطأ في ذلك؟
- لماذا أنت مشاكس مهاجم دائماً سيد لوكربي؟
- قد تصبحين زوجه أخي، أي شقيقتي قانونياً آنسه ستون، لكنك وقحه بما فيه الكفاية لتتحدثي معي بهذا الاسلوب!
- آسفه على وقاحتي سيد لوكربي .. لكنني أصر على أنك مخطئ بخصوص الجزء الاول من حديثك.
- صحيح؟ ماذا ستفعلين عوضاً عن ذلك؟ .. هل ستعيشين معه دون ارتباط كما تفعل سائر النساء؟
صفقت باب المكتب في وجهه .
يوم السبت مساءاً، تناولت وأبيها طعامها باكراً .. وعندما سألته عما إذا كان يريد تغيير ملابسه قال: وهل سنزور ملكاً؟
- وإن يكن فلقد مضى عليك زمن لم تخرج فيه زائراً لذا اظن أنه من الافضل أن ترتدي البذله التويد التي لم ترتديها مذ اشتريتها.
نظر للخارج، فشاهد السماء وقد اكفهرت بالغيوم السوداء، فتنهد: تكسبين عزيزتي.. لقد كلفتني البذله مالاً كثيراً .. ومن الافضل ارتدائها .. مع ان الطقس يبدو كأنه سينقلب الى عاصفٍ صيفي!
بينما كانت تفتش عن مفاتيح سيارتها، رن جرس الهاتف فغاص قلبها وتمنت أن يكون المتكلم صديقاً يود الاطالة في الحديث، لكن سرعان ما خاب أملها:
- سأصل إليك خلال عشر دقائق.
- آنـدي؟!! لكن .. لكن والدك قال إنك مسافر!!
- عدت ! فهل يزعجك وجودي؟ عشر دقائق .. هل هو وقت كافٍ؟
- لا حاجة لأن تأتي .. فلدينا كرسي متحرك نبقيه فالسياره.. كما يستطيع والدي الوصول الى السياره بالعكازات.
لكنه لم يصغ .. بل كرر: عشر دقائق فقط.
ولم يسر ستون بالخبر: ألم تقولي له أننا لا نحتاج مساعدته؟ ياله من متعجرف حاله حال كل شباب اليوم الآثرياء، يعتادون على تقديم الأوامر ويترقبون الطاعة دون نقاش!
حاولت الدفاع عنه بلطف: لقد قرأت أن الإدارة الحديهة تقوم على هذا النوع من التسلط بوجود اجتماعات مجلس إداره متواصلة والاضطرار للقبول بآراء جميع من له علاقة بالعمل.
قطع كلامها صوت جرس الباب، فذهبت لتفتح فإذ بها وجهاً لوجه مع آنـدي فقالت بتوتر:
- لطف منك أن ..
- أين والدك؟
- في غرفة الجلوس حيث يجلس عادةً ، امنحني بعض الوقت لأعينه على الخروج من كرسيه والاستناد للعكاز ..
كانت تتكلم إليه وظهره إليها، وصل الى غرفة الجلوس ليقول بشكل رسمي: مساء الخير أستاذ ستون.
لهجه ستون كانت جافة ورسمية عندما رد عليه تحيته. فقالت بروك محاولة تلطيف الاجواء: سأحضر سيارتي.
- أنتما ذاهبان في سيارتي
- أوه .. إذن سأذهب لأحضار الكرسي المتحرك و ..
- لا لزوم لهذا ، فلدينا كرسي لوالدك استعرناه له.
- أليس ما فعلوه في غاية اللطف ابي؟
رد ستون وهو يجر نفسه للأمام بواسطة العكازين: جداً .. أظن الفكره كلها فكرتك؟
- بل فكره والدي.
- ياله من رجل متفهم طيب، إنه خير الرجال.
بعد جهد دفع نفسه ببطئ للأمام، وعندما انحنى آنـدي ليحمل الجسد الصغير النحيل المنحني أمام العكازين بين ذراعيه، شهقت بروك، وصاح ستون: بالله عليك! أنزلني! لن أسمح لأحد بأن يحملني .. خاصة..
تدخلت بروك لتخفيف حده الموقف: أبي المسافة الى سيارته قصيرة فهي متوقفه قرب سيارتنا.
أصبحوا خارج المنزل، وكان آنـدي يسير بخطاً ثابته نحو بوابة الحديقة، أما بروك فأسرعت تفتح الباب.. وعندما أنزل ستون للمقعد الخلفي بكل لطف ورقة ، جلست الى جانبه.
- هل أنت مستريح في مكانك أستاذ ستون؟
- أجل .. شكراً لك.
كان آينر لوكربي ينتظر عند باب منزله، يفرك يديه بعصبيه ويراقب ابنه وهو يحمل حمله الرافض المسافة الصغيره الفاصلة ما بين السيارة والباب .. تبعتهم بروك، وما أن دخلوا حتى أدار آينر الكرسي المتحرك ليكون في مواجهه ولده وحمله قائلاً : ضع صديقي هنا يا بني.
أمسك بيد صديقه وأخذ يهزها.
- عظيم .. أنت لا تعلم كم كنت أترقب وصولك.
رد ستون ووجهه محمر من تتالي الاحداث: وأنا كذلك يا آينر.
أمسك آينر بالكرسي محاولاً جره، لكن ولده نهاه وقام عنه بالمهمة ..
فقال الأب: حسناً .. ما رأيك بمنزل العائلة يا ستانلي؟
أجاب الاستاذ: إذا كان بالامكان الحكم على الداخل من رؤية الخارج فأظن أن المنزل رائع .. متى بني المنزل يا آينر . لأنني وجدت صعوبة في تحديد العصر من الرؤية الخارجية.
- منذ قرنين تقريباً. لكن أضيفت الى المنزل بعض الإضافات والإصلاحات.
- هذه الغرفة .. إنها رائعة، فيها ذوق رفيع بكل ما للكملة من معنى، لو شاهدتها المرحومة زوجتي لأعجبتها، أليس كذلك يا بروك؟
هزت بروك رأسها موافقة، فبوجود آنـدي الى جانبها أحست بأن لسانها معقود .. مع أنه ما كان ينظر إليها منذ أن رأها هذه الليلة.
وقال آينر: والآن .. ماذا ترغبون .. ستانلي؟ آنسة ستون .. أم هل تسمحين لي بمنادتك بروك؟
- أرجوك نادني باسمي الأول سيد لوكربي
قال الضيوف ما يرغبون في شربه فسارع آنـدي للقول: دع لي شرف تقديم الشراب بنفسي يا والدي .. بروك .. اجلسي في مكانٍ ما.
لكنها بقيت واقفه .. لن تتلقى منه الأ,امر، فهي ضيفة، واستقر العجوزان معاً براحة .. وعاد آنـدي يحمل صينية الشراب وقال لبروك بصوتٍ هامس: قلت لك اجلسي .. لك كل الحق ..
فانفجرت شفتاها بشهقة مكبوتة: عمَ تتحدث !!
فقال آينر لوكربي ممازحاً : والآن يا بني .. إذا كنت ترغب في همس كلمات حلوه في أذني بروك ..
سارعت بروك تقول: كان يطلب مني الجلوس سيد لوكربي .. في الواقع .. كان يأمرني ..
ضحك آينر ملئ فمه : إنه مرعب عندما يطلب من الناس شيئاً وقد امتلك هذه النزعة منذ أن كان يافعاً، كنت ووالدته على يقين من أنه سيحتل مكاني وكانت أمه تقول لي " إن له تصميمك وعزمك إضافة الى أشياء أخرى لا تملكها أنت كالجاذبية مثلاً " وكنت أرد عليها بأنها كانت في يومٍ ما تعتبرني وسيماً! فهل تظنين أن ولدي بهيٌ الطلعة يا بروك؟
صدمها سؤاله المباشر ، فنظرت للمره الأولى هذه الليله الى ابنه مباشره، ماذا بإمكانها أن تقول؟ أتخبره أنها تجده أكثر الرجال جاذبية ، وأنه أوسم رجل رأته عيناها؟! وأنها تتمنى لو كان قد طلب يدها حقيقة؟ وأنها تحبه .. ثم تحبه ..
أطلت السخرية من عينيه .. لا يعقل أن يكون قد قرأ أفكارها! كان على وجهه شبه ابتسامه وتعبيرُ ساخر.. أيسخر منها؟ لماذا! ألم يسأمها لأنها قالت له إنها لا تثق بإخلاصه لها ؟
قال آنـدي: لقد تأخرت في قول ما في ذهنها .. لا شك في أنها الآن تبحث عن كلمات مؤدبة لتخبرك أنني قبيح كالبطة السوداء !
اصطبغ وجهها بحمره الخجل فاندفعت الكلمات منها اندفاعاً بشكل تلقائي: لا .. لا .. لن أقول شيئاً كهذا بل سأقول إنني أجدك جذاباً بل شديد الجاذبية.
كانت ابتسامة ستون قصيره ولا تدل على شئ ، لعله سامح مالك شركة لوكربي، لكنه لم يزل يحمل لإبنه في قلبه حقداً. يا ترى الأنه السؤول عن الشركة؟
ضحك أينر عالياً على قول بروك ، أما آنـدي فقال وعيناه لا تفارقان عينيها: إن الاطراء لمتبادل.
سأل ستون وكأنه ممتعض من تقدير ابنته للردل الذي يكرهه: وماذا عن ولدك الآخر يا آينر؟
- آه تـود .. إنه أصغر من بروك .. شاب طيب لكنه أقل لمعاناً هنا ..
ضرب بإصبع على رأسه وأكمل : وهو يغار من شقيقه الاكبر .. منذ زمن بعيد ، تود يحب أن يكون له عقل آنـدي وأسلوبه في معاملة الفتيات.
سارعت بروك تقول عابسة: لكنه متزوج سيد لوكربي! لقد ذكرني أن زوجته تدير المكتب الرئيسي.
- آه .. أجل .. إنها فتاه لطيفة، لكن لا شئ مميز فيها .. إن ذكائها ورجاحة عقلها يعوضان عما تفتقده من جمال.
استرخى أنـدي في مقعده وقد مد ساقيه أمامه، ثم قال مبتسماً: أرأيت يا بروك .. لم يمنح والدي أهمية لقوه العقل!
صاح لوكربي الكبير: بالطبع أمنحه، ولهذا جعلتك تحصل على أفضل ثقافه يا بني
التفت ناحية ستون مكملاً: لقد ترقى سلم العلم، وتخرج بدرجة شرف، ثم وضعته في مؤسسة العائلة ليبدأ منذ نعومة أظفاره.
- حرفياً .. لقد أمسكني كتاب تعليمات، ومفتاحاً ثم دفعني تحت كل الشاحنات التي في المصلحة.
قال الوالد مبتسماً بفخر: وهل عارض؟ .. لقد مر بكل هذا بنجاح.
التفت الى ستون: ليست ابنتك غبية يا ستانلي.
فقال آنـدي: أوافقك الرأي ..
رفع كأسه الى فمه وهو يراقبها فسألته: ماذا تعني بقولك هذا ؟
فقال والدها: إنهما يعنيان أنك ذكية يا عزيزتي .. كان أسفي الوحيد يا آينر لأنها لم ترث حبي لعلم الآثار ، إنها ذكية شديده الملاحظة، كانت لتتفوق في هذا المجال لو ولجته وهي الى ذلك صبوره فلولا صبرها لما استطاعت التعامل معي، ذلك أنني منذ الحادثة ما عدت ذاك الرجل ..
توقف عن الكلام وكأنما تذكر أين هو، ومن هما مضيفاه، ماذا فعلا به عبر إحدى شاحناتهم. وقف آنـدي أنيقاً في قميص حريري عليه ربطه عنق مماثلة تتناسق مع ثيابه التي هي مزيج من الازرق والرمادي ليقول: بروك الحدائق مكان رائع الجمال في مثل هذا الوقت من السنه.
كان تلميحاً أوضح من ان تستطيع تجاهله، فقال آينر : هذا صحيح يا آنـدي .. اصطحب بروك لتتنشق الهواء النقي العليل، أما نحن الشابين فسنبقى هنا لنسترجع أيامنا الخوالي!
ضحك لنكتته .. فنظرت بروك الى والدها وكأنها تطلب منه الإذن، لكنها في الحقيقة أرادت كشف مشاعره، فهز رأسه قليلاً ، ففي هذه الظروف لن يستطيع إلا الموافقة.
كانت الحديقة فعلاً خلابة جميلة وواسعة الأرجاء، فيها مرجة تحدها من الطرفين، واحواض زهور مشرقة الالوان، وأشجار واقفة في صفٍ طويل تحد الأرض، وفي نهاية الحديقة تقع شجره توت ضخمة تمتد أغصانها فوق المرجة، توقف عندها آنـدي ليواجه بروك، التي امتدحت العبير العابق المنبعث من الأزهار، أما هو فبقي مشغول البال. وأخيراً تحدث فصدمتها كلماته حتى كادت تنسى ما يحيط بهما من سحر. قال وصوته يحجب تغريد العصافير وصوت الفراغ: قيل لي إننا مخطوبان
فخفق قلبها: من قال لك هذا؟
- الرجل الذي أخبرته انت .. تود أخي
شرعت في الاحتجاج ولكنها عادت فهزت كتفيها.
- لقد قلت لتود أنك طلبت يدي وهو أمر أقدمت عليه فعلاً إنما بطريقة غير مباشرة، ولا يمكنك إنكار ذلك .. أنا قلت له هذا بسبب ..
توقفت وهي لا تعلم كيف السبيل الى تبرير الأمر!
- أرجوك أكملي !
تنهدت تنهيده قصيره غاضبة .. لقد ارتكبت خطأً !!
- آه .. كل ما في الامر أنني أحسست بحاجة للانتقام منك .. من فرد من أفراد لوكربي .. وكان تود شريراً .. إذ راح يغمز ويلمز .. و وكنت قد ابلغتني تواً أنكم استغنيتم عن خدماتي فـ ..
- هل كدرك هذا ؟
لو ذكرت له عمق تكدرها يومذاك دون أن تذكر الغيره التي نهشت قلبها لدى رؤيته برفقة تلك الفاتنة لضحك وأشفق عليها، ولهنأ نفسه على انتصارٍ آخر .. لذا لاذت بالصمت .. فسألها:
- ما هي التلميحات التي قام بها تـود ؟
- لقد لمح انك التقطتني من الشارع .. وهذا صحيح لكنه كان يعنيه بشكلٍ آخر..
- أعرف ماذا عنى .. إنه عنى أنك كنت واقفه على جانب الطريق تعرضين خدماتك.
- وهذا ما فكرت فيه انت كذلك .. اليس هذا صحيحاً ؟!
مد يده ليرفع ذقنها .. وفي العتمة التي تلف المكان دنا منها، وضمها بين ذراعيه ثم راح يمرر يديه على كتفيها وظهرها الى أن وجدت نفسها تزداد التصاقاً به .. ترد له عناقه وكأنها تقوم بذلك غريزياً لا إرادياً فإليه وإليه وحده تستكين.. احست بقساوه ذراعيه عليها توشكان ان تسحقاها. في هذه اللحظة كان من المستحيل إخفاء سعادتها التي قررت أن تكون حيث تنتمي مشاعرها. ودت في تلك اللحظات لو يعينها الضوء على رؤية عينيه لترى ما إذا كان تجاوبها قد أسعده أم لا .. ولم تمضِ سوى لحظات حتى جاءها الرد ..
- نحن خطيبان .. أتفهمين!
- لا .. لا أفهم !!
- اتصل بي تود في هاليفكس ليهنئني ، وفي اعتقاده أنه يغيظني بتوريطي مع امرأه ، لكنني شكرت له لطفه لأنه جعلني أعلم حقيقة مشاعر الفتاه التي أرغب بالزواج منها.
اشتدت ذراعاه حولها ، لكنها تراجعت: أنت لا تعرف حقيقة مشاعري نحوك.. لقد قلت لتود ان الأمر غير صحيح و ..
- ما هو غير الصحيح؟؟
- إنك طلبت يدي، أعلم أنك ذكرت الزواج، ولكن بطريقة مازحة، وتجربة كما سميتها .. مع أنك لم تشرح لي ما كنت تجرب.
أحست بأنفاسه حاره تتسارع على وجهها: أجرب رده فعلك .. قولي شيئاً يا فتاتي الساحره العينين .. هل تحبينني؟
- اجل .. ولكن ..
شهقت مذعوره .. ماذا فعلت بنفسها !! لقد اعترفت له بحبها الذي لم تع بعد أنها غارفة فيه حتى أذنيها .. كم مر من الوقت قبل أن تدرك ذلك! لقد اعترفت به .. وهو حب حقيقي احست به بكل جوارحها .. لقد نمى في داخلها منذ وقت بعيد .. منذ أن التقيا بل ربما منذ اللحظة التي سخرت فيهما منها هاتان العينان وهما تمران على الطريق العام ..
- من دون " لكن" حبيبتي ، أنت لي .. وستتزوجينني.
حاولت التخلص منه دون جدوى .. فقالت: أنت تستعجل الامور! أنسيت سيلينا التي اصطحبتها الى الكاراج! إنها فاتنة .. كما قال تود .. والدها صاحب مصرف غارق في المال حتى أذنيه .. وتابعت المقاومة بينما تابع هو الإمساك بها بأذرع من فولاذ .. فأردفت: ألا تسعى وراء المال! شركة لوكربي قد تكون مزدهره لكن الجميع يعلم ما يحدث للمؤسسات العائليه .. فقد تفلس أو ..
فصر على أسنانه وقال بحزم : سأقفل فمك إن بقيتِ تتحدثين حتى منتصف الليل!
هذا ما فعله، لكن عناقه الآن لم يكن ممتعاً بقدر ما كان متملكاً مؤلماً.
بعد أن رفع رأسه عنها قالت باحتجاج: هذا ليس عدلاً ّ!! ما قلته صحيح .. لقد المح تود
- تود يلمح لآشياء كثيره .. إنها طريقته فالانتقام مني فالحسد يكاد يقتله.
- حسناً .. ثمة شئ آخر قلته لي يوماً ولن تقدر على إنكاره. أتذكر يوم خرجنا معاً للمرو الاولى .. في ذاك الحين قلت إنك ستكون لي إذا قلت أنا الكلمة .. وكنت تمزح بالطبع .. وأنا قلت لك أنني إذا اردت الزواج .. فسأريد من زوجي اولاً وقبل أي شئ ان يكون مخلصاً.
- سأكون يا حياتي .. أقسم أنني سأكون مخلصاً لآنه عندما يجد الرجل المرأه التي يبحث عنها لا يتركها أو يتخلى عنها أبداً .. والآن هل تتزوجيني!
- نعم نعـــم نعـــــم ! فلا شئ يمنعني
- حتى والدك!
ردت بصوت منخفض غير واثق: لست ادري !
- فلندخل ونرى ما سيكون عليه رأيك!
ويداً بيد دخلا غرفة الجلوس .. رفع آينر نظره إليهما، ملئ بالامل والانتظار فقد قال لها: آنـدي إنه يعرف بأمرهما. رفع ستون نظره كان فيها دهشة تحولت لعدم تصديق فكان ان تراجعت مذعورة نوعاً ما ..
- بــروك !
نطق اسمها بحده وكأنه يؤنبها تأنيباً قاسياً، ذكرها بطفولتها عندما كانت ترتكب ما لا يرضيه، آنـدي .. عدوه .. فهل أصبح أنا عدوه له بعد أن يعرف بأمرنا؟ أفزعتها الفكره، فتركت يد آنـدي ، لكنه شد عليها وقال:
- استاذ ستون، هل لي أن اطلب إذنك بالزواج من ابنتك؟
هب آينر عن كرسيه، ليربت على ظهر ولده بكل فخر وحنان أبوي: أنت شاب طيب يا آنـدي فليس هناك اليوم شبان يطلبون الاذن من آباء فتياتهم للزواج .. اليس كذلك ستانلي؟
راحت عينا ستانلي تنتقلان من الاب للأبن، وأخيراً لوجه ابنته .. لقد علق في الفخ .. في الغرفة ثلاثة أزواج من العيون تحملق فيه بانتظار موافقته .. سعت عيناه الى عيني ابنته وسألها : اترغبين في الزواج من هذا الرجل ؟
احست بجفاف شفتيها فحاولت ترطيبهما بلسان أشد جفافاً.
- أبي .. أنا ..
أحس آنـدي بعدم قدرتها على مواجهة الموقف، فاشتدت قبضته على أناملها تشجيعاً، فهمست أخيراً : أريده ... !
وســـــــــــاد الصمـــت !
الرجل الذي كانوا يحملقون فيه ابتسم ابتسامة ضعيفة، ولم يلبث أن مد يداً مرتجفة الى ابنته .. لكن عينيه كانتا كعيني رجل تلقى ضربة مميتة !
لم يشاهد آينر سوى الابتسامة، والمصافحة .. واليد التي ترتجف، وربما ظنها ترتجف من الفرح، انحنت بروك لتقبل خد والدها وهمست: انني احبه يا ابي .. لقد وقعت في حبه !
تقدم آنـدي آخذاً يد ستون، وقال بكل بساطة: شكراً لك
هز ستون رأسه، ثم طفقت ابتسامته تزداد اتساعاً وقبضته تشتد اثناء مصافحته الشاب وقال: أرجو أن تقدرها حق قدرها.
علم آنـدي، كما علم والده أيضاً، أن ستون قد خاض معركة وانتصر .. انتصر كي يحرر نفسه من كراهيته المتجذره في نفسه ضد عائلة لوكربي .. تعالى الضحك و تم تبادل التهاني وفي كل هذا كانت بروك تحاول اخفاء ارتباكها من تطور الاحداث، من الصداقة الجديدة العلاقة الامثلبين العجوزين. بقيت بروك تتساءل متى ستستفيق من هذا الحلم. فيما بعد، وخلال تناولهم القهوة سأل آينر: هل أخبرت بروك عن أمر غياب دايفد وحاجتنا إليها لتحل مكانه يا آنـدي ؟
نظرا الى بعضهما بعضاً ورفع آنـدي حاجبيه: هل ذكرت لك هذا يا بروك؟ دعيني أتذكر .. ماذا كان ردك؟
- أنت تعرفه جيداً !
فقال والده: دعك من المزاح يا ولد! هل كان ردها نعم أم لا ؟
ردت بروك محرجة: لقد قلت لا سيد لوكربي .. لكن أتعلم لم أكن أريد الابتعاد عن المنزل ساعات طويلة.
قال آينر: كنت تفكرين في والدك.. إنها لإبنة طيبة، أتمنى لو تصبح ابنة طيبة لي أيضاً.
ضرب ركبته بكفه الضخم وضحك: لن يمضي وقت طويل قبل أن يصبح لك والدان تهتمين بهما.
ضحك ستون وقد اعجبته الفكرة .. وهذا ما حير بروك .. إذا كان قد سامح الشركة فلماذا لا يسامح الابن؟؟
قال ستون لابنته : ساعديهما في المكتب يا بروك، لن أمانع .. فالسيده والسيد هاملتون لن يعترضا على مساعدتي قليلاً، فهما لا يقومان بهذا مجاناً وهما سعيدان بالمبلغ الصغير الذي يتقاضياه نظير خدمتهم لي.
سألها آنـدي: وما ردك الان؟ هل نبقى العمل في يد العائلة كما تقتضي التقاليد؟
- فليكن ضمن العائلة، فأنا أعرف الان ان ابي لا يعترض !
قال آينر: عظيم ! العمل سيكون في قسم النقل وحركة السير.. قد يبدو العمل معقداً في البداية ، لكن ديفيد بارع في الشرح .. الراتب المعتاد يا آنـدي .. هه؟
- حسناً فليكن أكثر قليلاً .. على كلٍ إنها مخلوقة خاصة .. صحيح انها مساعده جيده لكنها ستصبح زوجة الرئيس !
نظرت بروك الى والدها، فوجدته يبتسم، واستدار آينر إليه : كنت افكر يا ستون .. انت تؤلف كتاباً وبروك و آنـدي قد اصبحا خطيبين وهذا يعني أنهما بحاجة الى الانفراد في الأمسيات، لذا فكرت في أن أعرفك بامرأه تعيش في البلده وهي طابعة ممتازه عملت لدى المحامي المحلي، وقد تركت عملها لترعى أمها العجوز والتي ماتت بعد فتره وجيزة من المرض، وهذه السيده متضايقة من قلة العمل .. هذا ما قالته لي عندما التقيتها في مكتب البريد، انها ارملة في العقد الخامس من العمر ... مثلك تماماً يا ستون.
- تقريباً.
- هل توافق على قدومها لمساعدتك فهي معتاده على مساعده المقعدين.
اجفلت بروك منتظره رد والدها، لكنه لم يظهر ممانعة لما قاله صديقه .. يبدو و:انه يتقبل وضعه أخيراً. سأل ستون: وما اسمها؟
- اسمها مارغريت ويتشفيلد، وتسكن في بيت يبعد نصف ميل عن القرية، وهي تستخدم دراجة في تجوالها.
قالت بروك: أظنني رأيتها في السوق ، فهي تلوح لي كلما تجاوزتها بالسيارة.
فقال آينر بسعاده: هذه هي السيده ! وأنا واثق أنها ستعجبك. سأذهب لأراها وسأطالب منها الاتصال بك .. اتفقنا؟
فضحك ستون: ألست تضغط عليً يا آينر !
رد آنـدي هذه المره: ليس كثيراً .. فلوالدي شخصية قوية .. هيا بنا يا حبي تعالي أريك جناحي ودعي هذين العجوزين يدبران شؤون حياتهما .
وصلا الى جناحه فدخلا أولاً غرفة الجلوس العصرية التي حافظت على شئ من جو الماضي فتحولت المدفأه فيها الى كهف عريض وضع فيه جهاز تلفزيون وتحفاً صغيرة. أما الأرض فكانت مكسوه بسجاده لها ألوان الحريق والأرائك في الغرفة مغطاه بقماش مخملي ذهبي قربها طاولة مستديره منخفضة يظهر بوضوح أنها من الأثريات الثمينه، فسألها: هل أعجبتك؟
انتقلا منها الى الردهة حيث طلب منها أن تتبعه فلما وصلا الى غرفة فتح الباب قائلاً :
في هذه الغرفة أنام وإليها ستنضمين بعد أيام قليلة.
دنت من النافذه في محاولة منها الى اخفاء ارتباكها ولم تلبث أن استدارت متكأه الى النافذه متأمله ما تحويه، تذكرت غرفة نومها البسيطة وتنهدت .. اقترب منها: لم الحزن يا حبي؟ قريباً سيكون كل هذا لك.
وببطء استدارت بين يديه لتنظر من النافذه: لست واثقة يا آنـدي .. أنا قلقة مما قد يحدث لوالدي في المستقبل، لا استطيع تركه وحده يواجه ..
أدارها نحوه ووضع يده على فمها : والدي لديه فكره ما ولاشك في أنه يناقشه بها الآن .. سيقنعه بالمجئ للإقامة هنا ليشاركه في السكن. وأنا على يقين من أنه سيكون خير رفيق لوالدي، والعكس صحيح، هذا دون أن نذكر أن المكان هنا مريح أكثر من منزلكم الصغير.
- مازلت حائره يا آنـدي
- هل تعارضين سكن والدك هنا؟
- لا أبداً .. وكيف أعترض؟ لكن .. كل شئ يحدث بسرعة .. وأنا لا زلت أذكر كل الاشياء التي قالها والدي عن عائلة لوكربي، وكيف كان يحقد على الشركة التي فعلت به هذا .. ومع ذلك فها أنا خطيبة لك .. وها أنت تقترح بكل هدوء أن يجئ الرجل الذي سلبتموه الكثير الى هنا ليعيش معكم .. مع عائلة لوكربي .. أنت لا تعرف ماذا تطلب يا آنـدي !
- بل أعرف تماماً ما أطلب .. أنا أطلب من فتاه جميلة اسمها بروك ستون أن تشاركني حياتي، وفراشي .. أن تتزوجني !
صدمتها الفكره فشهقت: وأن احمل اسمك !
فأبعدها آنـدي عنه غاضباً، فقالت تدافع عن نفسها: أنت لا تفهم يا آنـدي ! منذ سنة ونصف وأنا لا أسمع إلا اللعنات تصب على آل لوكربي من فم والدي .. و اليوم أنا مطالبة بالاعتياد على استخدام هذا الاسم كاسمِ يخصني!
فرد عليها بمراره: لقد اعترفت أنك تحبينني! فهل هذا ما تدعينه حباً !!
قالت بأسى وصوت أجش: آنـدي .. اوه آنـدي ! اجعلني اصدق أن مخاوفي لا أساس لها من الصحة .. قم بشئ ما أي شئ !
اشتعلت النار في عينيه: لن أحتاج لتشجيع أكثر من هذا ..
امتدت يداه الى خصرها ليرفعها الى السرير، شعر بجسدها يهوى إليه وإذ به يرفع قدميها ليمدهما على هذا السرير ثم تمدد قربها. تسللت يداه اليها تدنيانها منه، ثم راحت أنامله تمر على طول عمودها الفقري لتدفعاها الى الاقتراب منه أكثر فأكثر ، أما يداها فأمسكتا كتفيه .. وراحت أناملها تضغط بإلحاح على عضلاته القوية، حتى شعرت بقساوة جسده تحت ملمسها، عندما أصبحت مداعبة حميمة جداً ، تلاشى توترها وتلامس جسدهما في عناقٍ قوي جعلها تشعر بصدرها يسحق فوق صدره .. وأبعدها عنه ليقول بخشونة: أحبك يا امرأه .. اعطني المزيد .. أين تلك الفتاه الدافئة التي عانقتني في الحديقة؟؟
هزها بقوه، ثم غطاها بذراعيه لتشتعل فيها كل مشاعر الرغبة من جديد.. أخذت نبضاتها تتسارع رويداً رويداً حتى أوصلتها حدود الارتجاف.
تراخى عنها قليلاً، وعيناه المبتسمتان تبرقان .. قال: لم هذا الجمود يا حبي؟ هل خاب أملك لأنني لم استجب لك؟
عاد إليها توترها بعد أن احست بالسخرية في كلامه، فامتقع وجهها لا من عناقه كما كان منذ قليل، بل من الغضب: أيه استجابة؟ .. إذا كان بدر مني شئ يدل على التشجيع فذلك وليد حرارة اللحظة ذاتها .. فلم أكن أعني شيئاً.
ابتعدت عنه وكأنها لا تطيق قربه.. وامتدت يده لتعيدها إليه بخشونه: بل كنت تعنين كل شئ .. أنت لي .. أتسمعين؟
أمسك يدها اليسرى: قريباً ستضعين في هذه خاتمي وستصبحين امرأتي ..
- المرأه الثانية بعد سيلينا التي تملك المال والمكانة الاجتماعية التي تحتاجها لأعمال عائلتك !
امسك يدها يلويها وراء ظهرها: أيتها ..
فصرخت من الألم: دعني أذهب ! أكرهك !
عاد الى معانقتها من جديد مجبراً إياها على الخضوع، ساحقاً بهمجية كل مقاومتها، عندما تصاعدت حرارة عنافه، خفت قبضة ذراعه عنها ثم أمسكت يده الحره، تحت نشوه عناقه خصرها فاستجابت له كل الاستجابه. أخيراً ابتعد عنها ثم مد قدميه الى الارض ووقف وهو يضع يديه على خصرها، تنفس بانتظام وعمق ثم ابتسم: أصحيح أنك تكرهينني؟
- وكيف أكرهك وأنا احبك؟
بدا عليه وكأنه ربح معركته، سار نحو المرآه والتقط فرشاه شعر ليمشط شعره المشعث .. ثم تقدم منها ومد يده: تعالي يا حلوتي .. فأنت تغرينني باستلقائك هكذا اكثر مما تتصورين.
ضحك عندما رأى انزعاجها الظاهر على وجهها الممزوج بكبرياء، وقالت: أنا لم أسع وراء رجل قط، ولن أفعل.
رد بصوت خفيض: صحيح؟ إذن يوماً ما ستكتشفين العكس .. لأنني سأجعلك تحبينني ثم أتركك، لتأتي إلىً جاثية متوسلة راجية أن ..
رفعت يديها لتغطي أذنيها، فضحك ونظرت الى المرآه وشهقت من منظرها المشعث، وسألته بخجل: ألديك مشط يا آنـدي؟
فتح درجاً أخرج منه مشطاً زهرياً وقال بسخرية: اللون الزهري للفتيات، وأنا احتفظ به خصيصاً للنساء اللواتي أدعوهن لغرفة نومي.
أخذته بروك ثم أسرعت تتفحصه فتابع ساخراً: هل تفتشين فيه عن شعرٍ بني طويل لفاتنة سمراء! لن تجدي شيئاً ، فمدبره المنزل تغسله بانتظام، لذا يبقى دائماً جاهزاً للمرأه التالية.
فرفعت رأسها بحده: أنت إذن تعني ما تقول .. أنت تستقبل النساء هنا.
- قوليها في صيغة الماضي يا حبي .. لقد قلت لك أنا لست مراهقاً لا تجارب له.
- وهذا يعني أن سيلينا إحدى نساؤك؟
- إذا كانت الغيره تعني أنك تحبينني حقاً فلا بأس بقليل منها، اعلمي أن كل ما حدث في حياتي قبل لقائنا لا شأن لك به.
- قبل لقائنا؟ لكنها كانت معك منذ يومين في محطه الوقود.
تناول منها المشط ليضعه في شعرها، ويسحبه حتى وصل الى أولى تموجاته، فآلمها:
- توقف .. أرجوك توقف!
- لن اتوقف حتى تعتذري!
- أنا اسفة لكنني لا أعرف على ماذا !!
فأرجع المشط، واخذ يراقبها وهي ترتب شعرها، قالت: أحتاج لبعض البودره
- لا أستطيع توفير هذا لك
- لم أكن اتوقع منك .. فكلك رجولة
ابتسمت له ابتسامة تعمدت أن تكون مثيره، فسارع إليها، لكنها راوغته وفتحت الباب مسرعة الى الطابق الارضي .. فأسرع إليها ليلف يده على خصرها: ستدفعين الثمن يوماً ما .. عندما تصبحين تحت رحمتي.
فأسكتته بإصبعها.
أثناء دخولهما غرفة الجلوس بادرهما آينر: وافق ستون على السكن هنا عندما تتزوجان!
التفت ذراعا بروك حول عنق أبيها: هل أنت متأكد؟ ألن تشتاق الى منزلك؟
- قد اشتاق إليه، ولكن هذا أفضل من العيش هناك في وحده أمقتها .. آه لو أستطيع السير ..
تلاشى صوته عند ذكر الموضوع المحرم فقاطعه آينر: لن تشتاق إليه يا صديقي فالمكان هنا هادئ ساكن، سترافقك فيه السيده مارغريت التي وافقت على العمل في طباعة كتابك بسرور وقد وعدت بعد أن اتصلت بها هاتفياً بزيارة والدك يوم الاثنين يا بروك أي في اليوم الذي ستستلمين فيه العمل في قسم النقليات .. هل فعلت الصواب يا آنـدي؟
- سأعود لمكتب هالفيكس يوم الاثنين.
بدت خيبة الامل على بروك: سريعاً هكذا !
التفت ذراعه حولها: آسف حبيبتي .. ما كان يجب ان اعود الى هنا حتى منتصف الاسبوع المقبل. لأنني وسط مفاوضات دقيقة .. لقد عدت ففط لأطلب يدك وهذا العمل أكثر المفاوضات دقة وأعظمها كسباً لي ( وغمز لها بعينه )
عم الضحك الغرفة وكان آينر أول الضاحكين إذ رد رأسه الى الوراء مستمتعاً بهذه النكتة.
عندما وصل آنـدي بعد ظهر اليوم التالي لزيارتها، كان الطقس حاراً .. قبل أن يخرجا، جر آنـدي كرسي الاستاذ الى الحديقة وقال ستون أن بإمكانه مناداه الجيران إذا اراد العوده للمنزل وبناءاً على ذلك تركاه.
أثناء الطريق سألته: الى أين؟
- الى تورنتو .. ثم الى منطقة البحيرات.
- ليتك أخبرتني سابقاً ! لأنني كنت سأنتعل حذاءاً آخر غير هذا الذي لا يصلح للسير!
- لن نبتعد كثيراً، لأنني لا أريد السير كثيراً بل أريد أن اكون مع خطيبتي وحبيبتي على انفراد في مكانٍ خاص أتمتع فيه بالكثير من الحب ..
- قبلة او قبلتان ستكفيانك حتى موعد سفرك.
- يوم الخميس بعيد ولن تكفيني قبلتين أبداً.
- فلندخل الى هنا ( قال ذلك بعد ان اوقف السيارة أمام مجمع تجاري)
- متظاهرين بأننا سواح؟
- ولما لا ؟! لقد مضى سنوات منذ أن جئت الى مكانٍ كهذا.
دخلا محلاً فيه قطع أثرية وحلى فضية وذهبية ذات أحجارٍ كريمة متعدده الألوان وهي قطع نادره فمن المعروف أن منطقة تورنتو هي المصدر الرئيسي لمثل هذه الانواع من الحجارة. والكهوف التي فيها هذه الاحجار اكتشفها السكان الاصليون.
قال لها آنـدي: اختاري خاتماً .. ليكون مؤقتاً خاتم خطوبة، حتى نجد وقتاً نشتري فيه خاتماً أصيلاً.
- أختاره من فضة؟
- بل من ذهب ..
تأمل الخواتم فأعجبه منها خاتماً تناوله من علبته ثم وضعه في إصبعها : إنه واسع قليلاً.
أعطته البائعة خاتماً مشابها أصغر منه قليلاً، يلمع فيه الذهب الذي يحمل حجراً بسيط التصميم، وضعه آنـدي في يدها فوجده مناسباً تماماً.
- وقلاده أيضاً .. من الذهب.
فسارعت تقول: لكن آنـدي ! هذا كثير!
- انا افضل حكم على هذا.
- هل تعرض ثراءك أمام الناس ( ردت مداعبة)
رد بجفاف: سأحاسبك فيما بعد.
ضحكت البائعة، ثم اختارت قلاده تناسب الخاتم. خرجا والخاتم في يدها والقلاده في علبة وضعها آنـدي في جيبه وعادا الى السياره لينطلقا الى منطقة البحيرات.
أوقف آنـدي السيارة بين الشجيرات في مكان مخصص للوقوف والتخييم. ونزلا منها ليسيرا متكاتفين الى مكان بعيد عن الطريق وعن الانظار. خلع سترته ومدها فوق العشب .. فجلست بروك عليها، ضامة ركبتيها الى جسدها، لافة ذراعيها حول ساقيها، شعرت بالسعاده لأنها ارتدت هذا الجينز وهذا القميص القصير الكمين، أخرج آنـدي من جيبه العلبة التي تحوي القلاده، ثم دنا منها فأدارت له ظهرها فرفع شعرها الاشقر وأقفل القلاده حول عنقها، ترك لأصابعه حرية التنقل على عنقها الغض مسبباً لها ارتجافاً وصل إليها تدريجياً وملك عليها عواطفها فكان أن ارتدت للخلف تسند ظهرها ورأسها الى صدره.
همست باسمه فتحركت ذراعاه لتلتفان بنعومة حولها ، وتأوهت ثم مدت يديها الى الوراء لتلفهما من خلف رأسها حول عنقه، تاركة نفسها تتمتع بمداعباته.
ثم لم تجد نفسها الا وقد ارتدت للوراء، مستلقية على العشب حيث لف جسده جسدها وراحت شفاهما تهمسان بروك .. آنـدي مراراً ومرارا وهما يتأوهان سعاده.. فجأه أحست بقساوه الارض تحتها وبالفضاء المفتوح حولهما، وبأصوات الضحكات الآتية من بعيد .. فقالت: لا حبيبي ... ليس الان .. لا نستطيع فعل هذا .. لا يجب ..
- انت لي وانا احبك! .. انت زوجتي فلم لا ؟
إنه لا يعي ما يقول !
- انتظر حتى نتزوج آنـدي !
- لسنا بحاجة للانتظار!
شفتاه الجائعتان ألهبتا كيانها .. لكنها مع ذلك أصرت على موقفها عندها فقط ابتعد عنها وقال: سأشفق عليك هذه المره فقط فمعك حق هذا ليس المكان او الزمان المناسبين .. لكن حذار .. فلست رجل صبور ، وما أريده آخذه .. وأنا أريـــدك.
تركيزه على الكلمات الاخيره جعلت قشعريره تتملكها، فمدت يديها تحيطه وتضمخ إليها .. فضحك: تريديني حيناً وترفضيني حيناً آخر
رفع نفسه عنها ليقف بعد ذلك ومد يده إليها ليمسكها ثم أخذ ينظف بنطالها وقميصها من قطع الاعشاب ..
أثناء عودتهما قال: غداً صباحاً ستذهبين لمقابلة ديفيد ، فهو المسؤول عن قسم النقل.
- هل هو لوكربي
- أجل .. هيا قولي مما تشائين عن إبقاء العمل ضمن العائلة.
فهزت رأسها مبتسمة وتابع هو : هو ابن أخ والدي ، أي ابن عمي الحقيقي .. يصغرني ببضع سنوات ويحمل رخصة قياده شاحنات نقل ثقيلة أيضاً. وأظنه مثلي يفضل قياده الشاحنات على الوظيفة المكتبية، لذا يضع نفسه دائماً على قائمة السائقين.
- وهذا يعني أن مسؤولياته في حال غيابه ستكون على عاتق مساعدته؟
- صحيح .. لكني واثق كل الثقة بالفتاه التي ستساعده.
غطت بروك يده بيدها ممتنة.
رفض دعوتها لشرب القهوة، وقبلها مودعاً بطريقة توحي بالتملك فقالت: أيعني هذا انك لي وحدي؟
فلكم فكها ممازحاً: بكل تأكيد حبيبتي .. تذكري هذا .
- لا أرغب فالنسيان حتى ! انا فعلاً أريد أن اكون لك وحدك.. كان عليك ان تعرف هذا!
أمسكت بيده الممسكة ذقنها وتظاهرت بعض أصابعه فتجنبها بسهولة: عفريته ! أتظنين نفسك آمنه وأنت في سيارة خارج منزل أبيك؟ ماذا يمنعني من متابعة القياده؟
- آنـدي .. علي أن انزل .. افترض أن احدهم يراقبنا!
- وما الخطأ في وداع رجل لخطيبته؟ على كل .. العالم كله يحب مشاهد الحب، خاصة عندما يكون للقصة نهاية سعيده.
لم يكن ديفيد لوكربي يشابه ابن عمه بأي شكل من الاشكال فشعره أحمر بينما شعر آنـدي وتود أسود، كما أن ديفيد متوسط الطول بينما آنـدي و تود طويلا القامة ..
استقبلها ديفيد بالترحاب قائلاً أنه لم يكن يعرف كيف سيدير نفسه بدونها.
شرح لها انه لا يفتقر لغياب المساعده بل لديه نقص في الموظفين فهو يحتاج لموظف نقل يتولى الشؤون المحلية.
قال لها: لدينا قسمان قسم المسافات الطويلة وهذا أنا أتولاه، وقسم التوصيلات المحلية، وحتى نحصل على موظف كفؤ وقادر سأبقى مرتبطاً بإدارته بنفسي ..
عاده يتصل بنا الزبائن ذاكرين تعليماتهم قبل يوم أو يومين من نقل الشحنة، ويرسلون تأكيد حجزهم بالبريد .. زبائننا الدائمون يعرفون كل شئ عن شروط النقل لذا لا يطلبون أي اعتراف منا .
- وماذا عن الزبائن الجدد؟
وفتح الباب بهدوء لكنها كانت مستغرقة جداً في الاحصاء فلم تستدر فتابع:
الزبائن الجدد أو كما نقول الطارئون نبلغهم بشروط النقل قبل بدء العمل .
- وماذا يحدث عندما تصلك الطلبات؟
- يقوم موظف النقل ، أي أنت في حال المسافات الطويلة بتحضير أربع نسخ من كل الوثائق تشمل الفاتورة أي نسخة المرسل إليه، ونسخة المؤسسة أو المستلم ورقم الوصل ونسخة كاملة للملفات.
سمعت صوتاً مألوفاً يأتيهم من الخلف فالتفتت مذعوره لتجد نفسها أمام آنـدي الذي يرتدي ثياباً أنيقة ويبتسم باسترخاء: السائق يعطي نسخة المرسل إليه والفاتوره، وعليها يحصل على توقيع بوصول الشحنة سليمة .. ويعطي الموظف السائقين الأوامر عندما يعودون والشاحنات فارغة خلال اليوم.. وهكذا أصبحت تعرفين يا حبي ولكن يبقى الكثير أمامك لتتعلمي.
قال ديفيد محذراً : لا تفزعها .. أحتاجها لمساعدتي.
- ولكن آنـدي .. لم أتوقع حضورك الى هنا!
- مفاجأه مفاجأه
قبلها أمام ديفيد المذهول وقال: لم استطع السفر دون وداعك .. ديفيد أحبك أن تلتقي بعروسي.
واتسعت عينا ديفيد وفغر فمه: أنت لا تعني .. أنك .. أنها
- هذا صحيح ، إنها خطيبتي
- الاشاعات خاطئة .. لن تتزوج سيلينا إذن.
- ليس سيلينا بالتأكيد.
نظر الى ساعته لينهي الحديث: يجب أن أذهب الان الى هالفيكس
سأله ديفيد: هل ستصل الى الميناء؟
- أجل لماذا؟
- ليتني علمت مسبقاً، إذ ثمة حمولة ستصل الى الميناء غداً. كان الافضل لنا لو قدمنا موعدها، لاننا نعاني من نقص في السائقين الذين أخذ معظمهم عطلات يقضونها مع عائلاتهم.
نظر آنـدي الى نفسه .. ثم الى بروك: بإمكاني أخذ بذلة معي .. سأذهب إذا ذهبت معي يا بروك.
فصاح ديفيد مغتاظاً: اسمع يا آنـدي! لا يمكنك مساعدتي بيد وسلبي المساعده باليد الاخرى!
- حسناً في كل الاحوال لن أصل في الموعد المحدد وعلى عاتقي شحنة علي إيصالها بدل ركوب سيارة سريعة تنقلني بلمح البصر برفقة فتاه تنسيني الوقت.
عانقها من جديد، فتعلقت به غير عابئة بوجود آخر.
وهمست له: عـد بسرعة!
سمعا إقفال الباب ترافقه ضجة مرتفعة .. وبعد لحظات أصبحت بروك وحدها فآندي انطلق الى ما يقصده.
عندما عادت بروك الى المنزل وجدت ان والدها ليس وحده بل برفقة مارغريت. ما أن سمعت المرأه صوت الباب يفتح حتى خرجت الى الردهة وهي امرأة ذات بنية قوية، وشعر مصبوغ مرتب، ووجه زهري مستدير.
امتدت يدها لتصافح يد بروك، وابتسمت بحراره: يسعدني الالتقاء بك .. لقد بقيت هنا لأتعرف بك.
دخلتا غرفة الجلوس، وكان والدها ينتظر رؤيتها فابتسم عندما شاهدها وكأنه وجد ما كان يبحث عنه وقال ببساطة: كنت أعلم أنك ستحبين مارغريت.
فقالت مارغريت وهي تضع سترتها: لقد اتفقنا معاً بشكل جيد! علي الان ان اعود لمنزلي الصغير وأطهو العشاء لنفسي.
- هل يمكنني ان اوصلك؟
- لا شكراَ لا أحب السيارات، تكفيني الدراجة، فهي تبقى جسدي في حال افضل ولا تكلفني شيئاً ، لكن شكراً حقاً .. سأعود صباح غد.
التفتت عندما بلغت الباب وقالت لبروك: أرجو لك التوفيق أيضاَ .. لقد علمت أنك خطبت منذ وقت قصير .. تهانيُ لك .. فتره الخطوبة رائعــة.
ورفعت يدها بالتحية وخرجت، تدفع دراجتها في ممر الحديقة.
قال ستون لدى عوده ابنته للداخل: يوم رائع .. واختيار جيد للمساعده، يجب أن اتصل بآينر لأشكره .
كانت ابتسامته موجهة لنفسه أكثر منها لابنته التي شعرت أنها بدأت تخرج رويداً رويدا من حياته فصداقته لا بد ستملأ عليه وقت الفراغ ومارغريت ستعطيه المساعده التي يحتاج.
كانا يصغيان للموسيقى في المساء عندما رن جرس الهاتف، فخفق قلب بروك بجنون وسمعت على الطرف الاخر:
- بـروك! كيف حال فتاتي؟
صوته العميق حرك مشاعر الاشتياق فيها ، واجابته بابتسامة وعيناها ترقصان:
- بخير حبيبي .. وكيف حال رجلي؟
سمعته يضحك ويقول: عادت لي الحياه عندما سمعت صوتك، يا الهي يا فتاه! لو أنك الآن على مقربة مني لما نجاك من ذراعاي سوى زحزحة الارض من مكانها في رحلة فضائية.
- انه لمن الروعة سماع صوتك حبيبي !
- ارى انك تحبينني بعيداً أكثر منه قريباً !
- بل افضلك قربي
- ما هو القرب الذي تقصدين؟ اهو الذي لا مكان حتى للهواء فيه!
- بل اقرب
حل الصمت متوتراً من الطرف الاخر فتنحنحت: أين .. أين انت مقيم الان آنـدي؟
- في احد افخم فنادق المدينة.
- هل .. انت وحدك؟
ما أن تلفظت بتلك الكلمات حتى ندمت عليها فقد سمعت رده الساخر: في الوقت الحاضر أجل .. وهل كنت تظنين انني اتصلت الخط الساخن؟ ألا تعتقدين ان الوقت لا يزال باكراً على ذلك؟ ربما بعد ساعة أو ساعتين .. عندما اشعر بالوحده.
اشتد احمرار وجهها فصاحت: آنـدي لوكربي ! سأراك في ..
فقاطعها بسرعة: لا يا قمري ، سترينني في منزلك حالما اتمكن من العوده، فهل هذا يرضيك؟
صمتت متعمده، ثم قالت بصوت منخفض: نعم
كسر الصمت قائلاً : ما الخطب؟ هل والدك يجلس قربك؟ بالله عليك! هل هذا مهم! يجب ان يرضى بوجودي عاجلاً أم آجلاً ! الا ان كان ينوى طردي في كل زيارة !
ردت بائسة: إنه أمر في نفسه، ليس موجهاً ضدك شخصياً، بل لآنك رئيس الشركة، كيف له ان يحقد عليك بشكلِ خاص؟
- لكن والدي هو رأس العائلة.. ومع ذلك لا يحمل له الا كل الحب!
- او ه يا آنـدي ! ارجوك .. دعنا من هذا الجدال .. انا احبك .. وإن لم يكن هذا يكفيك .. لتقل هذا ولنفترق قبل أن يحصل المزيد من الخصام.
- بالطبع يكفيني أيتها الحمقاء! حاولي فسخ الخطبة وسترين ما يحصل.
واقفل الخط .. وبقيت هي تحس بالفراغ وصوت دوي الخط المقطوع يدوي في أذنها.
حــقــيــقــــة أقـــوى من الحــــب
كانت بروك جالسة الى طاولة مكتبها عندما أطلت عليها امرأه بادرتها قائلة: إذن أنت آخر نساء آنـدي !
كانت المرأه تميل الى السمنة، ترتدي قميصاً بنياً فاتحاً، وتنورة بنية قاتمة، لكن منظرها لم يستفد من أي شئ ترتديه، ومع ذلك بدت وكأن هذا الواقع لا يزعجها !
ابتسمت بروك بارتيابٍ جزئياً، لأنها لا تعرف هوية تلك المرأه، ومن ناحية أخرى لأن الكلمات دون شك قُبلت في سبيل الحصول على معلومات اخرى .. تابعت المرأه:
أنا سوزي .. زوجة تود .. أنت لست من الطراز المعتاد عليه ! فنساؤه عادهً من النوع الملتهب، وأتساءل كم من وقت سيبقيك معه!
دفع الغضب بروك للإجابة بحده: نحن مخطوبان.
ردت المرأه ببرود: هه .. هذا ما سمعت ! أتمنى لك الحظ لأنك ستحتاجين إليه حقاً .. كما ستحتاجين الى مخالب لتنحية القطط عنه هذا إن لم أقل لمنعه من التسكع!
زوجة تود كما قال حماها، ليست شيئاً يُنظر إليه، لكنها تجمل ما ينقصها بالذكاء الذي لا يخلو من المنطق، لكنه لم يكن يعلم بمرارتها، وهذا إحساس يتغلب كثيراً على المنطق، بالنسبة لابنه الآخر على الأقل .. فهل يمكن أن تكون هذه المراره خافية في طياتها شيئاً من الإعجاب؟
هل أحبت سوزي يوماً أن تكون إحدى نساء آنـدي، لكنها رضيت بتود؟
أم أن كلماتها قبلت بإخلاص؟ هل تحاول بطريقتها الفظة أن تحذر الفتاه التي أخذت عرض آنـدي للزواج بجدية وتعتبر نفسها خطيبته؟
ردت بروك بصبر: الذي حدث أنني أحبه، وأتمنى أن استطيع بهذا الحب الحفاظ عليه بعيداً عن النساء الاخريات اللاتي قد يسعين إليه، لكن شكراً على النصيحة التي أشك أنني سأحتاجها يوما.
نظرت سوزي إليها، وقد ظهر دهاؤها فقالت معلقة: أمعنت التفكير في الامر ويبدو أن آنـدي هو من سيحتاج للحظ معك!
فابتسمت بروك: إذا كان هذا إطراء ..
- هذا هو بالضبطمنتدى ليلاس
- شكراً لك إذن!
بدا على سوزي أنها أرادت قول المزيد، لكنها هزت كتفيها وابتعدت. مر اليوم سريعاً ما بين اعمال عديده وجب انجازها وأسئلة أكثر تطلبت الرد. ولتوفير تلك الردود كان على بروك طلب النصيحة، وصل سائقون بشاحنات فارغة، فطلبت منهم الذهاب الى ورشة التصليح للكشف على الشاحنات وإعدادها مجدداً للرحيل.
عندما عادت للمنزل، استقبلتها مارغريت مسارعة بالقول: أتضور جوعاً ! وقد دعاني والدك للغداء ، أتمانعين؟
- لا شئ قد يسعدني أكثر!
تعاونتا على تحضير الطعام، فكان أن جرى الحديث بينهما بسهولة وهو أمر لا يصدق إذ كيف أخذ كل شئ موضعه بيسر منذ أن خُطبت لآنـدي! لكن كل شئ كان حقيقة لا وهماً.
بعد ذهاب مارغريت، جلست واباها يستمعان لموسيقاه المفضلة، لكن قلقاً بدا يتغلغل في نفسها، قلقاً مرده الى خشية من الا تصلها المكالمة المنتظره، بدأ الشك يعلو ويهبط، وبدا لها مؤكداً أن المكالمة من آنـدي لن تحدث ولو انتظرتها حتى منتصف الليل.
بينما كانت مستلقية في الفراش مفكره .. تساءلت عما إذا كانت سوزي على حق فيما قالت؟ فبدلاً من أن تكون زوجته القادمة، هي الآن مجرد زهره في باقته.. وعندما تذبل .. سيرميها ..
توقعت بروك كل يوم أن تستقبلها مارغريت في المنزل! فتلك المرأه تنسجم انسجاماً تاماً مع والدها خصوصاً من الناحية الفكرية. فمنذ خطوبتها لم تعد تستطيع تجاهل التوتر الدائم في الجو بينهما، وقد أزعجها هذا الوضع لكن ستون لم يكن يختلف مع أحد، خاصة مع ابنته المحبوبة، وهكذا بدا التوتر يتراكم بدلاً من ان يتلاشى عن طريق صدام قد ينقي الاجواء بينهما.
ذلك المساء بقيت مارغريت معهما ساعتان إضافيتان، وكانتا تنظفان الصحون عندما قالت لبروك: هل تمانعين؟
- انا سعيده بوجودك بيننا مارغريت على الاقل بإمكاننا تجاذب أطراف الحديث، فأنت عطوفة ومتفهمة.
- أوليس والدك عطوفاً متفهماً؟!
- ليس مثلك .. صحيح انني افتقد امي .. لكن هذا لا يعني انني غير مولعة بوالدي!
- أعرف ما تعنيه.. عندما تتحدثين معه تحسين انك تحاولين جاهده جذب مرساه سفينة من أعماق المحيط.
فضحكت بروك: إنه دائماً غارق في أفكاره .. ما أنه يصغي الي بصبر عندما أتحدث معه عن عملي في شركة لوكربي، لكن ما أن اتوقف حتى يعيد رأسه للجريده أو الكتاب!
- حسناً عزيزتي .. بما انني هنا الآن، لك حريتك في التحدث معي متى شئتِ ، سأخرج لأجلس مع والدك قليلاً.
نظرت بروك في ساعتها: هل يمكنني .. كنت أفكر في القيام بنزهة بالسيارة..
أجابت مارغريت وهيمنتدى ليلاس تنظر من النافذه: إنها امسية رائعة للنزهة .. سأبقى برفقة والدك .. فلا تقلقي من أجله.
أحست بروك برغبة في معانقتها، لكنها وضعت يدها على ذراعها شاكرة، ثم ركضت الى غرفة الجلوس: لن أتأخر يا أبي.
هز رأسه بعد أن رفع عينيه عن كتابه.
عندما وصلت الى محطة تعبئة لوكربي، عبأت خزان وقود سيارتها، وأبعدت سيارتها ثم أوقفتها، كان تود في مكتب المحاسبة، أمامه مجلة أسبوعية غارق في قراءتها، عندما فتحت الباب، رفع رأسه متوقعاً رؤية زبون، لكنه ما أن شاهد بروك حتى اعترى وجهه تعبيراً مقلقاً، فقالت له: لا تبدو مسروراً برؤيتي !
دفعت ثمن الوقود، وعندما أرجع لها بقية المال قال : أنت تتوهمين .. كيف تعاملك الحياه؟ هل اشتقتِ لحبيبك؟
- جداً .. ألا تشتاق لسوزي؟
بدا كأنها تفوهت بما هو خاطئ .. فأي نوع من الزواج بينهما يا ترى؟
رد عليها بصوتٍ بارد : إنها لا تبتعد عني أبداً حتى اشتاق لها.
فابتسمت له: تود .. أتمانع لو استخدمت الهاتف؟
فنظر الى وجهها الزهري، ثم بغرابة الى عينيها وقال بصوتٍ حاقد: شقراء .. زرقاء العينين .. أنت تملكين كل شئ، وأنا على ثقة من أن الاخ آنـدي سوف يمتص آخر قطره من عصيرك الأنثوي.
- شكراً على الإطراء الذي يخالف إطراء زوجتك التي شبهتني بزهرة يضعها آنـدي في عروة سترته حتى إذا ما ذبلت رماني، أما أنت فتشبهني بعصير دائم في حياته!
- ها هو الهاتف هناك استخدميه، لكن دعيني وشأني.
- عذراً على الازعاج!
التقطت الهاتف ثم تأهبت لطلب الرقم .. لكن ما هو الرقم ؟!
كيف لها الاتصال بأفخم فندق في المدينة وهي لا تعرف حتى اسمه!
أعادت السماعة الى مكانها، ثم التفتت بسرعة الى تود : تود؟ في أي فندق ينزل آنـدي عندما يكون في هاليفكس؟
انخفضت المجلة، وامتدت ابتسامة خبيثة على فمه: لنفترض أنني لان اخبرك؟
- إن لم تخبرني عدتُ الى المنزل.
- منتظره ساعاتٍ طويلة حتى يرن جرس هاتفك؟ هل نسيك ليلة أمس؟ أيتها الطفلة المسكينة ؟
سخريته هي الشئ الوحيد المشترك بينه وبين شقيقه .. رفعت بروك رأسها، وسارت نحو الباب.
- حسناً .. إنه فندق "البطة الذهبية" .. هل سمعت عنه؟
- أجل .. فالأغنياء والمشاهير ينزلون فيه
- لخطيبك ذوق مرتفع وباهظ في كل شئ إلا في المرأه التي اختارها .. إنه رجل عاقل يعطي زوجته البنسات، أما النساء الاخريات فيعطيهن الشيكات الدسمة لقاء .. خدماتهن ..
- إنه يحب الإحسان .. فلما أنت مغتاظ يا تود؟ شخصياً أعتقد أن زوجتك كثيره عليك ..
اتجهت الى الهاتف ثممنتدى ليلاس أغلقت باب الغرفة وراءها .. واستغرقت ثلاث دقائق لتجد رقم الفندق، ثم أمضت وقتاً أطول حتى وجدوا لها الرجل المقصود، ثم سمعته يقول: لوكربي يتكلم ..
وجدت نفسها صامتة، وسمعت أنفاسه ثم صوته يقول: ما هذا بحق الجحيم؟!
وجدت صوتها أخيراً فقالت: آنـدي .. هذه أنا بروك .. لم تتصل بي ليلة أمس ..
- لا
- هل كنت مشغولاً؟ ألهذا لم ..
- كنت مشغولاً جداً
- ومع من كنت؟ مع سيلينا ؟
- هكذا يكون الكلام يا حبي
- إذن لقد كان تخميني صحيحاً!
- متى قلت هذا؟
- توقف عن التلاعب بأعصابي آنـدي! حسناً .. قد يكون لك نساؤك لكن اعلم أنني لن ابقى على علاقة معك، لآنني أريد من الرجل الذي سيتزوجني أن يكون مخلصاً ولي وحدي.
- وهل تحبينني؟
- بالله عليك! انت تعرف هذا !
- الا يجب أن نثق ببعضنا ما دمنا مقدمين على الزواج؟
- حسناً .. أنا آسفة .. لكنني بحاجة لسماع صوتك.
- صحيح يا حلوتي؟ وقد سمعته الآن فكيف تشعرين؟
- أوه آنـدي ! متى ستعود؟
- هل تتوسلين الي! أما قلت انك لن تتوسلي لرجل يوما!!
- آنـدي لوكربي .. سأقفل الخط في وجهك .
لكنها لم تستطع .. بل صمتت ، علم أنها لا تزال على الخط: تأخذين حريتك في الكلام الليلة هل خرج والدك؟
- أتحدث من محطة الوقود.
- هل تكرم تود فسمح لك؟
- أجل .. وهل يزعجك أن تدفع شركتك ثمن المكالمة؟
- بل على العكس لأن ذلك يخولني التحدث اليك مده أطول.
دخل زبون للمكتب، وتمكنت من سماع حديثة مع تود بجلاء، وهذا يعني أن تود بدوره يسمعها .. واكمل آنـدي: عندما نلتقي مساء غد، لابد لنا من الانفراد لآنني عندما أضع خاتم الخطوبة الذي اشتريته في اصبعك، سأطالبك بكل الحب الذي تشعرين به نحوي.. واعلمي أن مطالبي تلك لن يكون لها حدود أتفهمين؟
- آنـدي .. يجب أن أذهب الآن، تود هنا يتحدث مع شخص، ولابد أنه سمع كل شئ قلته لك.
- فليسمع! لأنه إن لم يسمع، قد يخترع أشياء.
- الى الغد إذن حبيبي .. في أية ساعة؟
- الثامنة .. في منزلي
- تصبح على خير حياتي.
كان تود وحده عندما انضمت إليه بروك: إذن انت تحبينه حباً صادقاً !
- أجل أحبه .. أغريب أن أحب خطيبي؟
تفرس فيها بعض الوقت: هو لم يخبرك بعد إذن!
- يخبرني ماذا؟
اشتدت قبضتاه فوق الطاولة: عن حادثة والدك؟
- وماذا بشأنها؟
- إنه سر عائلي .. حقاً ، لكن بما أنك ستصبحين فرداً من العائلة قريباً .. ظننت أن عليك أن تعرفي ..
- ألا تظن أن من الافضل ترك الأمر لآنـدي؟
- أشك انه سيخبرك ..
- حسناً .. ما هو هذا الشئ؟
- لقد كان آنـدي هو قائد الشاحنة تلك الليلة
- أية ليلة؟ انت لا تعني ..
ترنحت بروك ، ووضعت يداً مرتعشة على الطاولة لتسند نفسها .. احست بيدها بارده وروحها بارده كالجليد .. ودخل زبون ثم خرح .. وساد الصمت، وبدأ تفكيرها يعمل من جديد .. لقد قال لها آنـدي : إن لم يسمع تود .. لاخترع شيئاً..
- لا أصدقك ..
- اسألي آنـدي إذن .. الامر أصبح كشبح العائلة
كان عدم التصديق حبل نجاتها الوحيد .. وعادت تسمع صوتها من جديد: لا أصدقك!
عند الباب التفتت فشاهدت البسمة الشريرة على وجهه، فقالت متحدية: أنت فعلاً تكره آنـدي !
- أكرهه! أعترف أنني أحسده على كل شئ يمتلكه ولا أمتلكه أنا لكن
- وتحاول جهدك سلبه إياه أليس كذلك؟
- أنت للان لم تصدقي ما قلت .. اسأليه .. فتأتكِ الحقيقة
ستواجه آنـدي بالواقع، لكن ألم يقل لها بأن تود يخترع الامور!
أوَ لم يحاول خلق المشاكل بينهما عندما أخبره عن أمر الخطبة!
كلماته التي وصف بها أخاه وأخلاقه، سيبقى لها الاثر الاكبر حتى تواجه آنـدي مطالبته بالحقيقة.
انكبابها على العمل في مسؤولية قسم الشحن أثناء غياب ديفيد، الذي رحل ليوصل حمولة مستعجلة، أبقى قلقها بعيداً عن التفكير .
بينما كانت تقود السيارة الى المنزل ذاك المساء، عاد قلقها يستولي على ذهنها، كانت قد بدأت تعد الساعات لعودة آنـدي، وها هي الآن تعد الدقائق .. ماذا لو أن ما قاله تود حقيقي ! ماذا لو أن آنـدي المذنب!
ولأن والدها غرق في كتابه بعد رحيل مارغريت، بقيت بروك وحدها تفكر، مراقبة عقارب الساعة، بخوف وتوتر لا بسعاده كما كان مفترضاً. لكن هذا التوتر أقعدها وجعلها أسيرة الظنون.
في السابعة والنصف دخلت غرفة نومها لتبدل ملابسها.. وبينما كانت تنزل السلم .. رن جرس الهاتف .. أهو آنـدي يطلبها لإلغاء الموعد!
- آينر يتكلم .. هل والدك على استعداد لاسقبال الزوار عزيزتي؟ لا أريد فرض نفسي عليه إذا لم يكن مستعداً.
- من المتكلم يا بروك؟ (سأل والدها من غرفة الجلوس) وتابع: أهو آينر ؟ أطلبي منه المجئ ليؤنسني أثناء فترة غيابك.
- سمعت ما قاله، أنا قادم بكل سرور (قال آينر)
قبل أن تستفهم عن آنـدي ، كان آينر قد أقفل الخط!
وصل آينر بينما هي تستعد للرحيل، وعندما فتحت له الباب، رفع ذراعيه الطويلتين ليضعها حول كتفيها، وجذبها إليه قائلاً آنـدي ينتظرك، سمعته وهو يذرع غرفته وكأنه أسد مسجون بانتظار زوجته !
فضحكت ناسية توترها وقالت: لم أصبح زوجته بعد !
- ربما .. لكنك ستصبحين .. والآن اذهبي .. سأدخل وحدي .
بينما كانت تركض باتجاه سيارتها ناداها: سأبقى هنا حتى تعودي.
انطلقت تمضي حثيثاً، كانت شمس المساء قد أوشكت على الاحتضار لكنها تركت بصمة على الجبال العالية، شعرت أن معنوياتها مرتفعة في هذه اللحظة كارتفاع هذه الجبال. وكأنها ميقنة ان آنـدي سينكر كل الذي قاله تود.
فتح آنـدي الباب فوجدت أنه لم يبدل بزة العمل! ما زال على قسماته ملامح رئيس العمل ! ارتفعت عيناها الزرقاوان الى عينيه بارتباك لكنها وجدت فيهما ترحيباً.
مد يده يتحسس ذقتها، ثم ارتد قليلاً للوراء ليتأمل كل حنايا وجهها .. قطعة قطعة، ثم انحنى إليها فضاعت، رفع رأسه مرة بعيداً عنها ثم عاد إليها يطلب المزيد .. كأن شيئاً لن يروي ظمأه إليها.
أخيراً ابتعد عنها ممسكاً يدها جاراً إياها الى جناحة الخاص ثم دخلا غرفة الجلوس ففتح فيها درحاً أخذ منه علبة فتحها وتناول منها خاتماً ثم رفع يدها التي لم يتركها لحظة ونزع الخاتم الازرق ليضع مكانه خاتم الخطوبة الرسمي وقال: إنه من الزفير والماس، لم أنس قياس اصبعك.
برقت عيناها أكثر من الماس.
- آنـدي إنه رائع الجمال! لكن كم ثمنه؟
- ماذا يهم ! والفتاه التي ستضعه أغلي عندي من ماس العالم كله؟
- صحيح!
- انت تعرفين يا غالية
راقبته وهو يخلع سترته ثم يرفع كميه لتبرز عضلاته القوية، ها هما اليدان القويتان اللتان تديران مقود شاحنه بسهولة ..أو انهما اللتان ربما فشلتا في تجنب صدم رجل مؤديتان لإقعاده مدى الحياه ..
- ألم تجدي الشجاعة بعد لتسألين؟
اتسعت عيناها للسؤال، وعلمت أنه علم باتهام تود له، وها هو يتحداها أن تسأله .. أيجب أن تواجهه الآن ؟ بعد فتره قصيره من جمع شملهما .. في وقت هي في شوق الى حضنه؟
- الشجاعة؟ لست أحتاج الى الشجاعة يا آنـدي .. بل للحظة المناسبة.
- ماذا عن الآن؟
- حسناً .. أرى ان تود أخبرك أنه أعلمني بشأن الحادثة.. وأنك أنت السائق الذي كان يقود الشاحنة تلك الليلة.
- تقولين هذا وكأنك صدقته! فهل حكمتي علي في تفكيرك بالإدانة مسبقاً ! من دون ان تسمعي دفاعي؟
صرخت فيه، كالشاه التي تعرف أنها على وشك الذبح: آنـدي .. لا تكلمني بهذا الاسلوب ! لقد أكد لي تود أن ما يقوله صحيح. وأن الامر أصبح كشبح العائلة. وأنه سر يجب أن أعرفه لالنني سأصبح فرداً منها، وقلت له أنني أريدك أنت أن تخبرني ، لأنني لا أصدقه ، فقال إنني آخر شخص قد ترغب في إخباره!
حدق فيها آنـدي ، ثم ابتعد عنها ينظر للخارج حيث بدت الحدائق الجميلة تستحم تحت آخر قطرات الشمس الذهبية.
همست وقد خاب أملها من رده فعله: آنـدي .. إنها ليست الحقيقة .. أليس كذلك؟
لم يرد .. فركضت إليه تحيطه بذراعيها، تضغط وجهها الى ظهره.. تحمل إليه يأسها، و مد هو يديه الى ذراعيها يزيحها عنه: إنها الحقيقة فما أنت فاعلة؟؟
ارتدت مذعوره .. وتلاشى كل لون من وجهها، توقف فتوقفت وقالت بصوت بدا غريباً عنها: مع ذلك تركتني كل هذه المده أؤمن بأن الفاعل شخص آخر! وهززت كتفيك تخلصاً من المسؤولية! بالنسبة لك ما كان والدي أكثر من حادثة عرضية .. أنت لم تعتبر الحادثة أكثر من أمر مؤسف مر بك .. حولته سريعاً الى شركة التأمين !
- لكنه اعترف بمسؤوليته ! وهذا ما كنت تعرفينه دائماً ! إنه المخطئ يا بروك! ثمة شهود على ذلك .. لذا لم تكن أمامه قضية يتمسك بها.
- حسناً .. أقبل كل هذا .. لكن تصرفاتك هي التي أزعجتني .. كذبك .. خداعك .. لماذا يا آنـدي .. لماذا لم تخبرني! وهل أخبرك أنني كنت وراء مقود الشاحنة التي صدمت والدك؟ وهل سيكون لهذارفق بالنسبة لما حصل بيننا؟
- نعم .. سيكون آنـدي نعم سيكون! ألا ترى؟؟ لا استطيع الزواج من الرجل الذي حطم آبي .. ولن أشعر فقط بالاشمئزاز منه ، بل والدي سيستمر في حقده عليه مدى العمر! ولن يقبل بك صهراً له بعد الآن .. وأنا لن أدعه وحيداً أبداً.
بدأ يتحرك نحوها مره أخرى، فتراجعت وفي أعماقها خوف غريب يتزايد .. رأته يفك ربطة عنقه، ثم أزرار قميصه .. ويقول بصوتٍ منخفض: هل أثير اشمئزازك آنسة ستون؟ لقد عرفت الآن ما عرفته .. فهل التفكير في أن يداي على وشك ملامستك يجعلك تنكمشين رعباً ! هاتان اليدان اللتان كانتا السبب في مصاب والدك؟
فصرخت به: توقف عن ذلك!
وبدا وكأنه رجل آخر ، مخيف .. ساحر .. أرادت الهرب منه لكنها أرادت أكثر الهرب إليه .. ووصلت في ارتدادها الى خزانة فاستندت إليها .. ثم أصبح امامها فجأه يضغط بجسده عليها، وأخذت ذراعاه في جذبها إليه بقسوة صعبت مقاومتها ، ارادت ان تقاوم على الاقل حتى تلتقط أنفاسها! ومن بين أسنانه قال: لقد قلت لك بروك .. بعد ان اضع خاتمي في إصبعك لن يكون هناك حدود لمطالبي .. وها هو خاتمي في يدك وسأفي بوعدي.
بدا جداً غاضب .. لكن لماذا؟ لما يغضب منها؟ فهو من ارتكب الجريمة لا هيّ .. فكيف يلومها على رفضها له بعد معرفتها بالحقيقة؟ بعد أن علمت كم هو مخادع..
ورفعها بين يديه دون أن يبالي بمقاومتها .. ثم أحست بنعومة الفراش تحتها .. وبثقله عليها: سوف أنال منك .. سأنتزع هذه الطهارة البادية في عينيك وأجعلك ملكي بشكلٍ كامل .. حتى لا يفكر غيري فالاقتراب منك مستقبلاً.
كان عناقه وحشياً.. ويداه قاسيتان تعاقبانها .. ناقلة إليها ذلك الالم الذي يشعر به. وأخذت حراره رغباته تغلي الدماء حارة في عروقها.
أحست بالضياغ من شده حبها له، إنها تريده بشده .. أن تصبح جزءاً من كيانه، أن تمنحه ما يريد، دون الاهتمام بخشونة معاملته لها.
وبينما كانت تقاوم مشاعرها شهقت تريد الوصول الى ارض أكثر صلابة من التفكير السليم، ولكن ذلك كان صعباً .. كانت تعلم أن الوقت لن يطول قبل أن يستسلم جسدها له .. كما استسلم قلبها منذ زمن .. إلا أن عقلها استمر متعلقاً بأمل انتصار المنطق .. عندما احست بضعفها أمام قوته .. علمت بأن المحتوم على وشك الوقوع لا محالة.. وراحت تبكي وترتجف في مشاعرٍ متناقضة من النشوة والخوف .. وتدفقت دموعها تبلل وسادته وتغطي وجهيهما معاً .. لا بد انه مثلها .. أحس بطعم الملح في فمه ، لأنه رفع رأسه وأخذ يحدق في وجهها وكل عضلة في فكه تتحرك، تدحرج فوق السرير مبتعداً .. ليستلقي على مسافةٍ منها محدقاً في السقف!
بأنفاسٍ متقطعة قال: إذن أنا اثير اشمئزازك إيه!
سخريته في هكذا موقف كانت مماثلة للإهانة الجسدية تماماً!
ببطء .. نزعت خاتمه .. ووضعته فوق صدره الذي استكان ، فأخذه ورماه أرضاً بعنف .. فتحركت واستلقت على وجهها محاولة بفشل إخفاء دموعها..
وقف وزرر قميصه، ثم ملس شعره بيديه ، متجهاً الى النافذه قال: الافضل لك أن تذهبي .. لا أريدك زوجة لي بعد اليوم ..
وعادت تستلقي على ظهرها ممسكة أطراف قميصها صائحة: كيف أقدر أن أثق بك آنـدي ! لقد اعترفت بصحة ما قاله تود!
نظر إليها نظره عميقة وخرج.. اخذت الافكار تتسارع في رأسها.. هل ستبقى فالعمل لديه بعد اليوم ؟؟ وهل سيستمر والده صديقاً لوالدها ؟؟
عندما عادت لرشدها أدركت أنها لازالت مستلقية على فراشه لا على فراشها.. أجفلت ووقفت فوراً تنتعل حذائها، عندما نظرت في المرآه احمرت من رؤية شعرها وثيابها في أسوأ حالاتهما.
سارعت لترتيب شعرها وثيابها .. وما هي الا لحظات حتى فتح الباب وعاد آنـدي: هل تريدين المزيد؟ هل كنت تنتظرين عودتي إليك في الفراش؟
قررت عدم الرد، والتفتت للمرآه وعادت تمشط شعرها قائلة: أرجو ألا تمانع في استخدامي هذا.
- بما أني استحم يومياً فالمشط نظيف.. ويناسب ملكة .. ليس أنت
الكلمتان الاخيرتان كانتا تحملان نوعاً من الازدراء فاستدارت نحوه: لما انت هنا؟
- هذه غرفة نومي إن كنت تذكرين! وانا من علي سؤالك؟!
- انت من جئت بي الى هنا!
- جئت بك للحب
- الذي انقلب كراهية.
- هكذا إذن!
- صحيح ! بما أنه ليس لك التفكير السليم للخروج ساعة سمحت لك، استطيع الان إقفال الباب لإفعل ما أشاء بك.
تقدم نحوها، لكنها أجبرت نفسها على البقاء حيث هي وأمسكها بذراعه وضغط عليها بأصابعه، فتألمت لكنها بقيت صامته .. وأسكتت صرخة كادت تفلت منه.
- ما بك ؟ أما عدت تحبين لمساتي!
- أنت تؤلمني يا آنـدي !
بعد أن شهقت من الالم أرخى عنها قبضته التي ستترك أثرها على جلدها أياماً ثم قال: سأوصلك.
- سأوصل نفسي .. معي سيارتي
- لقد اتصلت بتو م الذي أخذها منذ نحو عشر دقائق الى منزلك .. سأوصلك وبعدها أصحب والدي .. بخصوص والدي لدي طلب .. إنه سعيد جداً بخطوبتنا .. لذا قد تكون صدمته كبيره إن علم بنهايتها المأساوية بعد بضعة أيام.. وصدمة كهذه قد تؤدي الى كارثة.
كان الخاتم حيث رماه، فنظرت إليه ثم إلى صاحبه: اتطلب مني أن استمر بالتظاهر انني خطيبتك؟
استدار يواجهها بابتسامة ساخرة: صحيح .. ايصعب عليك هذا؟ أنت لا تعترضين على مغازلتي .. ولو رفعت اصبعي الآن وأومأت إليك لقطعت المسافة بيننا كالطير.
- أجل .. سأقطع المسافة في لحظات لكن لأقذفك بشئ يؤذيك وسأتأكد من أنني سأصيب الهدف.
استدارت لتكمل تزرير قميصها، فأحست بالاحراج لأنها وجدت أنه تمادى كثيراً في فك تلك الازرار .. فقال لها: مابك ؟ هل كنت مأخوذه لهذه الدرجة فلم تعرفي الى أي مدى وصلت يداي؟
- اوه .. إيها المقــ
- ما ردك بالنسبة للخطوبة؟ هل أنت ممثلة بارعة؟
- حتامَ سأستمر في التمثيل؟
- صدقيني يا حبي لن نستمر اطول من الضروري ، فأنا رجل أحب تحقيق رغباتي كما أريد ولست على استعداد لاحتمال امرأه بارده لا تريدني ، لذا فأنا أتوق لإنهاء هذه العلاقة أكثر منك.
- لديك سيلينا لتعود إليها .. فما همك
- آه أجل .. بالتأكيد سيلينا العزيزة، لكن لا للرجوع إليها حبي . لاشك أنك تعرفين الدوافع البيولوجية!
- انت .. انت تقرفني !
ارتفعت يدها سريعاً لتسقط على وجهه، لكنه جذبها بسرعة نحوه .. حتى اضطرت للتمسك به شاعره بأنه سيغمى عليها في أية لحظة
وعندما تركها، اضطرت للانحناء والامساك برأسها بين راحتيها لتمننع الاغماء، راح يراقبها دون أن يمد لها يد العون .. وأخيراً قال:
- والآن التقطي الخاتم عن الارض وضعيه في اصبعك.
- التقطه انت .. الست من رميته!
- انا انتظر ! (ضاقت عيناه)
أطاعته وفي قلبها كره شديد، ثم أعطته الخاتم لكنه بدا كأنه لم يكتفِ بعد من إذلالها فقال: بما أنها خطبة زائفة .. ضعيه بنفسك.
- لدي فكرة أخرى .. ما رأيك بأن أرميه ؟!
- اعملي بنصيحتي بروك .. وسيطري على أعصابك قبل أن اريك بعضاً من فلتان اعصابي
أجبرت نفسها على إعاده الخاتم لمكانه وقالت غاضبة: كان خيراً لي أني عرفتك في النهاية! اعرف الان حقيقة أخلاقك أيها القذر .. انت عفن منحط
وقبل أن تنتبه .. امتدت يده إليها تصفعها بقوه وقاومت لتبقى واقفة من تأثير الصفعة .. آلمها خدها .. وارتجفت شفتاها، وتدفقت دموعها .. ابتعدت ويدها فوق احمرار خدها .. وبعد صمت طويل قالت : آسفـــة
قال مغادراً الغرفة: سأحضر سيارتي أمام الباب .. لاقيني هناك ..
ورحــــــــل !
و أصبــــــح ســـــــرابا !
كانت الايام التالية لا تطاق أبداً، فالعمل الذي تقوم به وإن كان في قسم الشحن إلا أنه يقع في قسم المكتب الرئيسي وهذا يعني أنها مضطرة الى سماع صوته غالباً.
وعندما كانا يلتقيان في مكان وحولهما أحد، كان يبتسم لها لكن دون النظر في عينيها. بل إنه أحياناً كان يوقفها ليطبع قبلة سريعة على خدها. أما عندما يدخل فيجدها وحدها فكان لا يكاد ينظر إليها! بل ويعاملها وكأنها لا تعدو كونها موظفة عادية.
في نهاية الاسبوع الأول استدعاها الى مكتبه، ودعاها بشكل عفوي للجلوس بينما بقي واقفاً: هذا لا يكفي .. والدي بدأ يشك .. ويسألني لما لا نرى بعضنا في أوقات الفراغ .. فهل لاحظ والدك شيئا؟
- مارغريت تبقى معنا كثيراً هذه الايام، وكأنما هو يشجعها، ويحضر نفسه لليوم الذي سأتزوج فيه وأترك المنزل.
ضرب بالقلم على الطاولة: هل مارغريت سعيده بالبقاء معه وبتمديد واجباتها؟ ألا يظهر عليها الارتباك أو التردد مثلاً؟
- بل على العكس إنها تظهر السعاده فهما متفقان جيداً، وفي الواقع أتساءل ما إذا .. وهل يكون من الجيد لو تزوجا يوماً؟
بذلك أحست وكأنها كشفت أفكارها وأعلنتها .. وكأنها تقول: " الأمر رائع لو أننا كنا سنتزوج! "
هزت رأسها فسألها: وماذا ستفعلين؟
كان بارداً لا يظهر الاهتمام بمستقبلها، وهذا يظهر كم كان كاذباً عندما ادعى أنه يحبها ..
ردت دونما اكتراث: سأترك المنزل .. سأجد عملاً.
- لديك عمل ! .. في شركة لوكربي.
عمل في شركتهم ! ... كــي تراه كل يوم ! وكي تمر به دون أ، يتعرف إليها بعد فسخ الخطوبة، معاملاً إياها بلا مبالاه تفوق معاملته لهذا القلم الذي يضرب به الطاولة؟
ودت لو ينتبه للكره الذي أخرجه صوتها: لن ابقى هنا .. شكراً لك
- كي يكون الاتفاق بيننا مقنعاً، يجب أن تبقي معنا لبعض الوقت، هذا المساء سأصحبك للعشاء في مكانٍ ما.
قفز قلبها لكن ليقع في هاوية لم تعرف لها قرار.. فليس الغاية من خروجهما سوى المظاهر.
- إذا رغبت في هذا.
- سأمر بك عند السابعة.
عندما وصل آنـدي الى منزلها، كانت مارغريت موجوده فنادت: إنه هنا .. سأبقى الى ان تعودي .. لا لامانع لدي إطلاقاً ، ولا أظن أن والدك يرغب في الخلاص مني كذلك!
فصاح ستون من غرفة الجلوس: بكل تأكيد .. فأنا أرحب بصحبتك.
مد آنـدي يده إلى بروك .. في السابق كانت تبقي رأسها منخفضاً حتى يطالبها بقبلة ، أما اليوم فوافق طلبه هذا ضعط مؤلم على أصابع يدها.
ابتسمت له ابتسامة فيها عتب، فشاهدت فكه يتحرك بانزعاج. نظرت مارغريت إليهما متسامحة: استفيدا من أيام الانتظار .. شباب اليوم لا يعرفون ماذا يخسرون من المطالبة بكل شئ دفعة واحده .. لن أقبل بأن أكون شابة في مثل هذه الايام ولو لقاء ثروه.
وصلوا الى غرفة الجلوس، فابتسم ستون لهم ثم قال لمارغريت: أنا واثق أنك تكذبين يا عزيزتي .. كوني صادقة واعترفي أنك تتمنين عوده الشباب.
- سنتحدث في هذا في وقت آخر .. فأنا أجد السعاده الآن في النظر إليهما، هل شاهدت في زمنك مثل هذه السعاده؟
توقفت نظره والدها عليها للحظات، ثم لما انتقلت الى رفيقها، حل في عينيه تعبيرُ غريب .. أهو تساؤل أم تحليل!
كان الطريق عبر الوادي، والمروج المحيطة بالنهر يكاد يقطع الانفاس حتى شعرت بأن لا ضروره في التفوه بكلمة .. فأين ذهبت نظره الحب تلك، التي أظهرها أمام والدها ومارغريت؟ وأين ذهبت تلك السعاده التي شعرت بها لوجودها معه؟
قبل نهاية العشاء .. قال لها: يجب أن تلتقي غداً. لا أعرف بما تشعرين لكنني أجد التظاهر بالسعاده يصيبني بالتوتر ..
- لقد وافقت على كل هذا من أجلك فقط ..
- وهل أنكرت هذا !
- ماذا تقترح إذا !
استدعى الفاتوره ودفعها ثم قال: سأمر بك غداً وحينها نرى ما العمل، وسأكون في اجتماع طوال يوم غد.
كانا يتجهان نحو الباب وسترتها فوق كتفها، عندما أجابت: جيد .. هذا يعني أنني لن أضطر الى مقابلتك في الممرات مجبراً نفسي على الابتسام لك ..
فقال من من بين أسنانه: بعد دقيقتين من الآن، سأطرحك على ركبتي وأضربك ضرباً مبرحاً
- كما ضربت والدي !
خرجت الكلمات منها قبل أن تعي أن شفتيها ستتفوهان بها .. وصر على أسنانه ثم قال :
لقد غيرت رأي .. سأمسكك من مكان أخطر بكثير ..
فاستدارت عن السيارة مبتعده .. ولكنه فب بضع خطوات كان إلى جانبها يمسك ذراعها ليديرها نحوه ويعيدها الى السياره .. فقالت بغضب والعبرات تخنقها: لا تكلمني بهذه الطريقة !
- معك حق .. ها قد بدأت أتساءل كم من الوقت ستبقين قبل أن تخري ساجده أمام قدمي!
- أوصلني الى البيت فقط ! (قالت صافقة الباب وراءها)
وهذا بالضبط ما فعله دون كلمة واحده !
عند الباب قال لها: أراك غداً.
فأجابته بحده: لأجل والدك فقـط !
واستدارت لتدخل.
في اليوم التالي وبينما كانت تسير مع ديفيد، ناداها : لا تنسي هذا المساء
فأجبرت نفسها على الابتسام ولوحت بيدها بلا مبالاه.
قال ديفيد معلقاً: وقع في فخ عميق حقاً .. لم أره مأخوذاً بامرأه هكذا من قبل ! ما الذي تملكين لا تملكه الأخريات؟
أتسعت ضحكته: لا لا تجيبي .. سأجيب أنا .. لا شبيه لك في إي مكان آخر ..ولو كان لاخترتها.
فردت بروك: ليس لدي أخت ! آسفة !
- صدقيني أنا من عليه أن يشعر بالاسف !
وافترقا مبتسمين .. في المساء عندما وصل آنـدي .. أوقف سيارته عند المنعطف ثم أطلق الزمــور ، فسأل والدها: لما لم يدخل؟
دُهشت بروك من سؤاله .. فهل يريد أن يزيد معرفته بصهره المستقبلي ؟
ردت عليه: أنا مستعده للخروج .. أنظر !
أجبرت نفسها على إظهار سعاده لا تعكس مشاعرها ، فتقبل والدها تفسيرها، وعاد الى كتابه، فقالت له: سيحضر آل هاملتون ليجلبا لك القهوة بعد قليل.
فتمتم منزعجاً: لا أفهم لما لم تقبل مارغريت البقاء !
فردت مندهشة مجدداً: لقد قالت لك إنها ذاهبة تلعب الورق يا أبي !
- بإمكاني مرافقتها ! صحيحي أنني لا أستطيع استخدام ساقيَ لكني قادر على استخدام عقلي ويداي !
ازدادت دهشتها : لم تخبرها ! وإلا لكانت اصطحبتك معها بالتأكيد !
فتنهد بعد أن سمع صوت الزمور ثانية: هيا اذهبي .. فالشاب في الخارج نفذ صبره، وأصبح أسوأ مني .. وأنا الذي كنت أظن نفسي عديم الصبر !
فضحكت بروك، وأسرعت بالخروج .. وبقيت ضاحكة حتى دخلت السياره، فنظر إليها حائراً: هل يثيرك قضاء ليلة مملة مع خطيبك الذي سرعان ما سترمين خاتمه في وجهه؟
- ضحكت على شئ قاله والدي .. عنك
- أوه! وماذا قال عني؟
- لقد قال أنك نافذ الصبر .. وإنك أسوأ منه في ذلك.
بدا على صوته التجهم: إنه محق .. وخاصة مع فتاه شابة حمقاء زرقاء العينين! لا ترى أبعد من أنفها.
- وماذا تعني بهذا؟ أتريد أفتعال شجار!
ولما لم يجب ، سألته: الى أين سنذهب؟
- الى منزلي .. والدي خرج لزيارة أصدقاء له، وعليه سنكون وحدنا.
كان الجو بينهما أي شئ .. عدا المريح .. كانت تشعر حتى وهما في السيارة به يملك عليها كل حواسها .. فالدم بدأ بالغليان في عروقها حتى قبل أن تبدأ الامسية!
ولجت السياره بوابة الحديقة فوقف أمام الباب حيث استقبلها والده: أهلا بك حبيبتي .. تمتعي بالراحة في منزلك .. فهو سيصبح كذلك عما قريب.
كرهت بروك خداع هذا الرجل الدافئ القلب ، ورفعت نفسها لتقبله .. فقال ببهجه: يا آلهي .. ستكونين لي كِنـــة رائعـــة ! لقد اخترت خير النساء يا بني ! اينعم تأخرت وانت تقلب النظر .. لكن عندما قررت أصبت الاختيار .
نظرت الى آنـدي والشك يملاؤها .. فوجدت وجهه خالياً من التعبير ..
- اعتقدتك ستزور بعض الاصدقاء!
فهز رأسه: أحس بتوعك بسيط لذا رأيت أن أقضي الامسية معكما في المنزل .
لاحت أمام بروك فرصة لتمضية الوقت الذي كانت تخشاه فقالت: أتسمح لنا بالانضمام إليك!
جلست وكأنها تستعد لقضاء السهرة والليل كله هنا إذا لزم الامر ، نظره سريعة لآنـدي أعلمتها أنه منزعج .. فربتت على المقعد المجاور لها: تعال اجلس بجانبي حبيبي .
جلس آينر في مقعده المفضل، أما آنـدي فخلع سترته وقال: بكل سرور يا حياتي!
تقدم منها، و انحنى فوقها ليحملها ويجلس مكانها واضعاً إياها في حضنه !
عرفت أنها قد وقعت في شر أعمالها، وضحك في وجهها كما لم يضحك من قبل! ثم قرب وجهه منها وطبع قبلة سريعة على خدها، دون أن تستطع شيئاً !
أخفضت رأسها الى صدره والدماء تتصاعد حاره الى وجهها، وتظاهرت بمتابعتها للفيلم ، ثم أحست بذراعاه تلفانها .. فتنهدت بحراره وقد تحركت فيها مشاعر أخرى من نوعٍ آخر .. ثم ما لبثت ان احست باستحالة بقاءها على هذه الوضعية ! أخذت تتململ .. وفكره بأنه عليها تغير وضعيتها في هذه الظروف تلح عليها أكثر وأكثر .. لا يجب أن تستلقي بين ذراعيه .. فلا حق له أصلاً في أن يجلسها في حضنه .. لما يبالغ في الادعاء؟ لماذا لم يجلس على كرسي آخر ليبتسم لها من وقتٍ لآخر فهذا سيرضي أباه .. ألم يكن هذا كافياً !
وازداد تململها عله يفهم أنها غير مستريحة .. لكنه شدد ذراعيه حولها ، منذرا ً إياها بالبقاء جامده لئلا يلاحظ والده شيئاً.
فغضبت وتظاهرت بأنها تهمس له: آنـدي .. أتركني !
فهمس بدوره: ستبقين حيث أنت الى أن انتهي منك !
استعر غضها .. وسمعت ضحكة مرتفعة من آينر .. لكنه لم يلتفت وبعد خمس دقائق انتهى الفيلم .. فوقف ومد نفسه : أظن أنني سأخلد للنوم الآن.
بدا القلق على آنـدي : أتحس بشئ؟
- لا يا بني .. تعب بسيط ، كما أنني أعتقدكما لا ترغبان في وجود عجوز مثلي بينكما .
حاولت بروك الوقوف، فشدها آنـدي إليه ثانية فقالت: أرجــــــــوك سيد لوكربي لا تذهب بسببنا ! فنحن
ورفع يده : سأصعد للنوم .. أراك في الصباح بني
تركها آنـدي بعد ذهاب والده فجلست على مقعد آخر متنفسة الصعداء: أعدني الى منزلي !
- عندما أكون مستعداً
- إذن سأذهب سيراً
اتجهت نحو الباب، فقال بلهجة متسلطة مهدده: ستذهبين عندما اكون جاهزا بروك!
قال ذلك واتجه نحو النافذه يحدق في الظلام
- حسناً سأبقى من أجل والدك فقط، لكن على الاقل أدر التلفاز ! لا استطيع البقاء هكذا معك .. دون تسلية ..
أدار لها التلفاز ، لكن تفكيرها لم يستقر عليه لحظة .. بل انجرف الى هذا الرجل الواقف على بعد خطواتٍ منها .. ولم تدر وهي محمولة بين ذراعين قويتين أنها قد غطت في النوم .. فصاحت مذعوره: أنزلني .. انزلني فوراً !
تجاهل رجاءها واضعاً إصبعه على فمه مطالباً إياها التزام الصمت، فسألته: الى أين ستأخذني؟
- الى منزلك! هل خاب أملك يا حلوه! هل كنت تريدين مني أخذك الى مكان آخر .. كفراشي مثلاً !
- إن لم تنزلني حالاً سأصرخ!
ترك جسدها ينحدر من بين ذراعيه بكل قسوه ففقدت توازنها ووقعت أرضاً!
ما أن توقفت السيارة أما منزلها حتى فتحت الباب وخرجت .. ودون أيه كلمة سارت عبر البوابة للمنزل، وسمعت السيارة تبتعد.
في الصباح التالي بينما كانت بروك في مكتبها تتلقى تفاصيل طلب من زبون عبر الهاتف، دخل آنـدي .. وانتظرها حتى انتهت، ثم تأكد ان لا أحد غيرها موجود وقال: أنا مرتبط الليلة بموعد.
- هذا يعني أنني سأكون حره
اختار ديفيد تلك اللحظة بالذات للدخول: حره؟ صحيح! هذه فرصتي إذن .. هل ترافقينني يا بروك؟
فقال آنـدي ببرود: متى اكتسبت عاده الاستيلاء على أملاك الآخرين؟
- أوه ! أنت حقاً غارق حتى أذنيك !
فتحت بروك فمها لتحتج محمرة الوجنتين، فسارع آنـدي: أنت تختار كلمات غير مناسبة ديفيد.
- آسف يا بروك، لكن خطيبك يشير إليك كأملاك له! وهذا ما قادني للاعتقاد .. أنت تعلمين ماذا..
فابتسمت بروك: لا بأس.
أظهرت غضبها أمام آنـدي، وهذا أمر غبي، لآن إظهار غضبها يعني عرض ضعفها أمامه، وهذا يعني أنه سيستغل هذا الضعف متى سنحت له الفرصة فقال لديفيد: إن كنت جاداً في دعوتك.. أحب أن أخرج معــ
فقاطعها ديفيد مدافعاً: لن أتحدى ابن عمي ! فأنا سعيد بما أتقاضاه أجر عملي عنده، لذا لا أريد أن أخسره في الخروج مع زوجته المستقبليه!
التفت آنـدي سارقاً أي فرصة بالرد: غداً يا حياتي سنذهب لمنزلي حيث سيكون والدي في الخارج.
عندما خرج نظر إليها ديفيد بارتياب: في منزله ؟ وحدكما!
- إنه يتظاهر ..
- يتظاهر ؟ أهكذا تسمين الأمر؟؟ لكنني أسميه على حقيقته، وبأحرف فخمة لم تسيطر امرأه قط عليه كما تفعلين!!
لو أن ديفيد يعلم .. فآنـدي لم ولن يسمح لأي امرأه بالسيطره عليه .. ولا حتى التي تقدم يوماً طالباً يدها ..
ذهبت مارغريت الى منزلها في الوقت المعتاد بعد أن ساعدت بروك في تنظيف صحون وجبة العشاء. وبينما كانت تهم بالخروج من باب الحديقة تجر دراجتها، وصلت سياره فوفقت عند المنعطف ثم خرج منه آينر لوكربي.
وتحدثا للحظات قرب البوابة، ثم أكمل آينر طريقه الى حيث كانت بروك واقفة تنتظره، سألها بصوت ٍ مرتفع: هل ستون في مزاج لائق لاستقبالي؟
ناداه ستون من الداخل: أهلا بك آينر، كنت آمل مجيئك .. فأنا مشتاق للعبة الشطرنج.
جلس آينر في كرسي مريح مجيباً بروك عن سؤالها عن صحته: في صعود ٍ وهبوط ! لكنني أحمد الله على كل شئ فنحن الان وبطبيعة الحال في هبوط اكثر منه صعود أليس كذلك ستون؟
فسارعت بروك: لكن أبي الأن رجلٌ خاطب
- لا ! غير صحيح! من هي المحظوظة ستون؟ أهي مارغو ؟
أومأ ستون برأسه ، فقال آينر: الأب مثل ابنته، وهذا تلاعب على قول ٍ قديم ..
تلاعبت بروك بخاتم خطبتها .. إنه لم يعد لها .. إنه في يدها فقط مؤقتا ً .. لخداع رجل ٍ مريض ..
قالت: سأخرج قليلاً في نزهة أبي ..
فهز والدها رأسه بغير مبالاه .. فبوجود صديقه لن يحتاجها ، وعندما تصبح مارغريت زوجته ، لن يعود بحاجة لابنته مطلقاً .. وماذا بع\؟
خرجت بسيارتها تجتاز القرية .. التلال البعيده كنت تومئ لها ، ورغم الهواء الذي اشتد برده بسبب أفول الشمس الى المغيب، كانت الشمس ما تزال عاليه الى حد ما جعلها تفكر في عدم الصعود الى قمة تلة ومع ذلك أوقفت السياره وصعدت الى القمة، فظهر لها المنظر الممتد أمامها في غاية الروعة والجمال.
رفعت نظرها لتستوعب المنظر .. وبدأت الافكار القريبة من قلبها تعاودها .. و .. تذكرته .. لقد قال أن لديه موعداً هاماً .. فأين ذهب؟
بعد أن تغيرت ظروف حياتها الى هذا الحد، لم يعد يمقدورها ادعاء خطوبة زائفة .. إذا تم إيصال الخبر بلطف لوالده .. فإنها متأكده من أنه سيستقبله بهدوء كأي شئ من الاشياء التي تحدث هي هذه الايام، أيام العلاقات المتغيره على الدوام.
وملأت رئتيها حيداً بالهواء النقي ، ملأت فكرها بالهدوء والسكينه، وأسرعت تتقدم في العتمة الى سيارتها التي أدارتها مبتعده عن التلال والوادي والمراعي باتجاه منزلها.
ظهرت أمامها سياره في الاتجاه الآخر، كانتت الطريق ضيقة لذا لا بد من ابطاء السرعة، وترك المجال للسياره الاخرى الكبيره لتمر. عندما أصبحت على بعد خطوات منها تعرفت الى السياره .. صدمتها روية آنـدي في المرعى .. لكن ما صدمها أكثر وجود سيلينا الى جانبه!
والتقت عيناه بعينيها وهو يتجاوزها ، ولم تبد عليه الدهشة بل تجاوزها دون أن يرف له جفن ! وهي على يقين من أنه عرف سيارتها منذ أن لمحها من بعيد.
بقيت واقفة لحظات عديده .. غير قادره على الحراك ، تشتعل داخلها نيران الالم .. وأحست بقلبها يتوقف عن الخفقان ليغرق في لهب نيرانها المشتعلة .
توقفت بروك تواجه آنـدي عبر طاولته في مكتبه قائلة: أنا آسفة .. لكن التظاهر والادعاء لم يعد لهما داع ٍ .. إذا شرحت لوالدك أننا اكتشفنا عدم انسجامنا معاً فأنا واثقة من أنه سيفهم.
كانت تكلمه وخاتم الخطوبة في يدها، فلما وجدته لا يمد يده لأخذه وضعته أمامه على الطاولة، وبعد لحظات من التفكير مد يده واضعاً إياه في جيبه..
قالت بمراره: أتمنى أن تكون قد تمتعت بأمسيتك مع سيلينا .. سعيده أنا لأني عرفت قبل فوات الاوان أنك حتى خلال خطبتنا الزائفة لم تستطع الابتعاد عن النساء الاخريات.
كان على وجهه قناع، عيناه قاسيتان كصخر التلال .. ولم يتكلم لكنه بدا وكأنه ينتظر خروجها، وعندما أصبحت عند الباب قال: غداً سأسافر لأغيب بضعة أيام .. الى مونريال لحضور مؤتمر .. أذا كنت تريدين أن تعرفي..
- لا لا أريد أن أعرف أي شئ عنك .. ولا أستطيع التفكير حتى بالسبب الذي دفعني الى القبول بتلك الخطوبة المزعومة.
- السبب والدي .. أتذكرين؟
- أجل أذكر .. فوالدك يساوي مئة من أمثالك.
أحنى آنـدي رأسه بسخرية.
لم تعد مباشرة الى مكتبها .. بل ذهبت الى غرفة السيدات، وهناك جلست مسنده رأسها الى يديها .. تأمل في عدم دخول أحد.
ما أن وصلت في المساء لمنزلها، حتى ركضت دون أن تحييَ أحد الى غرفتها واستسلمت لمشاعرها المحطمة .. مضت فتره قبل أن تنهض ساعية لترتيب شعرها ومسح آثار الدموع ومن ثم وضع بعض الزينة على وجهها لتخفي شحوبها، بعد ذلك نزلت الى الطابق الارضي لتواجه الاسئلة المحتومة. استقبلتها مارغريت في المطبخ بسؤال: هل ترغبين في الحديث عن الامر؟
- فيما بعد يا مارغو .. ربما عليَ أن أخبر والدي .. لكن متى؟
- كلما أسرعت ِ كلما كان أفضل.
في غرفة الجلوس كان والدها يسجل ملاحظاته، فقالت له: أبي ..
فرفع رأسه لينظر إليها فأردفت: لقد فسخت الخطوبة ..
قطب ستون جبينه : وهل لي ان استفهم عن السبب؟
- لو قلت إنه عدم انسجام أأكون أجبت عن سؤالك؟
- يكفي ما قلته على ما أعتقد، هل أنت منزعجة من إنهاء الخطوبة؟ (قال بعد أن لاحظ آثار دموعها)
- قليلاً فقط ..
أتخبره السبب الحقيقي ! لا .. لا يمكنها فعل ذلك مطلقاً لآن ذلك سيجعله يشعر بالحرج من متابعة مقابلة صديقه الحميم لوكربي ، وهي لن تحرمه هذه السعاده التي يحس بها عندما يكون برفقة آينر، عبس والدها ثانية قائلاً: من الغريب أنني لطالما شعرت ومنذ أول مره رأيته فيها بأنني أعرف وجهه..
أحست بروك بالذعر، لو أمعن التفكير فلربما أسعفته ذاكرته بالتذكر .. وهو آخر ما تريده الآن .. قالت:
- ربما كما ذكرت يوماً رأيته أثناء زيارتك الجامعة.
- ربما، لقد حاولت أن أحب ذلك الرجل كرامةً لك ِ ، لكن هناك دائماً حاجز خفي بيننا !
فيما بعد، بينما كان والدها يراجع مذكراته مع مارغو، رن جرس الهاتف .. فخفق قلبها ! أيمكن أن يكون ؟؟ تماسكت .. لقد انتهى الأمر بينهما .. ألم تعي ذلك بعد!
- بروك .. هذا أنا آينر .. عزيزتي .. لقد أخبرني آنـدي، لكن لما يا عزيزتي! لقد بدوتما قمة فالانسجام !
- ألم يخبرك آنـدي ! السبب سيد لوكربي .. لقد وجدنا أننا لا نتفق .. انت تفهم .. أذواقنا مختلفة وكذلك نظرتنا للحياه .. و .. مم .. هذا كل شئ تقريباً.
- لكن يا بروك ، الحب يتغلب على كل الصعاب، أمهليه بعض الوقت فستكبران معاً وتصبح خلافاتكما أمراً تضحكان عليه فيما بعد .
أحست وكأنها تغرز سكيناً في قلبها وهي تقول: لن تنجح علاقتنا سيد لوكربي .. لذا قررنا إنهاء الامر قبل أن .. يزداد الضرر .
- بروك .. هل هذا حقاً كل شئ؟ أم أن هناك سبباً آخر ؟!
لا شك في أنه يفكر فالحادثة، ودور آنـدي فيها .. أبعدت بقدر ما أوتيت من قوه إقناع تفكيره عن هذه النقطه .. بدا أخيراً مقتنعاً بقولها، وبعد أن أقفل الخط ، أحست بروك بالبروده والارتجاف .. وكأنها كانت تتحول روحاً من جليد !
في الصباح التالي قابلت آنـدي أثناء خروجه من مكتبه، فابتسمت له .. لكن رده كان نظره بارده رافضة .. حسناً، وماذا تتوقع ! ألم تقل له أنها لا تريد معرفة شئ عنه؟!
عند الثامنة صباحاً، خرج ديفيد لينقل شاحنة الى مونريال تاركاً إياها وحدها في القسم، فوقع عبئ العمل كله على كاهلها وشعرت بأنها تسيطر على كل شئ.
المفـــــــاجـأه المذهــــــله !
كانت تترقب وصول أحد السائقين لينقل حمولة زراعية الى هاليفكس .. مر الوقت والسائق لم يصل ! ولما طال انتظارها .. أنبأها حدسها أن في الامر سوءاً، لكن ما العمل والحمولة يجب أن تنطلق في وقتها المحدد!
عندما رن الهاتف، قفزت إليه: شركة لوكربي .. بروك ستون تتكلم ..
- أنا جون آنسة ستون، لدي للاسف أخبار سيئة ! لقد تعطلت شاحنتي، وأتيت في سيارة صغيره لاتصل بالكاراج، وسيرسلون من يصلح الشاحنة، لكن ذلك قد يأخذ ساعات قبل تحركها مجدداً !
- لكن جون .. تلك الحمولة الى هاليفكس يجب أن تصل في موعدها كي تشحن بالباخرة الى المكسيك !
- الا أعلم هذا آنسة؟ لقد قلقت بشأنها كثيراً فأنا واقف أنتظر فئة حمولة الآلات الزراعية والتي يجب ان تصل في الغذ الى هناك.
- تقول البرقية أن المشترين سينتظرون حتى يستلموا الحمولة !
- اسمعيني آنسة ستون، هل السيد ديفيد موجود؟ لا ! حسناً سيد آنـدي ؟ أيضاً لا !! لديك مشكلة إذن آنستي !
- أوه يا جون! ليت تود يعرف قياده الشاحنات! ماذا افعل اخبرني!
- لا سائق موجود الآن ولن يأتي أحد في وقت ٍ قريب . . إذن ما عليك سوى القفز الى مقعد السائق وقياده الشاحنة بنفسك!
- حسناً، واجبي أن أقلق لا واجبك ! لديك ما يكفيك .. سأجد الحل .
- هذه الحمولة يجب أن تنطلق آنستي .
وأقفل الخــــط !
هل تجــرؤ ! ضربت القلم بالطاولة .. هل تطلب آينر لوكربي ! عله يعرف من يمكنه قياده الشاحنة!
- أمر طارئ؟ ماذا هناك يا عزيزتي ! حمولة هاليفكس ! أجل أعرف عنها .. آنـدي يخبرني بكل شئ يومياً .. أجل أعلم
- تقول الاتفاقية سيدي إننا سنتقاضى أجراً مرتفعاً ، لأن الشحنة مهمة .. فهل بالامكان الاتصال بأي شركة لاستعارة سائق؟
- لن تجدي أية مساعده في هذا الوقت القصير، خاصة في الصيف عندما يأخذ معظم الناس عطلاتهم .. بما فيهم سائقوا الشاحنات ، امنحيني عشر دقائق بروك .. وسأجد حلاً.
لما مضت العشر دقائق ... لم تصلها أي مخابره، بدأت تقلق .. فامتدت يدها الى الهاتف، وما لبثت أن سمعت صوت آينر لوكربي في الممر ، وفتح باب مكتبها ودخل يرتدي ثوب العمل الخاص بشركة لوكربي !!
- أنا جاهز عزيزتي .. أين الشاحنة؟
- أنت ! سيد لوكربي !! لا يمكن .. لا تستطيع !
- اوه ! من يقول انني لا أقدر ؟ الفتاه التي ستتزوج ابني؟
- انا لن ..
توقفت .. يبدو كأنه نسي في غمره انفعالة أنهما ما عادا حبيبين..
- لن أدعك تقودها سيد لوكربي ! فلن أسامح نفسي أبداً لو .. شيئاً ما حدث ..
- مثل ماذا؟
- أن تتعطل الشاحنة .. كما حدث مع جون مثلاً ..
- إن الشاحنة التي يقودها ليست لشركتنا بل هي مستأجره ، فشاحناتنا لا تتعطل أبداً، والآن أيتها الشابة إذا أضعنا وقتنا الثمين هكذا لن استطيع الانطلاق في الموعد المحدد ! حضري الاوراق التي أحتاج..
وبينما أخذت بروك - متورده الخدين – تراجع السجلات، وقف آينر عند النافذه .. وقال:
- كنت أنتظر هذه اللحظات .. أنه حلمي ، أن أقود شاحنة مره أخرى .. أتسلقها واتولى السيطره عليها، أتعلمين عندما أشاهد شاحنة تنطلق، جزء من ينطلق معها ! من صفات شركة لوكربي الصدق لذا سأعمل على ان تحافظ على سمعتها هذه، هل حضرتِ الاوراق عزيزتي؟
اصبحت الاوراق جاهزه في يدها .. كنها قالت: سيد لوكربي ، أطلب منك مره أخيره .. أرجوك لا تفعل !
لكنه لم يكن يصغي: هيا .. أريد نسخة المرسل إليه .. سأحصل على التوقيع باستلام البضاعة عليها، أرجعي نسخة للملف، كل شئ على ما يرام عزيزتي!
واستبد بها القلق، فكيف لها أن تدعه يذهب!
- لا تقلقي ! فكل شئ على ما يرام .. هيا بنا نذهب.
رافقته للباحة ومنها انطلق بهما توم بواسطة الفان الى محطة الوقود ومن ثم لفناء الشاحنات.
نزلت بروك بسرعة راكضة نحو مكتب تود، لكن الموظف أعلمها أنه خرج مسافراً الى أوتاوا .. وأسرعت بروك بالعوده محبطة، فقد كان رجاؤها الاخير أن يقنع تود والده بالعدول عن هذا العمل المتهور !
وهناك .. خلف المحطة، كان آينر يصعد الشاحنة .. فقالت وهي تنظر صعوداً إليها: هل أرافقك سيد لوكربي؟
- لا يا فتاتي .. وماذا افعل بفتاه مثلك قد تلهيني بالحديث ؟
- سأبقى صامتة سيد لوكربي
- عودي واهتمي بمكتبك .. أنا بخير وأشعر بروعة هنا، لقد عدت الى حيث أنتمي .. مسؤولاً عن شاحنة !
- وماذا سيقول طبيبك؟
- لا يهمني أطباء العالم! ألم أقل لك ان المرء يموت إن قابل طبيباً أو لم يقابله ! وقياده الشاحنات مصدر سعادتي في الحياه.
رفع إبهامه للأعلى وانطلق بالشاحنة !
غطت بروك وجهها بيديها وقالت لتوم : أوه توم ! ماذا سأفعل !! ماذا سأقول للسيد آنـدي ؟
لا تقلقي آنسة ستون.. سيكون سيد آينر بخير .. إنه قوي وسوف ينجح.
وشحب وجه ديفيد عندما علم بالخبر ذاك المساء بعد عودته.
- وهل أخذ العم آينر تلك الحمولة الى هاليفكس ! بروك! كيف سمحت ِ له !! بالله عليك ِ ألا تعلمين حالة قلبه؟
- ديفيد .. لم أستطع منعه .. صدقاً لم أستطع ! اضطررت الى الاتصال به لأن أحداً غيره لم يكن موجوداً ! وفي اعتقادي أنه سيؤمن سائقاً ما من شركة أخرى ..
- يطلب سائقاً من مؤسسة أخرى والحمولة خاصة بلوكربي ! هل تخالينه يسمح لأي مؤسسة بالقيام بعملنا ! لكن كيف لك أن تعرفي ! لم يبق َ أمامنا سوى الدعاء !
رن جرس الهاتف في غرفتها، فأسرعت راكضة تمسك السماعة بيد مرتجفة ، ومن الطرف الاخر أتاها صوت آينر: بروك حبيبتي لقد وصلت .. قلت لك أنني سأنجح .. وسأعود حالما أفرغ الشاحنة.
- لكن سيد لوكربي، ألا يمكن ان تبقى حيث أنت فتنام في فندق لترتاح؟ فلمَ العجلة في العوده ؟
- سأقوم بعملي على أكمل وجه .. وسأنام على السرير في مقصوره السائق .. إنه مريح وفيه كل ما يحتاج الرجل .. وسأحصل على قليل ٍ من الطعام ، ثم أتابع طريقي .. ليتك تعلمين يا عزيزتي كم أمتعتني الرحلة ، أخبري خطيبك المتعجرف أنني نجحت .
- سيد لوكربي، اليك ديفيد ..
مررت السماعة اليه .. وبعد حديث قصير مع عمه سأله: ما رأيك لو نتصل بآنـدي لنخبره عن والده؟
لا فائده من الأمر ، أعتقد أن عمي سيصل بعد الظهر باكراً .
فيما بعد بينما كانت تهئ نفسها للنوم أحست بالارتباك فليتها لم تصغ لديفيد وليتها اعلمت آنـدي ..
قبل الفطور صباح اليوم التالي، اتصلت بديفيد، الذي سألته عن رقم هاتف الفندق وقد أعطاها إياه وهو يحسبها تريد سماع صوت حبيبها.
سمعت صوت خطبيها السابق، لكن من الصعب وصفه بالحبيب ..
- انا بروك ..
- حسناً ؟
- هل تناولت فطورك؟
- منذ بعض الوقت .. لما؟
- آنـدي .. أنا .. لقد تركت والدك يقود شاحنة ..
بعد صمت ٍ طويل قال: أيعقل أن ما أسمعه صحيحاً ! أخبريني من جديد ! وببطـء كي يستوعب عقلي النائم الخبر !
- لقد تركت والدك يقود شاحنـــة !
بدا وكأنه يحبس أنفاسه فأكملت :
- تعطلت شاحنة جون، مسبباً لنا بذلك أزمة فقد تأخر نقل الحمولة الاخيره والتي كان لابد من انطلاقها لآن الباخرة تنتظرها للحشن.
- ليست .. تلك الشحنة من الآلات الزراعية التي يحب أن تنقل الى المكسيك عبر هاليفكس !
- هى عينها يا آنـدي .. ديفيد كان غائباً يوصل حمولة شاحنة الى أوتاوا ، ولم أجد أي سائق، ولم أعرف ماذا أفعل فاتصلت بوالدك وقد كنت أسعى الى مشورته في استئجار سائق من مؤسسة أخرى.
- أبي يتخلى عن عقد للوكربي لمؤسسة أخرى ! الا تعرفين عن سمعتنا في الصدق، التي تجري في دم العائلة؟!
الدموع التي كانت تجري على خديها ظهرت في صوتها:
- لا .. لم أكن أعرف يا آنـدي ! .. ليس الى هذه الدرجة على أي حال لقد بدا سعيداً بالأمر، وكله ثقة بنفسه.
- يا إلهـي يا فتاه! الا تعرفين أن قلبه في حال ٍ خطر؟
- آنـدي .. لقد نجح واتصل بنا أمس مساءاً وسيصل سليماً .. قال أنه سينام في الشاحنة .. وكان بالفعل سعيداً ...
- سأترك المؤتمر وأعود حالاً
- آنـدي .. لا لا حاجة لهذا .. لقد قال ديفيد أن الامر سهل بشاحنة فارغة و
- سأعـــــــــود ..
وأقفل الخــط !
كانت الساعة قد قاربت منتصف النهار عندما توقفت سياره آنـدي أمام المكتب .. وفتح باب ديفيد ليسأل: ألم يصل بعد؟
فأسرعت إليه بروك: لن يتأخر يا آنـدي .. لابد أنه في طريق العوده، وقد يصل بين لحظة ٍ وأخرى!
عيناه الباردتان جعلتاها تجمد: هل لك أن تبقي خارج الموضوع!
- لماذا؟ لماذا أبقى خارج الموضوع؟ الأنني لست فرداً من افراد العائلة ولن أكون؟
نظر إليها ديفيد، فلاحظ يدها الخالية من الخاتم فاتسعت عيناه، تقدم نحوها : ماذا ؟ لأنك كنت حمقاء غبية فتركته يقود شاحنة، وهذا هو السبب ، كان يجب أن تقومي بأي شئ لتمنعه من الذهاب.
- هل أثقب الاطارات مثلاً؟ وماذا بشأن افتخار العائلة بسمعتها التي تضعونها جميعاً في رأس القائمة؟ أكان يجب أن أتملق بحداثة! أو أطلب من الطبيب تقييده إذ لا طريقة أخرى كانت ستمنعه.
- وماذا عن تود؟
- لقد قيل لي أنه رفض تعلم قياده الشاحنات.
- رفض في البداية لكنني أجبرته على التعلم.
قال ديفيد: لم تكن تعرف هذا يا آنـدي.
ردت بروك: على كل الاحوال .. تود في إجازة فقد سافر الى أوتاوا.
- ثمة أناس كثيرون قادرون على المساعده كسوزي زوجة تود التي لديها اتصالات عديده مع الجميع.
فصمتت بروك وقال ديفيد: هيا قولي له .. لقد ذهبت هي الاخرى مع زوجها.
قال آنـدي بسرعة : سأذهب الى الكاراج لأنتظر وصوله.
ركضت بروك وراءه قائلة: سآتي معك.
بينما كان يوقف السياره سمعت صوت هدير شاحنة، فقفزت من السياره راكضة الى الفناء ولحقها آنـدي .. فشهقت: لقد عـاد !
وركضت الى باب السائق، وصاح آينر: لقد قمت بالرحلة يا بني ! لقد قمت بها.
فتح نصف الباب، ثم ضغط بيده على صدره.
- ذلك الالم ثانية .. لعنه الله .. هذه هي المره الثالثة .. يا إلهـي .. ولدي ..
تسلق آنـدي الدرخ يصيح طالباً المساعده فأسرع ديفيد الذي قال له آنـدي: أمسك قدميه.
أنزلا الجسد المسترخي من الشاحنة، بعد ذلك خلع آنـدي سترته وجعلها وساده تحت رأس أبيه، الذي غدا وجهه رمادياً أما شفتاه فتلاشى لونهما، صاح آنـدي: طبيب .. إسعـــاف أي شـــــــئ !
ركض ديفيد .. في هذا الوقت فتح آينر عينيه وبدأ يتكلم بهدوء ، مما دفع الجميع الى حبس الانفاس يصغون إليه: الوقت يداهمني يا آنـدي .. إسمع فقط ، أيمكن؟ لقد تمتعت بالقياده .. بكل دقيقة منها .. كنت أعلم أنها مخاطره لكنها كانت حلمي .. حلمي الدائم منذ ..
واغمض عينيه، ثم فتحهما وشهق نفساً أخيراً : بروك .. أبلغي تحياتي لستون .. وقولي له إنه كان أعز أصدقائي..
جرت الدموع في عيني بروك وهزت رأسها ..
- آنـدي يا بني أخبرها .. أخبرها الحقيقة
كان صوته الهامس لا يكاد يسمع ..
- أنا أعرف لماذا فسختما الخطبة .. لست غبياً .. أخبرها !
والتوى رأس آينر على كتف ابنه، ثم ارتفعت يده وسقطت دون حياه !
بعد ثلاثة أسابيع .. استدعى آنـدي بروك الى مكتبه ولم تكن قد شاهدته منذ يوم وفاه والده ، وكان ديفيد وسوزي قد وزعا عمل آنـدي فيما بينهما، قال لها ديفيد: لديه مشاكل تتعلق بالإرث، لقد ورث عن أبيه إداره كل فروع الشركة التي زارها واستلمها رسمياً الآن ، وقد عرض على تود الشراكة لكنه لم يهتم !
وواجهت بروك آنـدي عبر الطاولة، فوجدت عينيه مظللتين بالحزن ووجهه متعب ..
قال: أرجوك ِ اجلسي ..
جلست لأنها أحست بضعف في ساقيها، ولأنها تعبه هي أيضاً من الانتظار .. لكن انتظار ماذا؟
كانت حزينة كل الحزن وقد زادها ضيقاً إحساسها بالذنب لأنها كانت المسؤولة عن ذهاب لوكربي الكبير في تلك الرحلة، لكن المنطق السليم كان يؤكد لها أنه لم يكن لديها القدره على تغيير المحتوم.
تقدم ببطـء منها .. وكأنه نمر مسجون وسألها: كيف كان وقع الخبر على والدك؟
- كان وقعه سيئاً للغاية.
عندما نقلت إليه رسالة صديقه دفن وجههة بين يديه، وأجهش بالبكاء ولما حاولت مواساته نفضها بعيداً عنه .. فتركته بحزن وحده، لكن مارغو زوجة المستقبل، نجحت حيث فشلت الإبنة !
وأبلغت بروك هذا كله لآنـدي الذي أخذ يستمع دون أن يعلق على شـئ، ودون ان يظهر أي تعبير على وجهه.
- هل أنت حره هذا المساء؟ أيمكنك المجـئ الى منزلي؟ ثمة شئ لا بد من إطلاعك ِ عليه.
عرفت على الفور ما هو هذا الشئ، فلا شك أنه سيطلب منها الاستقاله ! لكنه سيكون لطيفاً معها ويتركها في العمق حتى تجد آخر.
وسألته: الا يمكن أن تطلعني على ما تريد الآن ؟
- آسف .. الأمر مستحيل .. هل ستأتين؟
فهزت رأسها موافقة على السابعة والنصف.
أخبرت بروك مارغو الى أين ستذهب، لكنها قالت لوالدها أنها ستقوم بنزهه.
فتح لها آنـدي الباب بنفسه.. بالطبع فلم يعد في المنزل أحد سواه .. فالرجل العجوز المضياف المحب رحل الى الأبد ..
أدخلها الى غرفة الجلوس. فجلست على الأريكة وهى لا تشعر بالراحة.
كانت قد ارتدت ثوباً بسيطاً لونه أبيض وأزرق ذا ياقة منخفطة وحذاء أبيضاً. بدت بثوبها هذا وكأنها ذاهبة للقيام بمقابلة، وما تقوم به في الواقع أشبه بمقابله، إذ ليس بينهما سوى التزام شكلي فلا عناق، ولا ضحك ولا أنفاس متقطعة.
قال آنـدي بأدب: أشكرك على المجـئ.
- إنه لمن دواعي سروري.
تهالك رامياً جسده على الكرسي الذي اعتاد والده الجلوس عليه..
- تلك الكلمات الأخيره التي تفوه بها أبي .. هل سمعتها؟
فهزت رأسها ، لكنه كررها : "أخبرها الحقيقة"
ساد صمت عميق .. وقال أخيراً وعيناه مغمضتان، ورأسه مستند الى ظهر المقعد ..
- إخبارك بالحقيقة يؤلمني كثيراً .. لكنني يجب أن أحقق أمنيته الأخيره ..
صمت طويلاً فسألته بصوت ٍ ضغيف: أيه حقيقة آنـدي ؟
- حقيقة حادث والدك .. لم أخبر أحداً من الناس .. فحتى أفراد عائلتي لا يعلمون .. أصيب والدي بنوبة قلبية سيئة جداً، فاضطر لملازمة الفراش أربعة أشهر ليستعيد عافيته .. بعد ذلك قلق أشد القلق لأنه خشي أن يخسر مهارته في القياده .. منعته عن القياده ، فشب بيننا شجار، ولما نصحته باستشاره الطبيب أولاً قال إن لم ترافقني فسأخرج وحدي .. في البداية أخرجت الشاحنة بنفسي .. ووجدت شارعاً هادئاً تركته يقودها فيه ، قاد ببطـء بدايةً، ثم أسرع وأسرع وضد رغبتي عاد للبلده، وأوقف السياره بكل نظام أمام تقاطع طريق ليسمح للماره بالمرور .. وعندها ظهر رجل يسير وحيداً .. غير اتجاهه فجأه .. وخرج للشارع في اللحظة التي انطلقت فيها شاحنتنا .. كل شئ حدث بسرعة ! .. ولو لم يضغط والدي بقوه على الفرامل .. لكانت النتيجة أسوأ بكثير ..
- لوالدي !
- أجل بروك .. والدك .. طار من قوه الضربة وشحب وجه والدي .. وظننت ان نوبة قلبية جديده آتيه لا محالة، فقررت على الفور تحمــل المسؤولية .. فدفعته عن المقود وجلست مكانه .. وقلت له أن يبقى حيث هــو والا ينزل مهما كانت الظروف ..
- ثم ذهبت الى والدي .
- نعم، لكن بعض الناس وصلوا قبلي .. فدفعتهم عنه .. ورفعت رأسه فإذا به يصيح فاتحاً عينيه .. لكنه لم يلبث أن أغمضهما ..
- لهذا أقسم على أنه شاهدك مسبقاً لا محالة!
- قال وقد سمعه عشرات الاشخاص أن الغلطة غلطته .. حيث كان سارحاً يفكر في عمله .. ثم غاب عن الوعي .. والباقي تعرفينه ..
- لقد ذكرت الصحف الحادثة .. لكنني لا أذكر اسمك !
- لقد قيل للصحف أنه أحد سائقي لوكربي .. وكنا قد أحلنا القضية برمتها الى شركة التأمين.
- أعرف .. ولقد تعاملوا معها عبر محامي والدي
- واعترف ثانية بمسؤوليته عن الحادث .. لذا لم يعد هناك قضية
- لكنكم لم تعرضوا عليه أي تعويض!
- بالعكس .. لقد قدمنا تعويضاً بالرغم من اعتراض شركة التأمين، لكن والدك رفضه.
- هل أنت متأكـد ؟ لم يبلغني عن هذا !
- وهل يعرض عليك ِ كل مراسلاته؟
- أنا آسفة .. هذا يعني أنك لست بريئاً فقط آنــدي بل أنت بطـل !
كنت َ أوفى ابن لوالدك .. لقد حميته والقيت عبئ الحادث على عاتقك!
وقف متجهاً نحو النافذه : لقد وافق على الخداع فقط من أجل الشركة .. لكنه لم يسامح نفسه يوماً لاختباءه ورائي ..
- ولماذا آنـدي ؟؟ لماذا تركتني أتهمك ؟؟ أنعتك بكل النعوت السيئة حتى فسخ الخطوبة؟ أكان هذا ما تريد ؟؟
ولما لم يجب .. اشتعلت غضباً، فركضت تقطع المسافة بينهما لكنه لم يلتفت إليها .. فصاحت: لقد خدعتني ! إيها المخادع ..
أخذت تضرب ظهره براحتيها: ألهذا طلبت يدي ! بسبب ضميرك المثقل بعقده الذنب! أم أنها طريقة للتعويض عما فعلتموه بأبي ! هـــــــاه !
فاستدار إليها ممسكاً رسغها بقسوه: ومن طلب يد الآخر ! أنا أذكر أنك أنت من فعل بطريقة ملتوية .. ألست ِ من أخبر تود عن خطوبتنا .. ثم رحت ِ تتباهين أنك الفتاه التي اوقعت بي حين فشلت الاخريات!
- لكنك بالفعل طلبت مني الزواج! ألم تطلبني ؟؟ وهذا يعني أنك فعلت ما فعلت لإرضاء ضميرك ..
- انا لست بمذنب حتى أرضي ضميري !
تغلب عليها بالمنطق .. وأحست بارتخاء أطرافها .. فتركت يده معصمها الذي أحست بألم عميق فيه .. ما زالت تفكر بتلك الطريقة السابقة ، إذ لم تستطع التخلص من إدانته على مصاب والدها .. لكن الآن لابد من إعاده الأمور الى وضعها الصحيح في دماغها. هذا الشئ يجب أن يصدر عنها .. لقد قام هو بدور البطل بإلقائه العبء على عاتقه عوض أبيه المريض .. فرفعت بصرها إليه .. الى الرجل الذي أحبت من كل قلبها .. وما زالت .. وأكثر من أي وقت ٍ مضــى ..ابتلعت ريقها وقالت: آنـدي .. قبل أن أذهب أريدك أن تعرف كم أحبك .. لقد أحببتك منذ التقت عيناي عيناك .. انت لا تريج الزواج بي .. فأنت تحب سيلينا ، ربما أكثر مما أحببتي وأنا أقبل بذلك ولكن كان علي أن أخبرك أنني أحبك .. شكراً على كل شئ
اتجهت الى الباب لكنه تبعها، وأدارها إليه ثم احتواها بين ذراعيه وعانقها بكل الرغبة ، العاطفة والشوق الذي كان يكبحه كلما احتواها، مرات ومرات .. حتى اضطرت الى التوسل ليتركها.. وتمتم : آه يا حبي . اوَ ظننتي أنني سأتركك تخرجين من حياتي بهذه البساطة؟ بعد كل الاميال التي قطعتها الاحقك بالشاحنة !! لا أظن ..
لكن عديني بشئ واحد يا حبي .. والدك لا يجب ان يعرف مطلقاً حقيقة الأمر .. يجب الا يعرف ان من أصبح أعز أصدقائه هو نفسهمنتدى ليلاس المتسبب بمأساه حياته..
- يجب أن أخبره يا آنـدي ! أريده أن يحبك كابنه عندما نتزوج ..
- دعيني اتحمل اللوم .. فهو مع الوقت سيتكيف مع الواقع .. لكن لا أريده أن يفسد شيئاً من ذكرياته الطيبة مع والدي.. وأنت ستتزوجيني بسرعة قبل ان تستطيع الهرب ثانية..
- عليك ان تقبض عليَ إّذا
قبض عليها عند الباب ، وحملها بين ذراعيه الى الاريكة، ووضعها فوق الوسائد وهو يقول: ما هو ملك للوكربي يبقى للوكربي.
- إنه مثل العائلة الاعلى ، لقد قال لي والدك هذا.
- إذن فاحذري .. قريباً ستكونين لي، ستكون ملك لي عيناك اللامعتان الضاحكتان وانفك الناعم الدقيق وثغرك المغري الذي لا يقاوم .. كل شئ فيك سيصبح لي ..
- متى حبيبي ؟
- الآن يا حبي .. أنت جزء منيمنتدى ليلاس .. لذا لا أقوى على العيش بعيداً عنك .. فهل يجيب هذا عن سؤالك؟
- أجل .. آه .. أجل
واشتدت ذراعاه المحيطتان بها .. وضاعا في عالم خاص بهما ....
تمت
التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 10-10-09 الساعة 04:22 PM
|