المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الفريق 0
4 كهف العقارب
منتدى ليلاس الثقافي
في أسوان كهف العقارب الذي تحيط به الأساطير .....وحيث تتحول العقارب ليلا إلى حسناوات تلذغ بلذغاتها السامة سيءي الحظ من الشبان المندفعين
رحلة سياحية يختفي أقرادها الشبان إمريكي وفرنسي وإسرائيلي فتثار ضجة في بلدانهم
الفريق 0 كان عليه إنقاذ ماء وجه مصر وإعادة المفقودين الثلاثة إلى مطار القاهرة الدولي
التوصيات كانت شديدة اللهجة وبالنسبة للفريق 0 كانت قضية حياة أو موت ... ميتة بطيئة شنيعة في معتقل طبعا
وبعد أن تسلحوا بجميع المعدات التكنولوجية عالية التطور شدوا الرحال إلى كهف الموت
كهف العقارب
وقد كان..............................
- من الدجاجة الفضية إلى النسر المحلق ... حول
بصق ممدوح أرضا وهو يحاذر ألا يصطدم رأسه بالهوابط المتدلية من سقف الكهف وأجاب عبر اللاسلكي
- أسمعك ... حول
وأردف بسخرية :
- النسر المحلق... هؤلاء الأوغاد .. هل أشبه نسرا محلقا وأنا أهبط في هذا الكهف العفن إلى الجحيم؟
قال أدهم وهو يضيء الطريق بكشاف ضوئه قوي لا ينتهي إلا حين ينتهي:
- إنه مجرد إسم شفري ... وهو على كل حال أفضل من القرد الوردي
ضحك ممدوح في حين إحتقن وجه رفعت خلفه حتى بدا أنه سيضيء بضوء أحمر ظلام الكهف
كان المكان ذا رائحة رهييبة ... ومألوفة
قال أدهم بحنق :
- هؤلاء السياح الملاعين ... لقد جعلوا الهف wc لقضاء حاجاتهم ... ويدعون أنهم سفراء الحضارة والتقدم
قال ذلك وكاد يتعثر في قناني بيرة ملقاة بإهمال على الأرض
سمعوا صوت اللاسلكي :
- من الدجاجة الفضية إلى القرد الوردي ... ما آخر الأخبار ؟حول
أعطى ممدوح اللاسلكي لرفعت وهو ينفجر ضحكا في حين أمسك هذا الجهاز وهو يقول بغضب:
- من القرد الوردي إلى الدجاجة المنتوفة ... يبدو أن هناك تشويشا ... لا أسمع شيئا
وضرب بالجهاز الأرض مرة ومرتين قبل أن يحطمه تماما ويلقيه جانبا قائلا :
- أعتقد أن هذا أفضل ... ما رأيكما؟
قال أدهم بهدوء:
- أنت تصرفت من تلقاء نفسك ... ولن أغفل هذا عن تقريري
نظر إليه رفعت بدهشة ثم بحنق و سخط
أما ممدوح فكان يضحاااك ويضحك ويضحك
حين برز الضوء القوي
التفت الأبطال إلى مصدر الضوء .. وشهق ممدوح بقوة في حين عقد أدهم حاجبيه بشدة
أما رفعت فقد اقترب من الدوامة المثبتة في الفراغ
كانت دوامة زرقاء تضيء بنور باهر وتبدو وكأنها نبتت في العدم
حاول رفعت أن يلمسها بأصابعه حين سمع صوت أدهم يقول : - حاذر أيها الأبله ... ماذا تفعل ؟
وصوت ممدوح يقول بكل وقاحة : - اتركه ... قد ننتهي منه هذه المرة للأبد
تراجع رفعت للخلف وهو يقول في نفسه : - لن أنتهي يا ممدوح يا ابن تفيدة ... سأظل الكابوس الذي يجثم على صدرك ما بقي لي من العمر
ولم يحول أفكاره لكلام ... فلم يجرؤ
أما أدهم فقد قذف بحجر للدوامة فابتلعته
ثم قذفته باتجاهه ...فمال جانبا ليصطدم الحجر ممدوح في صدره
بحنق قال : - كان عليك أن تحذرني
قال أدهم دون أن ينظر إليه : - ظننت انك متحفز دائما
لم يرد ممدوح وانما اكتفى بهمهمات ساخطة
ووقف الثلاثة يحدقون بحيرة في الدوامة العجيبة
ثم سأل أدهم رفعت : - هه ... ماذا تظن هذه يا خبيرنا العبقري ؟
تجاهل رفعت نبرة التهكم في صوته وقال وهو يشعل لفافة تبغ تحت نظرات ممدوح الملتهبة التي يبدو أنها أشعلت اللفافة قبل حتى أن يصلها لهب القداحة : - دوامة زرقاء تشع ضوءا ... ظننت هذا واضحا
قال أدهم بحنق : - أنا لا أملك مزاجا لسماع دعاباتك السخيفة ... كن جادا
قال رفعت وهو يجذب نفسا عميقا من سيجارته : - حسن ... سأسمع رأييكما أولا ثم أقول لكما كم أنتما غافلين
حاول ممدوح أن ينقض عليه قائلا : - اتركني يا أدهم أحطم عنقه ... لقد سئمت من هذا الوغد المتحذلق
تراجع رفعت برعب بينما صد أدهم ممدوح وهو يقول : - هيه .. ما رأيك انت يا رفعت لو تركته يفعل ما يقول ؟
قال رفعت وهو يرمي السيجارة متوترا : - كفى
وأردف بغضب شخص مغلوب على أمره : - انتما تعرفان موضوع البلاعات التي تربط بيننا وبين جانب النجوم ... من الواضح أن هذه احدى هذه البلاعات
قال أدهم وهو يفكر : - مممم ... تماما ما كنت أفكر فيه ـــ يا شيخ ... ـــ .... لقد تعرضنا لشيء مماثل العام الماضي في أحد حفر المجاري بحي شعبي ... وفي ملعب الغولف لسعادة المسؤول الذي تعرفانه
قال ممدوح بتوتر : - وكان الأمر رهيبا ... في كلتا المرتين
ثم أردف وهو يحمل بندقية غفير : - ما هي الخطوة التالية في رأيك ؟
قال أدهم وهو يستل خنجرا بدويا من حزامه : - ماذا تظن ؟ ... سنعبر البلاعة طبعا
وتقدم بجرأة نحو الدوامة قبل أن يتوقف قائلا : - لكن أولا ... لنتأكد أن الطريق آمنة
وناول رفعت الكشاف الضوئي
ثم رماهما معا في الدوامة
ولما لم يحدث شيء ... قفز بدوره يتبعه ممدوح
***************
بعد لحظات من انعدام الوزن ... وجد الثلاثة أنفسهم في الكهف من جديد
قال أدهم بدهشة : - أظن أننا عدنا إلى نفس المكان
قال رفعت وهو يتأوه ممسكا بظهره : - لا يا أدهم ... نحن في الجانب الآخر من الكهف .. في جانب النجوم
قال ممدوح بخشونة : - وما أدراك أيها المتحذلق ... أنا لا أرى أي تغيير
أشار رفعت بأصبعه وهو يقول مرتجفا : - هؤلاء
كانوا أربعة
وحوش نصفها العلوي حسنوات رائعات الجمال سوداوات الشعر
والنصف الثاني عقارب سوداء رهيبة
كانت كوحوش المينوطور مع فارق النصف السفلي
لوحت الوحوش بذيولها القاتلة والتمعت ابرها في ضوء الدوامة الأزرق الرتيب
وانقضت احداها مصدرة صوتا انثويا عالي الطبقات
لم يدر ممدوح أيطلق بارود بندقيته أم يصم اذنيه ألما
في حين انقض أدهم ببسالة
وثب على ظهر الوحش الأنثوي العاري وأمسك بشعره الطويل ... قبل أن يغرس الخنجر في ظهره بقوة
وكالبرق ... هبط الذيل ذو الإبرة لسوداء ليلدغ أدهم
لكن أدهم كان كالعادة أسرع من البرق
قفز من على ظهر الوحش الذي لذغ نفسه
وخر صريعا على الأرض
نظرت الوحوش لزميلها الصريع بتوتر قبل ان تكشر عن أنيابها الطفولية وتشتعل عيونها الجميلة غضبا
كان ممدوح مبهوتا بجمالهن العلوي ... أما رفعت الذي نسي هذه الغرائز البشرية مع فقدانه ماجي فقد أطلق ساقيه للريح
لذا جذب أدهم ممدوح من ذراعه ولحق به
وخلفهما .. تعالت أصوات الوحوش الأنثوية الغاضبة ووقع خطواتهن السريع
فكر أدهم في هذه الورطة وسرعان ما وصل لقرار
**************************
على الجانب الآخر ... في العالم الحقيقي
دخل اللواء عدنان إلى قاعة الإجتماعات بالمديرية حيث جلس عدد من القيادات الأمنية يتابعون الموقف بتوتر
وقال وهو يلوح بورقة في يده اليمنى ويحمل غليونا باليسرى : - لدي أخبار جديدة ... من فرق البحث
قال اللواء حمزة : - هل عثرتم على الفرنجة المفقودين ... إن فريقا من فرساننا الأشاوس المغاوير يسمى الفريق صفر قد دخل الكهف للبحث عنهم ونحن هنا ننتظر إشارة منهم
قال اللواء عدنان وهو يتخذ لنفسه مجلسا : - يمكنك إذن أن تستدعي فريقك هذا .. فقد عثرنا على المفقودين
وكانت مفاجأة
********************
قال أدهم صارخا في وجه رفعت : - قداحتك
لم يفهم رفعت لوهلة ... لكنه سرعان ما مد يده إلى جيب بذلته الكحلية التي تجعله فاتنا ولوح بالقداحة لأدهم
وأضاء الكهف بانفجار قنبلة مولوتوف رماها أدهم في وجه أول الوحوش
وكانت صرخة الوحش رهيبة ... صرخة فتاة احترق وجهها وشعرها بلهيب قذيفة اسرائيلية حارقة
كانت قلوب أبطالنا تتفطر وهي ترى المنظر الرهيب
لكن أدهم كان يعلم أنه لا بد مما ليس منه بد
ولوح بقنبلتي مولوتوف أخريتين في وجه الوحشين الباقيين
وبينما أصابت إحداهما وحشا ... فإن الوحش الآخر تراجع وغضبه يزداد ووحشيته
كان مصمما على الإنتقام ... مهما كلف الثمن
وعلى ضوء الكشاف الذي يحمله رفعت ... والذي لا ينتهي إلا عندما ينتهي ... رأى الثلاثة انقضاضة الوحش الغاضب
ووجه الوحش الأنثوي الجميل يتفجر كبندورة ناضجة
كان ممدوح يحمل بندقية الغفير التي تصاعد منها دخان كريه ... ويديه ترتجفان للمنظر المرعب
وأطرق الثلاثة في صمت جنائزي ... وجثة الوحش تسقط أمامهم معلنة نهاية كابوس
وبداية كوابيس أخرى تؤرق منامهم لوقت طويل
قال رفعت وهو يخفي دموعه : - هل تحسان مثلي بأن هذه الوحوش فيها شيء من البشر
قال أدهم بحكمة : - كل المخلوقات تستحق أن تعيش .... ونحن كنا ندافع عن أنفسنا
قال ممدوح بمنطق وحشي : - نحن الذين اقتحمنا أرضهم لعلمك ... إذن من كان يدافع عن نفسه ... هم أم نحن ؟
أجاب أدهم وهو يحك رأسه مفكرا في الإشكالية : - هم بدؤوا بالهجوم ... ثم ... اللعنة .. ليس هذا ما يهم الآن ... كيف الخروج من هنا ؟ ... وماذا عن الذين جئنا للبحث عنهم ؟
****************
قال اللواء عدنان وهو يدخن غليونه العتيق :
- لقد عثرنا عليهم في غرزة بإحدى قرى أسوان يدخنون الحشيش ... حيث كانوا حسب أقوالهم يجربون نوعا جديدا يسمى كوندوليزا رايس
وأردف وقد احمرت عيناه : - ولو تريدون رأيي ... فهذا النوع ... خطيييييييييييييييييييييييييييييييير
وغاب في عوالم لا تنسى ... مع غليونه العتيق
قال اللواء حمزة : - من الواضح أننا أخطأنا تقدير الأمور ... وتسبب هؤلاء السواح الملاعين في تشويه صورتنا أمام العالم
سأله اللواء سحس : - ماذا تقترح إذن ؟
أجاب اللواء حمزة : - بعد أن نجعلهم يزورون أحد معتقلاتنا الظريفة ... سنعد لهم سيناريو من الأقوال ... نحن لدينا كتاب سيناريو عباقرة .. أليس كذلك ؟
وقهقه بملء فيه كما لو قال نكتة القرن ... وتبعه اللواءات بضحكات صفراء مهنئين على الفكرة ... بينما اللواء عدنان غائب عن الوعي
مع غليونه العتيق
5 المومياء
بعثة أثرية فرنسية يموت أفرادها بعد إكتشافهم قبر كاهن مصري قديم ... مومياؤه مفقودة
أهالي قرية كفر بدر يصرون على أن شبح مومياء يجول قريتهم ليلا ويرعب النساء والأطفال
الفريق 0 استدعي على الفور لحل غموض هذه المومياء وإعادتها لمكانها المناسب ... المتحف المصري القومي
وزاهي حواس يتوعد ويهدد أفراد الفريق إن هم لمسوا شعرة واحدة من المومياء ورغم إعتراضات ممدوح إلا أن صفعة على القفا وركلة قوية مركزة أعادتاه إلى جادة الصواب
فقط د.رفعت كان سعيدا بالعودة إلى قريته الحبيبة ... كفر بدر
أما أدهم .. فكعادته بدا واثقا هادئا وهو يصافح سعادة المدير ويعده بالعثور سريعا على المومياء وإقناعها وديا بالعدول عن غيها والعودة إلى المتحف القومي عن طيب خاطر
وصدقه المدير قائلا :
- بارك الله فيك يا ولدي ... نفسي وقلبي راضيين عنك ليوم القيامة
وأعطاه ثمن الوقود للموتوسيكل
وبدأت المهمة
الحاسمة
*****
بعد جلسة طويلة مع العمدة والغفير بسطويسي وبعد فطور شهي من الفطير المشلتت والجبنة القديمة والعسل الأسود جاء دور كاس شاي ثقيل .. يا سلام
قال العمدة موجها كلامه لرفعت : - أين أنت أيها الأبله ؟ لقد غبت عنا طويلا هذه المرة
لم يرق لرفعت أن يوصف بالأبله أمام زميليه لذا لم يرد وإنما اكتفى بأن أشاح بوجهه المحتقن كطمطماية
وأردف العمدة : - هل تعلمان مسترأدهم وأنت يا مسيو ممدوح سان ــ كان العمدة معتادا على الدردشة مع السواح الذين يقدمون لكفر بدر لمشاهدة الحياة المصرية البسيطة وزيارة كهف هالماجيو ــ هل تعلمان أن رفعت كان بدينا في صغره .. على عكس الهيكل العظمي الذي ترونه عليه الآن
كان رفعت يشرب الشاي وحين سمع الكلام فجره رذاذا وهو يسعل بشدة
بينما أكمل العمدة :
- وكان الأولاد يلعبون به الكرة في الساحة .. نعم .. نعم .. كان رفعت هو الكرة
إنفجر ممدوح بالضحك حتى أدمع بينما ضرب العمدة بكفه على ظهر رفعت مازحا رغم أن العمود الفقري للمسكين كاد يتفكك
أما أدهم فقد لفت نظره شيء ما بالخارج
كانت النافذة المقابلة له تطل على ساحة القرية وشاهد الناس يدخلون دارا ما بكثافة غير عادية
ولم يشعر بالإرتياح
سأل العمدة وهو يرتشف من كوب الشاي : - من يقطن الدار المقابلة في الجانب الآخر من الساحة يا حضرة العمدة ؟
تكهرب وجه العمدة وكاد يسكب الشاي على نفسه وهو يعتدل في مجلسه بغتة ويقول متلعثما : - إنه ... إنه شيخ بركات
قال رفعت : - ذلك المشعوذ ... أما زال يفك السحر ويكتب الأحجبة والتمائم
قال العمدة بغضب : - شيخ بركات ليس بمشعوذ ... إنه رجل صالح من الأولياء .. وله بركاته
قال ممدوح بسخرية وهو يقبل يده ظهرا بكف : - بركاتك يا سيدنا الشيخ
وقال رفعت لأدهم : - شيخ بركات هذا هو إبن مشعوذ آخر هو الشيخ خليل الأسيوطي من سوهاج كان يقيم في طنطا قبل أن يأتي ليعيش هنا وقد توفي في بورسعيد ودفن في مسقط رأسه بأسوان... يمكن القول إنهم سلالة مشعوذين ودجالين وتجار أوهام
قال أدهم للعمدة الذي كان يغلي كبراد شاي تركه أحدهم على الموقد عاما ونيف :
- هل يمكن أن نقابل هذا المحترم شيخ بركت ؟
انفرجت أسارير العمدة لدى سماعه لفظة المحترم وقال بكل فرح : - بكل فرح ... سأبلغه حالا
وخرج بنفسه من الدار متجها لدار المشعوذ حاملا نبوذه الغليظ
قال رفعت لأدهم وهو يحتسي رشفة من الشاي الأسود الثقيل : - ما الذي ترمي إليه يا أدهم ؟
أجاب أدهم وهو يضع رجلا على رجل : - مومياء كاهن مصري قديم في قرية بها مشعوذ مشهور ... أرى أن هذه صدفة طريفة
قال ممدوح وهو يتأكد من خزانة مسدسه الضخم : - إذن لقد بدأت الحفلة
***********
أقفل العمدة الباب خلفه وهو يلج مع أبطالنا الثلاثة بيت الدجال شيخ بركات ، وقال بصوت رتيب : - تفضلوا ... شيخ بركات في الغرفة التالية يستحضر
دخل الأبطال غرفة لا تكاد ترى فيها يديك من كثرة الأدخنة وسعل رفعت كمن ابتلع دخان مصنع حرق نفايات بينما اكتفى أدهم وممدوح بوضع مناديل ورقية على أنفيهما وهما يجدان بصعوبة طريقا وسط العشرات من النسوة والرجال جاءوا يطلبون بركات الشيخ بركات
اقتربوا من ستار يخفي ظلا أسود لرجل جالس كأنه كاهن نافاراي يمارس طقس شوكارا
حين أزاح رجل الستار .... رأوا الذي أكد صدق تكهنات العبقري أدهم
كان الجالس ... والذي ليس بالطبع كاهن نافاراي ... هو المومياء ذاتها ...بذات الوجه المتعفن الأسود البني الأحمر
تراجع أبطالنا إلى الخلف مصعوقين في حين أحاط بهم الرجال والنسوة الذين بدوا متخشبين منومين
بصق رفعت بصقة فيها رائحة النيكوتين وقال بسخط : - اللعنة ... وكأنني أعيش أسطورة النداهة من جديد
ثم التفت للمومياء متسائلا : - من أنت بالضبط ؟
ضحكت المومياء ... وضحكها عبارة عن طقطقة فكين لا أكثر ... ثم قالت بصوت لا تتمنى سماعه : - أنا شيخ بركات ... هل نسيتني يا د.رفعت ؟
وأردف بعد لحظة وفكيه يرسمان ابتسامة ساخرة ... لا أعرف كيف : - هل نسيت الحجاب الذي كتبته لك وبفضله أخدت الثانوية العامة ؟ ... أرى أنك ما زلت تعلقه على صدرك
وضع رفعت كفه على صدره وقال متلعثما : - عن أي حجاب تتحدث يا هذا ؟ .. أيها ... أيها ... من أنت حقا ؟
كان أدهم هادئا كعادته وعقله يشتغل كمحرك غواصة نووية بينما يدا ممدوح تجاهدان لتصلا إلى حزام سرواله لولا ان كبله غفير ضخم كونش عملاق
أما المومياء فقد رمت حفنة من بخور غريب ... فرعوني ... في المبخرة أمامها وهي تحدق في رفعت بعينين هما في الحقيقية كرتين من اللهب الأصفر ، ثم قالت : - أنت تعرف يا عزيزي رفعت ..ـــ يا عيني كم تحترم المسوخ رفعت ـــ .. أنت تعرف بأن أبي الشيخ خليل الأسيوطي ... من سوهاج... كان عرافا عتيدا ... لقد عثر على برديات سحرة مصريين فراعنة
وأردفت بعد لحظة : - ظل والدي العزيز يدرس تلك البرديات طيلة حياته ... وترجمها أخيرا قبل وفاته بفترة ... كانت لكاهن مصري يدعى شخمت ـــ حتى المشعوذون القدامى تبدأ أساميهم بشيخ ... صدفة غريبة ـــ ... هذا الكاهن تلقى دروسا في السحر الأسود على يد سحرة أفريقيين
أحدى هذه الدروس ... موضوع البرديات ... كانت عن تناسخ الأرواح ... وهكذا استطعت أن ألبس جسد وروح الكاهن وبذلك أستعمل قدراته الفذة
وقالت وهي تشير للعمدة ورجال القرية المحيطين بهم : - وصدقني إن لديه قدرات لو استغلت بالشكل الصحيح ... لسيطرت على العالم أجمع
نظر اليه أدهم نظرة من اعتاد مواجهة حمقى السيطرة على العالم بينما اكتفى ممدوح بالحملقة مندهشا ... أما رفعت فقال مستعرضا عبقريته : - وطبعا حين ظنت البعثة الفرنسية المسكينة أنها اكتشفت مومياء ظريفة كنت أنت بسحرك قد لبست جسد المومياء وقمت بقتل أعضاء البعثة
- لم أكن قد سيطرت على المومياء بعد ... وقد دهشت لوجودهم بقدر دهشتهم ... لقد تسببوا في اعلان وجودي قبل الأوان
قال رفعت بسخرية ـــ دائما يسخر في مواقف سخيفة ... وكأنه يسيطر على الموقف ـــ : - لكن يبدو أن لهذا السحر نقطة ضعف كبيرة
قالت المومياء : - ما هي أيها العبقري ؟
أجاب رفعت بذكاء : - الشكل ... لا يمكن القول بأن لك وجه امبراطور على العالم
ضحكت المومياء بطقطقة الكفين مرة أخرى ثم قالت : - بلى لكن ... لو صار البشر جميعا مثلي ...مقبول ... أليس كذلك ؟
حدق الثلاثة فيها بدهشة ... وبدأ عقل ممدوح يفكر ... لا .. يجب التدخل فورا لإيقاف هذه المومياء المعتوهة
قال رفعت وهو يعقد يديه على صدره : - وماذا ستفعلين بنا الآن شيخة مومياء ؟
- طبعا سأقوم بضمكم إلى جيشي الجديد ... إن خبرات رجلي مخابرات وطبيب عتيد لإضافة مهمة لجيش الهوام هذا
وطقطق بفكيه بقوة حتى كادت أسنانهما تقع
حين تصرف رفعت تصرفا أحمق
لقد قذف بالمبخرة في وجه المومياء الذي أخدت النيران تمسك به ... بينما صعق الجميع للتصرف المباغت
واستغل أدهم المفاجأة ليتخلص من حارسيه ويكيل لهما ما تيسر من اللكمات والركلات
ممدوح تحرر من مقيده أيضا لينتزع أخيرا حزامه وسأله رفعت : - أراهن أنه أحد الأجهزة المتطورة ؟
أجابه ممدوح بدهشة : - لماذا تقول ذلك ؟ ... انه حزام عادي
وأخد يضرب مهاجميه من الرجال والنساء على السواء بالحزام ذي المشبك الحديدي الثقيل
كانت المومياء تجاهد لتخلص نفسها من النيران التي أمسكت بجسدها اليابس وهي تصدر أصواتا مزعجة
أخد رفعت يبحث هنا وهناك حيث كانت تجلس ... وأخيرا عثر على البرديات
سأله أدهم وهو يضرب رأسي غفيرين بعضهما ببعض كأنه يكسر بيضتين : - ماذا تفعل أيها العبقري ؟
قال رفعت : - كما ترى أيها الذكي ... أحاول أن أوقف هذه المومياء ... ليست هذه أول مرة كما تعلم
وقرأ البرديات بسرعة
عندما صرخ : - هاااااااا ... كنت أعلم
ونظر لأدهم نظرة من نوع ... هل – رأيت – كم – أنا - ذكي - يا – أحمق - ؟
ثم صرخ بكلمات سبع بصوت هادر... كانت الكلمات السحرية تخرج من فمه كأنها رعود قوية
وبينما تسمر الجميع من المفاجأة ... سقطت المومياء أرضا عظاما نخرة
وانتزع ممدوح نفسه من الدهشة بعد لحظة وهو يقول بحدة : - اللعنة أيها العجوز المتعفن .. لقد حولت المومياء إلى كتلة من العظام ... هل نسيت وعودنا لزاهي حواس
قال أدهم بهدوءه المستفز : - عزيزي ممدوح ... عزيزي ممدوح
وأشار بطرف عينيه إلى رفعت وهو يستطرد : - أنت دائما متسرع ... ألا ترى أن البديل أمامنا ... فكر جيدا
نظر اليه ممدوح بدهشة أولا ... قبل ان يحملق في رفعت ووجهه المنكمش المتغضن كمومياء
وقهقه بملء فيه وهو يمسك بطنه من الضحك
أما رفعت ... فقد فهم الأمر كله وأخد يغمغم بكلمات ساخطة
سيمر بأوقات عصيبة في صفة مومياء
6 سونيا جراهام
تعود سونيا جراهام لمصر من أجل الإنتقام من أدهم الذي طلقها وهرب من دفع النفقة والمؤخر
وهذه المرة جاءت مع فريق خاص
غير عادي
الأم مارشا ود.لوسيفر وشبح موشى حاييم دزرائيلي
وكانت الضربة الأولى اختطاف ممدوح من كازينو الهرم حيث كان يشاهد أحد فقرات الراقصة لولا الرائعة
وبينما هو في شقته ، تلقى أدهم اتصالا من رفعت يدعوه للحضور إلى الشقة السرية
وهناك ... سمع رسالة سونيا
من فم قطة سوداء
******************
- اللعنة ... قال رفعت ... لابد أن هذه أحد ألاعيب الأم مارشا
قال أدهم : - وما دخل ساحرة الفودو تلك بزوجتي السابقة ؟
قال زوجتي وهو يشعر بالغثيان
وقال رفعت : - إن سونيا هذه أفعى سامة بحق .... لقد اختارت حلفاءها جيدا هذه المرة
كان القط قد تجمد في مكانه على الطاولة وسقط ميتا
قال أدهم بحنق : - اللعنة ... لم أفهم رسالة هذه المعتوهة جيدا ... ماذا قالت ؟
أجاب رفعت وهو يشعل سيجارة : - عليك أن تذهب للقاءها في شاليه على النيل عنوانه موجود بورقة تجدها في بطن القط
ومد بيده لأدهم بسكين فنظر إليه هذا باستنكار قائلا : - ماذا ؟ ... هل تتخيل أنني سأفعل ذلك ؟
قال رفعت ببرود : - أنا شخصيا لا تهمني حياة ذلك الشخص ممدوح .... هل تهمك أنت ؟
أخد أدهم السكين بحنق ... وفتح بطن القط وهو يتأفف
كانت هناك ورقة كبيرة ملطخة بالدم
قرأ فيها عنوان الشاليه ودونه في عقله بسرعة كالعادة
قبل أن يرمي الورقة من يده كأنها جمر ملتهب
وقال لرفعت قبل أن يغادر : - أفترض أنك لن تذهب معي
فوجئ به يقول باستنكار : - هل تمزح ... وأفوت فرصة لقاء صديقي العزيزين د.لوسيفر والأم مارشا ... اذهب وسألحق بك
********************
كان أدهم قد أعد العدة لمواجهة عنيفة وغير عادية ... لذا تسلح كما يجب وأجبر رفعت على حمل بعض الأسلحة
وقد فوجئا بأن الشاليه الذي دخلاه من بابه المفتوح كان خاليا
أو هكذا تخيلا
ففي لحظة ... وكالسحر ... ظهرت أمامهما سونيا الفاتنة ... بجسدها المتناسق البديع وهي تنفث دخان سيجارة رفيعة من شفتين شهيتين
كانت تجلس على أريكة وبجانب قدميها تجلس الأم مارشا على الأرض كمومياء أزتكية
لكن الذي فاجأ رفعت هو د.لوسيفر
كان واقفا عاقدا يديه على صدره وهو يبتسم بذات الإبتسامة التي تحمل ألف معنى و لا معنى في نفس الوقت
أما الذي صعق أدهم ... فهو شبح موشى حاييم دزرائيلي
كان يحلق فوقهم ... كأنه في حالة من انعدام الوزن
تكلم د.لوسيفر أولا ... قائلا لرفعت بصوته العميق : - مدهوش أنت للقاء من لا ترتقب لقاءه
تجاهله رفعت تماما وهو يلتهم سونيا بنظراته المندهشة ويهمس لأدهم وزبد يتطاير من شفتيه : - أهذه زوجتك يا أدهم ؟ ... هل جننت لتطلقها يا صاحبي ... إنها ... إنها ...
قاطعه أدهم ببرود : - إنها شيطان
قهقهت سونيا بوحشية وقالت بصوت يقطر سما زعافا : - ستندم يا أدهم ... ستندم ألف ألف مرة على تركك لي وهجرك بعد كل ما فعلته من أجلك
قال أدهم بسخرية غاضبة : - وماذا فعلت من أجلي يا سونيا ؟ .. هه
وأرف ووجهه يحمر كالحمم : - لقد حرمتني من أن يكون ابني من الإنسانة التي أحب
تساءل رفعت بلهفة : - أيهن ؟
لم يسمعه أدهم وهو يصوب مسدسه نحو سونيا قائلا : - أنا الذي سيقتلك أيتها الحيزبون ... ضدا عن كل مبادئي وأخلاقي واقتناعاتي ومسلماتي وأهدافي و...
قال رفعت بضجر : - اختصر وافعل
لم يسمعه أدهم هذه المرة أيضا وهو يطلق الرصاص بغزارة
لكن بدا وكأن الرصاصات تصطدم بجدار وهمي دون أن تقتنص أهدافها
قال الأم مارشا بصوت غراب من هونولولو : - ألا تريان هذا الخط الأحمر على الأرض ... إنه خط حماية ... لن تماسانا بأذى ما دمنا في هذا الجانب
نظر رفعت و أدهم لخط مرسوم على الأرض بلون أحمر كالدم يفصل د.لوسيفر و سونيا والأم مارشا في نصف الغرفة
أردفت الأم مارشا بذات الصوت الذي يثقب الأذن : - نعم يا عزيزي رفعت ... انه دم رجل أبيض ... شخص تعرفه جيدا
تمنى رفعت لو يكون ممدوح ... لكنها فاجأته : - هاري شيلدون ... صديقك الأمريكي الأشقر
قال رفعت بغضب : - أيتها الحقيرة
قال د.لوسيفر بصوت نمر يتربص : - تمالك أعصابك يا عزيزي رفعت ... أنت تعرف أن المانوية تقول إن الشر ضروري للكون كالخير
لم ينتبه أدهم لهذا الحوار الثقافي وانما كان عقله يدرس الموقف كمحرك سفينة فضاء وعيناه تراقبان طيف موشى الذي كان يدور ويدور في سماء الغرفة وهو يصرخ ويهدد ويطلق رصاصا شبحيا ... كان شبحا مسكينا
ثم سمع صوت د.لوسيفر يقول في عقله : - لا تجهد نفسك يا مستر أدهم ... فلا تستطيعان أن تفعلا شيئا ... وإنه لعمري لم أر في مثل شقائكما ... واللات والعزى إنني لآسف لمصيريكما
قال رفعت بضجر : - وما هو هذا المصير لو تفضلت بإختصار الطريق وانت تبدو كزعيم عربي يخطب
قال ت سونيا مجيبة هذه المرة : - كنت أريد أن أذيبك في حمض قوي يا أدهم وأتلذذ بأكل قلبك نيئا
بلع رفعت ريقه بصوت مسموع وهو يقول : - هذا هو الحب
بينما سونيا تردف غير عابئة حتى بوجوده : - لكن صديقتي الأم مارشا تعد لك مصيرا مسليا أكثر
وأردفت وهي تضرب كفيها مصفقة : - كهذا
ليدخل ممدوح من غرفة مجاورة على أربع ولسانه يتدلى خارج فمه ويلهث ككلب مدلل
كان ممدوح قد تحول بسحر عجوز الفودو الشمطاء إلى حيوان أليف
وجلس ككلب يلعق معصمه وهو بين رجلي د.لوسيفر الذي نظر إليه لحظة ثم قال لأدهم ساخرا : - سيكون هذا أشد هولا من الموت بالنسبة لك يا مستر أدهم ... الذل الذي سيحيق بك
شعر أدهم بالدماء تتجمد في عروقه ... وطيف موشى في سماء الغرفة يطلق ضحكات عالية ... تزيد من توتر أعصابه
كان الموقف يبدو بدون مخرج
نهاية مأساوية
****************
فجأة ظهر
هن تشو كان .... كاهن النافاراي المخلص ... دخل من باب الشاليه وهو يغمغم بكلمات ما
ثم قهقه رفعت صارخا : - هاااا ... لقد نلت منكم
بدا د.لوسيفر فاغرا فاه كأحمق ... لقد صعق لهذه المفاجأة
قال بذهول : - من ..... ؟
أما سونيا والأم مارشا فلم تفقها شيئا مما يحصل ... ولا أدهم ... ولا أنتم
قال رفعت : - لقد اتصلت بصديقي هن تشو كوسيلة ضمان ... طبعا عرفت أن د.لوسيفر قد يكشف كل شيء بقراءة أفكاري ... لذلك استعمل هن تشو أحد طلاسم النافاراي ... والآن يا ساحرة الفودو الشمطاء ... اليك بساحر خارق الآن
وأشار لهن تشو كان : - والآن يا صديقي ... أرهم ماذا تجيد ؟
قال هن تشو بحنق : - إحذر مما تقول مستر ريفااات ... أنا لست ساحرا ... ولست مهرجا لأريهم ما أجيد ... أنا جئت هنا فقط لمساعدتك
وأشار له و لأدهم بحزم بمغادرة المكان : - والآن ابتعدا فلن يعجبكما ما ستريان
............................................................ ............................................................ ............................................................ ............................................................ ............................................................ ............................................................ ............................................................ ...............................
كان د.لوسيفر معلقا في سقف الشاليه بقلادته الذهبية مشنوقا ولسانه يتدلى ببشاعة مع عينين خاويتين ... بينما الأم مارشا مبعثرة على الأرض .. مع أن أطرافها حية ...لأن يديها ما زالتا تتحركان على أصابعهما باحثة عن باقي الأطراف ...ورأسها ينادي بصوت واهن تحت الأريكة
سونيا جراهام ... اختفت ... وحلت محلها أفعى كوبرا متفحمة ... وقد برزت أنيابها و عيناها بيضاويتان
شبح موشى تبخر من سماء الغرفة تماما
بينما ممدوح فاقد الوعي على الغرفة
خرج هن تشو من الشاليه وقال لرفعت وأدهم الذين قبعا ينتظران خارجا : - في المرة التالية ... احترمني أكثر د.رفاات ... وهات لي بخصوم في المستوى
وغادر المكان بهدوء مستفز
قال أدهم وهو يجري نحو الشاليه : - ماذا فعل بحق الشيطان
ولحقه رفعت
بعد لحظات غادرا المكان بصحبة ممدوح فاقد الوعي
************************
في مجلسهم السري بشقة حارة شندويلي كان الأبطال يجتمعون حول طاولة الشاي
قال أدهم وهو يضع رجلا على رجل ـــ رجليه طبعا ـــ : - كان خصومنا أقوياء ... لكن هن تشو كان هذا رجل خطير بحق
أما رفعت فقال وهو يلف سيجارة كراعي بقر أخرق : - لقد أراحك من سونيا إلى الأبد على الأقل
هز أدهم رأسه نفيا وهو يقول : - لا أعتقد ... في مرات عديدة ظننت أن سونيا انتهت ... لكنها تظهر في كل مرة أشرس من ذي قبل ... وتعاونها مع ساحرة الفودو تلك .. يثير الرعب
قال رفعت ضاحكا : - انت الذي يهول من الأمر يا عزيزي أدهم ... لقد انتهت سونيا والأم مارشا ود.لوسيفر إلى أبد الآبدين ... ثق بي
قال أدهم وهو يهز كتفيه : - الأيام ستثبت من بيننا المخطئ ... ومن على حق
وأردف وهو يشاهد رفعت يربت على رأس ممدوح الجالس بين رجليه : - أما الآن فلنعبث قليلا مع زميلنا ممدوح حتى ينتهي سحر الأم مارشا عليه ... أراهن أنك تفضله هكذا .. المسكين ... يثير شفقتي
قال رفعت باستنكار : - الشفقة ؟ ... لو كان في مكانك لنكل بك هذا الوغد ... اتركني أشفي غليلي فيه ..
وركله في ذيله
قبل أن يتساءل بخوف مفاجئ : - هل تظن أنه سيتذكر هذا حين يعود لحالته السابقة ؟
حين نط قط أسود من خارج نافذة البيت
وبينما قفز ممدوح على أربع يطارده وقف أدهم قائلا : - انها ...
قاطعه رفعت وهو يرمي السيجارة ويقف بدوره : - أعرف ... رسالة من الإدارة ... مهمة جديدة
السفاح
من سجن عالي السرية في عمق ألف متر تحت سطح الأرض هرب السفاح الخطير سعدون سبعون من زنزانة خارقة التحصين
سعدون سبعون هو نتاج عملية وراثية فاشلة لعلماء مصريين كانوا يعملون في نسخة مصرية لمشروع سوفيتي أيام الحرب الباردة
مشروع لتكوين جيش خارق
لكن السحر انقلب على الساحر وفر سعدون بعد أن ترك مذبحة خلفه ذابحا حراسه واكثر من جندي في القاعدة العسكرية التي كان مسجونا بها
الفريق 0 كان عليه ايجاد السفاح الرهيب وايقافه قبل أن يسفك المزيد من الدماء
وبأي ثمن
**********
- قرد .. سعدون هذا قرد ؟
قال رفعت بدهشة عظيمة ، في حين حدق ممدوح ذاهلا في أدهم الذي قال بضيق :
- نعم .. قرد .. أعرف أن الأمر يبدو غريبا .. بل ومخيفا .. لكن هؤلاء المسؤولون مستعدون لفعل أي شيء في سبيل تحقيق التفوق العسكري .. حتى اللعب بمخلوقات الله تعالى
حوقل رفعت قبل أن يقول برعب : - يا إلهي .. أرتجف رعبا وأنا أتصور هذا القرد يقوم بقتل الناس كسفاح مريض
وعلق ممدوح قائلا لأدهم : - وتقول إن نسبة ذكائه تفوق 180 .. ياللسعادة .. قرد سفاح وعبقري في نفس الوقت
سأل رفعت : - هل تم تدريبه على القتل أم ماذا بالضبط ؟ .. أعني كيف سنتعامل معه ؟ .. هل باعتباره انسانا مريضا أم جنديا متمردا أم ماذا بالضبط ؟ قل لي من فضلك ماذا بالضبط ؟
أجاب أدهم وهو يطلق زفيرا : - لا تظنن أني سأفشي أسرارا هاهنا .. يكفي أن تعلما أنه قرد ذكي لديه قدرة هائلة على التكيف والتعلم .. وميولا شريرة دموية للقتل والتدمير
شعر ممدوح بقشعريرة تجتاحه وقال بتوتر : - سؤال آخر : تقول أن اسمه سعدون سبعون ... فماذا حصل للتسعة والستين قردا قبله ؟
قال أدهم بضيق : - لقد سبق وقلت إن هذه أسرار عسكرية .. سرية للغاية ... توب سيكريت .. هل تفهمان ؟؟ .. سؤال آخر من هذا النوع وأريكما كيف أكون حين أغضب
*************
بعد معاينة الزنزانة التي كان سعدون سبعون سجينا فيها ... وسؤال الحراس ومراجعة تاريخ التجربة الرهيبة .. لم يتوصل الأبطال لشيء
كان طرف الخيط مفقودا .. فلا أحد يستطيع تكهن ما يفكر فيه قرد مريض مصاب بالنرجسية والسادية كسعدون
لكن الأخبار الجديدة وصلت بأسرع مما كان الجميع يتصور
الدكتور شادي حمود والمهندس عمر زكي تم قتلهما بطريقة بشعة
وفي غرفة سرية التقى الفريق لدراسة التطورات الأخيرة
**************
كان أدهم يعرض صور القتيلين وهو يعقد حاجبيه بغضب أما رفعت فكان يرتجف كمحرك عجوز بينما قال ممدوح بتوتر :
- لقد بعثر أحشاءهما هذا القرد المخبول .. أكاد لا أرى عيني هذه الجثة
قال رفعت وهو يشير بيده إلى الصورة :
- إنهما هنا بجوار هذا الكبد وهذه الأصابع المبتورة
قال أدهم : - ألا تكفان عن هذا .. وكأنكما تستمتعان برؤية هذه المذبحة .. إليكما كل المعلومات عن القتيلين : الدكتور شادي حمود هو عالم جينات كان يعمل في المشروع السري .. وكان المسؤول المباشر عن تجربة سعدون
والمهندس عمر زكي هو الذي كان على رأس مصممي الوحدة السرية التي انشئت خصيصا للمشروع
قال مدوح بتوتر : هل تقصد أن هذا القرد المخبول ربما يحاول تصفية جميع المسؤولين عن التجربة التي أدت إلى وجوده
عقب أدهم : - وانك تسرق الكلمات من طرف فمي
بينما قال رفعت بحكمة : - إرادة الله سبحانه عز وجل هي التي أدت إلى وجوده ... أما نحن .. البشر الفانون .. فأدوات بسيطة في يده .. مجرد أدوات تنفد مشيئته
نظر إليه ممدوح بحنق .. لكنه لم يقل شيئا
بينما قال أدهم : - كفا عن الفلسفة الآن .. ربما نمسك هنا طرف الخيط الذي سيقودنا إلى هذا المجنون العبقري الدموي
وأردف :
- ثالث أكبر مسؤول عن تجربة سعدون هو الكتور سعيد عبد الغني .. عالم سلوك عبقري .. إنه يعتبر بمثابة أب لسعدون .. فهو الشخص الذي كان يرافقه طوال حياته .. أعني قبل أن يصبح .. سفاحا
قال ممدوح وهو يتحسس مسدسه بتوتر : - ماذا ننتظر إذا ؟
*************
كان الدكتور سعيد ممنوعا من مغادرة القاعدة العسكرية السرية في المكان السري الذي توجد فيه ، والذي لا يعرفه لا رفعت و لا ممدوح لأنه سري .. بينما أدهم يعرف كل شيء عن أي شيء كالعادة
التقى الأبطال بالعالم العبقري الذي يشبه مزيجا من نجيب محفوظ والعقاد وآينشتاين وفرانكنشتاين .. ولقد بدا متحفظا جدا في كل ما يتعلق بذكر تجربة سعدون ، غير أنه لم يفلت من سيل أسئلة رفعت الملحة والسمجة إن لم نقل الوقحة أحيانا :
- قل لي دكتور سعيد .. هل استخدمتم جينات بشرية في تجربة إنتاج ــ لو جاز التعبير ــ هذا القرد المخبول
رد سعيد بضيق : - أولا سعدون ليس بقرد مخبول .. إنه كائن ذكي ..ذكي جدا .. وبالنسبة لسؤالك فأجيبك .. لا .. لم نستخدم جينات بشرية وأؤكد لك أن سعدون ولد ولادة طبيعية تماما
نظر إليه رفعت نظرة من نوع : على – مين – يا – راجل
كان الجميع يتواجدون في قاعة كبيرة بها شاشات رصد عملاقة عديدة .. انهمك ممدوح ورفعت عن طريقها في تتبع ما يجري داخل القاعدة العسكرية .. وقد ذهل ممدوح لما اكتشفه في تلك الشاشات
ادهشه أن يرى ما يمكن لمصر أن تفعل
كان هناك عمل كثيف كخلية نحل حقيقية لمجموعة من العلماء المصريين في مختلف ميادين البحث العسكرية
علماء يجربون أنواعا جديدة من الأسلحة
آخرون يجرون تعديلاتفي مقاتلين آليين
عشرات عباقرة الكمبيوتر في قاعة كبيرة مظلمة منهمكون في ابتكار نظم تجسس واختراق وبرامج عسكرية معلوماتية
مهندسون يشتغلون على مقاتلة تجريبية
و ...
وفجأة بدأت الشاشات تهتز
ودوت صفارات الإنذار مع ذلك الضوء الأحمر المتذبذب
نهض د.سعيد من كرسيه بفزع وجول بعينيه في شاشات الرصد يتابعه الأبطال وممدوح يقول :
- ماذا هناك ؟
شاهدوا العلماء يسقطون في مختبراتهم كذباب رش عليه مبيد قوي .. وأخذ الجنود يتحركون بسرعة وعصبية بحثا عن شخص ما
أو شيء ما
أو قرد ما
قال د.سعيد بارتياع :
- سعدوووون
وتراجع بظهره للوراء مردفا : - إنه هو .. لقد جاء من أجلي ..
حاول رفعت التهدئة من روعه وهو يقول بصوت متوتر : - اطمئن يا دكتور سعيد .. لن يصيبك مكروه وأنت معنا .. أنت مع رجل المستحيل فلا تخف
قال د.سعيد بارتياع : - سعدون سبعون لا يمكن لأي شيء أو أي شخص أن يقف أمامه .. ألا تفهمون ؟ .. إنه النسخة الوحيدة الناجحة إلى حد رهيب من المشروع .. يا إلهي .. لقد انتهينا
نظر إليه رفعت مندهشا وقد استغرب كيف بدأ لسان دكتور سعيد يزل بالمعلومات السرية فجأة في حين انعقد حاجبا ادهم ضيقا وسأل ممدوح بلهفة متوترة مستغلا حالة د.سعيد : - كيف ذلك ؟ .. لا يستطيع أحد مواجهته .. ما هي قدراته بالضبط ؟
ردد سعيد بضحك هيستيري : - قدراته ؟ .. قدراته ؟ .. أنه لا يهزم في قتال مباشر أبدا .. ويمتلك قوى تحريك عن بعد متطورة .. وأخشى ما أخشاه أن يكون طور قدرات نفسية أخرى .. ألم أقل لكم ؟ .. لا شيء يقف في طريقه .. ما دام هنا فقد هلكنا
وتهاوى على مقعده يبكي بحرقة عجيبة
حين انقطع التيار الكهربي بغتة
وكمن لسعه سوط .. انتفض جسد د.سعيد وهب يجري بجنون وهو يصرخ : - لا .. لن يتمكن مني بسهولة
وغادر الغرفة تحت أعين الأبطال الذاهلة
انتزع أدهم نفسه من ذهوله أولا وقال لرفيقيه: - لنلحق بهذا المخبول الآخر قبل أن يفعل شيئا أحمق مثله
وهب يجري في إثره وهو يستل مسدسيه وممدوح يتبعهما متوترا
وفي ممر طويل .. ورغم الإضاءة الباهتة التي تنبعث من مصابيح في السقف تشتغل ذاتيا مع انقطاع التيار رأى أدهم شبح د.سعيد يدخل غرفة ما بعد أن فتح بابها المعدني السميك مديرا عجلة كمقود سفينة
حث أدهم ممدوح قائلا : - بسرعة قبل أن ينغلق الباب خلفه
وقفز قفزة أقل ما يمكن القول عنها أنها
مذهلة
وسقط على يديه الممسكتين بالمسدسين ثم دار على الأرض ككرة دورتين قبل أن يهب واقفا على بعد مئة متر من د.سعيد ..
في حين كان ممدوح يطلق بسخط نيران مسدسه على الباب المعدني الذي انغلق لحظات قبل أن يصل إليه
ولم يأبه أدهم له وهو يحاول اللحاق بد.سعيد
ثم عادت الأنوار فجأة
ووجد أدهم نفسه أمام .......
سعدون سبعون.
كان يبتسم كقرد
ابتسامة قرد عادية .. لو لم تكن لسعدون سبعون
وشعر أدهم بتوتر عنيف يجتاحه في كل عضلة من جسده
لقد قاتل من قبل مئات الرجال الغلاظ الشداد
خبراء الرياضات القتالية .. مقاتلي الشوارع .. وضباط المخابرات المدربين تدريبا عاليا فذا
وتفوق عليهم .. جميعهم
لكنه الآن أمام خصم مختلف
أمام خصم لا يعلم ما يمكن أن يفعله
ورفع مسدسيه في وجه القرد وهو ينتظر أي حركة عدوانية من القرد ليفرغ طلقاته فيه
لكن ضربة عنيفة على مؤخرة رأسه جاءته من حيث لا يدري ..
وقبل أن يفقد وعيه .. رأى سعدون يقفز فرحا كأي سعدون يحترم سعدانيته
**************************************************
انهض بالله عليك يا أدهم
تسلل صوت رفعت إلى أذني أدهم فاستعاد صفاء ذهنه وهب من الأرض وهو يقول بتحفز :
- ماذا حدث ؟ .. أين سعدون ؟
قال رفعت وهو يشير إلى الخارج : - لنلحق بهما بسرعة .. ممدوح يواجههما بمفرده وأخشى أنه لا يستطيع مقاتلتهما طويلا .. خاصة وأن د.سعيد استولى على زي مشروع السوبرمان المصري
وانطلق يجري خارج الغرفة بعد أن حمل شيئا كمدفع هاون .. ولحق به أدهم غير متأكد تماما مما يحصل
بعد ثوان رأى رفعت وممدوح يحتميان خلف بعض الآلات المحطمة وسيل عنيف من الرصاصات العجيبة الخارقة تنهال عليهما محطمة الأجهزة ومخترقة الأرضية والجدران بعنف
ثم رآه
كان شخصا بزي كرائد فضاء يطير في سماء القاعة العسكرية التحت أرضية بجانب المصعد الرئيسي
وكان مؤشر المصعد يشير إلى استدعاء المصعد
وسمع أدهم ممدوح يصرخ : - افعل شيئا يا هذا .. يجب ايقافه قبل أن يستقل المصعد مع القرد
ولم يحتج أدهم لأكثر من هذا لتقدير الموقف
وبسرعة تليق به.. اختطف المدفع الذي كان رفعت يحاول يائسا فهم كيف يعمل ، ووضعه على كتفه وأصابعه تبحث عن طريقها على أزراره كأنما هي التي اخترعته
وظهرت شاشة تصويب إليكترونية
وصوب أدهم طلقة مضيئة كشمس صغيرة أصابت جسم السوبرمان الطائر في منتصفه وقذفته بقوة نحو جدار المصعد
ثم طلقة أخرى أهمدت حركته تماما وهو يحاول الطيران من جديد
وسقط السوبرمان أرضا يحوم حوله سعدون مطلقا ضحكاته السعدانية
***************************
في الشقة السرية بحارة شندويلي التقى الأبطال حول طاولة الشاي بالنعناع ورفعت يدخن سجائره الرخيصة باستمتاع ما بعد استمتاع
قال أدهم : - لا أفهم لماذا فعل د.سعيد ذلك ؟ ..
التفت إليه ممدوح الذي كان مستلقيا مغمضا عينيه في استرخاء وقال مجيبا : - لقد أخطأنا منذ البداية خصمنا .. سعدون رغم أنه قرد خارق إلا أنه كان مجرد جندي ينفذ الأوامر الصادرة إليه .. و د.سعيد أراد أن يهرب بنتائج تجاربه الخطيرة ليستغلها لحسابه الخاص ..
أكمل أدهم : - لقد لجأ إلى خطة معقدة .. أطلق أولا سراح سعدون بعد أن أمره بقتل كل من له صلة بالتجربة ليبقى الوحيد الذي يمتلك كل الأسرار .. ثم خلق كل تلك المسرحية ليفر .. ليس فقط ببحوثه السرية ولكن بمجموعة أخرى من الأسرار العسكرية كمشروع السوبرمان
قال رفعت بفخر : - لولا أنني بقيت في غرفة المراقبة حين لحقتما بد.سعيد .. لما اكتشفنا الحقيقة .. فقد أظهرت شاشات الرصد كل شيء حين عاد التيار الكهربي بعد تشغيل المولدات الاحتياطية .. رأيت د.سعيد يضربك على أم رأسك يا أدهم ـ وأستميحك عذرا للتعبير لكني لم أتمكن من نفسي ـ ورأيته يسرق مجموعة من أسطوانات الكمبيوتر
ارتشف أدهم من كوبه المنعنع وقال بهدوء دون أن ينظر لرفعت : - يخيل لي أنك تريد القول أنه لا غنى لنا عنك يا عزيزي رفعت
لم يجب رفعت وانما ظل يرمقه بنظرة طويلة حانقة حين نط قط أسود أعور على بطن ممدوح نطة جعلته يشهق
ونهض أدهم وهو يضع الكوب على الطاولة ثم يعدل من رباط عنقه قائلا : - كفانا كسلا الآن .. هيا إلى العمل .. إنها مهمة جديدة
|