مشهد من الحياة الاجتماعيه والمعتقدات الدينيه التي كانت تسيطر على تلك الحقبه من الزمن :
من خلال هذا التباين الجغرافي الشديد بين الصحراء القاحله والوادي الخصيب والشمس المشرقه والنهر المنساب ,, تكونت لدى المصري القديم اعتقادات تكونت من مزيج بين عقله وخياله مزج بينهما في اساطير محكمه آمن بها باعتبارها حقيقه دينيه .. حالها حال عبادة الاصنام في شبه الجزيره العربيه ...
وقد تصور ارواح شريره وأرواح خيره وراء كل المظاهر الطبيعيه المحيطه به ..
ومن مشاهداته للشمس تصور الإله "لآمون رع" يبحر عبر السماء كل نهار في مركبه الشراعي, ويعود الى الشرق في الليل..
ورأى في الارتفاع السنوي لنهر النيل بعث الإله "أوزوريس" الذي كان حسب الاسطوره انسان خير قضى عليه اخوه الشرير "ست" ,, وقد عاد "أوزوريس" ليصبح إلها للموتى في العالم الاخر..
كذلك تصور المصريون القدماء الفرصه سانحه لحياة ثانيه بعد الموت , لقد اصبح الايمان بالبعث والحياة الابديه بعد الموت هي أقوى مؤثر على الحضاره المصريه والفن المصري في الفتره الفرعونيه.
وقد بدأت المقاطعات الصغيره تظهر على طول النهر , ورويدا رويدا اندمجت في مملكتين: مصر السفلى, ومصر العليا.. وأخيرا اتحدت المملكتان في حوالي 3400ق.م تحت حكم الملك "مينا" ,, كان الفرعون هو رأس النظام السياسي والاجتماعي, وكانت الزراعه هي القاعده الاقتصاديه الرئيسيه..
ومن مقابر الدوله المصريه القديمه تاتينا صوره حيه للحياة المصريه,, لأن الاعداد للحياة المستقبليه كان واحد من المهام الرئيسيه للوجود في هذا العالم,,
وقد اعتقد المصري القديم ان هناك قوة تسمى "كا" وهي مايمكن ان نسميه "الروح,القرين" ,,جاءت الكا الى الحياة مع البدن واستمرت معه طول الحياة بالرغم من عدم رؤيتها.. وعند الموت تصحبه الى العالم الآخر.. وربما أن الكا والبدن كانا يبقيان سويا فالبدن يجب ان يحفظ بعناية عن طريق التحنيط ,, اما الكا فتحفظ عن طريق القرابين التي تقدم للميت..
ولضمان توفير الأشياء الضروريه والأشياء الترفيهيه لأرض الروح ,, كان من الضروري تصوير العالم الحالي او النحت على جدران المقبره ... كانت المعتقدات هي الدافع وراء الفن المصري ..
فن العماره المصريه في الدوله القديمه:
كما ذكرنا سابقا عن النظام الاجتماعي والمعتقدات الدينيه لدى المصريين القدماء ,, فمن الطبيعي ان نستنتج انهم كانوا يهتمون بالمقابر والمعابد الحجريه الضخمه الكتله , القوية البناء ,, أكثر من مساكنهم التي كانت تبنى بالطوب واللبن اللذي كان مناسبا للجو الحار
ولم تحظ منازلهم بالاهتمام الذي حظيت به المقابر والمعابد
اهتم المصريون بموتاهم ,, واستلزمت فكرة البعث أن يعمل الأحياء على صيانة البدن والكا معا حتى بعد أن يفترقا , لكي يضمنوا لهما ألتقاء سعيدا في العالم الآخر.
للاحتفاظ بالبدن اخترع المصريون فكرة التحنيط وطوروا باستمرار من أسلوب الدفن ,, وبناء المقابر التي مرة بمراحل كثيره حتى وصلوا الى شكل الهرم الكامل الذي يعد قمة تطور بناء المقابر في الدوله القديمه ..
اما المحافظة على الكا فكانت عن طريق مداومة زيارة المقابر وتقديم القرابين والمأكولات لصالحها.
بدأ التطور في بناء المقبره من حفره صغيره في الارض ,, كان الميت يوضع فيها في وضع القرفصاء (ركبتاه الى الصدر), وغطيت الحفره بالرمال .. وللتعرف على موقعها ميزوها بكومه مرتفعه بعض الشئ.. وحتى لا تذرو الرياح هذه الكومه فقد ثبتوها ببعض الحجار الثقيله ..
ومع الزمن صفت هذه الحجار بشكل منتظم ,, ثم بنيت فيما بعد على شكل مستطيل كبير مائل الجدران ,, سمي بــ (المسطبه)
تعريف المسطبه: هي البناء العلوي للمقبره,, واسفلها توجد حفره عميقه سميت البئر وهي تحتوي التابوت الذي ضم جسد المتوفي,, أما جسم المسطبه نفسه فهو أصم ليس فيه من الفراغات إلا فراغين : غرفة الزياره وتسمى احيانا غرفة القرابين ,, وثانيهما هو ما عرف باسم السرداب.
كان لغرفة القرابين باب شرقي يدخل منه الزوار لتقديم القرابين لروح الميت الذي كان يعتقد بانه ياتي من خلال جدار الحائط الغربي للغرفه لتأكل القرابين والمأكولات.. وبمرور الزمن تعقدت هذه الحجره في التصميم فأضيفت إليها حجرات اخرى وممرات جانبيه..
أما السرداب فهي غرفه سريه في وسط البناء ليس له باب ,, وانما فيها فتحات صغيره في الجدار تطل على غرفة القرابين .. والهدف من هذه الغرفه هو وضع تمثال كامل للميت يمكن أن يمثله في عالم الروح إذا أصاب البن الأصلي أي تلف ..
بينما ظلت المساطب تبنى وتستخدم كمقابر للشخصيات المهمه في المجتمع ,, تطورت منها اشهر اعمال العماره في العالم وهي الاهرامات ..وكانت بين فكرة المسطبه والهرم الكامل عدة حلقات من التطور ..
فقد بنى أمحتب وزير الملك زوسر هرمه المدرج من وضع عدة مساطب متدرجه في الحجم فوق بعض فنشأ بذلك هرم (سقارة المدرج) ,, بملء الفراغات الناشئه عن المدرجات أصبحت الوجوه الأربعه للهرم مستويه.. ولكنها لم تأخذ شكل الهرم الكامل كما نراه في مجموعة أهرامات الجيزه..
رغم بساطة شكل الهرم الا ان التوصل لهذا الشكل لم يكن سهلا بل إنجاز هندسي...
فمن المعجز في الموضوع ان المصري القديم كان يستخدم حبل به عدة عقد فقط وبعض الأوتاد للحصول على مساحة القاعده المربعه بزواياه القائمه وبفرق لا يذكر بين أطوال الأضلاع,,
وكيف أستطاعوا أن يجعلوا كل وجه من الوجوه الأربعه للهرم يواجه جهة من الجهات الأصليه الأربعه في دقه بالغه,,
هذا من غير التفاصيل الداخليه التي تجعلك تعجب ,, مثل وجود حجرات التهويه فوق غرف الدفن لكي تخفف عن سقفها ثقل الأحجار التي في القمه ,,
ومثل منافذ التهويه التي تخترق كل المسافه من غرفة الدفن الى السطح الخارجي للهرم ..
أضف الى ذلك القيمه الكامنه وراء الشكل الهرمي,, فإن كان الخلود للملك هو الهدف من بناء الهرم ,, فإن الشكل الهرمي بقاعدته الكبيره ومركز ثقله المنخفض هو ارسخ شكل هندسي ,,
ولو وضعنا في الاعتبار كيف كانت الأرض منبسطه في عهد الملك خوفو دون مبان كبيره عاليه ,, لادركنا كيف كان الهرم يبدو شامخ حتى من على بعد كبير ..
قد يلاحظ من يرى أهرامات الجيزه الثلاثه ان الاوسط منها هو أكثرها ارتفاعا ,, ولكنها ليست كذلك بل هي مشيده على ارض اكثر ارتفاع.. اما هذا الهرم فإن حجمه يقل بكثير عن حجم سابقه ,, مما يدل على التقلص الإقتصادي والسياسي لقوة الملك (خفرع) عما كان عليه ايام جده الملك خوفو..
كان للملك خفرع مجموعه هرميه تتضمن التالي:
1- نفس الهرم الذي كانت بداخله حجرة الدفن.
2- المعبد الملحق بالهرم من الجانب الشرقي, حيث كانت تقدم القرابين وتؤدي الشعائر, وحيث كان يحفظ في غرف التخزين الكتان والحبوب والعسل والزيت والآنيه التي كانت تستخدم في المراسم الدينيه والصلوات اليوميه..
3- الطريق الحجري المسقوف المار فوق الصخور.
4- معبد الوادي أو المدخل الى الطريق الحجري الموجود أسفل عند الوادي..
كان معبد الوادي هو القريب من المدينه (التي كانت في الوادي) لكي يزود روح الميت بالقرابين من الزوار ,, ولتجنب المشقه التي يتكبدها الزائرون بصعودهم من الوادي الى الهرم عبر المنحدر الرملي الحار فقد اقيم طريق حجري مسقوف ,, صاعد من الوادي الى المعبد الصغير الملحق بالجهه الشرقيه ..
وقد أوحى بداية الطريق المسقوف بنوع من المدخل أو الاستقبال ,, فكانت وظيفة المبنى الذي بالوادي هي تحقيق ذلك ..