المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الجردل بس يا بلاش ...السيف لا مينفعناش
السيـــــف والجـــــــردل
في لحظة عبقرية نادرة لمعت الفكرة في ذهني
عكفت على إعداد مذكرة تفصيلية بالفكرة التي
حولتها إلى مشروع متكامل
منتدى ليلاس الثقافي
بعد يومين وخلال الاجتماع الإسبوعى لرؤساء
القطاعات بوزارة الثقافة مع معالي الوزير طرحت
فكرة مشروعي الخلاق
تتركز الفكرة على تصميم لوحة جدارية للقائد
العظيم تكون رمزا للدولة وعلامة مميزة للوطن
في كل مكان
وافق الوزير على أساس أن يتم الكشف عن هذا
اللوحة في احتفالات الدولة بعيد ميلاد القائد
المفدى
أعلنا عن مسابقة للتصميم راصدين جائزة ضخمة
للتصميم الفائز ، تم تشكيل لجنة من كبار أساتذة
الفنون الجميلة لفحص التصاميم المقدمة
أنفقنا ساعات طوال لدراسة التصاميم والمفاضلة
بينها وبعد العديد من المداولات تم اختيار التصميم
الفائز
كان التصميم عبارة عن صورة كاملة للقائد تظهره
طويلا ممشوق القامة ، عند مستوى كتفه قرص
شمس ذهبي ينظر إليه القائد من أعلى
و تحت قدميه أرض خضراء يشقها نهر عريض وبين
الأرض والشمس ينتصب سيف شامخ يلمع نصله
إلى جوار القائد
عرضت التصميم على معالي الوزير فأعجب به
أشد الإعجاب وطلب منى الاستعداد لعرضه على
فخامة القائد
في اليوم الموعود كنت أقف في القاعة الفسيحة
شارحا تفاصيل المشروع أمام فخامته وصفوة
مستشاريه
أوضحت المعاني الرمزية العميقة لذلك التصميم
العبقري فوجود قرص الشمس عند مستوى كتف
القائد يرمز لعظمة القائد وعلو مكانته أما الأرض
الخضراء والنهر المنبثقة مياهه من تحت أقدام
القائد فيرمز إلى كون القائد أساس ومنبع كل خير
ونماء . بينما يرمز السيف إلى بطولات القائد الفذة
وعزة الوطن وقوته
نال التصميم الإعجاب والاستحسان من الجميع و
أصدر القائد أوامره لمستشاريه لتوفير كافة
التسهيلات ليكتمل المشروع ويصبح جاهزا في
يوم ميلاده السعيد
بدأنا العمل على الفور فسوف يظهر التصميم عبر
ثلاثة ألاف لوحة جدارية عملاقة مصنوعة من
الرخام والفسيفساء فى جميع مداخل المدن
الكبرى كما سيحتل مكانا بارزا في جميع الميادين
الرئيسية و مختلف المطارات والمرافق الهامة
بالدولة
أحيطت أماكن اللوحات الجدارية بسواتر خشبية
تحجبها عن الجماهير حتى تكتمل اللوحات
ويكشف عنها في اليوم المنتظر
تواصل العمل ليلا ونهارا وتقدم بخطوات عملاقة
ليصبح في مرحلة الرتوش الأخيرة فبل التاريخ
المحدد بشهرين
رن جرس الهاتف فاستيقظت من نومي فزعا
فالساعة تشير عقاربها إلى الثالثة بعد منتصف
الليل ، رفعت السماعة متوجسا فجاءني صوت
كبير مهندسي المشروع متهدجا قائلا
...
سيدي لقد وقعت كارثة مروعة -
...
ماذا ؟ كارثة !!! ما ذا حدث ؟ -
سيدي لا أستطيع أن أتكلم ، أرجو من سيادتكم -
أن توافينا إلى موقع اللوحة الجدارية القريبة من
منزلكم بميدان الحرية
... الآن -
!!!!
... الأمر شديد الخطورة يا سيدي -
... حسنا سأصل خلال دقائق -
وصلت إلى موقع اللوحة فوجدت المهندسين
والفنانين بانتظارى وعلى وجوههم وجوم عجيب
عبرنا الساتر الخشبي إلى اللوحة التي تتسلط
عليها الأضواء المبهرة
وقفت أمام اللوحة مذهولا فقد أختفي السيف
الشامخ اللامع النصل وحل محله جردل ... نعم
مجرد جردل ملوث بالوحل ... العجيب أن اللوحة لا
يوجد بها أي تشوه أو شذوذ بل يندمج الجردل
تماما في اللوحة دون أثر لتشويه أو تخريب
ألتفت إلى الوجوه الواجمة وصرخت فيهم
...
من الذي فعل هذا ؟ وكيف ؟ سوف أحول جميع -
العاملين بالموقع إلى التحقيق
أجابني كبير المهندسين
...
سيدي لقد تغير التصميم خلال خمس دقائق -
فقط خلال تغيير الوردية الليلية
...
أنت تكذب هذا مستحيل -
... سيدي لقد وردتنا اتصالات من جميع المواقع -
لقد أختفي السيف من جميع اللوحات وحل محله
الجردل
كدت اسقط مغشيا على وقلت بصعوبة
...
ماذا ؟ هذا أمر لا يصدقه عقل -
... ولكنه حدث -
دعوت إلى اجتماع فوري لجميع ذوى العلاقة
وأصدرت قرارا بتعديل التصميم وإعادة السيف
وأمرت بمضاعفة عدد العاملين واستعنا بوزارة
الداخلية لتأمين حراسة مشددة على جميع
المواقع لمنع أي عبث أو تلاعب
بعد أربعة أيام كان السيف قد عاد إلى مكانه
باللوحات فتنفسنا جميعا الصعداء فلم يبق سوى
أقل من شهرين على عيد الميلاد ولا يمكن أن
نترك شيئا للظروف
كنت أعانق حلما سعيدا عندما انتزعني صوت
الهاتف من أحلامي تناولت السماعة بيد مرتعشة
ليصدمني الصوت المتهدج بتكرار الكارثة وعودة
الجردل إلى اللوحات مرة أخرى
انتقلت جحافل من المحققين إلى مواقع
اللوحات ... رفعوا البصمات وتتبعوا الآثار وحققوا
مع الآلاف ولكن بدون فائدة وبدا أن يدا مجهولة
ذات قوة قاهرة تعبث بنا جميعا
عدت إلى منزلي و أنا أحس أن نهايتي قد أصبحت
وشيكة و استغرقت في تفكير عميق
في اليوم التالي طلبت اجتماعا مباشرا وسريا مع
القائد ، تم إجابة طلبي على الفور ووجدت نفسي
وحيدا بحضرة القائد الهمام
بدأت الحديث قائلا
...
سيدي إن المتغيرات الدولية الأخيرة تفرض علينا -
تغييرا طفيفا بتصميم اللوحة .. سنحذف السيف
من الصورة فالسيف قد يتخذ ذريعة لاتهامنا
بتشجيع الإرهاب وزرع الكراهية ، و أنت تعرف يا
سيدي أن هذه التهمة أصبحت أبشع تهم العصر
ولا يجنى من يُتهم بها سوى الدمار الخراب
....
معقول جدا ، فعلا كيف لم ننتبه لهذا إن السيف -
علامة أكيدة على حب القتال والدماء ونحن دولة
سلام قٌد عاهدنا الدول العظمى ألا نرفع سلاحا
أبدا
.... الحق ما قلت يا سيدي -
.... إذا أنا موافق فلنحذف السيف فنحن لا نريد -
إغضاب رعاة السلام
حسنا يا سيدي لن يقتصر التعديل على حذف -
السيف بل سنضع بدلا منه رمزا جديدا
وما هو هذا الرمز ؟ -
جردل -
صرخ القائد حانقا
:
ماذا ؟!!!!! جردل ؟!!! هل جننت ؟ كيف تجرؤ ؟ -
سألقى بك في السجن فورا
سيدي أمنحنى فرصة للشرح و أنا واثق من أن -
الفكرة ستحوز رضاكم
كيف ؟ -
.... سيدي إن الجردل رمز للسلام والنماء والبناء -
، لا توجد أرض خضراء لم تعانق ذراتها مياة جردل ،
لا يوجد بناء لم تختلط جدرانه بمياة جردل ، كم من
النيران المشتعلة أطفأتها مياة الجرادل ، كما أن
الجردل لا يمكن أن تلصق به تهمة إرهاب أو تمرد
على النظم والقوانين الدولية بالعكس سترحب
الدول العظمى بهذا الرمز وسيتأكد لها مدى
طاعتنا لها وستنهال علينا معوناتها الاقتصادية
ودعمها اللامحدود
صمت القائد قليلا ثم قال
ولكن كيف سيستقبل الشعب مثل هذا الرمز -
سيرفضه الجميع بلا شك
سيدى لدى خطة متكاملة ستجعل الشعب -
يتقبل هذا الرمز ويعتز به جدا فقط أريد من
سيادتكم الموافقة على منحى صلاحيات كاملة
لتحقيق ذلك
لك هذا -
على الفور كونت فريقا متكاملا من خيرة الكوادر
في جميع المجالات وأعلنا عن إنشاء الهيئة العليا
لشئون الجردلة
اتخذنا العديد من القرارات السيادية وبدأ التنفيذ
فورا
التعليم : صدرت الأوامر بأن تكون مواضيع التعبير
كلها متعلقة بالجردل ودوره المحورى في الحياة
والتاريخ كما تغيرت مسائل الرياضيات لتصبح كلها
ذات علاقة بمساحة أو محيط أو نصف قطر الجردل
الاعلام : تم تصوير فيديو كليب جديد لكل الاغانى
الوطنية فحذف من خلفيتها الجنود والطائرات
والمدافع واستبدلناها بفتيات رائعات الجمال
يرتدين غلالات شفافة تكشف عن سلاسل ذهبية
تنتهى بجرادل ماسية تتراقص على الصدور
العارية _ المدعمة بالسيليكون _ فلا يرى الجردل
إلا في أجمل مكان ولا تستطيع العيون عنه تحولا
كما تم إنتاج أربعمائة فيلم جديد يهدى فيها البطل
جردلا صغيرا موشى بقلوب حمراء للفتاة التي
ترفض أن تكلمه منذ سنوات فتنهار فورا غارقة
في حبه وتسلمه نفسها في مشهد غرامي
ملتهب حتى الاحتراق
التجارة : تم التنبيه على جميع محلات الورود بالغاء
باقات الورود و استبدالها بجرادل الورود ، كما
أزدحمت محلات بيع الهدايا بالجرادل الصغيرة
المصنوعة من المخمل وقد زينتها عبارات الحب
والغرام وتقاطر الشباب من كل حدب وصوب
لشرائها ، كما أصبح الفستان الجردل هو صرعة
الموضة للنساء من سن ثلاث سنوات وحتى
الخامسة والثمانين
الأحزاب : وافقت هيئة الأحزاب على الترخيص
لحزب جديد باسم الحزب الجردلى الديموقراطى
الذى يقوم على مبادئ هامة لجردلة الوطن
ويتبنى نظرية الاقتصاد الجردلى الذى أصبح له
خبراء يتحدثون في قنوات التلفزيون أربعة
وعشرين ساعة يوميا
في يوم عيد الميلاد السعيد أميط اللثام عن
التصميم في احتفالات صاخبة وحدث ما توقعته
تماما فقد أصبح الجردل حبيب الملايين
انتهى الحفل الرئيسي في قاعة الفنون الكبرى
والذي حضره القائد وكبار رجال الدولة والذي تم
تصميم مسرحه على شكل جردل عملاق مقلوب
خرجت بصحبته وهو يربت على كتفى سعيدا بهذا
اليوم الجردلى الخالد
رافقته إلى سيارته الفخمة المزدانة بجردلين على
كل جانب وقبل أن يركب السيارة سمعنا صوت
هتاف صاخب من مكان قريب
سالنى القائد
.... ما هذا الهتاف -
إنحيت باحترام _مخيفا إبتسامة شامتة _ قائلا
....
إنها جماهير الشعب يا سيدى.... إنهم يهتفون -
بحياتك ... يهتفون لبقائك
إنهم ...... يهتفون للجردل
|