المنتدى :
الشعر والشعراء
رسالة الاقصى
قصيدة للدكتور / عبد الغنى التميمى
- 1 -
لم يَزَلْ مِفتاحُ بيتيَ في يدي
لم أزَلْْ أحضُنُ ذكرى بلدي
ما عرفتُ اليأسَ – يا جلاّدُ – يوماً
هذه آلاتُك اشْحَذْها...وهذا جِلْدي
لم تَزَلْ روحيَ تحيا أملاً
وسياطُ القهرِ تشوي جَسدَي
مُذْ عرفتُ اللهَ لَمْ أضعُفْ لمخلوقٍ ولا
ارتَجي من غيرِ ربّي مَدَدي
أيها القاتلُ يومي بُؤْ بِهِ
أنتَ لا تقوى على قتلِ غدي
- 2 –
لم يَزَلْ لونُ دمي يحكي ليوم الرّوْعِ عَسْفَكْ
لم يَزَلْ دمعيَ يروي لسكونِ الّليلِ خَوْفَكْ
حَجَريْ يَكشِفُ للعالَمِ – يا مغرورُ – ضعفَكْ
بَدَمي أسكنتُ رُعبَ الموتِ جوفَكْ
بدمي أكسِرُ – يا جزّارُ – سيفَكْ
- 3 –
لا تُخوّفْني بِما يحشُدُ أربابُ الهوى
لا تُخوّفني بأسطولٍ مِنَ الوَهْمِ هوى
بدمي أُسقِطُ من أصنامِهِمْ ما يُسمّى بموازينِ القُوى
- 4 –
فَتحَ المنفى ذراعَيْهِ إلينا واحتوانا
وتشتّتْنا فريقَيْنِ وألغَتْ
هذه الأرضُ خُطانا
ففريقٌ فاقِدُ العِزّةِ في موطِنِهِ
وفريقٌ فاقِدُ الذّاتِ زماناً ومكاناً
كان يوماً – ذلك اليومُ – رهيباً
أُ مُّنا تندُبُ في الليلِ أبانا وأخانا
وإذا نحنُ - مَعَ الفجْرِ – يتامى
كَفِراخِ الطّير زُغْباً، وإذا الجوعُ قِرانا
ومضى عامٌ، وأعوامٌ، وها نحنُ
ترانا مِثْلَما كنتَ ترانا
- 5 –
ذاتَ يومٍ سألوني عن طُموحاتي...وعُمري
سألونيَ مع بعض المكر: ما نوعُ الهوايهْ ؟!
اُترُكوني، ليس لي عُمْرٌ ولا عندي بِدايهْ
قد أقمتُمْ من عِظامي فوقَ هذي الأرضِ
أبراجاً عِظَاما
هَرَماً شِيْدَ من الذُّلِّ الذي يُدعى سلاما!
وسرقتُمْ مِن شبابي كلَّ أحلامي القُدامى
أنا طفلٌ عمرُهُ خمسونَ عاما
فارفعوا عنّي الوِصايَهْ
أَطعِموني لحمَ أعضائي فَقَدْ
أُتخِمتُ من خُبْزِ الدّعايَهْ
أنا من خمسينَ عاما
اطحَنُ الخُبزَ طعامَا
أنا من خمسينَ عاما
ازرعُ الأرضَ خِيامَا
لم تكُنْ أعينُكُمْ عمياءَ لكنْ تَتَعامَى
ما فتِئْتُمْ تغرِسونَ اليأسَ وعداً يَتَنامَى
في مدى خمسينَ عامَا
تتهاوى أسقُفُ العِزّةِ للأرضِ حُطامَا
كلُّكُمْ كان شريكاً في هوى المأساةِ، هاما
وترامى عندَ رِجْلَيْها غَرامَا
لم تُبالوا أنّنا كُنّا، وما زِلْنا يَتَامى
- 6 –
أيُّها الغاصِبُ حقّي، أيها الهازِئُ منّي
أنّني أحيا أسيرَ الوهمِ مغرورَ التمنّي
أعطِنِي حقّي ودَعْني
حقَّ عينِيْ حقَّ أُذْني، حقَّ خوفي حقَّ أَمْني
أتُسَلّيكَ دمائي ودُموعي؟
أَوَ ما يكفيكَ ما يَفعلُ سَجّاني وسِجني؟
اعطِني حقّي ودَعْني، كيف أحيا ؟ ذاكَ شأني
- 7 –
أنا لا أطلُبُ من عُمْرِكَ تمديداً لِعُمْريْ
أنا لا أطلُبُ مَنّاً، لا لنفسيَ أو لغيري
أأنا في الأرضِ وحدي
طلبي للحَقِّ إرهابٌ وتهديدٌ لعصري؟
أأنا المُلغَى من العالَمِ وحدي ؟!
أأنا الممنوعُ من تحديد دوري ؟!
- 8 –
يبحثُ القومُ عنِ الهيكَلِ في أوجاعِنا
يحفِرونَ المسجدَ الأقصى على أسماعِنا
يستبيحونَ حِمانا ودِمانا
يرسُمونَ الذُّلَّ تِمثالاً على أضلاعِنا
هل رأيتُمْ مثلَ هذا القهرِ
والإذلالِ في أوضاعِنا ؟!
أيّها التاريخُ لا تكتُبْ لنا شيئاً فقدْ
رَسَمَ الحالةَ هذا الكمُّ من أطماعِنا
- 9 –
يا رجالَ البوْرصةِ السّوداءِ في سوقِ السّلامْ
سوقُكُمْ ذُلُّ على ذُلٍّ تُقامْ
تطرحونَ القُدسَ للقِسْمَةِ، هَلْ
سخِفَ الأمرُ إلى هذا المَقام ؟
أيُسامُ المسجدُ الأقصى بشيءٍ
من نُفوذٍ العمِّ سامْ ؟
دَوَّلَتْنا دُوَلُ الذُّلِّ فصِرنْا
سِلَعَاً في كلِّ تخفيضٍ نُسامْ
يا رجالَ البورصَةِ السّوداءِ في سوقِ السّلامْ
كُلّما ضاعَ مِنَ الأوطانِ رُبْعٌ
يمتطي أكتافَكُمْ – منهم – وِسامْ
فاوِضُوا حتى يشيبَ الليلُ، لَنْ
تحصُدُوا غيرَ ثِمارِ اللؤْمِ من أيدي الِّلئامْ
- 10 –
غدَتِ الحربُ فِرارا
وغدا النّطقُ بذكرِ الحربِ عارا
حين صَارتْ قبلةُ الرأسِ لسفّاحِ فَخَارا
سُحِبَ الجُنديِّ من عِزِّ المَغَاوِرْ
من ثُغورِ المجدِ مغلولاً
إلى خِزْيِ المعابِرْ
قيلَ للجُنديِّ : لا تُطلِقْ رصاصاً
طَأْطِئِ الرأسَ وحاوِرْ
أَيُطيقُ الحُرُّ أنْ يَسقُطَ رأساً
من ذُرا علياءِ ثائِرْ
يعشَقُ الموتَ الى ذِلّةِ صاغِرْ
قد غدَوْنا لدفاعِ المُعتدي أكياسَ رملٍ
وحِزاماً من هَوانٍ وَسَواتِرْ
جفَّ هذا الريقُ في أفواهِنا
بُحَّتِ الأصواتُ منّا فارحمونا
وارحموا هذي الحناجِرْ
- 11 –
اُعذُرونا إنْ صَرَخْنا
إنّ في أعماقِنا الموتَ الزُّؤامْ
لا أظُنُّ الصارخَ المذبوحَ – إنْ صاحَ – يُلامْ
اُعذرونا إنْ فَتحْنا مرّةً أفواهَنَا
أَنْتَنَتْ ألفاظُنا في الحَلْقِ من شَدِّ الِّلثامْ
كِلْمَةُ المعروفِ شاخَتْ
وهْيَ تحيا في الظّلامْ
أهْوَ عَيبٌ أنْ نقولَ الحقَّ جَهْراً ؟
أَهْوَ خَرْقٌ للنّظامْ ؟
قبّحَ اللهُ لساناً يألَفُ الصّمْتَ الحرامْ !
- 12 –
اُترُكونيْ من شِعارِ الأرضِ أوْ
تلك الشّعاراتِ السخيفهْ
أَترَوْني صرتُ عبداً لتضاريسِ بلادي
والمناخاتِ اللطيفهْ ؟
خَلِّ عنّي
أنا لا أعبُدُ في المواطنِ – كالغيرِ –
شِتَاهُ أوْ خريفَهْ
لا أرى فرقاً كبيراً بين معبودٍ حنيفهْ
وإلهٍ وطنيٍّ يعبُدُ النّاسُ رغيفَهْ
- 13 –
يا أخي في اللهِ، هذا المسجدُ الأقصى جَريحْ
في سُكونِ الّليلِ – لو تسمعُ – كالطّفلِ يصيحْ
جُرحُهُ الغائِرُ لا تشبِهُهُ كلُّ الجروحْ
إنّهُ جُرحٌ أليمٌ داخلَ القلْبِ يقيحْ
إنّه جُرحُ بقايا أُمّةٍ
كانَ فيها عِزّةٌ تسمو وروحْ
- 14 –
آهِ ما آلَمَ جُرْحَ الكِبرِياءْ !
آهِ ما أَوْجَعَ – في الأحشاءِ – مكتومَ البُكاءْ !
حينَما نُطعَنُ في عِزّتِنا
حينَما نبكي كما تبكي النّساءْ
نحنُ لا نَملكُ من نَخْوَتِنا
غيرَ صرخاتٍ تُدّوي ونِداءْ
- 15 –
أرسَلَ الأقصى خِطاباً فيه لومٌ واشتِياقْ
قالَ لي وَهْوَ يعاني
مِنْ هَوانٍ لا يُطاقْ:
حَدِّثِ الأمّةَ عنّي
بَلِّغِ الأمّةَ أنّي
عيلَ صبري بين أسرٍ واحتِراقْ
هَتَكَ العُهْرُ اليهوديُّ خشوعي
مِنْ رُواقٍ لرُواقْ
أشعَلوا ساحاتيَ الأخرى فُجُورا
وصفيراً ودَنَايا وسُفورا
دنَّسوا رُكنيْ ومِحرابي الطَّهورا
فأنا – اليومَ – أُعاني
بل أُعاني منذُ دهرٍ
أَلَمَ القهرِ أسيرا
لَمْ يَزَلْ قيديَ مشدودَ الوَثاقْ
أَوَ ما يَكفي نِفاقا ً؟
ضِقْتُ من هذا النّفاقْ
أرسِلوا ليْ من صلاحِ الدّينِ خيلاً
أرسِلوها من حِمى الشّامِ وَنَجْدٍ
مِنْ سرايا جيشِ مِصرٍ، أوْ عَرانينِ العِراقْ
تنشُرُ الهيبةَ للإسلامِ بالدّمِّ المُراقْ
منذُ دهرٍ لم تزُرنيْ هذِهِ الخيل العتاق
|