المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
وعد.
جو الصحراء بديع هذه الأيام ؛شجع الكثير على الانطلاق عبر الكثبان الشاسعة.ركب طارق دراجته النارية البانشي ؛أخذ يجوس خلال المفازة بِحُرية،يزيد من سرعته شيئا فشيئ،والأرض يقل استواءها حينا وحين؛ما يزيده متعة في قهرها بدراجته،التي طارت في الهواء نتيجة قفزة غير مدروسة؛فأوقعته على الأرض . نهض ليرى ما حوله يدور؛ امسك برأسه وأغمض عيناه هنيهة؛حتى شعر بتوازنه ،نفض الغبار من شعره وملابسه ،عدل وضع درجته ،داس عجلة التشغيل ولم يفلح ؛حاول مرراً لكن دون جدوى،قرر أن يسير إلى رفاقه ؛ لأنه لم يبتعد عنهم كثيراً - حسب ظنه- لكنه لا يدري في أي اتجاه هم ،كل ما حوله تلال من الرمال وإن كان بينها اختلاف بسيط؛تبق في النهاية متشابهة أكثر، بحث في جهات كثيرة- بشكل دائرة مركزها مكان سقوطه- رأى في محاولته السابعة قمم النخيل باسقة تكاد تلامس قبة السماء .ذهب يَجِدُ في السير عله يَجِدْ العون، بلغ غايته وقد أنهكه طول الطريق؛ الذي كان يشعر أنه يتضاعف؛كلما أوشك على الوصل.
منتدى ليلاس الثقافيوجد أشجار النخيل الواقفة قصيرة ،ميتٌ جُلها، والكثير منكسة رؤوسها في التراب؛ازدرد ريقه الذي سار بصعوبة عبر حلقه الجاف .شعر من خلفه بملابسه بدأت تتحرك؛ بفعل الريح التي بدأت تجوس في المكان ،وعويلها كاد يصم أذنيه؛تسلل الفزع إلى قلبه وضرب بأطنابه ودق أوتاده في قلبه.أخرج جهاز الجوال وبحث عن مقاطع من القرآن؛ فما وجد إلا الأغاني؛فاغتم .تمتم قلبه باسم الله ،و ببعض السور،أخذ يجول في المكان بحذر.رأى مجموعة من جذوع النخل مكدسة بطريقة عشوائية،يعلوها رأس رجل يظهر جزء منه من الخلف ،وقد استند إليها بظهره،انطلق إليه فرحا مستبشراً،دار حول جذوع النخل نصف دورة، ووقف مقابل الرجل؛كقالب من الجليد القاسي ؛ لهذا المنظر الذي الجم لسانه،رأس بلا جسد مسجى ،فتحت عيناه كوميض البرق ؛حين شعر أن بجواره أحد ،وارتفع عن الأرض كالبالون بمقدار ثلاث أمتار ؛أخذ ينظر إليه من علِن ،ويسأله بصوت شعر أن الأرض ترتجف له؛سقطت دموعه يتبعها جسده؛ لتغوص دموعه ،وركبتاه في الرمل . بكى بفزع.
نظر إليه الجني من عليائه، ثم حط على الأرض بجواره؛ربت على كتفه؛أدار طارق رأسه وهو يشهق بالبكاء،ويتمعن بهذا الوجه البشري المفزع ،الذي لم يفد تغيير هيئته بإخفاء حقيقته،سأله الجني بصوت مرعب و إن خفت حدته كثيراً:
- ما الذي جاء بك إلى هنا؟
- نكس طارق رأسه يعتصر دموعه،ويجاهد صوته حتى لا ينطلق بالبكاء.
رمى الجني بصرة على تلك التلال البعيدة؛متجنباً النظر في وجه طارق.أعاد عليه السؤال،و أرهف سمعه ليميز الكلمات التي تتعثر على شفتي طارق:
- ظللت طريق العودة إلى رفاقي.
- حسناً،لا تخف سأوصلك إليهم.
غاب برهة من الزمن لم تكفي طارق ليتم قوله لنفسه:
-إن من الجن مسلمون طيبون.
نبهه لوجوده خلفه وهو يقول:
- أظن أني وجدت رفاقك.
- الحمد لله.
- اصعد على ظهري.
صعد على ظهره مرتعشاً،انتفض الجني آمراً أياه بأن يتشبث جيداً،غرس طارق أصابعه بجسده تلقائيا؛لما علا عن الأرض للحظة ، ثم قال بفراغ صبر: إنهم هناك؛حين رأى الأضواء تنير خيمة رفاقه.
وجد نفسه على الأرض والجني في الهواء كالبالون،فرفع رأسه خائفاً وشكره ولوح له بيده ما استطاع،همس له الجني:
لا تقص خبري على أحد من الناس،هز طارق رأسه بالموافقة.اختفى الجني، وهرول طارق إلى رفاقه الذين استقبلوه بالترحاب.
مد يديه فوق رأسه عالياً ؛ حين أنها كتابة قصته وتنفس بارتياح ؛وهو ينظر إلى ما انتهى من تدوينه – في الحاسوب- متفحصا مدققا لما كتب.كل المكتوب اختفى بلمح البصر، وأصبح المستند فارغ ؛قفزت أصابعه على لوحة المفاتيح؛ لتعطي الجهاز أمراً بالبحث عن ما كتب، لكن يداً معروقة بأظفار طويلة ينتشر فيها شعر بشكل مثير للتقزز، والفزع أمسكت بيده، و احتوت ظاهرها في باطنها.أدار بصره بسرعة للخلف ليرى رأس بلا جسد يسبح في الهواء، وابتسامة شرسة ،وعيون حمراء جاحظة تحدق فيه ،وصوت كهزيم الرعد ملأ الحجرة:
- الم تعدني بنسيان ما كان!
|