المنتدى :
المنتدى الاسلامي
موجة الردة القادمة والدعم الأوروبي لها(2)
• أسباب الحديث عن الردة:
هل ما يحدث هو مجرد مصادفة؟ أم أنه انعكاس لرغبة دفينة عند بعض المسلمين لترك الإسلام؟ أم أنه تشجيع من بعض المنظمات والدول الغربية للطامعين في الحياة الغربية أن يتركوا الإسلام ليلتحقوا بالغرب من أجل زعزعة الكيان المسلم؟ أم أننا نشهد انتقال موجة التنصير من العمل الصامت والخفي إلى مواجهة العالم الإسلامي علانية؟ كلها احتمالات يمكن أن نختلف أيضاً حولها، ولكننا لا بد أن نتفق على أهمية مواجهتها والتصدي لها.. نحن أمام ظاهرة تنمو بقوة في العامين الأخيرين، وهناك أصابع خفية تسهم في تحريك هذه الظاهرة وتسعى إلى الاستفادة منها.
ما هي معالم تلك الظاهرة؟ لقد ارتدَّ فرادى عن الإسلام منذ فجر الدعوة، وطوال القرون الماضية كانت ظواهر الردة في مجملها ظواهر فردية، وأغلبها كانت تحدث داخل المجتمعات الإسلامية دون تضخيم لها.. هناك من ارتدَّ دون أن يعلن ذلك، وهناك من أراد استغلال الردة لمكاسب دنيوية، ومؤخراً مع تزايد الحضور المسلم في الغرب ظهرت حالات لترك الإسلام بين بعض المهاجرين خارج العالم الإسلامي، والالتحاق بأديان أخرى منتشرة في الغرب دون أن تتحول إلى ظاهرة لها بُعْد سياسي أو اجتماعي أو فكري.. ولا شك أنها في كل الأحوال كانت أحداثاً فردية لم تتحول أبداً إلى ظواهر عامة أو اجتماعية على مرِّ تاريخ الأمة الإسلامية، والأهـم أنها كانـت في معظمها ـ وعبر القرون الماضية ـ لا تحمل أي دلالات سياسية أو فكرية مرتبطة بالولاء لأمم أخرى، وإنما تعبِّر عن خيارات شخصية عقدية فقط.
أما في الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر2001م، فقد بدأ موضوع الردة يأخذ بُعْداً سياسياً وفكرياً ملحوظاً وغريباً أيضاً. فقد اهتمت بعض دول الغرب بشكل خاص بمن يرتدون عن الإسلام أو من يهاجمونه بعنف.. رغم أن تلك الدول تؤكد دائماً تقديرها للإسلام وعدم محاربتها له. تكونت في الأعوام الأخيرة تحديداً فئة تتكاثر بشكل ملحوظ، وهي فئة تعلن عن ارتدادها عن الإسلام ليس فقط لأنه خيارها الشخصي، بل لأنه أيضاً يعبِّر عن موقف سياسي من الإسلام، وأحياناً لأنه يحقق مكاسب شخصية لمن يتركون الإسلام. تدعم بعض دول الغرب تلك الظاهرة بكل قوة على المستوى السياسي والفكري والإعلامي أيضاً، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة عن أهداف تلك الدول الغربية من ذلك.
• أوروبا ودعم المرتدين:
لقد بدأت تلك الحملة تتشكل منذ أكثر من عامين، ولكنها اتخذت أشكالاً هجومية ومباشرة في العام الأخير فقط. ففي منتصف عام 2005م انطلقت في جنيف حملة منظمة ضد الإسلام يقودها الناشط الصهيوني (ديفيد ليتمان) ويشارك فيها كُتّاب يهود ومسلمون مرتدون. واستهدفت الحملة وقتها الربط بين إهدار حقوق الإنسان وتعاليم الإسلام، وبين التطرف الإسلامي والمسلمين. شارك في ندوات تلك الحملة الكاتبة البنجالية المرتدة تسليمة نسرين والسوداني سيمون دينج ـ الذي تمَّ تعريفه بأنه رقيق سابق ـ والنائبة الهولندية في ذلك الوقت والتي أعلنت ارتدادها عن الإسلام إيان هيرسي علي. ثم حدثت حوادث فردية متعددة ولكنها إعلامياً منظمة لأشخاص يعلنون تحدِّيهم للإسلام والارتداد عنه، وصاحب ذلك حملات إعلامية متزامنة لاستخدام هؤلاء الأفراد للهجوم على الإسلام كما رأينا في حالة سلمان رشدي ووفاء سلطان.
ومؤخراً قامت تلك النائبة (هيرسي) ـ والتي تمَّ نزع جنسيتها الهولندية بسبب الكذب في الملفات التي تقدمت بها لنيل الجنسية ـ بإصدار كتاب من الولايات المتحدة فـي فـبراير عام 2007م بعنوان (كافرة)، وهو كتاب يروي ـ كما تقول ـ: (قصة انتقالها من الإيمان بالدين إلى الإيمان بالمنطق)، وأنها قد وجدت أن (الإسلام الحق يؤدي بالضرورة إلى الوحشية). وقد حصل الكتاب مؤخراً على المرتبة السادسة في قائمة (نيويورك تايمز) لأكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة.
وفي ألمانيا قام مرتدّون بتأسيس منظمة (المجلس المركزي للمرتدين) في برلين في الأول من مارس من هذا العام (2007م) لمحاربة الإسلام، وأعلنت تلك المجموعة أنهم قد أسسوا المنظمة لتشجيع الألمان على نبذ الإسلام وانتقاد الهيئات الإسلامية في البلاد. وقالت (مينا أحدي) الإيرانية المولد: إنها أسست المجلس المركزي للمسلمين السابقين كونه مؤسسة تقاوم ثقل منظمات زعمت خطأ أنها تمثل 3.3 مليون مسلم ألماني ـ على حد قولها. وأضافت قائلة عن هدف مؤسستها: (يتعين أن ننتقد تلك المنظمات «الإسلامية»، ويتعين أن ننتقد الإسلام الذي يحط من قدر المرأة.. هذا هو سبب إنشائنا هذه الحركة).
كما أكدت (أرزو توكير) ـ التي شاركت في تأسيس المجلس الجديد، والمولودة في تركيا ـ خلال مؤتمر صحفي مهاجمةَ الجمعيات الإسلامية، قائلة: إن (السياسات المتسامحة للحكومة الألمانية وللبلدان الأوروبية الأخرى تجعل المنظمات الإسلامية مقبولة في المجتمع وهذا يعـني أنها لا تتغـير). فليس المطلوب فقط التسامح مع نشـأة منـظمة للمرتدين، ولكن الأهم ـ كما بينت المتحدثة ـ عدم التسامح مع المنظمات الإسلامية؛ لأن التسامح لن يجعل هذه المنظمات تتغير! هذه ـ ببساطة ـ أجندة المرحلة القادمة كما نحسب.
• مشروعات المرتدين:
أما عن المشروعات المزمع القيام بها، بالنسبة لهذه المنظمات التي تجمع المرتدين؛ فهي كثيرة، وتحظى بدعم مادي أوروبي لا تفسير له ولا مبرر إلا العداء للإسلام. ومن هذه الأنشطة حملة بعنوان (لقد تخلينا عنه We’ve Given it Up)، وهو مشروع يهدف إلى توضيح صعوبات الارتداد عن الإسلام، ومساعدة المرتدين على القيام بذلك. كما تهدف المنظمة القائمة على هذا المشروع إلى توصية الحكومة الألمانية وغيرها من الحكومات الأوروبية بعدم استقبال المهاجرين من العالم الإسلامي على أنهم مسلمون، وإعطائهم الفرصة للاختيار قبل الهجرة. كما تهدف المنظمة أيضاً إلى توصية الحكومة الألمانية بعدم التعاون مع المنظمات الإسلامية الألمانية.
وتبع الإعلان عن جمعية المرتدين الألمانية ظهور المجلس البريطاني للمرتدين، وذلك في يونيو من عام 2007م ـ ولنلاحظ هنا التتابع المتتالي للأحداث ـ بهدف الدعوة إلى التصدي للمنظمات الإسلامية البريطانية؛ كما تذكر المتحدثة الرسمية باسم المنظمة (مريم نامازي). كما أوصت المنظمة منذ اليوم الأول للإعلان عن نشاطها أن تقوم الحكـومة البريطانية بمنع كل أنواع المساعدة المالية عن المنظمات الإسلامية العاملة في بريطانيا، وأن تتوقـف الحكومة البريطانية عن التنازلات للإسلام السياسي ـ على حد تعبيرهم. وتهدف المنظمة ـ كما تعبِّر من خلال مطبوعاتها ـ إلى كسر العُرْف السائد بين المسلمين بعدم الهجوم على عقائد الإسلام ومبادئه، وكذلك تحدِّي الأعراف السائدة بعدم الإعلان عن الارتداد عن الإسلام! وقد أعلنت كل من الدانمارك والسويد والنرويج وفنلندا عن وجود فروع للمجلس المركزي للمرتدين عن الإسلام أيضاً في تلك الدول خلال الأشهر الماضية.
كما أعلن مؤخراً أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية عن موقع (المرتدون عن الإسلام) وهو موقع يهاجم الإسلام، ويروي قصص المرتدين عنه، والبطولات التي يقومون بها في المجتمعات المسلمة من أجل الحفاظ على حقهم المزعوم في الردة، والإعلان عنها والمناداة بها ـ كما يؤكد الموقع. وعنوان الصفحة الأولى للموقع باللغة الإنجليزية هو (لقد تركنا الإسلام)، وتؤكد الصفحة أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يكون رسولاً، وأن القرآن ليس من عند الله تعالى، وأن هدف المشاركين في الموقع هو الإعلان أن الإسلام ليس ديناً، وإنما هي دعوة كاذبة للإرهاب والتضليل، وأن المسلمين هم الضحية الأولى للإسلام، وواجب المرتدين بيان ذلك لهم وانتشال المسلمين من الإسلام. يقول الموقع: (هدفنا أن نعلِّم المسلمين، وأن ندعهم يرون الحقيقة. إننا لسنا ضد المسلمين، ولكننا ضد الإسلام. وإننا نعمل بجِدٍّ لكي نعود بالمسلمين إلى الإنسانية. إننا نهدف إلى محو الإسلام كي تتحرر شعوبنا)!
وأُعلن مؤخراً أيضاً عن موقع أمريكي يقوم بجمع آراء المرتدين من خلال استطلاع للرأي يسأل المرتد عن سبب الارتداد ورأيه في الإسلام، والصعوبات التي واجهته، ويتم وضع النتائج في الموقع لكي يطلع عليها كل من يهتم بالتعرف على تجارب المرتدين عن الإسلام. كما سيصدر في أمريكا في هذا العام أكثر من خمسة كتب حول الارتداد عن الإسلام، وتجربة الحياة بعيداً عن الإسلام.
أليس من اللافت للنظر أن الهمَّ الوحيد لكل المنظمات والمواقع التي سبق ذكرها هو الهجوم الشديد على الإسلام.. وليس فقط الحديث عن حقوق المرتدين؟ ومن اللافت للنظر أيضاً أنه رغم أن معظم هذه المنظمات والمواقع تتحدث بصوت سياسي وفكري مرتفع ومتناغم، إلا أنها جميعاً لم تتحدث عن الموقف من الحرب على المسلمين أو ما يسمى بالحرب على الإرهاب. إن كانت الردة عن الإسلام هي موقف سياسي من أجل الحرية والديمقراطية.. فهل ما يحدث على يد قـادة بعـض دول الغرب مـن احـتلال وظلم وقتل وإبادة لا يستحق أن يشار إليه ضمن الاهتمام بشؤون المسلمين كما يقولون في مطوياتهم: إنهم ليسوا ضد المسلمين ولكنهم ضد الإسلام؟
وللموضوع تتمة
|