أنا و أنت
منتدى ليلاس الثقافي
وقفتُ أتطلع من خلال نافذة ذلك المبنى الشهير بالقاهرة ، و تأملتُ السائرين في حديقته ، قبل أن ألتفت قائلاَ : " هذا المكان يبدو رائعاً."
أجابني و الغضب يتقاطر من كلماته : " رائعاً ؟ هل أنت مدرك لما تقول .."
قلت و أنا أنظر إليه مندهشاً لغضبه :" بالتأكيد .. انظر حولك جيداً .. فنحن نقيم في تلك الغرفة النظيفة ، المطلة على تلك الحديقة الرائعة ، و كل هؤلاء في خدمتنا " وأشرت لبعض الأشخاص المتواجدين بالمكان.
تأملَ قليلاً فيما قلت ، و أطرق رأسه مفكراً ، ثم قال بلوم :" أنت السبب فيما نحن فيه الان ."
بكل التعجب الذي في العالم قلت : " تقولها كأنك تلومني على ذلك ."
مطرقا رأسه ، قال بانفعال : " بالتأكيد . أنت حطمتني ."
استشطتُ غضباً ، و تدافعت الكلمات الغضبى من بين شفتي :" حطمتك ؟ بعد كل ما فعلته من أجلك .. أتذكر كيف كنتَ قبل أن أقابلك .. هل نسيتَ كيف كنتَ مضغة في أيدي الناس ؟.. كيف كانوا يعاملونك ؟ ..لقد كنتَ لاشيء حتى قابلتني .. لقد جعلت لك هيبة و كيان بين الناس .. و الان تقول أني حطمتك .."
بثورة أجابني " أنت ؟!! أنت جعلت لي كيان و هيبة !! أنت؟ !!.. لولاي ما عرفك أحد .. لولاي ما وقفت هنا أمامي تتبجح ."
أتى صوت من بعيد يقول : " أحسنت يا (عادل ) .. تستطيع أن تهزمه ."
لم ألتفت إلى ذلك الأحمق ، و أنا أقول بثورة مماثلة :" لولاك ؟؟ !! أنت ؟؟ !! .. أنت لا شيء .. أنت نكرة "
اتقدت عيناه بالشرر و تناثر اللعاب من شدقيه و هو يصرخ :" بل أنت . أنت النكرة .. أنت لا شيء .. لا شيء."
نفس الصوت اللعين يقول :" هيا يا ( عادل ) .. تغلب عليه."
يتغلب عليّ ؟؟!! أنا ؟؟!! ما الذي يقوله هذا الأحمق ؟؟!!
( عادل ) بكل الانفعال و الغضب :" نعم أنت لا شيء .. لا شيء."
تراجعتُ أمام ثورته و هو يكرر :" لا شيء .. لا شيء ..لا شيء."
ما الذي يحدث؟! .. صوتي متحشرج .. ما الذي يحدث؟! لا أستطيع أن أتكلم .. ما الذي يحدث ؟؟؟!!!! إني .. إني أتلاشي .. أذوي ..أختفي .. ما الذي يحـ...
************
" إنها أعجب حالة ازدواج شخصية رأيتها في حياتي ."
قالها الطبيب المعالج لـ ( عادل ) . ثم أردف " لكنك في النهاية استطعت أن تتغلب عليه ، و تهزم تلك الشخصية الشريرة بداخلك .. أهنئك على الشفاء.."
************
تحرك ( عادل ) ببطء ، و هو يخطو ليعبر بوابة ذلك المبنى الشهير بالقاهرة . وألقى نظرة على اللوحة التي بجوار البوابة ، و التي حملت اسم ذلك المبنــى ( مستشفى الأمراض النفسية و العصبية بالعباسية )..
تنفس الصعداء و هو يلقي نظرة وداع علي المبني .. راجيا عدم العودة إليه .. و..و....
و همستُ إليه بصوت خفيض :" ( عادل ) ( عادل ) .. لقد عدتُ .."
و ارتفعت ضحكاتي الشامتة و الساخرة .. بلا توقف ، و بلا حدود..
تمت