المنتدى :
خواطر بقلم الاعضاء
حلم فتى عربى
حلم فتى عربي
أقبل الصيف ،هل بحرارته الشديدة ، ونسماته الطرية ، وسمائه العالية التى هزمت فيها خيوط الصفاء كل السحب الداكنة .. فصنع الأولاد طائراتهم الورقية .. جميلة تطير بألوانها الزاهية ، وفى وسط كل واحدة رسم جميل لعلم ما !
كان أحمد يصعد فوق السطح العالي ، يطلع كل عصر ..كل عصر يكون هنا .. يتابع الطائرات بعينيه اللتين تشبهان عيني صقر عربي .. ينقلهما بينها : هذه طائرة بعيدة في كبد السماء .. لها ثلاثة ألوان رائقة .. وفى وسطها نسر فتى .. وهذه طائرة فى وسطها ثلاث نجيمات كبيرة .. وهذه طائرة وسطها نخلة جميلة خضراء ..وسيفان متقاطعان .. وهذه أخرى تتعانق فيها الألوان .. الأخضر و الأبيض و الأسود و الأحمر !
توقفت عينا أحمد عن متابعة الطائرات العالية ، وتعلقت بطائرة هزلاء ، لها ألوان قابضة ، وفى وسطها كانت نجمة جميلة وضخمة .. رائعة .. لكنها صدرت داخله نفورا ..وأحس فورا بكراهية تجاهها ..كانت الطائرة تجاهد للنيل من الطائرات الأخرى .. يوجهها صاحبها بحذر ومكر ، ثم يباغت بها إحدى الطائرات ، فتزوغ الطائرة منها بسرعة متباعدة !!
علا صدر أحمد بالغضب ، وتنفس بضيق .. وهو يتمتم :" لابد من إسقاط هذه الطائرة اللعينة .. وأنا مفلس .. ليس معي نقود لأصنع واحدة أقوى .. ربما أفلح "دبور " في إسقاطها .. سوف أحاول !!
هبط أحمد إلى أسفل ، أحضر ورقة من كراسة قديمة ، وصنع "دبورا " بمهارة فائقة ، ثم راح يبحث في أشياء والدته ، فعثر على أسطوانة خيط ، وصعد الدرج إلى السطح العالي !
كانت الطيارة التي تتوسطها النجمة الغريبة أفلحت في الإطاحة بإحدى الطائرات ، وأسقطتها ، ثم علت مرفرفة بغطرسة وقوة .. مما أغاظ أحمد ، وأشعره بالحزن ، ومزيد من الغضب و الحنق .
أطلق أحمد دبوره للهواء ، وأرخى له النير .. أرخى .
راح الدبور يبتعد متراقصا ، يخبطه الهواء ، فيرتعد ضعيفا ، ويدور حول نفسه ، فيرخى أحمد النير ليبتعد .. يبتعد ، ثم يجذب النير فيعلو .. يعلو .. حتى وازى الطائرة تماما ، فشد النير بقوة لتوجيهه ناحية الطائرة .. شد بقوة أكثر ، أمال النير .. هاهو يدخل الحومة .. انقضت عليه الطائرة كحداة شرسة ، وفتكت به .. وهوى كطائر جريح متناثر الأشلاء !
كان أحمد شديد العناد ، صلب الرأس ، و لا يقبل الهزيمة ، فنأى حزنه بعيدا ...بعيدا ، وراح يفكر فى حيلة أخرى ، قرر الهبوط إلى أسفل ، فقصد حجرته ، ثم أخرج حصالته الخشبية ، وقلب مابها رأسا على عقب ، وجلس يحصى ماتحمل ، وبعد هنيهة كان يركض خارجا متجها صوب الحانوت ، اشترى أوراقا ، ونشاذرة ، و غابتين ضعيفتين على قدر ما سمحت قروشه ، وعاد خالى الجيب !
بمهارته المعهودة صنع أحمد صاروخا جميلا ، لكنه بدا حزينا ، غير مقتنع بمقدرة هذا العصفور ، كما أطلق عليه بعد إتمام المهمة .. مع ذلك جعل النير زوجين ، ثم رفعه ، وتأمله جيدا ، فوقر فى قلبه أنه قادر على الفتك بها .. ولم لا ؟!
عندما انتهى أحمد ، أطلقه للفضاء ، فاخترق موجات الأثير ، وحلق بعيدا .. بعيدا .. يقاوم الريح ، ويتحمل لطماته .. والطائرة نصب عينيه ، وداخله إصرار صارخ على الفتك بها .. فورا قبل أن تتمكن من إسقاط طائرة أخرى !
هاهو يرخى النير ، يجذبه محاورا ، وعندما اشتبك مع الطائرة ، كانت النجمة تغيظه ، فيزداد إصرارا .. يجذب .. يجذب بشدة !
كانت الطائرة قوية .. قوية ، سحبته هو وصاروخه ، حتى كاد يسقط من حالق .. ليس أمامه سوى التخلي عن الخيط ،و إلا سقط معه ، فتركه .. وهوى الصاروخ .. هوى بعيدا .. بعيدا كحلم لم يكتمل !
بكى أحمد ، و اختلج وجهه بدموع حارة ، حتى احمرت عيناه ، كان يفكر من أين تواتيها كل هذه القوة – هى الهزلاء - ؟
من أين تستمد كل هذه البجاحة .. والقدرة على المناطحة ؟".
أحاطه أبوه بحب ، وبرفق كان يسأله عن سبب حزنه .. تماسك أحمد أول الأمر ، ثم سرعان ما انهار باكيا !
احتار الأب فى أمره ؛ فربت على كتفه ، ومرر كفه على وجه ، وأزال دمعاته الغاليات ، وأخيرا نطق أحمد قائلا :" أريد إسقاط هذه الطائرة يا أبى !! ".
قال الأب بدهشة :" أية طائرة يا أحمد ؟".
بيقظة رد أحمد :" طائرة فى وسطها نجمة لها شكل مقبض .. لها ستة رؤوس ".
تراجع الأب مندهشا ، وتغير لون وجهه ، وبعد وجوم قصير قال :" حاولنا ونحن صغار إسقاطها ؛ لكننا إلى ألآن لا نعرف كيف كانت تفلت منا !!".
هتف أحمد ، وتناغم صوته :" أنا أعرف يا أبى .. وسوف أسقطها .. نعم ".
أشرق وجه الأب ، وزغزغ قلبه عصفور كان نائما :" صحيح يا أحمد .. وما يلزمنا لإسقاطها ؟ ".
قال أحمد بلسان رجل كبير :" يلزمني .. يلزمني غاب قوى ، وحبل قوى ، وغراء ".
تنهد الأب ويقول يردد :" ولم لا تشرك أصدقاءك فى هذا الأمر ؟ ".
بانتباه وحيرة قال أحمد :" ما أدرانى يا أبى أنهم يوافقون ؟ ".
ضحك الأب وهمهم :" صدقت يا بنى .. فلتعرف أولا .. و تأخذ إلى جانبك من يشاركك الهدف ".
فى الصباح كان أحمد يسعى بين بيوت أصدقائه ، يتحدث إليهم فى أمر هذه الطائرة ، ولشد ما كانت دهشته عظيمة ، إذ رأى كل الأصدقاء يأملون فى إسقاطها مثله ، وربما أكثر منه .
صنعوا طائرة كبيرة .. كبيرة ، بألوان أكثر زهاء ، وبأعلام جميلة .. مختلفة الأشكال و الألوان ... مر الوقت سريعا ، فتفرقوا عند العشاء ، على وعد أن يطلقوا طائرتهم فى النهار القادم !
ينام أحمد ، يحلم بطائرته .. طائرتهم جميعا .. التى لها أعلام كثيرة .. كثيرة .. هاهو يطلقها مع رفاقه ، يطيرها فى السماء .. هاهي أعلى من كل الطيور .. أعلى من كل الطائرات .. هاهو يجذبها .., يوجهها صوب الهدف .. يطلق لها العنان .. فتصعد كعنقاء خرافية آخذة فى طريقها الطائرة المقبضة العدوانية .. يرخى لها النير .. فتصعد .. تصعد .. يجذب بشدة .. يساعده الرفاق حتى لا يسقط .. وتقتله معها .. يساعدونه .. يفلحون فى اصطياد الطائرة .. هاهي النجمة التى لها رؤوس ستة .. هاهي تسقط كفراشة فتكت بها الأنوار !!
التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب ; 16-01-08 الساعة 04:36 PM
|