خلت محطة قطار اسيوط من المسافرين الا بعض العسكر ذاهبين لخدمتهم منتظرينً قطار الثانية والنصف
ورجلا غلبه النوم فألتف بجلبابة الثقيل ونام على كراسى الانتظار
ودوى فى المكان صوت مشرف المحطة معلناً اقتراب القطار القادم من القاهرة والمتجه الى اسوان
مارأ باسيوط فى تمام الساعة الواحدة والنصف ,,,ولاح القطار من بعيد مطلقاً بوق التحذير مصحوباً بهدير المحركات الضخمة ,وحينما دخل المحطة ارتفع صوت صرير العجلات مع القضبان معلناً التوقف لدقائق
ودلف المسافرون من الابواب متسابقين على نقل الامتعة من القطار الى رصيف المحطة
غير مسافر يرتدى بالطو من الجلد وحذاء لامع لا يحمل فى يديه امتعة ويبدو عليه الثراء ولكن ظاهر للجميع انه (محدث نعمة )؛,,ومشى بخطوات متبختراً متجاوزاً كل المارة وحينما خرج من المحطة اشار الى تاكسى بطرف أصبعه..ومن ثم توقف السائق فدخل الى الداخل وقال للسائق متجاهلاً القاء السلام ..الطوابية ,,
وسار التاكسى ينهب الطريق فى سرعة محدودة وراح جابر { هذا أسمه } ,, يفكر فى عمله وكيف استطاع ان يكون ثروة فى وقت قصير بفعل جهده وعمله المتواصل وحرصه على عدم الانفاق ولو على نفسه
وتمعظ بشفتيه بعد ما جاءتة مكالمة من ابن عمه يخبره ان والدته مريضة وتريد ان تراه على عجل
والدته التى اضناها مرض روماتيزم القلب فأصبحت قليلة الجهد واصبحت لا تفارق الفراش الا قليل ..
وما كانت الثلاث جنيهات التى يرسلها لها ابنها الوحيد كل أول شهر تكفيها لشراء الدواء ..
ولا يوجد مصدر رزق بعد ما باعت ارضها واعطت المال لولدها ليشق طريقة فى التجارة ,,
ولكن ولدها الجاحد نسى ذلك الفعل وراح يتفضل على أمه بالثلاث جنيهات التى يعطيها اياها
وكانها عبئ ثقيل عليه ,.,,
كانت الامطار قد بدأت فى الهطول ثم ما لبثت ان اصبحت كالسيل مما تسبب فى سير التاكسى ببطىء شديد لصعوبة الرؤية , وحين وصل السائق الى اول البلده توقف وطلب منه جابر الاستمرار فرفض لأن الطريق موحل وغير ممهد وان مقص السيارة به كسر سابق ولا يستطيع ان يمشى على ذلك الطين
فاعطاه جابر جنيه ونصف وهو ساخط ومتزمر ..
ونظر بعينة على الطريق الذى اصبح بركة من الوحل ..مما جعله يكيل الشتائم للسائق و لأبن عمه والاسباب التى جعلته يأتى ....وسار على جانب الطريق متفاديا الوحل من جهه والسقوط فى مصرف الماء الموحل من جهه اخرى ,,
وهنا ,,,هنا رأى خيال أمامه ,,خيال لأمرأة تعرفونها جيداً فقال فى صوت أجش ,,ممكن افوت ,؟
فلزمت المراة الصمت ,,فكرر سؤاله ..وهنا سارت المراة الى منتصف الطريق فمر وهو يتوجس خيفه
وظل يعاود الالتفات من حين لأخر وهو يرى المراة تغيب عن عينه وهى فى مكانها بلا حراك,,وحين عاود النظر للامام اصطدم بذات الوشاح الاسود مما افقده توازنه وانزلجت قدمه وهوى فى المصرف وراح يقاوم للخروج ولكن ملابسه الثقيلة جعلت ذلك مستحيلاً ..وأخذ يستغيث بصوته الذى أنجلى عنه الجشأ وهو يمد يده ناحية المرأة التى وقفت جامدة كالصخر ..ولكن لا حياة لمن تنادى وغاص الى القاع وكان أخر ما سمعه ,ازيز كأزيز النحل ,,
يتبع
ــــــــــــــــــــــ
دلف رؤوف الى بيت عمه الذى تقطنه زوجة عمه المتوفى ام جابر وهو حاملاً براد لبن ومعه بعض شرائح الفينو الصعيدى المسمى بالشورخ
وكان ذلك عمل اعتيادى كل يوم قبل ذهابة لعمله ,,يأتى بالأفطار لها ومن ثم فى وقت الغداء تاتى ام رؤوف بالغداء ومن ثم تقوم بقضاء بعض حوائج البيت لها ,,,فتلك المراة مريضة ولا تقوى على العمل و ليس لها ابناء غير جابر الذى سافر الى القاهرة ,, وزوجها متوفى منذ سنين وتتلقى المساعدات من الجيران والاهل ...غير الثلاث جنيهات التى يرسلها لها جابر ..
صباح الخير يا مرات عمى
صباح الخير يا ولدى ,, ما فيه اخبار عن جابر ,,؟
جابر ,,!ألم يحضر بعد ؟
لا يا ولدى ما حضر وقلبى مشغول عليه كتير ,,ما بعرف ان قلبه قسى على أمه لتلك الدرجة
بس انا اتصلت عليه وقالى انه هيحجز فى القطار اليوم او غداً ..واتصلت ليه البارحه وقالولى انه سافر لبلده فى الصعيد .وانا قلت انه اتى اليوم ,,!
لا يا ولدى ما أتى ..اتصل بيه تانى الله يخليك قلبى واكلنى عليه ,,نفسى أشوفه ,,
من عنيه يا مرات عمى هكلمه اليوم وأأكد عليه انه بييجى قوام ,,تعوزى شىء ؟
الله لا يحرمنى منك يا ولدى و يخليلك شبابك يا رؤوف يا ولدى
بعد أذنك مرات عمى ,,
أذنك معاك حبيبى ,,
..وأدمعت عيناها شوقاً لأبنها ولله درها ,,ما كانت تعلم ان ابنها أتى متذمراً
وما كانت تعلم ايضاً أن ابنها بجوارها يرقد فى فى المصرف الموحل ,,
يا لفجيعت قلبها على ولدها , قد يكون خير موته هو الضربة القاصمة لتلك المراة ,
وهذا هو قلب الأم ...لله درها ,,
بسس يه بسسس يه بعبووووك,,,,
العبيط اهه .. العبيط اهه
كانت تلك زفة لعطية {مخبول القرية} من الصبية الاشقياء الذين قذفوه بالطوب حتى خرج من القرية
ومن ورائه ضحكات الصبية فى أستخفاف ..وما كان حد يدافع عنه الا القلائل واصفاين المخبول بالرجل البركة ,,! وصاح احد الرجال فى الصبية قائلاً ,: بس يا واد انت وهو , سيبو الراجل البركة ده لحاله
وكان المخبول فى تلك القرية يعتبر من اولياء الله الصالحين و..حيث انه من كثرة انشغاله بالتفكر فى الله وفى الملكوت ذهب عقله ..وبعد موته سترى قبره قد أبرز واصبح مقام و له مولد كل عام يجنى من وارءة الصوفة المال من الناس بغير حق وينفقوه على اهوائهم ولملىء بطونهم من النذور وخلافه .. وكأن الله تعالى اختار المجاذيب ومن يسيل لعبهم ليكونوا له اولياء ,,! لعنة الله على الظالمين ..
خرج المخبول الى أول القرية وهو يتمتم بعبارات غير مفهومة ,,,
وظل ماشياً ثم جلس على حافة المصرف يأكل بعض الكسيرات من الخبز الجاف اعطتها له احدى السيدات
ثم أخذ يرمى بالحصى فى داخل المصرف وهو سعيد لرؤية التموجات الناتجة عن ذلك ...
ثم وجدى شىء طافياً على الماء ,,فقام ضاحكاً وهو يصيح ,,: الجاموسة ماتت الجاموسة ماتت ,,
وأخذ يقذف المزيد من الطوب ..وهو يهلل ,,
ومر بجواره رجلان وقد استعجبا لما رأوه بتلك الحاله واقتربوا منه و قالوا له ايه الحكايا ,,
فأشار بيده المتسخه ,,الى المصرف وقال ,,الجاموسه ماتت ,,
فضحك الرجلان من لهجته ونظراً الى المصرف ,,ثم ما لبثت ضحكاتهم ان تحولت الى دهشة ,,
حيث كان الجسد الطافى عبارة عن جسد أنسان ,,انسان يرتدى بالطو من النوع الفاخر ,,,..
وافاقا من دهشتهما بعد ما عاد المخبول للصياح مره أخرى ,,
وقال احدهما للاخرى : أجري بلغ العمدة قوام ,,
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعمليلى كباية شاية يا ولية احسن دماغى هتنفجر
حاضر يا عمدة ..
حاضر يا عمدة ,!!,! قبر يلمك ..
اهيييي ,,! أمآل اقولك أيه
قوليلى يا ذو المعالى ,,يا معلوووولتى ,,يا معاليه ,,
حاضر يا معلووولتى
جاكى علة فى رجليكى ,,
ودلف شيخ الغفر الى ساحة الدوار مسرعاً ,..وقام بالنداء ,,يا حضرة العمدة يا حضرة العمدة ,,
ان شاء الله تتعمد يا بعيد ,,يا بهيم انا مش قايلك ما تندهش علية بصوتك ده
معلش يا عمدة اصل الموضوع خطير ,’,,
يعنى الموضوع ناقص خطورة علشان تغفلقها بصوتك العفش ده ,,
احكى يا جلاب المصايب ,,
فيه قتيل فى مصرف الميه ,,
انت يا جدع ما وراكش غير المقتولين ..كل ما تشوف واحد نايم تقول عليه قتيل
هو فيه حدّ بينام فى المصرف يا عمدة ,,!
يمكن يا لوح كان بيستحمى فى المصرف وغرق
هو فيه حدّ بيستحمى فى الشتاء فى المصرف و بهدومه كمان يا عمدة ؟!
بهدومه !! انت بتقول بهدومه,,,يومك مش فايت امشى قدامى على المصرف ,,,
وانت يا غريب بلغ المركز بسرعة ...
الشاى يا معلووولتى ,,
فأخذ رشفة من الشاى وقال لها شايك ماسخ ودلعك ماسخ ,,
وقام مسرعاً الى المصرف ,,
يتبع ,,