لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القسم الادبي > الخواطر والكلام العذب > خواطر بقلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

خواطر بقلم الاعضاء خواطر بقلم الاعضاء


لم تعد لى رغبةٌ فيه

لم تعد لى رغبةٌ فيه !! ---------- طائرا كان مسعد يحلق بنا ، كاشفا الغطاء عن أوعية حبلى بآلاف الحكايات ، يرويها بلا توقف .. يطالعنا بما يخامر الناس واشيا

موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-11-07, 09:33 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو مميز


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 10109
المشاركات: 1,430
الجنس ذكر
معدل التقييم: ربيع عقب الباب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ربيع عقب الباب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : خواطر بقلم الاعضاء
Newsuae2 لم تعد لى رغبةٌ فيه

 

لم تعد لى رغبةٌ فيه !!
----------
طائرا كان مسعد يحلق بنا ، كاشفا الغطاء عن أوعية حبلى بآلاف الحكايات ، يرويها بلا توقف .. يطالعنا بما يخامر الناس واشيا بأسرارهم ، كأنما ينهل من فيض . وكنا نطوقه مبهورين كأن على رؤوسنا الطير .. يجتذبنا نوع من التطلع ، محدقين في صفحة السماء ، نسرح وراء سحبها المتسارعة ، وشمسها المنفلتة في نهر الزوال المفعم بالوجد والضنا .. فنرى أنفسنا بعيدا كطيور محلقة ، مخترقين المدى المثخن ، وهو يمتطى عقولنا كأراجيح ، واشما على نواصيها أحلام الحارة المحققة .. والمنهارة أيضا ، نتنشقها فإذا هي واقع يتنفس أمام أعيننا ، وكأن الأحداث تتشابه علينا ، وهى في الحقيقة ما سبق أن كشف ستره مسعد ذات ليلة .
كان علينا ترقب حدوث مصيبة اليوم كما أنبأنا مسعد .. رحنا نتعجله ليكشف لنا كنهها ، ندت عنه آهة ، وتنهد قائلا :" أنا شايف حاجة مسروقة .. من الناحية دى ".
خطوط وجهه تضيف إلى سنه الصغيرة مئات من السنين ، تتقاطع وقوالب الطوب الأحمر الجامدة ، التي تركتها الشمس تقاسى حزنا فريدا من نوعه . وحين أشار بإصبعه – مسعد – في اتجاه دارنا دوى صراخ جدتي _ الذي نميّزه جيدا _ مزلزلا فرائصنا تغلغل في عنف . على الفور توقعت _ متناسيا نبوءة مسعد _ أن بهيمة ما أصابها مكروه ؛ فما ارتفع صراخ جدتي منذ نفقت جاموستنا " شمعة " في العام الماضي .
ركضنا مدركين الجدة ، وأبداننا ترتعد فرقا . روعتنا حالها . أحطناها بوجوه حزينة بائسة ، ونساء الحارة ملحات رحن يسألنها :" فيه إيه يا خالتي ؟ ". هالني صوتها .. شرعت تقبض على حفنات التراب ، تعفر به وجهها ، ورأسها ، ومن بين دموعها ، تولول :" مهر البنت وشبكتها .. مهر البنت وشبكتها .. ياسنة سودا .. ياسنة سودا ".
لفتني عتمة كريهة ، كانت تضيق .. تضيق وتبتلع كل شيء في صحن الدار ، فلا أرى شيئا ، و لا أسمع إلا دموع المأتم ، وعديد الندابة .
كان الكبار وشيكي الوصول ، يخدمون الغيط البعيد للذرة ، و لا بد لنا من عمل شيء .. وبسرعة ؛ كي لا تتعرض جدتي لموقف لن تحسد عليه ، وتتلاشى كسحابة أمام تهكمات عمى الكبير المؤلمة .
من فورنا زحفنا غازين حجرة الجدة ؛ فالأشياء الضائعة كانت بدولابها المتهالك .. طفقنا نقلب الأشياء ، نفض محتوياته قطعة قطعة ، أصبحت الحجرة فى حالة يرثى لها ؛ كأنها حرثت . أياد كثيرة نبشت أصابعها بحثا عن الكنز الضائع .. كلما انتهينا ، عدنا لسلخ أحشائه مرة أخرى ، وفى كل مرة أكاد أشهد عمى الكبير يقهقه عاليا، مرقصا يده بشماتة :" ألا وانخلي يا أم عامر .. ألا وانخلي .......".
انكمش لائذا بأقرب ركن ، وشك عجيب ينهش قلوبنا فيما نحن صانعوه .. فنعاود الكرة ، يحدونا نفس الأمل الشهي أن نتغلب على الحقيقة التي تصورناها وهما ثقيلا حتى آخر لحظة .
مشاركات الجدة ناحت النساء ؛ فانفطر قلبي ، واختبأت في حجرة المتبن ، أبكى .. حتى اختنقت ، فعدوت مصدورا بينما الجدة ترسل نظرات شزراء ، متابعة حركة زوج عمى الأوسط .. هذه المكتنزة المترهلة المشكوك فى تصرفاتها .غمغمت كاشفة رأسها عن ليل أسود ، ندت عنها آهة ، استطالت آهتها .. بكيت على بكائها ، وغيظ متنام من الولد مسعد يخنق صدري ، فقر علينا ، وأطلق شياطينه سارقة أشياء عمتي .. كان سببا فى حدوث هذه الكارثة . قررت ألا ألعب معه ثانية ، و لا أستمع لكلامه الذي يأتي بالمصائب .
تملكني نوع غريب من الغباء وعدم الفهم ؛ فدولاب الجدة جاء الغجري ، وصنع له مفتاحا خصيصا للأشياء الغالية ، والمفتاح مع عمتي العروس .. التي أقسمت بتوجع أنه ما فارق صدرها ، ولطمت وجهها بقسوة شديدة ، وهى تدبدب كفرس حرون ، ولم تتوقف إلا عندما أغمى عليها ، وانحدرت إلى الأرض يغسلها العرق .
غرقت وسط تيه من الأفكار ، وكلمات مسعد تعود تعبث برأسي ، محلقة بي فى رحابة عالم سحري .. تتناهى إلى ثرثرتهن كأنها آتية من بئر سحيقة ، وأرمق إصرارهن عاويا بالفشل الذريع الذى يلازمهن ، وإذا برائحة ذكية تهاجمني ، ناشلة كياني مما أنا فيه ، تسرى مذيبة جمود ذاكرتي .. أطلت برأسها طاغية تلك الليلة منذ أسبوع ، حين أتى حاملا كيس الموز ..كان الكيس كبيرا منتفخا ، تحيط به نحلات كهالة تواكبه ، ورائحة الموز تتسلل مهيجة كل الحرمان والبؤس ، سارقة لعابي . تمنيت أن يجبر الله عريس عمتى على الرحيل ، ومفارقة الدار ؛ فبرحيله فقط أستطيع الحصول على واحدة ، أما قبل ذلك فلا ، ويكون على حد قول جدتي :" يادى الفضايح .. يقول إيه ؟ محرومين ".
أحسست بقوى خفية تجذبني ، تسوقني تجاه الحجرة .. الراقد فوق سريرها كيس الموز الشهي ، قاومتها بشدة .. كانت أكف الكبار الخشنة تلوح فى وجهي .. تتوعدني قوية فتاكة لا تعرف الرحمة .. نزعت فكرة السباحة فى نهر الظلام ، ونحيت حبي الطاغي للموز جانبا ، متلهيا بمراقبة إخوتى .
ناوشتني الرائحة . دون توقف كانت أسنانى تقرض أظافرى .. شعرت بلحم أصابعى بينها ؛ وقابضا كالعتة كان طعم الدم في فمي .. ضبطت نفسي أحصى الأولاد فى الدار ، وأخفف من ضغط الخوف : " هيا .. من سيعرف ؟ وأنه أنت بالذات ؟ كثيرا ما تضيع أشياء عمى الصغير _ أقلامه وكتبه _ فأتهم بسرقتها ، وأنال علقة طاحنة ، جزاء فعلة لم أرتكبها . رائحة الموز تناديني .. تتشكل أمامي ، تنفذ عبر مسام جلدي ، هفهافة ندية كحلم ، أتذوقها بلعابي السيال .. الرغبة تطيح بكل مخاوفي .. أنساق .. أتوقف حائرا .. وعندما ألفيت الدار ..وقد خفتت بها الأصوات . ولجت الحجرة ، والظلام يشملها .. خطوت مرتبكا خائفا - هذه المرة من الأشباح والعفاريت _ لكن حبي للموز كان أقوى من كل عفاريت العالم .. و لا بد لي من واحدة .. موزة ؛ ولو كان ثمنها علقة من عمى الكبير !!
بجانب السرير العالي شددت قامتي ، وعلى حماره صعدت ، ثم بيد مرتعشة رحت أنقب عن الكيس فى بحره الوسيع .. عامت يدي .. وماطالت شيئا ، والرائحة تفضح وجوده ، لكن الصيد تأبى على .. لم أيأس .. فطنت إلى أنه يتحتم على الخروج من حصار الموز ؛ لأستجمع قواي ثانية ، ويكون حظي من الصيد جديدا .. تقهقرت ، انحرفت قدماى تحت السرير، اصطدمتْ بجسد طرى ، غاصتْ فى لحمه ، عندئذ تبخرتْ رائحةُ الموز ، اختفت تماما ، وزلزلني الخوف فبدوتُ مرتعبا ، وجسدي ينتفض .. زعقت ملتاثا :" حرامي .. حرامي ". و أنا لا أملك سيطرة على نفسي .
اندفع عمى الأوسط نحوى بأقصى سرعة ، فقابلته بوجه ضاحك :" أنا باضحـ.....". و لا أدري لماذا .. ولم كان تصرفي على هذا النحو ؟ هل تراني خفت .. من كشفه حقيقة الأمر ؟ لا أعرف ، وكل ما أذكره .. أنه جرى خلفي مغيظا ، ولما طالتنى رجله .. دفعنى بركلة قوية زاحفا على الأرض ، إلى جانب حصولي على إصبع وحيد من الموز ، عندما قررت جدتي .. ونمت ليلتها وقد حاصرتني أحلامى المفزعة !!
كاشفت جدتي وعمى بما يدور براسي ، لكن عمى خذلني ؛ إذ أنه لم يتذكر شيئا ، فحسبت أننى أخرف ، وأتصور أشياء مثلما يفعل مسعد .. انتهرني عمى ساخرا من خرفي ، فازداد إصرارى ، ورحت أؤكد له ما حدث ، محاولا نبش ذاكرته .. وكان آخر ما قلته عن حمارنا ..الذي نهق ساعتها ، ولم يتوقف حتى قابله عمى بضربات متواصلة على رأسه ، أسكتته فى الحال ؛ومن يومها والحمار لا يرى بعينيه .
شاتما واجهني عمى ، التقط عصا مطاردا إياى ، وهو يردد :" احنا في إيه .. و لا فى إيه يابن الـ......".
انزويت شاعرا بالخيبة .. لكنهم لما لم يجدوا حيلة ، ركنوا إلى حكايتي ..وعدل العم عن رأيه ؛ ليؤيد ما قلت متناسيا إنكاره السابق !!
كان اكتشاف أمر السارق ضروريا ؛ و إلا لن تتزوج عمتي التي أحبها كثيرا ، وتجعلني ألعب مع البنت عواطف عريس وعروس ، وتصبح مثل جارتنا فرحانة صاحبة الوجه المكرمش ، والصوت الشبيه بصوت الضفدعة ، و التي كثيرا ما ألمحها تكلم نفسها ، وحين تكلفني بشراء شيء ، أسير على مضض ، وأعود بطلبها ، فأقذف به داخل دارها من الخارج ، وأرمح هاربا.
تحلقنا "الكانون" منتظرين الجدة التي سحبت عمتي ، وقصدتا الشيخ الدهشان الذى يقرأ الكوتشينة و الكف و الفنجان ، و لابد يدلهم على ملامح اللص ؛ فسره باتع ، ولن يخيب رجاء عائلتنا المنكوبة .
شعرت بحركة غير عادية فى الدار .. يبدو أننى غفوت قليلا ، قمت من مكاني ؛ لأرى أمى تتوضأ لأول مرة فى غير رمضان . سألت زوج عمى الأكبر :" هو رمضان جه ياامرأة عمى ؟ ". ردت بالنفي ، ثم رأيتها تفعل نفس الشيء .
أصابتنى حيرة مما يقع حولي .. ولم تطل حيرتي ؛ فقد رأيت أمى تدلف من حجرة ، ومن خلفها امرأتا عمى .كان عمى الأكبر يمسك بالمصحف في وقار ، وينقله بينهن مرددا فى حسم :" احلفي على المصحف الشريف ما أخذت الفلوس و لا الصيغة ؟".
بانت وجوههم أكبر بكثير من أعمارهم .. كانت أكثر توحشا ، و كنت أرتجف خائفا على أمى .. امتنعت زوج العم الأوسط عن الحلف ، وأصرت على عدم ملامسة المصحف ، فهالهم ما كان منها ، وظلوا غير قادرين على ابتلاع الموقف .. حاولوا المرة بعد الأخرى الضغط عليها ؛ فتفعل مثل سلفتيها ، لكنها أبت وبشدة ، نكلوا بها ، واتهموها بالسرقة .. وحين ضيقوا عليها الخناق هتفت باكية :" حرام يا ناس .. احلف ازاى و أنا عليه الـ ......"بينما عمى _ زوجها _ يرسل إليها نظرات رخوة ؛ لم أفهم لها معنى !
كان معنى تجمعهم ، وانتقال المصحف بينهم ، أن كل من بالدار عرضة للاتهام ، وأن ما قاله الشيخ ليس كافيا .نمت هذه الليلة مؤرقا حزينا ، وشعور حاد بالمرارة و الغيظ ينهش كياني ؛ فأنا الوحيد من بين هؤلاء الذي كان بإمكانه الإيقاع باللص ، و منع المصيبة من الحدوث ، لكنني عندما غرقت فى النوم ، رأيت شيئا مفزعا ، قمت على إثره قاعدا ، والصور تتلاحق أمام عيني :" رأيت عريس عمتي يرتدى لباسا غجريا .. كان بين الغجر ، وهم يعرضون أشياءهم : الأقمشة .. والمفروشات .. أطقم الصيني . هاهو ذا يغافلنا ، يتسلل إلى الحجرة ، يفتح الدولاب _ الذي طاوعه دون مفتاح _ وظل ينبش حتى عثر على المهر و الشبكة ، يعيد محتوياته ، ينسحب خارجا ... كانت زوج العم فى انتظاره .. أعطاها الأشياء .. تخيرت لها موضعا فى حجرتها .. هناك فى ركن قصي تحت السرير ؛ وكنت أرقبها . ما إن خرجت حتى تلصصت داخلا ، خضت فى تراب الحجرة ، أجلى التراب عن الحفرة ؛ وإذا بثعبان ضخم يهاجمني ، يفح فحيحا عاليا ، وقبل تمكني من الهرب أدركنى ملتفا حول عنقي .. يعتصرني أصرخ .. يعتصرني .. أصرخ .. عندئذ قمت من نومي ، وأنا أتحسس عنقي التي كانت تؤلمني بالفعل .
في اليوم التالي عم الصمت الدار ، وسرح الأهل إلى الغيط مطاطئى الرؤوس ..تسبقهم الدواب ، وقد ألانت هذه من عنادها المعتاد ، ومدت أخطامها ملامسة تراب الطريق .. والحلم يغلق على منافذ التفكير ، متشبثا بي ..كالقراض كان ؛ فأتصور أننى سوف أحصل على ما ضاع وأفرح جدتي _ أم الحواديت فى الحارة _ فترضى عنى ، ومعنى رضائها ؛ ألا ترتفع يد لضربي !!
لعبت براسي الفكرة ، فاعتديت على حجرة عمى الأوسط ، منجذبا تقدمت تجاه المكان الذي حدده الحلم ، انتابت أصابعى رجفة .. شعرت بها تنمل ، وتذكرت الثعبان ..أحفر ..أحفر ..لا أجد شيئا .أتوقف .اختلط كل شيء ، ألتبس على الأمر ، أقصد مكانا آخر ؛ فلا أجد إلا الفحيح ، فأغادر الحجرة مهرولا ..وأنا أبرىء زوج العم ، لكن سرعان ما أعود إلى اتهامها ، فإليها يعود السبب في المصائب التي تحل بدارنا ، هي الوحيدة التي لا تسمح لأحد بضربها أو شتمها !!
بعد أسبوع أقبل عريس عمتي ، المطغم بروائح الفواكه الرائعة ، بناء على استدعاء جدتى .. أقبل دون أكياسه ، ونحلاته المضيئات.. وقبل انصرافه هذه الليلة دبت خناقة بينه وبين عمى الذي أصر ، دون تراجع أن يحلف على المصحف ، مثلما فعل مع الجميع .. فرفض ، واتهم عمى الكبير بعدم التمييز ، وأنه إنسان متخلف لا يراعى الذوق ، ومعنى حلفه على المصحف أنهم متشككون فى ذمته ، وليس هناك أغلى من شرفهم الذي يأتمنونه عليه ، وانصرف رافسا مكدودا ، مهددا بفسخ الخطوبة !!
كانت أياما سوداء على الدار ...وعلى من فيها من آدميين و دواب ..
كلهم يحمل فوق ظهره ثقل الكارثة ، ومرارات فى الحلوق ؛ فلا تتخاطب ..
يتحدثون برتابة ، وتشكك ، وكل يحدق فى وجه الآخر متهما إياه :" لم لا تكون أنت ؟".
وكانت أحلامي هي الأخرى حملا ثقيلا ينوء به عمري ، وخوفي على عمتي يتزايد بمرور الأيام ، فقد انقطعت زيارات العريس ، كما انقطعت أخباره .
عشت مثل من بالدار أنتظر مفاجأة ما ، شيئا سحريا يرجع للبيت بهجته ، وللحياة طعمها المعتاد .
الشيء العجيب أنني لم أستطع كراهية عريس عمتي مثلهم ، وعندما يخوض الأهل فى سيرته أشم الأشياء التى أحبها : الموز .. البرتقال .. البرقوق ... والكثير من الأصناف التي كنت دائما أجدها عقب زياراته .
أقص على الأصدقاء ما كان ، يبكى البعض متأثرا ، ويروح الآخرون طارحين أفكارا غاية فى الجرأة ....تشبه أفكار الكبار ؛ فنضحك مستخفين بصاحب الرأي الجسور ، ضاربينه بما فى أيدينا ، فيركب نزقهم مدى بعيدا ، مرتحلين فى سفن السندباد عبر بحر العجائب ، والساحرات تحوطن مركبنا مهللات ... طافيات على سطح الموج الهائج ، يرصدن الكنوز المخبوؤة فى قيعان البحار الممتدة بلا شطآن ... استدعى الأصدقاء حكيم المحطات المتربع تحت شجرة الجميز العجوز ، حكوا له ما كان ، استحثوه يرشدنا إلى مكان الأشياء الضائعة .
رد مسعد بعد صمت طويل ، راسما على وجه سيما الجد والوقار :" المهر و الشبكة ... المهر والشبكة فى مكنة الخياطة ...هاهي أمامي ..هناك في تابوتها تنام نفرتيتي " .
مصعوقا تجمدت من المفاجأة .. هاهو مسعد يملك مازال سحره ..ويمارس هوايته ، يتلاعب بعقولنا ..وكان لعمتي بالفعل مكنة خياطة من طراز نفرتيتي ...إيه يا مسعد ..يا من انطلقت الأشباح من فمك ؛ فسرقت عمتي . تنبهت إلى قسمي ألا أعاود اللعب معه ، وكان يتجنبني غير مصدق .
دنوت منه .. ازداد تباعدا ، شاعرا بالغدر فر من أمامي هاربا ، وأنا أرمح خلفه .لما يئست من اللحاق به توقفت عن مطاردته ...وكلماته ترن فى ظلمة الحارة .
لحق بى الأولاد ، قافزا جريت غير مبال بنداءاتهم المتكررة ، مغافلا جدتي كنت داخل الحجرة ، أسعى فى ظلامها محددا طريقي ، أصطدم بشيء حاد ، آلمتني ركبتي ..لم أتراجع . وإذا بضوء يقتحم على الحجرة ، ضبطتني جدتي ، تفحصتني بعينين ضيقتين حمراوين ، بينما أبحث جادا عن منفذ أزوغ منه .
لما طال سكوتها شعرت بفداحة ما أقدمت عليه ، زعقت فى وجهها :" الفلوس و الشبكة فى المكنة ياستى ".
تأرجحت اللمبة بين أصابعها ، واهتز قلبها بعنف :" وإيه اللى عرفك ياوله ؟ ".
دون جدوى أرهقت الجميع معي ، فبكيت مكتويا ، دافنا جسدي الضئيل خلف الباب ، اقتربت جدتي منى ، والعرق يغسل وجهها ، جذبتني إلى صدرها حانية ، مطيبة خاطري :" همه فى المكنة برضه يا روح ستك ، ماتزعلشى منه لله .. همه فى المكنة ..همه فى المكنة " . واستمر لسانها مجددا يردد :" همه فى المكنة "حتى اختفت !!
لم أنم ، درت ساعيا خلف مسعد ، وبقبضتي حجر ، وكلى إصرار على شج رأسه ؛ فقد جعلهم يضحكون على ، وجعلني أخجل منهم ، وأحس بنظراتهم تلسع وجهي .
عندما أصبحنا وجها لوجه ، أدركت إلى أي حد أحب مسعد ، فقط تعاتبنا ، وتصالحنا فى الحال ، وعاد يحكى نبوءاته الشنيعة ، وعدت أتحين الساعة التي نتسامر فيها ، أترقبها بفارغ الصبر .. بينما الدار تنفض عنها تجهمها شيئا فشيئا ؛ فأرى أمي تعود لـ " لنقارها " مع إحدى " سلفيتها " وأسمع جدتي منتحية بعمى جانبا ، تثقل كاهله بحديث مسهب ، فى كيفية كسر شوكة امرأته العنود ، وعلا صوت مكنة الخياطة بلا توقف ...ليل نهار !!
عندما عادت جدتي من السوق عصر يوم ، ومعها عمتي تحمل آنية كثيرة ، علت زغاريد مدوية فى الحارة ، ظلت تتردد كل أسبوع طيلة سنتين كاملتين ، وفى إحدى الأمسيات كنت عائدا من لهو كل ليلة مع " مسعد " الذي يبدو أنه كان يكبر بسرعة عجيبة ، هاجمتني رائحة الموز ، فواحة هفهافة ، هرولت متابعا مسارها ؛ فإذا حجرة جدتي تتلألأ أنوارها فى فرح ، وعريس عمتي يتوسط المكان باسما ، وقد أضفت الأضواء على وجهه نوعا قاسيا من التورد ، أشاع فى الفزع ؛ فيهىء لي كأنني أرى أقراطا تتدلى من أذنيه ، وأوراقا حمراء متلاصقة تطل من كمه ............. فأحجمت عن دخول المكان .
حاضنا ضلفة الباب حدقت فيه ، فانقشعت هذه الرائحة ، وطغت عليها رائحة الزريبة القريبة ، فانسحبت حزينا ...ولم ألتفت لنداءات جدتي ، وهى تطاردني بموزه ....الذي لم تعد لي رغبة فيه !!


انتهت
ربيع عقب الباب

 
 

 

عرض البوم صور ربيع عقب الباب  

قديم 30-11-07, 09:48 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 51992
المشاركات: 68
الجنس أنثى
معدل التقييم: جنا المتفائلة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جنا المتفائلة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ربيع عقب الباب المنتدى : خواطر بقلم الاعضاء
افتراضي

 

مبدعنا ربيع
لم اقراء كلماتك لكن بسبق هموسه وسراب واكون اول من يرد عليك
ولي عوده ..
تقبل مروري

 
 

 

عرض البوم صور جنا المتفائلة  
قديم 30-11-07, 11:16 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: May 2007
العضوية: 29499
المشاركات: 8,843
الجنس أنثى
معدل التقييم: المحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسيالمحرومه من الحنان عضو ماسي
نقاط التقييم: 5331

االدولة
البلدOman
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
المحرومه من الحنان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ربيع عقب الباب المنتدى : خواطر بقلم الاعضاء
افتراضي

 

خاطرة رائعة
كلام متميز
أحساس دافي
أسلوب متميز
الله يعطيك العافية

 
 

 

عرض البوم صور المحرومه من الحنان  
قديم 30-11-07, 11:25 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو مميز


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 10109
المشاركات: 1,430
الجنس ذكر
معدل التقييم: ربيع عقب الباب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ربيع عقب الباب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ربيع عقب الباب المنتدى : خواطر بقلم الاعضاء
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جنا المتفائلة مشاهدة المشاركة
   مبدعنا ربيع
لم اقراء كلماتك لكن بسبق هموسه وسراب واكون اول من يرد عليك
ولي عوده ..
تقبل مروري

فى انتظار قراءتك جنا
أهلا بك هنا مع مسعد ، وهذا الموز الشهى

ربيع

 
 

 

عرض البوم صور ربيع عقب الباب  
قديم 30-11-07, 11:26 PM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو مميز


البيانات
التسجيل: Aug 2006
العضوية: 10109
المشاركات: 1,430
الجنس ذكر
معدل التقييم: ربيع عقب الباب عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ربيع عقب الباب غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ربيع عقب الباب المنتدى : خواطر بقلم الاعضاء
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المحرومه من الحنان مشاهدة المشاركة
   خاطرة رائعة
كلام متميز
أحساس دافي
أسلوب متميز
الله يعطيك العافية

لالا .. لن أكتفى منك بهذا التعليق
أنا فى انتظار قراءتك للعمل .....فهل هذا كثير !!!


ربيع

 
 

 

عرض البوم صور ربيع عقب الباب  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رغبة
facebook




جديد مواضيع قسم خواطر بقلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:15 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية