المنتدى :
البحوث الأدبية
الفرق بين التذكر والتفكر ؟ للشيخ رحمه الله : ابن قيم الجوزي
قال تعالى في سورة ق : ( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب)
فالتبصرة : التعقل , والتذكرة: التذكر, والفكر باب ذلك ومدخله, فإذا فكر تبصر وإذا تبصر تذكر, فجاء التذكير في الأية لترتيبه على العقل المرتب على الفكر فقدم الفكر إذ هو الباب والمدخل ووسط العقل إذ هو ثمرة الفكر ونتيجته وأخر التذكر إذ هو المطلوب من الفكر والعقل فتأمل ذلك حق التأمل.
فإن قلت: فما الفرق بين التذكر والتفكر؟ فإذا تبين الفرق ظهرت الفائدة.
قلت: التفكر والتذكر أصل الهدى والفلاح وهما قطبا السعادة, ولهذا وسعنا الكلام في التفكر في هذا الوجه لعظم المنفعة وشدة الحاجة إليه , قال الحسن : مازال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر ويناطقون القلوب حتى نطقت فإذا لها أسماع وأبصار ... فأعلم أن التفكر طلب القلب ماليس حاصل من العلم من أمر هو حاصل منها هذا حقيقته, فإنه لو لم يكن ثم مراد يكون مورداً للفكر استحال الفكر لأن الفكر بغير متعلق متفكر فيه محال, وتلك المواد هي الأمور الحاصلة, ولوكان المطلوب بها حاصلاً عنده لم يتفكر فيه, فإذا عرف هذا فالمتفكر ينتقل من المقدمات والمبادئ التي عنده إلى المطلوب الذي يريده , فإذا ظفر به وتحصل له تذكر به وأبصر مواقع الفعل والترك , وماينبغي اجتنابه, فالتذكر هو مقصود التفكر وثمرته ...
فإذا تذكر عاد بتذكره على تفكره مادام عاقلاً لأن العلم والأرادة لا يقفان على حد بل هو دائماً سائر بين العلم والأرادة.
( وأذا عرفت ) معنى كون آيات الرب تبارك وتعالى تبصرة وذكرى يتبصر بها من عمى القلب ويتذكر بها من غفلته فأن المضاد للعلم, إما عمى القلب وزواله بالتبصر, وأما غفلته وزواله بالتذكر..
والمقصود تنبيه القلب من رقدته بالأشارة إلى شيء من بعض آيات الله, ولو ذهبنا نتبع ذلك لنفذ الزمان ولم نحط بتفصيل واحدة من آياته على التمام , ولكن مالا يدرك جملة لا يترك جملة, وأحسن ما أنفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه والأنتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته فلذلك عقدنا هذا الكتاب على هذين الأصلين إذ هما أفضل مايكتسبه العبد في هذه الدار...
المصــــــــــــــدر::
كتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والأرادة..
تأليف : الأمام ابن قيم الجوزية...
الجزء الأول ........... صفحة : 329-330
التعديل الأخير تم بواسطة منى توفيق ; 26-08-08 الساعة 07:53 PM
|