المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الهاجس
الهاجس الوقت متأخر ، كنت عائدا من عند الطبيب ، أعرض عليه نتائج آخر التحاليل ، و أشكو له من زيادة الاستسقاء ، وانتفاخ بطني .
حملتني خطواتي الواهنة لرصيف "16" بمحطة مصر حيث قطار منوف . اخترت عربة مضيئة وسط القطار. وألقيت جسدي على أقرب مقعد لمحت نوافذه مغلقة ، الليلة باردة و أنا لم أغير ملابسي الصيفية بعد . فمازلنا في أول أسبوع من نوفمبر . يجب أن أطلب من زوجتي إخراج ملابسي
منتدى ليلاس الثقافي
الشتوية الثقيلة . فصحتي لم تعد تحتمل هذا البرد . العربة تكاد تخلو من الركاب ، تفقدت جيراني بالعربة ، اثنان - رجل وامرأة ، أمامي في أول العربة - بجوار الشباك المكسور في الكرسي الأول إلى اليسار ، رجل في المقعد المجاور لي من ناحية اليسار ، وثلاثة في آخر العربة ، لا أراهم ولكن أصواتهم كانت تصلني من بعيد ، القطار هو الآمن والأسهل لي في سفر الليل ، فمحطة القطار في القناطر قريبة من منزلي ، حوالي "7" دقائق مشي … ولكن البرد ؟
شرعت في عد الشبابيك المفتوحة أو المكسورة الزجاج – في العربة – لأتنبأ بمدى برودة العربة عندما يتحرك القطار .
RLهكذا كنت أحاول أن أشتت تفكيري ، لأهرب من هواجسي المفترسة .
هذه الشفقة المميتة في نظرة دكتور التحاليل وهو يعطيني النتائج . وإحساسي برغبة شديدة في البكاء و أنا أغادر معمل التحاليل ، كلمات الصيدلي الذي عرضت عليه النتائج كما اعتدت : " لازم تتابع مع طبيبك المعالج ، لا أخفي عليك ، هذه المرة النتائج أسوأ " ، سؤال الطبيب لي اليوم عن إمكانية إدخالي المستشفى تبع التأمين ، وعن حالات الغيبوبة .
عدت أعد النوافذ المفتوحة والمغلقة ، أتخيل اتجاهات الهواء . أعد الركاب الستة ، وأتبين أصوات من لا أراهم . أتابع شخير جاري في المقعد المجاور ، أحاول تخيل ملامح وجهه المغطى بالكوفية بإحكام .
كان القطار قد غادر لتوه محطة شبر الخيمة ، صوت خطوات حريمي تقترب ، تقدمت وجلست في مواجهتي في مقعدي .
تُرَى لماذا تَخيرتْ مقعدي بالذات ؟ هل تخاف الوحدة والليل ؟
أم تبحث عن مقعد دافئ مغلق النوافذ مثلي ؟
هي في أوائل الثلاثين … نعم أعتقد ذلك ، تبدوا في مثل سن زوجتي . ولكن لماذا ترتدي السواد – الجيبة ، البلوزة ، الجاكت – حتى الإيشارب الذي ينحسر عن شعرها الأشقر قليلا – أسود ، تُراها عائدة من عزاء ؟ في مثل هذا الوقت ؟ سرقت نظرة أخرى لوجهها ، لا… أعتقد … هذا الوجه الثلاثيني قد عانى مرارة الترمل . أستطيع أن أجزم بذلك .
كان صاحبي الشِخِّير في المقعد المجاور قد انتظمت إيقاعاته ، وترهلت أطرافه ، وتمدد على الكرسي الثلاثي ، ومازالت كوفيته تستر وجهه . وصاحبة الرداء الأسود التي أثارت زوبعة الأسئلة في رأسي ساكنة ، تحاول أن تمنع عينيها من التجول . و أنا سعيد بتشتتي . والقطار يغادر قليوب البلد .
لا أدري سر اهتمامي برفيقة المقعد ، فقط على ما أعتقد هو اهتمام فطري لا أكثر . ولكني كنت حريص أن أبدو متحفظا في جلستي ، وحركاتي ، ونظراتي .
أعتقد أنها قد نسيت وجودي ، كانت عيناها معلقة على جاري الشخير باهتمام . نبهها صوت ولاعتي لوجودي ، فسحبت عينيها بسرعة وحرج وثبتتها على النافذة المغلقة ، كان صاحبنا الشخير الممدد قد انكشفت ساقه ، وانكشفت عورته تحت جلبابه بشكل لافت للنظر .
أحسست بالحرج ، فكرت أن أعتذر لها ، ولكن كيف ؟ ولماذا ؟ و عن ماذا ؟ أم تراها تريد أن تتأكد من انشغالي لتعاود النظر ؟.
انسحبت من مقعدي بهدوء ،تركت العربة كلها . كان القطار قد أقترب من القناطر .
عندما وقعت عيني على صورتي في المرآة وأنا أغير ملابسي ، وقفت أتأمل جسدي السبع والثلاثيني ، وبشرتي الخضراء، وبطني المنتفخة، و ملامح قلق الصباح مازالت محفورة في وجه زوجتي . ومسحة حزن تشي بوجه يخشى الترمل ، حاولت النظر عميقا في عينيها ، ولكني لم أستطع
منتدى ليلاس الثقافي
|